(146)
عليه اجرا الا المودة في القربي)) (1)... » (2).
    وفي حديث ابي هاشم الجعفري : « ان الامام العسكري عليه السلام قال له مبينا منزلة اهل البيت عليهم السلام : ...ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله ، ومن انكرهم انكر الله ، ولايكون مؤمنا حتي يكون لولايتهم مصدقا ، وبمعرفتهم موقنا » (3).
    قال ابوهاشم : « وقلت في نفسي : اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك. فاقبل علي ابومحمد عليه السلام فقال : انت في حزبه وفي زمرته ان كنت بالله مؤمنا ولرسوله مصدقا ، وباوليائه عارفا ، ولهم تابعا ، فابشر ثم ابشر » (4) ، فالانتماء الي حزب الله ليس مجرد دعوي ، بل هو ارتباط عقائدي ومنهج سلوكي يقتضي الايمان بالله والتصديق برسوله صلى الله عليه و اله ومعرفة اوليائه ، وبذلك حدد عليه السلام مبدا الولاية لله وللرسول صلى الله عليه و اله ولعترته الطاهرة.
    وفي حديث اخر عن الحسن بن ظريف بين فيه الامام العسكري عليه السلام المصداق البارز لحزب الله عند اختلاف الكلمة ، قال : « كتبت الي ابي محمد عليه السلام اساله : مامعني قول رسول الله لاميرالمؤمنين عليه السلام : من كنت مولاه فعلى مولاه؟فقال : اراد بذلك ان جعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة » (5)

(1) سورة الشوري : 42/23.
(2) تحف العقول : 358 ، علل الشرائع/الشيخ الصدوق1 : 291/6 باب 182 علل الشرائع واصول الاسلام.
(3) الثاقب في المناقب : 567/508 ، اثبات الوصية : 249.
(4) اعلام الوري2 : 143.
(5) كشف الغمة/الاربلي3 : 303 ، بحارالانوار50 : 290/50.



(147)
وجاء في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان عنه عليه السلام في هذا السياق مايؤكد فضل اهل البيت عليهم السلام ووجوب ولايتهم ، قال : « روي انه وجد بخط مولانا ابي محمد العسكري عليه السلام : ...فنحن السنام الاعظم ، وفينا النبوة والولاية والكرم ، ونحن منار الهدي والعروة الوثقي ، والانبياء كانوا يقتبسون من انوارنا ، ويقتفون اثارنا ، وسيظهر حجة الله علي الخلق بالسيف المسلول لاظهار الحق... » (1).
    وفي كتاب اخر له عليه السلام الي محمد بن الحسن بن شمون : « ...نحن كهف لمن التجاء الينا ، ونور لمن استبصر بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا ، من احبنا كان معنا في السنام الاعلي ، ومن انحرف عنا فالي النار » (2).

    ثالثا : التمهيد لغيبة ولده الحجة عليه السلام
    سار الامام العسكري عليه السلام علي خطي ابيه عليه السلام في التخطيط لمستقبل الامامة والتحضير لزمان الغيبة بتهيئة المقدمات الضرورية للانتقال من مرحلة الامامة الظاهرة الي الامامة الغائبة ، وتعويد الشيعة علي ذلك فكرا وسلوكا.
    وكانت المهمة التي نهض بها الامام العسكري عليه السلام في هذا السبيل صعبة للغاية ، ذلك لانه والد الامام الثاني عشر عليه السلام ويقع عليه العبء الاكبر في ترسيخ مبدا الغيبة التي بدات تباشيرها واوشك زمانها في وقت عصيب عملت فيه السلطة الحاكمة علي عزل الامام عليه السلام عن اصحابه ومواليه وشددت الرقابة عليه ، ووقفت ضده وضد فكرة الغيبة بالذات ، سيما وانهم يدركون انه قد ان

(1) بحارالانوار26 : 264/49.
(2) كشف الغمة/الاربلي3 : 300 ، بحارالانوار50 : 299.



