ويذكر أبو حنيفة النعمان المغربي عدداً من الآيات ويفسرها بالولاية ومنها قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ... ) (1) فيقول : انها نزلت بغدير خم حيث نص على علي بن أبي طالب (2) .
ثم يذكر النعمان المغربي أنه بعد أن عقد الرسول لعلي في غدير خم حسده من حسده فأنزل الله عليه : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبر إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (3) .
ويقول النعمان المغربي : « تأويل ذلك قل أرأيتم يا أصحاب محمد وحججه إن كان نصب هذا الوصي من عند الله بأمره وكفرتم به وسترتم منزلته ... لما غاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم » (4) .
ويفسر قوله تعالى : ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) (5) قال محمد صلّى الله عليه وآله وسلم أفضل البيوت علي وبابه أفضل الأبواب الذي من دخله كان آمنا (6) .
ويذكر الطوسي في تفسيره الآية : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ... ) (7) يقول : « روى أصحابنا عن أبي جعفر ( الباقر ) وأبي عبد الله ( الصادق ) أنهم الأئمة من آل محمد فلذلك أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك . ولا يجوز إيجاب طاعة أحد مطلقاً إلا من كان معصوماً مأموناً منه السهو والغلط وليس ذلك بحاصل في الأمراء ولا العلماء وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الأدلة على عصمتهم وطهارتهم » (8) .
____________
(1) سورة المائدة 5 : 67 .
(2) أبو حنيفة النعمان المغربي : أساس التأويل ص 332 .
(3) سورة الأحقاق 46 : 10 .
(4) النعمان بن محمد المغربي : أساس التأويل ص 360 ـ 361 .
(5) سورة البقرة 2 : 189 .
(6) النعمان بن محمد المغربي : أساس التأويل ص 365 .
(7) سورة النساء 4 : 59 .
(8) الطوسي : التبيان ج 6 ص 236 وانظر الطبرسي : مجمع البيان ج 3 ص 64 وقد ذكر الجاحظ هذه الآية ويقول إن الشيعة زعمت أنها نزلت في علي وولده . انظر الجاحظ :

( 143 )

ويذكر الطوسي في تفسير الآية : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ... ) (1) رواية عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق قال « إن الله تعالى لما أوصى إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أن يستخلف علياً كان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأوانه » (2) .
ويذكر الطبرسي في تفسير الاية : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ... ) (3) يقول إنما وليكم ... أي الذي يتولى مصالحكم ويتحقق تدبيركم هو الله تعالى ورسوله ... وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل والوجه فيه إنه إذا ثبت أن لفظة وليكم تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته عليكم ثبت أن المراد بالذين آمنوا علي ثبت النص عليه بالإمامة » (4) .
وقد ذكر ابن طاووس عدداً من الآيات في الولاية وهو يأخذ عمن سبقه فمن جملة ما أورد في تفسيره للآية : ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) (5) يقول : إن أهل مكة والمدينة يتساءلون عن خلافة علي فالنبأ العظيم يفسره بالولاية (6) .
ويفسر ابن المطهر عدداً من الآيات بالولاية منها قوله تعالى : ( والنجم إذا هوى ما ظل صاحبكم وما غوى ) (7) فيروي عن ابن عباس قال « كنت جالساً مع فتية بني هاشم عند النبي اذ انقض كوكب فقال : من
____________
=
العثمانية ص 115 ، وذكر القاضي عبد الحبار أن هذه الآية من دلائل إمامة علي عند الشيعة لأن الطاعة لا تكون إلا لمن نص عليه وعصم من الخطأ . انظر المغني ج 20 القسم الأول ص 142 .
(1) سورة المائدة 5 : 67 .
(2) الطوسي : التبيان ج 3 ص 574 .
(3) سورة المائدة 5 : 55 .
(4) الطبرسي : مجمع البيان ج 3 ص 211 .
(5) سورة النبأ 78 : 2 .
(6) ابن طاووس : اليقين في أمرة أمير المؤمنين ص 151 وانظر 152 ، 153 ، 154 .
(7) سورة النجم 53 : 1 .

( 144 )

انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي » (1) .
ويذكر في تفسير قوله تعالى : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) (2) قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنا النذير وعلي الهادي ، وهو نص صريح في ثبوت الإمامة له (3) . ويفسر الآية : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) (4) قال : ببغضهم علياً ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فسيكون أفضل منهم فسيكون هو الإمام (5) .
أما في قوله تعالى : ( والسابقون السابقون ) (6) وقوله : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ) (7) فيذكر أن هذه الآيات نزلت في حق علي وأنها دليل فضله وإمامته (8) .
وبعد هذا ترى الشيعة أن علياً أفضل صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ولتمتعه بمزايا وصفات انفرد بها ، وتعد ذلك دليلاً آخر على استحقاقه بالإمامة فقد ذكر سليم أن رجلاً من العرب فاخر علي بن أبي طالب فأمره النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وقال : « أي أخي فاخر العرب فأنت أكرمهم نسباً وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولداً وأكرمهم عماً وأعظمهم عناء بنفسك ومالك وأتمهم حلماً وأكثرهم علماً وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله ، أشجعهم قلباً وأجودهم كفاً وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهاداً وأحسنهم خلقاً وأصدقهم لساناً وأحبهم إلى الله وإلي » (9) .
ويذكر أن علياً احتج بهذه الصفات وشهد الناس له بذلك ، وأن
____________
(1) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 151 .
(2) سورة الرعد 13 : 7 .
(3) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 155 .
(4) سورة محمد 47 : 30 .
(5) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 156 .
(6) سورة الواقعة 56 : 10 .
(7) سورة التوبة 9 : 20 .
(8) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 157 وانظر أيضاً ما جاء في ص 158 ، 166 ، حيث يذكر آيات في الدلالة على إمامة علي .
(9) سليم بن قيس : السقيفة ص 82 .

