(176)
2 ـ كتب اليه عليه السلام بعض بني اسباط كتابا يعرفه اختلاف الشيعة في امامته ، فاجابه بكتاب بين فيه طبقات الناس في الاعتقاد بامامته عليه السلام ، ودعاه الي ان يدع من ذهب يمينا وشمالا من اهل الباطل ، وحذره من الاذاعة وطلب الرئاسة ، وامر اصحابه بتقوي الله واداء الامانة (1).
    3 ـ كتابه عليه السلام الي اهل قم وابة ، اوصاهم فيه بالسير علي هدي اسلافهم في التمسك بمودة اهل البيت عليهم السلام ، باعتبارها منهاج الصدق وسبيل الرشاد ومورد الفائزين (2).
    4 ـ كتابه عليه السلام الي ابي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، اوصاه فيه بالصبر وانتظار الفرج في زمان غيبة ولده الحجة عليه السلام (3) ، وقد تقدم بعضه في المبحث الاول من هذا الفصل.
    5 ـ كتاب طويل كتبه عليه السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري ، يحتوي علي جملة وصايا عقائدية واخلاقية ، اوصي فيه شيعته بطاعة الله ورسوله واولي الامر من عترة النبي المعصومين عليهم السلام ، وبين فيه فرائض الدين ، وبعض الاوامر والنواهي الي وكلائه عليه السلام (4).
    6 ـ كتاب الي شيعته ، فيه وصايا مهمة ، نذكره بنصه لما فيه من جوامع الكلم وجملة مبادئ الاسلام ، قال عليه السلام: « اوصيكم بتقوي الله ، والورع في

(1) تحف العقول : 360 ، بحار الانوار50 : 296/70 عن كشف الغمة3 : 293.
(2) مناقب لابن شهر اشوب4 : 458.
(3) مناقب ابن شهر اشوب4 : 458
(4) تحف العقول : 358 ، رجال الكشي2 : 844/1088 ، بحار الانوار50 : 319/16.



(177)
دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، واداء الامانة الي من ائتمنكم من بر او فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد صلى الله عليه و اله.
    صلوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وادوا حقوقهم ، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه ، وصدق في حديثه ، وادي الامانة ، وحسن خلقه مع الناس ، قيل : هذا شيعي ، فيسرني ذلك.
    اتقوا الله ، وكونوا زينا ، ولاتكونوا شينا ، جروا الينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فانه ما قيل فينا من حسن فنحن اهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك لنا فى كتاب الله ، وقرابة من رسول الله صلى الله عليه و آله و تطهير من الله لايدعيه احد غيرنا الا كذاب. اكثروا ذكرالله ، وذكر الموت ، وتلاوة القران ، والصلاة علي النبي صلى الله عليه واله ، فان للصلاة علي رسول الله صلى الله عليه و آله عشر حسنات ، احفظوا ما وصيتكم به واستودكم الله ، واقرا عليكم السلام » (1).
    7 ـ الصلوات علي النبي والال صلى الله عليه واله ، وهي طويلة ، رواها الشيخ الطوسي بالاسناد عن ابي محمد عبدالله بن محمد العابد ، قال : « سالت مولاي ابا محمد الحسن بن علي عليه السلام في منزله بسر من راي ، سنة خمس وخمسين ومائتين ، ان يملي علي من الصلاة علي النبي واوصيائه عليه وعليهم السلام ، واحضرت معي قرطاسا كثيرا ، فاملي علي لفظا من غير كتاب... » (2).
    8 ـ الادعية والزيارات ، وهي كثيرة ، منها : دعاؤه عليه السلام قبل اصفرار

(1) تحف العقول : 361.
(2) مصباح المتهجد : 399 ـ اعمال الجمعة ـ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت.



