فبرز له عمرو بن جرموز فقتله ، وقيل الاحنف بن قيس ، فقال عمرو بن جرموز في قتله له هذه الابيات :
ثم ان امير المؤمنين عليه السلام استدعى طلحة بن عبيدالله ، فقال له : انما دعوتك يا أبا عبد الله لأذكرك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما سمعته يقول : « اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ »
وانت اول من بايعني ، ثم نكثت بيعتك لي ، وقد قال الله تعالى ( فمن نكث فأنما ينكث على نفسه ) (1) فقال : استغفر الله ، وكان امر الله قدرا مقدورا .
فرجع وهو يقول هذه الابيات (2) :
قال [ المصنف رحمه الله ] :
ثم برز فقتله مروان بن الحكم (1) ، فقال عليه السلام : انا لله وانا إليه راجعون ، والله لقد كنت اكره ان أراه صريعا تحت بطون الكواكب ، والله انه لقد كان كما قال الشاعر : (2)
وروى ابن سليمان ، عن ابن خيثمة قال : قال عبد الملك بن مروان يوما وقد ذكر عثمان وقتل طلحة : ولولا ابي قتله لم يزل في قلبي جرحه الى اليوم .
وقال عبد الملك : سمعت ابي يقول : نظرت الى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه ، فقلت : كيف لي به ؟ فنظرت الى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته ، فأني انظر الى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات .
وروى أبو سهل عن الحسن ، قال : لما رمي طلحة ركب بغلا ، وقال لغلامه :
التمس لي مكانا أدخل فيه . فقال الغلام : ما أدري اين ادخلك . فقال طلحة : وما رأيت كاليوم أضيع من دم شيخ مثلي . وقال الحسن وكان امر الله قدرا مقدورا .
قال الشيخ المفيد : فهذه الاخبار مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبيدالله طريقها من العامة من أوضح طريق ، وسندها اصح اسانيد ، وليس بين فيها اختلاف ، وكل ما يدل ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعو عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية ، وخلافا لمذهب المعتزلة ، وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 383 ، 384 .
قال المسعودي (1) : وذكره ابن ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنين عليه السلام حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنين عليه السلام فوجده [ يخصف نعلا ] (2) ، فقال له : يا أمير المؤمنين !
فقال عليه السلام : « اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يعدوه (3) ، والله لا يبالي عمك [ وقع على الموت ام الموت وقع عليه ] (4) ،
قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلا ] (5) .
فقال عليه السلام : اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يتعداه ، والله لا
ثم انه عليه السلام بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمد بن الحنفية (1) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه [ قوم من الرماة قد نفذت سهامهم ] (2) .
فأتاه عليه السلام وقال له : « لم لا حملت على القوم ؟ » .
قال : لم أجد متقدما [ إلا الرماة ، وقد نفدت سهامهم ] (3) .
فضربه بقائم سيفه ، وقال : [ ما ادركك عرق من ابيك ] (4)
أحمل بين الاسنة ، [ فإن الموت عليك جنة ] (5) ...
فحمل حتى شبك بين الرماح والسهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل علي عليه السلام على القوم .
وطاف بنو ضبة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات (6) :
انظر : تذكرة الخواص : 169 ، البداية والنهاية 9 : 38 .
وكانوا بنو ضبة سبعين رجلا ، فكلما لزم خطام الجمل رجل منهم قطعت يداه (1) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعا ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري .
فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجاد (2) ، قتله عاصم بن الغيث ،
وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي عليه السلام برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 248 .
(2) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 249 ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امتاه مريني بأمرك . قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :
قال [ المصنف رحمه الله ] :
فجاء خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنين عليه السلام ، وقال : جعلت فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :
قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلا (1) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبد الله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشة رضي الله عنه تقول : واثكل اسماء !
فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجبا منه ، فصاح لي ادن مني ولقني الشهادة ، فصرت إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثم التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين .
انظر : مروج الذهب م 2 : 379 .
خل عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا مليا حتى سقطا الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلا الى قتله ، وعبد الله ينادي من تحته :
اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي .
فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعا (1) ، فقال مالك هذه الابيات (2) :
وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال :
فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر .
فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخا كبيرا وطاويا لقتلته وأرحت المسلمين منه . قالت : أوما سمعت قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟
فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثم انشد الشعر .
انظر : بحار الانوار 32 : 191 .
ولما سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنه ، فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف (1) .
فجاء محمد بن ابي بكر رضي الله عنه وادخل يده الى اخته ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لك ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟
يا بني الكرة الكرة ! اصبروا فإني ضامنة لكم الجنة ؛ فحفوا بها من كل جانب واستقدموا بردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع عند الاستسقاء ؛
ثم قالت : ناولوني كفا من تراب ؛ فناولوها ، فحثت به وجوه أصحاب امير المؤمنين عليه السلام وقالت : شاهت الوجوه ! كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأهل بدر ، قال : وجر كعب بن سور بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدماء وتطفي هذه الفتنة فاقتل عليا ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصب اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بالتراب ، قال عليه السلام :
قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرني (1) .
ثم جاء إليها امير المؤمنين عليه السلام بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال :
« يا حميراء ! هل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرك بهذا الخروج علي ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفك الذين أخرجوك من بيتك ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوك !! »
ثم انه عليه السلام أمر اخاها محمدا ان ينزلها في دار آمنة بنت الحارث [ ابن طلحة الطلحات ] ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفه .
قال المسعودي (2) : ثم ان امير المؤمنين عليه السلام بعث عبد الله بن العباس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادة وجلس عليها .
فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السنة المأمور بها بدخولك
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 381 .
فقال : نعم ، لو كنت في البيت الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما دخلت (2) عليك إلا بأذنك ، ولا جلست (3) على رحلك إلا بأمرك ، بعثني امير المؤمنين عليه السلام إليك يأمرك بسرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة .
قالت : أبيت عما قلت ، وخالفت امر من وصفت (4) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، [ فبعثه عليه السلام إليها ثانية ] (5) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي (6)
فأنعمت بالاجابة للامر فجهزها عليه السلام ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسن والحسين واولاده جميعا واخوته وبنو هاشم (7) ، فدخلوا عليها فلما [ ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ] (8) في وجهه عليه السلام ، يا قاتل الاحبة !
فقال عليه السلام : « لو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في هذا البيت » .
وهو يشير الى احد تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، [ وجماعة من بني امية ] (1) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفه ، لما علموا منه عليه السلام ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم .
فقالت عائشة [ بعد كلام بينهما ] (2) : قد صار ما صار ، فأحب الان ان اقيم معك لعلي اسير لقتال عدوك .
فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فسألته ان يؤمن ابن اختها عبد الله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين عليهما السلام في مروان ، فأمنه (3) .
فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كربا ، ووددت اني .
وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي البصرة ، فأنشأت تقول :
مروج الذهب م 2 : 378 .
وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احب ان ابايعك ، واكون في خدمتك !
فقال عليه السلام : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثم نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية .
لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرة كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوما احمر » .
قال المسعودي : ولما توجهت عائشة رضي الله عنه الى المدينة ، بعث امير المؤمنين عليه السلام معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر (1) ، وثلاثين رجلا ، وعشرين امرأة من ذوات الدين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتها (2) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معك علي عليه السلام ؟
قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء (3) ، [ ولكنه بعث معي رجالا انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ،
=
قال [ المصنف رحمه الله ] ؛ ومن كلام امير المؤمنين عليه السلام ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عزوجل واثنى عليه ، صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « اما بعد ، ايها الناس :
ان الله عزوجل ، ذو رحمة واسعة ، ومغفرة دائمة ، وعفو جم ، وعقاب اليم ، قضى ان رحمته وسعت كل شيء ، ومغفرته لأهل طاعته من خلقه ، وبرحمته اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمته وسطواته وعقابه على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهدى والبينات ما ضل الضالون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتم بيعتي ، وظاهرتم على عدوي (2) » . « ( وقمت بالحجة واقلت العثرة ، والزلة من اهل الردة ،
=
فسألتها امي قالت : كيف رايت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدرا من الله تعالى . فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفوعا عليهم ثم قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
انظر : احقاق الحق 2 : 546 .
