كتاب نظرة عابرة الى الصحاح الستة ص 326 ـ ص 346
أقول الاحتياط الديني هو ترك الصوم ثم القضاء خارجه، عملاً بظاهر القرآن الكريم حيث لا قاطع من السنة، ولا عبرة بالاَقوال.

عائشة تقضي صومها في شعبان
(599) عن عائشة: كان علَيَّ الصوم فما استطيع أن أقضيه إلاّ في شعبان، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
أقول: كذب الحديث واضح، فانّ الصوم يمنع عن الجماع نهاراً فقط دون الليل، على انّ عائشة لها يوم وليلة من تسعة أو ثمانية أيام، فأي شغل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعها من صيامها.

موقف عمر رضي الله عنه من متعة الحج ومتعة النساء
(600) عن أبي موسى... قال صلى الله عليه وسلم: «فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلّ...» فكنت افتي الناس بذلك في امارة أبي بكر وامارة عمر، فانّي لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال: انّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك، فقلت: ايّها الناس من كنّا أفتيناه بشيء فليتّئد فهذا أمير المؤمنين قادم... قال (عمر): إن نأخذ بكتاب الله فانّ الله عزّ وجلّ قال: (وأتموّا الحج والعمرة لله)(2). وان نأخذ بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فانّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلّ حتّى نحر الهدي(3).
وقد اصرّ النبي وأعلن باحلال الناس، وانّه صلى الله عليه وسلم انّما لم يحلّ من أجل انّه ساق الهدي، ولكنّ عمر اجتهد في عدم الاحلال في مقابل نص النبي وتأكيده، ويقول عمر في وجه اجتهاده: قد علمت انّ النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 21.
(2) البقرة 2: 196.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 200.

( 327 )
واصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا معرسين بهنَّ في الاَراك ثم يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم(1).
ولعثمان وجه آخر في اجتهاده في ذلك:
(601) عن عبدالله بن شفيق: كان عثمان ينهى عن المتعة وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة! ثم قال علي: لقد علمت أنّا قد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أجل، ولكنّا كنّا خائفين(2).
أقول: أي خوف على الناس في حجّة الوداع من الكفار، ثم أي تعلّق للخوف بالاحلال وابقاء الاحرام؟ ولعلّ الرواية موضوعة، إذ يلزم من صحّتها كذب عثمان. ولعلي وعثمان موقف آخر في ذلك، لاحظه في مسلم بعد هذه الرواية التي ذكرناها.
(602) عن أبي ذر: كانت المتعة في الحج لاَصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم خاصة(3).
أقول: هذه الرواية موضوعة على أبي ذر، فانّه لا وجه لصحّتها بوجه.
(603) وعنه: لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصة. يعني متعة النساء ومتعة الحج(4).
لكن آية الاستمتاع وآية المتعة كغيرها من الآيات عامة.
(604) عن مطرف قال: بعث اليَّ عمران بن حصين في مرضه الذي
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 201.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 202.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 203.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 203.

( 328 )
توفي فيه فقال: انّي كنت محدّثك بأحاديث لعلّ الله ينفعك بها بعدي، فان عشت فاكتم عني، وان مت فحدّث بها إن شئت(1) انّه سلّم عليَّ(2) واعلم انّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حجّ وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب الله، ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل فيها برأيه ما شاء(3).
(605) عن مسلم القرَّي قال: سألت ابن عباس عن متعة الحج، فرخّص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه اُمّ الزبير تحدّث انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصّ فيها، فادخلوا عليها فاسألوها.
قال: فدخلنا عليها، فاذا هي امرأة ضخمة عمياء، قالت: قد رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها(4).
يقول مسلم: فأمّا عبد الرحمن، ففي حديثه المتعة، ولم يقل متعة الحج، وأمّا ابن جعفر فقال: قال شعبة: قال مسلم: لا أدري متعة الحج أو متعة النساء(5).
(606) عن أبي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت فقال: انّ ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما(6).
أقول: يظهر من هذه العبارة انّ المتعتين شرعتا في الاسلام ولم
____________
(1) يظهر منه خوف الصحابة من السلطة القائمة في بيان الاَحاديث المخالفة لنظرها، وليته ذكر مطرف جميع أحاديث عمران.
(2) يعني انّ الملائكة يسلمون عليه، كما صرّح به النووي في شرحه على مسلم.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 206 ـ 207.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 224.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 224.
(6) صحيح مسلم بشرح النووي 8: 233.

