الفصل الرابع

سياسة العلويين تجاه الشيعة

1 ـ الزيدية

(أ) ثورات الزيدية
(ب) موقف الإمامية من الثورات الزيدية
2 ـ الشيعة الإمامية
(أ) موقف الإمامية من العباسيين



( 178 )


( 179 )

1 ـ الزيدية :

ثورات الزيدية :
لما انتظم أمر الدعوة العباسية وتم لها النجاح انفرد العباسيون بالسلطة ولم يحاولوا أن يشركوا أبناء عمهم سواء كان منهم من أبناء الحسن أم أبناء الحسين . وكان أبناء الحسين ساروا على منهاج اتخذوه وهو ترك مقاومة السلطان والخروج عليه ، إلا أن أبناء الحسن التزموا الجانب الإيجابي ولم يتركوا العباسيين ينعمون بما حصلوا عليه من ثمرة الكفاح المشترك لجميع الهاشميين .
وفي فترة تولي العباسيين الحكم كان الشيعة ينقسمون إلى جماعتين الزيدية والإمامية .
فأما الزيدية فهم اتباع زيد بن علي بن الحسين الذي ثار في أيام هشام بن عبد الملك وقتل ما بين سنة 121 هـ ـ 122 هـ (1) .
ومن مبادىء الزيدية في الإمامة : « إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد الرسول لقرابته وسابقته ولكن كان جائزُ للناس أن يولوا غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجرباً » (2) .
ثم جعلوا الإمامة بعد علي في الحسن والحسين وأولادهما وهي شورى بينهما ، فمن خرج منهم وشهر سيفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق للإمامة (3) . فالخروج بالسيف عند الزيدية شرط أساسي للإمامة .
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف جـ 3 الورقة 22 أ .
(2) النوبختي : فرق الشيعة ص 18 .
(3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 18 .

( 180 )

وتقول الزيدية أيضاً أن الإمامة في « كل أولاد فاطمة كائناً من كان بعد أن يكون عنده شروط الإمامة » (1) .
وشروط الإمامة عندهم هو » أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة يكون إماماً واجب الطاعة » (2) .
لذلك قصرت الزيدية الإمامة على أبناء الحسن والحسين وأولادهما « بما امتاز به الحسن والحسين وأولادهما من العلم والورع والتقوى والبصيرة والتدين » (3) .
وبالرغم من أن الزيدية ترى أن الإمام علي أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأنه أولى بالخلافة من غيره (4) .
إلا أنهم قالوا « جائز أن يكون الإمام مفضولاً ، كما يكون الأمير مفضولاً وفي رعيته من هو أفضل منه » (5) .
وفي أيام زيد حينما خرج وسألته الشيعة عن رأيه في أبي بكر وعمر فقال : « كنا أحق البرية بسلطان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فاستأثرا علينا وقد وليا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب والسنة » (6) .
فالبرغم من أن زيداً يرى أن علياً أفضل الصحابة وأن آل البيت أولى بالخلافة من غيرهم إلا أنه لا ينفي غمامة من تقدمه .
وقد تطورت هذه الفكرة بعد زيد وأصبحت من مبادىء الزيدية وهي جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل .
ويذكر الجاحظ رأي الزيدية ويرى أن مقياس الفضل عندهم أربعة اقسام : أولها القدم في الإسلام حيث لا رغبة ولا رهبة إلا من الله وإليه ،
____________
(1) ابن النديم : الفهرست ص 178 .
(2) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 249 .
(3) المفيد : المسائل الجارودية ( رسالة طبعت ضمن رسائل المفيد ) ص 3 .
(4) الجاحظ : ثلاث رسائل للجاحظ نشرها السندويي ص 241 ( استحاق الإمامة ) .
(5) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص 134 .
(6) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 21 أ .

