فبرز له عمرو بن جرموز فقتله ، وقيل الاحنف بن قيس ، فقال عمرو بن جرموز في قتله له هذه الابيات :

اتيت عليا برأس الزبيـر * ابغي به عنـده الزلفــه
فبشر بالنار يوم الحساب * وبشرت بشارة ذي التحفه
لشتان عندي قتل الزبير * وضرطة نمر بذي الجحفه

مناشدة امير المؤمنين عليه السلام طلحة بن عبيدالله
ثم ان امير المؤمنين عليه السلام استدعى طلحة بن عبيدالله ، فقال له : انما دعوتك يا أبا عبد الله لأذكرك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما سمعته يقول : « اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ »
وانت اول من بايعني ، ثم نكثت بيعتك لي ، وقد قال الله تعالى ( فمن نكث فأنما ينكث على نفسه ) (1) فقال : استغفر الله ، وكان امر الله قدرا مقدورا .
فرجع وهو يقول هذه الابيات (2) :

ندمـت وظــل لحمــي * ولهفي مثل لهف ابي وامي
ندمـت ندامـة الكسعــي * طلبت رضا بني جرم بزعمي

____________
(1) الفتح : 10 .
(2) مروج الذهب م 2 : 374 .

( 139 )

قال [ المصنف رحمه الله ] :
ثم برز فقتله مروان بن الحكم (1) ، فقال عليه السلام : انا لله وانا إليه راجعون ، والله لقد كنت اكره ان أراه صريعا تحت بطون الكواكب ، والله انه لقد كان كما قال الشاعر : (2)
____________
(1) ذكر الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) عدة روايات في قضية مقتل طلحة بن عبيد الله ، قال رحمه الله : وروى اسماعيل بن عبد الملك ، عن يحيى بن شبل ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه عليه السلام ، قال : حدثني ابي علي زين العابدين عليه السلام ، قال : قال لي مروان بن الحكم : لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا ، قلت : والله لادركن ثأري ولافوزن منه الان ، فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف ، فرميته ثانية فجاءت به ، فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات .
وروى ابن سليمان ، عن ابن خيثمة قال : قال عبد الملك بن مروان يوما وقد ذكر عثمان وقتل طلحة : ولولا ابي قتله لم يزل في قلبي جرحه الى اليوم .
وقال عبد الملك : سمعت ابي يقول : نظرت الى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه ، فقلت : كيف لي به ؟ فنظرت الى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته ، فأني انظر الى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات .
وروى أبو سهل عن الحسن ، قال : لما رمي طلحة ركب بغلا ، وقال لغلامه :
التمس لي مكانا أدخل فيه . فقال الغلام : ما أدري اين ادخلك . فقال طلحة : وما رأيت كاليوم أضيع من دم شيخ مثلي . وقال الحسن وكان امر الله قدرا مقدورا .
قال الشيخ المفيد : فهذه الاخبار مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبيدالله طريقها من العامة من أوضح طريق ، وسندها اصح اسانيد ، وليس بين فيها اختلاف ، وكل ما يدل ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعو عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية ، وخلافا لمذهب المعتزلة ، وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 383 ، 384 .
(2) مروج الذهب م 2 : 373 .

( 140 )

فتى كان يدنيه الغنى من صديقـه * إذا مـا هو استغنـى ويبعد الفقر
كــان الثريــا علقت بجبينــه * وفي خده الشعرا وفي جبينه البدر

نشوب القتال بين الفريقين
قال المسعودي (1) : وذكره ابن ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنين عليه السلام حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنين عليه السلام فوجده [ يخصف نعلا ] (2) ، فقال له : يا أمير المؤمنين !
فقال عليه السلام : « اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يعدوه (3) ، والله لا يبالي عمك [ وقع على الموت ام الموت وقع عليه ] (4) ،
قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلا ] (5) .
فقال عليه السلام : اسكت يا ابن اخي ، ان لعمك يوما لا يتعداه ، والله لا
____________
(1) مروج الذهب م 2 : 375 .
(2) في مروج الذهب : يخفق نعاسا على قربوس فرسه .
(3) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب .
(4) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي .
(5) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاسا .

