(161)
فتهلكوا » (1).
    وحذر الامام العسكري عليه السلام في اكثر من مناسبة اصحابه من ان تميل بهم الاهواء او تعصف بقلوبهم الفتن لطول الغيبة وشدة الريبة ، واكد علي ضرورة التمسك بالامام من بعده وطاعته ، كما ورد في حديث موسي بن جعفر بن وهب البغدادي ، قال : « سمعت ابا محمد الحسن بن علي عليه السلام يقول : كاني بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف مني ، اما ان المقر بالائمة بعد رسول الله صلى الله عليه و اله المنكر لولدي ، كمن اقر بجميع انبياءالله ورسله ثم انكر نبوة رسول الله صلى الله عليه واله ، والمنكر لرسول الله صلى الله عليه واله كمن انكر جميع انبياء الله؛ لان طاعة اخرنا كطاعة اولنا ، والمنكر لاخرنا كالمنكر لاولنا ، اما ان لولدي غيبة يرتاب فيها الناس الامن عصمه الله » (2). عزوجل
    ورغم هذا فقد اختلف ذوي الريب بعد شهادة الامام العسكري عليه السلام كما ورد في اول الحديث ، ولم يثبت علي الحق الا ثلة مؤيدة برحمة الله ولطفه وعنايته ، كان لها الاثر في حفظ الدين وسلامة المنهج ، وتوقع الامام العسكري عليه السلام ذلك حتي انه حدد تاريخه بالضبط ، كما في حديث ابي غانم ، قال : « سمعت ابا محمد الحسن بن علي عليه السلام يقول : في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي. قال : ففيها قبض ابو محمد عليه السلام وتفرقت الشيعة وانصاره ، فمنهم من انتمي الي جعفر ، ومنهم من تاه ، ومنهم من شك ، ومنهم من وقف علي تحيره ،

(1) اكمال الدين : 435/2 باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه السلام وراه وكلمه.
(2) اكمال الدين : 409/8 باب 38 ماروي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم.



(162)
ومنهم من ثبت علي دينه بتوفيق الله » (1) عزوجل فكان لتحذير الامام عليه السلام من الفرقة وتاكيده علي التمسك بولاية الحجة عليه السلام ، دور فاعل في حفظ الدين وسلامة العقيدة من الزيغ.
    ج) التاكيد علي الصبر وانتظار الفرج في ايام الغيبة لربط الامة بقائدها المنتظر حتي ياذن الله بظهور دولته وانطلاق دعوته ، ومن ذلك ماكتبه الامام العسكري عليه السلام الي ابي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي« عليك باصبر وانتظار الفرج ، قال النبي صلى الله عليه واله : افضل اعمال امتي انتظار الفرج ، ولا تزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه و اله يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، فاصبر يا شيخي يا ابا الحسن علي ، وامر جميع شيعتي بالصبر ، فان الارض لله يورثها من يشاء من عبادة والعاقبة للمتقين... » (2).

    رابعا : رد الشبهات وملاحقة الافكار المنحرفة
    هناك الكثير من الاخبار التي تدل علي ان الامام العسكري عليه السلام كان يتابع بدقة ما يجري علي الساحة الفكرية ، فيلا حق الافكار المنحرفة والشبهات التي تطرح هنا وهناك في مواجهة الفكر الاسلامي الاصيل ، خصوصا تلك التي تعمد الي تهديم الاسس الاسلامية علي المستوي العقائدي او الفقهي ، فكان يواجهها بالحجة والاسلوب العلمى والجدل الموضوعي.

(1) اكمال الدين : 408/6 باب38 ماروي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم.
(2) المناقب/لابن شهر اشوب4 : 459 ، بحارالانوار50 : 317/14.