(148)
اوانها وان الامام الثاني عشر علي وشك الولادة ، مما يهدد كيانهم ويقض مضاجعهم ، فالتبليغ في هذا الاتجاه يعتبر في منطق السلطة خروجا وتحديا يستحق اقصي العقاب.
    لكن مع ذلك استطاع امامنا الممتحن الصابر عليه السلام ان ينهض يهذه المهمة العسيرة بكل جدارة وقوة ، فعمل علي تاصيل هذا المبداء العقائدي الذي هو من صميم الدين وضرورياته في نفوس اصحابه ، للحفاظ علي خطهم الرسالي من الضياع والانهيار والتحذيرمن الاختلاف والفرقة وغيرها من التداعيات المحتملة للفترة الانتقالية من الظهور الي الغيبة ، كما استطاع ان يتخذ تدابير الحيطة والسرية للحفاظ علي حياة ولده الحجة عليه السلام من براثن السلطة وادوات رقابتها وقمعها.
    من هنا يمكن تلخيص نشاط الامام العسكري عليه السلام في هذا الاتجاه بما يلي :

    1 ـ التمهيد العملي للغيبة
    من البديهي انه لوغاب الامام الحجة عليه السلام عن شيعته ، واوكل ادارة امورهم ابتداء الي القيم او السفير الذي يعينه لاداء هذه المهمة ، لكان ذلك مدعاة للاستغراب ، ولتولد عنه مضاعفات ونتائج غير محمودة.
    من هنافقد اتخذ الامام العسكري عليه السلام ومن قبله ابوه عليه السلام اسلوبا شبيها بمنهج الامام المهدي عليه السلام في الاحتجاب عن الناس وايكال امر تبليغ الاحكام وقبض الحقوق المالية وايصال التواقيع الصادرة عن الامام الي الوكلاء الذين يختارهم من خاصة اصحابه ، لغرض تهيئة الذهنية العامة كى تستسيغ هذا الاسلوب ويحسن تقبلها له.


(149)
قال المسعودي في اواخر (اثبات الوصية) : « روي ان ابا الحسن صاحب العسكر عليه السلام احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من خواصه ، فلما افضي الامر الي ابي محمد عليه السلام كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر الا في الاوقات التي يركب فيها الي دار السلطان ، وان ذلك انما كان منه ومن ابيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان عليه السلام لتالف الشيعة ذلك ، ولاتنكر الغيبة ، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار » (1).
    وحينما يطغي اسلوب الاحتجاب علي معظم حياة الامام عليه السلام ، يكون اتخاذ نظام الوكلاء الزم واقرب ، وكان هذا النظام ـ اي نظام الوكلاء ـ معمولا به حتي قبل الامامين العسكريين عليهم السلام لانه يحقق ارتباط الائمة عليهم السلام بالبلاد البعيدة ذات القواعد الموالية لهم عليهم السلام ، لكنه اصبح ظاهرة ملموسة تمارسها حتي القوعد القريبة خلال امامة العسكريين. عليهم السلام
    وكان من بين الوكلاء الذين اعتمدهم الامام العسكري عليه السلام للنهوض بهذا الامر : ابراهيم بن عبدة النيسابوري ، واحمد بن اسحاق الاشعري ، وايوب بن نوح بن دراج ، وجعفر بن سهيل الصيقل ، وحفص بن عمرو العمري ، وابو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعلي بن جعفر الهماني ، والقاسم بن العلاء الهمداني ، ومحمد بن احمد بن جعفر القمي ، وابوجعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، ومحمد بن صالح بن محمد الهمداني وغيرهم.
    ويمكن القول ان وكالة عثمان بن سعيد للامام العسكري عليه السلام كانت بمثابة التمهيد للسفارة المهدوية؛لان عثمان بن سعيد كان السفير الاول للامام

(1) اثبات الوصية : 272.