( 141 )

يبالي عمك أوقع على الموت أو الموت وقع عليه .
ثم انه عليه السلام بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمد بن الحنفية (1) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه [ قوم من الرماة قد نفذت سهامهم ] (2) .
فأتاه عليه السلام وقال له : « لم لا حملت على القوم ؟ » .
قال : لم أجد متقدما [ إلا الرماة ، وقد نفدت سهامهم ] (3) .
فضربه بقائم سيفه ، وقال : [ ما ادركك عرق من ابيك ] (4)
أحمل بين الاسنة ، [ فإن الموت عليك جنة ] (5) ...
فحمل حتى شبك بين الرماح والسهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل علي عليه السلام على القوم .
وطاف بنو ضبة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات (6) :
____________
(1) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة 16 للهجرة ، وتوفي سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة .
انظر : تذكرة الخواص : 169 ، البداية والنهاية 9 : 38 .
(2) في مروج الذهب : قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم .
(3) في مروج الذهب : الا على سهم أو سنان ، واني منتظر نفاد سهامهم واحمل .
(4) في مروج الذهب : ادركك عرق من امك .
(5) في مروج الذهب : فإن الموت أحب اليك من .
(6) ذكر المسعودي في مروج الذهب م 2 : 375 ، وطافت بنو ضبة بالجمل واقبلوا يرتجزون ويقولون :

نحن بنو ضبة اصحاب الجمل * ننازل الموت إذا الموت نـزل
ردوا علينا شيخنا ثم بجــل * ننعي ابن عفان بأطراف الاسل
والموت أحلى عندنا من العسل


( 142 )

نحن بنو ضبــة اصحاب الجمل * ردوا علينــا شيخنــا ثم حبل
عثمان ردوه علينا بأطراف الاسل * الموت أحلــى عندنا من العسل

وكانوا بنو ضبة سبعين رجلا ، فكلما لزم خطام الجمل رجل منهم قطعت يداه (1) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعا ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري .
فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجاد (2) ، قتله عاصم بن الغيث ،
____________
(1) قال المسعودي : قطع على خطام الجمل سبعون يدا ، من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلدا مصحفا ، كلما قطعت يد واحد منهم فصرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : انا الغلام الضبي .
وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي عليه السلام برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :

يا امنا أعـق أمٍ نعلـم * والأم تغذو ولدا وترحـم
ألا ترين كم شجاع يكلم * وتحتلـى منه يد ومعصم

انظر : الكامل في التاريخ 3 : 248 .
(2) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 249 ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امتاه مريني بأمرك . قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :

وأشعــث قـوام بآيـات ربــه * قليل الاذى فيما تـرى العين مسلم
هتكت له بالرمــح جيب قميصه * فخر صريعــا لليدين وللفــم
يذكرني حاميم والرمـح شاجــر * فهلا تلا حاميـم قبــل التقـدم
على غير شيء غير ان ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحـق ينــدم


( 143 )

وطلحة بن عبد الله .
قال [ المصنف رحمه الله ] :
فجاء خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنين عليه السلام ، وقال : جعلت فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :

أطعن بها طعن ابيك تحمد * لا خير في الحرب إذ لم توقد
بالمشرفي والقنا المسدد

قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلا (1) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبد الله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشة رضي الله عنه تقول : واثكل اسماء !
____________
(1) ذكر المدائني أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الاذن ، فسألته عن قصته ، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر الى القتلى ، فنظر الى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :

لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم تنصرف إلا ونحن رواء
أطعنا بني تيم لشقوة جدنـا * وما تيـم إلا أعبــد وإماء

فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجبا منه ، فصاح لي ادن مني ولقني الشهادة ، فصرت إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثم التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين .
انظر : مروج الذهب م 2 : 379 .

