ثم قال صلوات الله عليه : هل تدري ما صنع بقابيل ؟ فقال القوم : لا ندري ، فقال : وكل الله به ملكين يطلعان به مع الشّمس إذا طلعت ، ويغربان به مع الشمس إذا غربت ، وينضجانه (1) بالماء الحار مع حر الشمس حتى تقوم الساعة (2) .
37 ـ وبهذا الاسناد عن ابن أورمة ، عن الحسن بن علي ، عن ابن بكر ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ بالمدينة لرجلاً أتى المكان الذي فيه ابن آدم عليه السلام فرآه معقولاً معه عشرة موكلون به ، يستقبلون بوجهه الشمس حيث ما دارت في الصّيف ، ويوقدون حوله النّار ، فإذا كان الشّتاء يصبّوا عليه الماء البارد ، وكلّما هلك رجل من العشرة أخرج أهل القرية رجلاً ، فقال له : يا عبدالله ما قصّتك لأيّ شيء ابتليت بهذا ؟ فقال : لقد سألتني من مسألة ما سألني أحد عنها قبلك ،إنّك أكيس الناّس ، وإنّك لأحمق النّاس (3) .
38 ـ وبهذا الاسناد عن ابن أورمة ، عن عبدالله بن محمد ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كانت الوحوش والطّير (4) والسّباع وكل شيء خلقه الله تعالى مختلطاً بعضه ببعض ، فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت وفزعت ، فذهب كلّ شيء إلى شكله (5) .

فصل ـ 8 ـ
39 ـ وباسناده عن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن اسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : كان هابيل راعي الغنم (6) وكان قابيل حرّاثاً فلمّا بلغا قال لهما آدم
____________
(1) في ق 2 : وينضحانه .
(2) بحار الأنوار ( 11 | 238 ) ، برقم : ( 24 ) .
(3) بحار الأنوار ( 11 | 239 ) ، برقم : ( 25 ) ، وأفاد العلامة المجلسي رحمه الله في ذيله : كونه أكيس الناس لأنه سأل عما لم يسأل عنه أحد ، وكونه أحمق الناس لأنّه سأل ذلك رجلا لم يؤمر ببيانه .
(4) في ق 1 : والطّيور .
(5) بحار الأنوار ( 11 | 236 ) ، برقم : ( 17 ) .
(6) في ق 1 : راعي غنم .

( 61 )

عليه السلام : إني أحبّ أن تقرّبا إلى الله قرباناً لعلّ الله يتقبّل منكما ، فانطلق هابيل إلى أفضل كبش في غنمه ، فقرّبه التماساً لوجه الله ومرضاة أبيه ، فأمّا قابيل فانّه قرّب الزّوان الذي يبقى في البيدر الذي لا تستطيع البقر أن تدوسه ، فقرّب ضغثاً منه لا يريد به وجه الله تعالى ولا رضى أبيه ، فقبل الله قربان هابيل وردّ على قابيل قربانه .
فقال إبليس لقابيل : إنّه (1) يكون لهذا عقب يفتخرون على عقبك بأن قبل قربان أبيهم ،فاقتله حتى لا بكون له عقب ، فقتله فبعث الله تعالى جبرئيل فأجنّه (2) ، فقال قابيل : يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب يعني به مثل هذا الغريب الذي لا أعرفه جاء ودفن أخي ولم أهتد لذلك ، ونودي قابيل من السّماء لُعنت لما قتلت أخاك ، وبكى آدم عليه السلام على هابيل أربعين يوماً وليلةً (3) .
40 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، أخبرنا علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لمّا أوصى آدم صلوات الله عليه إلى هابيل ، حسده قابيل فقتله ، فوهب الله تعالى لآدم هبة الله ، وأمره أن يوصي إليه وأمره أن يكتم ذلك ، قال : فجرت السّنة بالكتمان في الوصيّة (4) ، فقال قابيل لهبة الله : قد علمت أنّ أباك قد أوصى إليك ، فإن أظهرت ذلك أو نطقت بشيء منه لاقتلنّك كما قتلت أخاك (5) .
41 ـ وعن ابن بابويه ، أخبرنا محمد بن موسى بن المتوكل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لما قرّب ابنا آدم صلوات الله عليه القربان ، فتقبّل من هابيل ولم يتقبّل من قابيل (6) ، دخل قابيل من ذلك حسد
____________
(1) في ق 2 : ان .
(2) في ق 2 : فأخبه .
(3) بحار الانوار ( 11 | 239 ـ 240 ) ، برقم : ( 28 ) .
(4) في ق 2 : في أي وصية .
(5) بحار الأنوار ( 11 | 240 ) ، برقم : ( 29 ) .
(6) في ق 2 : فقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر .

( 62 )

شديد ، وبغى قابيل على هابيل ، فلم يزل يرصده ويتبع خلواته حتّى خلا به متنحياً عن آدم عليه السلام ، فوثب عليه فقتله ، وكان من قصتهما ما قد بيّنه الله في كتابه من المحاورة قبل ان يقتله (1) .
42 ـ وبهذا الاسناد عن محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن الحسن بن متّيل ، أخبرنا محمد بن الحسن ، أخبرنا محمد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر وكرام بن عمر ، وعن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبدالله الصادق صلوات الله عليه قال : أوحى الله تعالى إلى آدم صلوات الله عليه : أنّ قابيل عدوّ الله قتل أخاه ، وإنّي أعقبك منه (2) غلاماً ، يكون خليفتك ويرث علمك ، ويكون عالم الأرض وربانيّها بعدك ، وهو الّذي يدعى في الكتب شيثاً ، وسماه أبا محمد هبة الله ، وهو اسمه بالعربية ، وكان آدم عليه السلام بشّر بنوح صلوات الله عليه وقال : انه سيأتي نبيّ من بعدي اسمه نوح ، فمن بلغه منكم فليسلّم له ، فانّ قومه يهلكون بالغرق إلاّ من آمن به وصدّقه (3) ما قيل لهم وما اُمروا به (4) .

فصل ـ 9 ـ
43 ـ وبالاسناد المذكور عن حبيب السّجستاني ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لما علم آدم صلوات الله عليه بقتل هابيل جزع عليه جزعاً شديداً [ عظيماً ] (5) فشكا ذلك إلى الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إليه أنّي واهب لك ذكراً يكون خلفاً من هابيل فولدته حوّا ، فلما كان اليوم السّابع (6) سماه آدم عليه السّلام شيثاً ، فأوحى الله تعالى إليه : يا آدم إنما هذا الغلام هبة منيّ إليك فسمّه هبة الله ، فسمّاه آدم به جاء وقت وفاة آدم صلوات
____________
(1) بحار الأنوار ( 11 | 240 ـ 241 ) ، برقم : ( 30 ) .
(2) في ق 2 وق4 : أعقبك عنه ، وفي 3 : أعقبتك منه .
(3) في ق 2 : وصدق ، وفي البحار : وصدقه فيما .
(4) بحار الأنوار ( 11 | 264 ) ، برقم : ( 13 ) .
(5) الزيادة من ق 3 .
(6) في ق 2 : فلما كان في اليوم التاسع .

( 63 )

الله عليه أوحى الله تعالى إليه أنّي متوفيك ، فأوص إلى خير ولدك ، وهو هبتي الّذي وهبته لك وفأوص اليه وسلّم اليه ما علمتك من الأسماء ، فانّي أحبّ أن لا تخلو الأرض من عالم يعلم علمي ويقضي بحكمي ، أجعله حجّة لي على خلقي ، فجمع آدم صلوات الله عليه ولده جميعاً من الرّجال والنّساء .
ثم قال لهم : يا ولدي أنّ الله أوحى إليّ : إنّي متوفّيك وأمرني أن أوصي إلى خير ولدي وأنّه هبة الله ، وأنّ الله اختاره لي ولكن من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ، فإنّه وصيّتي وخليفتي عليكم ، فقالوا جميعاً : نسمع له ونطيع أمره ولا نخالفه .
قال : وأمر آدم صلوات الله عليه بتابوت ثم جعل فيه علمه والأسماء والوصيّة ثمّ دفعه إلى هبة الله ، فقال له : انظر إذا أنا متّ يا هبة الله فاغسلني (1) وكفّني وصلّ عليّ وأدخلني حفرتي ، وإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك ، فالتمس خير ولدك وأكثرهم لك صحبة وأفضلهم ، فأوص إليه بما أوصيت به إليك ، ولا تدع الأرض بغير عالم منّا أهل البيت ، يا بنيّ : إنّ الله تعالى أهبطني إلى الأرض ، وجعلني خليفة فيها وحجة له على خلقه ، وجعلتك حجّة الله (2) في أرضه من بعدي ، فلا تخرجنّ من (3) الدّنيا حتّى تجعل لله حجّة على خلقه ووصيّاً من بعدك ، وسلّم إليه التّابوت وما فيه كما سلّمت (4) إليك ، وأعلمه أنه سيكون من ذرّيّتي رجل نبيّ اسمه نوح يكون في نبوّته الطوفان والغرق ، وأوص وصيّك أن يحتفظ (5) بالتّابوت وبما فيه ، فإذا حضرته وفاته (6) فمره أن يوصي إلى خير ولده وليضع كلّ وصيّي وصيته في التّابوت ، وليوص بذلك بعضهم إلى بعض فمن أدرك منهم نبوة نوح ، فليركب معه وليحمل التّابوت وما فيه إلى فلكه ولا يتخلف عنه واحد ، واحذر يا هبة الله وأنتم يا ولدي الملعون قابيل .
____________
(1) في ق 2 وق 3 : فغسلني .
(2) في ق 2 : حجة الله .
(3) في ق 2 : فلا تخرجوا من .
(4) في ق 5 : سلمته .
(5) في ق 2 : أن يحفظ ، وفي ق 3 : أن يتحفظ .
(6) في ق 2 : الوفاة .

