وقد حبس المنصور يعقوب بن داود وذلك لأنه كان يدعو لمحمد النفس الزكية ويسعى له في البيعة وبعد مقتل محمد دعا إلى أخيه إبراهيم فلما قتل هرب يعقوب فأمر المنصور بطلبه فأخذه وحبسه ، فلما جاء المهدي أطلقه (1) .
وأصبح يعقوب بن داود مقرباً من المهدي وكان الغالب عليه في خلافته وقد ساعده في ذلك ما يتمتع به من صفات فيذكر اليعقوبي « كان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة محباً للخير كثير الفضل حسن الهدى » (2) .
وقد تحسن حال الزيدية في أيامه نتيجة لصلة يعقوب بن داود الحسنة بالخليفة ولكونه وزيراً من الزيدية يدل على ذلك ما وراه الطبري من أن المهدي كان يبحث عن رجل من الزيدية له معرفة بآل الحسن وبعيسى بن زيد فيأتيه بأخبار آل الحسن فجيء له يعقوب بن داود « فسأله المهدي عن عيسى بن زيد فزغم الناس أنه وعده الدخول بينه وبينه وكان يعقوب ينتفي من ذلك إلا أن الناس قد رموه بأن منزلة عند المهدي إنما كانت للسعاية بآل علي » (3) .
وارتفعت منزلة يعقوب عن المهدي حتى « استوزره وفوض إليه أمر الخلافة فأرسل إلى الزيدية فأتى بهم من كل صوب وولاهم أمور الخلافة في المشرق والمغرب وكل جليل وعمل نفيس والدنيا كلها في يديه » (4) .
ويذكر الطبري أن الحسن بن إبراهيم بن الحسن الذي كان محبوساً مع يعقوب أيام المنصور وحينما أطلق يعقوب بقي الحسن محبوساً ففر من السجن فلما حج المهدي أتاه يعقوب بالحسن فأستامن له فوصله المهدي وأقطعه (5) .
____________
(1) مؤلف مجهول ـ العيون والحدائق ص 275 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 133 .
(3) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 3 .
(4) ن . م ج 10 ص 3 .
(5) الجهشياري : الوزارء والكتاب ص 156 .

( 197 )

وبالرغم من هذه المنزلة التي كان يتمتع بها يعقوب إلا أن المهدي كان حذراً منه لا سيما بعد ان كثرت السعايات به من قبل موالي المهدي فقد أورد الطبري خبراً مفاده أن المهدي أراد أن يختبر يعقوب بن داود وميله إلى العلويين فطلب منه أن يقتل أحد أولاد علي ودس له جارية لتتعرف خبره فلم يفِ يعقوب بما طلب منه فغضب عليه المهدي وحبسه وظل في الحبس حتى زمن الرشيد (1) .
ولم يخرج أحد من الزيدية في أيام المهدي ما عدا علي بن العباس ابن الحسن فقد قدم بغداد ودعا الى نفسه سرا فتبعه جماعة من الزيدية ولما علم المهدي بخبره حبسه فلم يزل في الحبس حتى استوهبه من المهدي الحسين بن علي بن الحسن فوهبه له (2) .
ولكن الأصفهاني يذكر أن المهدي حينما أخرج علي بن الحسين من السجن دس له سماً « فل يزل ينتقض عليه حتى قدم المدينة فتفسخ لحمه وتباينت أعضاؤه فمات » (3) .
أما عيسى بن زيد فكان ورعاً ديناً كثير العلم راوية للحديث ، وقد خرج عيسى بن زيد مع محمد النفس الزكية « وجمع إليه وجوه الزيدية وكل من حضر معه أهل العلم » (4) .
وقد اختفى عيسى بن زيد بعد مقتل محمد ولم يظفر به المهدي (5) .
واستمرت الزيدية على السير في طريق الثورة فلما ولي الهادي الخلافة سنة 169 هـ ، اتبع سياسة الشدة مع العلويين خلافاً للسياسة التي اتبعها أبوه ، فقد « ألح في طلب الطالبيين وأخافهم خوفاً شديداً وقطع ما كان المهدي يجريه لهم في الأرزاق والأعطية وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم » (6) .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 5 ، الجهشياري ص 160 ، العيون والحدائق ص 276 .
(2) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين 403 .
(3) ن. م ص 403 .
(4) ن. م ص 407 .
(5) ن. م ص 408 .
(6) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 137 .

( 198 )

