18 ـ وبهذا الاسناد ، عن أبان بن عيسى (1) ، عن أبي عبدالله عليه الصّلاة والسّلام قال : إنّ آدم صلوات الله عليه لمّا هبط هبط (2) بالهند ، ثمّ رمي إليه بالحجر الأسود وكان ياقوتة حمراء بفناء العرش ، فلمّا رآى عرفه (3) ، فاكبّ عليه وقبّله ، ثمّ أقبل به فحمله إلى مكّة ، فربما أعيى من ثقله ، فحمله جبرئيل عنه وكان إذا لم يأته جبرئيل اغتمّ وحزن ، فشكا ذلك إلى جبرئيل ، فقال : إذا وجدت شيئاً من الحزن فقل : لا حول ولا قوّة إلا بالله (4) .
19 ـ وفي رواية : أنّ جبل أبي قبيس قال : يا آدم إنّ لك عندي وديعة ، فرفع (5) إليه الحجر والمقام ، وهما يومئذ ياقوتتان حمراوان (6) .
20 ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبي جعفر الباقر عليه الصّلاة والسّلام قال : أتى آدم صلوات الله عليه هذا البيت ألف إتية على قدميه منها سبعمائة حجّة وثلاثمائة عمرة (7) .
21 ـ وبالإسناد المتقدّم ، عن الصّفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان عن أبي جميلة ، عن عامر (8) ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ الله عزّ وجلّ حين أهبط آدم صلوات الله عليه من الجنّة أمره أن يحرث بيده ، فيأكل من كدّها بعد نعيم الجنّة ، فجعل يجأر (9) ويبكي على الجنّة مائتي سنة ، ثمّ إنّه سجد
____________
(1) ليس في الرجال أبان بن عيسى وان أثبته البحار في المورد الثاني وأثبتته النسخ الخطيّة .
(2) في البحار : أهبط هبط .
(3) في البحار : فلما رآه عرفه .
(4) بحار الأنوار ( 11 | 210 ) . برقم : ( 14 ) ، ومن قوله « كان آدم إذا لم يأته » إلى أخر الخبر في ( 93 | 188 ) برقم : ( 14 ) و( 99 | 225 ) ، برقم : ( 20 ) وفيه عن أبان ، عن أبي عبدالله عليه السلام .
(5) في ق 2 وق 3 : فدفع .
(6) بحار الأنوار ( 99 | 225 ) ، برقم : ( 21 و232 ) ، برقم : ( 2 ) .
(7) بحار الأنوار ( 11 | 114 ) ، برقم : ( 38 ) و( 99 | 43 ) ، برقم : 27 .
(8) في ق 4 وق 5 : عن جابر ، ولعلّه الصّحيح فإنّ المسمّى بـ « عامر » في الرّجال لم يعد في أصحاب الإمام الباقر عليه السلام إلاّ عامر بن أبي الأحوص ولم ينقل منه عليه السّلام ولو حديثاً واحداً ، وأبو جميلة هو المفضل بن صالح وهو روى عن جابر روايات عديدة ، والّذي يؤيّد ذلك رواية العياشي في تفسيره ( 1 | 40 ) هذه الرّواية مع زيادة عن جابر ، وعنه البحار بعينها ( 11 | 212 ) ، برقم : ( 19 ) .
(9) في ق 4 : يجاور . وما في المتن هو المناسب لحال آدم . والجأر : رفع الصّوت إلى الله بالدّعاء والضّجة وقد قال الله تعالى : ( ثمّ إذا مسّكم الضرّ فإليه تجأرون ) 16 | 53 .

( 50 )

