كتاب نظرة عابرة الى الصحاح الستة ص 90 ـ ص 118
ثم خرج الى الصلاة فصلّى(1).
حرمة الاستقبال والاستدبار في حال التخلّي
(52) وعن أبي ايوب الانصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولّها ظهره، شرقوا أو غربوا»(2).
وقال: فقدمنا الشام، فوجدناه مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله(3).
اقول: كل ّ الروايات تدلّ على الحرمة سوى ما عن ابن عمر من انّه رآه صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، لكنّه لا يسوغ لصرف ظاهر الاحاديث المحرّمة لاحتمال انّه صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة في حال الاستنجاء. والمفتي به في فقه الشيعة الاِمامية هو الحرمة، ولا ترى في بيوتهم مرحاضاً مستقبل القبلة وان كان ما يدلّ عليها ضعيفاً سنداً من طرقهم، على انّ أهل السنة يجوزون السهو والنسيان عليه صلى الله عليه وسلم في صلاته فكيف لا يقولون بهما في المقام؟ وربّما يفرق بين البناء والصحراء، لكن احكام الله تعالى لا تختلف بذلك، فاللازم ردّ رواية ابن عمر. ولاحظ اقوال العلماء والمذاهب في غير مقام(4).
(53) عن معقل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نستقبل القبلتين ببول أو غائط(5).
أقول وهذا عجيب، وأعجب منه ما.
(54) عن ابن عمر قال: نهى النبي عن البول مستقبل القبلة في
____________
(1) صحيح مسلم 6 : 49 .
(2) صحيح البخاري رقم 144.
(3) صحيح البخاري رقم 386 كتاب القبلة، صحيح مسلم 3: 153.
(4) صحيح مسلم 3: 153 و145 وشرحه للنووي.
(5) سنن أبي داود 1: 4.

( 91 )
الفضاء، فاذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس (المصدر).
فإنّ قبلة البعيد هي الجهة فأي شيء يسترها، هل الراحلة التي بال اليها النبي صلى الله عليه وسلم ساترة للقبلة؟!

نزول آية الحجاب
(55) عن عائشة قالت: انّ ازواج النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يخرجن...(1).
هذا الحديث يحكي انّ آية الحجاب نزلت باصرار عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول له: احجب نساءك فلم يكن رسول الله يفعل حتى نادى سودة ألا قد عرفناك يا سودة...
اقول: الصحيح ان احكام الله تعالى الشرعية كافعاله التكوينية تابعة لمصالح وحِكَم ولا جزاف في التشريع ولا مدخلية للاَذواق فيها، فهذه الرواية وامثالها مخالفة لفلسفة التشريع العالية الحكيمة فلا يحسن قبولها. ويأتي انّه معارض بما يدعيه انس.

احترام المسجد!
(56) عن حمزة بن عبدالله، عن أبيه قال: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك(2).
أقول: هل بول الكلب عند عبدالله بن عمر طاهر أو لا يرى للمسجد النبوي كرامة ولا لتطهيره من النجس لزوماً ولا أدري كيف رضي البخاري بنقل هذا الاَقوال الباطلة في كتابه؟!
(57) عن انس قال: انّ النبي رأى اعرابياً يبول في المسجد فقال:
____________
(1) صحيح البخاري رقم 146 كتاب الوضوء.
(2) صحيح البخاري رقم 172 كتاب الوضوء.

( 92 )
«دعوه» حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه(1).
وفي نقل آخر عنه قال: جاء اعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم...(2).
ورواه أبو هريرة بلفظ آخر وزاد في آخره: فانّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين(3).
أقول: فانظر أيدّك الله الى هذه الاكاذيب، فهل تقبل انّ النبي اباح ان يبال في بيت الله ومسجده العظيم وهو معبد المسلمين، وهل له نظير في معبد من معابد الاديان؟!

رواية مخالفة للاجماع
(58) عن زيد بن خالد انّه أخبر عن عثمان عدم وجوب الغسل بالجماع المجرد عن الامناء، ونقله عثمان عن جمع من الصحابة(4).
(59) ونقله عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يظهر منه انّه لا غسل مع الامناء عند العجلة(5).
لكن عن النووي: انّ الاَُمّة مجمعة على وجوب الغسل على كلّ من الجماع والانزال، وعليه فالاَُمّة مجمعة على ان كتاب البخاري ليس بأصحّ الكتب بعد كتاب الله تعالى.

الاختلاف في صلاة ليله صلى الله عليه وسلم
(60) عن عبد الله بن عباس انّه بات ليلة عند ميمونة زوج
____________
(1) صحيح البخاري رقم 216.
(2) صحيح البخاري رقم 219.
(3) صحيح البخاري رقم 217، وانظر صحيح مسلم 3: 190.
(4) صحيح البخاري رقم 177.
(5) صحيح البخاري رقم 178 وانظر 287 و288 و289 كتاب الغسل.

( 93 )
زوج النبي صلى الله عليه وسلم....(1).
أقول: في اخبار عبدالله بن عباس هنا عن تهجّد النبي اختلاف واضح مع ما نقله عنه في كتاب العلم(2)، وهذا ممّا يوهن اعتبار الروايات، فانّ اخبار راوٍ واحد عن قضية واحدة بمعان مختلفة يكشف عن تسري الغلط أو الكذب فيها، ولعله من اثر الفصل الكثير بين زمان النقل وزمان التدوين كما عرفته في المقدمة.