( 181 )

وثانيها الزهد في حطام الدنيا ، فإن أزهد الناس في الدنيا أرغبهم في الآخرة ، وثالثها التفقه في الدين لأن الناس يعرفون به مصالح دنياهم ومراشد دينهم ، ورابعها المشي بالسيف فمن وجدت فيه هذه الصفات الأربع وجب عليهم تفضيله (1) .
وقالت الزيدية أن خلافة أبي بكر كانت وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة « وإشفاقاً من الفتنة » (2) .
ويؤكد الشهرستاني هذا المعنى بقول الزيدية : « كان علي أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحه رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة ، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً ، وسيف أمير المؤمنين علي عن دماء المشركين من قريش لم يجف بعد ، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي » (3) .
وترى الزيدية في تقديم أبي بكر على علي إنما كان امتحاناً له « والتغليظ في المحنة وشدة البلوى في الكلفة » كما قال الله تعالى للملائكة : ( اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ) والملائك أفضل من آدم « فقد كلفهم الله أغلظ المحن وأشد البلوى » (4) .
وقد وقفت الزيدية من السلطة الحاكمة موقفاً يختلف عن الموقف الذي وقفته الشيعة الإمامية ، فالإمام عند الزيدية يجب أن يكون شجاعاً مقداماً شاهراً سيفه (5) . لذلك تبطل الزيدية إمامة « كل من ادعى الإمامة وهو قاعد في بيته مرخ عليه ستره ، لايجوز اتباعه ولايجوز القول بإمامته » (6) .
فاستعمال السيف في رأي الزيدية أمر واجب ، إذا ما أمكن به إزالة
____________
(1) الجاحظ : ثلاثف رسائل ص 241 .
(2) ن. م ص 246 .
(3) الشهرستاني : الملل والنحل ج 1 ص 250 .
(4) الجاحظ : ثلاث رسائل ص 246 .
(5) المقدسي : البدء والتاريخ ج 5 ص 133 ، الحميري : الحور العين ص 156 .
(6) النوبختي : فرق الشيعة ص 74 ـ 75 .

( 182 )

أهل البغي وإقامة الحق (1) .
فهذه أهم مبادىء الزيدية ، وقد أصبحت خطاً واضحاً في فترة تولي العباسيين الحكم إلا أن هذه المبادىء قد تبناها أبناء الحسن ، لأن الزيدية لم تقصر الإمامة على أبناء الحسين وإنما جعلتها شورى بين أبناء الحسن والحسين أو لكل من أولاد فاطمة من خرج منهم بالسيف ، فسار أبناء الحسن على هذا المبدأ ورفعوا لواء الثورة بوجه العباسيين .
أما من هم أبناء الحسن فأشهرهم زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن (2) . وزيد بن الحسن تولى صدقات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك عزله عنها ، وأعاده إليها عمر بن عبد العزيز « لأنه شريف بني هاشم وذو سنهم » (3) .
ويقول المفيد : « وخرج زيد بن الحسن من الدنيا ولم يدع الإمامة ولاادعاها له مدع من الشيعة » (4) .
ويبدو أن زيد بن الحسن كان يرى التقية لأعدائه لذلك تقلد الأعمال من قبل الأمويين . فيذكر المفيد « والزيدي يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسين الدعوة والجهاد وزيد بن الحسن كان مسالماً لبني أمية ومتقلداً من قلبهم الأعمال وكان رأيه التقية لأعدائه والتآلف لهم والمداراة وهذا يضاد عند الزيدية علامات الإمامة » (5) .
أما الحسن بن الحسن فكان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً وكان يلي صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وقته وقد خرج مع عمه الحسين يوم الطف وتزوج ابنته فاطمة (6) .
____________
(1) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص 74 .
(2) البخاري : سر السلسلة العلوية ص 4 .
(3) المفيد : الإرشاد ص 194 .
(4) ن. م ص 195 .
(5) المفيد : الإرشاد ص 195 .
(6) ن. م ص 195 .

( 183 )