( 144 )

خل عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا مليا حتى سقطا الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلا الى قتله ، وعبد الله ينادي من تحته :
اقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي .
فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعا (1) ، فقال مالك هذه الابيات (2) :

أعايش لولا أنني كنت طاويا * ثلاثا لالفيت ابن أختك هالكــا
غداة ينادي والرماح تنوشه * كوقع الضياحي اقتلوني ومالكا
فنجاه مني أكله (3) وشبابه * وأني شيخ لم اكن متماسكــا

____________
(1) الكامل في التاريخ 3 : 251 .
(2) ذكره الشيخ المجلسي في بحار الانوار 32 : 192 ، وزاد فيه

فلم يعرفوه إذ دعاهم وغمه * خدب عليه في العجاجة باركا

وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال :
فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر .
فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخا كبيرا وطاويا لقتلته وأرحت المسلمين منه . قالت : أوما سمعت قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟
فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثم انشد الشعر .
انظر : بحار الانوار 32 : 191 .
(3) في الاصل : سيفه والصواب كما ورد في بحار الانوار .

( 145 )

ولما سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنه ، فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف (1) .
فجاء محمد بن ابي بكر رضي الله عنه وادخل يده الى اخته ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لك ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟
____________
(1) قال الشيخ المفيد رحمه الله : ولما رأى أمير المؤمنين عليه السلام جرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك ، نادى أصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ، ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ، ووقف عليه السلام في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم ، واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها ، فانكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة ، واصيب من اصحاب امير المؤمنين نفر كثير ، وأحاطت الازد بالجمل يقدمهم كعب بن سور ، وخطام الجمل بيده ، واجتمع إليه من كان أنفل بالهزيمة ونادت عائشة :
يا بني الكرة الكرة ! اصبروا فإني ضامنة لكم الجنة ؛ فحفوا بها من كل جانب واستقدموا بردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنع عند الاستسقاء ؛
ثم قالت : ناولوني كفا من تراب ؛ فناولوها ، فحثت به وجوه أصحاب امير المؤمنين عليه السلام وقالت : شاهت الوجوه ! كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأهل بدر ، قال : وجر كعب بن سور بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدماء وتطفي هذه الفتنة فاقتل عليا ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصب اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بالتراب ، قال عليه السلام :
« ما رميت إذ رميت يا عائشة ولكن الشيطان رمى وليعودن وبالك عليك إن شاء الله » . انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 328 ، الفتوح م 1 : 484 .

( 146 )

قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرني (1) .
ثم جاء إليها امير المؤمنين عليه السلام بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال :
« يا حميراء ! هل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرك بهذا الخروج علي ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفك الذين أخرجوك من بيتك ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوك !! »
ثم انه عليه السلام أمر اخاها محمدا ان ينزلها في دار آمنة بنت الحارث [ ابن طلحة الطلحات ] ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفه .

[ امير المؤمنين عليه السلام يأمر بأعادة عائشة الى المدينة ]
قال المسعودي (2) : ثم ان امير المؤمنين عليه السلام بعث عبد الله بن العباس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادة وجلس عليها .
فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السنة المأمور بها بدخولك
____________
(1) روى بن ابي سبرة عن علقمه ، عن امه ، قال : سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وانه على هودجي الدروع الحديدية ، والنبل يخلص الي منها وانا في الهودج ، فهون ذلك عليّ ما صنعنا بعثمان ، ألبنا عليه حتى قتلناه ، وجرينا عليه الغواة ، فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 381 .
(2) مروج الذهب م 2 : 376 .