(163)
أ ـ من ذلك ما نقله ابن شهر اشوب عن ابي القاسم الكوفي في كتاب التبديل : ان اسحاق الكندي (1) ، كان فيلسوف العراق في زمانه ، اخذ في تاليف تناقض القران ، وشغل نفسه بذلك ، وتفرد به في منزله ، فسلط الامام عليه السلام عليه احد طلابه بكلام قاله له ، مما جعله يتوب ويحرق اوراقه.
    وملخص الفكرة التي ابداها الامام عليه السلام للتلميذ ، هي احتمال ان يكون المراد بالايات القرانية غير المعاني التي فهمها وذهب اليها ، باعتبار ان اللغة العربية مرنة متحركة ، فقد يفهم بعض الناس الاكلام علي انه الحقيقة وهو من المجاز ، وقد يفهم ان المراد هو المعني اللغوي والمقصود هو المعني الكنائي.
    وطلب الامام عليه السلام من تلميذ الكندي ان يتلطف في مؤانسة استاذه قبل القاء الاحتمال ، ووصفه عليه السلام بقوله : « انه رجل يفهم اذا سمع ». فصار التلميذ الي الكندي ، والقي اليه ذلك الاحتمال ، فتفكر في نفسه ، وراي ان ذلك محتمل في اللغة ، وسائغ في النظر.
    فقال : « اقسمت عليك الا اخبرتني من اين لك هذا؟فقال : انه شيء عرض بقلبي فاوردته عليك. فقال : كلا ، ما مثلك من اهتدي الي هذا ، ولامن بلغ هذه المنزلة ، فعرفني من اين لك هذا؟فقال : امرني به ابومحمد. فقال : الان جئت به ، وماكان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت. ثم انه دعا بالنار واحرق

(1) كذا ، واسم الكندي اذا اريد به فيلسوف العراق فهو يعقوب بن اسحاق ، وكان معاصرا للامام عليه السلام حيث توفي سنة260هـ ، وقيل : انه هم بان يعمل شيئا مثل القران : ثم اذعن بالعجز...راجع : سير اعلام النبلاء12 : 337/134 ، الاعلام للزركلي8 : 195.


(164)
جميع ما كان الفه » (1).
    وفي هذا الخبر دلالات مهمة جديرة بالذكر :
    1 ـ ان الامام الحسن العسكري عليه السلام كان يتابع حركة الثقافة في زمانه ، وكان يتحرك علي كل الاتجاهات المضادة التي تنطلق في مواجهة الاسلام ، فلم يكن خارج نطاق الواقع الثقافي ، وهذا ينطلق من مسؤولية الامام عن تصحيح المسار الاسلامي في كل ما يمكن ان يعرض عليه من الانحرافات.
    2 ـ يستوحي من هذه القصة انك عندما تريد ان تحاور انسانا وتجادله ، فلا يكن العنف سبيلك الي ذلك ، ولا يكن القلب القاسي وسيلتك الي الانفتاح عليه ، بل حاول ان تتلطف به اولا وان تؤانسه ثانيا ، حاول ان تربح قلبه قبل ان تخاطب عقله ، لان اقرب طريق الي عقل الانسان هوقلبه.
    3 ـ الاسلوب الذي اتبعه الامام عليه السلام في مخاطبة هذا العالم هو الانفتاح علي علمه وتفكيره ، حيث القي اليه الفكرة علي سبيل الاحتمال ليدفعه الي التامل.
    4 ـ ان قول الكندي« لقد علمت انه لايخرج هذا الا من اهل هذا البيت »يدل علي الثقة العلمية العالية التي كان يحملها الفلاسفة والمثقفون في علم اهل البيت عليهم السلام، مما يوحي انهم كانوا قد بلغوا القمة في العلم حتي خضع الاخرون لعلمهم ، وانحنوا لهذا المستوي الكبير من الثقافة.
    ب ـ وهناك حديث اخر يحال الامام العسكري عليه السلام ان يرد فيه بعض الشبهات ، رواه ثقة الاسلام الكليني باسناده عن اسحاق بن محمد النخعي ، قال : « سال الفهفكي ابامحمد عليه السلام : ما بال المراة المسكينة الضعيقة تاخذ سهما

(1) المناقب/لابن شهر اشوب4 : 457.