( 329 )
تنسخا إلى موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانّما نهى عنهما عمر رضي الله عنه في خلافته واختلف الصحابة، فمنهم من عمل بنهي عمر، ومنهم من عمل بما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنزيل الكتاب، لكن الفقهاء بعدهم اتفقوا على قول عمر في تحريم متعة النساء دون متعة الحج، إذ رؤوا فيها أحاديث اُخر، ثم الاَحاديث في متعة النساء على أقسام، منها ما يدل على تشريع متعة النساء، مثل الاَحاديث التالية:
(607) عن قيس: قال سمعت عبدالله يقول: كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء فقلنا: ألا نستخصي، فنهانا عن ذلك ثم رخَص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبدالله: (يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين)(1).
أقول: والحق انّها تدلّ على دوام مشروعيتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى، ويؤكّده قراءة الآية المباركة المحكمة تطبيقاً على المورد.
(608) عن جابر بن عبدالله وسلمة بن الاكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء(2).
وحديث آخر: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا فاذن لنا في المتعة.
ومنها ما يدلّ على انّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها بعد جوازها في فتح مكة:
(609) عن سلمة: رخّص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام أوطاس(3) في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها(4).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 182، والآية سورة المائدة 5: 87.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 182.
(3) عام أوطاس: هو عام فتح مكة، وأوطاس واد بالطائف، كما في شرح النووي.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 184.

( 330 )
(610) عن سبرة: أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل... ثم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان عنده شيء من هذه النساء يتمتع فليخل سبيلها»(1).
وفي حديث آخر عن الربيع بن سبرة: أنّ أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة... فاذن لنا رسول الله في متعة النساء.. فلم أخرج حتّى حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم(2).
ومنها ما يدلّ على انّه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، مثل:
(611) عن علي بن أبي طالب: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الانسية(3).
ومنها ما يدلّ على دوام مشروعيتها من النبي صلى الله عليه وسلم، وانّما نهى عنها عمر، نحو:
(612) عن عطاء: قدم جابر بن عبدالله معتمراً، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر(4).
وما مرّ عن عبدالله برقم (607)، وما تقدّم عليه من حديث جابر.
(613) عن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الاَيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث(5).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 184.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 185.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 189 ـ 190.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 183.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 183.

( 331 )
(614) عن عروة ابن الزبير: انّ عبدالله بن الزبير قام بمكة فقال: انّ ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة ـ يعرّض برجل ـ فناداه فقال: انّك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين ـ يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لاَرجمنّك بأحجارك...(1) أقول: يظهر من هذا الحديث امور:
الاول: بطلان القول بعدالة كل الصحابة، فمنهم عدول، ومنهم غير عدول، هذا ابن الزبير الآخذ بزمام السلطة يقول لابن عباس الصحابي حبر الاُمّة: أعمى الله قلبه، واسوأ منه، أن توعّده بالرجم، هب انّ ابن الزبير ثبت عنده بوجه معتبر نسخ جواز المتعة لكن عبدالله لم يثبت عنده نسخه، فهو يفعل فعلاً مشروعاً، فكيف يجوز رجم مثله، حقاً انّه لجلف جاف أي: الغليظ الطبع القليل الفهم والادب، كما في شرح النووي.
الثاني: انّ عبدالله بن عباس يرى جواز المتعة بعد الخلفاء الراشدين حتّى في امارة ابن الزبير، فالاَحاديث الناطقة بانّ عليّاً قال لابن عباس: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الانسية، موضوعة، إذ لو سمع ابن عباس ذلك من علي لم يقل بجوازها جزماً، على انّ مذهب علي وأولاده أئمّة أهل البيت هو بقاء جواز المتعة جزماً، وعليه الشيعة الاِمامية في كل زمان ومكان. وهنا تضارب آخر بين ما نقل عن علي وعن سبرة وسلمة، فالاَول: يقول: نهى عنه النبي يوم خيبر، والاَخيران: يقولان: يوم فتح مكة! واراد بعضهم ـ كالنووي في شرحه على مسلم ـ انّها
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 188.

