كتاب نظرة عابرة الى الصحاح الستة ص 68 ـ ص 89
منع النبي صلى الله عليه وسلم عن الكتابة
(16) عن ابن عباس قال: لمّا اشتدّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: «ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده» قال عمر: انّ النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط.
قال: «قوموا عنّي، ولا ينبغي عندي التنازع».
فخرج ابن عباس يقول: انّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه(1).
(17) وعنه: لمّا حُضِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلمّوا اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده» فقال بعضهم: ان رسول الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده، ومنهم من يقول
____________
(1) صحيح البخاري رقم 114 كتاب العلم.

( 69 )
غير ذلك، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قوموا(1)... ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم، ولغطهم(2).
(18) وعنه ما يقرب من سابقه بتفاوت ما، وفيه: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب... «لا تضلوا بعده».
فقال عمر: انّ النبي قد غلب عليه الوجع... ومنهم من يقول ما قال عمر..(3).
(19) وعنه أيضاً مثل ما مرّ آنفاً(4).
(20) وعنه: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتّى خضّب
____________
(1) اخرج البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن ابن مليكة: كاد الخيران ان يهلكا أبو بكر وعمر لمّا قدم على النبي (ص) وفد بني تميم اشار الى احدهما بالاقرع بن حابس التميمي الحنظلي اخي بني مجاشع، واشار الآخر بغيره، فقال: ابو بكر لعمر: انّما اردت خلافي، فقال عمر: ما اردت خلافك، فارتفعت اصواتهما عند النبي (ص)، فنزلت: (يا ايّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم).
ونقله في كتاب المغازي عن عبدالله بن الزبير بلفظ آخر وفيه: حتى ارتفعت اصواتهما فنزلت في ذلك: (يا ايّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله) حتى انقضت.
أقول: مع الاَسف انّ عمر لم يتأدّب بتأديب الله حتى آخر ايام حياة النبي (ص)، فرفع صوته فوق صوت النبي (ص)، وقدّم بين يدي الله ورسوله، ومنع من امتثال امره، وقال: حسبنا كتاب الله.
(2) صحيح البخاري رقم 4169 كتاب المغازي.
(3) صحيح البخاري رقم 5345 كتاب المرضى.
(4) صحيح البخاري رقم 6932 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

( 70 )
دمعه الحصباء، فقال: اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال: «ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم!
قال: «دعوني، فالذي انا فيه خير مما تدعونني اليه» وأوصى عند موته بثلاث: «اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم، ونسيت الثالثة»(1).
(21) وعنه مثل سابقه بتفاوت، ففيه: «ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً»... فقالوا: أهجر استفهموه؟ فقال: «ذروني...» فأمرهم بثلاث... والثالثة خير، إمّا ان سكت عنها، وإمّا ان قالها فنسيتها(2).
(22) وعنه: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً» فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: «دعوني...» واوصاهم بثلاث... وسكت عن الثالثة أو قال: فنسيتها(3).
أقول: فهذه سبعة موارد كرّر البخاري الحديث في كتابه بالفاظ مختلفة، ولا يفهم من هو الذي غير الاَلفاظ فانّ ابن عباس حكى واقعة واحدة لسعيد بن جبير (4168 و2888 و2997)، ولعبيد الله بن عبدالله بن عتبة (114 و4169 و5345 و6932)، ولا يبعد انّ عبيد الله ـ لمكان فقهه
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2888 كتاب الجهاد.
(2) صحيح البخاري رقم 2997 كتاب الجزية.
(3) صحيح البخاري رقم 4168 كتاب المغازي.

( 71 )
وعلمه ـ اصلح الرواية بما يخرجها عن الغلظة والشدة، فيخفف السؤال والايراد عليها، ويحتمل انّ التغيير والتعبير عن «الهجر» بغلبة الوجع من صنع البخاري كما اشرنا اليه في المقدمة، والله العالم(1) (2).
وخلاصة الواقعة: انّ النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته طلب من جماعة من أصحابه الحاضرين في بيته شيئاً يكتب فيه كتاباً لا يضلّ الاَُمّة بعده أبداً، فقال: عمر وغيره (رض): انّه يهجر ويهذي، وعندنا كتاب الله وحسبنا (فلا نحتاج الى كتابه صلى الله عليه وسلم فلا تقرّبوا اليه شيئاً يكتب فيه الكتاب) فاختلف الحاضرون بين مؤيّد لقول صلى الله عليه وسلم وبين مؤيّد لقول عمر ( رضي الله عنه )، فتنازعوا بينهم حتّى كثر اللغط بينهم، فتأثّر النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم من الحال فطردهم من بيته بقوله: «قوموا عني أو دعوني» ثم أمرهم بثلاث لم يذكر ابن عباس أو غيره ثالثها.
إذا تقرّر ذلك فها هنا أُمور:
1 ـ هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب بيده ليكون الحديث دليلاً على قدرته على الكتابة بعد النبوة بإفاضة من الله سبحانه وتعالى ـ وان كان قبلها لا يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه ـ أو يامر أحداً من الحاضرين بالكتابة؟ فيه وجهان. وربّما يأتي بعض الكلام حوله في المقصد الثاني.
2 ـ ما هو الموضوع المهم الذي أراد النبي أن يكتبه في تلك الحالة ولا يرى أن يكتفي بالبيان القولي، فهل كان امراً جديداً لم يبيّنه لاَُمّته الى ذلك اليوم، او بيّنه لكنّه أراد كتابته في آخر أيام حياته تأكياً وتخليداً له؟
____________
(1) واما البكاء، فلا اختلاف فيه، لامكان ان ابن عباس بكى عند سعيد ولم يبك عند عبيد الله، وهذا واضح.
(2) انظر صحيح مسلم 11: 90 كتاب الوصية.

