(67)
يكشف عما يعانيه عليه السلام وشيعته من ظلم المتوكل وعدوانه وطغيانه ، وعن احساسه عليه السلام العميق بمعاناة الامة من الحيرة والضياع والحدود المعطلة والاحكام المهملة وغيرها من مظاهر التردي.
    روي المسعودي« انه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل ، امر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه ، وانما اراد بذلك ان يترجل له ابوالحسن عليه السلام ، فترجل بنوهاشم وترجل فاتكا علي رجل من مواليه ، فاقبل عليه الهاشميون ، فقالوا له : يا سيدنا ، ما في هذا العالم احد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله! فقال لهم ابوالحسن عليه السلام : في هذا العالم من قلامة ظفره اكرم علي الله من ناقة ثمود ، لما عقرت وضج الفصيل الي الله ، فقال الله : ((تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)) (1) ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. وروي انه عليه السلام قال وقد اجهده المشي : اما انه قد قطع رحمي ، قطع الله اجله » (2) ، و هذا يوافق ما جاء في التاريخ ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة247هـ.
    وجاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلا في رواية قطب الدين الراوندي ، والسيد ابن طاووس الذي رواه في اكثر من طريق ، وتضمن الدعاء الطويل الذي سماه الامام عليه السلام (دعاء المظلوم علي الظالم) قال عليه السلام : « لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من ابائنا ، وهي اعز من الحصون والسلاح والجنن ، وهو دعاء المظلوم علي الظالم ، فدعوت به عليه فاهلكه الله ».

(1) سورة هود : 11/65.
(2) اثبات الوصية : 240.



(68)
وفيما يلي مقطع منه يعكس لك شدة معاناة الامام عليه السلام : « اللهم انه قد كان في سابق علمك وقضائك ، وماضي حكمك ونافذ مشيئتك في خلقك اجمعين ، سعيدهم وشقيهم ، وفاجرهم وبرهم ، ان جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها ، وبغي علي لمكانها ، وتعزز علي بسلطانه. . ، وتجبر علي بعلو حاله. . ، وغره املاؤك له ، واطغاه حلمك عنه ، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه ، وتعمدني بشر ضعفت علي احتماله ، ولم اقدر علي الانتصار لضعفي ، والانتصاف منه لذلي ، فوكلته اليك ، وتوكلت في امره عليك ، و تواعدته بعقوبتك ، وحذرته سطوتك ، وخوفته نقمتك ، فظن ان حلمك عنه من ضعف ، وحسب ان املاءك له من عجز ، ولم تنهه واحدة عن اخري ، ولا انزجر عن ثانية باولي ، ولكنه تمادي في غية ، وتتابع في ظلمه ، ولج في عدوانه ، واستشري في طغيانه ، جراة عليك ياسيدي ، وتعرضا لسخطك الذي لاترده عن القوم الظالمين ، وقلة اكتراث بباسك الذي لاتحبسه عن الباغين.
    فها انا ياسيدي مستضعف في يديه ، مستضام تحت سلطانه ، مستذل بعقابه ، مغلوب مبغي علي ، مقصود وجل خائف مروع مقهور ، قد قل صبري ، وضاقت حيلتي ، وانغلقت علي المذاهب الا اليك ، وانسدت علي الجهات الا جهتك ، والتبست علي اموري في رفع مكروهه عني ، واشتبهت علي الاراء في ازالة ظلمه ، وخذلني من استنصرته من عبادك ، واسلمني من تعلقت به من خلقك طرا ، واستشرت نصيحي فاشار علي بالرغبة اليك ،


(69)
واسترشدت دليلي فلم يدلني الا عليك... » (1) .

    مقتل المتوكل
    لم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوي ثلاثة ايام حتي اهلكه الله تعالي وجعله عبرة لكل من طغي وتجبر ، علي يد ابنه المنتصر وخمسة من القادة الترك.
    فقد كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد ، ثم انه اراد تقديم المعتز لمحبته لامه قبيحة ، فسال المنتصر ان ينزل عن العهد فابي فكان يحضره مجلس العامة ويحط من منزلته ويهدده ويشتمه ويتوعده ، واتفق ان انحرف الترك عن المتوكل لامور ، فاتفق الاتراك مع المنتصر علي قتل ابيه ، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه ، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان ، وذلك لاربع خلون من شوال سنة247هـ .
    وذكر المحدثون والمورخون اسبابا اخري دفعت المنتصر الي قتل ابيه تدل علي انتصاره لاهل البيت عليهم السلام ، ومنها مارواه الشيخ الطوسي عن ابن خشيش عن ابي الفضل ، قال : « ان المنتصر سمع اباه يشتم فاطمة عليهما السلام فسال رجلا من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، الا انه من قتل اباه لم يطل له عمر. فقال : ما ابي اذا اطعت الله بقتله ان لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة اشهر » (2).