ويقول المفيد : « ومضى الحسن بن الحسن ولم يدع الإمامة ولا ادعاها له مدع » (1) . وكان أبرز أبناء الحسن في فترة تولي العباسيين والحكم الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا محمد وكان أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي ، وعمل له أيضاً على غير المدينة « وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى وهو أول من لبس السواد من العلويين أدرك الرشيد وتوفي سنة 168 هـ » (2) .
وعبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب « وإنما سمي المحض لأ أباه الحسن بن الحسن وأمه فاطمة بنت الحسين ، وكان يشبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وكان شيخ بني هاشم في زمانه . وقيل : بم صرتم أفضل الناس ؟ فقال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمى أن نكون من أحد . وكان قوي النفس شجاعاً » (3) .
وأعقب عبد الله المحض محمداً ذي النفس الزكية وإبراهيم وموسى الجون (4) .
ويبدو أن عبد الله بن الحسن كان ذا منزلة أثارت خوف الأمويين حتى أن مروان في أيام الدعوة العباسية حينما علم بوجود دعوة إلى الرضا من آل محمد لم يشك في أحد سوى عبد الله بن الحسن بن الحسن لأنه على زعم مروان « شيخ هذا البيت ( بيت بني هاشم ) وذو سنهم وأحر به أن يكون صاحب هذا الشأن » (5) .
وبالرغم من هذه المنزلة التي كان يتمتع بها عبد الله المحض إلا أنه لم نجد ما يشير إلى أنه دعا إلى نفسه في وقت من الأوقات وإنما كان يرشح ابنيه محمداً وإبراهيم للخلافة ويسمى محمداً ابنه النفس الزكية والمهدي قبل أن يتولى السفاح الخلافة (6) .
____________
(1) البخاري : سر السلسلة ص 5 ـ 6 وانظر المفيد : الإرشاد 196 ـ 197 .
(2) المفيد : الإرشاد ص 197 .
(3) ابن عنبة : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص 70 .
(4) ابن عنبة ص 103 .
(5) مؤلف مجهول : نبذة من كتاب التاريخ ص 103 .
(6) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 9 ب .

( 184 )

وقد قامت دعوة لمحمد النفس الزكية قام بها المغيرة مولى بجيلة الذي تنسب إليه المغيرتة (1) ، وبيان التبان وكانا يكفران أصحاب محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) وقد خرج بيان على خالد بن عبد الله القسري داعياً لمحمد بن عبد الله إلا أنه قتل (2) .
وبالرغم من أن كل الدعوات كانت توجه إلى عبد الله المحض إلا أنه كان يصرفها إلى ابنه محمد ويهيء الجو له لتولي الخلافة .
فلما قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكانت الفتنة أرسل الفضل ابن عبد الرحمن بن عياش بن الحارث بن عبد المطلب إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن يعلمه أن السبيل مهيأ للخروج ، فدعى عبد الله أهل بيته إلى بيعة ابنه محمد ولم يدعُ إلى نفسه ، مع العلم بأن الجميع يرون أنه الأفضل للقيام بالأمر كما يدل على ذلك قول جعفر بن محمد الصادق له : « يا أبامحمد اتق الله وابق على نفسك وأهلك فإن هذا الأمر ليس فينا وإنما في ولد عمنا العباس وان أبيت فادع إلى نفسك فأنت أفضل من ابنك فأمسك ولم يجبه » (3) .
كما أن أبا العباس السفاح حين قدم الكوفة هو وأهل بيته أخفاه أبو سلمة الخلال وحاول أن يرجع الأمر إلى آل أبي طالب فأرسل إلى جعفر ابن محمد الصادق يدعوه إلى هذا الأمر فرفض الصادق ، فأرسل أبو سلمة إلى عبد الله بن الحسن فاعتذر بأنه « شيخ كبير وأن ابنه محمداً أولى بالأمر » (4) .
ولم يستمع عبد الله بن الحسن إلى نصيحة أحد واستمر في الدعوة
____________
(1) المغيرية المغيرة بن سعيد الذي قال بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بعد وفاة محمد الباقر وزعم أنه القائم المهدي وأنه الإمام ولقبوه بالقائم لأن رسول الله قال : « القائم المهدي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي » انظر سعد القمي : المقالات والفرق ص 76 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 9 ب .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 9 ب .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 86 وانظر نبذة من كتاب التاريخ ص 114 ـ 115 .

( 185 )

إلى ابنه محمد النفس الزكية حتى أن جعفر بن محمد الصادق حينما حذره من أن محمداً ليس بصاحب هذا الأمر حمل هذا التحذير على محمل الحسد لابنه (1) .
وكان محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن من كبار أئمة الشيعة وعلماء العترة (2) .
فلما ولي أبو العباس السفاح الخلافة « استخفى محمد النفس الزكية وتمارض أبوه وأظهر أن ابنه قد مات » (3) .
ولم يبايع محمد النفس الزكية للسفاح وذلك لأنه يرى أنه صاحب هذا الأمر بعد أن بايعه بنو هاشم بمكة ، وقد روت المصادر التاريخية هذا الخبر .
فالبلاذري يذكر أنه بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بايع بنو هاشم محمد النفس الزكية ويقول « واستتر محمد بن عبد الله وقد بايعه قوم من أهل بيته » (4) .
أما الطبري فيقول : « وقد ذكر أن محمداً كان أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بني هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر مروان مع سائر المعتزلة الذين كانوا معهم هناك » (5) .
ويروي الأصفهاني أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وبايعوا محمداً النفس الزكية ومنهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وأبو جعفر المنصور وصالح بن علي وعبد الله بن الحسن بن الحسن وأبناه محمد وإبراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وكان أكثرهم تحمساً لبيعة محمد المنصور حيث كان يقول : « لأي شيء
____________
(1) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 207 .
(2) البخاري : سر السلسلة العلوية ص 7 .
(3) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 9 ب .
(4) ن. م ج 3 الورقة 9 ب .
(5) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 180.