صلاة خسوف الشمس
(61) عن اسماء بنت أبي بكر قالت: اتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فاذا الناس قيام يصلّون، وإذا هي قائمة تصلّي... فلّما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله واثنى عليه ثم قال: «ما من شيء كنت لم أره إلاّ قد رايته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي اليكم انكم تفتنون في القبور مثل (أو قريباً من) فتنة الدجال...»(3).
أقول: يدلّ الحديث أولاً: على تشريع صلاة الخسوف، وفي فقه الشيعة الاِمامية وجوب صلاة الكسوف والخسوف، والمشتركات بين الاحاديث المروية من طرقنا وطرق الشيعة لفظاً ومعنى أو معنى فقط كثيرة كما انّ المشتركات في الاَحكام الفقهية أيضاً كثيرة، ومن يتصدّى لجمع هذه المشتركات في الحديث والفقه تحكيماً للوحدة الاسلامية فقد خدم الاسلام والمسلمين خدمة نافعة جليلة، ويدلّ ثانياً: على رؤيته صلى الله عليه وسلم لملكوت السموات، وهذا أيضاً وارد في أحاديث الشيعة عن أئمتّهم،
____________
(1) صحيح البخاري رقم 181 كتاب الوضوء.
(2) صحيح البخاري رقم 117 كتاب العلم.
(3) صحيح البخاري رقم 182 كتاب الوضوء.

( 94 )
ويدلّ ثالثاً: عن السؤال في القبر من الميت انّما هو عن النبوة فقط، ويماثله بعض أحاديث الشيعة.

المسح على العمامة
(62) عن عمرو بن أُميّة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته(1).
أقول: وحيث انّه باطل ومخالف للقرآن أوّله بعضهم بأنّه مسح عليها بعد مسح الواجب من الرأس.

نصب الجريدة يخفف عذاب القبر
(63) عن ابن عباس قال: مرّ النبي بحائط من حيطان المدينة أو مكّة، فسمع صوت انسانين يعذّبان في قبورهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذّبان وما يعذّبان في كبير» ثم قال: «بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة» ثم دعا بجريدة فكسر كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة.
فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: «لعلّه ان يخفّف عنهما ما لم تيبسا»(2).
أقول: ظاهر الخبر انّ عذاب البرزخ جسماني إلاّ ان يقال ان سماع صوتهما لم ينقل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم بل عن ابن عباس، ولعلّه حدس منه، وانّما علم النبي بعذابهما، والله العالم.
ثم انّ تأثير الجريدة (اي غصن النخل الذي ليس عليه ورق) في تخفيف العذاب لا يفهمه العقل العادي فنقبله تعبدّاً وليس للعقل الى خصوصيات البرزخ والقيامة سبيل، والمفتي به في فقه الشيعة استحباب
____________
(1) صحيح البخاري رقم 202.
(2) صحيح البخاري رقم 213 و215.

( 95 )
وضع الجريدتين مع الميت حين الدفن، وعلّل وجهه في احاديثهم بنفس هذه العلة ـ أي رجاء تخفيف العذاب أو عدم وصوله ـ ثم انّ النميمة من الكبائر كما ان عدم الاجتناب عن البول ينجر الى بطلان الصلاة وهو أيضاً من الكبائر فلا يصح قبول الحديث من هذه الجهة.

البول قائماً واهانة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم
(64) عن حذيفة... فأتي سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم احدكم فبال فانتبذت منه، فاشار إليَّ فجئْته فقمت عند عقبه حتى فرغ(1).
وفي حديث آخر: كان أبو موسى الاَشعري يشدد في البول ويقول: انّ بني اسرائيل كان إذا اصاب ثوب أحدهم قرضه، فقال حذيفة: ليته امسك اتى رسول الله سباطة قوم فبال قائماً(2).
اقول سباطة: موضع يلقى فيه الكناسة وغيرها وبما ان مضمون الرواية يقدح بمقام النبوة وبشخص الرسول الاكرم، فقد أوَّلها بعض المحقّقين بتأويلات ضعيفة، وكان الاَولى لهم ان يقدحوا بما جاء به البخاري وغيره من روايات تنال من مقام صاحب الرسالة، وهم يعلمون بانّ التبوّل قائماً وامام أعين الناس يستقبحه من هو اقلّ ايماناً من المسلمين، فكيف بخاتم الانبياء والرسل الذي نقل عنه صلى الله عليه وسلم: «انّما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق» فهل اخلاق هذا النبي العظيم تسمح له ان يتبوّل قائماً وامام اعين الناس!!

الوضوء للجنب
(65) عن ميمونة قالت: توضأ رسول الله وضوءه للصلاة غير رجليه
____________
(1) صحيح البخاري رقم 223 وانظر 222، صحيح مسلم 3: 165.
(2) صحيح البخاري رقم 224.

( 96 )
وغسل فرجه... ثم نحى رجليه فغسلهما(1).
اقول: المستفاد من القرآن الكريم حسب قاعدة اصولية قائلة: بانّ التقسيم قاطع للشركة، ان الوضوء يجب على غير الجنب وانه يغتسل فلا يجب عليه الوضوء، وهذ الرواية تدل على ان وضوءه لم يكن وضوءاً كاملاً، فان الوضوء المعهود يبطل بترك غسل الرجلين فيحمل على الاستحباب وهو المحمل لسائر ما ورد في وضوء الجنب، فلا تخالف الكتاب العزيز، وأمّا قولها: ثم نحى رجليه فغسلهما، فلا دليل على انّه لاَجل الوضوء، بل الظاهر انّه لاَجل الغسل، فافهم، والمتأمل في احاديث الغسل يرى عدم وجوب الوضوء معه.

عمل عبث
(66) عن أبي سلمة قال: دخلت أنا واخو عائشة على عائشة، فسألها اخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت باناء نحواً من صاع فاغتسلت وافاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب(2).
أقول: مع فرض الحجاب بينها وبينهما يصبح غسلها لغواً لا فائدة فيه، وعائشة عاقلة لا تفعل ما يضحك منه العقلاء!

عجيبة حول الجماع
(67) عن قتادة، عن انس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن احدى عشرة.
قال: قلت لانس: أوَ كان يطيقه؟
قال: كنا نتحدّث انّه أُعطي قوة ثلاثين(3).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 246 و254 و256 كتاب الغسل.
(2) صحيح البخاري رقم 248 كتاب الغسل.
(3) صحيح البخاري رقم 265 كتاب الغسل.