( 72 )
العقل يحكم بالوجه الثاني؛ لاستحالة اخفاء النبي أمراً لا تهتدي الاَُمّة بدونه، ورضاه ببقاء الناس على الضلالة مساوق لابطال رسالته ـ وهو كما ترى ـ إلاّ ان يدفعه أحد بما يجيء في الاَمر الرابع والسادس.
3 ـ مع الغض عن الاَمر الثاني، يخطر في اذهاننا ما هو هذا الاَمر العظيم الذي تقع الاَُمّة بعده في الضلالة حتى مع الكتاب والسنّة؟
هل كان الاَمر الحاضر في ذهنه صلى الله عليه وسلم من مباحث التوحيد أو المعاد أو شيء من المعارف الاعتقادية فهذا شيء بعيد غايته، فإنّ الاركان الاعتقادية والاَُصول الدينية قد تقرّرت في الكتاب والسنّة في حياته، ولم يبق شيء منها يشترط في صحة الاسلام أو الايمان، مع ان المناسب على هذا الاحتمال لزوم التعبير بـ: «لا تكفرون بعدي» مكان «لا تضلّون بعدي».
وهل هو من مباحث الحلال والحرام وتفصيل أحكام المسائل الجزئية الفرعية؟ وان شئت فقل تكميل الفقه وبيان فروعه؟ لكنّه غير محتمل؛ لاَنّ بيانها كان يحتاج الى زمان طويل وكتاب مبسوط قطور.
ثم أقول: هذا المخزون في ضميره صلى الله عليه وسلم ليس من أُصول الدين ولا من فروعه؛ لاَنّ الله سبحانه اخبر قبل ذلك اليوم بثلاثة اشهر ـ بزيادة ايام أو بنقيصتها ـ مخاطباً الاَُمّة الاسلامية: (اليومَ أكملتُ لكُمْ دينكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نعمتي ورَضيتُ لكُمْ الاسلامَ ديناً)، والدين عبارة عن الاَُصول الاعتقادية والاحكام الفرعية(1) وموضوعاتها المستنبطة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والاعتكاف ونحو ذلك، فمع اكمال الدين لا يبقى شيء يوجب تركه ضلال الاَُمّة.
____________
(1) في العبادات والمعاملات والحدود والديات وغيرهما ممّا هو مسطور في الكتب الفقهية اليوم.