( 145 )

الحسن البصري سمع هذا الكلام وصدقه وأضاف عليه وأكد فضل علي وترحم عليه وبكى حتى بلّ لحيته (1) .
ويورد الجاحظ رأي الزيدية قائلاً : « والأشياء التي يستحق بها الخير أربعة التقدم في الإسلام ، والذب عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعن الدين ، والفقه في الحلال والحرام ، والزهد في الدنيا وهي مجتمعة في علي بن أبي طالب متفرقة في الصحابة (2) . ويبين رأيهم في أحقية علي للخلافة فيقول : إن الأمة أجمعت على أن العلماء من أصحاب رسول الله الذين يؤخذ عنهم العلم أربعة علي وعبد الله بن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت ومنهم من أضاف إليهم عمر بن الخطاب ثم يجعل لهم شروطاً للتفضيل والتقديم بالصلاة فيقدم أقرؤهم لكتاب الله من عمر فسقط عمر . ثم أيهم أولى بالإمامة ولما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم : الأئمة من قريش ، فسقط ابن مسعود وزيد ابن ثابت وبقي علي وابن عباس ، فإذا كان عالمين قريشيين فقيهين فأولاهما بالإمامة أكبرهما سناً وأقدمهما هجرة فسقط ابن عباس وبقي علي فيكون أحق بالإمامة لما أجمعت عليه الأمة ولدلالة الكتاب والسنة عليه » (3) .
ويقول الصاحب بن عباد « وقالت الشيعة أن علي أفضل الناس بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ثم يعطي رأيه ويقول : « وبعد فالفضيلة تستحق بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاماً وقد قال الله تعالى : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) (4) وبالجهاد وهو لم يغمد حساماً ولم يقصر إقداماً ، كشاف الكروب ، وفراج الخطوب ، ومسعر الحروب ، قاتل مرحب ، وقالع باب خيبر وصارع عمرو بن عبد ود ومن قال فيه النبي : « لأعطين الراية غداً إلى
____________
(1) سليم بن قيس : السقيفة ص 83 .
(2) هذا الكلام من رسالة للجاحظ ذكرها الأربلي في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ج 1 ص 35 ، وقد ورد ذكر هذا في رسائل الجاحظ التي نشرها السندوبي ولكن الجاحظ يذكر أن هذا رأي الزيدية في علي .
(3) من رسالة للجاحظ في الترجيح والتفضيل نقلها عنه الأربلي في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ج 1 ص 40 ، وقد ورد ما يشابه هذا في كتاب استحقاق الإمامة للجاحظ نشرها السندوبي ضمن رسائل الجاحظ على اعتبار أن هذا الرأي الزيدية .
(4) سورة الواقعة 56 : 10 .

( 146 )

رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » وقد قال الله تعالى : ( فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ) (1) وبالعلم ، والنبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وأثر ذلك بين لأنه لم يسأل من الصحابة أحداً وقد سألوه ولم يستفتهم وقد استفتوه حتى أن عمر يقول « لولا علي لهلك عمر » وقد قال الله تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (2) و ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (3) .
وبعد « فهو الذي آثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه مخرجاً قوته إليهم عند فطره حتى أنزل الله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (4) فأخذ نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم وعده عليه بالجنة والحديث طويل وفضله كثير وهو الذي تصدق بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله تعالى فيه : ( إنما وليكم الله ورسوله ) (5) .
وقد ذكر ابن المطهر صفات علي وأفرد لها باباً خاصاً في النص على إمامته .
ومما ذكره : إنه كان أعبد الناس وأزهدهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله وذكر شجاعته وأخباره ومشاركته النبي ومواساته له في الحروب والغزوات ثم ذكر صفاته الأخرى كرد الشمس له مرتين وروى أيضاً بعض المعجزات (6) .
كما ذكرابن المطهر أن هذه الفضائل اما أن تكون نفسانية أو بدنية
____________
(1) سورة النساء 4 : 95 .
(2) سورة الزمر 29 : 9 .
(3) سورة فاطر 35 : 28 .
(4) سورة الإنسان 76 : 8 .
(5) سورة المائدة 5 : 55 الصاحب بن عباد : الإبانة عن مذهب أهل العدل ( نفائس المخطوطات ـ المجموعة الأولى ، تحقيق محمد حسن آل ياسين ) .
(6) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 174 ـ 191 . في رد الشمس انظر الشيخ حسن بن عبد الوهاب : عيون المعجزات ص 2 ، العاملي : المجالس السنية ج 3 ص 134 ، ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص 55 ـ 57 ، وانظرأيضاً رسالة للشيخ كاظم الخطيب « رد الشمس » طبعت في بغداد .

