كتاب نظرة عابرة الى الصحاح الستة ص 259 ـ ص 280
كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وربما يأتي بعض ما يوضح المقام .

امارة المرأة
(507) عن أبي بكرة: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّام الجمل بعد ما كدت أن الحق باصحاب الجمل فاُقاتل معهم، قال: لمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى، قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»(1).
أقول: وانت إذا ضممت هذا الحديث إلى ما يأتي عن قريب ذيل عنوان القاتل والمقتول في النار تعلم كذب أبي بكرة لا محالة، فدقق النظر. وقيل انّ أبي بكرة محدود من القذف!!!

الخلافة وأهل البيت
(508) عن ابن عباس:... فأخذ بيده (بيد علي) عباس بن عبدالمطلب فقال له: انت والله بعد ثلاث عبد العصا (اي تابع لغيرك) وانّي والله لاَرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يُتوفّى من وجعه هذا... اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله في من هذا الاَمر إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا.
فقال علي: انّا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وانّي والله لا أسألها رسول الله(2).
أقول: في الرواية تأمّل.

عمل غير عقلائي عن النبي صلى الله عليه وسلم
(509) عن عائشة: لددناه في مرضه، فجعل يشير الينا أن لا
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4163.
(2) صحيح البخاري رقم 4182 كتاب المغازي.

( 260 )
تلدُّوني... فلمّا أفاق... فقال: «لا يبقى أحد في البيت إلاّ لُدَّ وأنا أنظر إلاّ العباس، فانّه لم يشهدكم»(1).
اللد: جعل الدواء في جانب فمه بغير اختيار، كما قيل.
أقول: فهل يصدق عقلك، صدور هذا العمل من النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم أو تقول انّه موضوع مكذوب، وهكذا يلعبون بمقام النبوة والتأريخ.

فاطمة في مرضه صلى الله عليه وسلم
(510) عن أنس: لمّا ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشّاه، فقالت فاطمة عليها السلام وا كرب آباه.
فقال لها: «ليس على ابيك كرب بعد اليوم».
فلمّا مات قالت: يا ابتاه، أجاب ربّاً دعاه، يا أبتاه، مَن جنّة الفردوس مأواه....(2).

في نظر عمر
(511) عن ابن عباس: قال عمر اقرؤنا اُبي، واقضانا علي، وانّا لندع من قول اُبي، وذاك انّ أُبيّاً يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها)(3).
والذيل مجمل، فارجع إلى الشروح توضّحه.

المتعة
(512) عن عمران بن حصين: اُنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم ينزل قرآن يحرّمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4189.
(2) صحيح البخاري رقم 4193 كتاب المغازي.
(3) صحيح البخاري رقم 4211 كتاب التفسير.

( 261 )
رجل برأيه ما شاء(1).
وسيأتي بعض الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

أبو ذر في منفاه
(513) عن زيد: مررت على أبي ذر بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الارض؟
قال كنّا بالشام فقرأت: (والّذين يكنزون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهُم بعذابٍ أليم).
قال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلاّ في أهل الكتاب.
قال: قلت: انّها لفينا وفيهم(2).
أقول: لباحث عاقل ان يسأل عن ناقلي هذه الرواية، إذا كان الاختلاف بين أبي ذر ومعاوية بهذا الحد، فما هو الداعي للعنف ونفي أبي ذر من الشام إلى المدينة ثم منها إلى الربذة بوضع مؤسف؟ وربّما يتهم بعض الكتّاب أبا ذر بانّه زلّ قدمه في تفسير الآية إلى أن وقع في فخ الاشتراكية، والواقع انّ النزاع لم يكن في مجرد شمول اطلاق الآية على المسلمين وعدمه ولا في الغاء الملكية الفردية، بل في عدم صرف بيت مال المسلمين في المصالح العامة ومساعدة الفقراء، فانّ معاوية يكنز المال في مخزنه لمصالح حكومته وقومه، وأبو ذر كان يخالفه.
وفي شرح النووي على مسلم(3): وقال القاضي: الصحيح انّ انكاره انّما هو على السلاطين الذين يأخذون لاَنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4246 كتاب المغازي.
(2) صحيح البخاري رقم 4383 كتاب التفسير.
(3) ج 7: 77.