( 97 )
اقول: التحدّث المذكور حدس محض، هذا أوّلاً، وثانياً: انّ اتيان (11) أو (9) زوجة في ساعة واحدة شيء لعلّه لم يعهد من انسان، ولا أدري ما يعني هؤلاء القصاصون المغالون من هذه الاباطيل، ولعلّهم يريدون ان النبي كما هو افضل البشر علماً وعبادةً واخلاقاً ومقاماً كذلك هو افضلهم شهوة، وهذه هي سيرة الجهال في حق عظمائهم.
ثم انّ المعجزة أو خرق العادة انما هي في الممكنات دون الممتنعات واتيان احدى عشر زوجة في بيوت مختلفة بما يطلبه من المقدمات غير مقدور في ساعة واحدة، فالحديث وامثاله نوع لعب بالعقول وتعريف الاسلام بدين الخرافات.
ثم انّ وقار النبي ليس بأدون من وقار غالب الناس حيث لا يطلعون الغير على جماعهم، فكيف لا يأنف النبي صلى الله عليه وسلم منه، ولعلّ واضع الحديث اراد تبرئة الحكام الامويين المنهكين في الشهوات وملاعبة النساء والاماء.

كذبة اخرى
(68) عن أبي هريرة... فلما قام صلى الله عليه وسلم في مصلاّه ذكر انّه جنب، فقال لنا: «مكانكم» ثم رجع فاغتسل، ثم خرج الينا ورأسه يقطر، فكبّر وصلّينا معه(1).
أقول: من أين علم أبو هريرة انّه صلى الله عليه وسلم كان جنباً، ومن أين علم انّه اغتسل وهو في المسجد، ولعلّه صلى الله عليه وسلم رجع الى منزله لاَمر آخر ثم غسل رأسه للنظافة، فلا عبرة بظن هذا القوّال، مع ان النبي الاَكرم المتوجه الى ربّه المهتم بصلاته غاية الاهتمام يبعد منه كل البعد ان ينسى غسل الجنابة،
____________
(1) صحيح البخاري رقم 271.

( 98 )
بل لعلّه لم يتفق ذلك لمعظم احاد أُمّته في حياتهم.

السعادة والشقاوة
(69) عن انس، عنه صلى الله عليه وسلم: «انّ الله عزّ وجلّ وكلّ بالرحم ملكاً يقول: يا رب نطفة، يارب علقة، يا رب مضغة، فاذا أراد ان يقضي خلقه قال: أذكر أم أُنثى، شقي أم سعيد فأمّا الرزق والاَجل فيكتب في بطن أُمّه(1).
أقول: ان الله يعلم ان الجنين بعد حياته وشبابه في الدنيا يعمل أعمال السعداء أو يعمل أعمال الاَشقياء فيخبر الملك عن مستقبله، لا ان الله يخلقه ويجعله سعيداً أو شقياً (وما ربك بظلاّم للعبيد)، وشبيه هذا المعنى قد ورد في بعض أحاديث الشيعة أيضاً، والوجه ما ذكرنا.

ما يصح عليه السجود
(70) وعن ميمونة... وهو صلى الله عليه وسلم يصلّي على خمرته...(2) أقول: الخمرة حصيرة صغيرة تعمل من ورق النخل سميت بذلك لانّها تستر الوجه والكفين من حر الاَرض وبردها كما ذكره المعلّق. فالمقدار المتيقن ممّا يصحّ عليه السجود بعد الارض هو الحصير، وفي حال الاضطرار الثوب كما عن انس: فاذا لم يستطع أحدنا ان يمكن وجهه من الارض بسط ثوبه فسجد عليه(3).

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
(71) عن جابر بن عبدالله قال: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: اعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الارض
____________
(1) صحيح البخاري رقم 312 كتاب الحيض.
(2) صحيح البخاري رقم 326 كتاب الحيض.
(3) صحيح البخاري رقم 1150.

( 99 )
مسجداً وطهوراً، فأيّما رجل من أُمتّي ادركته الصلاة فليصلّ، واحلت لي المغانم ولم تحل لاَحد قبلي، واعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة(1).
أقول: يظهر منه انّ الاَُمم السابقة يصلّون في اماكن خاصة ولا يجوز لهم الصلاة في كلّ مكان، كما يظهر منه جواز التيمم على كل ما يصدق عليه الارض تراباً كان أم غيره.
ثم ان المستفاد من مجموع الروايات انّ الشفاعة الكبرى والاولى في القيامة للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم وبعده لغيره من الانبياء والاولياء والملائكة والمؤمنين.
واعلم انّه لادليل من القرآن الكريم يثبت بأنّ نبياً من الاَنبياء على نبينا وآله وعليهم السلام بعث الى جميع الناس، والمتيقن انّهم عليهم السلام بعثوا الى قومهم أو الى قوم خاص، بل هو الظاهر من الآيات الكريمة الواردة في حق بعضهم، وهذا هو المطابق للاعتبار العقلي في تلك الازمنة المحدودة روابطها، وأمّا رسالة نبينا الاعظم صلى الله عليه وسلم فلها عموم من وجهين طولاً وعرضاً، فهو بعث الى جميع البشر والى كافة الناس، بل يمكن ان نقول انّه مبعوث الى جميع الكائنات في جميع المجرات نظراً الى قوله تعالى: (وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين)(2) وبعث الى يوم القيامة ولا نبي بعده كما في الحديث المعروف الذي ادّعى السيوطي تواتره: «يا علي انت مني
____________
(1) صحيح البخاري رقم 328 كتاب التيمم.
(2) الدليل على انّ العالمين بمعنى كل الكائنات سوى الخالق جلت عظمته هو قوله تعالى في سورة الفاتحة: الحمد لله رب العالمين فمتعلق الرسالة الخاتمية يمتد امتداد متعلق الربوبية الالهية. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فلاحظ وتأمل.

( 100 )
بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبي بعدي».

