ويبدو أن معاوية لم يهدأ باله ما دام الحسن حياً فتشير بعض المصادر إلى احتمال تحريضه على سمه .
فيروي البلاذري « إنه شرب شربة عسل فمات منها ، ويقال أن معاوية دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن وأرغبها حتى سمته » (1) .
ولما بلغ أهل الكوفة وفاة الحسن بن علي كتبوا إلى الحسين يعزونه بوفاة أخيه « أما بعد فإن من قبلنا من شيعتك متطلعة أنفسهم إليك لا يعدلون بك أحداً وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في دفع الحرب وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك والشدة في أمر الله فإن كنت تحب أن تطلب هذا الأمر فأقدم علينا فقد وطنا أنفسنا على الموت معك ، فكتب إليهم أما أخي فأرجو أن يكون الله قد وفقه وسدده وأما أنا فليس رأي اليوم ذاك ما دام معاوية حياً » (2) .
يظهر من هذا تطور الحال إلى قيام جماعة موالية لآل علي ولكنها غير جادة ، وأنها مستعدة لرد الإمامة إليهم بالثورة . ولكن الحسين لم يستطع إجابة طلبهم حفظاً لعهد أخيه .
ولم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن حتى بايع لابنه يزيد وقد امتنع عن بيعته الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير (3) .
فكانت بيعة يزيد أول نقض لشروط الصلح بين معاوية والحسن ولم يكتفِ معاوية بهذا وإنما نقض الشرط الآخر وهو « أن لا يسيء إلى أصحاب الحسن » . فأمر معاوية عماله « أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وأمر بحرمان كل من عرف منه موالاة علي من العطاء وإسقاطه من الديوان والتنكيل به وهدم داره » (4) .
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 5 آ وذكر ذلك أيضاً اليعقوبي ج 2 ص 200 .
(2) أبو مخنف ( ت170هـ ) : مقتل الحسين ص 6 ، الدينوري : الأخبار الطوال 203 ، اليعقوبي ج 2 ص 203 .
(3) اليعقوبي : ج 2 ص 203 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 5 ص 224 .

( 73 )

وأمر معاوية بلعن علي على المنابر (1) . ونادى مناديه وكتب بذلك إلى عماله « ألا برئت الذمة ممن روى حديثاً في مناقب علي وأهل بيته وقامت الخطباء في كل كورة ومكان على المنابر بلعن علي بن أبي طالب والبراءة منه » (2) .
كما كتب معاوية كتاباً إلى ابن عباس يأمره بالكف عن ذكر مناقب علي وأهل بيته (3) .
وكانت الكوفة مركزاً للشيعة ، وقد لاقى الشيعة الاضطهاد في فترة تولي زياد على الكوفة وكان زياد عامل علي بن أبي طالب على فارس فلما صار الأمر إلى معاوية كتب إليه يتهدده ثم عفا عنه وولاه البصرة والكوفة (4) .
وقد طارد زياد الشيعة وعاملهم بقسوة حتى قيل : « إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن عدي ودعوة زيادة » (5) .
واستمر شيعة علي على إخلاصهم ووفائهم حتى أن معاوية كان يعجب من وفائهم فكان يقول : « والله لوفاؤكم له بعد موته أكثر من إخلاصكم له في حياته » (6) .
وأثارهم معاوية بمختلف الوسائل ولكنهم جابهوه بشدة ووقفوا بوجهه .
ج ـ وقام الشيعة بأول حركة ضد معاوية وهي حركة حجر بن عدي الكندي وأصحابه وكانوا من الناقمين على زياد والي الكوفة ، فأخذ زياد حجراً وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ، وكانت التهمة الموجهة إليهم « أنهم
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 205.
(2) ابن أبي الحديد : شرح النهج ج 3 ص 15 .
(3) اخبار العباس : مؤلف مجهول الورقة 14 آ ويذكر ذلك نقلاً عن سليم بن قيس .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 204 ـ 205 .
(5) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 5 ص 279 .
(6) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج 2 ص 108 .

( 74 )

خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب وزوروا على الولاة فخرجوا بذلك على الطاعة » (1) .
وكتب زياد إلى معاوية « إن طواغيت من هذه الترابية السبأية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين وفارقوا جماعة المسلمين ... » (2) .
وهنا نلاحظ أن زياداً يسمي الشيعة الترابية والسبأية ، فالترابية مأخوذة من كنية علي أبو تراب التي كناه بها النبي وكانت من أحب الكنى له (3) ولكن الأمويين اعتبروها منقصة لعلي فأكثروا من ذكرها .
أما السباية فهم من أصحاب عبد الله بن سبأ ، والسبأية غير الشيعة وحجر وأصحابه من مخلصي الشيعة فلا يمكن عدهم من السبأية .
وقد احتار معاوية في أمر حجر وأصحابه « فأشار عليه زياد أن يقتلهم فقتلهم بمرج عذراء » (4) .
ولكن يبدو ان معاوية ندم بعد قتلهم سيما بعد أن لامته عائشة وكان يقول : « ما أعد نفسي حليماً بعد قتلي حجراً وأصحاب حجر » (5) .
وبعد مقتل حجر وأصحابه سكتت الشيعة خوفاً من الأضطهاد والقتل بعد أن صار شعار الأمويين « لا صلاة إلا بلعن أبي تراب » (6) .
ويمكن أن يفسر سكوتهم بأنهم كانوا يتقون الأمويين ولم تكن لهم طاقة بمواجهتهم ، إلا أن الوضع لم يستمر على هذه الحال .
د ـ ولما توفي معاوية خلفه ابنه يزيد فأمر الوليد بن عتبة واليه على المدينة أن يأخذ له البيعة من أهل المدينة ومن الحسين بن علي وعبد الله ابن الزبير وكان أبوه لم يكرههم على البيعة ، فامتنع الحسين عن البيعة
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 205 ، الطبري : ج 5 ص 253 ـ 270 .
(2) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 5 ص 272 .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ج 2 الورقة 65 ب .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 205 .
(5) اليعقوبي : ج 2 ص 206 .
(6) ن. م ج 2 ص 215 .