( 262 )
في وجوهه.
لكن النووي يعقبه بقوله: وهذا الذي قاله القاضي باطل، لاَنّ السلاطين في زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا في بيت المال، انّما كان في زمنه أبو بكر وعمر وعثمان.
أقول: انكاره في الشام انّما كان على معاوية الذي يعلم كلّ عاقل غير أعمى القلب حاله، وفي المدينة على عثمان رضي الله عنه ، فانّه انفق على بني أُميّة وحاشيته ما هو معلوم. فكلام القاضي صحيح ثم انّ لاَبي ذر موقفاً آخر في المدينة(1).

المادة الاصلية
(517) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «...ويبلى كلّ شيء من الانسان إلاّ عجب ذنبه، فيه يركب الخلق»(2).
(518) وعنه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلّ ابن آدم يأكله التراب إلاّ عجب الذنب منه خلق وفيه يركب».
(519) وعنه أيضاً: انّه صلى الله عليه وسلم قال: «انّ في الانسان عظماً لا تأكله الاَرض أبداً، فيه يركب يوم القيامة».
قالوا: أيّ عظم هو يا رسول الله.
قال: «عجب الذنب»(3).
أقول: العجب ـ بفتح العين واسكان الجيم ـ الاَصل، أي أصل الذنب، وهو عظم لطيف في أسفل الذنب، وهو رأس العصعص كما قيل.
____________
(1) انظر صحيح مسلم 7: 75 و76 كتاب الترغيب في الصدقة.
(2) صحيح البخاري رقم 4536 كتاب التفسير.
(3) صحيح مسلم 18: 92.

( 263 )
ويقول السيوطي في شرحه على سنن النسائي: زاد ابن أبي الدنيا في كتاب البعث عن سعيد بن أبي سعيد الخدري: قيل: يا رسول الله وما هو؟ قال: «مثل حبة خردل»(1).

فضل رجال من فارس
(517) عن أبي هريرة: كنّا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فاُنزلت عليه سورة الجمعة: (وآخرينَ مِنهم لمّا يلحقوا بهم) قال: قلت: من هم يا رسول الله، فلم يراجعه حتى سأل ثلاثاً وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله يده على سلمان ثم قال: «لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء»(2).
أقول: إذا ثبت نزول سورة الجمعة قبل غزوة خيبر، فيثبت كذب الحديث؛ لاَنّ أبا هريرة لحقه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر.
وفي حديث آخر: «لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس ـ أو قال من ابناء فارس ـ حتى تناوله(3).

الوصية
(518) عن طلحة: سألت عبدالله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا.
فقلت: كيف كتب على الناس الوصية اُمروا بها ولم يوص؟
قال أوصى بكتاب الله(4).
____________
(1) سنن النسائي ج 4: 112.
(2) صحيح البخاري رقم 4615 التفسير.
(3) صحيح البخاري رقم ج 16: 106.
(4) صحيح البخاري رقم 4834 فضائل القرآن.