( 147 )

أو خارجية فاما أن تكون متعلقة بالشخص أو بغيره وأمير المؤمنين جمع الكل .
فأما فضائله النفسانية المتعلقة به كعلمه وزهده وكرمه وحلمه فهي أشهر من أن تخفى ، والمتعلقة بغيره ظهور العلوم عنه واستفاد غيره منه ، وكذا فضائله البدنية كالعبادة والشجاعة والصدق ، أما الخارجية فكالنسب ولم يلحقه فيه أحد لقربه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وتزويجه إياه ابنته (1) .
وفضائل علي كثيرة ألفت فيها أيضاً كتب كثيرة ، ألف فيها الإمامي وغير الإمامي ، وقد ذكرت أغلب هذه الفضائل حسب تطورها الزمني بالنسبة لحياة علي مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ولدلالة تلك الأحاديث على الإمامة عند الشيعة (2) .
وبهذا أثبتت الشيعة إمامة علي بن أبي طالب وأهلته لمقام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لفضله وما جاء فيه من السنة والقرآن .
وترى الشيعة أن الإمامة انتقلت من علي بن أبي طالب إلى أولاده بالنص عليهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم .
فقد ذكر سليم بن قيس أن علياً سأل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عن الأوصياء فقال : « كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم هم مع القرآن والقرآن معهم ، فقلت : يا رسول الله سمهم لي فقال : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن ، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له على اسمي اسمه محمد باقر علمي وخازن وصي الله وسيولد علي في حياتك فاقرأه مني السلام ثم أقبل على الحسين فقال : سيولد لك محمد بن علي
____________
(1) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص 174 ـ 191 .
(2) ألفت في المناقب كتب كثيرة منها كتاب مناقب آل أبي طالب : ابن شهر اشوب ، مناقب أمير المؤمنين : الفضل بن شاذان القمي ، الطرف : ابن طاووس ، كشف اليقين : ابن المطهر ، الخوارزمي : المناقب ، القرشي ، كفاية الطالب في مناقب علي ، المحب الطبري : ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى وغيرها كثير .

( 148 )

في حياتك فاقرأه مني السلام .. ثم يستمر إلى نهاية الاثنى عشر إماماً ، من ولدك يا أخي ، فقلت : يا نبي الله سمهم لي فسماهم رجلاً رجلاً منهم والله هلال مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (1) .
ويؤكد سليم صحة هذا الخبر بأنه سأل الحسن والحسين عنه فشهدا له بذلك (2) .
وكما أورد سليم هذا عن النبي أورده كذلك عن علي بن أبي طالب فقد ذكر ، أن علياً قال له : « يا سليم إن أوصيائي أحد عشر رجلاً كلهم محدثون فقلت : يا أمير المؤمنين من هم ؟ قال : ابني هذا الحسن ، ثم ابني هذا الحسين ، ثم ابني هذا وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو رضيع ، ثم ثمانية من ولده واحداً بعد واحد هم الذين أقسم الله بها فقال : ( ووالد وما ولد ) (3) فالوالد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأنا ما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر أوصياء فقلت : يا أمير المؤمنين فيجتمع إمامان ؟ قال : نعم إلا أن واحداً صامت لا ينطق حتى يهلك الأول» (4) .
وسليم بن قيس أول من كتب في الإمامة عند الشيعة فيبدو مما ذكر أنه يرى أن الإمامة في أولاد علي وأنها منصوص عليها من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، كما يرى أن الإمامة في أولاد الحسين فقط ، ثم يذكر أن الأئمة اثنا عشر إماما وان آخرهم المهدي وأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قد بشر بظهوره .
وكما اعتمدت الشيعة على القرآن لإثبات إمامة علي بن أبي طالب كذلك اعتمدوا عليه لإثبات امامة الأئمة من بعده .
فقد أورد فرات في تفسيره عدداً من الآيات في ولاية الأئمة فمن جملة ما أورد قوله تعالى : ( وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا
____________
(1) سليم بن قيس : السقيفة ص 94 .
(2) ن. م ص 95 .
(3) سورة البلد 90 : 3 .
(4) سليم بن قيس : السقيفة ص 201 .

( 149 )

السبل ) (1) قال في تفسير هذه الآية : علي والأئمة من ولد فاطمة وهم صراطه فمن أتاه سلك السبيل (2) .
ويذكر أيضاً في تفسير الآية : ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) (3) فقال أمير المؤمنين علي : « نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها ونحن باب الله الذي يؤتى فمن يأتينا وآمن بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها » (4) . ويفسر الآية : ( إن في ذلك لآيات لأولى النهى ) (5) قال عن أبي عبد الله الصادق « نحن والله أولى النهى ونحن قوام الله على خلقه وخزانهُ على دينه ... » (6) وقد فسر علي بن إبراهيم القمي عدداً من الآيات في الولاية أيضاً ، منها قوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ) (7) قال « النبيين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والصديقين علي والشهداء الحسن والحسين والصالحين الأئمة وحسن أولئك رفيقاً يقال للقائم من آل محمد » (8) .
وقد فسر قوله تعالى : ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ) (9) يقول : هم الذين تمسكوا بولاية أمير المؤمنين علي والأئمة (10) . ويفسر الآية : ( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ) (11) فالتين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والزيتون علي بن أبي طالب وطور
____________
(1) سورة الأنعام 6 : 153 .
(2) فرات : تفسير فرات ص 45 .
(3) سورة البقرة 2 : 189 .
(4) فرات : تفسير ص 45 ـ 46 .
(5) سورة طه 20 : 54 .
(6) فرات : تفسير فرات ص 92 .
(7) سورة النساء 4 : 69 .
(8) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 77 .
(9) سورة النساء 4 : 175 .
(10) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص 89 .
(11) سورة التين 95 : 1 .