التيمم ونظر عمر رضي الله عنه
(72) عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزى، عن ابيه قال: جاء رجل الى عمر بن الخطاب فقال: انّي اجنبت فلم اصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر انّا كنا في سفر انا وانت، فأمّا انت فلم تصلّ، وأمّا انا فتمعكت فصلّيت، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليه وسلمانّما كان يكفيك هكذا» فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفّيه الارض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفّيه(1).
ثم ان البخاري ذكر بعض كلمات الرواية منفصلة(2).
اقول: لم يشأ البخاري أن يذكر بعض كلمات الحديث، فانّها لا تناسب مقام الخليفة سواء صدرت منه سهواً أو عمداً، فإنّها مخالفة للقرآن والسنة، ومن ساء ظنه به لاَجل هذا التصرف وامثاله فنحن لا نلومه، وعلى كلٍّ اليك الحديث بكامله من صحيح مسلم الذي لا يشتت الحديث لمجرد الملاحظات كما يظهر لك في غير المقام أيضاً:
انّ رجلاً أتى عمر فقال: انّي اجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصلّ، فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وانت في سرية فاجنبنا، فلم نجد ماء، فأمّا أنت فلم تصلّ، وأمّا أنا فتمعكت في التراب وصلّيت، فقال ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ : «انّما كان يكفيك ان تضرب يديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك».
فقال عمر: اتق الله يا عمّار.
____________
(1) صحيح البخاري رقم 331 كتاب التيمم.
(2) صحيح البخاري رقم 332 و333 و334 و336 وغيرها.

( 101 )
قال: ان شئت لم احدّث به؟!
وفي رواية: فقال عمر نوليك ما توليت(1).
(73) وعن أبي وائل قال: قال أبو موسى لعبدالله بن مسعود: إذا لم يجد الماء لا يصلّي؟
قال عبدالله، لو رخّصت لهم في هذا، كان إذا وجد احدهم البرد قال هكذا ـ يعني تتيمم ـ وصلّى.
قال: قلت: فأين قول عمّار لعمر؟
قال: انّي لم أر عمر قنع بقول عمار(2).
(74) عن شفيق قال: كنت عند عبدالله وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيت يا ابا عبد الرحمن إذا اجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟
فقال عبدالله: لا يصلّي حتى يجد الماء.
فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يكفيك».
قال ألم تر عمر لم يقنع بذلك؟
فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟
فما درى عبدالله ما يقول، فقال: أنا لو رخّصنا لهم في هذا لاَوشكّ إذا برد على احدهم الماء ان يدعه ويتيمم...(3)
فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: (فلم تجدوا
____________
(1) صحيح مسلم 4: 62 باب التيمم وبهامشه شرح النووي.
(2) صحيح البخاري رقم 338.
(3) صحيح البخاري رقم 339، ورواه مسلم باختلاف وفيه: فقال عبدالله: لا يتيمّم وان لم يجد الماء شهراً.

( 102 )
ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً
فقال عبدالله: لو رخّص لهم في هذه الآية لاَوشكّ إذا برد عليهم الماء ان يتيمّموا بالصعيد.
فقال أبو موسى لعبدالله: ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: «انّما كان يكفيك ان تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الارض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه.
فقال عبدالله أوَلم تر عمر لم يقنع بقول عمار(1).
أقول ما يتعلق بمجموع روايات الباب أُمور:
أولاً: انّ عمر لا يرى مشروعية التيمم أصلاً، وحتى بعد تذكير عمار ايّاه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يظهر من كلامه وكلام عبدالله بن مسعود.
وكان عمر رضي الله عنه يترك الصلاة عند عدم تمكّنه من الغسل، والله يعلم انّه كم ترك من صلواته اليومية في ذلك الزمن الذي لا يوجد الماء غالباً في البراري؟!
بل كان يفتي الناس بترك الصلاة حتى يجدوا الماء كما عرفته من مسلم.
ثانياً: هل تركه الصلاة مع التيمم لاَجل اجتهاده في المسألة وانّه لا يرى التيمم مشروعاً في الشريعة أو لتنفر طبعه من هذا العمل المهين؟ الظاهر هو الثاني لوجوه:
____________
(1) انظر 4: 60 وما بعدها من باب التيمم.

( 103 )
أ: شرع التيمم في سفر بمحضر من جمع كثير فاقدين للماء بمحضر من النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم على ما رواه البخاري عن عائشة في أول كتاب التيمم، والموضوع كان محل ابتلاء كثير من الصحابة في اسفارهم، فاصبح حكم التيمم وبدليته عن الغسل والوضوء واضحاً مشهوراً والمسالة محل ابتلاء الناس في تلك الازمان غالباً، فلا يعقل خفاء مثل هذا الحكم على مثل عمر.
ب: تشريع التيمم لم يصدر عن لسان النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل بوحي من القرآن الكريم الذي يتلوه الصحابة ـ ومنهم عمر ـ ليلاً ونهاراً، فهل يمكن انّ عمر والى زمان خلافته لم يكن ملتفتاً الى آية التيمم من سورة المائدة، وهل يرضى عاقل بنسبة مثل هذا الجهل الى الخليفة الثاني وهو هو؟!
ج: رواية ابن حصين ففيها: فاستيقظ عمر... قال صلى الله عليه وسلم: «يا فلان ما يمنعك ان تصلّي معنا» قال: اصابتني جنابة، فأمره ان يتيمم بالصعيد...(1).
د: تذكير عمار ايّاه بحكم التيمم وكيفيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمار لم يكن كأبي هريرة مورد اتهام الخليفة، فانّه صحابي جليل القدر، لكن عمر لم يقبل منه بحيث خاف هو منه وقال له: ان شئت لم احدّث به! وقد ذكر عبدالله بن مسعود بعد ذلك عدم قبول عمر لحديث عمار لاَبي موسى. ولعمري ان ردّ الخليفة على تشريع التيمم الثابت بالقرآن والسنة القولية واجماع معظم الصحابة يبلبل الفكر ويحير العقل ولا أجد له مفراً.
وثالثاً: نسأل عبدالله بن مسعود كيف رددت حديث عمار الموافق
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3378 كتاب المناقب.