(165)
واحدا وياخذ الرجل سهمين؟ فقال : ابومحمد عليه السلام : ان المراة ليس عليها جهاد ولانفقة ولاعليها معقلة ، انما ذلك علي الرجال ، فقلت في نفسي : قد كان قيل لي : ان ابن ابي العوجاء سال اباعبدالله عليه السلام عن هذه المسالة ، فاجابه بهذا الجواب ، فاقبل ابومحمد عليه السلام علي. فقال : نعم ، هذه المسالة مسالة ابن ابي العوجاء ، والجواب منا واحدا اذا كان معني المسالة واحدا ، جري لاخرنا ماجري لاولنا ، واولنا واخرنا في العلم سواء ، ولرسول الله صلى الله عليه واله وامير المؤمنين عليه السلام فضلهما » (1).
    ج ـ لقد اثيرت مسالة خلق القران منذ زمان المامون ، وانقسم العلماء فيها الي قسمين ، فمنهم من قال بقدم كلام الله سبحانه ، ومنهم من قال بحدوثه ، مما ادي الي خلق فتنة ومحنة راح ضحيتها الكثير من الاعلام ، وكان جواب الائمة عليهم السلام المعاصرين لتلك المحنة واضحا ، يقوم علي اساس التفريق بين كلام الله تعالي وبين علمه ، فكلامه تعالي محدث وليس بقديم ، قال تعالي : ((ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث)) (2) ، واما علمه فقديم قدم ذاته المقدسة ، وهو من الصفات التي هي عين ذاته.
    ونري بعض امتدادات هذه المسالة في زمان الامام العسكري عليه السلام ، فقد روي عن ابي هاشم الجعفري انه قال : « فكرت في نفسي ، فقلت : اشتهي ان اعلم ما يقول ابومحمد عليه السلام في القران؟فبداني وقال : الله خالق كل شيء ، وما

(1) الكافي7 : 85/2 ـ باب علة كيف صار للذكر سهمان وللانثي سهم ، من كتاب المواريث.
(2) سورة الانبياء : 21/2.



(166)
سواه وفهو مخلوق » (1).
    د ـ تقدمت الاشارة الي ان الامام العسكري عليه السلام تصدي لكشف واحدٍ من اهم وسائل التموية والتلبيس علي اذهان العامة ، حين حاول احد الرهبان تضليل العقول الضعيفة وتشكيكهم في دينهم ، فكشف الامام عليه السلام زيف ذلك الراهب وكذبه وبين وسائل تمويهه ، وذلك في حادثة الاستسقاء الشهيرة التي تواطات علي نقلها الكثر من المصادر (2).
    هـ ـ تصدي الامام العسكري عليه السلام لبعض الاتجاهات العقائدية المنحرفة والفرق الضالة ومنهم الغلاة الذين كانوا في زمانه ، وهم الذين خرجوا عن الجادة ووصفوا الائمة عليهم السلام بصفات الالوهية ، فتبرا اهل البيت عليهم السلام منهم ولعنوهم وحاربوا مقالاتهم الباطلة. ومن هؤلاء ادريس بن زياد الكفر توثائي ، قال : « كنت اقول فيهم قولا عظيما ، فخرجت الي العسكر للقاء ابي محمد عليه السلام ، فقدمت وعلي اثر السفر ووعثاؤه ، فالقيت نفسي علي دكان حمام فذهب بي النوم ، فما انتبهت الا بمقرعة ابي محمد عليه السلام قد قرعني بها حتي استيقظت ، فعرفته فقمت قائما اقبل قدميه وفخذه وهو راكب والغلمان من حوله ، فكان اول ما تلقاني به ان قال : يا ادريس ((بل عباد مكرمون*لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون)) (3). فقلت : حسبي يا مولاي ، وانما جئت اسالك عن هذا. قال :

(1) الثاقب في المناقب : 568/511 ، الخرائج والجرائح2 : 686/6.
(2) راجع اخر الفصل الثاني من هذا الكتاب.
(3) سورة الانبياء : 21/26 ـ 27.