( 150 )

سنين والبلد الأمين الأئمة (1) .
ويذكر الكليني أن الأئمة منصوص عليهم من الله ورسوله فيفسر قوله تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (2) بأنها نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (3) .
ويذكر عن أبي جعفر الباقر في قول الله عزَّوجلَّ : ( إن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) (4) قال : نزلت في الأمرة ، وان هذه الآية جرت في ولد الحسين من بعده ، فنحن أولى بالأمر وبرسول الله من المؤمنين والمهاجرين والأنصار (5) .
ويورد رواية عن أبي عبد الله الصادق في تفسير قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) (6) قال : « إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم ، الله ورسوله والذين آمنوا يعني علياً وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة » (7) .
فيبدو مما مر أن هذا هو رأي الشيعة الإمامية الذين يحصرون الإمامة في علي وأولاده من بعده وأنها مختصة بأولاد الحسين دون الحسن فخط الإمامة عندهم متسلسل في الأئمة بعد علي إلا أن هذا الخط لم يستمر في طريقه وإنما ظهرت منه خطوط أخرى نتيجة لما مر به من أحداث .
ولتوضيح ذلك يجب دراسة الإمامة بضوء ما مر بها من أحداث أثرت على تطورها .
____________
(1) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص 368 .
(2) سورة النساء 4 : 59 .
(3) الكليني : الكافي ج 1 ص 287 ( كتاب الحجة ) .
(4) سورة الأحزاب 33 : 6 .
(5) الكليني : الكافي ج 1 ص 288 .
(6) سورة المائدة 5 : 55 .
(7) الكليني : الكافي ج 1 ص 288 .

( 151 )

ب ـ إمامة الحسن بن علي :
فالحسن بن علي هو الإمام بعد مقتل علي بن أبي طالب وقد دللت الشيعة على إمامته بوصية علي له وقد ذكر الكليني حديثاً عن سليم بن قيس قال « شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه السلاح والكتاب وقال لابنه الحسن : يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى غلي رسول الله ودفع إلى كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين . ثم أقبل على ابنه الحسين فقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا : ثم أخذ بيد علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين : وأمرك أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي وأقرأه مني السلام » (1) .
ويؤكد هذا المسعودي ويقول : « وكان أمير المؤمنين في خلال ذلك يشير إليه وينص عليه بآي من القرآن والأحاديث فلما حضرت وفاته دعاه ودعا بأبي عبد الله وبجميع أولاده وثقات شيعته وسلم إليه الوصية التي تسلمها من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم (2) .
فالوصية هنا الوصية بالإمامة بعده .
ويقول المفيد : « وكان الحسن وصي أبيه أمير المؤمنين على أهله وولده وأصحابه ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب إليه عهداً مشهوراً ووصية ظاهرة » (3) .
ويتكلم الطوسي عن إمامة الحسن والحسين ويستدل على إمامتهما بعدة أدلة منها : إجماع أهل البيت على القول بإمامتها بعد أبيهما ، وتواتر الشيعة خلفاً عن سلف بالنص عليهما من أبيهما ، والنص من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بإمامة الأئمة الاثني عشر ، وقول النبي : « ابناي هاذان إمامان قاما أو
____________
(1) الكليني : الكافي ج 1 ص 288 .
(2) المسعودي ( منسوب ) : إثبات الوصية ص 154 .
(3) المفيد : الإرشاد ص 187 .

( 152 )

قعداً » (1) .
فالحسن هو الإمام بعد علي فجماعة الشيعة التي اعتقدت بإمامة علي « لزمت القول بإمامة الحسن إلا شرذمة منهم فإنه لما وادع معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه على الصلح ازروا على الحسن وطعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته وشكوا فيها » (2) .
فيبدو أن تنازل الحسن قد سبب خلافاً بين أصحابه وأدى إلى خروج جماعة منهم وتركهم إمامته .
وبقي الآخرون على القول بإمامة الحسن بن علي وموالاته وقد بين الطوسي أن تنازل الحسن إنما كان « لأنه كان مغلوباً مقهوراً فلجأ إلى التسليم » (3) .
ونفى الطوسي كل الوجوه الداعية إلى بطلان إمامته بتنازله فقال : « اما قول السائل أنه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ الله لأن الإمامة بعد حصولها للأمام لا يخرج عننها بقوله : وإن خلع الإمام نفسه لا يؤثر في خروجه من الإمامة وإنما ينخلع بالأحداث والكبائر ، ولو كان خلعه مؤثراً لكان إنما يؤثر إذا وقع اختياراً فأما ما يقع مع الإلجاء والإكراه فلا تأثير له .
فأما البيعة فإن أريد بها الصفقة وإظهار الرضا فقد كان ذلك لكنّا بينا جهة وقوعها والأسباب المحوجة إليها ولا حجة في ذلك عليه كما لم يكن في مثله حجة على أبيه لما بايع من تقدمه ... وهو إنما كف للخوف على الدين والمسلمين .
أما أخذ الصلاة فسايغ بل واجب لأن كل مال في يد الغالب الجاير المتغلب على أمر الأمة يجب على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيفما أمكن بالطوع أو الإكراه ووضعه في مواضعه ، فإذا لم يتمكن من انتزاع
____________
(1) تلخيص الشافي ج 4 ص 167 .
(2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 23 . وانظر الطبرسي : أعلام الورى ص 206 ، الأربلي كشف الغمة ج 2 ص 153 ، وانظر أيضاً كتاب صالح الحسن : محمد مرتضى آل ياسين .
(3) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 178 .

( 153 )

جميع ما في يد معاوية من أموال الله وأخرج هو شيئاً منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده ويأخذ منه حقه ويقسمه على مستحقيه .
فأما إظهار موالاته فما أظهر منها شيئاً كما لم يبطنه وكلامه فيه بمشهد معاوية ومغيبه معروف ظاهر ولو فعل خوفاً واستصلاحاً وتلافياً للشر العظيم لكان واجباً كما فعل أمير المؤمنين مع المتقدمين عليه (1) .
فلما توفي الحسن بن علي في المدينة سنة 49 هـ (2) ، نزلت الفرقة القائلة بإمامته بعد وفاته إلى القول بإمامة أخيه الحسين بن علي (3) .