( 75 )

وترك المدينة خارجاً إلى مكة (1) .
« وجاءته الرسل من العراق من شيعته تدعوه إلى القدوم فقد اجتمع جماعة من الشيعة في منزل سليمان بن صرد واتفقوا على أن يكتبوا إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم ليسلموا الأمر إليه » (2) .
وكان الحسين بن علي منكراً لصلح الحسن معاوية فلما وقع الصلح دخل جندب بن عبد الله الأزدي والمسيب بن نجبة الغزاري وسليمان بن صرد الخزاعي وسعيد بن عبد الله الحنفي في قصر الكوفة وسلموا عليه فلما رأى سوء حالهم ، تكلم وذكر كراهيته للصلح وقال : « ولكنه أخي عزم علي وناشدني فأطعته كأنما يحزّ أنفي بالمواسي ويشرح قلبي بالمدى ... » (3) .
فيبدو أن الشيعة قد استعدت للقيام بعمل إيجابي أي الثورة بوجه السلطان الأموي .
ولما وردت رسل أهل العراق إلى الحسين تستعجله القدوم « بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين ، أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا إمام لهم غيرك فالعجل العجل والسلام » (4) .
ونلاحظ أن كلمة شيعة هنا لا تستعمل بمفردها وإنما يقال شيعة الحسين التي تدين بموالاة الحسين وإمامته بعد الحسن .
وخرج الحسين إلى مكة ومعه مواليه وبنو أخيه وجميع أهل بيته إلا محمد بن الحنفية وقد نصح الحسين » أن لا يذهب إلا بعد أن يستوثق بيعة الناس له لئلا يختلف عليه الناس فيقتل ويذهب دمه هدراً » (5) .
____________
(1) اليعقوبي ج 2 ص 215 .
(2) الدينوري : الأخبار الطوال ص 229 .
(3) أبو مخنف : مقتل الحسين ص 14 .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 192 .
(5) أبو مخنف : مقتل الحسين ص 14 .

( 76 )

فيظهر من كلام محمد بن الحنيفة أنهم لا زالوا في شك من نصرة أهل العراق لهم بالرغم من كثرة عددهم .
وخرج الحسين قاصداً الكوفة وأرسل قبله مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة ليتأكد من بيعة الناس له فوصل مسلم بن عقيل الكوفة واجتمع إليه خلق كبير من الشيعة وجعلت الشيعة تختلف إليه وهو في دار عروة بن هانيء المذحجي ويبايعون الحسين سراً ومسلم بن عقيل يكتب أسماءهم ويأخذ عليهم العهود أنهم لا ينكثون حتى بايعه ما ينيف على عشرين ألفاً (1) .
وبينما الحسين في طريقه لقي الفرزدق بن غالب الشاعر فسأله عن أمر الناس فقال له الفرزدق : « الخبير سألت ان قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية » (2) .
ونفهم من هذا النص أن الشك كان يحوم حول مدى نصرة أهل الكوفة من شيعة وغيرهم للعلويين .
ثم توالت الأحداث ، فقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وخافت الشيعة ولم تخرج لنصرتهم ولم يعلم الحسين ما حدث إلا بعد وصوله ولم يبق معه غير أهل بيته وعددهم 62 أو 72 رجلاً ، وعمر بن سعد في 4 آلاف (3) .
وقد خير الحسين أهل بيته بين البقاء معه أو الخروج لأن القوم لا يريدون غيره فأبوا وقاتلوا معه حتى قتل وقتلوا (4) .
وهكذا نرى أن حركة التشيع كانت لا تزال متعثرة في طريقها « لأن التشيع في نظر أهل العراق كان مرتبطاً بذكرى حكم علي الذي يمثل زعامة العراق بين الأمصار » (5) .
____________
(1) أبو مخنف : مقتل الحسين ص 28 ـ 29 ، وانظر الخوارزمي : مقتل الحسين ج 1 ص 200 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 20 آ .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 216 .
(4) أبو مخنف : مقتل الحسين ص 61 ـ 62 .
(5) الدوري : مقدمة في صدر الإسلام ص 61 .

( 77 )

وكان لاستشهاد الحسين أثر كبير في نفوس شيعته وقد أغنت هذه الحادثة الأدب العربي بالروائع وألفت الكتب الكثيرة في وصف مقتل الحسين (1) .
وهكذا كان « تبلور الحركة السياسية تحت اسم الشيعة كان بعد مقتل الحسين مباشرة » (2) .
فنلاحظ في أيام الحسين أن كلمة شيعة أصبحت تطلق مفردة فيقال الشيعة ولا يقال شيعة علي أو شيعة الحسين وهذا يعني أن مفهوم الشيعة كجماعة بدأ بالوضوح والتحديد .
ويرى الشيخ المفيد « أن كلمة شيعة إذا دخلت عليها أل التعريف فهي على التخصيص لأتباع أمير المؤمنين (3) .
وسوف يتوضح معنى كلمة شيعة أكثر بحركة التوابين .
هـ ـ ولما قتل الحسين بن علي (سنة61هـ) تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ففزعوا إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة وهم سليمان بن صرد الخزاعي وكانت له صحبة والمسيب بن نجبة الفزاري وكان من خيار أصحاب علي وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبد الله بن وال التيمي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، ثم الفتياني ، فاجتمع هؤلاء في منزل سليمان بن صرد ومعهم ناس من وجوه الشيعة ، فتلاوموا على خذلانهم الحسين واتفقوا على قتل قتلته كما اتفقوا على تولية هذا الأمر « شيخ الشيعة » وصاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد الخزاعي ، وخطب فيهم : « كونوا كتوابي بني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم ، إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم
____________
(1) كتاب اللهوف في قتلى الطفوف : ابن طاووس ( ت664هـ ) ، كتاب مثير الأحزان : ابن نما الحلي ( ت654هـ ) وكتاب مقتل الحسين للخوارزمي ( ت568هـ ) وكتاب عين العبرة في غبن العترة : جمال آل طاووس .
(2) الشيبي : الصلة بين التشيع والتصوف ج 1 ص 17 .
(3) الشيخ المفيد : أوائل المقالات ص 3 .