(178)
الشمس (1) ، ودعاؤه عند الصباح (2) ، ودعاؤه في القنوت (3) ، ودعاؤه علي موسي بن بغا حينما شكاه اهل قم (4) ، ودعاؤه عقيب كل نافلة من نوافل شهر رمضان (5) ، ودعاؤه عند دخول المسجد (6) ، ودعاؤه للحوائج ، رواه عنه عليه السلام عبدالله بن جعفر الحميري ، وهو دعاء طويل كتبه الي احد اصحابه ، وكان قد ارسل اليه عليه السلام رقعة من الحبس يذكر فيها ثقل الحديد وسوء الحال وتحامل السلطان (7) ، وزيارة امير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير (8) ، والدعاء في يوم ولادة الامام الحسين عليه السلام ، خرج في توقيع منه عليه السلام الي القاسم بن العلاء الهمداني (9) ، وغيرها كثير.

    ثانيا : دوره عليه السلام في التشريع
    لا ريب ان دور الائمة عليهم السلام في تبليغ احكام الشريعة والتحديث والافتاء يختلف بحسب الظروف السياسية المحيطة بهم ، ومقدار الحرية المتاحة لهم ، وقد

(1) مصباح المجتهد : 517 ـ ادعية الساعات.
(2) مهج الدعوات : 277.
(3) مهج الدعوات : 62 ، بحار الانوار85 : 228.
(4) مهج الدعوات : 67 ، بحار الانوار85 : 229/1.
(5) اقبال الاعمال : 282 ـ الباب التاسع ـ ادعية عقيب كل نافلة من نوافل شهر رمضان.
(6) بحار الانوار84 : 27/21 عن جمال الاسبوع للسيد ابن طاوس مسندا عنه.
(7) بحارالانوار102 : 238/5.
(8) بحار الانوار100 : 359/6.
(9) مصباح المتهجد : 826 ـ شعبان.



(179)
ذكرنا ان امامنا العسكري عليه السلام كان رهينة بيد السلطة التي مارست معه اعلي حالات التغييب والاقصاء ، فضلا عن انه كان محكوما بحالة الاحتجاب التي يهيء من خلالها شيعته لزمان الغيبة.
    ورغم هذا وذاك استطاع امامنا الممتحن عليه السلام ان يقدم اسهامات جادة علي طريق الحفاظ علي اصول الشريعة وقيم الرسالة ، وايصال سنن جده المصطفي وابائه الكرام (صلوات الله عليهم) الي قطاعات واسعة من الامة ، وذلك علي يد ثلة من اصحابه ووكلائه وطلاب مدرسته الفقهاء الرواة المنتشرين في طول البلاد وعرضها ، الذين حرصوا علي تبليغ رسالته عليه السلام وايصال كتبه ورسائله ، وهي تحمل الحكام الشريعة وفكرها الاصيل ، الي قواعده في مختلف ديار الاسلام.
    ويمكن ان نتلمس دور الامام عليه السلام في تبليغ احكام الشريعة من خلال النقاط التالية :
    اولا : الرسائل والمسائل التي رواها عنه عليه السلام اصحابه او اخرجها اليهم ، سيما التي تخص احكام الدين وعلم الحلال والحرام ، وقد ذكرناها في اول هذا المبحث...
    ثانيا : ماروي عنه عليه السلام مكاتبة او مشافهة في مجال الاحكام والسنن ، وقد بلغت اكثر من مئة حديث كما في مسنده عليه السلام (1) ، وهي موزعة علي ابواب الفقه وموضوعاته المختلفة.
    وروي عنه العامة حديثا في تحريم الخمر واعتمدوه في بعض مصنفاتهم ،

(1) راجع : مسند الامام العسكري عليه السلام/العطاردي : 239 ـ 280.