اما ما زاده المصنف وقد حصرناه ايضا بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام علي عليه السلام الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهم ، فنبهنا عنه » .
فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظن خيرا ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فأن عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محل العفو ، والعفو أحب الى الله عزوجل ، والينا ] (2) .
فقال عليه السلام : « قد عفوت عنكم ، فإياكم والفتنة فأنها اشد من القتل ، فأنكم اول الرعية لنكث البيعة ، وشق عصا هذه الامة » (3) .
ومن كلامه عليه السلام ، لما طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد رحمه الله في ارشاده (1) :
قال امير المؤمنين عليه السلام : « بنا [ تسنمتم ] (2) الشرف ، وبنا [ انفجرتم ] (3) عن السرار ، وبنا اهتديتم في الظلماء ، [ وقر ] (4) سمع لم يفقه الواعية للنبأة كيف يراع من أصمته الصيحة ، ربط جنان لم يفارقه الخفقان ، ما زلت أتوقع بكم عواقب الغدر ، وأتوسمكم بحيلة المغترين ، سترني عنكم جلباب الدين ، وبصرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحق حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تميهون (5) اليوم ،
الحكم وهو متكئ على رجل ، فقال عليه السلام : « أبك جراحة ؟ » . قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتا ! فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : « لا والله ما انت لما بك ميت ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما أحمر » .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 413 .
انظر : الصحاح ـ موه ـ 6 : 225 .
« هذه قريش ، جدعت أنفي ، وشفيت نفسي ؛ لقد تقدمت اليكم (3) احذركم عض السيوف ، فكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، [ فناشدتكم العهد والميثاق ، فتماديتم في الغي والطغيان ، وأبيتم إلا القتال ، فناهضتكم بالجهاد ] (4) .
ولكنّه الحين (5) وسوء المصرع ، فأعوذ بالله من سوء المصرع » .
فمرّ عليه السلام [ بمعبد بن المقداد ] (6) ، فقال عليه السلام :
« رحم الله أبا هذا ، أما إنه لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا » .
فقال عمار بن ياسر : الحمدلله الذي [ رفعك ] (1) يا امير المؤمنين (2) ، وجعل خده الأسفل ، إنا والله يا أمير المؤمنين [ ما نبالي من عند عن الحق من ولد ووالد . فقال أمير المؤمنين ] (3) : « رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا » .
ثم انه عليه السلام مر بعبدالله بن ربيعة بن دراج ، فقال عليه السلام : « هذا البائس ما كان أخرجه ؟ أدين أخرجه أم نصر لعثمان ؟ ! والله ما كان رأى عثمان فيه ولا في [ ابيه ] (4) لحسن » .
ثم إنه عليه السلام مر بمعبد بن زهير بن أبي امية (5) ، فقال عليه السلام : « لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، والله ما كان فيها بذي نحيزة (6) ، ولقد أخبرني من أدركه إنه ليولول فرقا من السيف » .
ثم مر عليه السلام بمسلمة بن قرظة ، فقال عليه السلام : « البر أخرج هذا ! والله لقد كلمني أن أكلم له عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة ، [ فأعطاه
انظر : اسد الغابة 4 : 391 ، الاصابة 3 : 479 | 4327 .
ثم مر عليه السلام بعبدالله بن حميد بن زهير ، فقال عليه السلام : « إن هذا أيضا ممن أوضع في قتالنا ، [ ثم أنه يزعم إنه يطلب رضاء الله بذلك ] (7) ، ولقد كتب إلي كتابا يؤذي عثمان فيه ، فأعطاه شيئا فرضي عنه » .
ثم مر عليه السلام بعبدالله بن حكيم بن حزام ، فقال عليه السلام : « إن هذا قد خالف أباه في الخروج ، وأبوه حيث لم ينصرنا وقد أحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كف وجلس حيث شك في القتال ، وما ألوم اليوم من كف عنا وعن غيرنا ، ولكن [ اللوم على ] (8) الذي قاتلنا » .
