حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: 51 ـ 60
(51)
فاغتسل لصلاة العيد ، وتعمّم بعمامة بيضاء ألقى طرفاً منها على صدره ، وطرفاً منها بين كتفيه ، وأمر مواليه أن يفعلوا مثل ذلك ، وخرج ( عليه السلام ) حافياً وبيده عكّاز وكان لا يسير خطوة إلاّ رفع رأسه فكبّر ، وقد تخيّل إلى الناس أنّ الهواء وحيطان البيوت تجاوبه.
    وكان القوّاد وسائر الناس قد تزيّنوا ولبسوا السلاح وتهيّأوا بأحسن هيئة كما كانوا يفعلون مع ملوكهم ، وواصل الإمام مسيرته بتلك الهيئة التي تعنو لها الجباة ، وقد رفع صوته قائلاً :
    ( الله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا .. ).
    ورفع الناس أصواتهم يدعون بدعائه ، وهم يبكون ، وقد تذكّروا في الإمام ما كان يفعله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبان لهم ضلال أولئك الحكّام وأنّهم على غير الحق ، وصارت مرو ضجّة واحدة ، وسقط القوّاد من دوابهم ويقول بعض المؤرخين أن السعيد منهم من كان يعرف أحداً فيعطيه دابته ليوصلها إلى أهله.
    وكان الإمام إذا سار عشر خطوات وقف فكبّر الله أربعاً ، وتابعه الناس في ذلك ، وقد علا منهم البكاء فقد رأوا في الإمام امتداداً ذاتياً لشخصيّة جدّه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) المحرّر الأكبر للإنسانية المعذّبة ، وقد وصف البحري خروج الإمام إلى الصلاة بقوله :
ذكروا بطلعتك النبي فهلّلوا حتى انتهيت إلى المصلى لابساً ومشيت مشية خاشع متواضع ولو أنّ مشتاقاً تكلّف غير ما لمّا طلعت من الصفوف وكبّروا نور الهدى يبدو عليك فيظهر لله لا يزهو ولا يتكبّر في وسعه لمشى إليك المنبر (1)

1 ـ مناقب آل أبي طالب : ج 4 ص 372.

(52)
     وبلغ المأمون ما عليه الناس من الإكبار والتعظيم للإمام ، فقال له الفضل بن سهل : إن بلغ الرضا المصلّى على هذا الحال افتتن الناس به ، فالرأي أن تسأله أن يرجع ، فأرسل إليه المأمون أن يرجع فرجع الإمام (1).
    هذه بعض البوادر التي ذكرها المؤرّخون لحقد المأمون على الإمام وقد خاف على ملكه وسلطانه فصمّم على اقتراف أخطر جريمة في الإسلام ، وهي تصفية الإمام ( عليه السلام ) جسدياً.

    اغتيال المأمون للإمام :
    ولمّا ضاق المأمون ذرعاً من الإمام عمد إلى اغتياله فاستدعاه وقدّم له عنقوداً من العنب كان قد سمّ بعضه فناوله له وقال : يا بن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا؟ فردّ عليه الإمام :
    ( ربما كان عنب أحسن منه في الجنة ).
    وطلب المأمون من الإمام أن يأكل منه ، فتريّب الإمام ، وقال له : ( تعفيني منه؟ ).
    فنهره المأمون وصاح به :
    ( لابدّ من ذلك ، وما يمنعك منه لعلّك تتهمنا بشيء؟ ).
    وأرغم الإمام على تناوله ، فأكل ثلاث حبّات ، ورمى بالعنقود ، وقد أثّر السم به في الوقت فقام من المجلس ، فقال له المأمون :
    ( إلى أين؟ ).
    فرمقه الإمام بطرفه وقال له بنبرات حزينة مرتعشة :
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 150 ـ 151 ، نور الأبصار : ص 143.