( 264 )
أقول: الجواب لا يطابق السؤال، فانّ الوصية مكتوبة على المكلفين ـ ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم ـ في القرآن، والنبي له أموال وورثة وديون، وكانت درعه مرهونة عند يهودي، فهل يرثه ورثته أم لا؟ وهذه غير وصية الناس بكتاب الله، فجواب عبدالله غلط ولا بدّ انّه صلى الله عليه وسلم أوصى إلى أحد، ثم انّه لو تكفي الاُمّة الوصية بكتاب الله لم يحتج في مرض موته أن يطلب الكتاب ليكتب لهم ما لا يضلون بعده، ومع ذلك أوصى بامور في ذلك المجلس.
(519) عن عائشة: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً ولا بعيراً ولا شاة، ولا أوصى بشيء(1).
(520) عن حنش: رأيت علياً يضحي بكبشين، فقلت: ما هذا؟
فقال: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن اُضحي عنه، فأنّا اُضحي عنه(2).
(521) عن ابن عباس: انّ رسول الله أوصى بثلاثة: «اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، واجيزوا الوفد...» وسكت عن الثالثة أو قال: انسيتها(3)!!!
(522) عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غرس»(4).
أقول: قول المنكر مستند إلى جهله ولا يعارض قول المثبت، وعلي وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الاُمور.
(523) عن مسلم... ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما انّي سأكتب لك بالوصاة بعدي» قال: ففعل وختم عليه ودفعه الى...
____________
(1) سنن أبي داود 3: 111.
(2) سنن أبي داود 3: 94 كتاب الضحايا.
(3) سنن ابي داود 3: 163 كتاب الخراج.
(4) سنن ابن ماجه رقم 1468 كتاب الجنائز.

( 265 )
أقول: وذكر ابن حجر الشافعي في رسالته التي ألّفها للدفاع عن معاوية (تطهير اللسان والجنان) حديثاً آخر قال: وبسند فيه رجلان، قال الحافظ الهيثمي: لا اعرفهما، وبقية رجاله ثقات، انّ عمار بن ياسر أقبل يوم الجمل فنادى عائشة، فلمّا عرفته قالت: لهم: قولوا له ما تريد؟
قال: انشدك بالله الذي أنزل الكتاب على رسوله في بيتك أتعلمين انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عليّاً وصيّاً على أهله وفي أهله؟
قالت: اللهم نعم.
قال: فما بالك؟...

متعة النساء
(524) عن أبي حمزة: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: انّما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلّة أو نحوه.
فقال ابن عباس: نعم(1).
أقول: الذيل مفتعل ومردود، إذ بعد مشروعيتها لا مجال للقيد المذكور.
(525) عن محمّد بن علي: انّ علياً قال لابن عباس: انّ النبي نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الاَهلية زمن خيبر(2).
أقول: من وقف على مذهب محمّد بن علي وعلي بن أبي طالب في المتعة يجزم بانّ هذا الحديث مفتعل، على أن نهي النبي عن لحوم الحمر الاَهلية لم يكن حكماً شرعياً دائمياً، بل صدر مؤقتاً ـ كما مرّ ـ ولا أقلّ من
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4826 كتاب النكاح.
(2) صحيح البخاري رقم 4825.

( 266 )
احتماله، فكذا في المتعة لوحدة السياق. ويدلّ عليه انّ ابن عباس لم يرجع عن قوله بحليتها.
(526) وعن جابر وسلمة قالا: كنّا في جيش فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «انّه قد اذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا»(1).
(527) وعن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فان أحبّا ان يتزايدا أو يتتاركا تتاركا. فما أدري أشيء كان لنا خاصّة أم للناس عامّة (الرقم السابق).
أقول: لا يحتمل اختصاص الحكم بفرد خاص وهو ظاهر. وستأتي بقية الاَحاديث في المقصد الثاني عن كتاب مسلم.

نزول آية الحجاب
اختلف انس وعائشة ـ حسب روايات البخاري ـ في نزول آية الحجاب، فأنس يدّعي انّها نزلت في مُبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب، وعائشة تقول انّها نزلت لقول عمر، فلاحظ باب آية الحجاب في كتاب الاستئذان من البخاري.

علم حذيفة
(528) عن حذيفة: لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلاّ ذكره! علمه من علمه وجهله من جهله، ان كنت لاَرى الشيء وقد نسيت فاعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه(2).
أقول: يعيبون على الشيعة في اثبات مثل هذا العلم لاَئمّتهم ويثبتونه
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4828.
(2) صحيح البخاري رقم 6230 كتاب القدر.