( 186 )

تخدعون أنفسكم ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع إجابة إلى هذا الفتى » (1) .
ولم يطمئن السفاح لغياب محمد النفس الزكية وإنما كتب يستقدم عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فقدم عليه مع أخيه الحسين بن الحسن فأكرمهما ووصلهما إلا أنه أكثر من السؤال عن محمد النفس الزكية وقال لعبد الله : « يا أبا محمد أترضى من ابنك يبيع بالمدينة ولا يشخص غلى معك » فحلف له عبد الله أنه لا يعرف مستقره (2) .
ولكن يبدو أن أبا العباس كان متخوفاً من محمد وأخيه ولو أنه كان يبالغ في إكرامهم ووصلهم بالصلاة الكثيرة إلا أنه كان لا يفتأ بتذكيرهم بأمر محمد وعزمه على الدعوة إلى نفسه (3) .
وبالرغم من أنه لم يخرج أحد من أبناء الحسن في أيام أبي العباس السفاح وأنه لم يؤذ أحداً منهم إلا أن الطرفين كانوا في ريبة وشك من بعضهما ، ثم إن مدة خلافة السفاح كانت قصيرة والدولة العباسية في بداية أمرها . كما أن المبادىء التي قامت عليها الدعوة العباسية من الطلب بحق آل البيت والثأر لدمائهم ربما كانت مانعاً من قيام أبي العباس بأي عمل ضد أبناء الحسن بالرغم من وصول الأخبار إليه بدعوة محمد إلى نفسه فذكر الأصفهاني عن عبد الله بن الحسن قال بينما أنا في سمر مع أبي العباس ، وكان إذا تثاءب أو ألقى المروحة قمنا فألقاها ليلة فقمنا ، فأمسكني فلم يبق غيري فأدخل يده تحت فراشه فأخرج إضبارة كتب فقال : « اقرأ يا أبا فقرأت فإذا كتاب من محمد إلى هشام بن عمرو ابن البسطام التغلبي ، يدعوه إلى نفسه ، فلما قرأته قلت : يا أمير المؤمنين لك عهد الله وميثاقه ألا ترى منهما شيئاً تكرهه ما كانا في الدنيا » (4) .
____________
(1) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 206 وانظر أيضاً ابن طباطبا : الفخري ص 164 ، ابن خلدون : العبر ج 3 ص 398 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 9 ب .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 96 .
(4) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 177 .

( 187 )

وذكر ابن قتيبة عن المدائني ، لما بني أبو العباس السفاح المدينة بالأنبار سأل عبد الله بن الحسن رأيه فيها ، فقال :

ألم تر حوشبا أمسى يبني * قصوراً نفعهـا لبني نفيلة
يؤمل أن يعمر عمر نوح * وأمر الله يحـدث كل ليلة

ثم انتبه لما قال وطلب من السفاح أن يقيله فما أقاله وأخرجه إلى المدينة (1) .
وهكذا استمرت العلاقة بين السفاح وأبناء الحسن سليمة حيث يقول اليعقوبي : « وطفىء أمر محمد في خلافة أبي العباس فلم يظهر منه شيء وكان متى بلغ أبو العباس عنه شيء ذكر ذلك لعبد الله فيقول : يا أمير المؤمنين أنا نحميها بكل قذاة يخل ناظرك منها فيقول : بك أثق وعلى الله أتوكل » (2) .
ولعل ما يتمتع به السفاح من التسامح والحلم كان عاملاً في تحسن العلاقة بينه وبين أبناء الحسن فقد « كان السفاح كريماً حليماً جواداً وصولاً لذوي أرحامه » (3) .
كما أن السفاح قصد من حسن معاملته لأبناء الحسن أن يتألف قلوبهم لكسبهم إلى جانبه فلم يلتفت إلى ما أشار إليه المنصور من تغيير سياسته مع العلويين فكان يقول : « من شدد نفر ومن لان تألف والتغافل من سجايا الكرام » (4) .
إلا أن العلاقة بين العباسيين والعلويين لم تستمر على هذا الحال بعد وفاة السفاح وتولي المنصور الخلافة سنة 136 هـ (5) .
ويبدو أن المنصور كان متخوفاً من الشيعة يدل على ذلك قوله حينما
____________
(1) ابن قتيبة : عيون الأخبار ج 2 ص 211 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 97 .
(3) ن. م ج 3 ص 97 .
(4) الحنبلي : شذرات الذهب ج 1 ص 159 .
(5) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 100 .