( 73 )
4 ـ في الحديث نكتة مهمة لا بدّ من لفت النظر اليها، وهي انّ هذا الذي أراد صلى الله عليه وسلم ان يكتبه انّما كان يوجب حفظ الاَُمّة عن الضلال بعد حياته حيث قال: «لن تضلّوا» أو «لا تضلّوا»، أو «لا تضلون بعده»، أي بعد هذا الكتاب، فانّه كان عالماً ـ باعلام الله تعالى ـ انّه ذاهب في القريب العاجل الى ربه والى الرفيق الاعلى، فهذا الاَمر لا يتعلّق بهداية الناس في حياته وإلاّ لبيّنه للناس قبل ذلك في مكة أو في أوائل هجرته، فانّ تبليغ ما أُنزل اليه من ربه واجب عليه، فان لم يفعل فما بلغ رسالته.
وبعبارة أُخرى انّ الذي قصد كتابته أمر خطير وحافظ من ضلال الاَُمّة، لكنّه ليس متعلّقاً بايام حياته صلى الله عليه وسلم، بل يتعلّق بحال المسلمين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي يستفاد بوضوح من قوله صلى الله عليه وسلم: (بعده)، يؤكده قوله تعالى: (اليومَ أكلمتُ لكُمْ دينكم...) فكما انّه ليس من أُمور التوحيد والمعاد وسائر أُصول الاسلام وليس من فروعه أيضاً كما عرفت، كذلك ليس مورداً لابتلاء المسلمين الى ذلك اليوم والى حين وفاته وإلاّ لتوجّه الايراد عليه صلى الله عليه وسلم أولاً: بانّه لم يبيّنه لحد الآن، وثانياً: بانّ الله اكمل الدين فما معنى ضلال المسلمين بعده.
5 ـ من الواضح انّه يخطر في ذهن كثير من أهل العلم وغيرهم انّ مجرد منع جماعة من الصحابة بقيادة عمر ( رضي الله عنه ) لا يكفي لانصراف النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة هذا الامر المهم المانع عن الضلال، فلم انصرف عنها ولِمَ لم يبيّنه قولاً وشفاهاً حتى طردهم عن بيته وسكت عن مراده؟ وهذا سؤال مهم جداً.
وجوابه عندي انّ النبي صلى الله عليه وسلم علم انّ تأكيده على مراده بالكتابة لا يفيد
( 74 )
تلك الفائدة بعد ما قال عمر ( رضي الله عنه ) قوله وقبله جمع آخر، إذ لو فرض انّه يكتب بعده ما اراده صلى الله عليه وسلم بكل تأكيد وتغليظ كان بوسع المخالفين ان يقولوا انّه صلى الله عليه وسلم لشدة مرضه هجر وهذى، فلا موجب أو لا مجوّز للعمل به، فلا يتحقّق مراده، ولاجله انصرف عنه.
6 ـ بعد اللتيا والتي يبقى السؤال السابق بحاله، وانّه ما هو مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المكتوب؟ وأقول في الجواب: لا بدّ من لفت النظر الى ما تفرّقت الاَُمّة عليه بعد وفاته وضلّوا وسقطوا في الفتن والحروب والتقاتل والتكفير والتضليل الى يومنا هذا؟ وهذا الشيء هو مقصوده بالكتابة.
ونحن نعتقد بانّ كل منصف إذا تطهّرت نفسه من العصبية والتقليد يفهم انه هو امر الخلافة بعده وتعيين خليفته بشخصه وعينه.
أليس وقع الاختلاف بين علي ( رضي الله عنه ) وغيره في أمر الخلافة ولم يبايع أبا بكر ( رضي الله عنه ) ستة أشهر طيلة أيام حياة فاطمة، وانّما بايعه حين استنكره وجوه الناس كما نقله البخاري فيما يأتي عن عائشة (رض).
ألم يقع التشاجر بين الانصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعدة والتكلم بما لا يليق بمسلم؟ وهلا يرجع سبب الفتن الواقعة في خلافة عثمان ( رضي الله عنه ) الى هذا الامر المقصود بالكتابة؟
أليست حروب الجمل وصفين والنهروان من أوضح آثار الاختلاف في الخلافة؟
ما هو سبب قتل الخليفتين عثمان وعلي وبقاء ما ترتّب عليه الى يومنا هذا، أليس تفرّق المسلمين شيعة وسنة نتيجة الاختلاف في الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أليست الحروب الداخلية بين المسلمين التي افسدت الحرث والنسل لاجل ذلك؟ أليس ما ابتلى به المسلمون ـ حتى يومنا هذاـ
( 75 )
من الانحطاط والتأخر والانحراف هو نتيجة ذلك الاختلاف الذي ادّى الى تسلّط حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس؟ وهكذا وهكذا.
وبعد هذا لا اظن بمسلم عاقل يشكّ في مراد النبي صلى الله عليه وسلم وما اراد أن يكتبه، وانّه هو تعيين خليفته بعده أو الخلفاء بعده، فلو كتبه صلى الله عليه وسلم وقبله الصحابة بعده ما ضلّ الناس بعده أبداً، وحيث انّ جماعة من الصحابة منعوه من الكتابة فقد ضلّ الناس كما عرفت.
لا يقال قد ذكرت ان آية اكمال الدين اخبرت عن عدم بقا أمر ديني موجب للضلال فيعود الاشكال عليك أيضاً. فانه يقال انّ الآية الشريفة تدلّ على اكمال أمر التشريع والتقنين في الاَُصول والمعارف وكليات الفقه وحتى أمر الخلافة اجمالاً، كما يظهر من استدلال الشيعة واهل السنة بالآيات والروايات الصريحة أو المشيرة ـ بزعمهم ـ على أمر الخلافة.
واما تعيين مصداق الخليفة وشخصه، فهذا لا يمس باكمال التشريع حتى إذا فرضنا(1) اهماله من جانب صاحب الرسالة الى هذا اليوم، لعدم حلول وقت الابتلاء به الى حين وفاته صلى الله عليه وسلم، فبيان الحكم أمر وتعيين مصداقه ومتعلّقه أمر آخر وبينهما بون بعيد، ولذا قال بعض الباحثين ان مراده صلى الله عليه وسلم هو التنصيص على خلافة أبي بكر.
7 ـ بقي في المقام سؤالان خطيران مهمان:
الاَول: نسبة الهجر الى النبي المعصوم الذي قاله فيه سبحانه وتعالى: (وما ينطقُ عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى) يوجب الردّة أو الفسق قطعاً، وهذا لا يجتمع مع عدالة الصحابة، بل مع الايمان، بل لو فرضنا
____________
(1) خلافاً للشيعة وجمع من أهل السنّة القائلين بتعيين الخليفة من قبله صراحة على حد زعم الشيعة أو اشارة على حد زعم جماعة من أهل السنّة.