( 332 )
ابيحت ثم نسخ جوازها عام خيبر، ثم ابيحت ثانياً عام فتح مكة، ثم حرّمت!!
أقول: لو كان النبي حرّمها يوم الفتح لكان ذلك أردع لابن عباس وأولى بالذكر له من قبل علي، فاقتصاره على يوم خيبر خير دليل على عدم النهي عنه يوم الفتح.
وعلى كلّ، انّ الراوي لنهي النبي صلى الله عليه وسلم هو سلمة وسبرة بن معبد، والراوي لبقاء جوازه هو عبدالله بن مسعود وجابر بن عبدالله الانصاري وعبدالله بن عباس. لكن سبرة الذي ذكر النهي مؤكّداً وانّه صلى الله عليه وسلم قال: «وانّ الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة...» يشكل الاعتماد على قوله هذا، فقد نقل عنه البخاري (ص129) بعد نقل القول بالجواز كما مرّ: فلا أدري أشيء كان لنا خاصة أم للناس عامة. إذ لو كان قد أحلّه النبي لثلاثة أيام فقط لم يكن وجه للشكّ فيه، بل قيل: بجواز الاَزيد عن ثلاثة أيام، وهذا كالنص في عدم تحديد مشروعيتها بثلاثة أيام.
وعلى الجملة، ان أحاديث المنع والبقاء متضاربة، فتسقط عن الحجية، ويرجع إلى أدلة تشريعها، والاصل عدم النسخ، كما هو القاعدة في جميع الاَحكام(1).

الحكم غير الفتوى
والحقّ أنّ المتعة شرّعت ولم ينسخ جوازها من قبل الشارع، ومن انكرها من الصحابة فانّما هو لاَجل انكار عمر رضي الله عنه عليها، ولذا ترى ابن
____________
(1) وقد نقل وحيد الزمان الهندي في حاشيته على سنن أبي داود عن الزرقاني: انّ جواز المتعة ثابت عن جماعة من الصحابة ـ كجابر وابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس ومعاوية وغيرهم.

( 333 )
الزبير لم ينقل في جواب ابن عباس نهي النبي صلى الله عليه وسلم ونسخه لجوازها، بل هدّده بالرجم إن تمتّع، وينقل عن ابن جريج انّه أيضاً كان يرى بقاء جوازها وتمتّع بعدة من النساء، وأئمّة أهل البيت أيضاً قالوا ببقاء جوازها.
دع العصبية المذهبية والنزعة غير الدينية عنك واسمع إلى قولي لا سمع انكار ولا سمع تقليد، بل سمع تحقيق وانصاف، فأقول يمكن أن يقال: انّ نهي عمر عنها لم يصدر عنه ضد التشريع الديني ونسخ الحكم، فانّه يعرف انّه لا صلاحية له ولكل مسلم في التشريع، وانّما هو بإرادة الله سبحانه وتعالى واليه الحكم تكويناً وتشريعاً: (وَمَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... فأولئك هم الظالمون... فأولئك هم الفاسقون)(1).
بل نهي عنه عمر لا بعنوان المفتى بل بعنوان الحاكم، وبين الحكم والفتوى فرق جلي، ولولي أمر المسلمين وخليفتهم اصدار أحكام سياسية مؤقتة تقديماً للاَهم على المهم، فهو انّما منعها لمصلحة رآها في زمانه، ومثل هذا الحكم في حوزة صلاحية كلّ حاكم اسلامي يدير أمر اُمّة من الاُمّم الاسلامية، فله ان يمنع من السفر إلى بلدة خاصة مطلقاً أو بشرط، وله منع تصدير أموال خاصة تجارية إلى مكان كذا أو استيرادها من بلد كذا، وله منع تجوّل الناس في وقت خاص في مكان خاص وهكذا، والمتعة لم تكن من الواجبات بل من المباحات، فحكم بمنع الناس عنها لمصلحة رآها، وانّما الاَعتراض على الفقهاء حيث علموا منه الفتوى والحكم الدائمي فأفتوا بعدم مشروعيتها، وهذا ممّا ينافي الكتاب والاَحاديث المتقدّمة، فمن يفتي بجوازها اليوم أو أمس لا يعد مخالفاً
____________
(1) المائدة 5: 44 ـ 47.