( 104 )
للقرآن بمجرد عدم قبوله من قبل عمر؟ فهل قبوله شرط لحجية الحديث وما ينقله الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل تعتقد أن عمر شريك رسول الله في انفاذ سنته وتحكيم كتاب ربه أو كان ردّك للحديث لامر آخر؟!
ورابعاً: ان استدلال عبدالله ضعيف وغير مقنع، فانّه يستدل على جواز ترك الصلاة للمجنب الغير متمكن من الماء يدعوى انّ الترخيص ـ التيمم ـ يستلزم ترك الغسل عند برد الماء! والحال ان ترخيص التيمم لعدم وجود الماء وإلاّ يسقط بوجود الماء، فهذا الرجل يرى الغسل اهم من ترك الصلاة، ويفتي بجواز تركها تأكيداً على أهمية الغسل! ولا يدري انّ الغسل كالوضوء مقدمة للصلاة، ومن أحد شرائط صحتها هو التمكن من استعمال الماء.
وخامساً: ان اصعب مشكلة في المقام انّما هو في ردّ ابن مسعود آية الكتاب الواردة في تشريع التيمم بمجرد اعتبار ضعيف عرفته من كلامه، وهذا النحو من التجري لا يتوقع من مسلم يؤمن بالله ورسوله، فكأنّه يرى نفسه صالحة للتشريع وتاديب الناس وان انجر الامر الى اهمال احكام الله سبحانه الواردة في قرآنه، وهذا ربما يوجب الارتداد فضلاً عن الفسق والظلم على ما قاله سبحانه في كتابه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون... الظالمون... الفاسقون).
من أنت يابن مسعود حيث تقول في ردّ الآية: ولو رخّصنا لهم في هذا لاَوشكّ ـ إذا برد على أحدهم الماء ـ ان يدعه ويتيمم.؟ أأنت رب العباد وصاحب الشريعة؟ أم انت اعلم بمصالح العباد من الشارع المقدّس؟
والواقع ان التقول بهذا الهذيان انما صدر منه لعجزه عن سؤال أبي موسى، فانّه كان ينكر تشريع التيمم تقليداً لعمر، فلم يعرف ما يجيب عن
( 105 )
القرآن كما يظهر من حديث شفيق: فما درى عبدالله ما يقول!
والانصاف انّ الاَمر يدور بين كذب رواة الحديث في الصحيحين وبين عدّ ابن مسعود مخالفاً لله ولرسوله، ولا يجوز الغلو في حق الصحابة بما يوهن الشريعة عند الاجيال القادمة، فرواة الرواية ومن يروي عنهم كلّهم في قفص الاتهام والعصيان لله ورسوله بالافتراء وردّ الكتاب والسنة، ولا يجوز تضليل العقول بعدالة الصحابة أو وثاقة رواة الصحاح أو دعوى حجيّة أقوال السلف(1)، فانّها مستلزمة لارتكاب التناقض المبطل للشريعة المحمدية ـ نعوذ بالله منه.

تشريع الصلاة ليلة المعراج
(75) عن أبي ذر: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبرئيل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وأيماناً فافرغه في صدري، ثم اطبقه، ثم اخذ بيدي فعرج بي الى السماء الدنيا...(ذكر قصة المعراج).
وعن انس وابن حزم: ففرض الله على أمّتي خمسين صلاة... حتى مررت بموسى... قال فارجع الى ربك فانّ أُمّتك لا تطيق ذلك... فقال (الرب) هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي...(2)
أقول انّ: الحكمة والايمان ليسا شيئاً ماديّاً حتى يحتاجا الى ظرف ذهب، ولا يحلان صدر الانسان أيضاً، بل محلهما النفس، فالظاهر ان شق السقف وشق الصدر والطست الذهبي كلّها يراد بها معاني مجازية مناسبة.
ثم ان قصة تقليل الصلوات الى خمس بتنبيه موسى عليه السلام قد وردت
____________
(1) وكثير منا جعل عقولهم وكتبهم متاحف الآثار القديمة، وانهم على اثارهم يقتفون.
(2) صحيح البخاري رقم 342 كتاب الصلاة.

( 106 )
في بعض روايات الشيعة أيضاً، وانا اقول والله العالم. انّ القصة لا تنطبق على الموازين.
(76) عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين في الحضر والسفر، فاقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر(1).
أقول: مضمون صدر الحديث ورد في روايات الشيعة أيضاً، ولطف حديث البخاري ان السيّدة تخبر عن تشريع الله سبحانه وتعالى مباشرة واهملت استنثاء صلاة المغرب، فانّها شرعت ثلاث ركعات ابتداء بلا اشكال، على انّها نفسها اتمت الصلاة في السفر كما يأتي.

ثقل الوحي
(77) وعن زيد بن ثابت مرسلاً قال: انزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فثقلت عليَّ حتى خفت فخذي(2).

حدّ المسلم
(78) عن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلاّ الله، فاذا قالوها وصلّوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها وحسابهم على الله»(3).
(79) وعن محمود عنه صلى الله عليه وسلم: «فانّ الله قد حرم على النار من قال لا إله إلاّ الله، يبتغي بذلك وجه الله»(4).
(80) عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتاني آت من ربي
____________
(1) صحيح البخاري رقم 343.
(2) صحيح مسلم 4: 145 كتاب الصلاة.
(3) صحيح البخاري رقم 385 أبواب القبلة.
(4) صحيح البخاري رقم 415.

( 107 )
فاخبرني ـ أو قال بشرني ـ : انّه من مات من أُمّتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة».
قلت: وان زنى وان سرق؟
قال: «وان زنى وان سرق»(1).
أقول: الاحاديث في غاية رفع القتال مختلفة بزيادة ونقيصة من القيود، وجمع هذه الاحاديث والبحث حولها مفصلاً ربما يحتاج الى تأليف رسالة.