ونتيجة لهذه السياسة التي اتبعها الهادي مع العلويين اشتد خوفهم وكثر من يطلبهم ، لذلك لجأت الشيعة إلى الحسين بن علي بن الحسن « وكان له مذهب جميل وكمال مجد » فدعوه إلى الخروج وكان الحسين بن علي يرى رأيهم ولكنه لا يجد ناصراً فبايعه عدد كبير من الشيعة اول الأمر لكنهم تفرقوا فيما بعد فلم يوافه منهم إلا أقل من خمسائة رجل (1) .
ويرى الأصفهاني أن السبب الذي دفع الحسن إلى الخروج أن والي الهادي على المدينة عبد العزيز بن عبد الله من أولاد عمر بن الخطاب قد أساء معاملة الطالبيين وأفرط في التحامل عليهم حتى أنه أخذ من كل واحد منهم بكفالة قريبه ونسيبه (2) .
وفشلت ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي فقتل يفخ وانهزم من كان معه وهرب خاله إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وكان قد خرج معه فصار إلى المغرب ، فاجتمعت عليه كلمة أهلها (3) .
ومن هنا تظهر أهمية وقعة فخ لأن إدريس استطاع أن يكون دولة الأدراسة (4) .
وبالرغم من الشدة التي اتبعها الهادي مع العلويين إلا أنه غضب على موسى بن عيسى الذي أرسله لمواجهة الحسين بن علي وصادر أمواله ، كما أنه عاقب الذين أتوه برأس الحسين فلم يثيبهم بشي ء (5) .
ولما ولي الرشيد الخلافة حاول اتباع سياسة اللين مع العلويين فقد « بذل الأمان للطالبيين وأخرج الخمس لبني هاشم » (6) كما رفع الحجر عمن كان منهم ببغدا سنة 171 هـ وسيرهم إلى المدينة ما عدا العباس بن
____________
(1) اليعقوبي ج 3 ص 137 .
(2) الأصفهاني : مقاتل الطالبين ص 443 .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 137 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 24 ـ 32 .
(5) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 337 .
(6) المقدسي : البدء والتاريخ ج 6 ص 101 .

( 199 )

الحسن بن عبد الله (1) .
إلا أن أبناء الحسن استمروا على سياسة الثورة فقد ظهر زمن الرشيد يحيى بن عبد الله بن الحسن بالديلم وقوي أمره ، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى في خمسين ألفاً ومعه وجوه القواد فوصل الفضل إلى الديلم واستطاع أن يقضي على حركته مستخدماً أساليب مختلفة من الشدة واللين والتحذير والترهيب إلى أن أجاب يحيى إلى الصلح (2) .
ويبدو أن يحيى لم يجب إلى الصلح إلا بعد أن رأى ضعف مركزه « وتفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه وكثرة خلافهم عليه » (3) .
ولكنه اشترط على الرشيد أن يكتب له أماناً بخطه وأن يشهد عليه الفقهاء والقضاة وجلة بني هاشم ومشايخهم فرضي الرشيد بذلك وكتب الأمان وجعله على نسختين أرسل إحداهما إلى يحيى واحتفظ بالأخرى (4) .
إلا أن الرشيد كان حذراً من يحيى فأوكل أمره إلى الفضل بن يحيى « وفي نفسه الحيلة على يحيى والتفرغ له وطلب العلل عليه » (5) .
وقد لعب الفضل بن يحيى دوراً في الصراع بين الرشيد والعلويين فيذكر المسعودي أنه استطاع أن يغري صاحب الديلم بالأموال حتى باع يحيى بمائة ألف ألف درهم (6) .
كما أن الفضل استطاع أن يكسب رضا الطرفين الرشيد ويحيى فلما قدم يحيى على الرشيد أكرمه وأجازه بجوائز سنية كما أكرم الفضل بن يحيى وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة :
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 51 .
(2) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص 190 .
(3) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 468 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 54 ، الأصفهاني مقاتل الطالبين ص 470 .
(5) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 471 .
(6) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 352 .

( 200 )

ظغرت بـلا شك يد بـرمكية * رتقت بها الفتق الذي بين هاشم
علي حين أعيا الراتقين التئامه * فكفوا وقالوا ليس بالمتلاءم (1)

كما أن الأصفهاني يذكر أن الفضل ساعد يحيى على الهرب ، وقد علم الرشيد بذلك (2) .
ولكن يحيى لم يسلم من الرشيد لا سيما بعد أن كثرت فيه السعايات عند الرشيد ووصلته الأخبار بأنه يدعو إلى نفسه وأن منتقض « فوافق ذلك ما كان في نفس الرشيد له ... فأشخصه وحبسه في سرداب كبير حتى مات في حبسه » (3) واختلف في كيفية موته فيذكر اليعقوبي أن الوكل به منعه من الطعام فمات جوعاً (4) .
أما المسعودي فيذكر أنه ألقي في بركة فيها سباع جائعة فامتنعت عن أكله فبني عليه ركن بالحصى والحجر وهو حي (5) .
وقد خرج أيضاً أيام الرشيد أحمد بن عيسى بن زيد العلوي فحبسه الرشيد بالرافقة سنة 188 هـ فهرب إلى البصرة وأخذ يكاتب الشيعة ويدعوهم إلى نفسه فبث عليه الرشيد العيون فلم يستطع الظفر به فأخذ حاضراً صاحبه والمدبر لأمره فلم يدله هذا على موضعه فقتله ، « وطفىء أمر أحمد ابن عيسى ولم يعرف خبره بعد ذلك » (6) .
وهكذا اختلف سياسة الرشيد مع العلويين بين اللين والشدة ويرى الدوري أن الرشيد « استعمل أساليب الخداع في علاقاته مع العلويين ولم يتجنب الغدر للقضاء عليهم ، فحفظ بذلك التقاليد المكيافيلية التي خلفها المنصور » (7) .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 55 .
(2) الأصفهاني : مقاتل الطالبين 472 .
(3) ن. م ص 472 .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 140 ، وانظر أيضاً :
.Muir: The Caliphate P. 481

(5) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 352 .
(6) اليعقوبي : تاريخ ج 3 ص 352 .
(7) الدوري : العصر العباسي الأول ص 143 .