لله سجدة ، فلم يرفع رأسه ثلاثة أيام ولياليها (1) .
22 ـ وباسناده ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله الصّادق صلوات الله عليه قال : لمّا بكى آدم صلوات الله عليه على الجنّة ، وكان رأسه في باب من أبواب السّماء وكان يتأذّى بالشّمس ، فحطّ عن (2) قامته وقال : إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة وأكل من الطّعام وجد في بطنه (3) ثقلاً ، فشكا ذلك إلى جبرئيل عليه السّلام ، فقال : يا آدم فتنحّ (4) ، فنحّاه فأحدث وخرج منه الثّقل (5) .
23 ـ وباسناده ، عن أبي بصير ، عن إبراهيم بن محرز ، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه الصّلاة والسّلام قال : إنّ آدم نزل بالهند ، فبنى الله تعالى له البيت وأمره أن يأتيه فيطوف به اُسبوعاً ، فيأتي منى وعرفات ويقضي مناسكه كما أمر الله تعالى .
ثم خطا من الهند ، فكان موضع قدميه حيث خطا عمران (6) ، وما بين القدم والقدم صحارى (7) ليس فيها شيء ، ثم جاء إلى البيت فطاف به اُسبوعاً وقضى مناسكه ، فقضاها كما أمره الله تعالى ، فقبل (8) الله منه توبته وغفر له ، فقال آدم صلوات الله عليه : يا ربّ ولذرّيتي من بعدي فقال : نعم من آمن بي وبرسلي (9) .
24 ـ وباسناده عن ابن محبوب (10) عن مقاتل بن سليمان قال : قلت لأبي عبدالله صلوات الله عليه : كم كان طول آدم صلوات الله عليه حين أهبط إلى الأرض ؟ وكم كان طول حوّا عليها السلام ؟ فقال : وجدنا في كتاب عليّ عليه الصّلاة والسلام أنّ الله تعالى
____________
(1) بحار الأنوار ( 11 | 210 ـ 211 ) ، برقم : ( 15 ) .
(2) في ق 3 : وحط من ، وفي ق 5 والبحار : فحطّ من .
(3) في ق 3 : لمّا هبط من الجنة وجد في بطنه ثقل .
(4) في ق 1 وق 2 : تنحّ .
(5) بحار الأنوار ( 11 | 113 ـ 114 ) ، برقم : ( 36 و37 ) .
(6) في ق 1 : عمراناً .
(7) في ق 2 وق 3 وق 4 : صحار .
(8) في البحار : فتقبل .
(9) بحار الأنوار ( 11 | 180 ) ، برقم : ( 32 ) و( 99 | 43 ) ، برقم : ( 26 ) .
(10) في النّسخ الخطّية : ابن محمود ، وهو من غلط النّساخ .

( 51 )

لمّأ أهبط آدم صلوات الله عليه وزوجته عليها السلام إلى الأرض كان رجلاه على ثنيّة الصّفا ورأسه دون اُفق السّماء وأنّه شكا إلى الله تعالى ممّا يصبه من حرّ الشّمس فصيّر طوله سبعين ذراعاً بذراعه وجعل طول حوّا خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها (1) .
25 ـ عن ابن بابويه أخبرنا أبو أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي (2) أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن أحمد بن بطّة أخبرنا أبو محمّد بن عبد الوّهاب بن مخلّد أخبرنا أبو الحرث الفهري أخبرنا عبد الله بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الرّحمن بن أبي زيد بن مسلم (3) ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا أكل آدم عليه السّلام من الشجرة رفع رأسه إلى السّماء ، فقال : أسألك بحقّ محمّد إلا رحمتني ، فأوحى الله إليه ومن محمد ظ فقال : تبارك اسمك لمّا خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك ، فإذا فيه مكتوب : « لا إله إلاّ الله محمد رسول الله » فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : يا آدم إنّه لآخر النّبيّين من ذرّيّتك ، فلولا محمد ما خلقتك (4) .
26 ـ وباسناده عن سعيد بن عبدالله عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي الخزّاز (5) يا ربّ بحق محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ ، فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم وما علمك بمحمّد ؟ فقال حين خلفتني رفعت رأسي ، فرأيتُ في العرش مكتوباً : محمد رسول الله عليّ أمير المؤمنين (6) .
____________
(1) بحار الأنوار ( 11 | 126 ـ 127 ) ، برقم ( 057 ) .
(2) في ق 2 : العبيدي .
(3) في البحار : إلى زيد بن أسلم ، وفي اثباة الهداة : عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
(4) بحار الأنوار ( 11 | 181 ) ، برقم : ( 33 ) و( 16 | 367 ) ، برقم ( 73 ) . واثباة الهداة ( 1 | 196 ) ، برقم : ( 108 ) .
(5) في ق 1 وق 3 وق 5 : وعن الحسن بن علي الخزار .
(6) بحار الأنوار ( 11 | 181 ) ، برقم : ( 34 ) . واثباة الهداة ( 2 | 130 ) ، برقم : ( 562 ) .