( 147 )

علينا بغير اذن منا ، وجلوسك على رحلنا بغير إذننا (1) !
فقال : نعم ، لو كنت في البيت الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما دخلت (2) عليك إلا بأذنك ، ولا جلست (3) على رحلك إلا بأمرك ، بعثني امير المؤمنين عليه السلام إليك يأمرك بسرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة .
قالت : أبيت عما قلت ، وخالفت امر من وصفت (4) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، [ فبعثه عليه السلام إليها ثانية ] (5) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي (6)
فأنعمت بالاجابة للامر فجهزها عليه السلام ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسن والحسين واولاده جميعا واخوته وبنو هاشم (7) ، فدخلوا عليها فلما [ ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ] (8) في وجهه عليه السلام ، يا قاتل الاحبة !
فقال عليه السلام : « لو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في هذا البيت » .
____________
(1) في مروج الذهب : وجلست على رحلنا بغير امرنا .
(2) في مروج الذهب : دخلنا .
(3) في مروج الذهب : جلسنا .
(4) في مروج الذهب : وخالفت ما من وصفت .
(5) في مروج الذهب : فرده إليها .
(6) في مروج الذهب : وقال : قل لها : ان أبيت عما قلت لك ، ما تعلمين .
(7) في مروج الذهب : وغيرهم وشيعته من همدان .
(8) وفيه ايضا : ابصرت به النسوان صحن .

( 148 )

وهو يشير الى احد تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، [ وجماعة من بني امية ] (1) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفه ، لما علموا منه عليه السلام ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم .
فقالت عائشة [ بعد كلام بينهما ] (2) : قد صار ما صار ، فأحب الان ان اقيم معك لعلي اسير لقتال عدوك .
فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فسألته ان يؤمن ابن اختها عبد الله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين عليهما السلام في مروان ، فأمنه (3) .
فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كربا ، ووددت اني .
____________
(1) سقطت من مروج الذهب .
(2) في مروج الذهب : بعد خطب طويل كان بينهما .
(3) في مروج الذهب م 2 : 378 وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني امية ، وأمن الناس جميعا ، وقد كان نادى يوم الوقعة ، من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن .
وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي البصرة ، فأنشأت تقول :

شهدت الحروب فشيبتني * فلم أر يوما كيوم الجمل
أضر على مؤمن فتنـة * وأقتله لشجـاع بطـل
فليت الظعينة في بيتهـا * وليتـك عسكر لم ترحل

مروج الذهب م 2 : 378 .

( 149 )

لم اخرج هذا المخرج ، ولقد علمت بما قد اصابني فيه .
وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احب ان ابايعك ، واكون في خدمتك !
فقال عليه السلام : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثم نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية .
لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرة كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوما احمر » .
قال المسعودي : ولما توجهت عائشة رضي الله عنه الى المدينة ، بعث امير المؤمنين عليه السلام معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر (1) ، وثلاثين رجلا ، وعشرين امرأة من ذوات الدين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتها (2) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معك علي عليه السلام ؟
قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء (3) ، [ ولكنه بعث معي رجالا انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ،
____________
(1) مروج الذهب م 2 : 379 .
(2) في مروج الذهب : ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال .
(3) في مستدرك احقاق الحق وبالاسناد عن العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة .

=


( 150 )

فسجدت وقالت : ما ازددت والله يابن ابي طالب الا كرما ، ووددت اني لم اخرج ، وان اصابتني كيت وكيت من امور ذكرتها ] (1).
قال [ المصنف رحمه الله ] ؛ ومن كلام امير المؤمنين عليه السلام ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عزوجل واثنى عليه ، صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « اما بعد ، ايها الناس :
ان الله عزوجل ، ذو رحمة واسعة ، ومغفرة دائمة ، وعفو جم ، وعقاب اليم ، قضى ان رحمته وسعت كل شيء ، ومغفرته لأهل طاعته من خلقه ، وبرحمته اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمته وسطواته وعقابه على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهدى والبينات ما ضل الضالون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتم بيعتي ، وظاهرتم على عدوي (2) » . « ( وقمت بالحجة واقلت العثرة ، والزلة من اهل الردة ،
____________

=

فسألتها امي قالت : كيف رايت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدرا من الله تعالى . فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفوعا عليهم ثم قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
انظر : احقاق الحق 2 : 546 .
(1) نص ما ذكره المسعودي في مروج الذهب وقد سقط من النسخة .
(2) الارشاد 1 : 257 ، بحار الانوار 32 : 230 ، « خطبة الامام عليه السلام المحصورة بين الاقواس كما جاء في الارشاد وبحار الانوار » .
اما ما زاده المصنف وقد حصرناه ايضا بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام علي عليه السلام الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهم ، فنبهنا عنه » .