(53)
    ( إلى حيث وجّهتني ـ يعني إلى الموت ـ ) (1).
    وتفاعل السمّ في بدنه ، وأحاطت به آلام الموت ، فأرسل إليه المأمون رسولاً وقال له : قل له : ما توصيني به؟ وعرض على الإمام ذلك فقال ( عليه السلام ) : قل له : ( يوصيك أن لا تعطي أحداً ما تندم عليه ) (2).
    وعرض الإمام بذلك إلى ما أعطاه المأمون له من ولاية العهد وما ألزم به نفسه أمام الله والأمّة ثمّ خلس بعد ذلك ، والتفت الإمام إلى أبي الصلت قائلاً :
    ( يا أبا الصلت قد فعلوها .. ) (3).
    يشير بذلك إلى اغتيال المأمون له ، وأخذ الإمام في تلك الفترة الرهيبة يعاني آلام السم ، فقد تقطّعت أمعاؤه ، وذابت حشاشته إلى جنّة المأوى :
    ودنا الموت سريعاً من الإمام ليخمد تلك الشعلة المشرقة التي أضاءت الحياة الفكرية والاجتماعية في دنيا العرب والإسلام ، وكان الإمام في تلك المحنة الحازبة مشغولاً بذكر الله لم تصدّه عنه آلام الموت ، ولفظ أنفاسه الأخيرة مشفوعة بتوحيد الله وتمجيده ، وقد ارتفعت روحه العظيمة إلى بارئها كما ترتفع أرواح الأنبياء والأوصياء تحفّها ملائكة الله ورضوانه ، لقد ارتفعت روح الإمام إلى الله بعد أن أدّى رسالته الإصلاحية العظيمة في الذبّ عن دين الله ، وحماية مبادئه وأهدافه.

    المأمون ينعى الإمام :
    وكتم المأمون موت الإمام الرضا يوماً وليلة ، ثمّ أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق ( عليه السلام )
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 2 ص 243.
2 ـ عيون التواريخ : ج 3 ، ورقة 227.
3 ـ الإرشاد : ص 355.


(54)
وجماعة من آل أبي طالب ، يأمرهم بالحضور عنده فلمّا مثلوا أمامه نعى إليهم الإمام ، وأظهر لهم الحزن الشديد والأسى العميق وقام معهم إلى جثمان الإمام فأطلعهم عليه وأنّه لم يُضرب بسيف أو يُطعن برمح ثمّ خاطب الجثمان العظيم قائلاً :
    ( يعزّ عليّ يا أخي أن أراك في هذه الحالة ، وقد كنت آمل أن أقدم قبلك فأبى الله إلاّ ما أراد .. ) (1).

    تجهيز الجثمان العظيم :
    وقام المأمون بتجهيز جثمان الإمام فغسله ، وأدرجه في أكفانه وكتب إلى جميع أنحاء خراسان للفوز بتشييعه.
    وهرع الناس بجميع طبقاتهم إلى تشييع جثمان الإمام ، فكان يوماً مشهوداً لم تشهد خراسان بمثله ، وتقدّم المأمون أمام النعش وجعل يخاطب الجثمان ليسمعه الناس قائلاً :
    ( أي المصيبتين عليّ أعظم فقدي إيّاك أم اتّهام الناس لي .. ).

    في مقرّه الأخير :
    وجيئ بالجثمان تحت هالة من التهليل والتكبير ، فواراه المأمون في مقرّه الأخير بجوار هارون الرشيد ، وقد وارى أنصع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أمدّت الناس بعناصر الوعي والفكر .. لقد دفن الإمام في تلك البقعة الطاهرة ، وأصبح مرقده الشريف في خراسان مناراً للكرامة الإنسانية وهو أعزّ حرم وأمنعه في الإسلام ، فما يعرف الناس ضريحاً لولي من أولياء الله له مثل تلك الحشمة والعزّة
1 ـ الإرشاد : ص 355.