اختلاف الصحابة.
(81) اختلف عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر فقال الاول: انّه صلى الله عليه وسلم لم يصلّ في الكعبة، وقال الثاني عن قول بلال: انّه صلى الله عليه وسلم صلّى فيها ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره(2).
واليك نموذجاً من هذه الاختلافات وهي كثيرة:
1 ـ اختلاف سهل وجابر في بناء المنبر(3).
2 ـ اختلاف عائشة وغيرها في بطلان الصلاة بالكلب والمرأة والحمار(4).
3 ـ اختلاف عائشة مع معاوية وأبي هريرة في ركعتين بعد العصر(5).
4 ـ اختلاف ابن عمر وابي هريرة(6).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 1180 كتاب الجنائز.
(2) صحيح البخاري رقم 388 ـ 389 أبواب القبلة.
(3) صحيح البخاري رقم 436 ـ 437.
(4) صحيح البخاري رقم 486 ـ 489.
(5) صحيح البخاري رقم 562 ـ 563 ـ 565.
(6) صحيح البخاري رقم 1036 ـ 1038.

( 108 )
5 ـ اختلاف ابن عمر وعائشة في نافلة الظهر(1).
والاستقصاء والتفصيل محتاجان الى تأليف رسالة مستقلة، وستأتي شواهد أُخرى في اثناء الكتاب، والغرض انّ الصحابة قد اختلفوا في نقل الاحاديث وردّ بعضهم بعضا. فالقول بوجوب اخذ كلّ ما ينقل عنهم على المسلمين مخالف للاعتبار العقلي وتحكم واغفال.

سهوه صلى الله عليه وسلم ونومه عن الصلاة
(82) عن عبدالله قال: صلّى النبي الظهر خمساً، فقالوا أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلّيت خمساً. فثنى رجليه وسجد سجدتين(2)…. أي بعد ما سلّم(3).
(83) وعنه صلّى النبي... زاد أو نقص... انّما انا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فاذا نسيت فذكّروني...(4)
(84) عن أبي هريرة صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى صلاتي العشاء... فصلّى بنا بركعتين ثم سلّم... يقال له ذو اليدين قال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟
قال: «لم أنس ولم تقصر» فقال: «أكما يقول ذو اليدين؟» فقالوا: نعم(5).
أقول: نفيه النسيان أولاً ثم سؤاله عنه لا يخلو عن ركاكة، فوقع في النقل تصرّف من بعضهم.
____________
(1) صحيح البخاري رقم 1126 ـ 1127.
(2) صحيح البخاري رقم 396.
(3) صحيح البخاري رقم 1168.
(4) صحيح البخاري رقم 392.
(5) صحيح البخاري رقم 468.

( 109 )
(85) عن أبي قتادة... فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس...(1).
(86) عن عبدالله بن بحينة: انّ رسول الله قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلّم بعد ذلك(2)، وفيها روايات تتعلق بسهوه ونسيانه صلى الله عليه وسلم.
أقول: ويقرب منها ما ورد في روايات الشيعة، لكنّ علماءهم اختلفوا في رده وقبوله والاكثر على الرد والطرح. وقد بحثنا معهم ذلك في غير هذا الكتاب.

ما يدل على انّه تعالى جسم
(87) عن عبدالله بن عمر ان رسول الله رأى بصاقاً... فقال: « ... فلا يبصق قبل وجهه، فانّ الله قبل وجهه إذا صلّى»(3).
(88) عن انس، عن النبي:... أو ربّه بينه وبين قبلته(4).
(89) عن جرير قال كنا عند النبي فنظر الى القمر ليلة ـ يعني بدر ـ فقال: «انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته...»(5).
(90) عن أبي هريرة انّ الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟
قال: «هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه حجاب».
____________
(1) صحيح البخاري رقم 570 كتاب مواقيت الصلاة.
(2) صحيح البخاري رقم 1167 أبواب السهو.
(3) صحيح البخاري رقم 398 أبواب المساجد، صحيح مسلم 4: 38، وانظر سنن أبي داود 1: 129.
(4) صحيح البخاري رقم 407.
(5) صحيح البخاري رقم 529 كتاب مواقيت الصلاة.

( 110 )
قالوا: لا، يا رسول الله.
قال: «فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟».
قالوا: لا.
قال: «فانكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول من كان يعبد شيئاً... وتبقى هذا الاَُمّة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم، فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا، فاذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا... فيضحك الله عزّ وجلّ منه...»(1).
(91) وعن أبي هريرة انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة الى السماء الدنيا...»(2).
(92) وعنه... فقال صلى الله عليه وسلم: «ضحك الله الليلة»(3).
(93) عن أبي سعيد الخدري: انّ اناساً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب».
قالوا: لا.
قال: «وهل تضارون في رؤيته ليلة البدر ضوء ليس فيه سحاب؟».
قالوا لا:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تضارون في رؤية الله عزّ وجلّ يوم القيامة إلاّ
____________
(1) صحيح البخاري رقم 773 كتاب صفة الصلاة.
(2) صحيح البخاري رقم 1094، سنن أبي داود 2: 34.
(3) صحيح البخاري رقم 3587 كتاب فضائل الصحابة.