جـ ـ إمامة الحسين بن علي :
فالحسين بن علي الإمام بعد الحسن وتستدل الشيعة على إمامته بعدة أدلة ، فقد ذكر الكليني رواية عن أبي عبد الله الصادق قال : لما حضرت الحسين بن على الوفاة ... دعا قنبراً ومحمد بن علي وأوصاهم قال « يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أضافها الله عزَّوجلّ في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمداً واختار محمد علياً واختارني علي بالإمامة واخترت أنا الحسين » (4) .
ثم ما ورد بحقه من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله : « ابناي هاذان إمامان قاما أو قعدا » وقوله صلّى الله عليه وآله وسلم : ان الأئمة اثني عشر (5) ، وما ذكره سليم بن قيس عن النبي وعن علي بن أبي طالب في أن الأئمة اثنى عشر وذكر علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي (6) .
فالحسين بن علي هو الإمام بالنص من أبيه وجده ووصية أخيه
____________
(1) تلخيص الشافي ج 4 ص 178 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 200 .
(3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 24 .
(4) الكليني : الكافي ج 1 ص 301 وقد نقل هذا الخبر الطبرسي في أعلام الورى ص 215 .
(5) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 170 .
(6) سليم بن قيس : السقيفة ص 94 ، 201 .

( 154 )

الحسن . واستمرت الشيعة على القول بإمامة الحسين حتى استشهد في أيام يزيد بن معاوية سنة 61 هـ .
ويبدو أن مقتل الحسين قد سبب خلافاً بين شيعته وأدى الى خروج جماعة عن إمامته . فيذكر النوبختي لما قتل الحسين « حارت فرقة من أصحابه وقالت : قد اختلف علينا فعل الحسن والحسين لأنه كان الذي فعله الحسن حقاً واجباً وصواباً من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقلة أنصار الحسين وضعفيهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل معه أصحابه باطل غير واجب لأن الحسن كان أعذر في العقود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية ... فقعود الحسن باطل فشكوا في إمامتهما » (1) .
وقد نافش الطوسي ذلك فقال : « إن الإمام متى غلب على ظنه أنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقة يحتمل مثلما تحملها أبو عبد الله » (2) .
وقد قام الشيعة بحركة بعد مقتل الحسين للطلب بثأره وهي حركة التوابين كما تقدم ذكرها في الفصل الأول ، وقد قامت الحركة في بادىء الأمر للثأر ممن قتل الحسين ، ولم تدع باسم امام معين ولكن المختار الذي تزعم حركة الشيعة بعد فشل التوابين « ادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك وأنه الإمام بعد أبيه لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة » (3) .
فظهر خط جديد أو فرقة جديدة خرجت بالإمامة عن خط أبناء الحسين بعد مقتله « وقالت بإمامة محمد بن الحنفية وزعمت أنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى امير المؤمنين من محمد بن الحنفية فهو أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الإمام بعد الحسين » (4) .
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة ص 23 .
(2) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 182 .
(3) النوبختي : فرق الشيعة ص 20 .
(4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 25 .

( 155 )

وقد ظهرت فرق عديدة دعت إلى إمامة محمد بن الحنفية دعوات مختلفة أهمها الكيسانية وسيأتي الكلام عنها في باب الدعوة العباسية .
« أما الشيعة العلوية الذين قالوا بفرض الإمامة لعلي بن أبي طالب من الله ورسوله فإنهم ثبتوا على إمامته ثم إمامة الحسن من بعده ثم إمامة الحسين بعد الحسن ، ثم افترقوا بعد قتل الحسن فرقاً فنزلت إلى القول بإمامة علي بن الحسن » (1) .
النوبختي هنا يذكر الشيعة العلوية وهؤلاء يمكن أن نعتبرهم الشيعة الإمامية أو البدايات الشيعة الإمامية لأن هذا رأيهم استمر فيما بعد .

د ـ إمامة علي بن الحسين ( زين العابدين ) :
فعلي بن الحسين هو الإمام بعد أبيه الحسين وأنه أوصى بالإمامة إليه . فقد ذكر الكليني عن أبي عبد الله الصادق « إن الحسين لما صار إلى العراق استودع أم سلمة الكتب والوصية ، فلما رجع علي بن الحسين دفعتها إليه » (2) .
وقد ذكر سليم أن علياً بن الحسين قد نص على إمامته من قبل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم (3) .
ويفند الطوسي قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فيقول : « إن قول علي له أنت ابني حقاً مع كون الحسين والحسن ابنيه فليس في ذلك ما يدل على إمامته على وجه إنما يدل على فضله ومنزلته عنده » (4) فالطوسي بهذا يؤكد إمامة علي بن الحسين .
وظهرت جماعة أخرى قالت : « إن الإمامة انقطعت بعد الحسين إنما كانوا ثلاثة أئمة مسمين بأسمائهم استخلفهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأوصى إليهم
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة ص 47 .
(2) الكليني : الكافي ج 1 ص 304 .
(3) سليم بن قيس : السقيفة ص 94 .
(4) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 191 .

( 156 )

وجعلهم حججاً على الناس وقواماً بعده واحداً بعد واحد فلم يثبتوا إمامة لأحد بعدهم » (1)
وهكذا إن الإمامة لم تستقر في خط معين وإنما تشعبت في خطوط مختلفة متأثرة بتطور الأحداث التي مرت بها .

