(82)
وهو بهذا التصرف استطاع الترفع علي سيرة اسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقا بين السيرة الصالحة التي تكون واعزا للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها او يتصنعها لاجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم علي الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المورخين بان المهتدي كان يتشبه بعمر بن عبدالعزيز (1) ، والتشبه غير التطبع.
    ونقل اخر عنه أنه قال لاحد جلسائه حين ساله عما هو فيه من التقشف في الاكل ، فقال : « اني فكرت في انه كان في بني امية عمر بن عبدالعزيز ، وكان من التقلل ووالتقشف علي ما بلغك ، فغرت علي بني هاشم ، فاخذت نفسي بما رايت » (2).
    فلتزهد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لاعمومهم ، لان فيهم من قال فيه تعالي : ((وانك لعلي خلق عظيم)) (3) وفيهم ال البيت المعصومون عليهم السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول اخر : « اما تستحي بنو العباس ان لا يكون فيهم مثل عمر بن عبدالعزيز؟! » (4) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم علي العباسيين في مقابل بني

البداية والنهاية11 : 23 ، سير اعلام النبلاء12 : 535 ، الفخري في الاداب السلطانية : 246.
(1) الفخري في الاداب السلطانية : 246.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.
(3) سورة القلم : 68/4.
(4) `الكامل في التاريخ6 : 224.



(83)
امية.
    ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف اسلافه في التعامل مع الامام عليه السلام واصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس اساليبهم ، وكما يلي :

    1ـ مواقفه من الطالبيين :
    تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبرا او الاسر او السجن او الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت اقل من سنة واحدة ، علي ما نقله ابو الفرج وحده.
    فقد قتل صبرا في ايام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، وطاهر بن احمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، وقتل ايضا الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام.
    وقتل اصحاب عبدالله بن عبدالعزيز ، يحيي بن علي بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قتل بقرية من قري الري في ولاية عبدالله بن عبدالعزيز.
    واسر محمد بن الحسن بن محمد بن ابراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، اسره الحارث بن اسد وحمله الي المدينة فتوفي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة واخذ قيدين كانا فيهما ورمي بهما.
    وقتل جعفر بن اسحاق بن موسي بن جعفربن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.


(84)
وقتل بالسم موسي بن عبدالله بن موسي بن عبيدالله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن ابي طالب ، وكان رجلا صالحا ، راويا للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيي بن الحسن بن جعفرالعلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه ادريس وابن اخيه محمد ابن يحيي بن عبدالله بن موسي ، وابا الطاهر احمد بن زيد بن الحسين بن عيسي ابن زيد بن علي بن الحسين ، الي العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فاخذوهم من يده فمضوا بهم ، وابي موسي ان يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دس اليه سما فقتله (1) واخذ راسه وحمله الي المهتدي في المحرم سنة256هـ .
    واسر عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله ابن جعفر ، اسره عبدالرحمن خليفة ابي الساج بالجار (2) ، وحمله فمات بالكوفة.
    وقتل محمد بن عبدالله بن اسماعيل بن ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن ابي الكرام بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ، قتله عبدالله بن عزيز بين الري وقزوين.
    ومات في الحبس علي بن موسي بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، حبسه عيسي بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس ايضا محمد بن الحسين بن عبدالرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، حمله عبدالله بن عبدالعزيز عامل طاهر

(1) ذكر ذلك المسعودي ايضا في مروج الذهب4 : 429وجعله في زمان المعتز.
(2) الجار : بلدة علي البحر الاحمر.



(85)
الي سر من راي ، وحمل معه علي بن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، فحبسا جميعا حتي ماتا في الحبس.
    وكذلك ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، حبسه محمد بن احمد بن عيسي بن المنصور عامل المهتدي علي المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.
    و كذلك عبدالله بن محمد بن يوسف بن ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن الحسن ، حبسه ابو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس الي ولاية محمد بن احمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه الي احمد بن الحسين بن محمد بن عبدالله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع (1).
    ولم تكفه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الامام والنكاية بهم ، بل كان مصداقا للحقد التقليدي الذي يكنه اسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي انه نفي جعفر بن محمود الي بغداد ، وكره مكانه ، لانه نسب عنده الي الرفض (2).