( 201 )

وقد اختلف حال العلويين أيام تولي المأمون الخلافة فقد اتبع سياسة التسامح مع العلويين ولعل ذلك راجع إلى ما كان يتمتع به المأمون من ثقافة واسعة وتفكير حرّ فقد كان مجلسه يحفل برجال الأدب والفقه والتاريخ فتعقد المناظرات في مختلف المسائل وكان يخصص لها أياماً من الأسبوع (1) .
كما أن المأمون كان يميل إلى الاعتزال لأن الاعتزال كان أقرب المذاهب إلى نفسه لاعتماده على العقل وقد قرب المعتزلة وتحسن حالهم إيامه ، ومن أشهر رجالهم ثمامة بن أشرس (2) .
ويبدو أيضاً من سيرة المأمون ان كان يميل إلى العلويين ، فيقول المسعودي أنه كان يظهر التشيع (3) .
وفي سنة 212 هـ نادى منادي للمأمون « ألابرئت الذمة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم » وأرسل الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر فأعظم الناس ذلك وأنكروه واظطربت العامة ، فأشير عليه بترك ذلك (4) .
وقد حاول المأمون أن يشرح موقفه هذا فجمع الفقهاء وأهل العلم والحديث ودار بينهم حديث فقال المأمون « فطائفة عابوا علينا ما نقول في تفضيل علي بن أبي طالب وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا لانتقاص غيره من السلف ،والله ما استحل أن انتقص الحجاج فكيف السلف الطيب » (5) .
وقد اعتبر عمل المأمون هذا بدعة فيقول ابن كثير « وفي سنة 212 هـ أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين إحداهما أعظم من الأخرى وهي القول بخلق القرآن والثانية تفضيل علي على الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم
____________
(1) المسعودي : مروج الذهب ج 4 ص 19 .
(2) ن. م ج 4 ص 8 ، 66 .
(3) ن. م ج 4 ص 5 .
(4) ن. م ج 4 ص 40 ـ 41 .
(5) طيفور : بغداد ص 45 .

( 202 )

وقد أخطأ في كل منهما خطأ كبيراً فاحشاً واثم إثماً عظيماً » (1) .
كما أن المأمون رد فدك إلى آل فاطمة (2) . ويعلل جبريالي ميل المأمون إلى العلويين لاتصاله بالبرامكة وأن ميله كان ميلاً عاطفياً دينياً (3) .
وبالرغم من تسامح المأمون مع العلويين فلم يخل عهده من ثورات قام بها العلويون وقد استغلوا فترة الصراع بين الأمين والمأمون وخاصة بعد مقتل الأمين .
وأخطر هذه الثورات ثورة أبي السرايا ومعه ابن طباطبا محمد بن إبراهيم بن إسماعيل سنة 199 هـ (4) .
l فقد استغل أبو السرايا ( السرى بن منصور ) اظطراب الناس في أيام الفتنة بين الأمين والمأمون لذلك فقد دعا ابن طباطبا « إلى الرضا من آل محمد والعمل بالكتاب والسنة » (5) .
ويظهر مما ذكره الطبري والأصفهاني أن أبا السرايا هو الذي قاد الثورة واتخذ شخصية محمد بن إبراهيم بن إسماعيل لكي يجلب تأييد الناس للحركة لكون القائد علوياً ، وكان أبو السرايا يلقب بداعية آل محمد (6) .
ويقول جبريالي عن أبي السرايا : أنه كان « فارساً عربياً من الطراز القديم » (7) .
وقد توفي ابن طباطبا أثناء الثورة (8) ، ويتهم الطبري أبا السرايا بسمه
____________
(1) ابن كثير : البداية والنهاية ج 10 ص 267 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 195 .
(3) جبريالي : المأمون والعلويون ( بالإيطالية ) عن العصر العباسيا الأول | الدوري ص 204 .
(4) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 227 .
(5) مسكوية : تجارب الأمم ج 6 ص 419 ( ضمن كتاب العيون والحدائق ) ، وانظر :
.Muir: The Caliphate.P.499

(6) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 232 ، الأصفهاني ص 518 ـ 536 .
(7) جبريالي : المأمون والعلويون عن العصر العباسي الأول ص 206 .
(8) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 173 .

( 203 )