(55)
والكرامة ، وقد استشفّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) من وراء الغيب أنّ بعض أوصيائه سيدفن في خراسان فأعلن ذلك ، وذكر ما يحظى به زائره من الكرامة والمثوبة عند الله ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ستدفن بضعة منّي بخراسان ، ما زارها مكروب إلاّ نفّس الله كربته ، ولا مذنب إلاّ غفر الله ذنبه .. ) (1). وقد نظم بعض الشعراء هذا الحديث الشريف ببيتين من الشعر وقد رُسِما على جدران المشهد الشريف وهما :
من سرّه أن يرى قبراً برؤيته فليأت ذا القبر إنّ الله أسكنه يفرّج الله عمّن زاره كربه سلالة من رسول الله منتجبه (2)
    وأثرت عن الإمام الجواد زيارة خاصّة لأبيه هذا نصّها :
    ( السلام عليك من إمام عصيب ، وإمام نجيب ، وبعيد قريب ، ومسموم غريب .. ) (3).

    فضل زيارته :
    وأثرت عن الإمام الجواد عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه وما أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب وهذه بعضها :
    1 ـ روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت محمد بن علي الرضا ( عليه السلام ) يقول : ما زار أبي أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار .. ) (4).
1 ـ الحدائق الوردية : ج 2 ص 219.
2 ـ في أنوار اليقين من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء جاء هذا البيت :
فليأت طوساً فإنّ الله أسكنها سلالة من رسول الله منتجبه
3 ـ حياة الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ص 432.
4 ـ وسائل الشيعة ج 10 ص 437.



(56)
    2 ـ روى عليّ بن أسباط قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) ما لمن زار أباك بخراسان؟ فقال ( عليه السلام ) : الجنة والله الجنة (1).
    3 ـ روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : قلت لأبي جعفر : قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى؟ فقال لي مكانك ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فقال : زوّار أبي عبد الله كثيرون ، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون (2).

    تعازي المسلمين للإمام الجواد :
    وحينما وافا النبأ المؤلم أهالي يثرب بوفاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) هرعوا إلى الإمام الجواد فجعلوا يعزّونه بمصابه الأليم ، ويشاركونه الأسى واللوعة ، كما وفدت من سائر الأقطار وفود كثيرة ، وهي ترفع تعازيها للإمام ، وممّن وفد عليه الشاعر الكبير عبد الله بن أيّوب الخريبي ، وكان من المتّصلين بالإمام الرضا ( عليه السلام ) والمنقطعين إليه ، وقد رفع إلى الإمام الجواد هذه الأبيات الرقيقة :
يا بن الذبيح ويا بن أعراق الثرى يا بن الوصي وصي أفضل مرسل ما لفّ في خرق القوابل مثله يا أيّها الحبل المتين متى أغد أنا عائذ بك في القيامة لائذ لا يسبقني في شفاعتكم غدا طابت أرومته وطاب عروقا أعني النبي الصادق المصدوقا أسد يلفّ مع الخريق خريقا يوماً بعقوبة أجده وثيقا أبغي لديك من النجاة طريقا أحد فلست بحبّكم مسبوقا

1 ـ وسائل الشيعة : ج 10 ص 437.
2 ـ وسائل الشيعة : ج 10 ص 442.


(57)
يا بن الثمانية الأئمّة غربوا إنّ المشارق والمغارب أنتم وأبا الثلاثة شرقوا تشريقا جاء الكتاب بذالكم تصديقا (1)
    كما وفدت عليه جمهرة أخرى من الشيعة وهي ترفع له تعازيها الحارّة وتواسيه بمصابه العظيم.