(1) مهج الدعوات : 330 ـ337 ، بحار الانوار95 : 234 ـ240/30.
(2) الامالي : 328/655.



(70)
وعن ابن الاثير : « ان عبادة المخنث الذي كان يرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون : قد اقبل الاصلع البطين...يحكي بذلك عليا عليه السلام ، قد فعل ذلك يوما والمنتصر حاضر ، فاوما الي عبادة يتهدده فسكت خوفا منه. فقال المتوكل : ما حالك؟فقام واخبره. فقال المنتصر : يااميرالمؤمنين ، ان الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ اهل بيتك وبه فخرك ، فكل انت لحمه اذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وامثاله منه ـ وتلك كلمة حق امام سلطان جائر...لكن المتوكل تمادي في طغيانه ـ فقال للمغنين : غنوا جميعا :
غارالفتي لابن عمه راس الفتي في حر امه

    قال ابن الاثير : فكان هذا من الاسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل » (1).
    وجاء في رواية ابن الاثير : « ان المتوكل شرب في الليلة التي قتل فيها اربعة عشر رطلاً ، وهومستمر في لهوه وسروره الي الليل بين الندماء والمغنين والجواري » (2).
    وانتهت بمقتل المتوكل صفحة سوادء من تاريخ الظلم والجور ، وكان قتله خزياً في الدنيا((ولعذاب الاخرة اشق وما لهم من الله من واق)) (3).

(1) الكامل في التاريخ6 : 109.
(2) الكامل في التاريخ6 : 136 ـ 141 ، تاريخ الخلفاء/السيوطي : 271 ، البداية والنهاية10 : 349.
(3) سورة الرعد13/34.



(71)

ثانيا ـ المنتصر (247 ـ 248هـ) :
    هو محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له بعد قتل ابيه في شوال سنة247هـ ، واعد كتابا قراه احمد بن الخطيب ان الفتح بن خاقان قد قتل المتوكل فقتله به ، فبايعه الناس ، واستمرت خلافته ستة اشهر ويومين ، ولم تشر هذه الفترة القليلة الي اي بادرة سوء من المنتصر تجاه الامام عليه السلام وشيعته.
    علي انه كان المنتصر اولا لايخرج عن اطار السياسة العامة التي انتهجها ابوه المتوكل في مواجهة اهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، فقد مر بك انه خلع علي ابي السمط الشاعر الناصبي لشعر قاله يناوئ فيه اهل البيت عليهم السلام ، و ربما يكون هذا تقية من ابيه ، والا فقد ثبتت توبته ، اذا خالف اباه المتوكل في كل شيء فقد خلع اخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد الذي عقده لهما المتوكل بعده (1) ، كما احسن الي الطالبيين بشكل عام والعلويين بشكل خاص.
    قال ابوالفرج : « كان المنتصر يظهر الميل الي اهل هذا البيت ، و يخالف اباه في افعاله ، فلم يجر منه علي احد منهم قتل او حبس ولا مكروه فيما بلغنا ، والله اعلم » (2).
    وقال في موضع اخر ذكر فيه حصار المتوكل للطالبيين ، ثم قال : « الي ان قتل المتوكل ، فعطف المنتصر علي العلويين ووجه بمال فرقه فيهم ، وكان يؤثر

(1) راجع : الكامل في التاريخ6 : 146حوادث سنة248 ، تاريخ الخلفاء/السيوطي : 277.
(2) مقاتل الطابيين419.