(150)
الحجة عليه السلام ، وذلك مما يزيد من ثقة الشيعة به ، سيما وانه منصوص علي ثقته وامانته وعدالته وصلاحه لهذا الامر من قبل الامامين العسكريين عليهم السلام (1).
    وكانت اداة الامام عليه السلام في الاتصال بشيعته هي المكاتبات ووالتواقيع التي يتحمل الوكيل العبء الاكبر في ايصالها من والي الامام ، فكان الاصحاب يكتبون الي الامام عليه السلام بعض المسائل التي تشكل عليهم في امور دينهم ودنياهم ، والامام عليه السلام يجيب عليها عن طريق التواقيع.
    وقد تفشي هذا الاسلوب حتي اتخذت المكاتبات والتواقيع حيّزاً واسعاً في تراث الامامين العسكريين ، وبلغت من الكثرة بحيث اصبحت مادة للجمع والتاليف من قبل بعض الاصحاب المعاصرين للعسكريين عليهم السلام ، ومنهم : عبدالله بن جعفر الحميري ، الذي صنف (مسائل الرجال ومكاتباتهم اباالحسن الثالث عليه السلام) و (مسائل لابي محمد الحسن عليه السلام علي يد محمد بن عثمان العمري) و (مسائل ابي محمد وتوقيعاته) (2). وعلي بن جعفر الهماني البرمكي ، وله (مسائل لابي الحسن عليه السلام) (3) ، ومحمد بن الحسن الصفارت290هـ ، وله (مسائل كتب بها الي ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) (4) ، ومحمد بن الريان بن الصلت الاشعري ، وله (مسائل لابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) (5) ، ومحمد بن سليمان ابن الحسن الزراري ، وله (مسائل وجوابات لابي محمد الحسن

(1) راجع : كتاب الغيبة/للشيخ الطوسي : 354/حديث 315 ومابعده.
(2) رجال النجاشي : 220/573.
(3) رجال النجاشي : 280/740.
(4) الفهرست/للشيخ الطوسي : 408/622.
(5) رجال النجاشي : 370/1009.



(151)
العسكري عليه السلام) (1) ، ومحمد بن علي بن عيسي القمي ، وله (مسائل لابي محمد العسكري عليه السلام) (2) وغيرهم.
    وصفوة القول ان الامام العسكري عليه السلام استطاع من خلال التخطيط للارتباط به عن طريق الوكلاء ، ان يمهد لنفس الاسلوب الذي اعتمده ولده الامام المهدي عليه السلام خلال غيبته الصغري (260 ـ329هـ) وبذلك اعتاد الشيعة هذا الامر وتقبلوه بشكل تدريجي يزيح معه كل عوامل الارتياب والشك ، وهكذا كانت غيبة الامام الصغري ايضا تمهيدا للغيبة الكبري التي امر الامام عليه السلام شيعته بالرجوع الي رواة حديثهم واتباع الفقهاء العدول من اتباع مدرستهم.

    2 ـ النص علي ولده المهدي عليه السلام وعرضه علي اصحابه
    وهذا الامر يتطلب المزيد من الحذر والحزم والموازنه بين نقيضين؛الاول يتطلب عرض الامام المهدي عليه السلام علي اصحابه للتاكد من ولادته والاشهاد عليها واثبات النص عليه ، والثاني يتطلب اخفاء ولادته والتكتم علي شخصه خشية من السلطة التي كانت مستعدة لبذل مختلف وسائل الاغراء والتهديد في سبيل القبض عليه.
    وقد استطاع الامام العسكري عليه السلام الموازنة بين الامرين متحريا الحيطة والدقة ، متبعا اقصي درجات السرية والكتمان ، حيث حدثت الولادة المباركة في النصف من شعبان سنة255ه ، وجهد الامام العسكري عليه السلام خلال السنوات

(1) رجال النجاشي : 347/937.
(2) رجال النجاشي : 371/1010.



(152)
الخمس التي قضاها مع ابنه المهدي عليه السلام من اجل اخفاء ولادته واسمه ومكانه وسائر اموره عن اسماع السلطة ومراقبة عيونها.
    فمن اساليب الكتمان انه عليه السلام لم يعق عن ابنه عليه السلام في داره ، بل اوصي احد اصحابه لاداء هذ المهمة ، وقد روي انه امر اباعمرو عثمان بن سعيد ان يعق عنه بكذا وكذا شاة (1) ، كما روي انه عليه السلام وجه الي ابراهيم بن ادريس بكبشين ، وكتب اليه« عق هذين الكبشين عن مولاك ، وكل هناك الله ، واطعم اخوانك » (2).
    اما من حيث تبليغ اصحابه بالولادة او النص ، فمن الطبيعي انهم يختلفون في مقدار ضبطهم وصمودهم امام وسائل الاغراء والتهديد من قبل الجهاز الحاكم ، لهذا اختار الامام العسكري عليه السلام من اصحابه الاشخاص الذين يتوقع منهم صلابة الارادة وقوة الايمان وعمق الاخلاص ، وحملهم امانة الوصية ومسؤولية النص علي ولده الحجة عليه السلام بعد عرضه عليهم
    ورد في الحديث انه كان يتخير لهذه المهمة الاقرب لقرابته والاولي لولايته وذوي الكرامة عندالله سبحانه ، ومع ذلك ياخذ عليهم بالكتمان ويوصيهم بالستر والسرية.
    ففي كتاب له بخطه بعثه الي احمد بن اسحاق بن سعد الاشعري ، جاء فيه : « ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستورا ، وعن جميع الناس مكتوما ، فانا