( 78 )

ذلك خير لكم عند بارئكم » (1) .
وبدأ سليمان بن صرد يبث الرسل إلى الشيعة في المدائن والبصرة (2) .
ويبدو من هذا أن هناك شيعة لعلي في المدائن والبصرة ، وكان ابتداء أمر التوابين سنة 61هـ لكنهم اتفقوا على الخروج سنة 65 هـ وأن يجتمعوا بالنخيلة (3) .
فيظهر أن الشيعة كانوا يستعدون ويتحينون الفرصة المناسبة للطلب بدم الحسين ولكنهم لم يتمكنوا من الظهور زمن يزيد . فلما مات يزيد اجتمعت الشيعة إلى سليمان بن صرد وقالوا : قد مات هذا الطاغية فإن شئت أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبعنا قاتلية فمنعهم من ذلك وطلب منهم أن يصبروا وقال لهم إن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون بدمه ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطلوبون كانوا أشد عليكم ، ثم أوصاهم أن يدعوا إلى أمرهم هذا شيعتهم وغير شيعتهم لأنه قال ، فإني أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه (4) .
فلما كانت سنة 65هـ خرج سليمان إلى النخيلة ونادوا أصحابه يا لثارات الحسين وكان معه ستة عشر ألفاً ، فلما عرض أصحابه وجدهم أربعة آلاف (5) .
وهكذا كانت الشيعة لا تزال حتى في هذه الفترة غير مستقرة إذ ما تبدأ بعمل وتتفق عليه حتى تتفرق متأثرة بتأثيرات مختلفة . وكان نصيب حركة التوابين الفشل (6) .
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 5 ص 204 ـ 206 والرواية عن أبي مخنف وذكر ذلك أيضاً الطبري ج 5 ص 552 مع اختلاف بسيط في الألفاظ .
(2) ن. م ج 5 ص 206 .
(3) ن. م ج 5 ص 206 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 5 ص 558 .
(5) البلاذري : أنساب الأشراف ج 5 ص 207 ـ 208 ، الطبري ج 5 ص 560 .
(6) ن. م ج 5 ص 210 .

( 79 )

ويتضح لنا مما مر من الروايات التاريخية أن الشيعة أصبحت بعد خروج التوابين حزباً سياسياً واضح المفهوم فكان يقال الشيعة وشيخ الشيعة فيعرف مدلولهما (1) .
ولما كانت حركة التوابين دعوة للثأر من قتلى الحسين كان المفروض أن تلاقي تأييداً من كل الشيعة لا سيما بعد أن كثر عدد الشيعة كما رأينا وأن يكتب للحركة النجاح ، لكن الحركة الشيعية قد تعرضت لتأثيرات مختلفة منها تأثير السلطةالأموية ، وأناس عدوا من الشيعة ولكنهم كما يبدو قد جعلوا مصلحتهم الشخصية فوق ما اعتقدوه ، فكل هذه الأمور أدت إلى فشل هذه الحركة بالرغم من كثرة مؤيديها .
و ـ وقد تزعم المختار بن أبي عبيد الثقفي الشيعة المطالبين بثأر الحسين بعد فشل حركة التوابين .
وقد ولد المختار في السنة التي هاجر فيها رسول الله من مكة إلى المدينة وكان مع أبيه حين وجهه عمر بن الخطاب إلى العراق وأقام مع عمه في المدائن وكان والياً عليها من قبل علي بن أبي طالب ، وكان المختار عند الشيعة عثمانياً ، فلما قدم مسلم بن عقيل الكوفة نزل دار المختار وكان فيمن بايع مسلماً سراً (2) .
واختلف الآراء في حركة المختار والمختار نفسه فمنهم من قال أنه دعا للثأر من قتلة الحسين وأن هذا غرضه من الثورة ، ويقال أن المختار لما أراد الذهاب إلى الكوفة أتى ابن الحنفية وأخبره أنه خارج للطلب بدمائهم والانتصار لهم فسكت ابن الحنفية ولم يأمره ولم ينهه ، وقيل أنه قال له اني لأحب أن ينصرنا الله ويهلك من سفك دماءنا ولست آمن بحرب ولا إراقة دم (3) .
أما الدينوري فيرى أن المختار إنما قام بهذه الحركة طلباً لمصلحة
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 5 ص 558 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 5 ص 214 .
(3) ن. م جـ 5 ص 218 ، الطبري ج 5 ص 580 .

( 80 )

شخصية ، فيروى ، قد قيل للمختار يا أبا إسحاق لقد ظن الناس أن قيامك بهذا الأمر دينونة فقال المختار لا لعمري ما كان إلا لطلب دنيا فإني رأيت عبد الملك بن مروان قد غلب على الشام وعبد الله بن الزبير على الحجاز ومصعباً على البصرة ونجده الحروري على العروض وعبد الله بن خازم على خراسان ولست بواحد منهم ولكن ما كنت أقدر على ما أردت إلا بالدعاء إلى الطلب بثار الحسين (1) .
ومن هذا يتبين أن الدعوات التي قامت لنصرة آل البيت لم تكن خالصة في حد ذاتها .
ومهما يكن من أمر فقد قام المختار بحركته فيذكر الدينوري أن المختار جعل يختلف إلى شيعة بني هاشم وهم يختلفون إليه فيدعوهم إلى الخروج معه والطلب بدم الحسين فاستجاب له بشر كثير وأكثر من استجاب له همدان وقوم كثير من أبناء العجم كانوا بالكوفة ، وكان يجتمع بأصحابه سراً (2) .
فالدينوري يورد هنا كلمة شيعة بني هاشم ، وهذا التعبير يدخل ضمنه كل آل الرسول وليس علياً وأولاده فقط ، ثم أن المختار حينما ظهر كان ظهوره للأخذ بثار الحسين وأنه من الشيعة والشيعة أتباع علي وأولاده .
وقد استطاع المختار أن يستغل الظروف المحيطة به فقد ذكر البلاذري أن المختار ثبط الناس عن سليمان بن صرد لأن المختار عندما قدم الكوفة ودعا إلى الطلب بثار الحسين لم يجبه أحد وقال له الناس هذا سليمان شيخ الشيعة وقد أطاعته الشيعة وانقادت له فيقول لهم أن سليمان رجل لا علم له بالحروب وسياسة الرجال وقد جئتكم من قبل المهدي ، يعني ابن الحنفية ، فلم يزل حتى انشعبت له طائفة (3) .
وعندما اجتمعت الشيعة إلى المختار كان يقول أن محمد بن الحنيفة
____________
(1) الدينوري : الأخبار الطوال ص 307 .
(2) ن. م ص 288 .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ج 5 ص 207 ـ 208 الطبري ج 5 ص 560 .