( 267 )
لجمع من الصحابة! والفارق هو العصبية.

حل اليمين
(529) عن ابن سمرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفّر عن يمينك وات الذي هو خير»(1).
أقول: يستفاد من الحديث أحكام فقهية في باب الاَيمان.

بيعة أبي بكر فلتة والقرآن ناقص!
(530) عن ابن عباس:... لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة، فتمت، فغضب عمر... فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها... ثم انّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: انْ لا ترغبوا عن آبائكم فانّه كفر بكم... ثم انّه بلغني انّ قائلاً منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّنّ امرء ان يقول انّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها كانت كذلك، ولكن وقّى الله شرها... من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابع تغرة ان يقتلا، وانّه قد كان من خبرنا حين توفّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الاَنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا علي والزبير ومن معهما... فقال قائل من الاَنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط... فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته...(2)

التعزير
(531) عن أبي بردة: كان النبي يقول: «لا يجلد فوق عشر جلدات إلاّ
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6248 كتاب الايمان والنذور.
(2) صحيح البخاري رقم 6442 كتاب الايمان والنذور.

( 268 )
في حدّ من حدود الله»(1).
وفي حديث آخر: «لا عقوبة فوق عشر ضربات إلاّ في حد».

نجاسة آنية أهل الكتاب
(532) عن أبي ثعلبة... قال صلى الله عليه وسلم: «أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتهم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها»(2).

تعليم الصلاة
(533) عن أبي هريرة... فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسّر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلّها»(3).

سب النبي صلى الله عليه وسلم قربة
(534) عن أبي هريرة: انّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللّهم فأيّما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة اليك يوم القيامة»(4).
أقول: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سبّاباً وفحّاشاً وبذيء اللسان يسب الناس بغير حق، بل هو على خلق عظيم، ولا احسن واكرم خلقاً منه، فهو انّما يسبّ من يسبّه الله والملائكة والمؤمنون. وقال بعض الباحثين: انّ أبا هريرة انّما وضع هذا الحديث دفاعاً عن بني اُميّة الذين لعنهم رسول الله،
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6456 كتاب المحاربين.
(2) صحيح البخاري رقم 5161 كتاب الصيد والذباحة، وانظر صحيح مسلم 13: 79.
(3) صحيح البخاري رقم 5897 كتاب الاستئذان.
(4) صحيح البخاري رقم 6000 كتاب الدعوات.

( 269 )
فعذرهم بهذا الافتراء، ولكنّه لم يشعر بانّه اهانة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فلعنة الله على من سبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(535) وعن عائشة: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان... فأغضباه فلعنهما وسبّهما... قال: «أوَما علمتِ ما شارطت عليه ربي، قلت: اللّهم انّما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله زكاة وأجراً»(1).
(536) وعن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهم انّما أنا بشر فأيّما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة» (المصدر).
(537) عن ابن عباس كنت ألعب مع الصبيان... وقال صلى الله عليه وسلم: «اذهب وادع لي معاوية».
قال: فجئت فقلت: هو يأكل.
قال: ثم قال لي: «اذهب فادع لي معاوية».
قال: فجئت فقلت: هو يأكل.
فقال: لا أشبع الله بطنه»(2).
أقول: هذا ونحوه اوجب وضع تلك الاَحاديث دفاعاً عن بني اُميّة.

القاتل والمقتول في النار
(538) عن الاَحنف بن قيس قال: ذهبت لاَنصر هذا الرجل (أي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم) فلقيني أبو بكرة فقال: اين تريد؟
قلت: أنصر هذا الرجل.
قال: ارجع فانّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا التقى المسلمان
____________
(1) صحيح مسلم 16: 150.
(2) صحيح مسلم 16: 155 ـ 156.