(1) اكمال الدين : 431/6 باب42 ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله ابن الحسن عليه السلام...
(2) اثبات الوصية : 260 ، غيبة الطوسي : 246/214.



(153)
لم نظهر عليه الا الاقرب لقرابته والولي لولايته.... » (1).
    وجاء في حديث اخر : « يااحمد بن اسحاق ، لولا كرامتك علي الله عزوجل وعلي حججه ، ما عرضت عليك ابني هذا انه سمي رسول الله صلى الله عليه و اله وكنيه الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ».
    الي ان قال : « يا احمد بن اسحاق هذا امر من امرالله ، وسر من سرالله ، وغيب من غيب الله ، فخذ ما اتيتك واكتمه ، وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين » (2).
    ويمكن القول ان اسلوب الاحتجاب الذي اعتمده الامام عليه السلام ساعد كثيرا علي اخفاء الولادة المباركة ، فضلا عن انشغال الدولة انذاك بحوادث كبري اشرنا اليها في الفصل الاول ، كان علي راسها ثورة صاحب الزنج وحركات يعقوب بن الليث الصفار وبعض الخوارج الشراة وغيرهم ، مما شغل الدولة عن الالتفات الي الولادة ، وفوق ذلك كله القدرة علي الاستتار عن الانظار التي حباها الله لوليه الحجة بن الحسن عليه السلام ، فكان مثله في هذه الامة مثل الخضر عليه السلام ومثل ذي القرنين ، كما جاء في كثير من الروايات التي تحدثت عن صفة القائم المهدي عليه السلام. كل ذلك جعل السلط تسقط اسم الحجة عليه السلام من حسابها القانوني علي الاقل ، كما ورد علي لسان اوثق اصحاب الامام عليه السلام ، وهو ابوعمرو عثمان

(1) اكمال الدين : 433/16 باب 42 ماروي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسن عليه السلام...
(2) اكمال الدين : 384/1 باب 38 ماروي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم....



(154)
ابن سعيد العمري حينما ساله عبدالله بن جعفر الحميري عن اسم الامام عليه السلام فقال : « اياك ان تبحث عن هذا ، فان عند القوم ان هذا النسل قد انقطع » (1).
    وفي حديث اخر عنه ايضا قال الحميري : « قلت : فالاسم؟قال العمري : محرم عليكم ان تسالوا عن ذلك ، ولا اقول هذا من عندي ، فليس لي ان احلل ولا احرم ، ولكن عنه عليه السلام، فان الامر عند السطان ان ابا محمد عليه السلام مضي ولم يخلف ولدا ، وقسم ميراثه ، واخذه من لاحق له فيه ، وهو ذا عياله يجولون ليس احد يجسر ان يتعرف اليهم او ينيلهم شيئا ، واذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوالله وامسكوا عن ذلك » (2).
    وتحريم السؤال عن الاسم الوارد في هذا الحديث هو من اساليب الكتمان التي انتهجها الامام العسكري عليه السلام لاخفاء ولده ، لان الاسم يدل علي المسمي ، فاذا اشير الي المسمي وقع الطلب عليه ، ولعل التحريم كان للتقية ويقتصر علي تلك الفترة التي اشتد الطلب بها علي الامام الثاني عشر عليه السلام وكثر السؤال عنه ، كما ذكر بعض الاعلام (3) ،

(1) اكمال الدين : 442/14 باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه السلام وراه وكلمه.
(2) اصول الكافي1 : 330/1 باب في تسمية من راه.
(3) وقد تعارضت الاخبار في هذه المسالة بين مانع ومجوز للتسمية ، وتعارف عند الشيعة ذكره عليه السلام بالقابه كالحجة والقائم والخلف وصاحب الدار والناحية والغلام والغريم وغيرها. وللسيد محسن الامين راي يجمع بين الاخبار خلاصته ان التصريح بالاسم مكروه مطلقا ، والتسمية تصريحا وكناية محرمة في زمان الخوف. راجع : المجالس السنية/السيد محسن الامين5 : 678 ـ دار التعارف ـ بيروت ، في رحاب ائمة اهل البيت عليهم السلام/السيد محسن الامين ـ القسم الخامس : 5 ـ6 ـ دارالتعارف ـ بيروت.