( 76 )
صحّة جملة (قد غلبه الوجع، أو: قد غلب عليه الوجع) مكان جملة (هجر، أو: أهجر)، بل لو فرضنا انهم قالوا بأبي أنت وأُمي يا رسول الله لا تكتب شيئاً في هذه الحالة لبقي أصل الاشكال بحاله، فإنّ عصيان الرسول محرم ينافي العدالة.
الثاني: انّ منع الكتابة أوجب ضلال الاَُمّة ضلالاً ذهبت به الاَموال وسفكت به الدماء ووقعت به البغضاء والعداوة والتفرقة الواسعة بين المسلمين الى يومنا هذا(1) فوزر هذا الضلال الكبير على المانعين في ذلك المجلس، أو انّه معفو عنهم لاجتهادهم؟! لكن الاجتهاد في مقابل النص لو فرض جوازه لارتفع وجوب اطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الثابت بالآيات الكثيرة الواردة في القرآن وبالضرورة من الدين والعقل. على ان في خصوص المقام قامت قرينة واضحة على ابطال هذا الاجتهاد، وهو غضب النبي أو عدم رضاه بالمنع المذكور، وكثرة اللغط واللغو حتى طردهم من عنده بقوله صلى الله عليه وسلم: «قوموا عني»، فامرهم بتركه وقيامهم عنه، ولعلّه لا نظير له في تمام حياته، فانّي لم اجد مورداً اخرج النبي أحداً من اصحابه من بيته حتى في ليلة عرسه مع كراهته لبقائهم في البيت حتى نزلت آية الحجاب كما نقل في الصحاح.
وأيضاً صرّح النبي صلى الله عليه وسلم لهم: بانّ الذي انا فيه هو خير ممّا تدعونني اليه، أي هذا المرض المميت خير مما تدعونني اليه من ترك الكتابة، فادّعاء الاجتهاد في المقام غلط واضح، وصدق ابن عباس حيث يقول: انّ
____________
(1) ولقد خاف النبي من هذه الحالة حيث حذر اصحابه في حجة الوداع بقوله: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض». (البخاري 121 كتاب العلم) وكرره برقم 4143 و6475 و6669.

( 77 )
الرزية كل الرزية ما حال بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كتابه. وله حق البكاء، بل ينبغي ان يبكي عليه كلّ مسلم يحب دينه.
لكن المانعين، من الصحابة وعلى رأسهم عمر وهو الخليفة الثاني، فما هو المخرج من هذه المشكلة العويصة المحيّرة للعقول؟ وقد ذكر علماء الحديث والكلام أعذاراً كثيرة، لكنّها غير مقنعة عند من نجاه الله من التقليد والعصبية ووفقه لتطبيق الاعتقاد على الحق دون تطبيق الحق على الاعتقاد(1)، ولا شيء أفضل من ان نقول والله العالم، وانا لله وانا اليه راجعون.
8 ـ ثم انّ في مقالة عمر: (حسبنا كتاب الله) اشكال آخر، وهو انّ قول النبي وفعله وتقريره مصدر ثان للتشريع، ولا شكّ في عدم كفاية القرآن وحده من دون السنّة النبوية لنجاة المسلمين، فكما يجب العمل بالقرآن، يجب العمل بالسنّة بدلالة آيات من القرآن، فرد أمر الرسول ردّ للقرآن أيضاً. على ان عمر واتباعه يعلمون ـ اتم علم ـ بانّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اعلم منهم ومن كل أحد بالقرآن، فلو كان القرآن كافياً لهم لَما قال لهم اكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده أبداً، فاستدلالهم هذا رد اعتقادي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا اقبح من منع اتيان ما يكتب فيه، فانّه مجرد عصيان عملي.
(23) وعن العرباض قال: نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر... فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد...» فقام صلى الله عليه وسلم فقال: «أيحسب أحدكم متكئاً على اريكته قد يظن انّ الله لم يحرم شيئاً إلاّ ما في هذا القرآن، ألا واني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن اشياء، انّها لمثل
____________
(1) انظر ـ من باب المثال ـ الى شرح النووي في تأويل الحديث، فكل ما قاله أو نقله فهو وهن ضعيف، ولا يخفى على أهل العلم بطلانه بل هو واضح البطلان.

( 78 )
القرآن أو أكثر...»(1).
أقول: كان عمر حاضراً في خيبر وسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً لاَنّ الصحابة كلّهم اجتمعوا بأمر النبي للصلاة كما صرّح في الحديث.
ويمكن ان نقدم اعتذاراً من قبل الخليفة واتباعه انّهم لم يلتفتوا الى لوازم كلامهم هذا في تلك الساعة. وكم كنت احب ان لا تصدر هذه الجملة وهذا العمل من هؤلاء الصحابة، وكم كنت احب ان لم يعص النبي الرحيم الرؤوف في بيته ولم يهن في آخر حياته الشريفة بهذه الجملة، وكم كنت احب ان لم يضبط التاريخ المعتبر الموثوق به هذه الواقعة في صدره حتى لا يخجل المسلمون من اهل الكتاب وغيره، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ.

