(81)
رجال الخبر
     الخبر مرسل ، فإن مصعب الزبيري رواه عن شيخ من المكيين لا يعرف من هو ، فالخبر مرسل لا اعتبار له من حيث الإرسال .
     ومصعب الزبيري : ضعيف ، عرفت حاله .
     والحسين بن يحيى : قال الذهبي في ميزان الاعتدال عن ابن الجوزي : يضع الحديث ، وكذلك ابن حجر في لسان الميزان (1) .
فالخبر مرسل وفي سنده ضعفاء فهو ساقط عن الاعتبار .
أين هم أزواج سكينة وبنو هاشم عن كل هذا ؟
     اعتمد الخبر على رواية المتناقضات فأظهر زهد ونسك ابن سريج المغني وعبث السيدة سكينة ، مع أن الخبر أظهر في مطاويه الإشارة إلى حرمة الغناء وتجنب ابن سريج عن ذلك ، إلا أن السيدة سكينة كانت تصر على مخالفة مناهي الشريعة ، وترتكب ما هو حرام إشباعا لرغبتها في الاستماع ، لا سيما الخبر سرد أحداث القصة عند وقت متأخر من الليل ، وأظهر أن السيدة سكينة لا ترتبط مع أية علقة زوجية يمكنها أن تحتشم زوجها ـ على الأقل ـ في ارتكاب ما ينافي الشرع ومن ثم الأخلاق السائدة ، مع ما هولوه من تعدد أزواج « آمنة » سكينة بنت الحسين ، وبلغ عدد أزواجها أكثر من سبعة ، ومع هذا فلا نرى لواحد من هؤلاء الأزواج دور في التصدي إلى ماترتكبه السيدة سكينة من مخالفات شرعية وعرفية ، يأنف من خلالها الغيور على حرمه ، ولا يرضى في انتهاك حرمته بما يقع من حليلته ، وهي بين أجانب خلعاء تعقد لهم مجالس الغناء في بيته دون وازع ولا من رادع .
(1) ميزان الاعتدال 1 : 541 ، لسان الميزان 2 : 386 .
(82)
     أي غيور يرضى لزوجته أن ترتكب مثل هذه الأفعال الشائنة بسمعته والمنافية لغيرته ؟ وإذا لم يكن هناك دور للزوج في مثل هذه القصص ، فأين كان الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وهو يرى أخته ترتكب خلاف الشريعة وما ينافي قيم الإسلام ؟ أين كان محمد بن علي الباقر عليهما السلام عن هذه التصرفات ؟ أين كان بنو هاشم وهم ـ على الأقل ـ يجابهون عدوا لدودا يصطنع لهم الأكاذيب والافتراءات ؟ فكان عليهم مراعاة جانب أعدائهم إن لم يراعوا جانب حرمة الشريعة .
     مما يكشف سذاجه هؤلاء الوضاعين وبلادتهم حينما يختلقون أكاذيبهم بما ينافي الشرع والعادة والأعراف ، وليتهم توسلوا بغير ذلك لئلا ينكشف غباؤهم ولعبتهم الطائشة .
إنه خراج بعض الكور
     وإذا صور رواة الخبر بذخ سكينة وهي تعطي لأحد المغنين دملجا وزنه أربعين مثقالا ، فإن هذه التصرفات هي سمة خلفائهم الذين شهدت لياليهم الحمراء بذخهم وعبثهم بأموال المسلمين .
     قال ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد: غنى إبراهيم الموصلي محمد بن زبيدة الأمين بقول الحسن بن هانئ فيه :
رشأ لولا مــلاحته خلت الدنيا من الفتن
     قال : فاستخفه الطرب حتى قام من مجلسه وأكب على إبراهيم يقبل رأسه ، فقام إبراهيم من مجلسه يقبل أسفل رجليه وما وطئتا من البساط ، فأمر له بثلاثة آلاف درهم ، فقال إبراهيم: يا سيدي قد أجزتني إلى هذه الغاية بعشرين ألف ألف درهم [ أي عشرين مليون درهم] .