( 270 )
بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار».
قلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟
قال: «انّه كان حريصاً على قتل صاحبه»(1).
أقول: أبو بكرة لا يدري أو لا يريد أن يدري انّ قتال البغاة خارج عن مدلول الحديث، وإلاّ لكان الزبير وطلحة وعائشة ومن بصفّهم ومن يقابلهم من أهل النار، ولنا قض القرآن في قوله (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) والخوارج أولى بالعذر من مقاتلي الجمل وصفين شبهة لكن ورد النص وتم الاتفاق على صحة قتالهم وحسنه، نعم علي مظلوم حيث يكنّى برجل أو بفلان، ولو شعر أبو بكرة بمفهوم كلامه في كون أصحاب علي في النار لخجل! لكن السياسة أمر آخر. وعلى كلّ قال النبي: «من حمل السلاح فليس منّا» فهؤلاء البغاة ليسوا منّا(2).

الرؤيا
(539) عن عبادة، عنه صلى الله عليه وسلم: «رؤيا المؤمن جزء من 46 جزء من النبوة»(3). ورواه أبو هريرة وانس والخدري.

عبدالله بن عمر وبيعة يزيد
(540) عن نافع: لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: انّي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة» وانّا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، واني لا اعلم غدراً اعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال،
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6481 كتاب الديات.
(2) صحيح البخاري رقم 6660 كتاب الفتن، وانظر ما ذكرناه في عنوان امارة المرأة.
(3) صحيح البخاري رقم 6644 كتاب التعبير.

( 271 )
وانّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا تابع في هذا الاَمر إلاّ كانت الفيصل بيني وبينه(1).
أقول: أنا أظن أنّ عبدالله قال ما قاله عن خوف أو طمع على خلاف ضميره وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى الخروج علي يزيد الفاجر غدراً بل غيرة للاسلام، فويل له من مشهد يوم عظيم حيث لم يبايع علياً وبايع يزيد ويرى انّه بيع الله ورسوله! وهل يقبل عقل عاقل أن يعتمد على أحاديث مثل هذا الرجل ونظرائه في اُمور دينه؟!

الدجال يحيي!
(541) عن أبي سعيد: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال... فيقول الدجال: إن قتلت هذا ثم اُحييته... فيقتله ثم يحييه(2).
وأقول أنا: سبحانك انت المحيي لا غيرك. وهذا بهتان عظيم من الدجالين والبسطاء.

اثنا عشر أميراً
(542) عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول: «يكون اثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم اسمعها، فقال أبي انّه قال: «كلهم من قريش»(3).
أقول: سيأتي متون الحديث من كتاب مسلم في محلّه، وكل متتبع يعرف أن هذا المتن مغيّر ومبدّل وناقص، ولا نعرف فاعله ـ جزاه الله ـ ويظهر من بعض القرائن وجود حديث آخر في هذا المعنى في كتاب البخاري، لكن يد الاَمانة حذفته!
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6694 كتاب الفتن.
(2) صحيح البخاري رقم 6713 كتاب الفتن.
(3) صحيح البخاري رقم 6796 كتاب الاحكام.

( 272 )
الاخذ بسنن من مضى وتكرار التأريخ
(543) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ اُمّتي بأخذ القرون قبلها، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع».
فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟
فقال: «ومن الناس إلاّ اولئك»(1).
(544) وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا حجر ضب، تبعتموهم».
قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟
قال: «فمن»(2).

المنافقون
(545) عن حذيفة: انّ المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون.
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6888.
(2) صحيح البخاري رقم 6889 وانظر صحيح مسلم 16: 219 ـ 226.