(155)
والا فانه عليه السلام معلوم الاسم والكنية منذ زمن الرسول صلى الله عليه و اله واصحابه.
    ثم ان اشارة العمري رضى عنه الي تقسيم الميراث ، هي دلالة واضحة علي ان السلطة قد غضت النظر عن الامام الحجة عليه السلام ولو في حساباتها القانونية الانية ، وثبت ذلك عند القاضي ، كما جاء في حديث احمد بن عبيدالله بن خاقان ، وهو من رجال السلطة ، قال : « فلما دفن ـ اي الامام العسكري عليه السلام ـ وتفرق الناس ، اضطرب السلطان واصحابه في طلب ولده ، وكثر التفتيش في المنازل والدور ، وتوقفوا علي قسمة ميراثه ، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين واكثر حتي تبين لهم بطلان الحبل ، فقسم ميراثه بين امه واخيه جعفر ، وادعت امه وصيته ، وثبت ذلك عند القاضي... » (1).
    علي ان السلطة لم تغض النظر علي المدي البعيد ، بل يبقي هاجس الخوف يساورها الي ما بعد 18 سنة من شهادة الامام العسكري عليه السلام ، كما جاء في مجلس احمد بن عبيدالله بن خاقان الذي عقده في شعبان سنة278ه حينما كان عاملا من قبل السلطان علي الخراج والضياع في قم ، وجاء في اخر المجلس : « والسلطان يطلب اثر ولد الحسن بن علي عليه السلام حتي اليوم »(2) وقوي الشر الي اليوم ما انفكت تخشي من اسم المهدي ومن حكومته الموعودة في يوم الخلاص والانعتاق من الظلم والجور الذي غطي انحاء الارض.
    ومهما يكن فان الامام العسكري عليه السلام استطاع اداء التكليف المتعلق به ، وهو التبليغ لولده الحجة عليه السلام بعرضه علي اصحابه والاشهاد علي ولادته والنص

(1) اكمال الدين : 43 ـ المقدمة.
(2) اكمال الدين : 43 ـ المقدمة ـ والمجلس يبدا من ص40 ـ43.



(156)
عليه ، بالقدر الذي تقوم به الحجة علي الناس مع الضمان الكامل لنجاته من تطلب الجهاز الحاكم ، وفيما يلي نقتصر علي ذكر الاشخاص الذين حملهم الامام العسكري عليه السلام مسؤولية حفظ النص علي ولده بالامامة ، او اولئك الذين اثبت عليهم الحجة قولا وعملا بعرض ولده المهدي عليه السلام عليهم ، دون ان نذكر الاحاديث بلفظها كي لايطول المقام.

    أ ـ رواة النص عن الامام العسكري عليه السلام
    لابد من الاشارة اولا الي ان النص علي ظهور الامام المهدي عليه السلام في اخر الزمان جاء في تراث المسلمين متواترا عن النبي صلى الله عليه و اله وقد اثبته مؤلفوا الصاح والمسانيد (1) ، كما روي النص علي الامام المهدي عليه السلام وكونه ابن الحسن العسكري عليه السلام وانه الثاني عشر من ائمة اهل البيت المعصومين ، جملة اصحاب الائمة عليهم السلام جيلا بعد جيل حتي اصبح الاعتقاد بالغيبة من ضروريات مذهب التشيع ، فكان كل واحد من الائمة عليهم السلام مالمعصومين يؤدي دوره الكافي في هذا الاطار ، لتوعية الناس وارشادهم الي هذه العقيدة الكبري ، كما صرحوا بصفات الامام الغائب قبل ولادته ، فاخبروا عن كونه ابن سيدة الاماء ، وانه خفي الولادة معروف النسب ، وان الناس لايرون شخصه ولايحل لهم ذكره باسمه ، واخبروا عن غيبته قبل وقوعها ، وان له غيبتين احداهما اطول من الاخري ، وانه الامام المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ، فيملا الارض قسطا

(1) راجع : المهدي المنتظر عليه السلام في الفكر الاسلامي/السيد ثامر العميدي ـ الاصدار الاول من اصدارات مركز الرسالة.