لطيفة
قال عالم سني لعالم شيعي: أليس في اقامة النبي أبا بكر مقامه في صلاة الجماعة ـ وهي عمود الدين ـ رمز الى خلافته بعده؟ فاجابه العالم الشيعي: بل هي نص في خلافته! فسأله العالم السني فرحاً مسروراً: اذن لماذا لا تقولون بها؟ فقال العالم الشيعي انّه صلى الله عليه وسلم هجر (في امره بان يقيم أبو بكر الصلاة).
فسكت الاَول، ولم يحر جواباً (احتراماً لمقام عمر رضي الله عنه ).

أبو هريرة الدوسي
تقدّم في مقدمة الكتاب انّ أبا هريرة روى 5374 حديثاً اخرج البخاري منها 446 حديثاً، ويقول السيّد مصطفى الصادق الرافعي في كتابه
____________
(1) سنن أبي داود 3: 167 كتاب الخراج والامارة.

( 79 )
«تاريخ آداب العرب»: وكان اكثر الصحابة رواية أبو هريرة، وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ـ بل صحب عاماً وتسعة أشهر كما ذكره صاحب كتاب شيخ المضيرة ـ وعمّر بعده نحواً من خمسين سنة، ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه، وهو اول راوية اتهم في الاسلام، وكانت عائشة أشدّهم انكاراً عليه لتطاول الاَيام بها وبه إذ توفيت قبله بسنة...(1).
واليك جملة من الاحاديث التي وردت عن أبي هريرة في صحيح البخاري وغيره والتي تكشف لنا ما حاله:
(24) عن حيان سمعت أبا هريرة يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، احطب لهم إذا نزلوا، واحدو لهم إذا ركبوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قوّاماً، وجعل أباهريرة اماماً(2).
(25) عن أبي هريرة: ما من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه منّي إلاّ ما كان من عبدالله بن عمرو، فانّه كان يكتب ولا أكتب(3).
أقول: نفس هذا الادعاء يدل على غلوّه في شأنه وعدم تورّعه في الكلام، إمّا أولاً: فانّه لم يصاحب النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ عامين، والحال ان جمعاً من الصحابة صاحبه طيلة عمره الشريف كأبي بكر وعلي وغيرهم، فكيف يدّعي انّه أكثر حديثاً من كل الصحابة.
وإمّا ثانياً: لا يعرف عن ابن عمرو انّه أكثر حديثاً منه، فلقد قيل انّ له
____________
(1) الاَضواء على السنة المحمدية: 113.
(2) سنن ابن ماجه رقم 2445 كتاب الرهون.
(3) صحيح البخاري رقم 113 كتاب العلم.

( 80 )
كتاباً في الادعية فقط، وانّ رواياته لم تتجاوز عن (700) كما عن ابن الجوزي، أو عن (722) كما عن مسند أحمد.
وإمّا ثالثاً: فسيأتي منه انّه لم ينس حديثاً، فكيف يدّعى انّ عدم كتابته للحديث أوجبت ان يكون ابن عمرو أكثر رواية منه.
ثم الرواية تنافي ما ورد من نهيه صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم.
(26) عن الاَعرج، عنه: انّ الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً، ثم يتلو: (انّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات ـ إلى قوله ـ الرحيم) انّ اخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق، وانّ اخواننا من الانصار كان يشغلهم العمل في اموالهم، وانّ أبا هريرة كان يلزم رسول الله بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون(1) وكرره البخاري في ثلاثة مواضع أُخر(2).
في هذه الرواية مطالب:
1 ـ انّ اتهام أبي هريرة باكثار الحديث لم يحدث بعد موته، ولم
____________
(1) صحيح البخاري رقم 118 كتاب العلم.
(2) وفي صحيح مسلم 16: 52 سمعت أبا هريرة يقول: إنّكم تزعمون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد كنت رجلاً مسكيناً اخدم رسول الله (ص) على ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم... فقال رسول الله (ص) من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه ثم ضممته اليّ فما نسيت شيئاً سمعته منه. ولاحظ ص54 أيضاً.
أقول: اما انه خدم رسول الله (ص) لملء بطنه لا لغيره فهو صحيح، وامّا ما يظهر منه من ان قوله في بسط الثوب لاجل شغل المهاجرون والانصار بالمعاملة والزراعة وغيرهما فهو واضح البطلان، ثم انّ قوله هذا يخالف ما يأتي منه من انّه هو السائل لعلاج عدم النسيان، وان الخطاب ببسط ثوبه متوجه إليه وحده، وفي هذا الحديث الخطاب عام لكن لم يرغب فيه غير أبي هريرة!!!!