( 273 )
المقصد الثاني
حول أحاديث صحيح
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري(1)

____________
(1) بنو قشيرة قبيلة من العرب.

( 274 )

( 275 )
قيل انّ أحاديث كتابه بمكرراتها تبلغ 7422 حديثاً انتخبها من (300000) حديث، ومن جملة شيوخه أحمد بن حنبل، ومن جملة من روى عنه الترمذي، وتوفّى بنيسابور سنة 261، وهو ابن 55 سنة، فتكون ولادته في سنة 206. والموجود عندي من نسخة الكتاب هي ما طبعت في ستة مجلدات (16 جزء) باشتراك مكتبة الغزالي بدمشق ومؤسسة مناهل العرفان ببيروت، وبهامشها شرح يحيى بن شرف الشافعي النووي (676 ـ 631).

ينبغي التنبيه على اُمور
(الاَول): انّي لا أذكر كلّ حديث في هذا الكتاب وفي كتاب البخاري وفي جميع الصحاح فيه اعتراض واشكال، بل أتعرّض لبعض ما يهمّني نقداً أو توضيحاً ولاَجله سمّيت كتابي بـ : (نظرة عابرة إلى الصحاح الستة) لا بـ: نظرة شاملة أو مستوعبة. وعلى هذا فليس ما لم اذكره من الاحاديث سالماً كلّه عن الاعتراض والانتقاد.
(الثاني): انّي لا اتعرّض لاَحاديث مسلم وغيره إذا ذكرتها في البخاري إلاّ نادراً أوغفلة، وهذه الاَحاديث المشتركة كثيرة.
(الثالث): نقل النووي عن أبي عمرو بن الصلاح انّه قال: شرط مسلم رحمه الله في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالماً من الشذوذ والعلة، قال: وهذا حد الصحيح، فكلّ حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث.
أقول: ومعناه ـ كما صرّحوا به ـ انّ الاختلاف الواقع في بعض الرواة انّما هو لاَجل الاختلاف في التطبيق لا في الضابطة مثلاً يرى البخاري انّ
( 276 )
الضابطة المذكورة تطبّق على عكرمة فينقل عنه، ويرى مسلم انّها لا تطبق عليه فلا ينقل عنه.
(الرابع): يقول النووي: انّ البخاري بقى في تهذيب كتابه وانتقائه ستة عشرة سنة، وممّا يرجّح به كتاب البخاري (على كتاب مسلم) انّ مسلماً رحمه الله كان مذهبه ـ بل نقل الاجماع في أول صحيحه ـ انّ الاسناد المعنعن له حكم الموصول بسمعت، بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد وان لم يثبت اجتماعهما. والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعها(1).
وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولاً من حيث انّه جعل لكلّ حديث موضعاً واحداً يليق به، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها، وأورد فيه اسانيده المتعدّدة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها... بخلاف البخاري فانّه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرّقة متباعدة.
(الخامس): يقول الحاكم النيسابوري في محكي كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك: عدّد من خرّج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرّج لهم مسلم 434 شيخاً، وعدّد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح 625 شيخاً.
أقول: بناءاً عليه، فلم تكن أحاديث البخاري كلّها بمعتبرة عند مسلم، ولااحاديث مسلم كلها بمعتبرة عند البخاري، فكيف يقولون ان احاديثهما
____________
(1) ولا اظن أن البخاري أحرز هذا الشرط في جميع احاديثه، ثم أنّ مجرد احراز الجمع بينهما في وقت لا يكفي لاعطاء حكم الموصول بسمعت في كلّ ما يروي المعنعن عن المعنعن عنه، كما لا يخفى على الخبير. فلم يبق لترجيح البخاري على مسلم سوى الشهرة عند الناس.