(83)
     فقال الأمين : وهل ذلك إلا خراج بعض الكور (1) ؟
     هذه هي أعطيات الخلفاء في الليالي الحمراء ومن بيت مال المسلمين ، والمسلمون يعانون من الضيق في العيش والفقر والفاقة ، لذا فقد عمد هؤلاء الرواة إلى التستر على بذح أسيادهم ، وأتهام آل البيت عليهم السلام بتصرفات أعدائهم ؛ ليدفعوا عنهم تهورات هؤلاء وعبثهم .
حكم الغناء في الشريعة المقدسة
     ذهب علماؤنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ إلى حرمة الغناء (2) ، وادعوا الإجماع عليه ، بل عدوه من ضرورات المذهب للأدلة الواردة في حرمته من آيات وروايات لعلها متواترة . كما ذهب إلى ذلك بعضهم ، فمن ذلك تفسير قوله تعالى: ( لا يشهدون الزور ) (3) بالغناء كما في صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام (4) .
     وتفسير الغناء بالزور في قوله تعالى: ( واجتنبوا قول الزور ) (5) كما في صحيحة زيد الشحام ، ومرسلة ابن أبي عمير ، وموثقة أبي بصير (6) .
     وما ورد في تفسير لهو الحديث بالغناء كما في صحيحة محمد بن مسلم (7) .
(1) العقد الفريد 7 : 42 .
(2) نقل الإجماع على ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4 : 52 ، حيث قال : أما حكمه فلا خلاف ، كما في مجمع البرهان ، في تحريمه وتحريم الأجرة عليه وتعلمه وتعليمه واستماعه ... .
(3) الفرقان 25 : 72 .
(4) الوسائل 17 : 304 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 5 .
(5) الحج 30:22 .
(6) الوسائل 17 : 303 و 305 ، ب 99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 2 و 8 و 9 .
(7) المصدر السابق : 304 ، ح 6 .



(84)
     ومن الروايات ما تواتر من حرمة الغناء كما في رواية يونس قال : سألت الخراساني صلوات الله عليه عن الغناء وقلت: إن العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت له : إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال : يافلان إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : حكمت » (1) .
     وعن عبد الأعلى قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الغناء وقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في أن يقال : حيونا حيونا نحييكم . فقال : « إن الله تعالى يقول : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين* لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين* بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ) (2) ـ ثم قال ـ : ويل لفلان مما يصف ، رجل لم يحضر المجلس » (3) .
     وفي مرسلة المقنع عن الصادق عليه السلام: « شر الأصوات الغناء » (4) .
     وفي الخصال بسنده عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر » (5) .
     ويعضده الأخبار الدالة على تحريم الاستماع له كما في صحيحة مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل : بأبي أنت وأمي إني أدخل كنيفا ولي جيران ، وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود ، فربما
(1) الوسائل 17 : 306 ، ب99 من أبواب ما يكتسب به ، ح 13 .
(2) الأنبياء 21 : 16 ـ 18 .
(3) الوسائل 307:17 ، ح 15 .
(4) المصدر السابق: 309 ، ح 21 .
(5) المصدر السابق: 309 ، ح23 .



(85)
أطلت الجلوس استماعا مني لهن ، فقال : « لاتفعل » ، فقال الرجل والله ما أتيتهن وإنما هو سماع اسمعه بأذني ، فقال : « بالله أنت أما سمعت الله تعالى يقول : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) » ؟ فقال : بلى والله وكأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله تعالى من عجمي ولا عربي ، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله تعالى ، وأني أستغفر الله ، فقال له : « فاغتسل وصل مابدا لك ، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك ، إحمد الله وسله التوبة من كل ما يكره ، فإنه لا يكره إلا كل قبيح ، والقبيح دعه لأهله ، فإن لكلّ أهلا » (1) .
     وعن عنبسة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب ، كما ينبت الماء الزرع » (2) .
     وما ورد في حرمة شراء المغنية وأن ثمنها سحت ، كما في الكافي عن الحسن بن علي الوشاء قال : سئل أبوالحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية ؟ فقال : « قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا ثمن الكلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار » (3) .
     وعن سعيد بن محمد الطاطري ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات ، فقال : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن واستماعهن نفاق » (4) .
     إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة ، وهي كما علمت مطلقة لا يمكن تخصيصها ، وإن التزم بعضهم ببعضها على أنها مخصصات للحرمة ، إلا أنها
(1) الوسائل 3 : 331 ، ب18 من أبواب الأغسال المندوبة ، ح1 .
(2) الوسائل 17 : 316 ، ب 101 من أبواب ما يكتسب به ، ح1 .
(3) المصدر السابق : 124 ، ب 16 ، ح6 .
(4) المصدر السابق : 124 ، ح 7 .