( 334 )
لعمر، فانّ لمنعه ظرفاً خاصاً به، ولتجويز هذا ظرفاً خاصاً آخر، ولا معنى للسباب والتباغض في مثل هذه الفرعيات، لعن الله العصبية العمياء، هدانا الله جميعاً إلى سبيل الحق.

هدم الكعبة وبنيانها
(615) عن عائشة، عنه صلى الله عليه وسلم: «لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على اساس ابراهيم، فانّ قريشاً حين بنت البيت استقصرت، ولجعلت لها خلفاً(1).
وفي حديث آخر: «لولا حدثان قومك لاَنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها الاَرض، ولاَدخلت فيها من الحجر».
وفي حديث ثالث: «وجعلت لها بابين، باباً شرقياً، وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر»(2).
أقول: في شرح النووي نقلاً عن العلماء: انّه بني البيت خمس مرات: بنته الملائكة، ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون، وقيل خمس وعشرون، ثم بناه ابن الزبير، ثم الحجاج بن يوسف واستمر إلى الآن.
وقيل: بني مرتين اخيريين.
أقول: النقل لا دليل عليه، ويحتمل بناؤه أكثر من عشر مرات في طول الزمن وتتابع الحوادث، والله العالم.

قاعدة الامتثال بقدر الاستطاعة
(616) عن أبي هريرة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيّها الناس قد
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 88.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 91.

( 335 )
فرض الله عليكم الحج» فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله، فسكت حتّى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قلت نعم لما استطعتم» ثم قال: «ذروني ما تركتكم، فانّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم، فاذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»(1).

نظر عمر في الطلاق
(617) عن ابن عباس: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: انّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم(2).
قيل: أناة، أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة.

حكيم بن حزام
قال مسلم بن الحجاج: ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة، وعاش مائة وعشرين سنة(3)

من سن سنة
(618) عن عبدالله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلماً إلاّ كان على ابن آدم الاَول كفل من دمها، لاَنّه كان أول من سن القتل(4).

حلية دم المسلم
(619) عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 9: 101.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 10: 70 طلاق الثلاث.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 10: 176 كتاب البيع.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 166.

( 336 )
يشهد أن لا إله إلاّ الله وانّي رسول الله إلاّ باحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»(1).

عدم جواز الشفاعة في الحدود
(620) عن عائشة: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها، فأتى أهلها اُسامة بن زيد فكلّموه، فكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حدّ من حدود الله» ثم قام فاختطب فقال: «أيّها الناس انّما هلك الذين قبلكم، انّهم إذا كانوا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد...»(2).
أقول: لا يجوز الشفاعة في الحدود بلا خلاف بين المسلمين (شيعة وسنة) ويجوز في التعزيرات(3)، لكن ما ذكرته عائشة خطأ، لانّ جحد العارية ليس من السرقة بشيء، ولذا أوّله بعضهم.

الحكم بيمين وشاهد
(621) عن ابن عباس: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد(4).
يقول النووي: قال الحفاظ: اصح احاديث الباب حديث ابن عباس.
وقال ابن عبد البر: لامطعن لاَحد في اسناده، ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته.
وقال جمهور علماء الاسلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 164.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 186.
(3) لاحظ أقوال الباحثين في مقدار التعزير في ص221 ج11 مسلم في حاشية النووي.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 4.

( 337 )
علماء الامصار: يقضي بشاهد ويمين المدّعى في الاَموال وما يقصد به الاَموال وبه قال أبو بكر الصديق وعلي وعمر بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأحمد وفقهاء المدينة وسائر علماء الحجاز ومعظم علماء الامصار (رض)، وحجتهم انّه جاءت أحاديث كثيرة في هذه المسألة...
وقال أبو حنيفة والكوفيين وشعبة والحكم والاَوزاعي والليث والاندلسيون من أصحاب مالك: لا يحكم بشاهد ويمين في شيء من الاَحكام.

التصويب والتخطئة
(622) عن عمرو بن العاص: «انّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(1).
وفي شرح النووي: قال العلماء: اجمع المسلمون على انّ هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكومة، فان اصاب فله أجران: أجر باجتهاده واجر باصابته، وإن اخطأ فله أجر باجتهاده... فأمّا من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم، فان حكم فلا أجر له بل هو آثم، ولا نفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا... فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلّها...
قال: وقد اختلف العلماء في انّ كلّ مجتهد مصيب أم المصيب واحد وهو من وافق الحكم الذي عند الله تعالى، والآخر مخطئ لا اثم عليه لعذره، والاَصح عند الشافعي واصحابه انّ المصيب واحد.
وقد احتجت الطائفتان بهذا الحديث، أمّا الاَوّلون فقالوا: قد جعل
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 13.