(180)
قال سبط ابن الجوزي في ترجمة الامام عليه السلام : « كان عالما ثقة ، روي الحديث عن ابيه عن جده...ومن جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز ، ذكره جدي ابو الفرج في كتابه المسمي (تحريم الخمر) ونقلته من خطه وسمعته يقول »ثم اورد الاسناد من جده الي احمد بن عبدالله السبيعي ، عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، عن ابائه عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و اله، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن اسرافيل ، عن اللوح المحفوظ ، ولفظ الحديث« شارب الخمر كعابد الوثن ».
    قال : « ولما روي جدي هذا الحديث في كتاب (تحريم الخمر) قال : قال ابونعيم الفضل بن دكين : هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة الطاهرة ، ورواه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه واله منهم : ابن عباس ، وابوهريرة ، وانس ، وعبدالله بن ابي اوفي الاسلمي في اخرين » (1).
    ثالثا : تنشئة جيل من اصحابه الرواة والفقهاء والمؤلفين ، ولاريب ان دور الامام عليه السلام وملامح عمله تنكشف من خلال عمل اتباعه المعتمدين ، ويتعمق ذلك بمقدار اشتداد الظروف الداعية الي السرية والاحتجاب.
    وقد حرص الامام العسكري عليه السلام علي الاتصال باقطاب مدرسة ابائه عليه السلام من خلال ممثلية من القيمين والوكلاء المنتشرين في البلدان ، باتباع اسلوب المكاتبة والمراسلة ، وكان عليه السلام يتبع مختلف الوسائل لاضفاء طابع السرية علي الاتصال بهم ، حتي ورد انه عليه السلام كان يضع الكتب في خشبة كانها رجل باب مدورة طويلة ملء الكف ، ويدفعها الي احد الخدم ليوصلها الي العمري ، كما

(1) تذكرة الخواص : 324.


(181)
ورد في رواية داود بن الاسود (1).
    وبالمقابل كان اصحابه يتفانون لاجل اللقاء به ، فاذا حظي احدهم بذلك ، لم تطب نفسه ان يفوته حديثه ولو اضناه العطش ، روي ابن شهر اشوب عن ابي العباس محمد بن القاسم ، قال : « عطشت عند ابي محمد عليه السلام ، ولم تطب نفسي ان يفوتني حديثه ، وصبرت علي العطش وهو يتحدث ، فقطع الكلام وقال : يا غلام اسق اباالعباس ماء » (2).
    وكانوا يدققون في معرفة خطه عليه السلام لتفادي حالة الوضع والتزوير ، فيطلبون منه عليه السلام ان يكتب لهم نموذجا من خطه ، ومنهم احمد بن اسحاق الاشعري القمي ، وكان من خاصته وثقاته ، وموفد القميين الي الامام عليه السلام ، قال : « دخلت علي ابي محمد عليه السلام فسالته ان يكتب لانظر الي خطه فاعرفه اذا ورد ، فقال : نعم ، ثم قال : يا احمد ، ان الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ والقلم الدقيق فلا تشكن ، ثم دعا بالدواة... » (3).
    وكانوا يدفعون كتبهم وما يجب عليهم من الاموال الي الوكلاء الذين يغطون علي عملهم بمختلف الوسائل ، فكان ابوعمرو عثمان بن سعيد العمري يجعلها في جراب السمن وزقاقه ويحملها الي الامام العسكري عليه السلام تقية وخوفا ، وقد قيل له السمان لانه كان يتجر في السمن تغطيه علي هذا الامر (4).

(1) مناقب ابن شهر اشوب4 : 460.
(2) مناقب ابن شهر اشوب4 : 472.
(3) مناقب ابن شهر اشوب4 : 466.
(4) راجع : غيبة الشيخ الطوسي : 354.



(182)
وكان بعضهم يكاتب الامام عليه السلام عن طريق الخدم ، فقد كتب جعفر بن محمد القلانسي كتابا الي الامام العسكري عليه السلام يساله عن مسائل كثيرة ، ودفعه مع محمد بن عبد الجبار الخادم ليوصله اليه عليه السلام... (1).
    ومارس الامام عليه السلام دور التربية والتوجيه والاعداد لخاصة اصحابه وقاعدته المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحية ، لتحصينهم من الانحراف العقائدي والفكري ، وتسليحهم بالفقه والمعرفة ، ونظرة واحدة الي رسائله ووصاياه التي قدمناه بعضها ، تعتبر خير دليل علي متابعة الامام عليه السلام لاصحابه واشرافه علي مختلف شؤونهم.
    وكان من نتائج ذلك الاشراف والتواصل بين الامام عليه السلام وقاعدته ان اكتملت في عصره عليه السلام معالم مدرسة الفقهاء الرواة الذين كانوا يعيشون في اوساط الناس ، وينقلون اليهم الاحكام والسنن والعقائد ، واستوفت تلك المدرسة كل متطلبات المدرسة العلمية من حيث المنهج والمصدر والمادة ، ومهدت بذلك لعهد الغيبة الصغري حيث انبثقت عنها مدرسة الفقهاء المحدثين (2).
    ولغرض الاطلاع علي سعة تلك المدرسة وامتداد مرجعية الامام العسكري عليه السلام ومكانته العلمية ودوره في التشريع ، نذكر بعض اقطاب تلك المدرسة الثقات والمؤلفين وكما يلي :