( 188 )

أعلمه أبو مسلم بوفاة أبي العباس فقرأ كتاب أبي مسلم وبكى وجزع جزعاً شديداً فعجب أبو مسلم من ذلك فقال المنصور : « أتخوف شر عبد الله بن علي وشيعة علي » (1) .
وقد اتبع المنصور الشدة في معاملة أبناء الحسن ، فكتب إلى زياد بن عبد الله يأمره « بالشديد على عبد الله بن الحسن حتى يأتيه بابنه محمد » (2) .
وقد اتبع المنصور أساليب مختلفة للقضاء على أبناء الحسن فقد كان يدس قوماً يتجرون في البلدان ويظهرون التشيع حتى أن قسما منهم اتصل بعبد الله بن الحسن وأعطاه أموالاً وجعله يثق به حتى دله على مكان ابنه محمد إلا أنه أدرك ما يقصد هذا الرجل (3) .
ولما حج المنصور سنة 140 هـ وصلته الأخبار بتحرك محمد النفس الزكية بالمدينة فطلبه فلم يظفر به ، فأخذ عبد الله بن حسن وجماعة من أهل بيته فأوثقهم بالحديد وحملهم على الإبل بغير وطاء (4) .
ولما حمل بنو الحسن كان محمد وإبراهيم يتصلان بأبيهما متخفين كهيئة الأعراب ، ويسألانه الخروج فكان يطلب منهما التريث حتى يحين لهما ذلك إلا أنه كان يشجعهما ويقول لهما : « إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين » (5) .
وقد بالغ المنصور في الشدة على أبناء الحسن « فلم يزالوا في الحبس حتى ماتوا ( وقد قيل ) انهم وجدوا مسمرين في الحيطان » (6) .
وكانت هذه الشدة سبباً جعلت محمد النفس الزكية يستأذن أباه في الخروج قبل وقته لولا أن أباه منعه من ذلك (7) .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 155 .
(2) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 10 أ .
(3) ن. م ج 3 الورقة 10 أ .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 7 ص 550 .
(5) ن. م ج 9 ص 194 .
(6) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 106 .
(7) ن. م ج 3 ص 106 .

( 189 )

وقد حاول المنصور أن سياسته تجاه أبناء الحسن فخطب بالناس بعد أخذ أبناء الحسن وحبسهم قال « يا أهل خراسان أنتم شيعتنا و أنصارنا وأهل دعوتنا ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منا ، إن ولد ابن أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة فلم نعرض لهم بقليل ولا بكثير فقام فيها علي فما أفلح وحكم الحكمين فاختلفت الأمة عليه وافترقت الكلمة ثم وثب عليه شيعته وأنصاره فقتلوه ، ثم قام بعده الحسن بن علي فو الله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ودس إليه معاوية أني أجعلك ولي عهدي فخلفه وانسلخ له مما كان فيه وسلمه إليه وأقبل على الناس يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه ، ثم قام بعده الحسين بن علي فخدعه أهل العراق الشقاق والنفاق والأغراق في الفتن أهل هذه المدرة السوء ... فلما استقرت الأمور فينا على قرارها من فضل الله وحكمه العدل وثبوا علينا حسداً منهم لنا وبغياً علينا بما فضلنا الله به عليهم وأكرمنا من خلافته ميراثنا من نبيه » (1) .
فأبو جعفر المنصور هنا يريد أن يبرر موقفه بادعائه أنه صاحب الحق وأنه صاحب ميراث النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ، كما أن هذا الخطاب تدبير آخر للمنصور يحاول به أن يكسب أنصاراً من الخراسانيين لأن الخطاب موجه إليهم فيحاول أن يظهر لهم أبناء علي بمظهر الذي لا يصلح للخلافة لأنه لم يفلح فيها واحد منهم ، كما أن الخطاب « يوضح لنا نظرة المنصور للخراسانيين واهتمامه بإقناعهم بحقه ليؤيدوه تأييداً كلياً » (2) .
إلا أن محمد النفس الزكية كان يؤكد أنه صاحب الحق في الخلافة فخطب في أصحابه مبيناً لهم عدم أهلية المنصور للخلافة فقال : « وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين ، اللهم انهم قد أحلوا حرامك وحرموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت » (3) .
____________
(1) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 311 .
(2) الدوري : العصر العباسي الأول ص 78 .
(3) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 205 .