هـ ـ إمامة محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) :
وبعد وفاة علي بن الحسين قالت الشيعة : « الذين ثبتوا الإمامة لعلي بن أبي طالب ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلي بن الحسين نزلوا إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر العلم فأقاموا على إمامته » (2) ويقول الشيخ المفيد : « وكان محمد الباقر من بين إخوته خليفة أبيه عن الحسين ووصيه والقائم بالإمامة بعده ... » (3) .
إلا أن الشيعة لم تدن جميعها بإمامة محمد الباقر وإنما ظهرت اختلافات بين الشيعة حول مسألة الإمامة .
وقد قام في هذه الفترة زيد بن علي بن الحسين بحركة لمقاومة الأمويين وتبعه جماعة من الشيعة وقد أتى زيد بآراء جديدة منها جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل ودعا إلى الخروج على السلطان الظالم فمال إليه جماعة وخالفه آخرون ، وقد بدأت آراء زيد بالظهور أيام محمد الباقر ولم يمنع الباقر الناس من تأييده ونصرته (4) .
ولكن الشيعة الذين قالوا بإمامة محمد الباقر خالفوا زيداً وتركوه .
وقد عللت المصادر الإمامية حركة زيد بأنه إنما « ظهر بالسيف يطلب بثارات الحسين ويدعو إلى الرضا من آل محمد فظن الناس أنه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها له لمعرفته باستحقاق أخيه الباقر الإمامة من قبل ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق » (5) .
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة ص 48 .
(2) النوبختي ص 52 .
(3) المفيد : الإرشاد ص 261 .
(4) البلاذري : أنساب الأشراف جـ 3 الورقة 66 آ .
(5) الطبرسي : أعلام الورى ص 257 .

( 157 )

ويفنذ الطوسي رأي القائلين بإمامة زيد بقوله أنه لم يكن منصوصا عليه (1) .
وكان لظهور زيد أثر كبير على تطور الإمامة فقد تبعه جماعة وخرجوا عن إمامة محمد الباقر وقالوا : « إن الإمامة صارت بعد مضي الحسين في ولد الحسن والحسين فهي فيهم خاصة دون سائر ولد علي بن أبي طالب وهم كلهم فيها شرع سواء من قام منهم ودعا إلى نفسه فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب واجبة إمامته ... ومن ادعى الإمامة وهو قاعد في بيته مرخي عليه ستره فهو كافر مشرك » (2) .
وقد تبنى هذه الآراء فيما بعد أبناء الحسن وساروا عليها فالتزموا الثورة على السلطان ، فظهر خط جديد وهو الخط الزيدي الذي لعب أتباعه دوراً كبيراً في العصر العباسي الأول .
وقد استمر قسم كبير من الشيعة على القول بإمامة محمد الباقر حتى توفي سنة 114 هـ (3) .
فنلاحظ أن هناك جماعة التزمت السير بخط واحد فبدأت بإمامة علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم أولاد الحسين ، وهذه الجماعة تهمنا لأنها تكون البذرة الأولى للشيعة الإمامية التي تقول بإمامة علي بن أبي طالب وأبنائه وأن الإمامة مقصورة على اثنى عشر إماماً ، ولكن يبدو أن فكرة الإمامة لم تكن مستقرة في هذه الفترة بدليل ظهور الاختلافات والفرق العديدة .

2 ـ الدعوة العباسية وصلتها بالشيعة :
لقد قاد المختار بن أبي عبيد الثقفي حركة الشيعة في الكوفة بعد فشل التوابين وقد « ادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك ، وأنه الإمام بعد أبيه لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة » (4) .
____________
(1) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 194 .
(2) النوبختي : فرق الشيعة ص 48 .
(3) ن. م ص 53 .
(4) ن. م ص 20 .

( 158 )

وسميت الجماعة التي اعتقدت بإمامة محمد الحنفية الكيسانية (1) . ويذكر الشهرستاني أن المختار كان يدعو إلى محمد بن الحنفية ويظهر أنه من رجاله ودعاته ، ويذكر علوماً مزخرفة ينوطها به ، ولما وقف محمد بن الحنفية على ذلك تبرأ منه ، وأظهر لأصحابه أنه إنما نمس على الخلق ذلك ليتمشى أمره ويجتمع الناس عليه (2) .
وقد انقسمت الكيسانية إلى فرق عديدة وظهرت لها دعوات متعددة أيام محمد بن الحنفية ، فمنهم من قال : « إن محمد بن الحنفية هو الإمام المهدي وهو وصي علي ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولا يشهر سيفه إلا بإذنه ، وإنما خرج الحسن إلى معاوية محارباً له ووادعه وصالحه بإذنه وخرج الحسين إلى قتال يزيد باذنه ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلا ومن خالف محمد بن الحنفية من أهل بيته وغيرهم فهو كافر مشرك » (3) .
وفرقة قالت : إنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين علي من محمد بن الحنفية فهو أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الإمام بعد الحسين (4) .
وفرقة أخرى منهم قالت : إن علياً نص على إمامة ابنه الحسن ، وإن الحسن نص على إمامة أخيه الحسين وإن الحسين نص على إمامة اخيه محمد بن علي وهو محمد بن الحنفية (5) .
ويذكر البغدادي أن الكيسانية ترى « أن الإمامة بعد علي كانت لابنه
____________
(1) الكيسانية وهم المختارية وإنما سموا كذلك لأن رئيسهم الذي دعاهم إلى ذلك المختار ابن أبي عبيد الثقفي وكان لقبه كيسان ( سعد القمي : المقالات والفرق ص 21 ) ويرى الرازي أن كيسان مولى لعلي بن أبي طالب وعنه أخذ المختار هذه المقالة وقال قوم كيسان مولى عرينه وهو صاحب المختار ، الزينة الورقة 138 .
(2) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 237 .
(3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 26 .
(4) ن. م ص 25 .
(5) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص 19 .