(167)
فتركني ومضي » (1).
    ويبدو من بعض الاخبار ان الامام العسكري عليه السلام كان لايترحم علي الغلاة ولو كانوا من الوالدين ، وذلك لكي يؤدب اصحابه للوقوف بشدة ضد هذه النزعة الهدامة ، فقد نقل الحميري في الدلائل عن ابي سهل البلخي ، قال : « كتب رجل الي ابي محمد يساله الدعاء لوالديه ، وكانت الام غالية ، والاب مؤمنا ، فوقع عليه السلام : رحم الله والدك » (2).
    ومن هؤلاء ايضا الواقفة ، و هم الذين وقفوا علي الامام الكاظم عليه السلام بسبب بعض النوازع المادية ، حيث تجمعت لديهم اموال طائلة من الحقوق المالية في وقت كان فيه الامام عليه السلام في سجن الرشيد ، فطمعوا فيها وادعوا بعد شهادة الامام عليه السلام انه حي لم يمت ، واصبح الوقف تيارا فكريا يتبناه بعض من لم تترسخ لديه مبادئ العقيدة الحقة ، فيقف عند بعض الائمة عليهم السلام. وقد صرح الامام العسكري عليه السلام بالبراءة منهم ، ودعا اصحابه الي ان لايعودوا مرضاهم ولايشهدوا جنائزهم ولايصلوا عليهم.
    و منه مارواه الاربلي والقطب الراوندي بالاسناد عن احمد بن محمد بن مطهر ، قال : « كتب بعض اصحابنا الي ابي محمد عليه السلام من اهل الجبل ، يساله عمن وقف علي ابي الحسن موسي عليه السلام اتولاهم ام اتبرا منهم؟فكتب عليه السلام : اتترحم علي عمك؟لارحم الله عمك. وتبرا منه ، انا الي الله منهم برئ ، فلا تتولاهم ، ولاتعد مرضاهم ، ولاتشهد جنائزهم ، ولاتصل علي احد منهم

(1) المناقب/لابن شهر اشوب4 : 461.
(2) كشف الغمة3 : 306 ، بحار الانوار50 : 294/69.



(168)
مات ابدا.
    من جحد اماما من الله ، او زاد اماما ليست امامته من الله ، كان كمن قال ان الله ثالث ثلاثة ، ان الجاحد امر اخرنا جاحد امر اولنا ، والزائد فينا كالناقص الجاحد امرنا... » (1).
    وروي الكشي بالاسناد عن ابراهيم بن عقبة ، قال : « كتبت الي العسكري عليه السلام : جعلت فداك ، قد عرفت هؤلاءالممطورة ، فاقنت عليهم في الصلاة؟قال عليه السلام : نعم ، اقنت عليهم في صلاتك » (2).
    وتصدي الامام عليه السلام لمقالات الثنوية ، فقد روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن الربيع الشائي ، قال : « ناظرت رجلا من الثنوية بالاهواز ، ثم قدمت سر من راي وقد علق بقلبي شيء من مقالته ، فاني لجالس علي باب احمد بن الخضيب اذ اقبل ابو محمد عليه السلام من دار العامة يوم الموكب ، فنظر الي واشار بسبابته : احد احد فرد ، فسقطت مغشياعلي » (3).
    وادب اصحابه علي عدم الترحم عليهم ولو كانوا ذوي قربي ، فقد نقل الاربلي عن دلائل الحميري بالاسناد عن ابي سهل البلخي ، قال : « كتب رجل يسال الدعاء لوالديه ، وكانت الام مؤمنة ، والاب ثنويا ، فوقع : رحم الله والدتك ، والتاء منقوطة » (4).

(1) رجال الغمة3 : 312 ، بحار الانوار50 : 274/46 عن الخرائج والجرائح.
(2) رجال الكشي2 : 762/875.
(3و4) اصول الكافي1 : 511/20 باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة.