ثم مر عليه السلام بعبدالله بن المغيرة بن الأخنس بن [ شريق ] (9) ،
ثم مر عليه السلام [ بعبد الله بن عثمان ] (4) بن الأخنس بن شريق ، فقال عليه السلا م : « وأما هذا فكأني أنظر إليه ، وقد أخذ القوم السيوف هاربا يغدو من الصف ، [ فنهنهت ] (5) عنه فلم يسمع من [ نهنهت ] (6) ، حتى قتل ، وكان هذا مما خفي على فتيان قريش ، أغمار لا علم لهم بالحرب ، خدعوا [ واستزلوا ] (7) ، فلما وقفوا [ وقعوا ] (8) فقتلوا » .
ثم مر عليه السلام [ بكعب بن سور ] (9) ، فقال عليه السلام : ( وأما هذا الذي خرج علينا ، وفي عنقه المصحف ، يزعم أنه ناصر [ أمِّهِ ] (10) ، يدعو الناس الى ما فيه وهو لا يعلم بما فيه ، ثم استفتح [ وخاب كل ] (11) جبار عنيد ، أما
أجلسوا [ كعب بن سور ] (1) فأجلس ، فقال له عليه السلام : « يا كعب ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ » .
ثم قال عليه السلام : « أضجعوه » .
ثم مر عليه السلام بطلحة بن عبيدالله (2) ، فقال عليه السلام : « وأما هذا فهو الناكث لبيعتي ، والمنشئ الفتنة في الأمة ، والمجلب علي ، والداعي إلى قتلي وقتل عترتي » .
اجلسوا [ طلحة بن عبيدالله ] (3) فأجلس ، ثم قال عليه السلام له : « يا طلحة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟! » ثم قال عليه السلام : « أضجعوه » ، فأضجع .
وسار عليه السلام ، فقال له بعض أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تكلم كعبا وطلحة بعد أن قتلا ، فهل يفقهان ما قلت لهما ؟!
فقال عليه السلام : « [ أم ] (4) والله ، إنهما لقد سمعا كلامي ، كما سمع أهل
انظر : مروج الذهب م 2 : 374 .
قال المسعودي : ولما ان من الله تعالى عليه بما هو اهله من الظفر على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعة من اصحابه الى بيت مال المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العين والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غري غيري » (2) .
ثم قال عليه السلام : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ،
فما برح حتى قطعت يداه وطعن فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضرب على رأسه فهلك ؛ فما زال كل من اخذ بخطام الجمل قطعت يداه أو جذ ساقه حتى هلك منهم ثمانمائة رجل ، وقبل ذلك قتل حول الجمل سبعون رجلا من قريش .
مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 349 ، تاريخ الطبري 4 : 518 .
وقال ايضا : ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملا الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !!
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 284 ، 285 .
فكان عدد اصحابه اثني عشر الفا ، وقبض عليه السلام على ما اصابه في معسكرهم ، فباعه وقسمه ايضا عليهم ، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده واهل بيته عن اصحابه بشيء ابدا .
ثم اتاه رجل من اصحابه لم يكن حاضر القسمة ، فقال : يا امير المؤمنين ، اني لم آخذ شيئا لعدم حضوري عند القسمة ، فالسبب الموجب لغيابي عنها هو كيت وكيت ، فأعطاه ما اصابه من القسمة (1) .
ثم توجه عليه السلام الى الكوفة . قال [ المسعودي ] : فقال حين قدومه إليها ؛ بعد ان حمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
« أما بعد ، فالحمد لله الذي نصر وليه ، وخذل عدوه ، وأعز الصادق المحق ، وأذل الكاذب المبطل .
ايها الناس عليكم (2) بتقوى الله حق تقاته ، واطاعة من اطاع الله من اهل بيت نبيكم ، الذين هم أولى بطاعتكم من المنتحلين المدعين القائلين الينا ، يتفضلون بفضلنا ، ويجاحدونا في أمرنا ، وينازعونا حقنا
*
*