( 81 )

بعثه إليهم « أن المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم أميناً ووزيراً » (1) .
وواضح من هذا أن المختار قد دعا إلى إمامة محمد بن الحنفية (2) . كما أنه كان يلقب محمد بن الحنفية بالمهدي وقد تطورت هذه الفكرة فيما بعد وأصبحت من مبادىء الكيسانية الرئيسية (3) .
ويعلل المسعودي سبب اعتقاد المختار بمحمد بن الحنفية فيقول : « والذي دفع المختار الاعتقاد بإمامة محمد بن الحنفية أنه كتب كتاباً إلى علي بن الحسين السجاد يريده على أن يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته وأنفذ إليه مالاً كثيراً فأبى علي بن الحسين أن يقبل ذلك منه أو يجيبه عن كتابه وسبه على رؤوس الملأ في مسجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأظهر كذبه وفجوره ودخوله على الناس بإظهار الميل إلى آل أبي طالب فلما يئس المختار من علي بن الحسين كتب إلى عمه محمد بن الحنفية يريده على مثل ذلك فأشار عليه علي بن الحسين أن لا يجيبه ، لأن باطنه مخالف لظاهره في الميل إليهم فهو في عداد أعدائهم لا أوليائهم ، ولكن ابن الحنفية سكت عن المختار عملاً بنصحية ابن عباس وخوفاً من ابن الزبير (4) .
ولم يرد هذا الخبر عند أحد غير المسعودي ، وبهذا استطاع المختار إيهام الناس بأنه مرسل من قبل ابن الحنفية . ويذكر ابن سعد أن المختار كان يدعو الناس إلى محمد بن الحنفية فبايعه عدد كبير إلا أنهم شكوا في أمره فأرادوا التأكد من أمره فسألوا محمد بن الحنيفة فأجابهم ابن الحنفية ، « نحن حيث ترون محتسبون وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن بغير حق ولوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه فاخذروا الكذابين وانظروا لأنفسكم ودينكم » (5) .
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 5 ص 218 .
(2) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص 25 ، النوبختي ص 23 .
(3) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص 24 .
(4) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 83 ـ 84 .
(5) ابن سعد : الطبقات ج 5 ص 72 .

( 82 )

فجواب محمد لا يدل على تاييد المختار وكان له تأثير في اضعاف دعوة المختار . ولو تتبعنا سيرة محمد بن الحنيفة فلا نجد ما يشير إلى أنه كان طامعاً في الأمر بعد الحسين وإنما كان ممن أخلص النصح للحسن والحسين وقد أوصى الحسن الحسين به وقال : « يا أخي أوصيك بمحمد أخيك فإنه جلدة ما بين العينين وقال يا محمد أوصيك بالحسين كانفه ووازره » (1) .
واستمر المختار في الطلب بثار الحسين وتتبع قتلته فقتل عبيد الله بن زياد ، وعمير بن الحباب ، وفرات بن سالم ، وشمر بن الجوشن ، وكثير غيرهم (2) .
ولم يدم أمر المختار طويلاً فقد انتهى أمره بقتاله مع ابن الزبير (3) .
وتظهر أهمية حركة المختار في أحداث التطور على الشيعة بظهور فرقة جديدة تقول بإمامة محمد بن الحنفية سميت بالكيسانية (4) .
وقد انقسمت الكيسانية إلى فرق عديدة ، ظهرت نتيجة لحركة المختار وقد اختلف كتاب الفرق في النظر إليها فمنهم من عدها من الشيعة ، ومنهم من عدها من الغلاة وقد اتصلت الكيسانية بالسبأية في بعض مبادئها وتطورت حتى أخرجت الإمامة من أولاد علي إلى أولاد العباس وسنأتي على بيان ذلك في باب الدعوة العباسية .
وقد امتازت هذه الفترة بظهور محمد بن علي بن الحنفية ، ومحمد ابن علي بن عبد الله بن عباس ، وأبي محمد علي بن الحسين .
____________
(1) الدينوري : الأخبار الطوال ص 221 .
(2) ن. م ص 293 .
(3) ن. م ص 293 .
(4) نسبة إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي لأن اسمه كيسان ويكنى أبا عمره ويرى الدينوري أن أبا عمره صاحب شرطة المختار الدينوري ، ص 289 ويذكر الأشعري القمي في المقالات والفرق : أن كيسان غير المختار وأنه مولى لعلي بن أبي طالب ، ( ص 21 ) وانظر :
W.Montgomery watt. Shiism under the Umayyads. Journal of the Royal Asiatic Society
Part. 1,2 1960 London. P . 158 168




( 83 )