    2ـ سيرة المهتدي مع الامام العسكري عليه السلام :
    حاول (المهتدي) العباسي التضييق علي الامام العسكري عليه السلام بشتي الوسائل ، وكان عازما علي قتل الامام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :

(1) مقاتل الطالبيين : 435 ـ 439.
(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.



(86)
عن ابي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوسا مع ابي محمد في حبس المهتدي ، فقال لي : يا اباهاشم ، ان هذا الطاغية اراد ان يعبث بامر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولدا بكرمه ولطفه ، فلما اصبحنا شغبت الاتراك علي المهتدي واعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحح العزم علي قتل ابي محمد عليه السلام ، فشغله الله بنفسه حتي قتل ومضي الي اليم العذاب » (1).
    ويبدو ان تاريخ اعتقال الامام عليه السلام في اول حكم المهتدي ، لانه عليه السلام ذكر في هذا الحديث انه ليس له ولد وسيرزقه الله ولدا بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجة في النصف من شعبان سنة255هـ ، وتولي المهتدي في اول رجب سنة 255هـ .
    وتتشابه اجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسي بن صبيح (2)الذي اعتقل مع الامام عليه السلام قال : « دخل الحسن العسكري عليه السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفا...الي ان قال : قلت : الك ولد؟قال : اي والله ، سيكون لي ولد يملا الارض قسطا وعدلا ، فاما الان فلا » (3). فلعل الجملة المعترضة في حديث ابي هاشم الجعفري المتقدم« وليس لي ولد... »هي جواب للامام عليه السلام عن سؤال

(1) اثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحارالانوار50 : 313 ، ونحوه في المناقب لابن شهراشوب4 : 463 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 205/173و223/187 ، بحار الانوار50 : 303/79.
(2) في الفصول المهمة : عيسي بن الفتح.
(3) الفصول المهمة2 : 1087 ، بحارالانوار50 : 275/48 عن الخرائج والجرائح.



(87)
عيسي بن صبيح الذي كان معهم في السجن.
    وكان قبل ذلك قد تهدد الامام عليه السلام بالقتل وتوعد شيعته ، فكتب احمد بن محمد الي الامام العسكري عليه السلام حين اخذ المهتدي في قتل الموالي : ياسيدي ، الحمدلله الذي شغله عنا ، فقد بلغني انه يتهددك ويقول : والله لاجلينهم عن جديد الارض (1). فوقع عليه السلام بخطه : ذلك اقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة ايام ، ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمر به ، وكان كما قال » عليه السلام (2).

    هلاك المهتدي :
    لقد تنكر المهتدي للاتراك ، وعزم علي تقديم الابناء ، فلما علموا بذلك استوحشوا منه واظهروا الطعن عليه ، فاحضر جماعة منهم فضرب اعناقهم ، فاجتمع الاتراك وشغبوا ، فخرج اليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، واباحهم دماء الاتراك واموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الاتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتي بقي وحده ، فسار الي دار احمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه واخذوه وحملوه علي بغل وجراحاته تنطف دما ، فحبسوه في الجوسق عند احمد بن خاقان ، وقبل المهتدي يده مرارا عديدة ، فدعوه الي ان يخلع نفسه فابي ، فقالوا : انه كتب بخطه رقعة لموسي بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد انه لايغدر بهم ولايغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهم بذلك ، وانه متي فعل ذلك فهم في

(1) جديد الارض : وجهها.
(2) اصول الكافي1 : 510/16 ، الارشاد2 : 333 ، اعلام الوري2 : 144 ، بحارالانوار50 : 308/5.



(88)
حل من بيعته والامر اليهم يقعدون من شاءوا.
    فاستحلوا بذلك نقض امره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا اصابع يديه من كفيه ورجليه من كعبيه حتي ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتي مات في رجب سنة256هـ (1) ، فكان تنكره للاتراك اقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الامام عليه السلام.

    سادسا ـ المعتمد (256 ـ 279هـ)
    وهو احمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة256هـ ، وكان هو واخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسمي بامرة المؤمنين ، ولاخيه طلحة الامر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الاعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولا عن ذلك بلذاته (2).

    1- مواقفه من الطالبيين :
    لم تخرج سياسة المعتمد عن اطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة اهل البيت عليهم السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة علي الطالبيين ، ففي ايام المعتمد قتل علي بن ابراهيم بن الحسن بن علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي ، قتل بسر من راي علي باب جعفر بن المعتمد ولايدري من قتله ، وكذلك محمد بن احمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضرب عبدالعزيز ابن ابي دلف عنقه صبرا بابة ، وهي قرية بين قم وساوة.
    وقتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله

(1) سراجع : تاريخ اليعقوبي2 : 506 ، الكامل في التارخ6 : 221ـ223.
(2) الفخري في الاداب السلطانية : 250.