( 338 )
للمجتهد أجر فلولا اصابته لم يكن له أجر، وأما الآخرون فقالوا: سمّاه مخطئاً ولو كان مصيباً لم يسمه مخطئاً وأما الاَجر فانّه على تعبه في اجتهاده.
وقال الاولون: انّما سمّاه مخطئاً لانّه محمول على من أخطأ النص أو اجتهد فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد كالمجمع عليه وغيره وهذا الاجتهاد في الفروع، فأما اصول التوحيد فالمصيب فيها واحد باجماع من يعتد به...(1)
أقول: واليك بعض ما يتعلق بالمقام حسب نظري:
1 ـ العقاب والثواب انّما يترتبان على الاَعمال الاختيارية دون غيرها، وحيث انّ اصابة الواقع أمر غير اختياري فلا أجر عليها عقلاً. فالمصيب والمخطىء كلاهما له أجر واحد على اجتهادهما إذا كانا أهلاً للاجتهاد هذا بحسب القاعدة.
2 ـ الحديث عندي مجهول من جهة سنده، ولكن لا دليل على انّه موضوع، فلعلّه صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الاحتمال فالاَجر على الاصابة تفضّل من الله سبحانه والله ذو الفضل العظيم.
3 ـ لا شك في أنّ كلّ مجتهد غير مصيب دائماً والواقع لا يتبدّل بالاجتهاد، والمجتهد قد يصيب وقد يخطىء، ولهذا القول دلائل قوية قطعية منها هذا الحديث ان فرضناه حجة، والاستدلال به على قول المصوبة ضعيف. ومورد النزاع هو الاَحكام دون الموضوعات والعقائد.

انقياد الانصار للنبي صلى الله عليه وسلم
(623) عن انس: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور ـ حين بلغه اقبال أبي سفيان ـ... فقام سعد بن عبادة فقال: أيّانا تريد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والذي نفسي بيده
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 11: 14.

( 339 )
لو أمرتنا أن نخيضها البحر لاَخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا(1).

دعاء النبي على جمع من قريش
(624) عن عبدالله: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك. فقال: «اللهم عليك الملأ من قريش أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وشيبة بن ربيعة وأُميّة بن خلف ـ أو اُبي بن خلف ـ» (شعبة الشاك).
قال فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر، غير انّ أُميّة أو اُبيّاً تقطعت أوصاله، فلم يلق في البئر(2).

اثنا عشر خليفة
(625) عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «انّ هذا الاَمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة».
قال ثم تكلّم بكلام خفي عليَّ، قال: فقلت لاَبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش»(3).
وبسند آخر: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضياً، ما وليهم اثنا عشر رجلاً...» فقال: كلّهم من قريش.
وله سند ثالث بتفاوت في المتن.
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 124.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 153.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 201 كتاب الامارة.

( 340 )
وبسند رابع: «لا يزال الاسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة» ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لاَبي: ما قال؟ فقال: «كلّهم من قريش»
وبسند خامس عنه: «لا يزال هذا الاَمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة...» فقال: «كلّهم من قريش».
وبسند سادس عنه: «لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة» فقال كلمة صمنيها الناس... «كلهم من قريش».
وبسند سابع... سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الاَسلمي يقول: «لايزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(1).

أفضل الاَعمال
(626) عن النعمان بن بشير: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما اُبالي أن لا أعمل عملاً بعد الاسلام إلاّ أن اسقي الحاج، وقال آخر: ما اُبالي أن لا أعمل عملاً بعد الاسلام إلاّ أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر الجهاد في سبيل الله أفضل ممّا قلتم، فزجرهم عمر... فانزل الله عزّ وجلّ: (أجعلتم سقايةَ الحاجَّ وعمارةَ المسجد الحرام كمن آمن بالله...)(2)(3)؟.
أقول: رواه الشيعة الامامية باسناد معتبر وفيه انّ هؤلاء الذين حذفت اسماؤهم في هذه الرواية هم: العباس، وحمزة، وعلي. والظاهر انّ ذكر زجر عمر موضوع، فانّه لم يصلح لزجر امثال هؤلاء يؤمذاك، وقد يزعم انّ حذف اسماء هؤلاء لاَجل تضمنها فضيلة لعلي، فانّه هو الذي ذكر الايمان
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 202 ـ 203.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 26.
(3) التوبة 9: 19.