( 52 )

فصل ـ 5 ـ
27 ـ أخبرنا السيد المرتضى بن الدّاعي ، أخبرنا جعفر الدّوريستي (1) ، عن أبيه ، عن أبي جعفر بن بابويه ، أخبرنا الحسن بن محمد بن سعيد الكوفي ، أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي ، أخبرنا الحسن بن الحسين بن محمّد ، أخبرنا إبراهيم بن الفضل ، أخبرنا الحسن به عليّ الزّعفراني ، أخبرنا سهر بن سنان ، أخبرنا أبو جعفر بن محمد بن عليّ الطايفي ، أخبرنا محمد بن عبدالله ، عن محمد بن اسحاق ، عن الواقدي ، عن الهذيل ، عن مكحول (2) ، عن طاووس ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : لمّا أن خلق الله تعالى آدم وقفه بين يديه فعطس ، فالهمه الله أن حمده ، فقال : يا آدم حمدتني (3) فوعزّتي وجلالي لولا عبدان اريد أن أخلقهما في آخر الزمان ما خلقتك (4) قال آدم : يا رب بقدرهما عندك ما اسمهما (5) ؟ فقال تعالى : يا آدم انظر نحو العرش ، فإذا بسطرين من نور أوّل السّطر : لا إله إلا الله ، محمد نبيّ الرّحمة ، وعلي مفتاح الجنة والسّطر الثّاني : آليت على نفسي أن أرحم من والاهما ، وأعذّب من عاداهما (6) .
28 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا جعفر بن محمد بن مالك ، أخبرنا محمد بن عمران القرشي ، عن الحسن بن الحسين الّلؤلؤي ، عن محمّد بن إسماعيل بن يزيع ، عن الخيبري (7) ، عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله صلوات الله عليه : اجتمع ولد (8) آدم في بيت فتشاجروا ، فقال بعضهم : خير خلق الله أبونا آدم ،
____________
(1) في البحار : جعفر الدودويستي .
(2) في ق 4 : عن الهذيل بن محكول .
(3) في ق 4 و5 والبحار : أحمدتني .
(4) في ق : لما خلقتك
(5) في ق 2 وق3 وق 4 : يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم ؟
(6) بحار الأنوار ( 11 | 141 ) ، برقم : ( 39 ) و( 6 | 27 ) ، برقم ( 12 ) .
(7) في ق 1 : محمد بن اسماعيل بن بزيع الحميري ، وفي ق 2 وق 3 وق 4 وق 5 : محمد بن اسماعيل بن بزيع الجبيري ، وفي ق 3 : ابن بزيم الخيبري . وفي البحار : عن ابن بزيع عن ابن ظبيان ، والصحيح ما أثبتناه في المتن .
(8) في ق 2 : أولاد .

( 53 )