( 277 )
معتبرة عند الجميع، فلا بدّ في الحكم بحجية كلّ حديث من البحث والدقة في سنده أولاً وفي متنه ثانياً، واياك والاغترار فان سرعة الاسترسال لا تستقال.
(السادس): ادّعى مسلم في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كلّ شيء صحيح عندي وضعته ههنا ـ يعني في كتابه هذا الصحيح ـ وانّما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه. وأورد عليه انّه وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفاً في صحتها؛ لكونها خرجت ممّن اختلفوا في صحة حديثه!
واجاب الحاكم المذكور بوجهين: أحدهما: انّ مراده انّه لم يضع فيه إلاّ ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه، وان لم يظهر اجتماعها في بعض الاَحاديث عند بعضهم.
وثانيهما: انّه أراد انّه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متناً او اسناداً، ولم يرد ما كان اختلافهم انّما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو الظاهر من كلامه، فانّه ذكر ذلك لمّا سئل عن حديث أبي هريرة: فإذا قرأ فانصتوا. هل هو صحيح؟ فقال: هو عندي صحيح، فقيل: لِمَ لم تضعه ههنا: فأجاب بالكلام المذكور.
ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في اسنادها أو متنها لصحتها عنده، وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر، وقد استدركت وعللت. انتهى كلامه.
(السابع): ادّعى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح انّ جميع ما حكم مسلم رحمه الله بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الاَمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في ذلك، واستدلّ عليه بأنّ الاُمّة تلقّت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه في الاجماع.
واورد عليه، بأنّ تلقّي القبول لاَجل وجوب العمل بالظن وبالحجة
( 278 )
بحسب الظاهر لا لاَجل قطعهم بالصدور عن النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح، مع انّه لا يختص بالكتابين، بل يجري في كلّ الاَحاديث المعتبرة.
لا يقال انّ الاُمّة ظنت بصحة أحاديثهما وظن المعصوم من الخطأ لا يخطيء، والاُمّة في اجماعها معصومة من الخطأ، فانّه يقال معقد اجماع الاُمّة الظن بالصحة وهذا مقطوع لا شكّ فيه، ولا يصحّ لاَحد أن يقول لعلّ الظن بصدورها غير حاصل وانّما الحاصل هو مجرد احتمال الصحة وتخيلها، ففي هذا القول مغالطة، ويرشدك إلى صحة الجواب أنّ عصمة الاُمّة من الخطأ لا تفوق عصمة نبيها صلى الله عليه وسلم منه، فلو قال النبي صلى الله عليه وسلم انّي اظن بالغروب مثلاً فهل يمكن لنا ادّعاء القطع بالغروب بحجة انّ ظن المعصوم لا يخطأ؟ على انّ في الصحيحين أحاديث متعارضة متضاربة، فكيف يمكن دعوى القطع بصحتها، بل القطع حاصل بكذب أحد المتعارضين، وهناك أحاديث مختلفة الاَلفاظ لاَجل النقل بالمعنى أو لاَجل الغفلة والنسيان للبعد بين زمن التدوين والتحديث وغير ذلك، وهناك أحاديث مخالفة للتأريخ أو للعقل، فالصحيح أن يقال أنّ مجموع أحاديثهما مظنون الصدق لا جميعها.
ثم انّ عصمة الاُمّة من الخطأ لم تثبت بدليل قاطع، فكيف يحصل القطع بمدلوله؟ وهنا شيء آخر هو أنّ الاُمّة ـ سوى علمائهم المحققين ـ غافلون عن هذه المسائل النظرية، والغافل ليس بشاك ولا بظان ولا بقاطع وجازم، فان هذه من حالات الملتفت، فليست الاُمّة ظانون بصحة الروايات إلاّ معلقاً وعلى تقدير تفهيمهم، وهذا اجماع تعليقي وتقديري غير فعلي فليس بحجة. واليوم جماعات من العلماء الباحثين المتعمقين المدققين لا يسلّمون بوجوب العمل بأحاديث الكتابين، وعلى كلّ القول بحصول القطع