فأما محمد بن الحنفية فقد ظهرت حوله دعوات كما مر من دعوة المختار له .
وكان محمد بن عبد الله بن عباس لا يزال في بداية أمره .
أما أبو محمد علي بن الحسين فلم يحاول الاشتراك في الأحداث التي مرت بعد مقتل أبيه الحسين ، وإنما انصرف إلى الزهد وكان يلقب بزين العابدين لشدة ورعه .
وانصرف كذلك إلى مقاومة حركات الغلو التي ظهرت في عصره يدل على ذلك قوله « أيها الناس أحبونا حب الإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً » (1) .
وامتاز عصر الإمام علي بن الحسين بالشدة في معاملة الشيعة خاصة في زمن ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان معروفاً بشدة عدائه للشيعة (2) .
وفي أيام عبد الملك بن مروان مرت على الشيعة فترة هدوء بعدما اشتد الحجاج في معاملتهم فقد ذكر اليعقوبي ، أن عبد الملك أمر الحجاج وقال له : « جنبني دماء آل أبي طالب فإني رأيت آل حرب لما تهجموا لم ينصروا » (3) .
وحينما جاء عمر بن عبد العزيز اتبع مع الشيعة وآل الرسول سياسة مخالفة لمن سبقه ففي زمنه ترك لعن علي بن أبي طالب على المنابر .
وأعطى بني هاشم الخمس ورد فدك وفي ذلك يقول كثير :

وليت فلم تشتم علياً ولم تخف * برياً ولم تتبع مقالة مجرم (4)
____________
(1) الأصبهاني : حلية الأولياء ج 3 ص 136 ، وانظر الصحيفة السجادية لعلي بن الحسين فإنها أصدق دليل على زهده وورعه .
(2) يروى أن رجلاً يقال أنه جد الأصمعي وقف للحجاج فقال : أيها الأمير إن أهلي عفوني فسموني علياً وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وولاه عملاً .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 47 .
(4) اليعقوبي ج 3 ص 48 .

( 84 )

وفي أيام عمر بن عبد العزيز ابتدأ أمر الشيعة العباسية التي دعت إلى أولاد العباس مستغلين فترة الهدوء وحسن معاملة عمر بن عبد العزيز واستمر الحال هكذا حتى ظهور زيد بن علي بن الحسين .
ز ـ وقد ظهر زيد بن علي وهو أخو محمد بن علي بن الحسين الباقر في زمن هشام بن عبد الملك فأقدمه هشام واتهمه أنه يطلب الخلافة وهو لا يستحقها لأنه ابن أمة ، وكانت مناقشات ثم أمر هشام بإخراج زيد خوفاً من لسانه (1) . وقد اختلفت المصادر التاريخية في زمن خروج زيد ، فالدينوري يذكر أن زيداً خرج سنة 118 هـ (2) .
أما البلاذري فيرى أن زيداً خرج في زمن الباقر وأنه لم يجد التأييد لحركته من الشيعة التي قالت بإمامة محمد الباقر (3) .
ولكن الباقر كما تذكر المصادر الإمامية وبعض المصادر التاريخية أنه توفي ما بين سنة 114 هـ ـ 117 هـ فيكون زيد قد خرج بعد وفاة الباقر أي في عصر الإمام جعفر الصادق (4) .
أما اليعقوبي فيذكر أن زيداً خرج سنة 121 هـ (5) .
والطبري يرى أن زيداً قتل سنة 121هـ. أو 122 هـ على اختلاف الروايات (6) .
وعلى أية حال فالأرجح أن زيداً ثار سنة 121 هـ أي في عصر الإمام الصادق .
وكانت الشيعة في زمن زيد أكثر من جماعة منهم الذين قالوا بإمامة محمد بن الحنفية وأولاده وأخرجوا الإمامة إلى محمد بن علي بن عبد الله
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 65 .
(2) الدينوري : الأخبار الطوال ص 344 .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 22 آ .
(4) انظر الكليني ج 1 ص 479 ابن رستم دلائل الإمامة ص 94 ، اليعقوبي ج 3 ص 384 .
(5) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 391 .
(6) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 7 ص 180 .

( 85 )

ابن العباس ، وهؤلاء الشيعة العباسية فقد ذكر صاحب أخبار العباس قال : « سمعت أباهاشم يقول : قال لي محمد بن علي : قد اظلكم خروج رجل من أهل بيتي بالكوفة يغتر في خروجه كما غر غيره فيقتل ضيعة ويصلب فحذر الشيعة قبلكم منه » (1) .
وقد حذر بكير بن ماهان أتباعه من زيد وأصحابه قال : « إني أعلم ما تعلمون الزموا بيوتكم وتجنبوا أصحاب زيد ومخالطتهم » (2) .
فلم يشارك هؤلاء في حركة زيد وتركوه . ولم يوافق أيضاً أبناء الحسن زيداً على الثورة ، وقد حذره عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حيث ذكر مسكويه كتاباً من عبد الله إلى زيد قال فيه : « يا بن عمي إن أهل الكوفة نفخ العلانية خور السريرة تقدمهم ألسنتهم ولا تتابعهم قلوبهم ولقد تواترت إلى كتبهم فصمت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأساً منهم وأطراحاً لهم ومالهم إلا ما قال علي بن أبي طالب وذكره بأشياء قالها في أهل العراق » (3) .
فيظهر من هذا أن أهل الكوفة بالرغم من كونهم شيعة إلا أنه لا يركن إليهم وأن هناك دعوة في هذه الفترة لعبد الله بن الحسن بن الحسن .
أما الشيعة أتباع محمد الباقر فلم يوافقوا زيداً على رأيه وحذروه من الخروج فيذكر المسعودي ، أن محمد الباقر حذر أخاه زيداً حينما شاوره في الخروج فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة إذ كانوا أهل غدر ومكر وقال له بها قتل جدك علي وطعن عمك الحسن وقتل أبوك الحسين وفيها وفي أعمالها شتمنا اهل البيت (4) .
إلا أن زيداً خرج ثائراً وقدم الكوفة فأسرعت إليه الشيعة وقالت : « إنّا لنرجو أن يكون هذا الزمان هلاك بني أمية » وجعلوا يبايعونه سراً وبايعه
____________
(1) أخبار العباس الورقة 109 ب .
(3) ن. م الورقة 110 آ .
(3) مسكويه : تجارب الأمم الورقة 53 ب .
(4) المسعودي : مروج الذهبي ج 3 ص 217 .