( 151 )

فأستتبت من نكث فيهم بيعتي ، فلم يرجع عما اصر عليه ، فقتل الله تعالى من قتل منهم الناكث ، وولى الدبر الى مصيرهم بشقائهم ، فكانت المرأة عليها اشأم من ناقة الحجر ، فخذلوا وأدبروا دبرا ، فقطعت بهم الاسباب فلما حل بهم ما قدروا سألوني العفو ، فقبلت منهم القول وغمدت عنهم السيف ، واجريت الحق والسنة بينهم ، واستعملت عبد الله بن العباس عليهم ) (1) .
فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظن خيرا ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فأن عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محل العفو ، والعفو أحب الى الله عزوجل ، والينا ] (2) .
فقال عليه السلام : « قد عفوت عنكم ، فإياكم والفتنة فأنها اشد من القتل ، فأنكم اول الرعية لنكث البيعة ، وشق عصا هذه الامة » (3) .
____________
(1) لم تردك تكملة الخطبة في الارشاد أو في بحار الانوار .
(2) في الارشاد : وإن عفوت فالعفو أحب الى الله .
(3) قال الواقدي : ولما فرغ امير المؤمنين عليه السلام من أهل الجمل جاءه قوم من فتيان قريش يسألونه الامان وأن يقبل منهم البيعة ، فأستشفعوا إليه بعبدالله بن عباس ، فشفعه وأمرهم في الدخول عليه ، فلما مثلوا بين يديه قال لهم : « ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ! على أن حكمت فيكم بغير عدل ! أو قسمت بينكم بغير سوية ! أو استأثرت عليكم ! أو تبعدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو لقلة بلاء في الاسلام ! » . فقالوا : يا امير المؤمنين نحن إخوة يوسف عليه السلام فأعف عنا ، واستغفر لنا ، فنظر الى أحدهم فقال له : « من انت ؟ » . قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة ، مقر بالخطيئة ، تائب من ذنبي . فقال عليه السلام : « قد صفحت عنكم » . وتقدم إليه مروان بن

( 152 )

ثم جلس ، فأتاه الناس وبايعوه .

من كلامه عليه السلام حين قتل طلحة وانفض اهل البصرة
ومن كلامه عليه السلام ، لما طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد رحمه الله في ارشاده (1) :
قال امير المؤمنين عليه السلام : « بنا [ تسنمتم ] (2) الشرف ، وبنا [ انفجرتم ] (3) عن السرار ، وبنا اهتديتم في الظلماء ، [ وقر ] (4) سمع لم يفقه الواعية للنبأة كيف يراع من أصمته الصيحة ، ربط جنان لم يفارقه الخفقان ، ما زلت أتوقع بكم عواقب الغدر ، وأتوسمكم بحيلة المغترين ، سترني عنكم جلباب الدين ، وبصرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحق حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تميهون (5) اليوم ،
____________
الحكم وهو متكئ على رجل ، فقال عليه السلام : « أبك جراحة ؟ » . قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتا ! فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : « لا والله ما انت لما بك ميت ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوما أحمر » .
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 413 .
(1) الارشاد 1 : 253 ، بحار الانوار 32 : 236 ح 190 .
(2) في النسخة : اكتسبتم ، والصواب كما جاء في الارشاد .
(3) في النسخة : افتخرتم من السراء .
(4) في النسخة : وقرع .
(5) أماه الحافر يميه : إذا أنبط الماء ووصل إليه عند حفره البئر .
انظر : الصحاح ـ موه ـ 6 : 225 .