(1) كشف الغمة 3 : 296 ، بحار الانوار50 : 298.
(2) راجع : تاريخ التشريع الاسلامي/د. عبدالهادي الفضلي : 194 وما بعدها ـ الكتاب الاسلامي ـ 1414 هـ .



(183)

1 ـ الثقات من اصحابه عليه السلام
    استطاعت شريحة واسعة من عشاق مدرسة اهل البيت عليهم السلام التواصل مع الامام العسكري عليه السلام بشتي الوسائل ، فتحملو الرواية عنه ، وبلغوا الفتاوي والاحكام الصادرة عنه ، واسهموا في نشر مبادئ تلك المدرسة.
    وبلغ عدد الرواة عن الامام ابي محمد العسكري عليه السلام (103) كمافي رجال الشيخ الطوسي (1) ، واذا ضممنا اليهم ما ورد في رجال البرقي ومناقب ابن شهر اشوب ومسند الامام العسكري ، وما وقعوا في اسناد الاخبار والتواقيع والمكاتبات ، يكون العدد (216) من عير تكرار ، وهو عدد كبير يدل علي سعة الدور العلمي البارز الذي اضطلع به اصحاب الامام العسكري مع قسوة الظروف المحيطة بعملهم ، ويدل علي سمو المقام المعرفي والمكانة العلمية التي يمثلها الامام العسكري عليه السلام ، لان الرواة كانوا يمثلون اساتذة المجتمع انذاك وليسوا مجرد اشخاص يسالون ويروون.
    ومن الطبيعي ان هذا العدد من الرواة ، لم يكونوا علي نمط واحد في العلم والمعرفة والثقة ، بل هم درجات متفاوته ، وفما يلي نقتصر علي ذكر الثقات منهم ، وهم : ابراهيم بن ابي حفص الكاتب ، ابراهيم بن عبدة النيسابوري ، احمد بن ادريس القمي ، احمد بن اسحاق بن عبدالله الاشعري ، احمد بن الحسن ابن علي بن فضال ، اسحاق بن اسماعيل النيسابوري ، اسحاق بن الربيع الكوفي ، الحسن بن ظريف ، الحسن بن علي بن النعمان ، الحسين بن اشكيب المروزي ، الحسين بن مالك القمي ، حمدان بن سليمان النيسابوري ، دواد بن ابي زيد

(1) راجع : رجال الشيخ : 395 ـ 403.


(184)
النيسابوري ، داود بن القاسم الجعفري ، الريان بن الصلت ، السندي بن الربيع ، علي بن جعفر وكليه عليه السلام ، عبدالله بن جعفر الحميري ، عبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي ، عثمان بن سعيد العمري وكليه عليه السلام ، علي بن بلال ، الفضل بن شاذان النيسابوري ، محمد بن احمد بن جعفر القمي ، محمد بن بلال ، محمد بن الحسن الصفار ، محمد بن الحسين بن ابي الخطاب ، محمد بن الريان بن الصلت ، محمد بن ابي الصهبان ، محمد بن عثمان العمري ، محمد بن علي بن بلال ، محمد بن علي بن محبوب الاشعري القمي ، محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني ، هارون بن مسلم ابن سعدان...
    هؤلاء هم الذين ورد فيهم التوثيق من علماء الرجال ، ولو اردنا ان نذكر كل من ورد فيه مدح من اصحاب الامام العسكري عليه السلام لطال بنا المقام.