( 86 )

أربعة عشر ألفاً على جهاد الظالمين (1) .
ويبدو أن هناك جماعة من الشيعة كانت في شك من أمر زيد فقد ذكر البلاذري « أن طائفة من الشيعة قالوا لمحمد بن علي قبل خروج زيد : إن أخاك فينا نبايع ، فقال : بايعوه فهو اليوم أفضلنا فلما قدم الكوفة كتموا زيداً ما سمعوه من أبي جعفر » (2) .
ويقال أن زيداً طلب منهم أن يسألوا أبا جعفر محمد بن علي فإن أمرهم بالخروج معه خرجوا فاعتلوا عليه ثم قالوا : لو أمرنا بالخروج معك ما خرجنا لأنّا نعلم أن ذلك تقية واستحياء منك فقال ما قال (3) .
إلا أن محمد الباقر كما يبدو لم يتخذ موقفاً إيجابياً من حركته ، لكنه لم يمنع الناس عن نصرته .
ومما فرق الشيعة عن زيد أنهم سألوه ما قوله في أبي بكر وعمر فقال : « كنا أحق البرية بسلطان رسول الله فاستأثرا علينا وقد وليا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب والسنة ففارقوه ورفضوا بيعته ، وقالوا : إن أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين هو الإمام وجعفر بن محمد إمامنا بعد أبيه وهو أحق بها من زيد وإن كان أخاه » (4) .
وكان زيد إذا بويع قال : « أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء في أهله ورد المظالم ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب أتبايعون على هذا فبايعوه » (5) .
ورغم كل هذه الاختلافات بين فئات الشيعة وموقفهم من زيد فقد بايعه في بادىء الأمر عدد كبير إلا أنهم انفضوا من حوله وجعلوها حسينية
____________
(1) المقدسي : البدء والتاريخ ج 6 ص 49 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 21 آ .
(3) ن. م ج 3 الورقة 21 ب
(4) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 21 آ .
(5) ن. م ج 3 الورقة 22 آ وانظر الطبري ج 7 ص 183 .

( 87 )

كما قال زيد (1) .
وأرسل هشام لمواجهة زيد يوسف بن عمر الثقفي ، فقتل زيد وصلب وفي ذلك يقول بعض شعراء بني أمية لآل أبي طالب :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة * ولم أر مهدياً على الجذع يصلب (2)

ويذكر اليعقوبي أنه بعد مقتل زيد « تحركت الشيعة بخراسان وظهر أمرهم وكثر من يأتيهم ويميل معهم وجعلوا يذكرون للناس أفعال بني أمية وما نالوا من آل الرسول حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر وظهرت الدعاة ورئيت المنامات وتدورست كتب الملاحم » (3) .
وهذا الخبر يدل على وجود الشيعة بخراسان وأن هناك دعوة لآل الرسول قام بها أهل خراسان ، ولكن كما يبدو أن الدعوة هنا لا يقصد بها إلى الشيعة أتباع علي بن أبي طالب وأولاده وإنما إلى الشيعة بني العباس لأنه في هذه السنة توجه الدعاة إلى خراسان .
كما أن وجود دعوة لآل البيت في خراسان كان أمرها معروفاً من قبل الأمويين فيذكر الطبري ، أنهم تمكنوا من القضاء على زيد بواسطة رجل من أهل خراسان « فدس يوسف بن عمر مملوكاً خراسانياً الكن وأعطاه خمسة آلاف درهم وأمره أن يلطف لبعض الشيعة فيخبره أنه قدم من خراسان حباً لأهل البيت وأن معه مالا يريد أن يقويهم به فلم يزل المملوك يلقى الشيعة ويخبرهم عن المال الذي معه حتى أدخلوه على زيد فخرج فدل يوسف على موضعه » (4) .
فيبدو أن العلويين كانوا على علم بأمر أنصارهم في خراسان .
وجاء بعد زيد ابنه يحيى ولم يكن بأحسن من حظ أبيه فقد خرج في أيام الوليد بن زيد بالجوزجان (5) .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 7 ص 184 .
(2) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 219 .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 66 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 7 ص 188 .
(5) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 225 .

( 88 )

فيذكر الطبري « لما قتل زيد عمد رجل من بني أسد إلى يحيى بن زيد فقال له : قتل أبوك وأهل خراسان لكم شيعة فالرأي أن تخرج إليها قال : وكيف لي بذلك قال : تتوارى حتى يكف عنك الطلب ثم تخرج » (1) .
فلما سكن الطلب خرج يحيى في نفر من الزيدية إلى خراسان فقتل هناك (2) .
وتظهر أهمية ثورة زيد فيما حدث من التطورات على الشيعة ، فبعد أن كانت الشيعة تدين بموالاة علي وأبنائه فقد ظهرت نظرة جديدة للإمامة قالوا : « إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد الرسول لقرابته وسابقته ولكن كان جائزاً للناس أن يولوا غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجرباً » (3) .
ثم جعلوا الإمامة بعد علي في الحسن والحسين وأولادهما وهي شورى بينهما فمن خرج منهم وشهر سفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق الإمامة (4) .
كما أن أتباع زيد « أجازوا إمامة المفضول مع وجود الأفضل فالبرغم من أن علياً أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة دينية رأوها لتسكين الفتنة وتطييب قلوب العامة فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً وسيف أمير المؤمنين لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي » (5) .
وقد برر الإمامية خروج زيد ، بأنه إنما خرج يدعو إلى الرضا من آل محمد ، فيرد عن الصادق أنه قال : « إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وأنه كان أتقى لله من ذلك أنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد » (6) .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 7 ص 189 .
(2) ن. م ج 7 ص 228 .
(3) النوبختي : فرق الشيعة ص 37 .
(4) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص 18 .
(5) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 249 ـ 250 .
(6) الكليني : الروضة من الكافي ج ص 264 وذكر ذلك الصدوق في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 248 ـ 249 .