( 159 )

الحسن ثم للحسين بعد الحسن ثم إلى محمد بن الحنفية ، بوصية أخيه الحسين إليه حين هرب من المدينة إلى مكة حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية » (1) .
ولما توفي محمد بن الحنفية بالمدينة سنة 89 هـ تفرق أصحابه فرقاً متعددة (2) فظهرت فرقة تقول ان محمد بن الحنفية حي لم يمت وأنه مقيم بجبال رضوي بين مكة والمدينة وهو عندهم الإمام المنتظر الذي بشر به النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً (3) .
فنلاحظ من هذا بداية فكرة المهدي المنتظر عند الكيسانية وقد لقب محمد بن الحنفية بالمهدي في حياته أيضاً كما مر بنا من ادعاء المختار بأن محمد بن الحنفية أمره بطلب ثأر الحسين فكان يقول : « إن المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم »(4) ، كما أنه حينما يراسله كان يكتب « من المختار إلى المهدي محمد بن علي » (5) .
ويبدو أن الكيسانية متصلة في مبادئها بالسبيئة ففكرة الرجعة أول ما ظهرت عند السبئية بعد قتل علي (6) .
كما أن فكرة السبئية التي تقول أن علياً في الحساب ظهرت عند بعض فرق الكيسانية ، فيذكر سعد القمي « وزعمت فرقة من الكيسانية أن علياً في السحاب وأن تأويل قول الله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) (7) إنما يعني ذلك علياً (8) .
وقالت الكيسانية أيضاً بالوقف على الأئمة وهي في هذا تشابه السبئية
____________
(1) البغدادي : الفرق بين الفرق ص 39 وانظر الرسعني : مختصر الفرق بين الفرق ص 36 .
(2) النوبختي : فرق الشيعة ص 24 .
(3) ن. م ص 25 .
(4) البلاذري : أنساب الأشراف ج 5 ص 218 .
(5) مؤلف مجهول : أخبار العباس الورقة 45 آ .
(6) النوبختي : فرق الشيعة ص 19 .
(7) سورة البقرة 2 : 210 .
(8) سعد القمي : المقالات والفرق ص 27 .

( 160 )

التي كانت أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم (1) ، لذلك قالوا أن محمد بن الحنفية لم يمت ولكنه وضع ذلك مثلاً لئلا يدركه الطالب كما وضع النبي علياً في موضعه وابانه في مضجعه ومضى مهاجراً فغيبه الله في جبل رضوى بين أسدين ونمرين تؤنسه الملائكة ويحرسه النمران لذلك قال كثير عزة ( ت 105 هـ) الشاعر وكان ممن قال بإمامته في ذلك العصر لما طال عليه أمره :

الا أن الأئمـة مـن قـريـش * ولاة الحـق أربعــة سـواء
علـي والثـلاثـة مـن بنيـه * هـم الأسباط ليس بهـم خفاء
وسبـط سبـط إيمـان وبـر * وسبـط غيبـة كـربــلاء
وسبط لا يـذوق الموت حتـى * يقـود الخيل يقـدمها اللـواء
يغيـب لا يـرى فيهم زمـاناً * برضوى عنده عسل وماء (2)

وكما قال السبيئة بأن علياً إله (3) ، كذلك قالت الكيسانية أتباع حمزة ابن عمارة البربري بأن محمد بن الحنفية هو الله (4) .
ومن هنا يبدو أن قسماً من أتباع المختار كانوا من السبئية ، فيذكر البغدادي : « ان المختار خدعته السبئية الغلاة من الرافضة فقالوا له : أنت حجة هذا الزمان وحملوه على دعوى النبوة فادعاها عند خواصه وزعم أن الوحي ينزل عليه » (5) .
كما أن الطبري يذكر أن المختار كان له كرسي يستنصر به فيورد رواية عن طفيل بن جعدة بن هبيرة أنه أراد أن يختبر المختار فأخذ كرسياً قديماً من جار له ثم قال للمختار أنه كرسي يجلس عليه جعدة بن هبيرة كأنه يرى فيه أثره من علم ، فأخذه المختار وكان يخرجه إلى المسجد ويقول : « إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة ص 19 .
(2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 28 .
(3) ن. م ص 21 .
(4) ن. م ص 32 .
(5) البغدادي : الفرق بين الفرق ص 47 .