(169)
ووقف الامام العسكري عليه السلام بوجه بعض الوضاعين والصوفية المتصنعين ، وعرف اصحابه بسوء نواياهم ، وامرهم بالبراءة منهم لئلا يفسدوا عقائدهم ، ومنهم عروة بن يحيي الدهقان الذي كان يكذب علي الامام عليه السلام وعلي ابيه من قبله ، ويختلس الاموال التي ترد علي الامام عليه السلام.
    روي الكشي بالاسناد عن محمد بن موسي الهمداني ، قال : « ان عروة بن يحيي البغدادي المعروف بالدهقان (لعنة الله) كان يكذب علي ابي الحسن علي بن محمد ابن الرضا عليه السلام وعلي ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام بعده ، وكان يقتطع امواله لنفسه دونه ، ويكذب عليه حتي لعنه ابومحمد عليه السلام وامر شيعته بلعنه ، ودعا عليه بقطع الاموال لعنه الله » (1).
    وفي المناقب لابن شهر اشوب : « كان عروة الدهقان كذب علي علي بن محمد ابن الرضا ، وعلي ابي محمد الحسن بن علي العسكري بعده ، ثم انه اخذ بعض امواله فلعنه ابومحمد عليه السلام ، فما امهل يومه ذلك وليلته حتي قبض الي النار » (2).
    ومنهم احمد بن هلال العبر تائي ، الذي عده الشيخ الطوسي من الوكلاء المذمومين (3) ، وكان يتظاهر بالتدين والورع والزهد ، ويخفي الانحراف في العقيدة والعمل وسوء الطوية ، فاطلق عليه الامام عليه السلام لفظ (الصوفي المتصنع) وكتب الي اصحابه يحذرهم اياه ويبين سوء سيرته وفساد مذهبه في اكثر من توقيع.
    قال الشيخ الطوسي : « روي محمد بن يعقوب ، قال : خرج الي العمري في

(1) رجال الكشي2 : 842/1086.
(2) المناقب4 : 467.
(3) راجع : الغيبة : 353/313.



(170)
توقيع طويل اختصرناه : ونحن نبرا الي الله تعالي من ابن هلال لارحمه الله ، وممن لايبرا منه ، فاعلم الاسحاقي واهل بلده مما اعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سالك ويسالك عنه » (1).
    وروي الشكي بالاسناد عن ابي حامد احمد بن ابراهيم المراغي ، قال : « ورد علي القاسم بن العلاء نسخة ماكان خرج من لعن ابن هلال ، وكان ابتداء ذلك ان كتب عليه السلام الي قوامه بالعراق : احذروا الصوفي المتصنع.
    قال : وكان من شان احمد بن هلال انه قد كان حج اربعا وخمسين حجة ، عشرون منها علي قدميه ، قال : وكان رواة اصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه ، فانكروا ما ورد في مذمته ، فحملوا القاسم بن العلاء علي ان يراجع في امره ، فخرج اليه : قد كان امرنا نفذ اليك في المتصنع ابن هلال لارحمه الله بما قد علمت ، لم يزل ـ لاغفر الله له ذنبه ولا اقاله عثرته ـ يداخل في امرنا بلا اذن منا ولارضي ، يستبد برايه ، فيتحامي من ديوننا ، لايمضي من امرنا اياه الا بما يهواه ويريد ، ارداه الله في نارجهنم ، فصبرنا عليه حتي بترالله عمره بدعوتنا ، وكنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا ، في ايامه ، لارحمة الله ، وامرناهم بالقاء ذلك الي الخاص من موالينا ونحن نبرا الي الله من ابن هلال لارحمه الله وممن لايبرا منه...الي ان يقول عليه السلام : فانه لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا ، قد عرفوا باننا نفاوضهم سرنا ونحمله اياه اليهم... »الي اخر التوقيع (2).

(1) الغيبة : 353/313.
(2) رجال الكشي2 : 816/1020.



(171)
المبحث الثاني : دوره عليه السلام في التصنيف والتشريع

    اولا : الكتب والرسائل والوصيا
    نسبت الي الامام العسكري عليه السلام عدة كتب ونسخ ومسائل في مجال الاحكام والشرائع والتفسير وغيرها ، كما وصلتنا العديد من كتبه ورسائله ومواعظه ووصاياه ومدونة في مصادر الحديث والرجال المعتبرة ، نذكرها كما يلي :