(72)
مخالفة ابيه في جميع احواله ومضادة مذهبه طعنا عليه ، و نصرة لفعله » (1).
    وذكر المورخون كثيرا من اجراءاته المخالفة لابيه في الموقف من الطالبيين والعلويين : قال ابن الاثير : « امر الناس بزيارة قبر علي والحسين عليهما السلام ، و امن العلويين وكانوا خائفين ايام ابيه ، واطلق وقوفهم ، وامر برد فداك الي ولد الحسن والحسين ابني علي بن ابي طالب عليه السلام.
    وذكر ان المنتصر لما ولي الخلافة كان اول ما احدث ان عزل صالح بن علي عن المدينة ، واستعمل عليها علي بن الحسن (2)بن اسماعيل بن العباس بن محمد ، قال علي : فلما دخلت اودعه قال لي : يا علي ، اني اوجهك الي لحمي ودمي ، ومد ساعده وقال : الي هذا اوجهك ، فانظر كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم ـ يعني ال ابي طالب ـ فقال : ارجوا ان امتثل امر اميرالمؤمنين ان شاء الله ، فقال : اذن تسعد عندي » (3).
    ومات المنتصر في ربيع الاخر سنة248لعلة لم تمهله طويلا ، وقيل : بل فصده الطبيب بمبضع مسموم فمات منه (4).

(1) مقاتل الطالبيين : 396.
(2) في تاريخ الطبري9 : 254 (الحسين)
(3) الكامل في التاريخ6 : 149 حوادث سنة 248 ، وراجع ايضا : تاريخ ابن الوردي1 : 315 ، سير اعلام النبلاء12 : 42ـ44 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 276.
(4) الكامل في التاريخ6 : 148.



(73)

ثالثا ـ المستعين (248 ـ 252هـ ) :
    وهو احمد بن المعتصم ، اخو الواثق والمتوكل ، بويع سنة 248هـ ، وقتل سنة 252هـ ، وكان مستضعفا في رايه وعقله وتدبيره ، وكانت ايامه كثيرة الفتن ، و دولته شديده الاضطراب حتي خلع ثم قتل (1).
    ونتيجة تردي الاحوال الاقتصادية والاجتماعية وضعف سلطة الخلافة في زمان المستعين ، ثار الكثير من العلويين مطالبين برفع الظلم عن كاهل ابناء الامة وداعين الي الرضا من ال محمد صلى الله عليه و اله ، منهم الشهيد يحيي بن عمر ، والحسن ابن زيد العلوي ، والحسين بن محمد بن حمزة ، ومحمد بن جعفر بن الحسن ، ولم تحدثنا كتب التاريخ والرواية عن اي شيء من الوقائع بين المستعين والامام الهادي عليه السلام لتدني سلطة الخلافة في عصره واستلام مقاليد الامور بيد القادة الاتراك ، غير انه لايخرج عن نهج الخلفاء العباسيين في حصار الامام عليه السلام والاساءة الي شيعته بشكل عام والطالبيين بوجه خاص ، فقد ذكر المسعودي ان محمد بن احمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، حمله سعيد الحاجب من البصرة ، فحبس حتي مات ، وكان معه ابنه علي ، فلمات مات الاب خلي عنه ، وذلك في ايام المستعين ، وجعفر بن اسماعيل بن موسي بن جعفر عليه السلام ، قتله ابن الاغلب بارض المغرب ، والحسن بن يوسف بن ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، قتله العباس بمكة (2).

(1) الفخري في الاداب السلطانية : 241.
(2) مروج الذهب4 : 429.



(74)
مقتل المستعين : في سنة 251هـ شغب الاتراك علي المستعين بعد قتل باغر التركي ، فهرب المستعين الي بغداد مع وصيف وبغا الصغير ، ونزل دار محمد بن عبدالله بن طاهر ، فعاث الاتراك بغيا وفسادا في سامراء واخرجوا المعتز من سجن الجوسق وبايعوه باالخلافة ، وصارت بغداد مسرحا للاقتتال والخراب بين جيش المعتز ومؤيدي المستعين ، حتي انتهي القتال بخلع المستعين لنفسه من الخلافة سنة252هـ ، وكان نتيجة ذلك القتال ان خربت الدور والحوانيت والبساتين ، و نهبت الاسواق والاموال وتردت الاحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل علي مابيناه في الفصل الاول.
    ثم ان المعتز سير المستعين الي واسط ، فاقام بها نحو تسعة اشهر محبوسا موكلا به امين ، ثم ارسل المعتز الي احمد بن طولون ان يذهب الي المستعين فيقتله فابي ، فندب له سعيد بن صالح الحاجب فحمله الي سامراء فذبحه وحمل اليه براسه ، فامر لسعيد بخمسين الف درهم وولاه معونة البصرة (1).