( 161 )

مثله وأنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون وان هذا فينا مثل التابوت وقامت السبئية ورفعوا أيديهم وكبروا ثلاثاً ... » (1) .
فيظهر أن السبئية كانت ملتفة حول المختار حتى أن أتباع المختار كانوا يسمون السبئية وفي ذلك يقول أعشى همدان :

شهــدت عليــكم أنـكم سبئيـة * وأني بكم يـا شرطـة الشرك عارف
وأقسـم مـا كــرسيكـم بسكينـة * وان كـان قـد لفـت عليـه اللفائف
وان ليس في التابوت فينا وإن سعت * شبـام حـواليه ونهـد وخارف (2)

وهكذا فالكيسانية فرقة جديدة من فرق الشيعة إلا أنها لا تعد ضمن الشيعة الذين قالوا بإمامة علي والحسن والحسين وأبناه الحسين لأنها أخرجت الإمامة إلى محمد بن الحنفية كما أنها جاءت بمبادىء كمبادىء السبئية أو الغلاة وهؤلاء خارج نطاق الخط الشيعي الذي نحن بصدده .
ولعل هذا السبب الذي دعا الرازي لأن يعد الكيسانية من الغلاة فقال : « ومن السبأية انبعثت أصناف الغلاة وتفرقوا بالمقالات ومنهم أصناف الكيسانية منهم البيانية أتباع بيان والنهدية أتباع صائد النهدي والهاشمية ... » (3) .
وقد جاءت الكيسانية باراء مختلفة ولم تقتصر دعواتها إلى محمد بن الحنفية فقط ، وإنما دعا بعض أتباع هذه الفرق إلى أنفسهم كما يظهر ذلك من دعوة حمزة بن عمارة البربري ، حيث ادعى أنه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله ، وأنه الإمام فتبعه بيان وبرئت منه الشيعة (4) .
إلا أن أهم فرقة من الكيسانية هي الفرقة التي أقرت بموت محمد بن الحنفية وقالت : « إن محمد بن الحنفية مات والإمام بعده عبد الله بن
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 6 ص 82 .
(2) ن. م ج 6 ص 83 .
(3) الرازي : الزينة الورقة 248 .
(4) النوبختي : فرق الشيعة ص 20 .

( 162 )

محمد ابنه وكان يكنى أبا هاشم وهو أكبر ولده وإليه أوصى أبوه فسميت هذه الفرقة الهاشمية بأبي هاشم » (1) .
فأبو هاشم هو وصي محمد بن الحنفية لذلك قالت الكيسانية : إن الإمامة جرت في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في ابن الحنفية ومعنى ذلك أن روح الله صارت في النبي وروح النبي صارت في علي وروح علي صارت في الحسن وروح الحسن صارت في الحسين وروح الحسين صارت في محمد بن الحنفية وروح ابن الحنفية صارت في ابنه أبي هاشم (2) .
كما قالوا : « إنه أفضى إليه بأسرار العلوم واطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس وتقدير التنزيل على التأويل ، وتصوير الظاهر على الباطن ، وقالوا : إن لكل ظاهراً باطناً ولكل تنزيل تأويل ... وهو العلم الذي استأتر علي به ابنه محمد وهو أفضى بذلك السر إلى ابنه أبي هاشم وكل من اجتمع له هذا العلم فهو الإمام حقاً » (3) .
ودعوة الغلو في الأئمة ليست جديدة فقد ظهرت أيام علي وأيام أبنائه كما ظهرت في أيام محمد بن الحنفية ولكنهم تبرؤوا منها كما مر بنا .
ويظهر أن الأمر قد اختلف في أيام أبي هاشم فيرى الدوري : « ان أبا هاشم كان طموحاً فحاول الاستفادة من هذه الآراء » (4) .
ويذكر ابن عبد ربه أنه قام بأمر الشيعة وأنهم كانوا يأتونه ويقوم بأمرهم ويؤدون إليه الخراج (5) .
وترد هنا كلمة شيعة والمقصود بها هنا ليست الجماعة التي شايعت علياً وقدمته على سائر أصحاب الرسول ، وإنما الجماعة التي أخرجت
____________
(1) النوبختي : فرق الشيعة ص 27 .
(2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 26 .
(3) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 243 .
(4) الدوري : العصر العباسي الأول ص 20 .
(5) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج 3 ص 194 .

( 163 )

الإمامة من أبناء علي إلى غيرهم وجاءت بآراء غريبة عن الشيعة كما فعل الكيسانية ، ثم أطلقت هذه اللفظة على شيعة بني العباس كما سنرى ذلك .
ويبدو مما يرويه صاحب أخبار العباس أن هناك جماعة أو شيعة لأبي هاشم تأتم به فقد ذكر أن أبا هاشم قدم على الوليد بسبب نزاعه مع زيد بن الحسن ، فوشى زيد بن الحسن بأبي هاشم وقال : إن له شيعة من أصحاب المختار يأتمون به ويحملون إليه صدقاتهم فحبسه الوليد (1) .
وقد توسط علي بن الحسين ( زيد العابدين ) عند الوليد فأطلق أبا هاشم وقرب منزلته منه (2) .
وهناك روايات تفيد أن أبا هاشم وفد على سليمان بن عبد الملك وأن سليمان خاف منه فدس له السم (3) .
فلما مات أبو هاشم افترق أصحابه إلى عدة فرق منها من قال إن عبد الله مات وأوصى إلى أخيه علي بن محمد بن الحنفية (4) .
وأخرى قالت : أوصى إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (5) .
وقالت فرقة من أتباع أبي هاشم : إنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب لأنه مات عنده بأرض الشراة بالشام وأنه دفع الوصية إلى أبيه علي بن عبد الله بن العباس لصغر سن محمد بن علي عند وفاة أبي هاشم وأمره أن يدفعها إليه (6) .
فنلاحظ أنه من هنا بدأ التحول في الإمامة إلى آل العباس وكانت هذه حجة بني العباس في انتقال الإمامة إليهم .
____________
(1) مؤلف مجهول : أخبار العباس الورقة 79 أ .
(2) ن. م الورقة 280 ب .
(3) اليعقوبي ج 3 ص 40 ، الأصفهاني : المقاتل ص 126 ، أخبار العباس الورقة 84 ب .
(4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 38 .
(5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 39 .
(6) النوبختي : فرق الشيعة ص 29 .