وقال بعضهم : الملائكة المقربون ، وقال بعضهم : خملة العرش . إذ دخل عليهم هبة الله ، فقال بعضهم : لقد جاءكم من يفرّج عنكم ، فسلّم ثم جلس ، فقال : في أيّ شيء كنتم ؟ فقالوا : كنّا نفكّر في خيرخلق الله فاخبروه ، فقال : أصبروا لي (1) قليلاً حتّى أرجع إليكم ، فأتا أباه فقال : يا أبت إنّي دخلت على إخوتي وهم يتشاجرون في خير خلق الله ، فسألوني فلم يكن (2) عندي ما أخبرهم ، فقلت : اصبروا حتّى أرجع إليكم ، فقال آدم صلوات الله عليه : يا بني وقفت بين يدي الله جلّ جلاله ، فنظرت إلى سطر على وجه العرش مكتوب : بسم الله الرّحمن الرحيم محمد وآل محمد خير من برأ الله (3) .
29 ـ وعن ابن بابويه ، أخبرنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصّفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : الكلمات (4) الّتي تلقّى بهنّ آدم عليه السلام ربّه فتاب عليه ، قال : « اللهم لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك إني عملت سوءاً وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنّك أنت التّواب الرّحيم ، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت (5) سوءاً وظلمت نفسي ، فاغفر لي إنّك أنت خير الغافرين » (6) .
30 ـ وباسناده عن الصّفار ، عن علي بن حسّان ، عن عليّ بن عطيّة ، عن بعض من سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الطيب ، قال : إنّ آدم وحوّا عليهما السلام حين اُهبط (7) من الجنّة نزل آدم عليه السّلام على الصّفا وحوّا على المروة ، وإنّ حوّا حلّت قرناً من قرون رأسها ، فهبّت به الرّيح فصار بالهند أكثير الطّيب (8) .
____________
(1) في ق 4 : بي .
(2) في ق 2 وق 4 : فلم يك .
(3) بحار الأنوار ( 11 | 114 ) ، برقم : ( 40 ) و( 26 | 282 ـ 283 ) ، برقم : ( 37 ) . واثباة الهداة ( 1 | 614 ـ 615 ) ، برقم : ( 635 ) .
(4) في ق 3 : الكلمة .
(5) في ق 3 : وبحمدك إني عملت .
(6) بحار الأنوار ( 11 | 181 ) ، برقم : ( 35 ) . و( 95 | 354 ) ، برقم : ( 9 ) .
(7) في ق 3 : أهبط ، وفي ق 4 : حين أهبط إلى الأرض .
(8) بحار الأنوار : ( 11 | 211 ) ، برقم ك ( 16 ) .

( 54 )

31 ـ وباسناده أنه قال في قوله تعالى : « فتلقى آدم من ربّه كلماتٍ » سأله بحق محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام (1) .

فصل ـ 6 ـ
في كيفيّة التّناسل وخلق حوّا وقصّة ابني آدم ووفاته :
32 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن اورمة ، عن النّوفلي ، عن عليّ بن داود اليعقوبي (2) عن مقاتل بن مقاتل ، عمّن سمع زرارة يقول : سئل أبو عبدالله عليه السّلام عن بدء النّسل من آدم صلوات الله عليه كيف (3) كان ؟ وعن بدء النّسل من ذرية آدم ، فإنّ اُناساً عندنا يقولون : إنّ الله تعالى أوحى إلى آجم أن يزوّج بناته من بنيه ، وأنّ هذا الخلق كلّهم أصله من الأخوة والأخوات فمنع ذلك أبو عبد الله عليه الصّلاة والسّلام عن ذلك (4) ، وقال : نبئت (5) أنّ بعض البهائم تنكرت له اُخته ، فلمّا نزا عليها ونزل ثمّ علم أنّها أخته قبض على عزموله بأسنانه حتّى قطعه فخرّ ميّتاً ، وآخر تنكرت له اُمّه ففعل هذا بعينه ، فكيف بالإنسان (6) في فضله وعلمه ، غير أن جيلاً من هذه الأمّة الّذين يرون أنّهم رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، فأخذوه من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما يرون من الضّلال .
وحقّاً أقول : ما أراد من يقول هذا : إلاّ تقويةً لحجج المجوس .
ثمّ أنشأ يحدّثنا (7) كيف كان بدء النّسل ، فقال : إنّ آدم صلوات الله عليه ولد له سبعون بطناً ، فلمّا قتل قابيل هابيل جزع جزعاً قطعه عن إتيان النّساء ، فبقي لا يستطيع أن
____________
(1) بحار الأنوار ( 11 | 117 ) ، برقم : ( 23 ) .
(2) في ق 1 : عن ابن داود اليعقوبي .
(3) في ق 2 : وكيف .
(4) في ق 1 وق 2 : من ذلك .
(5) في ق 4 : ثبت .
(6) في ق 1 وق 3 وق 5 : الإنسان .
(7) في ق 1 وق 4 وق 5 : حديثاً .