    رابعا ـ المعتز (252 ـ 255هـ )
    وهو الزبير او محمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع له عند خلع المستعين سنة252هـ ، وله عشرون سنة او دونها (2).

(1) راجع : مروج الذهب4 : 417 ، الكامل في التاريخ6 : 185 ، البداية والنهاية11 : 11 ، تاريخ ابن الوردي1 : 316.
(2) سير اعلام النبلاء12 : 532.



(75)

1ـ مواقفه من الطالبيين :
    وتعرض الطالبيون في زمان المعتزالي القتل والمطاردة والحبس والترحيل ، فقد حمل في ايامه من الري علي بن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمد ، و مات في حبسه (1).
    وفي السنة التي بويع له فيها حمل جماعة من الطالبيين الي سامراء ، منهم : ابواحمد محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، و ابوهاشم داود بن القاسم الجعفري (2).
    وفي ايامه ايضا قتل عبدالرحمن خليفة ابي الساج احمد بن عبدالله بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام.
    و توفي في الحبس عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي ابن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ، كان ابو الساج حمله فحبس بالكوفة فمات هناك.
    وقتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ، في وقعة كانت بين احمد بن عيسي بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين عليه السلام وبين عبدالله بن عزيز عامل محمد بن طاهر بالري.
    وقتل ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن عبدالله بن العباس بن علي ، قتله طاهر بن عبدالله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين. وحبس احمد ابن محمد بن يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي في دار مروان ، حبسه

(1) مروج الذهب4 : 429.
(2) الكامل في التاريخ6 : 187.



(76)
الحارث بن اسد عامل ابي الساج في المدينة فمات في محبسه (1).

    2ـ شهادة الامام الهادي عليه السلام في زمان المعتز :
    في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة254هـ (2) توفي الامام الهادي عليه السلام ، واكتظ الناس في موكب التشييع ، وصلي عليه ابنه الامام ابو محمد الحسن العسكري عليه السلام (3) ، و روي انه عليه السلام خرج في جنازته مشقوق القميص ، فقيل له في ذلك ، فقال : « قد شق موسي علي هارون » (4)
    وعن اليعقوبي : انه تمت الصلاة علي جنازته الشريفة في الشارع المعروف بشارع ابي احمد ، فلما كثرالناس واجتمعوا ، كثر بكاؤهم وضجتهم ، فرد النعش الي داره فدفن فيها (5).
    ونقل كثير من المؤرخين والمحدثين ان الامام الهادي عليه السلام توفي مسموما ،

(1) مقاتل الطالبيين : 433.
(2) وقيل : لثلاث او اربع اوخميس بقين من جمادي الاخرة سنة254 ، راجع : الكافي1 : 497. باب مولد ابي الحسن علي بن محمد عليه السلام من كتاب الحجة ، دلائل الامامة : 409 ، تاج المواليد/الطبرسي : 132 ـ ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 433 ، الكشف الغمة3 : 165و174 ، البداية والنهاية11 : 14ـ15 ، الفصول المهمة2 : 1074 ، اعلام الوري2 : 109 ، تاريخ اليعقوبي2 : 503
(3) الكافي1 : 326/3 ـ باب الاشارة والنص علي ابي محمد عليه السلام من كتاب الحجة ، الارشاد2 : 315 ، اعلام الوري2 : 133.
(4) رجال الكشي ، بشرح الداماد : 842 ـ843 ، المناقب/ابن شهر اشوب4 : 467 ، وسائل الشيعة3 : 274/3634 ـ3636.
(5) تاريخ اليعقوبي2 : 503.