( 341 )
والجهاد، والله العالم.

أرواح الشهداء وتجندها
(627) عن مسروق: سألنا عبدالله عن هذه الآية: (ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون)(1)، قال: أما إنّا سألنا عن ذلك، فقال: «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع اليهم ربّهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا انّهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في اجسادنا حتّى نقتل في سبيلك مرة أُخرى...»(2).
أقول: داعياً من الله أن يرزقني الشهادة في سبيله، انّه قد يورد بانّ جعل أرواح الشهداء بل مطلق المؤمنين في جوف طير مناف لكرامتهم واهانة لهم، فلا بد من تأويله(3).
ثم انّه يقال انّ المنعم أو المعذّب من الاَرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح، وهو الذي يتألم ويعذّب ويلتذ وينعم، وهو الذي يقول: ربّ ارجعون. وقد اختلفوا في الروح ما هي اختلافاً لا يكاد يحصر كما قيل، فقال أرباب المعاني وعلم الباطن: لا تعرف حقيقتها ولا يصح وصفها لقوله تعالى: (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً).
____________
(1) آل عمران 3: 169.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 33.
(3) لاحظ شرح النووي حتّى تعرف اختلاف نسخ الحديث في جملة (في جوف طير) ففي نسخة بحواصل طير، وفي نسخة طير، وهذا أحسن للتأويل، وانّها تطير كطيران الطير.

( 342 )
وغلت الفلاسفة فقالت: بعدم الروح.
وعن جمهور الاطباء: هو البخار اللطيف الساري في البدن.
وقال كثيرون من شيوخ القاضي عياض: هو الحياة.
وقال آخرون: هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه.
وقيل: هو بعض الجسم، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وقال بعض متقدمي أئمة القاضي: هو جسم لطيف متصوّر على صورة الانسان داخل الجسم.
وقال بعض مشايخه وغيرهم: انّه النفس الداخل والخارج.
وقال آخرون: هو الدم.
يقول النووي ـ بعد نقل الاَقوال المذكورة ـ: والاَصح عند أصحابنا، انّ الاَرواح أجسام لطيفة متخلّلة في البدن فاذا فارقته مات(1).
أقول: والحق انّ الروح والنفس موجود واحد وحقيقته مجهولة، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً وبهذا القليل نعلم انّ الروح غير داخل في البدن، وتعلّقه بالبدن تعلّق تدبيري، لا كتعلق الراكب والمركوب ولا كتعلق الظرف والمظروف. ثم انّ البراهين العقلية تشهد بتجرّد الروح ونفي جسمانيّته، وإن كان المشهور بين المتكلمين انّه جسم لطيف.
وعلى كل، أكثر الاَقوال المتقدّمة ضعيفة صدرت عمّن لا خبرة لهم، وأمّا الظواهر النقلية فلا بدّ من تأويلها بوجه حسن ان تمت البراهين على التجرد، ثم انّ المتنعم والمعذّب هو الروح المدرك، ونحن وان نعتقد بانّ الحشر في المعاد جسماني لكنّه لاَجل التعبّد بالقرآن الكريم والجسم لا
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 31 ـ 33.

( 343 )
يدرك العذاب، فما أضعف قول من يقول بانّ المنعم والمعذّب هو جزء من الجسد. وتحقيق المقام وتفصيل المقال في محلّه.
(628) عن أبي هريرة: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الاَرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»(1).

موقف الناس مع الحكومات
(629) عن عبادة بن صامت... وان لا ننازع الاَمر أهله، قال: «الاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان»(2).
(630) وعن أبي هريرة: «... وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الاَول فالاول، واعطوهم حقهم، فانّ الله سائلهم عما استرعاهم»(3).
(631) عن عبدالله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أثرة وامور تنكرونها...» قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم»(4).
(632) عن عبدالله بن عمرو: «... ومن بايع اماماً... فليطعه ان استطاع، فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر...» فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول: (يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل... ولا تقتلوا أنفسكم...) فسكت ساعة ثم قال: اطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله(5).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 16: 185.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 228.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 231.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 232.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 234.