(86)
لا تصلح للتخصيص حقيقة لا كما فهمه البعض ، ولا مجال لذكر ما احتجوا بأنها مخصصات ، وكون الحرمة مشروطة بانضمام بعض المحرمات كمجالس اللهو ، ودخول الرجال على النساء وغير ذلك ، على أن المعارضات التي ذكرها البعض لا تقوى على معارضة ما ذكرناه من أخبار التحريم ؛ لمخالفتها لكتاب الله وموافقتها للعلامة ، وهي مرجحات لا يختلف في العمل بها أحد ، فتبقى حرمة الغناء ذاتا على حالها غير معارضة بما توهمه البعض بأنها معارضات .
     هذا حكم الغناء في الشريعة ، والقصة المذكورة منافية لضرورات الدين ، ولإجماع الطائفة الحقة منذ عهد أئمتهم ـ صلوات الله عليهم ـ حتى يومنا هذا ، فكيف ينسجم واقعهم مع هذه الموضوعات بعد ذلك ؟!
حقيقة الأمر ما هي ؟ ابن سريج نائحا أم مغنيا ؟
     وإذا أمعنا في بطلان هذه القصة وأمثالها ، فإن الإصفهاني يؤكد فيما يرويه في موضع آخر تنافي هذه القصة مع الواقع ، وتعارضها مع خبر النياحة الذي اشتهر بها ابن سريج .
     فقد كان ابن سريج نائحا ، وكانت السيدة « آمنة » سكينة تتحرى موارد النياحة بما يساعدها على التخفيف من مصائبهم أهل البيت عليهم السلام ، بل كانت النياحة أسلوبا جديرا في بيان ما أصاب أهل هذا البيت من فجائع ، وتصرفات الدهور وتقلبات الأيام ونوائبها ، لذا حرص أهل البيت عليهم السلام على النياحة كأسلوب مهم من أساليب بيان مظلوميتهم ، ومشاركة العواطف والأحاسيس العامة مع مأساتهم التي سببتها الأنظمة السياسية الطامحة إلى سحق كل القيم من أجل الوصول إلى الحكم والسلطة ، لذا حرص الأئمة


(87)
الأطهار عليهم السلام إلى أساليب النياحة حينما وجدوا أن أحاسيس الناس تشاركهم متى ما أظهروا مصائبهم .
     فالإمام زين العابدين عليه السلام طلب من الطرماح بن عدي أن يتقدم الركب الحسيني المفجوع عند دخوله المدينة ، وينعى الحسين عليه السلام ، مما حدى بالناس إلى الاجتماع واستقبال الإمام عليه السلام وعائلته بشكل يتناسب وعظم المصاب ، بل وإدانة النظام كذلك ، فكانت محاولة ناجحة للاحتجاج على السلطة بشكل لم يبق لاعتذار أزلامها في الإقدام على قتل سيد الشهداء عليه السلام مجال .
     وهكذا كان الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام يخصص مبلغا في كل عام للنياحة عليه عليه السلام في منى إمعانا في إظهار مظلوميتهم ، وإشارة إلى ما بلغه النظام من تنكيل وتقتيل لأهل هذا البيت العلوي الطاهر ، حتى انه عليه السلام أوصى بندبه عشر سنين في منى ، وهو موضع اجتماع الحجيج ؛ ليتسنى للمسلمين معرفة ماجرى على أهل هذا البيت عليهم السلام من ظلم واضطهاد .
     وهكذا كان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام يقيم مجالس النياحة على جده الحسين عليه السلام حينما ينشده السيّد الحميري ويأمر أهله بالجلوس .
     والإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام كان يأمر عياله بالاستماع إلى مراثي الإمام الحسين عليه السلام عندما ينشدها دعبل الخزاعي ، فيبكون ويأمرون شيعتهم بذلك .
     هذا هو ديدن الأئمة الأطهار عليهم السلام ، يتحرون مواضع الندبة والبكاء على فجائعهم ، وليمعنوا في بيان مظلوميتهم ، لذا فإن السيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام كانت تستشعر هذا الإحساس ، وقد حرصت على إبراز ما تكنه