( 81 )
يصدر عن واحدٍ وجمع قليل، بل شاع اتهامه في حياته شيوعاً تاماً حتى اخبر هو عن ذلك بقوله: انّ الناس يقولون، وبمثل هذا الاتهام الشائع لم يتهم أحد من الصحابة، ولا يخفى عليك انّ جمعاً من هؤلاء الناس ـ الذين اتهموه ـ او كلهم من الصحابة طبعاً.
2 ـ ليس تمام روايات أبي هريرة في البيّنات المنزلة في الكتاب فقط، ولا في الحلال والحرام فقط حتى تشملها الآية المباركة فيكون عذره مقبولاً، بل انّ جملة من رواياته في أُمور لا تتعلق بالذي ذكرناه، فيعلم منه انّه غير جاد في استدلاله بالآيتين، بل أراد ان يدفع عن نفسه اتهام الناس ايّاه.
3 ـ يُظهر المهاجرين والانصار وكأنّهم طلاب دنيا بما ينسبه اليهم من الصفق بالاسواق والعمل في اموالهم مع عدم الحضور في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانّه هوالذي كان يحضر فقط دون أحد من الصحابة، فيدّعي انّه أكثر حضوراً وحفظاً! ولم يلتفت البخاري ولا غيره من الرواة هل يمكن ان يكون من صحب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة على نية صادقة وحضور متواصل من كبار الصحابة أقلّ حديثاً من هذا الشيخ الذي لم يصحبه حتى مدة عامين؟!
ومن يقبل هذا الادعاء منه فهو بسيط وساذج، فسبحان الله من تجارة أبي هريرة بالرواية، تجارة رابحة لدنياه وخاسرة لآخرته.
(27) وعن سعيد المقبري: قال أبو هريرة رضي الله عنه : يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلاً....(1)
(28) عن نافع: حدّث ابن عمر انّ أبا هريرة يقول: من تبع جنازة
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3505 كتاب فضائل الصحابة.

( 82 )
فله قيراط. فقال أكثر أبو هريرة علينا فصدقت ـ يعني عائشة ـ وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، فقال ابن عمر لقد فرطنا في قراريط كثيرة(1).
أقول: انّ اكثار أبي هريرة كان مشهوراً عند الصحابة، فيتهمه كلّ من سمع منه ما يستبعده كما ترى من ابن عمر، وان كان في خصوص المورد قد برّأته عائشة من الكذب.
(29) وعنه: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انّي اسمع منك حديثاً كثيراً انساه قال ابسط رداءك فبسطته، قال فغرف بيديه ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت شيئاً بعده(2).
سبحان الله من كرامة لاَبي هريرة ـ على حدّ زعم بعض الناس! ـ كرامة لم تنل أحداً من كبار الصحابة. والمؤمن الفطن يعلم انّ قصة بسط الرداء تشبه الحكايات المتداولة بين الصبيان، وكأنّ عجالته في انشاء القصة أنسته من المغروف منه، ثم انّه غيّر هذه القصة الى وجه مخالف لما ذكرناه منه هنا، وكأنّه خاف ان ينكشف أمره أو نسى ادعاءه هذا فقال: انكم تقولون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون ما بال المهاجرين والانصار لا يحدّثون عن رسول الله بمثل حديث أبي هريرة... وقد قال رسول الله في حديث يحدثه انه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع اليه ثوبه إلاّ وعى ما أقول. فبسطت نمرة عليَّ حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها الى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله تلك من شيء(3).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 1260.
(2) صحيح البخاري رقم 119 كتاب العلم.
(3) صحيح البخاري رقم 1942 كتاب البيوع.

( 83 )
أقول: وبين القصتين اختلاف بيّن كما تعلمون، والعجب انّ أحداً من الحاضرين ـ غير أبي هريرة ـ لم يرغب في حفظ مقالته صلى الله عليه وسلم تلك!!!
اسمع يا أيّها القارئ قول أبي سلمة:... وانكر أبو هريرة الحديث الاول، قلنا ألم تحدّث انّه لا عدوى فرطن بالحبشية. قال أبو سلمة فما رأيته نسى حديثاً غيره!!!(1).
(30) وعنه: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته، وأمّا الآخر فلو بثثته قطع هذا الحلقوم(2) (3).
أقول: ولا شكّ أنّه لو كان عمر حياً لم يتمكن من بث وعائه من الاسرائيليات والجعليات وربما قطع حلقومه وبلعومه.
يا شيخ المضيرة من اين لك هذه الاسرار دون السابقين الاَولين من المهاجرين والانصار، فهل لك شاهد غيرك في هذه المبالغات والمفتريات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لا اعتماد البخاري على روايته لاعتقدت انه انما ينقل هذه الروايات وامثالها ليفضح أبا هريرة ويظهر دجله، لكن البخاري لم يوفق للتمييز بين الحق والباطل.
(31) عنه، ارسل ملك الموت الى موسى عليه السلام فلمّا جاء صكه، فرجع الى ربه فقال ارسلتني الى عبد لا يريد الموت فردّ الله عليه عينه...(4)
فانظر الى بهتانه على موسى عليه السلام ، وفرض الملك جسماً كثيفاً! لكنه
____________
(1) صحيح البخاري رقم 5437 كتاب الطب.
(2) نقول لاَبي هريرة ربّما نفهم ما في وعائك الثاني ممّا بثثته من وعائك الاَول، ولو عشت مدة أُخرى في بلاط خلفاء بني أُميّة لبثثت الثاني، بل الثالث شئت أم أبيت، لاَنّ كل تاجر وراء تجارته.
(3) صحيح البخاري رقم 120.
(4) صحيح البخاري رقم 1274.