    حيرة الشيعة :
    وتحيّرت الشيعة كأشدّ ما تكون الحيرة في شؤون الإمامة بعد وفاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فقد كان سنّ الإمام الجواد ست سنين وأشهر (2) ممّا أدّى إلى اضطراب بعضهم ووقوع النزاع في صفوفهم فقد رأى بعضهم أنّ من كان بهذا السن لا يكون إماماً ، وإنّ الإمامة لابدّ أن يتقلّدها الرجل الكبير ، واجتمع فريق من الشيعة في بيت من بيوتهم ، وكان من بينهم الريّان بن الصلت ، ويونس ، وصوفان بن يحيى ، ومحمد بن حكيم وعبد الرحمن بن الحجّاج ، وخاضوا مسألة الإمامة فجعلوا يبكون فقال لهم يونس : دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي ـ يعني الإمام الجواد ـ فردّ عليه الريّان بن الصلت قائلاً :
    ( إن كان أمر من الله جلّ وعلا ، فابن يومين مثل ابن مائة سنة ، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه ، وهذا ممّا ينبغي أن ينظر فيه .. ) (3).
    وكان هذا هو الجواب الحاسم المركّز على الواقع المشرق الذي تذهب إليه
1 ـ مقتضب الأثر : ص 51.
2 ـ في كثير من المصادر أنّ عمر الإمام الجواد كان سبع سنين وأشهر.
3 ـ دلائل الإمامة : ص 250 ، فرق الشيعة : ص 59.


(58)
الشيعة الإمامية من أنّ كبر السن وصغره لا مدخليّة لهما في الترشيح لمنصب الإمامة الذي يضارع منصب النبوّة في أكثر خصوصيّاته ، فإنّ أمرهما بيد الله تعالى فهو الذي يهبهما لمن يختار من عباده.

    وفود الفقهاء والعلماء :
    ووفدت إلى يثرب جمهرة من كبار العلماء والفقهاء وقد انتدبوا من قِبل الأوساط الشيعية في بغداد وغيرها من الأمصار وذلك للتعرّف على معرفة الإمام بعد وفاة الإمام الرضا وكان عددهم فيما يقول المؤرّخون ثمانين رجلاً ، ولما انتهوا إلى يثرب قصدوا دار الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ففرش لهم بساط أحمر ، وخرج إليهم عبد الله ابن الإمام موسى ( عليه السلام ) فجلس في صدر المجلس ، مُضفياً على نفسه المرجعيّة للأمّة وانّه الإمام بعد الإمام الرضا ( عليه السلام ) وقام رجل فنادى بين العلماء : هذا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فمن أراد السؤال فليسأل ، فقام إليه أحد العلماء فسأله : ( ما تقول في رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء؟ .. ).
    فأجابه عبد الله بجواب يخالف فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) قائلاً :
    ( طُلِّقت ثلاثاً دون الجوزاء .. ).
    وذهل العلماء والفقهاء من هذا الجواب الذي شذّ عمّا قرّره الأئمة الطاهرون من أنّ الطلاق يقع واحداً ، ولا نعلم ـ لِمَ استثنى عبد الله الجوزاء عن بقية الكواكب؟
    وانبرى إليه أحد الفقهاء فقال له :
    ( ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ ).
    فأجابه على خلاف ما شرع الله قائلاً :
    ( تقطع يده ، ويجلد مائة جلدة ).
    وبهت الحاضرون ، وضجّ بعضهم بالبكاء من هذه الفتاوى التي خالفت أحكام