( 190 )

فيحاول هنا أن يظهر أن المنصور لا حق له بالخلافة لأن جده ليس من المهاجرين ولا الأنصار .
« فلما اشتد الطلب بمحمد خرج قبل وقته الذي واعد أخاه إبراهيم على الخروج فيه وقيل بل خرج لميعاده وإنما تأخر أخوه لجدري أصابه » (1) .
وظهر محمد بن عبد الله النفس الزكية بالمدينة سنة 145 هـ « فاجتمع معه خلق عظيم ووافته كتب أهل البلدان ووفودهم » (2) .
ويقول المسعودي : « وبايعه خلق كثير من الحاضرة والبادية » (3) ويذكر أن من كان معه « ولد علي وولد جعفر وولد عقيل وولد عمر بن الخطاب وولد الزبير بن العوام وسائر قريش وأولاد الأنصار » (4) .
وقد تفرق إخوة محمد النفس الزكية في البلدان يدعون إلى إمامته فتوجه ابنه علي إلى مصر ، وابنه عبد الله إلى خراسان وابنه الحسن إلى اليمن ، واخوه موسى إلى الجزيرة ، وأخوه يحيى إلى الري ، ثم إلى طبرستان ، وأخوه إدريس بن عبد الله إلى المغرب (5) .
فلما ظهر محمد بدأ المنصور بمراسلته « ودعاه لحل الخلاف سليماً ليكسب الوقت وليضع مسؤولية الحرب على عاتق خصمه » (6) .
فأرسل المنصور غلى محمد حين خرج : « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم إلا الذين يأتوا من قبل أن أقدر عليك فلك أن أومنك وجميع
____________
(1) ابن الأثير : الكامل ج 5 ص 2 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 111 .
(3) المسعودي : التنبيه والاشراف ص 341 .
(4) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 306 .
(5) ن . م ج 3 ص 306 .
(6) الدوري : العصر العباسي الأول ص 78 .

( 191 )

أخوتك وولدك وأهل بيتك وأتباعك وأعطيك ألف ألف درهم » (1) .
فأجابه محمد : ( طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويَستَحي نساءهم انه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في اَلاْرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) وقال في كتابه : « ان الله اختارنا واختار لنا فولدنا من النبيين محمداً أفضلهم مقاماً ومن السلف أولهم إسلاماً ومن الأزواج خيرهن خديجة الطاهرة وأول من صلى القبلة ومن البنات خيرهن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ومن المولود في الإسلام الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وإن هاشماً ولد علياً مرتين فأنا أوسط بني هاشم نسباً وأحرصهم أماً وأباً لن تعرق في العجم وأنا ابن أرفع الناس درجة في الجنة وابن أهونهم عذاباً في النار ولك الأمان إن دخلت في طاعتي فأنا أولى بالأمر منك وأولى بالوفاء بالعهد فأي الأمانات ليت شعري أعطيتني أأمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي » (2) .
فكتب إليه المنصور :
« قد بلغني كتابك فإذا جل فخرك بقرابة النساء لتغر بذلك الجفاة والغوغاء ولم يجعل إليه النساء كالعمومة والعصبة وقد جعل الله العم أباً وبدأ به قبل الوالد فقال : ( نعبد الهك وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) فسمى إسماعيل أباً وهو عم يعقوب ولقد بعث الله نبيه محمداً وله عمومة أربعة فدعاهم فأجابه اثنان أحدهما أبي وأبى اثنان أحدهما أبوك فقطع الله وراثتهما وولايتهما منه وزعمت أنك أخف الناس عذاباً يوم القيامة ... وليس ينبغي لمسلم يؤمن بالله أن يفخر بأهل النار وأما ما فخرت به أن علياً ولده هاشم مرتين وأن عبد المطلب أبوه أبو طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولد حسناً مرتين فخير الأولين والآخرين رسول
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 11 أ .
(2) ن. م ج 3 الورقة 11 أ .