    2 ـ المؤلفون من اصحابه عليه السلام
    ومن بين الرواة من اصحابه عليه السلام من اشتغل بالتصنيف في مجال الاحكام والسنن والعقائد وغيرها ، وقد صارت كتبهم منذ ذلك الوقت مصادر يستقي منها العلم ، ومناهل تؤخذ منها المعرفة ، واصولا لمجاميع الحديث التالية لها ، ولايزال بعضها متداولا الي اليوم كبصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار.
    وفيما يلي نذكر اسماء المؤلفين من اصحاب الامام العسكري ، ومن اراد التوسع في معرفة مؤلفاتهم فليرجع الي كتب الرجال ، وهم : ابو اسحاق ابراهيم ابن ابي حفص الكاتب ، ابراهم بن مهزيار الاهوازي ، احمد بن ابراهيم بن اسماعيل الكاتب النديم ، احمد بن ادريس القمي ، احمد بن اسحاق بن عبدالله الاشعري ، احمد بن الحسن بن علي بن فضال ، احمد بن محممد بن سيار السياري ،


(185)
ايوب بن نوح بن دراج النخعي ، الحسن بن ظريف ، الحسن بن علي بن النعمان ، الحسن بن موسي الخشاب ، الحسين بن اشكيب المروزي ، دواد بن ابي زيد النيسابوري ، داود بن القاسم الجعفري ، رجاء بن يحيى بن سامان العبرتائي ، سعد بن عبدالله الاشعري القمي ، ابوسعيد سهل بن زياد الادمي ، ابويحيي سهيل بن زياد الواسطي ، صالح بن ابي حماد الرازي ، عبدالله بن جعفر الحميري ، عبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي الكوفي ، عبدالعظيم بن عبدالله الحسني ، علي بن بلال ، علي بن الحسن بن فضال الكوفي ، علي بن الريان بن الصلت الاشعري القمي ، الفضل بن شاذان ، محمد بن الحسن بن شمون ، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار ، محمد بن الحسين بن ابي الخطاب ، محمد بن عبد الحميد ابن سالم العطار ، محمد بن علي بن عيسي الاشعري القمي ، محمد بن علي بن محبوب ، محمد بن عيسي بن عبيداليقطيني ، موسي بن جعفر البغدادي ، هارون ابن مسلم بن سعدان الكاتب.

    رابعا : تصحيح اصول الحديث
    وقف الامام العسكري عليه السلام علي بعض الاصول الحديثية التي عرضت عليه ، فنظر فيها وتصفحها ، او قرئت عليه ، فقال فيها كلمته ، و منها كتاب يوم وليلة ليونس بن عبدالرحمن ، وكتاب الفضل بن شاذان.
    روي النجاشي بالاسناد عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : « عرضت علي ابي محمد صاحب العسكر عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال لي : تصنيف من هذا؟فقلت : تصنيف يونس مولي الي يقطين. فقال : اعطاه الله


(186)
بكل حرف نورا يوم القيامة » (1). وفي هذا الكلام مالا يخفي من الحث علي سلامة التصنيف في الحديث.
    وعن بورق البوشنجاني ، وكان معروفا بالصدق والصلاح والورع والخير ، قال : « خرجت الي سر من راي ، ومعي كتاب يوم وليلة ، فدخلت علي ابي محمد عليه السلام واريته ذلك الكتاب ، فقلت له : جعلت فداك ، ان رايت ان تنظر فيه ، فلما نظر فيه وتصفحه ورقة ورقة ، قال : هذا صحيح ينبغي ان يعمل به » (2).
    وذكر الكشي ان الفضل بن شاذان عرض كتابه علي الامام العسكري عليه السلام، فتناوله منه ونظر فيه ، فترحم عليه وقال : « اغبط اهل خراسان لمكان الفضل ابن شاذان ، وكونه بين اظهرهم » (3).
    وعن الحسين بن روح : ان ابا محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما ، قد سئل عن كتب بني فضال : فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاي؟فقال صلوات الله عليه : « خذوا بما رووا ، وذروا ماروا » (4).
   