(89)
ابن جعفر بن ابي طالب عليه السلام ، قتله صلاب التركي صبرا ومثل به.
    وقتل في ايام المعتمد ايضا ابراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسي بن زيد الحسين ، واسماعيل بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب.
    وتوفي في السجن بسر من راي محمد بن الحسين بن محمد بن عبدالرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الاكبر بن الحسن بن علي بن ابي طالب ، وتوفي ايضا في السجن بسر من راي موسي بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في ايام المعتز فبقي الي هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن احمد بن عيسي بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه احمد وعليا ، فتوفي محمد وابنه احمد في الحبس. وحبس الحسين بن ابراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب علي نيسابور ، ثم حمله معه حين خرج الي طبرستان ، وتوفي في الطريق رضى الله عنه.
    وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبدالله بن زيد بن عبيدالله بن زيد بن عبدالله بن الحسن بن زيد بن الحسن (1).
    وفي سنة 258هـ اخرج احمد بن طولون الطالبيين من مصر الي المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الاخرة ، وتخلف بعضهم حيث اراد ان يتوجه الي المغرب ، فاخذه احمد بن طولون وضربه مائة وخمسين

(1) مقاتل الطالبيين : 440 ـ 443.


(90)
سوطا واطافه بالفسطاط (1).

    2ـ موقفه من الامام العسكري عليه السلام :
    وفي زمان المعتمد اعتقل الامام العسكري عليه السلام عدة مرات ، فقد روي انه سلم الي نحرير ، و كان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امراته : ويلك اتقي الله ، لاتدري من في منزلك!وعرفته صلاحه ، وقالت : اني اخاف عليك منه. فقال : لارمينه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئي عليه السلام قائما يصلي والسباع حوله (2).
    وحبس عند علي بن جرين سنة260هـ ، وروي« انه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت ام ابي محمد عليه السلام تخرج في الاحايين الي خارج المدينة وتجس الاخبار ، حتي ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، و حبس اخاه جعفرا معه ، وكان المعتمد يسال عليا عن اخباره في كل مكان ووقت ، فيخبره انه يصوم النهار ويصلي الليل ، فساله يوما من الايام عن خبره فاخبره بمثل ذلك ، فقال له : امض الساعة اليه واقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف الي منزلك... »الي اخر الرواية وفيها انه عليه السلام ابي ان يخرج من السجن حتي اخرجوا اخاه معه (3) ، رغم ان جعفراً كان يسيء اليه ويتربص به.
    وروي ابن حجر الهيتمي وغيره انه عليه السلام اخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لما حبس عليه السلام قحط الناس بسر من راي قحطا شديدا ، فامر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة ايام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم

(1) تاريخ اليعقوبي2 : 510.
(2) اصول الكافي1 : 513/ 26 ـ باب مولد ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام من كتاب الحجة ، بحارالانوار50 : 309/7.
(3) اثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 243 ، بحارالانوار50 : 313 ـ 314 و330/2.



(91)
راهب كلما مد يده الي السماء هطلت ، ثم في اليوم الثاني كذلك ، فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم ، فشق ذلك علي المعتمد ، فامر باحضار الحسن الخاص عليه السلام وقال له : ادرك امة جدك رسول الله صلى الله عليه و اله قبل ان يهلكوا. فقال الحسن : يخرجون غدا وانا ازيل الشك ان شاء الله ، وكلم الخليفة في اطلاق اصحابه من السجن فاطلقهم.
    فلما خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيمت السماء ، فامر الحسن عليه السلام بالقبض علي يده ، فاذا فيها عظم ادمي ، فاخذه من يده وقال : استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسن عليه السلام : ما هذا ياابا محمد؟فقال : هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء الا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسن عليه السلام الي داره » (1).
    وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع اهل البيت عليهم السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد امامهم الابواب ، يضطرون الي اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدد عروشهم ويبدد عري دولتهم.
    لقد شدد المعتمد علي حصار الامام عليه السلام واعتقاله ، لانه يعلم انه الامام

(1) الصواعق المحرقة/ابن حجر الهيتمي : 124 ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ 1385هـ ، الفصول المهمة2 : 1085 ـ 1087 ، نورالابصار : 337 ، و اخرجه في احقاق الحق12 : 464و19 : 620و625و29 : 64عن عدة مصادر ، وراجع : الخرائج والجرائح1 : 441/23 ، المناقب لابن شهراشوب4 : 458 ، بحار الانوار50 : 270/37.