( 192 )

الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم يلده هاشم ولا عبد المطلب إلا مرة وفخرت لأنك لم تلدك العجم ولم تعرق فيك أمهات الأولاد فقد فخرت على من هو خير منا نفساً وأباً أولاً وآخراً إبراهيم بن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كانت أمه مارية القبطية وما ولد فيكم أفضل من علي بن الحسين وهو لام ولد وهو خير من جدك حسن وما كان فيهم بعده مثل أبيه محمد بن علي بن الحسين وأمه أم ولد وأما قولك أنهم بنو رسول الله فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) ولكنكم بنو بنته وهي رحمها الله لا تحرز الميراث ولا ترث الولاء ولا يحل لها أن تؤم فكيف يورث هذا امامكم وأما ما ذكرت من أمر علي فقد حضرت النبي الوفاة فأمر غيره بالصلاة » (1) .
ثم يشير المنصور إلى النزاع بين الأمويين والعلويين وانتصار العباسيين ويقول : « ثم خرجتم على بني أمية فقتلوكم وصلبوكم ونفوكم من البلدان ... حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم وأدركنا بدمائكم وأورثناكم أرضهم وديارهم » (2) .
ويبدو من هذه المكاتبات التي تبودلت بين المنصور ومحمد النفس الزكية الصراع الذي كان سائداً بين العباسيين وأبناء الحسن وحجج الطرفين ، « كما أنها تظهر نظرتهم إلى بعضهم في ذلك الوقت ، ثم إنها كتبت لمجرد الدعاية ولم يقصد منها إقناع الخصم » (3) .
وبالرغم من كثرة من وقف بجانب النفس الزكية ونصره ، لم يكتب لثورته النجاح للظروف التي أحاطت به .
فقد اتبع المنصور وسائل عديدة للقضاء عليه فقد كان يكتب إليه على ألسن قواده « يدعونه إلى الظهور ويعلمونه بأنهم معه ، لذلك كان محمد يقول : لو التقينا مال إلي الثوار كلهم » (4) .
____________
(1) البلاذري : أنساب الأشراف ج 3 الورقة 11 ب .
(2) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 210 ـ 211 وقد ذكر الطبري هذه الرسائل كما وردت عند البلاذري مع بعض الاختلافات انظر الطبري ج 9 ص 210 ـ 211 .
(3) الدوري : العصر العباسي الأول ص 80 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 216 .

( 193 )

ثم إن الشدة التي اتبعها المنصور في معاملة أبناء الحسن دفعت محمداً إلى الثورة قبل وقتها المعين (1) .
كما أن المنصور قد قطع الميرة عن خصمه من الشام ومصر (2) . ثم إن محمداً خطب في أصحابه وجعلهم في حل من بيعته بعد وصول جيش المنصور إليه ، وكان هذا مما ثبط عزيمة أصحابه وانسحابهم « فتسللوا حتى بقي في شرذمة ليست بالكثيرة » (3) .
ويذكر اليعقوبي مكيدة دبرتها أسماء ابنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس كان لها الأثر في تفرق الناس عن محمد النفس الزكية فقد كانت أسماء معادية لمحمد فأرسلت مولى لها فرفع قصبة عليها خمار أسود نصبه فوق مأذنة المسجد ثم ذهب إلى عسكر محمد فصاح الهزيمة قد دخل المسودة فلما رأى الناس العلم الأسود انهزموا وبقي محمد يقاتل وحده حتى قتل (4) .
كما أن ابن الأثير يذكر أن محمد النفس الزكية دعا إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكان شيخاً كبيراً إلى بيعته فامتنع عن البيعة وقال : « يا ابن أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك . فارتدع الناس عنه قليلاً » (5) .
وهكذا فشلت ثورة النفس الزكية وقد أرسل المنصور عيسى بن موسى إلى المدينة في « جيش عظيم » (6) ، وقد قتل محمد النفس الزكية في اليوم الرابع عشر من رمضان سنة 145 هـ (7) .
وخرج بعد محمد أخوه إبراهيم بن عبد الله بالبصرة وقد بايعه أهلها
____________
(1) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 260 .
(2) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 216 ـ 217 .
(3) ن. م ج 9 ص 219 .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 111 .
(5) ابن الأثير : الكامل ج 5 ص 3 .
(6) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 111 .
(7) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 275 .