( 55 )

يغشى حوّا خمسمائة سنة (1) ، ثم وهب الله له شيئاً وهو هبة الله ، وهو أوّل وصي اُوصي إليه من بني آدم في الأرض ، ثم وراه بعده يافث ، فلمّا أدركا وأراد الله أن يبلغ بالنّسل ما ترون أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله أن يزوّجها من شيث ثمّ أنزل الله بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة ، فأمر الله آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه ، فولد (2) لشيث غلام وليافث جارية ، فأمر الله آدم عليه السّلام حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل فولد الصّفوة من النّبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك ما قالوه من الإخوة والأخوات ومناكحهما .
قال : فلم يلبث آدم صلوات الله عليه بعد ذلك إلاّ يسيرا حتّى مرض (3) فدعا شيثاً وقال : يا بنيّ إنّ أجلي قد حضر وأنا مريض فإنّ ربيّ قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما قد عهد أن أجعلك وصيّي (4) وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ، فإذا أنا متّ فخذ الصّحيفة وإيّاك أن يطّلع عليها أحد (5) وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الّذي يصير إليك فيه ، وفيها جميع ما تحتاج إليه من اُمور دينك ودنياك وكان آدم صلوات الله وسلامه عليه نزل بالصّحيفة الّتي فيها الوصيّة من الجنّة .
ثمّ قال آدم لشيث صلوات الله عليهما : يا بنيّ إنّي قد اشتهيت ثمرة من ثمار الجنّة فاصعد إلى جبل الحديد ، فانظر من لقيته من الملائكة ، فاقرأه منّي السّلام وقل له : إنّ أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنّة ، قال : فمضى حتّى صعد إلى الجبل فإذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة صلوات الله عليهم .
فبدأه جبرائيل بالسّلام ، ثم قال : إلى أين يا شيث ؟ فقال له شيث : ومن أنت يا عبدالله ؟ قال : أنا الرّوح الأمين جبرئيل ، فقال : إنّ أبي مريض وقد (6) أرسلني إليكم ،
____________
(1) في ق 3 : عام .
(2) في ق 2 : فولدت .
(3) في ق 3 : فمرض .
(4) في ق 2 : وصيّاً .
(5) في ق 3 : أن تطلع عليها أحداً .
(6) في ق 2 : وهو .

( 56 )

وهو يقرئكم السّلام ويستهديكم من ثمار الجنّة ، فقال له جبرئيل عليه السلام : وعلى أبيك السّلام يا شيث ، أما أنّه قد قبض (1) وإنما نزلت لشأنه ، فعظم الله على مصيبتك فيه أجرك (2) واحسن على العزاء منه صبرك ، وآنس بمكانه منك عظيم وحشتك ارجع فرجع معهم ومعهم كلّ ما يصلح به أمر آدم صلوات الله عليه وقد جاؤا به من الجنّة .
فلما صاروا إلى آدم كان أوّل ما صنع شيث أن أخذ صحيفة الوصيّة من تحت رأس آدم صلوات الله عليه فشدّها على بطنه فقال جبرئيل عليه السلام : من مثلك يا شيث ؟ قد أعطاك الله سرور كرامته (3) وألبسك لباس عافيته ، فلعمري لقد خصّك الله منه بأمر جليل .
ثم إن جبرئيل عليه السلام وشيثاً أخذا في غسله ، واراه جبرئيل كيف يغسّله حتّى فرغ منه ، ثمّ أراه كيف يكفّنه ويحنّطه حتّآ فرغ ، ثمّ أراه كيف يحفر له .
ثمّ إنّ جبرئيل أخذ بيد شيث ، فأقامه للصّلاة عليه كما نقوم اليوم نحن ، ثمّ قال : كبّر على أبيك سبعين تكبيرة ، وعلّمه كيف يصنع .
ثم إن جبرئيل عليه السلام أمر الملائكة (4) أن يصطفوا قياماً خلف شيث كما يصطف (5) اليوم خلف مصلّي على الميّت ، فقال شيث : يا جبرئيل أو يستقيم هذا لي وأنت من الله بالمكان الّذي أنت فيه ومعك (6) عظماء الملائكة ؟ فقال جبرئيل : يا شيث ألم تعلم أنّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسجود له ، فكان إمامنا ليكون ذلك سنّة في ذرّيّته ، وقد قبضه الله اليوم وأنت وصيّه ووارث علمه وأنت تقوم مقامه ، فكيف نتقدمك وأنت إمامنا ؟ فصلّى بهم عليه (7) كما أمره .
ثمّ أراه كيف يدفنه ، فلمّا فرغ من دفنه وذهب جبرئيل ومن معه ليصعدوا من حيث
____________
(1) في ق 3 : قد قضى .
(2) في ق 2 : فعظم على الله مصيبتك فيه آجرك الله .
(3) في ق 2 : سروراً وكرامة .
(4) في ق 3 : ثم أمر جبرئيل الملائكة .
(5) في ق 1 وق 3 : كما نصطف .
(6) في ق 2 : وأنت بالمكان الذي أنت ومعك .
(7) في ق 3 : بهم عليه السلام ، والصحيح : بهم عليه عليه السلام .