( 89 )

كما أن الشيعة الإمامية تؤكد أن زيداً لم يدع الإمامة لأن الإمامة لا تجوز في أخوين ، فيرد عن الصادق أيضاً قوله : « لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً ، وانما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) (1) فلا تكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (2) .
فلا يمكن أن يكون زيد إماماّ « لأنه لم يكن منصوصاً عليه » (3) ويذكر صاحب غاية الاختصار أن الخلاف بين الشيعة الإمامية وأتباع زيد ليس على زيد وإنما على أتباعه الذين ادعوا أنه طلب الإمارة لنفسه (4) . كما ينسب قول إلى يحيى بن زيد أنه قال : « إن أبي لم يكن بإمام ولكن من سادات القوم الكرام وزهادهم كان أبي أعقل من أن يدعي ما ليس له بحق وإنما قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وعني بذلك عمي جعفراً » (5) .
وقد كانت آراء زيد سبباً في انفصال كثير من الشيعة عنه ، وهنا تأتي لفظة رافضة .
المصادر التاريخية ترى أن هذه التسمية ظهرت في زمن زيد . ويقول ابن حبيب : « وبسبب زيد سميت الرافضة وذلك أنهم بايعوه ثم امتحنوه بعد ، فتولى أبو بكر وعمر فرفضوه » (6) .
أما البلاذري فيرى أن الرافضة ظهرت بعد أن انفصل جماعة عن زيد وقالوا بإمامة أخيه الباقر لأنه كان يتولى أبا بكر وعمر فرفضته الجماعة التي تدين بالولاء للباقر (7) .
____________
(1) سورة الأنفال 8 : 75 .
(2) الكليني : الكافي ج 1 ص 285 .
(3) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 194 .
(4) ابن زهرة الحسني : غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار ص 130 .
(5) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 249 .
(6) ابن حبيب : المحبر ص 483 .
(7) البلاذري : أنساب الأشراف جـ 3 الورقة 22 آ .

( 90 )

اليعقوبي يذكر ثورة زيد ولكنه لا يذكر الرافضة (1) . إلا أنه يذكر تسمية رافضة في فترة أسبق من هذه الفترة مما يدل على أن استعمال هذه الكلمة قديم فقد ذكر رسالة من معاوية إلى عمرو بن العاص « أما بعد فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة » (2) .
فاستعمال رافضة هنا على الأرجح لمن أنكر خلافة علي لأن مروان لا يمكن أن يعد من الشيعة ، كما أن أهل البصرة في هذا الوقت عثمانية .
الطبري يذكر أن التسمية ظهرت بعد خروج زيد وتفرق أصحابه وقولهم سبق الإمام « وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي بن علي زيد هو الإمام وكان قد هلك يوئذ وكان ابنه جعفر بن محمد حياً فقالوا : جعفر إمامنا اليوم بعد ابيه وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة ، فهم اليوم يزعمون أن الذي سماهم الرافضة المغيرة (3) حيث فارقوه » (4) .
المسعودي يتكلم عن زيد وثورته ولكنه لا يذكر الرافضة ولا سبب التسمية في هذه الفترة (5) .
ويذكر صاحب العيون والحدائق : « أن زيداً سمى الجماعة التي فارقته الرافضة » (6) .
وأورد مسكوية في تسمية الرافضة نفس ما أورده الطبري وصاحب العيون والحدائق وأن زيداً سماهم الرافضة أو المغيرة حينما فارقوه بالكوفة تركوه حتى قتل (7) .
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 66 .
(2) ن. م ج 2 ص 161 .
(3) المغيرة بن سعيد البجلي يذكر عنه الطبري أنه كان ساحراً فأخذه خالد القسري فقتله وصلبه : انظر الطبري ج 7 ص 129 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 7 ص 181 .
(5) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 217 .
(6) العيون والحدائق : مؤلف مجهول ص 95 ويورد نفس خبر البلاذري ج 3 الورقة 22 آ .
(7) مسكويه : تجارب الأمم الورقة 55 آ .

( 91 )

أما المقريزي فيرى : « إن الروافض هم الغلاة في حب علي بن أبي طالب وبغض أبي بكر وعثمان وعائشة وزمن خروجهم أيام زيد حينما امتنع من لعن أبي بكر وعمر » (1) .
والغلاة غير الروافض لأن الروافض كما مر بنا هم القائلون بإمامة علي بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كما بينته المصادر التاريخية .
وترد في كتب الجغرافيين تسمية الرافضة فيرى المقدسي : « إن الروافض عند الشيعة من آخر خلافة علي وعند غيرهم من نفى خلافة العمرين » (2) .
أما ابن رسته فيطلق كلمة رافضة على كل فرق الشيعة وحتى الزيدية منهم (3) .
وقد بحث كتاب الفرق تعبير رافضة ، فيذكر الأشعري القمي « إنما سموا رافضة لأن المغيرة بن سعيد هو الذي سماهم رافضة لما رفضوه ، وكان المغيرة بن سعيد يزعم أن أبا جعفر أوصى إليه فقالت فرقة بإمامته يقال لها المغيرية (4) .
ويذكر النوبختي أنه « لما توفي أبو جعفر الباقر افترق أصحابه فمنهم من قال بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول فبرئت منه الشيعة ورفضوه فزعم أنهم رافضة وهو الذي سماهم بهذا الاسم » (5) .
ويرى الرازي أن تسمية الرافضة قديمة وموجودة في زمن النبي في دعائه على قوم مشركين يسميهم الرافضة ويدعو إلى قتالهم (6) .
____________
(1) المقريزي : الخطط ج 2 ص 351 .
(2) المقدسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص 38 .
(3) ابن رسته : الأعلاق النفيسة ص 219 .
(4) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص 77 وانظر النوبختي ص 54 ، الرازي الزينة الورقة 215 .
(5) النوبختي : فرق الشيعة ص 54 .
(6) الرازي : الزينة الورقة 216 .