(157)
وعدلا كما ملئت جورا وظلما (1) ، الي غير ذلك من الصفات التي لاتنطبق الا علي الامام محمد بن الحسن المهدي عليه السلام.
    وجاء دور الامام العسكري عليه السلام ليقع عليه العبء الاكبر في هذا المجال ، باعتباره الوالد المباشر للامام الحجة عليه السلام ، فصرح لبعض اصحابه كما ذكرنا ، وفي فترات متفاوتة من اول الولادة المباركة حتي قبل مضيه بايام قلائل ، بكون ولده محمد عليه السلام هو الامام من بعده والخليفة علي اصحابه ، ومن بين الذين سمعوا النص عنه عليه السلام : احمد بن اسحاق بن سعد الاشعري ، واحمد بن محمد بن عبدالله ، وابوهاشم داود بن القاسم الجعفري ، وابو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعمرو الاهوازي ، وابو غانم الخادم ، ومحمد بن ايوب بن نوح ، ومحمد بن عثمان العمري ، ومحمد بن علي بن بلال ، ومعاوية بن حكيم ، وموسي بن جعفر بن

(1) راجع : اكمال الدين : 256/من باب24 ـ ما روي عن النبي صلى الله عليه و اله في النص علي القائم عليه السلام وانه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ـ الي باب 38ص384 ـ ماروي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم عليه السلام وانه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ، اثبات الوصية : 262 ، اصول الكافي1 : 332 ـ 343 باب فهي النهي عن الاسم ، وباب نادر في حال الغيبة ، وباب في الغيبة ، الارشاد2 : 345 ـ باب ما جاء من النص علي امامة صاحب الزمان الثانى عشر من الائمة صلوات الله عليهم في مجمل ومفصل على البيان ، دلائل الامامة : 529 ـ معرفة ما ورد من الاخبار في وجوب الغيبة ، اعلام الوري2 : 223 ـ الباب الثاني ـ في ذكر النصوص الدالة علي امامته عليه السلام من ابائه ، الي غير ذلك من المصادر وهي كثيرة ولعل اهمهما غيبة النعماني وغيبة الطوسي.


(158)
وهب ، ويعقوب بن منقوش وغيرهم (1).

    ب ـ الذين راوا الامام المهدي في حياة ابيه عليهما السلام
    وعرض الامام العسكري عليه السلام ولده علي بعض اصحابه الذين تقدم ذكرهم وغيرهم من خدم الدار ، ليكون ابلغ في تاكيد الحجة وتبليغ النص ، فتشرف بعضهم برؤيته في يومه الاول ، وبعضهم في اليوم الثالث ، وبعضهم حينما بلغ السنة الثالثة او الخامسة من عمره الشريف ، وكان من بينهم : احمد بن اسحاق بن سعد الاشعري الذي راه في سنته الثالثة ، وحكيمة ابنة الامام محمد الجواد عليه السلام وهي عمة ابيه الامام الحسن العسكري عليه السلام وكانت قابلته ، وحمزة بن ابي الفتح ، وحمزة بن نصر غلام ابي الحسن عليه السلام ، وابو نصر ظريف الخادم ، وجارية ابي علي الخيزراني ، وابو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعمرو الاهوازي ، وابوغانم الخادم ، وكامل بن ابراهيم المدني ، ومارية ونسيم وكانتا

(1) راجع : اصول الكافي1 : 328 ـ باب الاشارة وانص الي صاحب الدار عليه السلام من كتاب الحجة ، اكمال الدين : 384/1 ـ 9 باب 38 ماروي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم عليه السلام وانه الثاني عشر من الائمة عليهم السلام ، وص424/1 ـ 16 باب 42 ماروي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسن بن علي... ، وص434/1 ـ باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه السلام وراه وكلمه ، غيبة الشيخ الطوسي : 229 ـ 251 ـ فصل 2 ، الارشاد2 : 348 ـ باب ما جاء من النص علي امامة صاحب الزمان عليه السلام.... ، اعلام الوري2 : 248 ـ الفصل 3 في ذكر النصوص عليه (صلوات الله عليه) من جهة ابيه الحسن ابن علي عليه السلام خاصة ، بحارالانوار51 : 158/باب 9نص العسكريين (صلوات الله عليهما) علي القائم عليه السلام.