المبحث الثالث : هداية الخلق الي الخالق
    وهذا عطاء فكري اخر ، لكنه يدخل في اطار التاثر بالسيرة العملية للامام العسكري عليه السلام ، المتمثلة بسمو الاخلاق وحسن السمت والهدي والصلاح ، مما له الاثر في هداية واستبصار المترددين والمخالفين ، واخراجهم من ظلمات الجهل

(1) رجال النجاشي : 447/1208 ترجمة يونس بن عبد الرحمن.
(2) رجال الكشي2 : 817/1023 ، وسائل الشيعة27 : 100/33321.
(3) رجال الكشي2 : 820/1027 ، وسائل الشيعة27 : 101/33322.
(4) غيبة الشيخ الطوسي : 390/355.



(187)
والضلال الي نور العلم وصراط الهداية. فقد جاء في الاخباران ابا العلاء صاعد ابن مخلد النصراني (1) ، وزير المعتمد ، اسلم علي يد الامام العسكري عليه السلام بعد ان راي دلالاته وهديه ومكارمه (2).
    كما اسلم علي يده راهب دير العاقول ، فقد ورد ان الامام العسكري عليه السلام اراد مرة ان يفتصد ، فبعث الي بختيشوع الطبيب طالبا ان يرسل اليه اخص اصحابه عنده ليفصده ، فبعث اليه اعلم تلامذته ، وقال له : « قد طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر اليه وهو اعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر ان لاتعترض عليه فيما يامرك به »فوصف له الامام عليه السلام طريقة في الفصد لم يالفها في الطب ، ففصده وقدم له تخت ثياب وخمسين دينارا ، وقال عليه السلام : « خذ هذا واعذرنا وانصرف »فتحير الطالب واستاذه بختيشوع في معرفة ما وصفه الامام عليه السلام في الفصد ، فبعث بخيتشوع تلميذه ومعه كتاب الي راهب دير العاقول ، وكان اعلم النصاري في الطب ، في ذلك الوقت ، فلما قرا الكتاب طلب منه ان يوافي معه الي سامراء ، فوصلوا الي دار الامام عليه السلام وقد بقي من اليل ثلثه ، ومكث عنده عليه السلام الي الصباح ، ثم خرج الراهب وقد رمي بثياب الرهبانية ، ولبس ثيابا بيضا وقد اسلم ، فقال : « خذ بي الان الي دار استاذك ، قال : فصرنا الي دار بختيشوع ، فلما راه بادر يعدو اليه ، ثم قال : ما الذي ازالك عن دينك؟

(1) قال الذهبي في ترجمته : الوزير الكبير ، ابوالعلاء الكاتب ، اسلم ، وكتب للموفق ، ثم وزر للمعتمد ، وهو من نصاري كسكر ، وله صدقات وبر وقيام ليل ، توفي سنة276هـ. سير اعلام النبلاء13 : 326/149.
(2) بحار الانوار50 : 281/57 عن فرج المهموم لابن طاوس.



(188)
قال : وجدت المسيح فاسلمت علي يده. قال : وجدت المسيح؟!قال : او نظيره ، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح ، وهذا نظيره في اياته وبراهينه ، ثم انصرف اليه ولزم خدمته الي ان مات » (1).
    وذكرنا في الفصل الثاني ان الامام العسكري عليه السلام حبس اكثر من مرة ، ونقلت لنا الاخبار كيف كان تاثيره في محيط السجن بحيث انقلب المتصدون لسجنه من بغضه والحقد عليه الي حبه والاخلاص له ، ذلك لان الانسان في السجن يعيش حالة نفيسة صعبة ، لكنهم وجدوه عليه السلام في اعلي درجات الارتباط بالله سبحانه وفي اعمق مواقع الاخلاص لي تعالي.
    روي ثفة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي ، قال : « حبس ابومحمد عليه السلام عند علي بن نارمش ، وهو انصب الناس ، واشدهم علي آل ابي طالب ، وقيل له : افعل به وفعل ، فما اقام عنده الا يوما حتي وضع خديه له ، وكان لايرفع بصره اليه اجلالا واعظاما ، فخرج من عنده وهو احسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولا » (2).
    وهكذا يستسلم السجان للسجين الذي لايملك حولا ولاقوة غير تاثيره الروحي ، فيضع خديه له متذللا خاضعا ، ولايرفع بصره اجلالا وهيبة ، لانه استطاع ان يقلب تفكيره ووجدانه وسلوكه ، فتحول من عدو شديد العداوة الي صديق شديد الصداقة ، بل تحول الي داعية الي الامام عليه السلام.