( 153 )

نطق لكم العجماء ذات البيان ، عزب فهم امرء تخلف عني ، ما شككت في الحق منذ أريته ] (1) ، كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا اباهم ، وباعوا أخاهم ، وبعد الاقرار كانت توبتهم ، وباستغفار ابيهم واخيهم غفر لهم » .

من كلامه عليه السلام عندما طاف بالقتلى (2)
« هذه قريش ، جدعت أنفي ، وشفيت نفسي ؛ لقد تقدمت اليكم (3) احذركم عض السيوف ، فكنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، [ فناشدتكم العهد والميثاق ، فتماديتم في الغي والطغيان ، وأبيتم إلا القتال ، فناهضتكم بالجهاد ] (4) .
ولكنّه الحين (5) وسوء المصرع ، فأعوذ بالله من سوء المصرع » .
فمرّ عليه السلام [ بمعبد بن المقداد ] (6) ، فقال عليه السلام :
« رحم الله أبا هذا ، أما إنه لو كان حيا لكان رأيه أحسن من رأي هذا » .
____________
(1) في النسخة : رأيته .
(2) انظر : الارشاد 1 : 254 ـ 256 ، بحار الانوار 32 : 207 ح 163 . مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 391 ، 392 ، 394 .
(3) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد .
(4) سقطت من الارشاد .
(5) الحين : الهلاك .
(6) في الاصل : سعيد ، وصوابه كما في الارشاد .

( 154 )

فقال عمار بن ياسر : الحمدلله الذي [ رفعك ] (1) يا امير المؤمنين (2) ، وجعل خده الأسفل ، إنا والله يا أمير المؤمنين [ ما نبالي من عند عن الحق من ولد ووالد . فقال أمير المؤمنين ] (3) : « رحمك الله وجزاك عن الحق خيرا » .
ثم انه عليه السلام مر بعبدالله بن ربيعة بن دراج ، فقال عليه السلام : « هذا البائس ما كان أخرجه ؟ أدين أخرجه أم نصر لعثمان ؟ ! والله ما كان رأى عثمان فيه ولا في [ ابيه ] (4) لحسن » .
ثم إنه عليه السلام مر بمعبد بن زهير بن أبي امية (5) ، فقال عليه السلام : « لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام ، والله ما كان فيها بذي نحيزة (6) ، ولقد أخبرني من أدركه إنه ليولول فرقا من السيف » .
ثم مر عليه السلام بمسلمة بن قرظة ، فقال عليه السلام : « البر أخرج هذا ! والله لقد كلمني أن أكلم له عثمان في شيء كان يدعيه قبله بمكة ، [ فأعطاه
____________
(1) في الارشاد : أوقعه .
(2) سقط من الارشاد .
(3) سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد .
(4) في النسخة : ابنه .
(5) في الاصل ( امية ) ، والصواب هو : معبد بن زهير بن ابي امية بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخي ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
انظر : اسد الغابة 4 : 391 ، الاصابة 3 : 479 | 4327 .
(6) النحيزة : الطبيعة . الصحاح ـ نحز ـ 3 : 898 .

( 155 )

اياه ] (1) ، ثم قال [ لي ] (2) لولا أنت ما اعطيته [ اياه ] (3) ، إن هذا [ ما علمت ] (4) بئس أخو العشيرة ، ثم جاء المشوم للحين (5) ، [ ناصرا يطالب دم عثمان ] » (6) .
ثم مر عليه السلام بعبدالله بن حميد بن زهير ، فقال عليه السلام : « إن هذا أيضا ممن أوضع في قتالنا ، [ ثم أنه يزعم إنه يطلب رضاء الله بذلك ] (7) ، ولقد كتب إلي كتابا يؤذي عثمان فيه ، فأعطاه شيئا فرضي عنه » .
ثم مر عليه السلام بعبدالله بن حكيم بن حزام ، فقال عليه السلام : « إن هذا قد خالف أباه في الخروج ، وأبوه حيث لم ينصرنا وقد أحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كف وجلس حيث شك في القتال ، وما ألوم اليوم من كف عنا وعن غيرنا ، ولكن [ اللوم على ] (8) الذي قاتلنا » .
ثم مر عليه السلام بعبدالله بن المغيرة بن الأخنس بن [ شريق ] (9) ،
____________
(1) في الارشاد : فأعطاه عثمان .
(2) سقطت من الارشاد .
(3) سقطت من الارشاد .
(4) في النسخة الخطية : اما علمت ان هذا ، والصواب كما اثبت من الارشاد .
(5) في النسخة الخطية : لحينه .
(6) في الارشاد : ينصر عثمان .
(7) في الارشاد : زعم يطلب الله بذلك .
(8) في الارشاد : المليم .
(9) سقطت من الارشاد .