فيقول : علم أبو السرايا أنه لا أمر له معه ( ابن طباطبا ) فسمه » (1) .
ويذكر اليعقوبي أن أبا السرايا وضع بدله محمد بن محمد بن زيد (2) ، وقد انتهت هذه الحركة بعد أن دامت من سنة 199 هـ ـ 201 هـ بقتل أبي السرايا .
وقد قوت هذه الحركة من مركز الطالبيين حتى انتشروا في البلاد (3) . كما استطاع العلويون أن يحتلوا واسط والبصرة والحجاز واليمن سنة 200 هـ (4) .
وقد خرج أيا المأمون أيضاً محمد بن زيد أيام أبي السرايا فقد وضعه أبو السرايا مكان ابن طباطبا بعد وفاته سنة 199 هـ (5) .
ويذكر اليعقوبي أن محمداً هذا قد خرج مع عدد من الطالبيين فهجموا على دور بني العباس فأحرقوها ونهبوها (6) ، وقد مات محمد بن محمد سنة 201 هـ (7) .
وخرج أيضاً محمد بن جعفر بمكة سنة 200 هـ ودعا لنفسه كما قالت السمطية (8) إحدى فرق الشيعة بإمامته ، ويقال أن محمد بن جعفر قد دعا أول الأمر إلى ابن طباطبا صاحب أبي السرايا فلما مات ، دعا لنفسه وتلقب بأمير المؤمنين « وليس في آل محمد ممن ظهر لإقامة الحق ممن سلف وحلف مثله وبعده من تسمى بأمير المؤمنين غير محمد بن جعفر هذا » وقد عفا عنه المأمون (9) .
____________
(1) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 228 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 173 .
(3) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 228 .
(4) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 173 ، الأصفهاني ص 518 .
(5) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 228 .
(6) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 174 .
(7) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 10 ص 244 .
(8) السمطية : الذين قالوا بإمامة محمد بن جعفر الصادق وولده من بعده وإنما سميت السمطية نسبة إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي السمط ، النوبختي : فرق الشيعة ص 65 .
(9) المسعودي : مروج الذهب ج 4 ص 26 ـ 27 .

( 204 )

وقد بايعه أهل الحجاز وهو « أول من بايعوا له من ولد علي بن أبي طالب » (1) . وقد ظهر أيضاً إبراهيم بن موسى بن جعفر باليمن سنة 199 هـ في أيام أبي السرايا (2) . كما ظهر الحسين بن الحسن بن علي المعروف بابن الأفطس في أيام أبي السرايا أيضاً ودعا في بدء أمره إلى ابن طباطبا (3) .
وفشلت كل الحركات التي قام بها العلويون وقد كان المأمون متساهلاً معهم فقد عفا عن كثير ممن خرج منهم فعفا عن محمد بن جعفر الذي خرج بمكة كما عفا عن إبراهيم بن موسى بن جعفر (4) .
وقد عفا المأمون ايضاً عن محمد بن محمد بعد مقتل أبي السرايا وقربه وأدناه (5) .
وكانت سياسة المأمون من التساهل لدرجة دفعت الطالبيين أنفسهم للاعتذار منه عما بدر منهم من خروج عليه فقال المأمون لمتكلمهم : « كف واستمع مني أولنا وأولكم ما تعلمون وآخرنا وآخركم إلى ما ترون وتناسوا ما بين هذين » (6) .
وخرج من العلويين أيام المعتصم محمد بن القاسم بن علي بن عمر سنة 219 هـ بالطالقان (7) ، « وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب » (8) وكان محمد بن القاسم على رأي الزيدية « فكان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ويرى رأي الزيدية الجارودية (9) أي أنه يرى « ان الخلافة شورى في ولد الحسن والحسين ، فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل
____________
(1) الخطيب : تاريخ بغداد ج 2 ص 113 .
(2) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 176 .
(3) المسعودي : مروج الذهب ج 4 ص 27 .
(4) اليعقوبي : مشاكلة الناس لزمانهم ص 29 .
(5) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 175 .
(6) طيفور : بغداد ص 13 .
(7) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 198 ( وهو من أبناء علي بن الحسين زين العابدين ) .
(8) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 578 .
(9) ن. م ص 578 .

( 205 )

ربه وكان عالماً فاضلاّ فهو الإمام » (1) .
وكان محمد بن القاسم في أول أمره بالكوفة وقد خاف من المعتصم فهرب إلى خراسان وتنقل في مواضع كثيرة من كورها كسرخس والطالقان ونساومرو ودعا إلى الرضا من آل محمد وانقاد إلى إمامته خلق كثير من الناس (2) ، ثم تمكن عبد الله بن طاهر أن يقبض عليه وأرسله إلى سامراء حيث سجن (3) .
وقد اختلف في موته فيذكر الأصفهاني أنه توارى أيام المعتصم والواثق ثم أخذ في أيام المتوكل فحبس حتى مات ، أو دس إليه سماً فمات (4) .
وأهمية حركة محمد بن القاسم فيما ظهر بعده من تطورات فقد ظهرت فرقة زيدية جديدة تعتقد بإمامته « ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمد لم يمت وأنه حي يرزق وأنه يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان » (5) .
وقد مرت على الطالبيين فترة هدوء أيام الواثق بن المعتصم فيقول الأصفهاني : « لا نعلم أحداً قتل في إيامه » ويذكر أن آل أبي طالب اجتمعوا بسر من رأى في أيامه تدر عليهم الأرزاق حتى جاء المتوكل فتفرقوا (6) .
وقد أحسن الواثق إلى العلويين ولم يسىء معاملتهم « وبالغ في إكرامهم والإحسان إليهم والتعهد لهم بالأموال » (7) .
____________
(1) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص 67 .
(2) المسعودي : مروج الذهب ج 4 ص 52 .
(3) ن. م ج 4 ص 52 .
(4) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 588 .
(5) المسعودي : مروج الذهب ج 4 ص 52 ـ 53 .
(6) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 593 .
(7) ابن الأثير : الكامل ج 5 ص 277 ، أبو الفدا : المختصر ج 3 ص 47 وانظر أيضاً عن حسن معاملة الواثق للعلويين ابن الساعي : مختصر اخبار الخلفاء ص 60 ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 342 .