( 57 )

جاؤا . بكى (1) شيث ونادى يا وحشتا فقال له جبرئيل : لا وحشة عليك مع الله تعالى يا شيث ، بل نحن نازلون عليك بأمر ربك وهو يؤنسك فلا تحزن ، وأحسن ظنّك بربك ، فإنّه بك لطيف وعليك شفيق .
ثم صعد جبرئيل ومن معه ، وهبط قابيل من الجبل وكان على الجبل هارباً من أبيه آدم صلوات الله عليه أيّام حياته لا يقدر أن ينظر إليه فلقى شيثاً ، فقال يا شيث : إنّي إنّما قتلت هابيل أخي لأنّ قربانه تقبّل ولم يتقبّل قرباني ، وخفت أن يصير بالمكان الّذي قد صرت أنت اليوم (2) فيه وقد صرت بحيث أكره ، ون تكلّمت بشيء ممّا عهد إليك به أبي لأقتلنّك (3) كما قتلت هابيل .
قال زرارة : ثم قال أبو عبدالله عليه السلام ـ وأومأ بيده إلى فيه (4) ، فأمسكه يعلّمنا أي هكذا أنا ساكت ـ : فلا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة معشر (5) شيعتنا ، فتمكّنوا عدوّكم من رقابكم ، فتكونوا عبيداً لهم بعد إذ أنتم أربابهم وساداتهم ، فان في التّقيّة منهم لكم ردّاً عمّا قد أصبحوا فيه من الفضائح بأعمالهم الخبيثة علانية ، ولا يرى (6) منكم من يبعدكم عن المحارم وينزّهكم عن الأشربة السّوء والمعاصي وكثرة الحجّ والصّلاة وترك كلامهم (7) .
33 ـ وقال زرارة : سئل [ أبو جعفر عليه السلام ] (8) عن خلق حوّا ، وقيل : إنّ اُناساً عندنا يقولون : إن الله خلق حوّا من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، قال : سبحان الله إنّ الله لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته (9) من غير ضلعه ؟ ولا يكون لمتكلم أن يقول : ان آدم كان ينكح بعضه بعضاً ؟
____________
(1) في ق 3 : فبكى .
(2) في ق 3 : الذي أنت اليوم .
(3) في ق 3 : لاقتلك .
(4) في ق 2 وق 3 وق 4 : فمه .
(5) في ق 3 : معاشر .
(6) في ق 1 وق 3 : ولا يرون ، وفي البحار : وما يرون .
(7) بحار الأنوار ( 11 | 262 ـ 264 ) ، برقم : ( 11 ) .
(8) الزيادة من ق 1 فقط .
(9) في ق 2 : ما لا يخلق لآدم من زوجة ، وفي ق 3 : إنّ الله له من القدرة ما يخلق لآدم .

( 58 )

ثم قال : إن الله تعالى لما خلق آدم وأمر الملائكة فسجدوا (1) ألقى عليه السّبات ، ثم ابتدع له خلق حوّا ، ثم جعلها في موضع النقرة (2) الّتي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل (3) ، فاقبلت تتحرك فانتبه لتحركها ، فلمّا انتبه تودي أن تنحّي عنه ، فلمّا نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنّها اُنثى ، فكلّمها وكلمته بلغته ، فقال لها من أنت ؟ فقال : أنا خلق خلقني الله تعالى كما ترى .
فقال آدم عند ذلك : يا ربّ ما هذا الخلق الحسن الّذي قد آنسني قربه والنّظر اليه ؟ فقال الله تعالى : يا آدم هذه أمتي حوّا ، أفتحبّ (4) أن تكون معك فتؤنسك وتحدّثك وتكون تابة لأمرك ؟ فقال : نعم يا ربّ لك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت .
قال : فاخطبها إليّ فانّها أمتي (5) وقد تصلح لك زوجة للشهوة ، والقى الله عليه الشّهوة ، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شيء فقال : يا ربّ إنّي أخطبها اليك فما رضاك لذلك لي ؟ فقال : مرضاتي (6) أن تعلمها معالم ديني ، فقال : ذلك لك يا ربّ إن شئت ذلك لي ، فقال : فقد شئت ذلك وقد (7) زوّجتكها فضُمّها إليك ، فقال لها آدم : إليّ فاقبلي ، فقال : بل أنت . فأمر الله آدم أن يقوم إليها فقام ، ولولا ذلك لكنّ النّساء يذهبن إلى الرّجال (8) .