( 156 )

فقال عليه السلام : « وأما هذا [ فقتل ابوه ] (1) يوم قتل عثمان [ في الدار ] (2) خرج مغضبا لقتل أبيه ، وهو غلام حدث [ حين قتله ] (3) » .
ثم مر عليه السلام [ بعبد الله بن عثمان ] (4) بن الأخنس بن شريق ، فقال عليه السلا م : « وأما هذا فكأني أنظر إليه ، وقد أخذ القوم السيوف هاربا يغدو من الصف ، [ فنهنهت ] (5) عنه فلم يسمع من [ نهنهت ] (6) ، حتى قتل ، وكان هذا مما خفي على فتيان قريش ، أغمار لا علم لهم بالحرب ، خدعوا [ واستزلوا ] (7) ، فلما وقفوا [ وقعوا ] (8) فقتلوا » .
ثم مر عليه السلام [ بكعب بن سور ] (9) ، فقال عليه السلام : ( وأما هذا الذي خرج علينا ، وفي عنقه المصحف ، يزعم أنه ناصر [ أمِّهِ ] (10) ، يدعو الناس الى ما فيه وهو لا يعلم بما فيه ، ثم استفتح [ وخاب كل ] (11) جبار عنيد ، أما
____________
(1) سقطت من المخطوطة واثبتناها من الارشاد .
(2) سقطت ايضا واثبتناها من الارشاد .
(3) في النسخة : حين قتل ، والصواب كما في الارشاد .
(4) في النسخة الاصلية : عبد الله بن ابي عثمان ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ واثبتت الصواب من الارشاد .
(5) في النسخة الاصلية : فنهيت .
(6) في النسخة كلمة مبهمة ويحتمل من تصحيفات الناسخ .
(7) في النسخة : يستنبزوا .
(8) في النسخة الكلمة غير واضحة واثبتناها من الارشاد .
(9) في النسخة : كعب بن ثور ، وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد .
(10) سقطت من النسخة واثبتت من الارشاد .
(11) في النسخة [ وجاء معه ] وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد .

( 157 )

إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله تعالى » .
أجلسوا [ كعب بن سور ] (1) فأجلس ، فقال له عليه السلام : « يا كعب ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ » .
ثم قال عليه السلام : « أضجعوه » .
ثم مر عليه السلام بطلحة بن عبيدالله (2) ، فقال عليه السلام : « وأما هذا فهو الناكث لبيعتي ، والمنشئ الفتنة في الأمة ، والمجلب علي ، والداعي إلى قتلي وقتل عترتي » .
اجلسوا [ طلحة بن عبيدالله ] (3) فأجلس ، ثم قال عليه السلام له : « يا طلحة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقا ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟! » ثم قال عليه السلام : « أضجعوه » ، فأضجع .
وسار عليه السلام ، فقال له بعض أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تكلم كعبا وطلحة بعد أن قتلا ، فهل يفقهان ما قلت لهما ؟!
فقال عليه السلام : « [ أم ] (4) والله ، إنهما لقد سمعا كلامي ، كما سمع أهل
____________
(1) سقطت من الاصل .
(2) هو طلحة بن عبيدالله بن عثمان بن عبيدالله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهو ابن عم أبي بكر الصديق ، ويكنى ابا محمد ، وأمه الصعبة ، وكانت تحت ابي سفيان بن حرب ، وقتل وهو ابن اربع وستين ، وقيل غير ذلك ، ودفن بالبصرة ، وقبره فيها الى هذه الغالية ، وقبر الزبير بوادي السباع .
انظر : مروج الذهب م 2 : 374 .
(3) سقطت من الاصل .
(4) في النسخة : ايم .