(159)
من خدم الدار ، ويعقوب بن منقوش راه حينما كان خماسيا (1).
    وعرضه عليه السلام قبل مضية بايام قلائل علي اربعين من اصحابه منهم : معاوية ابن حكيم ، ومحمد بن ايوب بن نوح ، ومحمد بن عثمان العمري ، قائلا لهم : « هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم ، اطيعوه ولاتتفرقوا من بعدي في اديانكم فتهلكوا ، اما انكم لاتونه بعد يومكم هذا... » (2).

    3 ـ بيان التكليف في زمان الغيبة
    سبق عن النبي المصطفي صلى الله عليه واله واهل بيته المعصومين عليهم السلام في احاديث كثيرة (3) التاكيد علي الغيبة وحتمية تحققها وضرورة الايمان بها ، وكونها سببا للابتلاء والتمحيص والحيرة ، مما يتطلب مستوي عاليا من الصبر وانتظار الفرج ، للثبات علي الدين ، وتقوية نوازع الاخلاص والاستقامة وقوة الارادة رجاء اليوم الموعود بظهور المصلح والاستخلاف في الارض وتاسيس دولة الحق في اخر الزمان.

(1) راجع المصادر المتقدمة ، واصول الكافي1 : 329 ـ باب في تسمية من راه عليه السلام من كتاب الحجة ، اثبات الوصية : 257 ، الارشاد2 : 351 ـ باب ذكر من راي الامام الثاني عشر عليه السلام ، دلائل الامامة : 505 معرفة من شاهده في حياة ابيه عليه السلام ، اعلام الوري2 : 214فصل 2 في ذكر مولده عليه السلام واسم امه ، وص (218) الفصل 3 في ذكر من راه عليه السلام ، بحار الانوار 52 : 1 ـ باب 18 ذكرمن راه (صلوات الله عليه).
(2) اكمال الدين : 435/2 باب 43 ، الغيبة الشيخ الطوسي : 357/319.
(3) راجع : اصول الكافي1 : 333 ـ باب نادر في حال الغيبة وص335 باب في الغيبة من كتاب الحجة ، ودلائل الامامة : 529 معرفة ما ورد من الاخبار في وجوب الغيبة.



(160)
وسار الامام العسكري عليه السلام في ذلك علي خطي ابائه عليه السلام ، ويمكن تلخيص دوره في هذا الاتجاه بالنقاط التالية :
    أ ) معرفة الحجة رغم طول الغيبة والحيرة ، ففي حديث محمد بن عثمان العمري ، قال : « سمعت ابي يقول : سئل ابومحمد الحسن بن علي عليه السلام وانا عنده عن الخبر الذي روي عن ابائه عليه السلام : ان الارض لا تخلو من حجة الله علي خلقه الي يوم القيامة ، وان من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. فقال عليه السلام : ان هذا حق كماان النهار حق. فقيل له : يابن رسول الله ، فمن الحجة والامام بعدك؟فقال : ابني محمد ، هو الامام والحجة بعدي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، اما ان له غيبة يحار فيها الجاهلون ، ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكاني انظر الي الاعلام البيض تخفق فوق راسه بنجف الكوفة » (1).
    وفي حديث الحسن بن محمد بن صالح البزاز ، قال : « سمعت الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول : ان ابني هو القائم من بعدي ، وهو الذي تجري فيه سنن الانبياء عليهم السلام بالتعمير والغيبة حتي تقسو القلوب لطول الامد ، فلا يثبت علي القول به الا من كتب الله عزوجل في قلبه الايمان وايده بروح منه » (2).
    ب) التحذير من الاختلاف والشك والدعوة الي الثبات علي الدين ، كما جاء في الحديث الذي قدمناه انفا« ولا تتفرقوا من بعدي في اديانكم

(1) اكمال الدين : 409/9 ـ باب 38.
(2) اكمال الدين : 524/4 باب 46 ماجاء في التعمير.