( 206 )

ولما ولي المتوكل الخلافة لقي الطالبيون شدة منه لأنه « كان شديد الوطأة على آل أبي طالب غليظاً على جماعتهم ... شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم ... فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله » (1) .
وقد بالغ المتوكل في التشديد على العلويين حتى أنه « منع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبر أحداً منهم بشيء وإن قل إلا وأنهكه عقوبة وأثقله عزماً ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم يرقعنه ويجلس على مغازلهن عواري حواسر » (2) .
ومن آثار شدة المتوكل على العلويين أنه في سنة 237 هـ أمر بهدم قبر الحسين وما حوله من المنازل والدور وأمر أن يحرث الموضع ويسقى ويبذر ومنع الناس من إتيانه وأمر بحبس كل من وجد عند الموضع (3) .
وكان لهدم قبر الحسين أثره السيىء في نفوس المسلمين إذ تألموا من ذلك وكتب أهل بغداد شتم المتوكل على المساجد والحيطان كما هجاه الشعراء (4) .
وقد كان لموقف حاشية المتوكل تأثيره أيضاً في سياسته مع العلويين فقد أحاط بالمتوكل جماعة اشتهروا بالعداء لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ومنهم وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان « فحسن له القبيح في معاملتهم » (5) .
____________
(1) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 597 .
(2) ن . م ص 599 ، وانظر :
Muir: Caliphate. P. 328.

(3) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 11 ص 44 ، ابن الأثير : الكامل ج 5 ص 300 ابن كثير : البداية والنهاية ج 10 ص 315 .
(4) السيوطي تاريخ الخلفاء ص 347 ويذكر ما قيل من أشعار منها :

تـالله إن كـانـت أمية قد أتت * قـتـل ابـن بنت نبيها مظلوما
فـلـقـد أتاه بـنـو أبيه بمثله * هـذا لـعمري قـبـره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * فــي قتلـه فتتبعـوه رميمـا

(5) الأصفهاني : مقتل الطالبيين ص 597 .

( 207 )

وكان ممن ينادمه ويجالسه جماعة اشتهروا بالنصب لعلي بن أبي طالب منهم عبادة المخنث وعلي بن الجهم وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصه فكان هؤلاء يشيرون عليه بإبعاد العلويين والإساءه إليهم (1) .
كما أن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء المأمون والمعتصم والواثق في محبه علي وأهل بيته (2) .
ولعل تخلي المتوكل عن الاعتزال مما ساعد على هذه السياسة مع الشيعة فقد أمر المتوكل بترك النظر والمباحثة في الجدال « وأمر شيوخ المحدثين بالتحديث وإظهار السنة والجماعة » (3) .
وقد اشتد المتوكل في معاملة الشيعة حتى أنه قتل يعقوب بن السكيت أحد رجال الشيعة وسبب قتله أن المتوكل سأله ايهما أحب إليه ابنيه المعتز والمؤيد أو الحسن والحسين فتنقص ابن السكيت ابنيه وذكر الحسن والحسين بما هما أهل له فأمر الأتراك أن يدوسوا على بطنه وحملوه إلى داره ومات فيها (4) .
____________
(1) ابن الأثير : الكامل ج 7 ص 20 ويذكر ابن الأثير قصة ندماء المتوكل فيورد عن عبادة المخنث أنه كان يشد على بطنه وتحت ثيابه مخدة ويكشف عن رأسه ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين يقصدون علياً وقد كان المنتصر على خلاف رأي والده المتوكل فكان لا يقر هذه التصرفات فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل . انظر ابن الأثير ج 5 ص 287 ، أما أبو السمط فيذكر عنه الطبري أنه دخل يوماً على المتوكل فأنشده قصيدة ذم فيها الرافضة فعقد له على البحرين واليمامة وخلع عليه أربع خلع وأمر له بثلاثة الاف دينار نثرت على رأسه وأمر ابنه المنتصر أن يلتقطها له والقصيدة :

مـلـك الخليفـة جعفـر * لـلـديـن والدنيا سـلامه
يرجو الثرات بنو البنـات * ومـا لـهـم فيـها قلامـه
والصهر لـيـس بوارث * والـبـنت لا تراث الإمامه
أخـذ الـوراثة أهـلـها * فـعـلام لـو مـكم علامه

انظر الطبري ج 11 ص 67 .
(2) ابن الأثير : الكامل ج 5 ص 20 .
(3) المسعودي : مروج الذهب ج 4 ص 86 .
(4) ابن الأثير : الكامل ج 5 ص 300 ، ويذكر السيوطي أنه أمر بسل لسانه فمات وأرسل إلى ابنه يرثيه . انظر السيوطي : تاريخ الخلفاء ص 348 ـ 349 .