( 84 )
استحى قليلاً، فلم ينسب كلّ ما حكاه الى رسول الله، ولعله اخذه من كعب الاحبار!
(32) وعنه وكلّني رسول الله بحفظ زكاة رمضان... ثم يحكى انّه أتاه شيطان يأخذ من الطعام فاخذه ولكن رحمه، فلما اصبح قال رسول الله: «انه كاذب وسيعود» وعاد فأخذ الطعام فرحمه رغم قوله صلى الله عليه وسلم انّه كاذب، ورحمه الليلة الثالثة أيضاً، فخلّى سبيله حين علّمه قراءة آية الكرسي في كل ليلة عند نومه(1).
(33) وعنه... فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى، فانّ الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فاكون أول من أفيق، فاذا موسى باطش جانب العرش!!! فلا ادري أكان فيمن صعق فافاق قبلي أو كان ممّن استثني الله(2)!!!
ولعلّ هذا من الاسرائيليات التي تلقّاها عن كعب الاحبار، ناسباً ايّاه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلاّ لا يحتمل أفضلية موسى عليه السلام من خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم.
(34) وعنه: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انزل الله عزّ وجلّ: (وانذر عشيرك الاَقربين) قال: «يا معشر قريش اشتروا انفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، ويا عباس... ويا صفية عمة رسول الله... ويا فاطمة بنت محمّد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً»(3).
أقول: سبحان الله انّ أبا هريرة يخبر ـ جازماً وقاطعاً ـ عن أوائل
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2187.
(2) صحيح البخاري رقم 2280 كتاب الخصومات.
(3) صحيح البخاري رقم 2602 كتاب الوصايا.

( 85 )
البعثة، فكأن الله اظهره على غيب مكة وهو باليمن! وقد زلّ البخاري بحسن ظنه عن الصراط المستقيم. ثم انّه قد خفي على أبي هريرة ونقلة كلامه انّ فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم امّا لم تولد انذاك أو كانت طفلة صغيرة لا تصلح لمثل هذا الخطاب!!!

أبو هريرة وتعرّضه لمقام الانبياء عليه السلام
(35) وعنه: بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى الى الحصى فحصبهم بها فقال: «دعهم يا عمر»(1).
فسلوة لك يا رسول الله عن محدّث ساذج وراو كاذب واناس غافلين، نعم أين انت من مجلس لعب الحبشة، ومتى كان عمر ابعد منك عن اللهو؟!
(36) وعنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قرصت نملة نبيّاً من الانبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: ان قرصتك نملة أحرقت أُمّة من الاَُمم تسبّح»(2).
أقول: فليحكم العقلاء بعدالة ملوك بني اُميّة، فانّهم أفضل من هذا النبي!!!
(37) وعنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً»(3).
(38) وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم»(4).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2745.
(2) صحيح البخاري رقم 2856 كتاب الجهاد.
(3) صحيح البخاري رقم 3148 كتاب الانبياء.
(4) صحيح البخاري رقم 3177 كتاب الانبياء.

( 86 )
(39) وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلاّ ثلاث كذبات...»(1).
(40) وعنه: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم، إذ قال: (ربِّ أرني كيف تُحيي الموتى قال أوَلم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي(2).
أقول الآية لا تدل على شكّ إبراهيم عليه السلام أولاً وخاتم النبيين ليس بأحقّ منه فيه ثانياً.
(41) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بينما أيوب يغتسل عرياناً خرّ عليه رِجلُ جراد من ذهب، فجعل يحثى في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب ألم اكن اغنيتك عمّا ترى، قال بلى، ولكن لا غنى لي عن بركتك»(3).
(42) وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انّ موسى كان رجلاً... وان الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى الى ملاَ من بني اسرائيل فرأوه عرياناً(!!!) احسن ما خلق الله... وطفق بالحجر ضرباً بعصاه!!!(4).
(43) وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال سليمان بن داود لاَطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كلّ امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: ان شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئاً إلاّ واحداً ساقطاً أحد شقيه»، فقال النبي: «لو قالها لجاهدوا في سبيل الله(5).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3179.
(2) صحيح البخاري رقم 3192 كتاب الانبياء.
(3) صحيح البخاري رقم 3211 كتاب الانبياء.
(4) صحيح البخاري رقم 3223 كتاب الانبياء.
(5) صحيح البخاري رقم 3342 كتاب الانبياء.