(88)
نفوسهم الطاهرة من أحزان وآلام ، وهي لا تزال تعايش مصائب الطف ، وقتل إخوتها وأبيها بشكل مروع ، وتسييرهم أسارى من بلد إلى بلد ، وشعور الحزن والألم يتفاقم وهم لا يزالون مهضومي الحق ، مدفوعين عن مقامهم ، لذا فإنها عليهما السلام قريبة عهد بفجائع الطف ، والمناسب أن تتحرى ما يخفف من أحزانها ، ويعزز من موقف أهلها الميامين ببيان ما جرى عليهم ، والرواية التالية تؤكد هذا المنحى والاتجاه :
     قال أبو الفرج الاصفهاني : إن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة . فلم يزل يعلمه مدة طويلة ، ثم توفي عمها أبوالقاسم محمد بن الحنفية ، وكان ابن سريج عليلا بعلة صعبة ، فلم يقدر على النياحة ، فقال لها عبدها عبدالملك : أنا أنوح لك نوحا أنسيك نوح ابن سريج ، فقالت: أو تحسن ذاك ؟ قال : نعم ، فأمرته فكان في الغاية (1) .
     هذه الرواية إذا ما قارناها بخبر غناء ابن سريج للسيدة « آمنة » سكينة ، وجدنا أن مصعب الزبيري قد افتعل الخبر ونسجه على منوال نياحة ابن سريج ، فاستبدل الزبيري مفردات هذه الرواية بوضع خبر الغناء هكذا :
     1 ـ استبدال النياحة بالغناء .
     2 ـ استبدال عبارة « أن سكينة بعثت إلى ابن سريج بمملوك لها يقال له : عبدالملك ، وأمرته أن يعلمه النياحة » بعبارة خبر أشعب كالآتي :
     قالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص ! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه .
     3 ـ استبدال اسم عبدالملك وهو مملوكها باسم « أشعب » الخليع
(1) الأغاني 1 : 249 و 250 .
(89)
الماجن ، مدعيا الخبر ملازمته للسيدة سكينة ؛ لمضاحكتها ومؤانستها على غرار ما كان يفعله مع خلفاء بني أمية وآل الزبير ، فقد عرف« أشعب » بولائه لآل الزبير ، وهو ابن حميدة سيئة السمعة والصيت ، فقد كانت مولاة لأسماء بنت أبي بكر زوجة الزبير ، ولها تاريخها الأسود بما ذكر عنها بأنها : كانت تدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحرش بينهن ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتعزيرها ، وقيل : دعا عليها فماتت (1) .
     وقال ابن حجر في لسان الميزان : كانت تنقل كلام أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهن إلى بعض فتلقي بينهن الشر ، فدعا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فماتت (2) .
     هذا هو أشعب الذي تربى في بيوت الزبيريين ، ونقل عنه ملاحم العبث معهم ما شهدت به مطولات التاريخ ، فمتى أتيح له أن يكون مع سكينة بنت الحسين لا يفارقها ، وهو حليف عدو الهاشميين الألداء آل الزبير ، الذين عرفوا بمنافستهم لآل علي عليه السلام وعدائهم وبغضهم لهم ، وهو أمر لا يستقيم مع ماذكر من مرافقته للسيدة سكينة ، وفي الوقت نفسه فهو مولى لآل الزبير ؟!
     على أن مرافقة أشعب للسيدة سكينة « آمنة » ـ كما نقله الخبر ـ يتعارض مع القيم الإسلامية والأخلاقية التي عرف بها آل علي ، من ورع وقداسة وتقوى تأبى معها مخالطة الرجال الأجانب والاجتماع بهم ومؤانستهم .
     وبهذا تنكشف جليا محاولات الوضع والتزوير على السيدة سكينة ،
(1) الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 275 .
(2) لسان الميزان 1 : 507 .

(90)
وما بذله أعداء آل البيت عليهم السلام من محاولات انتقاص هذا البيت الطاهر ، ودفع ما عرف به أعداؤهم من العبث والخلاعة ، وإلصاقها بهم ، ونسج مغامرات اللهو على منوال ما عرف به أعداء أهل البيت وشانئيهم .
محاولات وضع وتزوير أُخر
     لم يكتف آل الزبير وأتباعهم في اختلاق القصص ووضعها ، بل أنهم حاولوا ابتداع أسلوب آخر من تزوير الحقائق ، حيث جعلوا بعض الأسماء الصريحة المعروفة بالخلاعة والعبث وادعوا أنها هي سكينة بنت الحسين ، وهو أمر يثير الاستغراب حقا ، فالأسماء الحقيقية لهذه الوقائع شخصيات أثبتها المؤرخون في مواقع عدة والأشخاص معروفين ، في حين تأتي الروايات الزبيرية فتلصقها بالسيدة سكينة بنت الحسين ظلما وعدوانا ، ونماذج من هذا الخرق الذي ارتكبه الزبيريون تبينه الأخبار التالية :
     1 ـ روى ابن عبد ربه الأندلسي أن الأحوص قال يوما لمعبد: إمض بنا إلى عقيلة حتى نتحدث إليها ونسمع من غنائها وغناء جواريها ، فمضيا فألفيا على بابها معاذا الأنصاري وابن صياد ، فاستأذنوا عليها فأذنت لهم إلا الأحوص ، فإنها قالت: نحن على الأحوص غضاب ، فانصرف الأحوص وهو يلوم أصحابه على استبدادهم بها وقال :
ضنت عقـيلة عنك اليوم بالزاد وآثرت حاجة الثاوي على الغادي (1)
     قال ابن عبد ربه في موضع آخر : إن عقيلة هذه هي جارية أبي موسى الأشعري ، وذكر قصتها منفردة .
(1) العقد الفريد 7 : 22 .