( 208 )

ونتيجة لهذه السياسة التي سار عليها المتوكل لم يخل عصره من خروج وثورات قام بها الطالبيون قوبلت بالشدة فحبس منهم من حبس وقتل من قتل وكان أكثر الخارجين من أبناء الحسن وأبناء الحسين الذين يرون رأي الزيدية في اشهار السيف بوجه السلطان الظالم (1) .
وقد اختلف الحال أيام المنتصر فقد كان ميالاً إلى أهل البيت ، يخالف أباه في فعاله فلم يصب أحداً منهم بمكروه (2) .
وكان أول عمل عمله المنتصر بعد توليه عزل صالح بن علي عن المدينة وولى علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد وأوصاه أن يحسن معاملة آل أبي طالب حيث قال له : « يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك ، فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين .. فقال : إذا تسعد بذلك عندي » (3) .
وقد تحسن حال الشيعة أيام المنتصر فقد أزال عنهم ما كانوا فيه من خوف وظلم كما أجاز لهم زيارة قبر الحسين ورد على آل الحسين فدك وفي ذلك يقول المهلبي :

ولقـد بـررت الطالبية بعدما * ذموا زمانـاً بعدهـا وزمانا
ورددت ألفـة هـاشم فرأبتهم * بعد العداوة بينهم إخوانا (4)

وهكذا سار أبناء الحسن في خط هو الثورة على السلطة واعتبروا العباسيين ظالميين فشهروا السيف بوجههم ولم تقتصر الثورة على أبناء الحسن فقط وإنما شاركهم فيها أبناء عمهم الحسين ممن كان يرى رأي الزيدية مثل محمد بن القاسم بن عمر صاحب الطالقان وقد مر ذكره .
____________
(1) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 600 وما بعدها .
(2) ن. م ص 636 وانظر :
.Muir: The Caliphate. P. 534

(3) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 11 ص 81 .
(4) ابن الساعي : مختصر أخبار الخلفاء ص 67 ـ 68 .

( 209 )

ولكن هذه الثورات لم يكتب لها النجاح ما عدا حركة إدريس في المغرب حيث نجح إدريس في إقامة دولة الأدارسة . فقد فشلت كل الحركات بالرغم من كثرة أنصارها ومؤيديها نظراً للظروف التي أحاطت بها ولمقدرة العباسيين السياسية في القضاء على خصومهم ، كما أن هذه الحركات لم تكن خالية من المغامرين والطامحين كما مر من ثورة أبي السرايا ثم أن العلويين لم تجمعهم غاية واحدة ولم يظهروا في بلد واحد .
ومع هذا فقد كان العلويون خطراً هدد الدولة العباسية في عصرها الأول وسببوا لها الكثير من المتاعب بثوراتهم المستمرة ، وتذكيرهم من حين لآخر بوجود من يرى أنهم ليسوا بأصحاب الحق الشرعي في الخلافة .

ب ـ موقف الإمامية من الثورات الزيدية :
وقد أيقن الإمامية أن لا فائدة من هذه الثورات فاعتزلوها وحذروا أصحابها كما فعل الصادق مع عبد الله بن الحسن وابنه محمد فيذكر سبط ابن الجوزي « لما خرج محمد بن الحسن بالمدينة هرب جعفر بن محمد (الصادق ) إلى ما له بالفرع فأقام معتزلاً للقوم حتى قتل محمد وعاد إلى المدينة » (1) .
إلا أن اعتزال الصادق عن محمد لم يكن سوء تفاهم أو عدم انسجام بينه وبين أبناء عمه فيذكر الطبري أن المنصور لما حبس أبناء الحسن وحملهم من المدينة الى العراق وكان الصادق في المدينة كان ينظر اليهم ويتألم ويدعو على آل العباس ويقول : « والله لا يحفظ الله حرمة بعد هؤلاء » (2) .
ويذكر الكليني عن المعلى بن خنيس قال « كنت عند أبي عبد الله إذ أقبل محمد بن عبد الله فسلم ثم ذهب فرق له أبو عبد الله ودمعت عيناه فقلت له : لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع بأحد فقال : رققت له
____________
(1) سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص 357 .
(2) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج 9 ص 194 .

( 210 )

لأنه ينسب إلى أمر ليس له لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الأمور ولا من ملوكها » (1) .
ويورد ابن طاووس رسالة للصادق في تعزية أبناء عمه الحسن حينما حبسهم المنصور وتدل هذه الرسالة على الصلة الحسنة بين الصادق وأبناء عمه وعلى منزلتهم عنده :
بسم الله الرحمن الرحيم إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه .
أما بعد فلأن كنت تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، فلقد نالني من ذلك الجزع ، والقلق وحر المصيبة مثل ما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر حين يقول لنبيه : ( فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) ... إلى أن يقول : فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عزوجل والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره . أفرغ الله علينا وعليكم الصبر وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة وأنقذكم وإيانا من كل هلكة بحوله وقوته وإنه سميع قريب » (2) .
ويقول ابن طاووس : « وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن وإنهم مضوا إلى الله بشرف المقام والظفر بالسعادة » (3) .
وقد استمر الأئمة على موقفهم هذا من أبناء الحسن كما بذلوا النصح لكل من خرج منهم كما فعل موسى بن جعفر مع الحسين بن علي ابن الحسن صاحب فخ فقد قال له بعد أن امتنع من الخروج معه : « إنك مقتول فأجد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ، ويضمرون نفاقاً
____________
(1) الكليني : الكافي ج 8 ص 395 .
(2) ابن طاووس : الأقبال ص 50 ـ 51 .
(3) ن. م ص 50 ـ 51 .