( 344 )
أقول: لا أدري كيف نسي عاجلاً أمر النبي بضرب عنقه حيث ادّعى الخلافة بعد بيعة الناس لعلي. ثم الحديث يدلّ على فسق معاوية.
(633) عن سلمة بن يزيد:.... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا واطيعوا، فانّما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم»(1).
(634) عن حذيفة:... يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس» قال: قلت: كيف اصنع يا رسول الله إن ادركت ذلك الزمان؟ قال: «تسمع وتطيع للاَمير، وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع واطع».
(635) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية...»(2).
(636) عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: «من رآى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فانّه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية»(3).
(637) عن نافع: جاء عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ماكان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لاَبي عبد الرحمن وسادة فقال انّي لم آتك لاَجلس اتيتك لاَحدّثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم... يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»(4).
أقول: هل سمع هذه الاَحاديث زعماء حرب الجمل وحرب صفين
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 236.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 238.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 240.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 240.

( 345 )
أم لا، وهذا ابن عمر يؤكد على بيعة يزيد الفاسق ولا يبايع عليّاً، وهل يزيد أصلح من علي؟ أو انّ ابن عمر لا يخاف الله ويخاف يزيد، ثم انّ هذه الاحاديث قويت أمر حكام بني أميّة، ولا يبعد انّها كلّها ممّا وضعها اجراؤهم ترويجاً لاَمرهم على الناس واسكاتاً للمظلومين. ولو انّ المسلمين قاموا في وجه الطغاة والفساق من الحكام لما بلغ وضع المسلمين إلى هذه الدرجة الدنية ولم يخسروا الدين والدنيا ولم يغلب الكفار عليهم، ومن تعمق في التاريخ الاسلامي يفهم جيداً انّ السبب الاَكبر في انحطاطهم وضعفهم وتخلفهم عن الصنعة والاقتصاد والسياسة واستيلاء الفقر والجهل والذلة عليهم، بل وابتعادهم عن دينهم وقرآنهم وشيوع الفسق والفجور فيهم واعتزال الدين عن اوساط المجتمع إلى زوايا المساجد انّما هو الحكومات الظالمة والسلطات الجائرة، فلعن الله من خدع المسلمين بوضع امثال هذه الروايات الكاذبة المخالفة للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد علم المسلمون اليوم انّ اصلاح حال الاَمّة انّما هو باسقاط هذه الحكومات والانظمة الفاسقة، فثاروا في مصر والجزائر وايران وتونس وغيرها تحكيماً للكلمة الطيبة لا إله إلاّ الله ولا معبود سواه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى).

الاختلاف في عدد الجيش
(638) عن أبي الزبير، عن جابر: كنّا أربع عشرة مائة...»(1).
وعن سالم، عن جابر: كنّا ألفاً وخمسمائة.
وعن سالم أيضاً، عنه: كنّا ألفاً واربعمائة(2).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 2.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 4.

( 346 )
(639) وعن معقل:... نحن أربع عشرة مائة(1).
الاختلاف في الروايات غير عزيز، وانّما الغرض من ذكره بطلان القول بصحة أحاديث كتب البخاري ومسلم وغيرهما، فانّ الروايات والاَحاديث المتضاربة فيها كثيرة، فيعلم كذب أحد المتعارضين قطعاً، فلا يجوز الغلو.

قتل الخليفة الآخر
(640) عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»(2).

حلية أكل الضب
(641) عن عبدالله بن عباس:... قال خالد (بن الوليد) فاجتررته (أي الضب) فأكلته ورسول الله ينظر، فلم ينهني(3).
وفي سند آخر: «لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرّمه»(4).
أقول: لكنّه من الخبائث، والخبائث يحرّمها النبي على الناس كما أخبر القرآن بذلك، فالحديث موضوع.

الاَضحية
(642) عن عائشة: انّ رسول الله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد... فاضجعه ثم ذبحه ثم قال: «باسم الله، اللّهم تقبّل من محمّد وآل محمّد ومن اُمّة محمّد» ثم ضحى به(5).
____________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 5.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 12: 242.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 100.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 13: 101.
(5) صحيح مسلم بشرح النووي13: 122.