( 87 )
فهذه هي بعض مفتريات أبي هريرة ـ راوية الاسلام كما يزعم البعض ـ إذ هل من المألوف ـ بل المعقول ـ ان يطوف رجل ما ـ مهما اوتي من قوة ـ على سبعين امرأة في ليلة واحدة، ثم ما هو السبب الذي من اجله لم يقل سليمان عليه السلام (ان شاء الله)؟! هل هو عدم اعتقاده بالله ام ماذا؟ وبعد هذا يأتي البخاري ـ وبدون ادنى رويّة ـ ليقول: الاَصح «تسعين امرأة» بدل «سبعين»، وكأنّه جزم بصحة الرواية حسب قواعده الخاصة.
فهذا الذي نقلناه عن أبي هريرة ليس بغريب لمن عرف حاله ولكن الغريب ان يدّعي البعض انّ كتاب البخاري هو اصح الكتب بعد كتاب الله!
يقول أبو هريرة في محل آخر(1)، قال سليمان بن داود عليهما السلام لاطوفن الليلة بمائة امرأة... فقال له الملك: قل انشاء الله، فلم يقل ونسى!، فاطاف بهن ولم تلد منهنّ إلاّ امرأة نصف انسان.
وله حديث آخر يخبر عن ستين امرأة(2).
انظر ايها العاقل ممن تأخذ دينك، وعلى من تعتمد في أخذ أحاديث رسولك صلى الله عليه وسلم(3).
(44) وعنه: انّ الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وانّي كنت الزم رسول الله بشبع بطني... وان كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان اخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب(4).
أقول: من كان من الرواة هذا سبيله فهل يمكن الاعتماد عليه؟
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4944 كتاب النكاح.
(2) صحيح البخاري رقم 7031 كتاب التوحيد. أقول: حتى على رواية الستين وفرض قدرة سليمان عليه السلام على طوافه عليهن في ليلة واحدة لابد ان نفرض طول الليلة ثلاثين ساعة!!! إذ المباشرة بمقدماتها تحتاج عادة الى ثلاثين دقيقة مثلاً.
(3) انظر صحيح مسلم 11: 121 و118.
(4) صحيح البخاري رقم 3506 كتاب فضائل الصحابة.

( 88 )
وفي رواية أُخرى يقول:... وان كنت لاَشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم... فمر أبو بكر فسّألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلاّ ليشبعني، فمرّ ولم يفعل! ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلاّ ليشبعني، فمر ولم يفعل(1).
(45) وعنه... فيقول (ابراهيم) لهم: وانّي قد كذبت لهم ثلاث(2).
(46) وعنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «افضل الصدقة...» فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا هذا من كيس أبي هريرة(3).
انظر كيف انّه كان عند الناس متهماً لكنّ البخاري واقرانه لا يلتفتون الى ذلك!
(47) عن ابن عمر قال: انّ رسول الله أمر بقتل الكلاب إلاّ كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية، فقيل لابن عمر: انّ أبا هريرة يقول أو كلب زرع، فقال ابن عمر: ان لاَبي هريرة زرعاً(4).
(48) عن أبي رزين قال: خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال: ألا انّكم تحدّثون انّي أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا واضلّ!!!(5).
أقول: يزعم أبو هريرة ان اكاذيبه سبب لاهتداء المسلمين!!!
ثم انّ مسلماً ذكر جملة من فضائل أبي هريرة(6) ولكنّه لم ينقل
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6087 كتاب الرقاق.
(2) صحيح البخاري رقم 4435 كتاب التفسير.
(3) صحيح البخاري رقم 5040 كتاب النفقات.
(4) صحيح مسلم 10: 237.
(5) صحيح مسلم 14: 75.
(6) صحيح مسلم ج15 و16 كتاب الفضائل.

( 89 )
حديثاً واحداً عن غير أبي هريرة في حقّه، بل كلّها من قوله! واليك حديثاً واحداً من فضائله.
(49) وعن أبي هريرة... قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأُمّي الى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله: «اللّهم حبب عبيدك هذا ـ يعني أبا هريرة ـ وأُمّه الى عبادك المؤمنين، وحبب اليهم المؤمنين» فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلاّ أحبني(1).
أقول: لكن لم يتّهم أحد من الصحابة كاتّهامه عند المؤمنين، بل هو أول راوية اتّهم في الاسلام!
(50) عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا أعرفنَّ ما يحدّث أحدكم عني الحديث وهو متكيء على اريكته فيقول: اقرأ قرآنا. ما قيل من قول حسن فانا قلته»(2).
أقول: انظر انّه كيف يروج تجارته في جعل الاحاديث.
ولاَبي هريرة ابداعات أُخر ستمر بك بعضها في تضاعيف هذا الكتاب، والكلام حوله طويل، وللاطّلاع انظر كتاب أبي هريرة وكتاب شيخ المضيرة.

النوم لا ينقض الوضوء
(51) عن ابن عباس قال: انّ النبي نام حتى نفخ ثم صلّى. وربما قال: اضطجع حتى نفخ ثم قام فصلّى(3).
وفي صحيح مسلم: ثم نام صلى الله عليه وسلم حتى ـ نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه ـ
____________
(1) صحيح مسلم 16: 52.
(2) مقدمة سنن أبي ماجة رقم 21.
(3) صحيح البخاري رقم 138 كتاب الوضوء.