فصل ـ 7 ـ
( في نحو ذلك )
34 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، أخبرنا سعد بن عبدالله ، عن ابن أبي عمير ، عن
____________
(1) في ق 2 : وأمر الملائكة بالسّجود له .
(2) في ق 2 : المنقرة .
(3) في ق 1 وق 4 : للرّجال .
(4) في ق 1 وق 3 : فتحب .
(5) في ق 1 وق 3 وق 4 : أنثى .
(6) في ق 3 : رضائي .
(7) في ق 1 : فقال قد شئت وقد .
(8) لم ينقل العلامة المجلسي هذا الخبر في البحار عن القصص ، إلاّ أنه موجود فيه ضمن خبر رواه عن العلل في ( 11 | 220 ـ 221 ) غير أن زرارة رواه عن أبي عبد الله عليه السلام .

( 59 )

علي بن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال : ان ابن آدم حين قتل أخاه قتل شرهما خيرهما ، فوهب الله تعالى لآدم ولداً ، فسمّاه هبة الله وكان وصيّه ، فلمّا حضرت آدم صلوات الله عليه وفاته (1) ، قال : يا هبة الله قال : لبيك قال : انطلق إلى جبرئيل فقل : إنّ أبي آدم يقرؤك السّلام ويستطعمك من طعام الجنّة وقد اشتاق إلى ذلك ، فخرج هبة الله ، فاستقبله جبرئيل عليه السلام ، فأبلغه [ رسالة ] (2) ما أرسله به أبوه اليه ، فقال له جبرئيل عليه السلام : رحم الله أباك فرجع هبة الله وقد قبض الله تعالى آدم عليه السلام ، فخرج به هبة الله وصلّى عليه ، وكبّر عليه خمساً (3) وسبعين تكبيرة سبعين لآدم وخمساً لأولاده من بعده (4) .
35 ـ وبهذا الاسناد عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال : ان ابن آدم حين قتل أخاه لم يدر كيف يقتله حتى جاء ابليس فعلّمه ، قال : ضع رأسه بين حجرين ثمّ (5) اشدخه (6) .
36 ـ وعن ابن بابويه حدثني محمد بن علي بن ماجيلويه ، حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن ابن أورمة ، عن عمر بن عثمان ، عن العبقري ، عن أسباط ، عن رجل حدثه عن علي بن الحسين صلوات الله عليه : أن طاوساً ، قال في المسجد الحرام : أوّل دم وقع على الأرض دم هابيل (7) ، وهو يومئذ قتل ربع الناس ، وقال له زين العابدين عليه الصلاة والسلام : ليس كما قال (8) ، إنّ أوّل دم وقع على الأرض دم حوّا حين حاضت ، يومئذ قتل سدس النّاس ، كان يومئذ آدم وحوّا وقابيل وهابيل وأختاه بنتين كانتا .
____________
(1) في ق 2 وق 3 : حضر آدم الوفاة ، وفي ق 4 : وحضر آدم وفاته .
(2) الزيادة من ق 2 .
(3) في ق 2 : فصلّى عليه وكبّر خمساً .
(4) بحار الأنوار ( 11 | 264 ) ، برقم : ( 12 ) .
(5) في ق 3 : ثم أخدشه . والشدخ والخدش واحد عكساً ومفهوماً .
(6) بحار الأنوار ( 11 | 238 ) ، برقم : ( 23 ) .
(7) في البحار : دم هابيل حين قتله قابيل .
(8) في ق 2 : وليس كما قال ، وفي ق 3 : ليس كما قلت .