    أ ـ المصنفات المنسوبة اليه عليه السلام
    1 ـ كتاب عمل ، ولعله يشبه الرسائل العملية في احكام العبادات والمعاملات. روي النجاشي في ترجمة محمد بن احمد بن عبدالله بن مهران بن خانبه الكرخي ، بالاسناد عن الصفواني ، قال : « حدثنا الحسن بن محمد بن الوجناء ، ابو محمد النصيبي ، قال : كتبنا الي ابي محمد عليه السلام ، نساله ان يكتب او يخرج الينا كتابا نعمل به (يعمل به) فاخرج الينا كتاب عمل. قال الصفواني : نسخته ، فقابل به كتاب ابن خانبه زيادة حروف او نقصان حروف يسيرة » (1).
    2 ـ كتاب المقنعة ، قال ابن شهر اشوب : « خرج من عند ابي محمد عليه السلام في سنة خمس وخمسين ومائتين كتاب ترجمة في جهة (2) رسالة المقنعة ، يشتمل علي اكثر علم الحلال والحرام ، واوله : اخبرني علي بن محمد بن موسي. وذكر الحميري في كتاب سماه (المكاتبات الرجال عن العسكريين عليهما السلام) من قطعه ومن

(1) رجال النجاشي : 346/935.
(2) كذا.



(172)
احكام الدين » (1).
    وسماه الشيخ اقا بزرك كتاب المنقبة ، قال : « كتاب المنقبة ، المشتمل علي اكثر الاحكام ومسائل الحلال والحرام ، عن مناقب ابن شهر اشوب ، والصراط المستقيم للبياظي انه تصنيف الامام ابي محمد العسكري عليه السلام ، حكاه الميرزا محمد هاشم في اخر رسالته في (فقه الرضا عليه السلام) وجعل الاحتمال الخامس اتحاده مع هذا الكتاب » (2).
    وفي (اقبال الاعمال) للسيد ابن طاووس عليه السلام عند ذكره اسناد اكثر الادعية اختصاراً ، وهو دعاء وجده يدعي به بين كل وكعتين من نوافل شهر رمضان ، قال : « علي بن عبد الواحد باسناده الي رجاء بن يحيي بن سامان ، قال : خرج الينا من دار سيدنا ابي محمد الحسن بن علي صاحب العسكري سنة خمس وخمسين ومائتين ، فذكر الرسالة المقنعة باسرها... » (3).
    وذكرها النجاشي بنفس العنوان في ترجمة رجاء بن يحيي غير انه يوحي انها للامام الهادي عليه السلام ، قال : « رجاء بن يحيي بن سامان ، ابو الحسين العبرتائي الكاتب ، وروي عن ابي الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليه السلام ، وقيل : ان سبب وصلته كانت به : ان يحيي بن سامان وكل برفع خبر ابي الحسن عليه السلام ، وكان اماميا فحظيت منزلته ، وروي رجاء رسالة تسمي المقنعة في ابواب

(1) كذا ، والظاهر : منه قطعة في احكام الدين. راجع المناقب4 : 457.
(2) الذريعة/اقا بزرك23 : 149/8450.
(3) اقبال الاعمال : 282 ـ الباب التاسع ـ ادعية عقيب كل نافلة من شهر رمضان ـ مؤسسة الاعلمي ـ لبنان.



(173)
الشريعة ، رواها عنه عليه السلام ابوالمفضل الشيباني » (1).
    3 ـ مسائل وجوابات ، رواها عنه عليه السلام محمد بن سليمان بن االحسن بن الجهم بن بكير بن اعين الزراري ، المولود سنة 237ه ، والمتوفي سنة301ه (2).
    4 ـ مسائل رواها عنه محمد بن علي بن عيسي القمي (3).
    5 ـ نسخة رواها عنه عبدان بن محمد الجويني ، ابومعاذ (4).
    6 ـ مسائل له عليه السلام علي يد محمد بن عثمان العمري ، جمعها عبدالله بن جعفر الحميري (5).
    7 ـ مسائل وتوقيعات له عليه السلام ، جمعها ايضا عبدالله بن جعفر الحميري (6).
    8 ـ مسائل كتب بها اليه عليه السلام محمد بن الحسن الصفار القمي (7).
    9 ـ التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه السلام ، وهو يحتوي علي تفسير سورتي الحمد والبقرة مع استطرادات كثيرة ، وقد طبع في طهران مستقلا سنة1268 هـ. ش ، واخري سنة1315 هـ. ش في حواشي تفسير علي بن ابراهيم القمي ، وطبع في قم محققا سنة1409هـ ، بالاعتماد علي نسخ اقدمها المؤرخة سنة886هـ .
    قيل : ان الرجلين اللذين يرويان التفسير عن الامام عليه السلام مجهولا الحال ،

(1) رجال النجاشي : 166/439.
(2) رجال النجاشي : 347/937.
(3) رجال النجاشي : 371/1010.
(4) رجال النجاشي : 304/831.
(5و6) رجال النجاشي : 220/573.
(7) الفهرست/الطوسي : 408/622.