( 211 )

وشركاً فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعند الله عز وجل احتسبكم من عصبة » (1) .
وكذلك نصح الرضا محمد بن جعفر حيث قال له : « يا عم لا تكذب أباك ولا أخاك فإن هذا الأمر لم يتم » (2) .
ويذكر الصدوق أن الرضا لم يؤيد أخاه زيد بن موسى حينما خرج « عنفه وخلى سبيله وحلف أن لا يكلمه أبداً ما عاش » (3) .

2 ـ الشيعة الإمامية :
أما الشيعة الإمامية ، فقد سلكت سبيلاً آخر غير الذي سلكته الشيعة الزيدية فبعد مقتل الحسين وانتقال الإمامة إلى ابنه على ( زين العابدين ) لم تقم الشيعة بحركة ضد السلطة ما عدا حركة المختار والتوابين وكانت هاتان الحركتان إنما قام بها عدد من الشيعة الذين أيدوا آل البيت ولكنهم لم يدعوا إلى إمام معين ولم يقدهم إمام أو يأمرهم بالثورة إمام كما رأينا .
وقد ولد علي بن الحسين سنة 38 هـ في حياة علي بن أبي طالب وقتل جده وله سنتان ، وقتل أبو الحسين في كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة وشهد يعينه مصرع إخوانه وأعمامه (4) .
ثم عاصر الأمويين وشاهد شهدتم على العلويين والشيعة فانقاهم إلى درجة أنه بايع ليزيد بن معاوية على أنه عبد قن بعد أن رأى كثرة القتل في المسلمين بعد وقعة الحرة فاظطر إلى هذه البيعة ليقتدي به الناس ويتخلصوا من القتل (5) .
ثم ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي في أيامه يطلب بثأر الحسين وتبعه جماعة من الشيعة فلعنه علي بن الحسين على باب الكعبة وأظهر
____________
(1) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص 447 .
(2) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 2 ص 207 .
(3) ن. م ج 2 ص 233 .
(4) ابن سعد : الطبقات ج 5 ص 157 .
(5) اليعقوبي : التاريخ ج 2 ص 223 .

( 212 )

كذبه (1) .
كما ظهرت في أيامه دعوة لعمه محمد بن الحنفية قام بها المختار بن أبي عبيد الثقفي وادعى بأنه الإمام ولقبه بالمهدي والوصي وفي ذلك بقول السيد الحميري :

ألا قـل للوصي فدتـك نفسـي * أطلـت بـذلك الجبـل المقـاما
أضــر بمعشـر والـوك منـا * وسمـوك الخليفـة والإمـا مـا
وعـادوا فيك أهل الأرض طرا * مغيبـك عنهـم سبعيـن عـاما
ومـا ذاق ابن خـولة طعم موت * ولا وارت لـه أرض عظـامـا
لقد أمسى بمردف شعب رضوى * تراجعـه الملائكـة الكلامـا (2)

ولقد عاصر علي بن الحسين أيضاً حركة عبد الله بن الزبير وكان شديد التحامل والبغض لبني هاشم حتى أنه ترك الصلاة على محمد في خطبه ولما سئل عن سبب ذلك قال « إن له أهل سوء يشرئبون لذكره ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به » (3) .
وهكذا عاصر علي بن الحسين هذه الأحداث فاتقاها وكان يقول : « التارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي تقاة قيل : وما تقاته قال : يخاف جباراً عنيداً يخاف أن يفرط عليه أو يطغى » (4) فأثرت فيه وجعلته يعتزل ويتخذ الزهد سبيلاً له ونظرة إلى الصحيفة السجادية تلقي ضوءاً كافياً على سيرة الإمام زين العابدين ، كما أنها بما جاء فيها من وعظ ودعاء يمكن أن نعتبرها سلاحاً شهر بوجه الأمويين قد يكون أبلغ أثراً من الثورة (5) .
____________
(1) ابن سعد : الطبقات ج 5 ص 158 .
(2) المسعودي : مروج الذهب ج 3 ص 88 .
(3) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 8 .
(4) ابن سعد : الطبقات ج 5 ص 158 .
(5) انظر الصحيفة السجادية لعلي بن الحسين . وانظر أيضاً « رسالة الحقوق » للأمام زين العابدين نقلها الحراني في كتابه نحف العقول ص 183 وانظر أيضاً صحيفة في الزهد للسجاد رواها المفيد في الأمالي ص 117 ، وانظر الشيبي الصلة بين التشيع والتصوف ج 1 ص 153 ـ 169 .