( 194 )

وقد خرج في أول شهر رمضان سنة 145 هـ ، ودعا إبراهيم في بدء أمره إلى أخيه محمد فلما قتل محمد دعا إلى نفسه (1) .
واستمر إبراهيم ينشر دعوته سراً في البصرة وقد ساعده على ذلك أن والي البصرة سفيان بن معاوية تجاهل أمره وأيده في السر (2) .
ويقول اليعقوبي : « وكان إبراهيم قد قصد الكوفة وهو لا يشك أن أهل الكوفة يثبون معه بأبي جعفر فلما صار بالكوفة لم يجد ناصرآ » وقد علم أبو جعفر بوجوده فوضع الأرصاد والحرس ليمنعه من الخروج إلا أنه بعد أن علم خطأه احتال حتى خرج من الكوفة (3) .
وقد استطاع إبراهيم أن يكسب كثيراً من الأنصار « فأجابه أهل فارس والأهواز وغيرها من الأمصار وسار من البصرة في عساكر كثيرة من الزيدية وجماعة ممن يذهب إلى قول البغداديين من المعتزلة ومعه عيسى بن زيد ابن علي بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب » (4) .
وبالرغم من صعوبة وضع المنصور وقلة جيشه إذ لم يكن لديه إلا 2000 رجل (5) ، إلا أنه استطاع القضاء على ثورة إبراهيم ، فوجه إليه عيسى بن موسى في العساكر فالتقوا بباخمري على ستة عشر فرسخاً من الكوفة فقتل إبراهيم وقسما ممن كان معه وانهزم الباقون وذلك في سنة 145 (6) .
ويقول المسعودي : « وقتل معه من الزيدية من شيعته أربعمائة رجل وقيل خمسائة رجل » (7) .
وهكذا استطاع المنصور القضاء على هذا الخطر « الذي زلزل ملكه
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 112 ـ 113 .
(2) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 250 .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 112 .
(4) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 308 .
(5) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 254 .
(6) المسعودي : التنبيه والإشراف ص 341 .
(7) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 308 .

( 195 )

في مركزه يقضي عليه » (1) .
ويذكر الأصفهاني عدداً من أبناء الحسن تعرض لهم المنصور فحبسهم وماتوا في الحبس منهم عبد الله بن الحسن بن الحسن والحسن ابن الحسن وإبراهيم بن الحسن بن الحسن وعلي بن الحسن بن الحسن والعباس بن الحسن بن الحسن وإسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ومحمد ابن إبراهيم بن الحسن وعلي بن محمد بن عبد الله (2) .
وهكذا كان حال أبناء الحسن أيام المنصور فيقول ابن الساعي : « وقد ابتلى الله تعالى المنصور بأذية آل الحسن السبط ... فقضوا بين مقتول ومسموم » (3) .
ويذكر المقريزي من قتل من الطالبيين أيام المنصور وما لحقهم من تعذيب ويقول : « فأين هذا الجور والفساد من عدل الشريعة المحمدية وسيرة أئمة الهدى وأين هذه القسوة الشنيعة مع القرابة من رحمة النبوة وتا لله ما هذا من الدين في شيء بل هو من باب قول الله ( فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (4) .
ولما توفي أبو جعفر المنصور سنة 158 هـ (5) ، تولى المهدي الخلافة ، ويبدو من سيرته أنه اتبع سياسة مخالفة لسياسة المنصور فحاول أن يخفف من الشدة التي اتبعها المنصور، فأطلق من كان في سجن المنصور « إلا من كان قبله تباعة دم أو قتل ومن كان معروفاً بالسعي في الأرض بالفساد » ، وكان ممن أطلقه المهدي يعقوب بن داود مولى سليم وكان معه الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (6) .
____________
(1) الدوري : العصر العباسي الأول ص 83 .
(2) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 179 ـ 204 .
(3) ابن الساعي : مختصر أخبار الخلفاء ص 18 .
(4) المقريزي : النزاع والتخاصم ص 59 .
(5) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 323 .
(6) ن . م ج 9 ص 327 .