(77)
منهم : المسعودي ، وسبط ابن الجوزي ، والشبلنجي ، وابن الصباغ المالكي ، والشيخ ابو جعفر الطبري (1) ، وصرح الشيخ الكفعمي بان الذي سمه هو المعتز (2) ، ونقل عن ابن باوية ان الذي سمه هو المعتمد العباسي (3) ، فاما ان يكون مصحفا ، او ان المعتمد هو الذي دس السم بايعاز من المعتز ، لان المعتمد بويع بالملك في النصف من رجب سنة256هـ بعد قتل المهتدى.
    وليس بعيدا عن مثل المعتز اقتراف مثل هذه الجريمة النكراء ، لانه كان شابا متهورا لم يتحرج عن القتل ، ففي سنة252هـ خلع اخاه المؤيد من ولاية العهد وعذبه بضربه اربعين مقرعة ثم حبسه ودبر قتله في السجن بعد ذلك بخمسة عشر يوما ، كما حبس اخاه ابا احمد بن المتوكل سنة253هـ ونفاه الي واسط ثم الي البصرة ثم رده الي بغداد (4) ، ومر بك انه امر سعيد الحاجب بقتل ابن عمه المستعين فقتله واتاه براسه. فهكذا كانت افعاله مع اخوته وابناء عمومته ، اما مع الطالبيين ، فكانت اشد واقسي ، وقد قدمنا نماذج منها.

    3ـ ما فعله المعتز بالامام الحسن العسكري عليه السلام :
    كانت سيرة المعتز مع الامام العسكري عليه السلام كسيرة اسلافه من ملوك بني العباس مع اهل البيت عليهم السلام، ومما يلحظ علي تلك السيرة ان المعتز قد وضع

(1) مروج الذهب4 : 423 ، تذكرة الخواص : 324 ، نور الابصار/الشبلنجي : 337 ـ دارالجيل ـ بيروت ، الفصول المهمة2/ 1076 ، دلائل الامامة : 409.
(2) بحارالانوار50 : 117عن مصباح الكفعمي.
(3) المناقب لابن شهر اشوب4 : 433 ، عن ابن باوية.
(4) الكامل في التاريخ6 : 185و192 ، تاريخ الخلفاء/للسيوطي : 279 ، البداية والنهاية11 : 11و12.



(78)
الامام العسكري عليه السلام تحت الرقابة الشديدة ، ولم يعد بامكانه الاتصال باصحابه الا في ظروف خاصة ، و تعرض الامام عليه السلام للاعتقال في زمانه وضيق عليه في السجن ، وكان عليه السلام لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فيصوم النهار ويقوم الليل.
    واودع عليه السلام في سجن صالح بن وصيف (1) ، وكان العباسيون يوصونه بالتضييق عليه ، ويدسون العيون في داخل السجن مع اصحابه.
    عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي ، قال : « دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عند ما حبس ابومحمد عليه السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولاتوسع ، فقال لهم صالح : ما اصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شانكما في امر هذا الرجل؟فقالا له : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لانملكه من انفسنا ، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين » (2).
    وعن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : « كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الاحمر انا والحسن بن محمد العقيقي ، ومحمد بن ابراهيم.

(1) كان رئيس الامراء الترك في زمان المعتز والمهتدي ، وقتل في خلافة المعتدي سنة256هـ ، راجع الكامل في التاريخ6 : 214.
(2) الكافي1 : 512/23 ـ باب مولد ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام من كتاب الحجة ، الارشاد2 : 334.



(79)
العمري وفلان وفلان ، اذ ورد علينا ابو محمد الحسن عليه السلام واخوه جعفر ، فخففنا له ، وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول انه علوي ، قال : فالتفت ابومحمد عليه السلام وقال : لولا ان فيكم من ليس منكم لاعلمتكم متي يفرج عنكم ، و اوما الي الجمحي ان يخرج فخرج.
    فقال ابومحمد عليه السلام : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، فان في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره بما تقولون فيه ، فقام بعضهم ففتش ثيابه ، فوجد فيها القصة ، يذكرنا فيها بكل عظيمة ، ويعلمه انا نريد ان ننقب الحبس ونهرب... » (1).
    وحاول المعتز الفتك باالامام عليه السلام علي يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد ان حمله الي سامراء فتناهت انباء تلك المحاولة الي اسماع الشيعة ، فكتب بعضهم الي الامام عليه السلام يتساءل عن ذلك ، فطمانه باالمصير الذي ينتظر المعتز قبل ان ينفذ عزمه.
    عن محمد بن بلبل قال : « تقدم المعتز الي سعيد الحاجب ان اخرج ابامحمد الي الكوفة ، ثم اضرب عنقه في الطريق ، فجاء توقيعه عليه السلام الينا : الذي سمعتموه تكفونه ، فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل » (2).
    وعن المعلي بن محمد ، قال : اخبرني محمد بن عبدالله ، قال : « لما امر سعيد الحاجب بحمل ابي محمد عليه السلام الي الكوفة ، كتب ابوالهيثم بن سيابة اليه : جعلت

(1) الثاقب في المناقب : 577/526 ، الخرائج والجرائح2 : 682/1و2 ، نور الابصار : 183 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 470 ، اعلام الوري2 : 141.
(2) المناقب لابن شهراشوب4 : 464.