( 111 )
كما تضارون في رؤية احدهما. إذا كان يوم القيامة اذن مؤذن... حتى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد الله من برٍّ أو فاجر آتاهم ربّ العالمين في ادنى صورة من التي رأوا فيها! فيقال: ماذا تنتظرون... ونحن ننتظر ربّنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربّكم!، فيقولون لا نشرك بالله شيئاً. مرتين أو ثلاثاً»(1).
ورواه أبو هريرة ولكن بزيادة تناسب مذاقه، واليك بعض جملاته: وتبقى هذه الاَُمّة فيها منافقوها، فياتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك! هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا فاذا اتانا ربّنا عرفناه!، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول: انا ربّكم، فيقولون انت ربّنا! فيتبعونه... حتى يضحك منه، فاذا ضحك منه...(2).
أقول: هذه الاحاديث المذكورة تثبت أُموراً:
1 ـ انّ الله له صورة محسوسة.
2 ـ تتبدل صوره فهو محل الحوادث.
3 ـ انّ المنافقين يرونه كالمؤمنين.
4 ـ ان الله يتحرك فيجيء في ميدان القيامة فيروح ثم يأتي.
5 ـ له صورة معروفة عند المؤمنين.
6 ـ انّ الله يضحك.
وامّا تأويل الرؤية من دون كيف (بلكفة) فشيء يذكره جملة من متكلمي الاشاعرة، والاحاديث تنفيها.
(94) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انّ لله ملائكة...
____________
(1) صحيح البخاري رقم 4305 كتاب التفسير.
(2) صحيح البخاري رقم 6204 كتاب الرقاق.

( 112 )
فيسألهم ربّهم ـ وهو أعلم منهم ـ ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبّرونك...
فيقول: هل رأوني؟
قال: فيقولون: لا، والله ما رأوك.
قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟
قال يقولون: لو رأوك كانوا أشدّ لك عبادة...»(1).
(95) عن انس قال: قال النبي: «لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع ربّ العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك...»(2).
(96) عن جرير بن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انكم سترون ربكم عياناً»(3).
(97) وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «... حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها الى بعض...»(4).
(98) عن عبدالله قال: جاء حبر من اليهود فقال: انّه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات على اصبع، والارضين على اصبع، والماء والثرى على اصبع، والخلائق على اصبع، ثم يهزهن.. فلقد رأيت النبي يضحك... تعجباً وتصديقاً لقوله...»(5).
(99) عن معاوية بن الحكم... فقال صلى الله عليه وسلم لها: «أين الله؟»
قالت في السماء.
قال: «من أنا».
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6045 الدعوات.
(2) صحيح البخاري رقم6284كتاب الاِيمان والنذور، وانظرصحيح سلم17 : 183و184.
(3) صحيح البخاري رقم 6998 كتاب التوحيد.
(4) صحيح البخاري رقم 7011 كتاب التوحيد.
(5) صحيح البخاري رقم 7075 كتاب التوحيد.

( 113 )
قالت: انت رسول الله.
قال: «اعتقها فانّها مؤمنة»(1).
(100) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة الى السماء الدنيا»(2).
(101) عن جبير... ان عرشه على سمواته لهكذا ـ قال باصابعه مثل القبة ـ وانّه ليئط به اطيط الرحل بالراكب، انّ الله فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته(3).
(102) عن أبي هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع ابهامه على اذنه والتي تليها على عينه... يقرؤها، أي قوله تعالى: (انّ الله يأمركم أن تودّوا الاَمانات ـ الى قوله ـ سميعاً بصيرا) يعني انّ لله سمعاً وبصراً(4).
(103) أورد ابن ماجه احاديث في مقدمة سننه(5)، وهذه الاحاديث تدلّ على جسميته تعالى. نذكر ثلاثة منها ههنا:
(104) عن أبي رزين قلت: يا رسول الله انرى الله يوم القيامة، وما آية ذلك في خلقه؟
قال: «يا رزين أليس كلكم يرى القمر مخلياً به».
قال: قلت: بلى.
قال: «فالله أعظم، وذلك آية في خلقه»(6).
____________
(1) صحيح مسلم 5: 24.
(2) صحيح مسلم 6: 36.
(3) سنن أبي داود 4: 232 كتاب السنة.
(4) صحيح البخاري رقم 233.
(5) سنن ابن ماجه رقم 177 ـ 202 المقدمة في باب فيما انكرت الجهمية.
(6) سنن ابن ماجه رقم 180 المقدمة.

( 114 )
(105) وعنه قال: قال رسول الله: «ضحك ربّنا من تنوط عباده وقرب غيره»
قال: قلت: يا رسول الله أويضحك الرب؟
قال: «نعم».
قلت: لن نعدم من ربّ يضحك خيراً!
(106) عن العباس عنه صلى الله عليه وسلم: «... ثم فوق السماء السابعة بحر... ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين اظلافهن وركبهن كما بين سماء الى سماء، ثم على ظهورهن العرش... ثم الله فوق ذلك.
قيل: الاَوعال جمع وعل، وهو تيس الجبل، وهي الحاملة للعرش الحامل لله!
(107) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتاني الليلة ربّي تبارك وتعالى في احسن صورة ـ قال: احسبه قال: في المنام ـ فقال: يا محمّد هل تدري فيم يختصم الملاأ الأعلى؟ قلت: لا قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثدييَّ(1).
أقول: كلّ ذلك باطل ومخالف للعقل: (وما قدروا الله حقّ قدره).

رؤيته صلى الله عليه وسلم من خلفه
(108) عن أبي هريرة: انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل ترون قبلتي ههنا، فوالله ما يخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم انّي لاَراكم من وراء ظهري(2).
(109) وعن انس عنه صلى الله عليه وسلم قال: «انّي لاَراكم من ورائي كما أراكم»(3).
____________
(1) سنن الترمذي 3: 98.
(2) صحيح البخاري رقم 408.
(3) صحيح البخاري رقم 409، انظر صحيح مسلم 4: 149 وما بعده.

( 115 )
اقول: وهل الرؤية المذكورة بصرية أو علمية فيها وجهان، والله تعالى العالم.