(92)
الحادي عشر ، وان مابعده هو اخر ائمة اهل البيت عليهم السلام الذي يقضي علي دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا اراد ان يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله ابي الا ان يتم نوره.
    روي الصميري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رايت بخط ابي محمد عليه السلام لما خرج من حبس المعتمد ((يريدون ليطفئوا نورالله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)) » (1).
    وذكر نصر بن علي الجهضمي في (مواليد الائمة عليهم السلام) ان الحسن بن علي العسكري عليه السلام قال عند ولادة محمد بن الحسن عليه السلام : « زعمت الظلمة انهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف راوا قدرة القادر؟ » (2).
    وانتهت قصة صراع الامام العسكري عليه السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموما في الثامن من ربيع الاول سنة 260هـ ، علي المشهور من الاقوال في وفاته (3) ، وهو في الثامنة والعشرين او التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدا بعد هذا التاريخ فصلا جديدا من الماساة الكبري علي يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل اثاره باقية ولن تزول الي ان ياذن الله بفرج وليه القائم المؤمل والعدل المنتظر عليه السلام ليملاها قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.

(1) مهج الدعوات : 334 ، اثبات الوصية : 255 ، بحارالانوار50 : 314 ، والاية من سورة الصف : 61/8.
(2) مهج الدعوات : 334.
(3) سناتي علي ذكر الاقوال في الفصل الاخير من هذا كتاب.



(93)
الفصل الثالث

الهوية الشخصية للامام العسكري عليه السلام

    نسبه عليه السلام
    هو ابومحمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين ابن احسين السبط الشهيد بن علي امير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليهم اجمعين.
نسب عليه من شمس الضحي نور ، ومن فلق الصباح عمود

    امه رضي الله تعالي عنها :
    ام ولد ، يقال لها سوسن ، وتكني ام الحسن ، وتعرف بالجدة ، اي جدة الامام صاحب الزمان عليه السلام ، ولها اسماء اخري ، فيقال لها : حديث ، وحديثة ، وسليل ، وسمانة ، وشكل النوبية وغيرها (1).

(1) راجع : اصول الكافي1 : 503 ـ باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، التهذيب/الشيخ الطوسي6 : 92ـ باب42 من كتاب المزار ، الارشاد2 : 313 ، اكمال الدين : 307 اخر باب27 خبر اللوح ، اثبات الوصية : 244 ، دلائل الامامة : 424 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 455 ، روضة


(94)
ورجح صاحب عيون المعجزات ان اسمها سليل ، حيث قال : « اسم امه عليه السلام ـ علي ما رواه اصحاب الحديث ـ سليل (رضي الله عنها) وقيل : حديث ، والصحيح سليل ، وكانت من العارفات الصالحات » (1).
    ولعل ذلك مبني علي الحديث الوارد عن المعصوم ، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها ، رواه المسعودي عن العالم عليه السلام انه قال : « لما ادخلت سليل ام ابي محمد علي ابي الحسن عليه السلام ، قال : سليل مسلولة من الافات والعاهات والارجاس والانجاس » (2).
    وبعثها الامام العسكري عليه السلام الي الحج سنة259هـ ، واخبرها عما يناله سنة60 ، فاظهرت الجزع وبكت ، فقال عليه السلام : « لابد من وقوع امر الله فلا تجزعي »وفي صفر سنة 260هـ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج الي خارجها تتجسس الاخبار وقد اخذها الحزن والقلق (3).
    وحينما اتصل بها خبر شهادة الامام عليه السلام عادت الي سامراء ، فكانت لها اقاصيص يطول شرحها مع اخيه جعفر من مطالبته اياها بالميراث ، وسعايته

الواعظين : 251 ، تاريخ مواليد الائمة عليهم السلام/ابن الخشاب : 199ـ مطبوع ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، الفصول المهمة2 : 1080 ، تذكرة الخواص : 324 ، كشف الغمة3 : 271 ، اعلام الوري2 : 131 ، تاج المواليد : 133 ، بحارالانوار50 : 235/2 ، 236/5 و7 ، 238/11.
(1) بحارالانوار50 : 238/11.
(2)اثبات الوصية : 244.
(3) راجع : اثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الانوار50 : 313 ، 330/2.