(80)
فداك ، بلغنا خبر اقلقنا وبلغ منا كل مبلغ؟ فكتب عليه السلام : بعد ثلاث ياتيكم الفرج. فقتل الزبير ـ اي المعتز ـ يوم الثالث » (1).
    وكان الامام عليه السلام قد توجه الي الله تعالي باالدعاء عليه ، فقد روي عن محمد ابن علي الصميري انه قال : « دخلت علي ابي احمد عبيدالله بن عبدالله وبين يديه رقعة ابي محمد عليه السلام فيها : اني نازلت الله في هذا الطاغي ـ يعني الزبير ـ وهو اخذه بعد ثلاث. فلما كان في اليوم الثالث فعل به مافعل » (2).

    خلع المعتز وقتله :
    كان خلع المعتز في رجب سنة 255هـ ، وكان سبب خلعه ان الجند وعلي راسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه ارزاقهم ، فلمايكن عنده ما يعطيهم ، فسال من امه ان تقرضه مالا يدفعهم عنه به ، فلم تعطه واظهرت انه لاشيء عندها ، فاجتمع الاتراك علي خلعه وقتله ، فدخل اليه بعض الامراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه ، وجروا برجله واخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم ، فاوقفوه في وسط دارالخلافة في حر شديد حتي جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر ، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب : اخلعها والناس مجتمعون. ثم ادخلوه حجرة مضيقا عليه فيها ، ومازالوا عليه بانواع العذاب حتي خلع نفسه من الخلافة وولي بعده المهتدي بالله ، ثم سلموه الي من يسومه سوء العذاب بانواع المثلاث ، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة ايام حتي

(1) الغيبة للطوسي : 208/177 ، الخرائح والجرائح1 : 451/36 ، مهج الدعوات : 274 ، دلائل الامامة : 427/391 ، الثاقب في المناقب : 576/523.
(2) كشف الغمة3 : 295 ، بحارالانوار50 : 297/72.



(81)
جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم ادخلوه سربا وجصصوا عليه ، فاصبح ميتا ، واشهدوا عليه جماعة من الاعيان انه مات وليس به اثر (1).

    ما قاله الامام العسكري بعد هلاك المعتز :
    حينما قتل المعتزخرج توقيع من الامام العسكري عليه السلام يؤكد عزم المعتز علي قتل الامام عليه السلام قبل ان يولد له ، وفي ذلك دلالة واضحة علي اعتقاد بني العباس بان المولود هو صاحب الزمان عليه السلام الذي يقصم الجبارين ويقيم دولة الحق.
    عن احمد بن محمد بن عبدالله ، قال : « خرج عن ابي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري : هذا جزاء من اجترا علي الله في اوليائه ، يزعم انه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف راي قدرة الله فيه؟و ولد له ولد سماه محمدا... » (2).

    خامسا ـ المهتدي (255 ـ 256هـ)
    هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة255هـ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته انه كان من احسن خلفاء بني العباس مذهبا ، و اجودهم طريقة ، واكثرهم ورعا وعبادة وزهادة ، وانه اطرح الغناء والشراب ، ومنع اصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلل في ماكوله وملبوسه (3).

(1) الكامل في التاريخ6 : 200 ، الفخري في الاداب السلطانية : 243 ، البداية والنهاية11 : 16 ، سير اعلام النبلاء12 : 533.
(2) اصول الكافي1 : 329/5 ـ باب الاشارة والنص الي صاحب الدار عليه السلام ، اكمال الدين : 430/3 ـ باب42.
(3) راجع : تاريخ الخلفاء/السيوطي : 281 ، الكامل في التاريخ6 : 223 ـ224 ،