(174)
وان في سنده اضطرابا ، وفي متنه خلط وتعارض وتهافت لايصح نسبتها الي المعصوم عليه السلام.
    من هنا اختلفت كلمة العلماء في صحة صدوره واعتباره وحجيته نفيا واثباتا ، وقد الف الشيخ محمد جواد البلاغي ت1352هـ رسالة في نسبة هذا التفسير ، فصل فيها اوجه الاضطراب والخلط ، وخلص الي كونه موضوعا مكذوبا علي الامام عليه السلام. وجمع الشيخ رضا استادي اقوال العلماء جميعا حول هذا الكتاب سندا ومتنا في مجلة (نورعلم) (1).

    ب ـ رسائله عليه السلام ووصاياه ومواعظه
    نقل المحدثون مزيدا من الرسائل والوصايا والادعية والحكم والمواعظ التربوية والبيانات التفصيلية في تفسير القران وغيرها ، وقد خاطب بها الامام العسكري عليه السلام اصحابه في مختلف ديارالاسلام ، موجها الي الاخلاق الحميدة والصفات الكريمة ، مبينا مفاهيم الاسلام وتعاليمه السامية وعقائده الحقة ، حاثا علي العمل بها ، موضحا احكام الشريعة ومسائل الحلال والحرام ، وفيما يلي نذكر نماذج منها ، او نكتفي بذكرها مع الاشارة الي مظانها.
    1 ـ قصار الحكم والمواعظ ، وهي تجري مجري مواعظ ابائه عليهم السلام في جزالة الفاظها ومتانة اسلوبها وعمق محتواها ، وقد وصف ابن ابي الحديد باب الحكم والمواعظ من نهج البلاغة بقوله : « اعلم ان هذا الباب من كتابنا كالروح من البدن ، والسواد من العين ، وهو الدرة المكنونة التي سائر الكتاب صدفها » (2).

(1) العدد1 ـ السنة الثانية ص 118 ـ 151.
(2) شرح ابن ابي الحديد 18 : 81.



(175)
ومن مواعظ الامام العسكري عليه السلام قوله : « لاتمار فيذهب بهاؤك ، ولاتمازح فيجترا عليك. ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة ، وانما العبادة كثرة التفكر في امر الله. بئس العبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري اخاه شاهدا ، وياكله غائبا ، ان اعطي حسده ، وان ابتلي خانه. الغضب مفتاح كل شر. اقل الناس راحة الحقود. الاشراك في الناس اخفي من دبيب النمل علي المسح الاسود في الليلة المظلمة. اورع الناس من وقف عند الشبهة. اعبد الناس من اقام علي الفرائض. ازهد الناس من تراك الحرام. اشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب. انكم في اجال منقوصة وايام معدودة ، والموت ياتي بغتة. قلب الاحمق في فمه ، وفم الحكيم في قلبه. لايشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض. ماترك الحق عزيز الا ذل ، ولااخذ به ذليل الا عز. جراة الولد علي والده في صغره تدعوا الي العقوق في كبره. من وعظ اخاه سرا فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه. ما اقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلة!اضعف الاعداء كيدا من اظهرعداوته. لايعرف النعم الا الشاكر ، ولايشكر النعمة الا العارف. حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن. اذا نشطت القلوب فاودعوها ، واذا نفرت فودعوها. من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة. السهر الذ للمنام ، والجوع ازيد في طيب الطعام. ان الوصول الي الله عزوجل سفر لايدرك الا بامتطاء الليل. من لم يحسن ان يمنع لم يحسن ان يعطي... » (1) وغيرها من الحكم البليغة والمواعظ الحكيمة التي تجري علي هذا المنوال.

(1) تحف العقول : 360 ـ 363 ، بحار الانوار78 : 370 ـ380 ـ باب29.