( 213 )

وقد سار الإمام محمد بن علي الباقر على طريقة أبيه زين العابدين فاتخذ الزهد منهجاً له ، وكان يسمى أبو جعفر الباقر لأنه بقر العلم ، فقد ذكر جابر الأنصاري ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال له : إنك ستبقى حتى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي إذا رأيته لم يخل عليك فاقرأه مني السلام فعاش جابر حتى أدركه (1) .
ويقول ابن خلكان : « وكان الباقر عالماً سيداً كبيراً وإنما قيل له الباقر لأنه تبقر العلم وفيه قال الشاعر :

يـا باقـر العلـم لأهـل التقى * وخير من لبى على الأجبل (2)

ويذكر ابن شهراشوب لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والحلال والحرام والأحكام (3) .
كما يذكر محمد بن مسلم ، أنه سأله عن ثلاثين ألف حديث كما روى عنه معالم الدين من الصحابة والتابعين ورؤساء الفقهاء منهم جابر الأنصاري ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختاني صاحب الصوفية ، ومن الفقهاء ابن المبارك والزهري والأوزاعي ، وأبو حنيفة ومالك والشافعي وزياد بن المنذر النهدي (4) .
كما تروي المصادر الإمامية أخباره وأخبار من روى عنه العلوم وهكذا كان تأثير الباقر على الناحية الفكرية أكثر منه على الناحية السياسية (5) .
وقد حفل عصر الباقر بحركات غلو مختلفة فحاول جهده أن يوقف تيار هذا الغلو وتبرأ منه ونصح شيعته بأن قال لهم : « يا شيعة آل محمد
____________
(1) اليعقوبي : التاريخ ج 3 ص 61 .
(2) ابن خلكان : وفيات العيان ج 3 ص 314 .
(3) ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 195 .
(4) ن. م ج 4 ص 195 .
(5) انظر البرقي : الرجال ص 9 ـ 16 الطوسي : الرجال ص 102 ـ 141 الحراني : تحف العقول ص 206 .

( 214 )

كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق إليكم التالي » (1) .
كما عاصر الباقر أبو هاشم بن محمد بن الحنفية وشاهد ما أحاطه من حركات غلو وظهور دعوة له تخرج الإمامة من أولاد الحسين (2) .
وهكذا شغل الباقر بالعلم وترك الخروج على السلطان (3) .
ثم ورث الإمامة بعده ابنه جعفر بن محمد الصادق . وقد ظهر الصادق في فترة من أصعب وأدق الفترات التاريخية ( 83هـ 148هـ ) (4) ، فقد عاصر الصادق أواخر الدولة الأموية وأوئل الدولة العباسية ، وثار في أيامه عمه زيد بن علي بن الحسين سنة 122 هـ وقد أدت هذه الثورة غلى خروج جماعة من الشيعة كانت تقول بإمامة جعفر بن محمد الصادق فقالت بإمامة زيد وظهر خط جديد من الشيعة هم الزيدية (5) .
وشاهد بداية الدعوة العباسية وظهور جماعة تدعو لآل العباس وتخرج الخلافة من أولاد علي إلى أولاد العباس (6) .
ثم كان هناك أبناء عمه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذين مالوا إلى راي الزيدية ورأوا الخروج على السلطان (7) .
ولكن الصادق اعتزل كل هذه الأحداث وشغل بالعبادة عن طلب الرئاسة (8) .
ويذكر الأصبهاني الصادق ويقول : « ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع » (9) .
____________
(1) الكليني : الكافي ج 1 ص 36 ( الأصول ) .
(2) انظر الفصل الثالث باب الدعوة العباسية .
(3) انظر الشيبي : الصلة بين التشيع والتصوف ج 1 ص 169 ـ 177 .
(4) ابن طولون : الأئمة الاثني عشر ص 85 .
(5) انظر بداية هذا الفصل .
(6) انظر الفصل الثالث باب الدعوة العباسية .
(7) انظر القسم الأول من هذا الفصل .
(8) سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص 192 .
(9) الأصبهاني : حلية الأولياء ج 3 ص 192 .

( 215 )

وقد بينا موقف الصادق من ثورة زيد بن علي وموقفه من الدعوة العباسية التي دعت إلى الرضا من آل محمد ورفضه دعوة أبي سلمة وكذلك موقفه من أبناء عمه الحسن وتحذيرهم من الخروج .
ابتعد الصادق عن هذه الأحداث وكان موقفه دقيقاً تجاهها ، لذلك كان المفروض أن مثل هذا الموقف يجعله بمنأى من الخلفاء العباسيين ، غلا أنه كما يبدو أن العباسيين كانوا يخشون الصادق وشيعته بالرغم من أنه لم تكن هناك دعوة للصادق يعرف بها .
ولا تزودنا المصادر التاريخية بأخبار الصادق مع أبي جعفر المنصور إلا قليلاً إلا أن أخباره ترد في المصادر الإمامية وبعض المصادر غير الإمامية .
فيذكر المسعودي أن المنصور استقدم الصادق من المدينة إلى العراق بعد أن بلغته الوشايات فيه إلا أن الصادق استطاع ان ينفي كل ما وصل من الأخبار إلى المنصور حتى أن المنصور صدقه وأمر له بستة آلاف درهم وأرجعه إلى المدينة (1) .
ويبدو مما يرويه الكليني أن المنصور كان يحاول الإيقاع بالصادق ليجد عليه حجة يدينه بها فقد ذكر : قال أبو عبد الله : سرت مع أبي جعفر المنصور في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي : يا أبا عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم ، قال : فقلت : ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال لي : أتحلف على ما تقول ؟ قال : فقلت : إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فأنا إليك احوج منك إلينا ، فقال لي : تذكر يوماً سألتك هل لنا ملك ؟ فقلت : نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من ديناكم حتى تصيبوا منا دماً حراماً في شهر حرام ، في بلد حرام فعرفت أنه قد حفظ
____________
(1) المسعودي ( منسوب ) : إثبات الوصية ص 153 .