(95)
بها الي سلطان ، وكشف ما امر الله عزوجل ستره (1).
    وتوفيت في سامراء وكانت قد اوصت ان تدفن في الدار الي جنب ولدها الامام العسكري عليه السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لاتدفن فيها (2).

    ولادته : عليه السلام
    ولد الامام العسكري عليه السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الاخر سنة232هـ في مدينة جده رسول الله صلى الله عليه و اله ، وهو القول المشهور في ولادته عليه السلام (3).
    ويؤيد ما رواه الطبري الامامي بالاسناد عن الامام العسكري عليه السلام ، انه قال : « كان مولدي في ربيع الاخر سنة 232 من الهجرة » (4).
    و وقع اختلاف في تاريخ الولادة و مكانها ، فقيل : سنة230هـ ، او231 ، او233 ، وقيل : في شهر رمضان من سنة232هـ ، وقيل : يوم الاثنين الرابع من

(1) اكمال الدين : 474/25 ، بحارالانوار50 : 331/3.
(2) اكمال الدين : 442/15.
(3) اعلام الوري2 : 131 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 455 ، الفصول المهمة2 : 1079 ، نورالابصار : 338 ، روضة الواعظين/ابن الفتال : 251ـ منشورات الرضي ـ قم ، وذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية : اصول الكافي1 : 503 ـ باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، والارشاد2 : 313 ، والتهذيب للشيخ الطوسي6 : 92 ـ باب42 من كتاب المزار ـ دارالكتب الاسلامية ـ طهران ، واقتصر كثيرون علي ذكر السنة ، ومنهم ابن الاثير في الكامل6 : 250 ـ اخر حوادث سنة260هـ ، وابن خلكان في الوفيات2 : 94 ـ منشورات الرضي ـ قم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : 124 ، والسويدي في سبائك الذهب : 342 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(4) دلائل الامامة : 423/384.



(96)
شهر ربيع الاخر ، او السادس ، اوالعاشر ، من سنة232هـ ، وقيل : في السادس من شهر ربيع الاول ، اوالثامن منه (1).
    وذكر الشيخ الحر العاملي اهم هذه الاقوال في بيتين من منظومته ، اشار فيهما الي المشهور من الاقوال ، يقول :
مولده شهـر ربيع الاخـر في يوم الاثنين وقيل الرابع وذاك في اليوم الشريف العاشر وقيل في الثامـن وهو الشائع(2)

    هذا من حيث تاريخ الولادة ، اما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم انه ولد عليه السلام في سامراء سنة231هـ (3) ، او في ربيع الاخر سنة232 (4) ، وهذا لايصح لان الثابت في التاريخ ان المتوكل هو الذي استدعي الامام ابا الحسن الهادي عليه السلام الي سامراء ، وقد تولي المتوكل ملك بني العباس في ذي الحجة سنة

(1) راجع : اصول الكافي1 : 503 ـ باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة ، دلائل الامامة : 423 ، الهداية الكبري/الخصيبي : 327 ـ مؤسسة البلاغ ـ بيروت ـ 1406هـ ، روضة الواعضين : 251 ، الائمة الاثنا عشرلابن طولون : 113 ، مصباح الكفعمي : 523 ـ طبعة اسماعيليان ـ قم ، المنتظم/ابن الجوزي12 : 158ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تذكرة الخواص : 324 ، تاريخ اهل البيت لكبار المحدثين والمؤرخين : 87 ـ مؤسسة ال البيت عليهم السلام ـ 1410هـ ، الانساب/للسمعاني4 : 194 ـ دار الجنان ـ بيروت ، احقاق الحق/للتستري بشرح السيد المرعشي29 : 59عن تاريخ الاحمدي ، بحار الانوار50 : 236 ـ238.
(2) الانوار البهية/الشيخ عباس القمي : 250 ـ نشر الشريف الرضي ـ قم.
(3) تذكرة الخواص : 324
(4) روضة الواعظين : 251 ، المناقب لابن شهر اشوب4 : 455 ، بحار الانوار50 : 236/5.