(1) الخرائج والجرائح1 : 422 ، بحار الانوار50 : 260/21.
(2) اصول الكافي1 : 508/8 ـ باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة.



(189)
وفي رواية بهذا الاتجاه عن علي بن عبد الغفار ، قال : « دخل العباسيون علي صالح بن وصيف ، عندما حبس ابا محمد عليه السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولاتوسع. فقال لهم صالح : وما اصنع به؟!قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه ، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شانكما في امر هذا الرجل؟فقالا له : مانقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا ، وداخلنا مالانملكه من انفسنا ، فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خاسئين » (1).
    اذن فالامام عليه السلام استطاع ان يؤثر فيهما بقوة شخصيته الرحبة ، وبالجو الروحاني الذي لم يجدا مثله ، الامر الذي جعل صالح بن وصيف المتولي لسجن الامام قد اعيته الحيل والوسائل كلها في التاثير علي الامام عليه السلام.
    وامتدت اثار الامام الروحية الي قاعدة واسعة من الناس ، بما فيهم عوائل المتولين للسجن ، فقد روي الشيخ الكليني بالاسناد عن علي بن ممحمد ، عن بعض اصحابنا ، قال : « سلم ابومحمد عليه السلام الي نحرير ، فكان يضيق عليه ويؤذيه ، قال : فقالت له امراته ، ويلك اتق الله ، لاتدري من في منزلك؟وعرفته صلاحه وقالت : اني اخاف عليك منه... » (2).
    هذه هي بعض اثار الامام العسكري عليه السلام في مخالفيه ، فعلينا ان ننفتح عليها لنزداد هديا من هديه ، وعلما من علمه ، ووعيا مما يعطينا من عناصر الوعي.

(1) اصول الكافي1 : 512/23 ـ من نفس الباب المتقدم ، الارشاد2 : 334.
(2) اصول الكافي1 : 513/26 ـ من نفس باب المتقدم.



(190)



(191)
الفصل السابع

شهادة الامام العسكري

    الامام العسكري عليه السلام ينعي نفسه
    ذكرنا ان الامام العسكري عليه السلام كان بصدد تهيئة شيعته لعصر الغيبة ، وكان من جملة افعاله في هذا الاتجاه انه نعي نفسه المقدسة لاصحابه في اكثر من مناسبة ، وكتب كتبا لهم قبل ليلة من وفاته ، كي لايفجاهم الامر ولا يهولهم الاختلاف الحاصل بسبب الانتقال من الامامة الظاهرة الي عصر الامامة الغائبة.
    فقد ورد عن المسعودي : « انه امر ابومحمد عليه السلام والدته بالحج في سنة259 ، وعرفها ما يناله في سنة (260) ، واحضر الصاحب عليه السلام فاوصى اليه ، وسلم الاسم الاعظم والمواريث والسلاح اليه ، وخرجت ام ابي محمد مع الصاحب عليه السلام جميعا الي مكة ، وقبض في شهر ربيع الاخر سنة260هـ ». (1)
    وعن محمد بن ابي الزعفران ، عن ام ابي محمد عليه السلام قالت : « قال لي ابومحمد يوما من الايام : تصيبني في سنة ستين حزازة اخاف ان انكب فيها نكبة ،

(1) اثبات الوصية : 255 ـ 256 ، بحار الانوار50 : 336/13 عن عيون المعجزات مسندا عن احمد بن اسحاق بن مصقلة.