(59)
الله ، وحاروا في أمرهم وبينما هم في حيرة وذهول إذ فُتِح باب من صدر المجلس ، وخرج موفق ، ثمّ أطل عليهم الإمام أبو جعفر وهو بهيبته التي تعنو لها الجباه ، وقام الفقهاء والعلماء إجلالاً وإكباراً له ، وانبرى شخص فعرّفهم بأنّه الإمام بعد أبيه ، والحجّة الكبرى على المسلمين فقام إليه صاحب السؤال الأوّل فقال له :
    ( ما تقول : فيمن قال : لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء؟ ) .
    فأجابه الإمام ( عليه السلام ) :
    ( يا هذا اقرأ كتاب الله تبارك وتعالى : ( الطلاّقُ مرَّتانِ فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسانٍ ) وهي في الثالثة .. ).
    وبهر الحاضرون من مواهب الإمام ، وقد أيقنوا أنّهم وصلوا إلى الغاية التي ينشدونها ، ورفع السائل إلى الإمام فتيا عمّه في المسألة فالتفت ( عليه السلام ) إليه قائلاً :
    ( يا عمّ اتّق الله ، ولا تفتِ وفي الأمة من هو أعلم منك .. ) .
    واطرق عبد الله برأسه إلى الأرض ، ولم يدرِ ماذا يقول ، وقام إلى الإمام صاحب المسألة الثانية فقال له :
    ( ما تقول : فيمن أتى بهيمة؟ ).
    فقال ( عليه السلام ) : ( يعزّر ، وتحمى ظهر البهيمة ، وتُخرج من البلد لئلاً يبقى على الرجل عارها ).
    وعرض السائل على الإمام فتوى عمّه ، فأنكر عليه أشدّ الإنكار وقال له متأثّراً :
    ( لا إله إلا الله ، يا عبد الله إنّه لعظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول لك : لِمَ أفتيت عبادي بما لا تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك؟ ).
    وأخذ عبد الله يلتمس له المعاذير قائلاً :
    ( رأيت أخي الرضا ، وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب ) .
    فأنكر عليه الإمام وصاح به :


(60)
    ( إنّما سئل الرضا عن نبّاش نبش امرأة ففجر بها ، وأخذ ثيابها فأمر بقطعه للسرقة ، وجلده للزنا ، ونفيه للمثلة بالميّت ) (1).
    وسأله العلماء والفقهاء عن مسائل كثيرة في مختلف أبواب الفقه ، وقد بلغت فيما يقول المؤرّخون ثلاثين ألف مسألة ، وصرّح بعضهم أنه سئل في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها ( عليه السلام ) (2) ، ونحن لا نتصوّر إمكان ذلك في مجلس واحد ، وذلك لعدم سعة الوقت ، والصحيح إنّه سئل عن ثلاثين ألف مسألة في نوب متفرقة أزمنة متعدّدة.
    وعلى أي حال فقد أيقن العلماء بإمامته ورجعوا إلى أمصارهم وهم يذيعون إمامة الجواد وينقلون إلى المسلمين سعة علومه ومعارفه وانّه المعجزة الكبرى للإسلام حيث انّه بهذا السنّ ، وقد بلغ من العلوم والمعارف ما لا يحدّ ولا يوصف.
    ومن الجدير بالذكر انّ بعض الشيعة كانوا قد سألوا الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن مسائل فأجابهم عنها فخفّوا إلى الإمام الجواد بعد وفاة أبيه ، فسألوه عنها ليمتحنوه في ذلك فأجابهم عنها حسب جواب أبيه ، وقد روى أبو خراش النهدي قال : كنت حضرت مجلس الرضا فأتاه رجل فقال له : جعلت فداك أمّ ولد لي ، وهي صدوق أرضعت جارية لي بلبن ابني أيحرم عليَّ نكاحها؟ فقال ( عليه السلام ) : لا رضاع بعد فطام ، ثمّ سأله عن الصلاة في الحرمين فقال ( عليه السلام ) : إن شئت قصرت وإن شئت أتممت ، قال : فحججت بعد ذلك ، فدخلت على أبي جعفر فسألته عن المسائل فأجابني بعين ما أجاب به أبوه (3). وعلى أي حال فقد رجعت الشيعة إليه ، وقالت بإمامته ، ولم يشذّ أحد منهم ويقول بإمامة غيره.
1 ـ الدرّ النظيم : ورقة 218 من مصورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
2 ـ وسائل الشيعة : ج 18 ص 511 ـ 512.
3 ـ الدرّ النظيم : ورقة 219.
حَيَاةُ الامامِ مُحمَّد الجَواد ( عليه السَّلام ) ::: فهرس