بناء المسجد على القبر
(110) عن عائشة... فقال صلى الله عليه وسلم: «انّ اولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، فاولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»(1).
(111) عنها وعن ابن عباس...: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد»(2).
(112) وعن أبي هريرة: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور انبيائهم مساجد»(3).
(113) عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ في مرضه الذي مات فيه ـ: قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد» قالت ولولا ذلك لابرزوا قبره غير انّي اخشى ان يتّخذ مسجداً»(4).
أقول: المتيقن من مدلول الاحاديث جعل القبر موضعاً للسجود عليه سواء قصد منه عبادة النبي أم لا، لكن حديث عائشة الاَول يدلّ على منع بناء المسجد على محل فيه قبر الانسان الصالح.
وعلى كل، هذه الاحاديث لا تنهى عن الصلاة جنب قبر النبي وغيره كما في المسجد النبوي وكما في مسجد دمشق المشتمل على قبر يحيى عليه السلام .
____________
(1) صحيح البخاري رقم 417 كتاب المساجد.
(2) صحيح البخاري رقم 425.
(3) صحيح البخاري رقم 426.
(4) صحيح البخاري رقم 1265 كتاب الجنائز.

( 116 )
حكم التكبير في كل رفع ووضع
(114) عن عمران بن حصين قال: «صلّى مع علي رضي الله عنه بالبصرة فقال: ذكرنا هذا الرجل صلاة، كنّا نصلّيها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر انّه كان يكبّر كلّما رفع وكلّما وضع(1).
أقول: يظهر من هذا وشبهه انّ صورة صلاته صلى الله عليه وسلم لم تبق معمولاً بها عند المسلمين، فقد طرأ عليها بعض التغييرات، وهي تتكرّر كلّ يوم خمس مرات، فكيف بسائر العبادات.

الفئة الباغية النارية
(115) عن أبي سعيد في بناء المسجد... كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه، ويقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار»
قال: يقول عمار: اعوذ بالله من الفتن(2).
أقول: فعلي واصحابه هم الداعون الى الجنة فهم على حق، ومعاوية واصحابه هم الفئة الباغية الداعون الى النار فهم على باطل، ثم ان الداعي الى النار لا يكون في الجنة.

قاعدة من ادرك ركعة
(116) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: «من ادرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(3) .
____________
(1) صحيح البخاري رقم 751، ولا حظ صلاة أبي هريرة وقوله في آخرها (752)، وقريب من هذا رواية مطرف (753).
(2) صحيح البخاري رقم 436، وانظر صحيح مسلم 18: 39 وعن أُم سلمة أيضاً عن النبي(ص) 18: 41.
(3) صحيح البخاري رقم 555 وانظر 554.

( 117 )
النبي ما صلّى العصر!
عن جابر: انّ عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسبّ كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أُصلّي العصر حتى كادت الشمس تغرب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صلّيتها...» فصلّى العصر بعدما غربت الشمس(1).
والحديث غير قابل للتصديق في حقه صلى الله عليه وسلم لاَن للصلوات مراتب اضطرارية، وقد نقل مسلم في كتابه عن عبدالله بن عمر انّه يومئ ايماء. ويظهر من الحديث انّ جمعاً من الصحابة لم يصلّوا العصر يومئذ.
وفي رواية عن جابر انّ عمر قال: ما كدت أُصلّي العصر ـ أي يوم الخندق ـ حتى غربت، قال: فنزلنا فصلّى بعدما غربت الشمس(2).
يظهر منها انّ عمر وحده لم يصلّ العصر، ولا يبعد صحته، وان الرواية الاَُولى مجعولة كجعل ما يدلّ في غير البخاري انّه صلى الله عليه وسلم ترك أربع صلوات.

الجلوس قبل القيام
(117) عن مالك... يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل ان ينهض في الركعة الاَُولى(3).

اقتداء امام بآخر في صلاته واحدة
(118) عن عائشة... فأجلساه الى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلّي وهو يأتم بصلاة النبي، والناس بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد(4).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 571.
(2) صحيح البخاري رقم 513.
(3) صحيح البخاري رقم 645 كتاب الجماعة والامامة.
(4) صحيح البخاري رقم 655، وقد صرّح في حديث آخر برقم 681: فكان أبو بكر

=


( 118 )
أقول: في الرواية سؤالان أحدهما: انّه لِمَ لم يقتد الناس كلّهم بصلاته؟ وكيف علمت عائشة انّهم اقتدوا بأبيها لا به صلى الله عليه وسلم؟!
وثانيهما: انّ الواجب على أبي بكر ان يقتدي جالساً لا قائماً، فان عائشة نفسها روت انّه صلى الله عليه وسلم صلّى جالساً (لمرض) وصلّى وراء قوم قياماً، فاشار اليهم ان اجلسوا، فلما ان انصرف قال: «انّما جعل الامام ليؤتم به... وإذا صلّى جالساً فصلوا جلوساً» ويدلّ عليه حديث انس(1)، وحديث أبي هريرة(2).
لكن في حديث آخر عن عائشة: فتأخّر أبو بكر رضي الله عنه وقعد النبي الى جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير(3).
فيظهر منه: انّ أبا بكر لم يكن اماماً بل مقتدياً ومكبراً، فهذا ينافي بقية الاَحاديث. ثم انّ المستفاد من بعض الروايات انّ النبي وجد خفة في أول صلاة صلاها أبو بكر، فذهب للصلاة. ومن بعضها الآخر انّه في غير الصلاة الاَُولى.
وعلى كلّ لم ينقل انّ أبا بكر بكى في صلاته لاَجل انّه رجل رقيق القلب، وانّه اسيف، وانّه لا يسمع الناس من البكاء كما تدّعي عائشة، فسبحان الله من عاطفة البنت لاَبيها.وأيٍّ كان السبب فانّ في اقامة النبي أبا بكر للصلاة وامامته للمصلين غموضاً؛ لاختلاف الاَحاديث فيها بحيث يفهم نفوذ السياسة فيها، وسنذكر في ما يأتي أيضاً بعض قصتها.
____________
=
يصلّي قائماً وكان رسول الله يصلّي قاعداً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله ، والناس مقتدون بصلاة أبي بكر رضى الله عنه.
(1) صحيح البخاري رقم 656 و657.
(2) صحيح البخاري رقم 689.
(3) صحيح البخاري رقم 680.