( 92 )

ثم يقول الرازي : « إن طائفة من الشيعة كانت مجتمعة على أمر واحد قبل ظهور زيد ، فانحازت طائفة إلى جعفر بن محمد وقالوا بإمامته فسماهم أصحاب زيد الرافضة لرفضهم زيداً » (1) .
فالرازي هنا يرى أن أصحاب زيد هم الذين أطلقوا التسمية على من خرج عن زيد .
ويقول الأشعري في كلامه عن الشيعة : « الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الرافضة وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر ولكنه لا يذكر تسمية الرافضة في زمن زيد » (2) .
البغدادي يطلق التسمية على كل الشيعة ويدخل الزيدية ضمنهم ، وكذا الاسفراييني وابن حزم والرسعني والحنفي (3) .
أما الشهرستاني فيرى أن ظهور الرافضة زمن زيد ، وكذلك الفخر الرازي (4) .
أما ابن قتيبة فيطلق اللفظة على كل الشيعة ويدخل حتى الزيدية ضمنها (5) .
ويرى ابن عبد ربه أن سبب تسميتهم بالرافضة لرفضهم أبا بكر وعمر ويطلق الرافضة على كل الشيعة (6) .
ويبدو مما مر أن التسمية ظهرت في زمن زيد حينما خرج ثائراً في وقت الإمام أبي عبد الله الصادق وكانت الشيعة التي تدين بإمامته قد تركته
____________
(1) الرازي : الزينة الورقة 215 .
(2) الأشعري : مقالات الإسلامين ص 16 ، 75 .
(3) البغدادي : الفرق بين الفرق ص 22 ، الإسفراييني : التبصير في الدين ص 32 ، ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ج 1 ص 80 ، الرسعني : مختصر الفرق بين ص 30 ، الحنفي : الفرق المفترقة ص 30 .
(4) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 251 الفخر الرازي : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 52 .
(5) ابن قتيبة : المعارف ص 623 .
(6) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج 2 ص 404 .

( 93 )

لأنه خرج على إمامة من هو أولى بالإمامة منه لكونه منصوصاً عليه من قبل أبيه الباقر ، كما أن زيداً تولى عمر وأبو بكر فتركته الشيعة فسماهم رافضة .
أما إطلاق كلمة رافضة على كل الشيعة فلا يصح ولكن يبدو أن التسمية جاءت متأخرة .
فقلب الرافضة إذن يعني به الشيعة التي دانت بإمامة علي والحسن والحسين وأبناء الحسين أي على الشيعة الإمامية كما سموا فيما بعد .
ويظهر أن لقب الرافضة غير مستحب عند من لقب به فيقول المقدسي في كلامه عن الشيعة ...« ولقبهم المذموم الرافضة » (1) .
أو أن غير الشيعة كانوا يحاولون الحط من شأنهم بتلقيبهم به ، فلذلك تنفي الشيعة صفة الذم عن هذا اللقب ، فيذكر البرقي عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر « جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا قال : وما هو ؟ قال : الرافضة فقال أبو جعفر : ان سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى فلم يكن في قوم موسى الرافضة فأوحى الله إلى موسى أن ثبت لهم هذا الاسم في التوارة فإني قد نحلتهم وذلك اسم قد نحلكموه الله » (2) .
ويورد أيضاً رواية عن عيينة عن أبي عبد الله قال : « والله نعم الاسم الذي منحكم الله ما دمتم تأخذون بقولنا ولا تكذبون علينا ، قال : وقال لي أبو عبد الله هذا القول اني كنت أخبرته أن رجلاً قال لي : إياك أن تكون رافضياً » (3) .
ويعلل ابن رستم الطبري سبب هذه التسمية « إنهم إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا الباطل وتمسكوا بالحق » (4) .
وذكر أيضاً أن عمار الدهني شهد شهادة عند أبي ليلى القاضي فقال
____________
(1) المقدسي : البدء والتاريخ ج 5 ص 124 .
(2) البرقي : المحاسن ص 119 .
(3) ن. م ص 119 .
(4) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص 255 ، الرازي : الزينة الورقة 216 .

( 94 )

له : قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لأنك رافضي ، فقام عمار يبكي فقال ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث ، إن كان يسوؤك أن نقول لك رافضي فتبرأ من الرفض وأنت من إخواننا ، فقال له عمار : ما هذا والله إلى حيث ذهبت . ولكني بكيت عليك وعلي . أما بكائي على نفسي فنسبتي إلى رتبه شريفة لست من أهلها » (1) .
وهكذا فالنسبة اختصت بالشيعة الإمامية فحاولت الشيعة تفسير هذا اللقب بما هو في صالحهم .
وقد ظهرت الزيدية كخط جديد من خطوط الحركة الشيعية وتبنى مبادئها فيما بعد أبناء الحسن والتزموا الثورة والخروج على السلطان . وقد انقسمت الزيدية إلى عدة فرق واختلفت حول الإمامة (2) .
ولما توفي أبو جعفر الباقر ظهر الخلاف بين جماعته وظهرت فرق لا يمكن عدها من فرق الشيعة كما سنرى في بحث الإمامة ، واعتقدت شيعة بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (3) .
فكان مجي ء الصادق في هذه الفترة فترة النشاط الفكري وظهور الاختلافات بين شيعته فقام بأعظم دور في تطوير الحركة الشيعية كما سنرى ذلك فيما بعد .
____________
(1) الأشتري : تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ج 2 ص 106 .
(2) انظر كتب الفرق ، النوبختي : فرق الشيعة ص 19 ، 50 ، الأشعري القمي : المقالات والفرق ص 50 ، 71 ، أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين ص 65 ـ 75 البغدادي : الفرق بين الفرق ص 22 ، 23 الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 429 .
(3) النوبختي : فرق الشيعة ص 84 .