( 158 )

القليب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر » (1) .
قال المسعودي : ولما ان من الله تعالى عليه بما هو اهله من الظفر على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعة من اصحابه الى بيت مال المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العين والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غري غيري » (2) .
ثم قال عليه السلام : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ،
____________
(1) عن محمد بن الحنفية رحمه الله ، قال : فوالله لقد رأيت أول قتيل من القوم كعب بن سور بعد ان قطعت يمينه التي كان الخطام بها ، فأخذه بشماله وقتل بعد ذلك ، وقتل معه أخوه وابناه . ثم اخذ خطام الجمل بعده رجل منهم وهو يقول :

يا امنا عائش لا تراعي * كل بنيك بطل شجاع

فما برح حتى قطعت يداه وطعن فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضرب على رأسه فهلك ؛ فما زال كل من اخذ بخطام الجمل قطعت يداه أو جذ ساقه حتى هلك منهم ثمانمائة رجل ، وقبل ذلك قتل حول الجمل سبعون رجلا من قريش .
مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 349 ، تاريخ الطبري 4 : 518 .
(2) قال الشيخ المفيد ( رضي الله تعالى عنه ) : ورجع طلحة والزبير ، ونزلا دار الاماره ، وغلبا على بيت المال ، فتقدمت عائشة وحملت مالا منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئا كثيرا ، فلما خرجا جعلا على ابوابه الاقفال ، ووكلا به من قبلهما قوما ، فأمرت عائشة بختمه ، فبرز لذلك طلحة يختمه فمنعه الزبير ، وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا ! فبلغ عائشة ذلك فقالت : يختمها عني ابن اختي عبد الله بن الزبير ، فختم يومئذ بثلاثة ختوم .
وقال ايضا : ولما خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملا الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !!
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 284 ، 285 .

( 159 )

فقسموه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة ، فلم يزد درهما ولا نقص درهما !
فكان عدد اصحابه اثني عشر الفا ، وقبض عليه السلام على ما اصابه في معسكرهم ، فباعه وقسمه ايضا عليهم ، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده واهل بيته عن اصحابه بشيء ابدا .
ثم اتاه رجل من اصحابه لم يكن حاضر القسمة ، فقال : يا امير المؤمنين ، اني لم آخذ شيئا لعدم حضوري عند القسمة ، فالسبب الموجب لغيابي عنها هو كيت وكيت ، فأعطاه ما اصابه من القسمة (1) .

ومن كلامه عليه السلام حين قدم الكوفة من البصرة
ثم توجه عليه السلام الى الكوفة . قال [ المسعودي ] : فقال حين قدومه إليها ؛ بعد ان حمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
« أما بعد ، فالحمد لله الذي نصر وليه ، وخذل عدوه ، وأعز الصادق المحق ، وأذل الكاذب المبطل .
ايها الناس عليكم (2) بتقوى الله حق تقاته ، واطاعة من اطاع الله من اهل بيت نبيكم ، الذين هم أولى بطاعتكم من المنتحلين المدعين القائلين الينا ، يتفضلون بفضلنا ، ويجاحدونا في أمرنا ، وينازعونا حقنا
____________
(1) مروج الذهب م 2 : 380 .
(2) في الارشاد : يا اهل هذا المصر .

( 160 )

ويدفعونا عنه ، وقد ذاقوا وبال ما اجترحوا ، فسوف يلقون غيا ، وقد قعد عن نصرتي منكم رجال ، وانا عليهم عاتب زار ، فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبونا ونرى ما نُحِبُّ » (1) .

* * *

____________
(1) الارشاد 1 : 259 ، أمالي المفيد : 127 ، بحار الانوار 32 : 351 ح 334 .