( 279 )
بصحتها زور وغلو واضلال.
وعن امام الحرمين: لو حلف انسان بطلاق امرأته انّ ما في كتابي البخاري ومسلم ممّا حكما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق، ولا حنثته؛ لاجماع علماء المسلمين على صحتهما، واستثنى بعضهم ما أخذ على البخاري ومسلم وقدح فيه الحفاظ، لعدم الاجماع على تلقيه بالقبول.
أقول: قد عرفت جوابه، وأورد عليه النووي أيضاً: بانّه خلاف ما قاله المحققون والاكثرون، فانّهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة انّما تفيد الظن، فانّها آحاد والآحاد تفيد الظن، ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما، وتلقّي الاُمّة بالقبول انّما أفادنا وجوب العمل بما فيهما، وهذا متفق عليه، فانّ أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها ولا تفيد إلاّ الظن، وانّما يفترق وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما لا يحتاج إلى النظر، بل يجب العمل بهما مطلقاً وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح. الخ.
أقول: والفرق ممنوع، ونظر شخصين لا يكون حجة تعبديّة على غيرهما. ويجب على المسلم الاجتناب عن هذه المبالغات الجزافية.
(الثامن): عن أبي عمرو: ان كتاب مسلم أربعة آلاف حديث دون المكررات، وكذا كتاب البخاري.
أقول: مرّ ما يخالف هذا الادّعاء.
(التاسع): استدرك جماعة ـ كالحافظ علي بن عمر الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي علي العناني الجياني ـ على أحاديث أخلَّ البخاري ومسلم بشرطهما فيها ونزلت عن درجة ما التزماه، وذكر الدار قطني مائتي حديث ممّا في الكتابين.
( 280 )
(العاشر): وحيث انّ توهّم كون أحاديث البخاري ومسلم مقطوعاً بصحتها مشهور بين أهل العلم المغالين والمحدثين الغافلين، وله آثار عميقة مضرة على شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم واضلّ كثيراً من الناس، فلا بد من قطع جذوره باتقن وجه، وانّ الاُمّة لم تجتمع على صحتها كما يتخيلون، فلا بدّ أن نقف لحظات لنسمع ما يقول الجزائري في كتاب توجيه النظر في ردّ قول ابن الصلاح: انّ الاُمّة تلقّت أحاديث البخاري ومسلم بالقبول، وها اليك كلامه: انّه لم يبيّن ماذا أراد بالاُمّة! ولا ماذا أراد بتلقّيها إيّاهما بالقبول! وقد كان عليه أن يبيّن ذلك حتى لا تذهب العقول والافهام في ذلك كلّ مذهب.
فإذا أراد بالاُمّة كلّ الاُمّة فلا يخفى فساده؛ لاَنّ الكتابين انّما حسنا في المئة الثالثة بعد عصر البخاري وائمة المذاهب المتبعة، وان أراد بعضها ـ وهم من وجد بعد الكتابين ـ فهم بعض الاُمّة فلا يستقيم دليله، وان أراد بالاُمّة علماءهم ـ وهو الظاهر ـ فانّ العلماء في هذا الاَمر ثلاثة أقسام:
المتكلمون، والفقهاء، والنحويون، على انّ العلماء الذين ينطبق عليهم هذا الوصف انّما هم الذين جاءوا بعد ظهور هذين الكتابين، في القرن الثالث الهجري، أمّا من قبلهم من أهل القرون الاُولى الذين جاء فيهم حديث رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بانّهم خير القرون! فهم جميعاً لم يروا هذين الكتابين حتى كان يعلم رأيهم فيهما، ولا كيف تلقّوهما! ولنعد إلى العلماء الذين جاءوا بعد هذين الكتابين لنرى موقفهم منهما، وبماذا قابلوهما!
أمّا المتكلمون: فقد عرف من حالهم انّهم يردّون كلّ حديث يخالف ما ذهبوا إليه، ولو كان من الاُمور الظنيّة، فإذا أورد عليهم من ذلك حديث صحيح عند المحدّثين أوّلوه، ان وجدوا تأويله قريب المأخذ، أو ردّوه مكتفين بقولهم: هذا من أخبار الآحاد وهي لا تفيد غير