( 64 )

فلمّا كان اليوم الذي أخبره الله أنّه متوفيه تهيّأ آدم صلوات الله عليه للموت وأذعن به ، فهبط ملك الموت فقال آدم : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّي عبدالله (1) وخليفته في أرضه ، ابتدأني باحسانه (2) ، وأسجد لي ملائكته وعلّمني الاسماء كلّها ، ثم أسكنني جنته ولم يكن جعلها لي دار قرار ولا منزل استيطان ، وإنما خلقني لأسكن الأرض الذي أراد من التقدير والتدبير .
وقد كان نزل جبرئيل صلوات الله عليه بكفن آدم من الجنة والحنوط والمسحاة (3) معه قال : ونزل مع جبرئيل سبعون ألف ملك صلوات الله عليهم ليحضروا جنازة آدم عليه السلام ، فغسله هبة الله وجبرئيل صلوات الله عليهما وكفنه وحنطو ، ثم قال جبرئيل لهبة الله : تقدم فصلّ على أبيك وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة ، فحضرت الملائكة ثم أدخلوه حفرته .
فقام هبة الله في ولد أبيه بطاعة الله تعالى ، فلمّا حضرته وفاته أوصى إلى ابنه قينان وسلّم إليه التّابوت ، فقام قينان في إخوته وولد أبيه بطاعة الله تعالى وتقدّس ، فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يزد وسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه ، وتقدّم إليه في نبوة نوح صلوات الله عليه ، فلمّا حضرت وفاة يزد أوصى إلى ابنه أخنوخ ـ وهو ادريس ـ وسلم اليه التابوت وجميع ما فيه والوصية ، فقام أخنوخ به ،فلما قرب أدله أوحى الله تعالى اليه انّي رافعك إلى السماء فأوص إلى ابنك خرقاسيل (4) ، ففعل ، فقام خرقاسيل (5) بوصية أخنوخ ، فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه نوح وسلم اليه التابوت ، فلم يزل التّابوت عند نوح حتى حمله معه في سفينته ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه سام وسلّم إليه التّابوت وجميع ما فيه (6) .

فصل ـ 10 ـ
44 ـ أخبرنا السّيد أبو حرب بن المجتبى بن الدّاعي الحسني (7) ، أخبرنا
____________
(1) في ق 2 : اني عبده .
(2) في ق 3 : واجتباني .
(3) في ق 3 : والماء .
(4 ـ 5 ) في ق 1 وق 4 : خرقائيل .
(6) بحار الأنوار ( 11 | 264 ـ 266 ) ، برقم : ( 14 ) .
(7) هكذا في جميع النسخ المخطوطة وموضع في الرياض ( 2 | 435 ) وفي موضعين منه ( 429 و434 ) وأيضاً في أمل الآمل ( 2 | 227 ) عن فهرس منتجب الدين : أبو حرب المجتبى بن الداعي ( بن القاسم ) الحسني وهذا هو الصّحيح .

( 65 )

الدوريستي (1) عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن الحسن ، أخبرنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، الحسن بن علي ، عن عمرو (2) ، عن أبان بن عثمان ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : أرسل (3) آدم ابنه إلى جبرئيل عليه السلام فقال له : يقول لك أبي : أطعمني من زيت الزّيتون التي في موضع كذا وكذا من الجنّة ، فلقيه جبرئيل عليه السلام ، فقال له : ارجع إلى أبيك فقد قبض واُمرنا باجهازه والصّلاة عليه .
قال : فلمّا جهّزوه (4) قال جبرئيل عليه السلام : تقدّم يا هبة الله ، فصلّ على أبيك ، فتقدّم وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة سبعين تفضيلاً (5) لآدم عليه السلام وخمساً للسنّة .
قال : وآدم عليه السّلام لم يزل يعبد الله بمكة حتّى إذا أراد أن يقبضه بعث (6) اليه الملائكة معهم سرير وحنوط وكفن من الجنّة ، فما رأت حوّا عليها السلام الملائكة ذهبت لتدخل بينه وبينهم ، فقال لها آدم : خلّي بيني وبين رسل ربّي ، فقبض ، فغسلوه بالسدر والماء ، ثمّ لحّدوا قبره وقال : هذا سنّة ولده من بعده فكان عمره منذ خلقه الله تعالى إلى أن قبضه سبعمائة وستاً وثلاثين سنة ودفن بمكّة ، وكان بين آدم ونوح صلوات الله عليهما ألف وخمسمائة سنة (7) .
45 ـ وبهذا الاسناد عن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمد بن الحسن الصّفار ، حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، خدّثنا محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : قبض (8) آدم صلوات
____________
(1) هو الشّيخ أبو عبدالله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس الدوريستي معاصر للشيخ الطوسي تعرّض له في رجاله ص ( 459 ) ووثّقه .
(2) في ق 3 : عن عمّه ، وفي ق 5 : عن عمر بن عثمان .
(3) في ق 2 وق 4 : لما أرسل .
(4) في ق 3 : فلما جهزه .
(5) في ق 2 وق 3 : تفضلاً
(6) في ق 3 : إذا أراد أن يقبضه فبعث .
(7) بحار الأنوار ( 11 | 266 ـ 267 ) ، برقم : ( 15 ) .
(8) في ق 2 وق 4 : لما قبض .

( 66 )

الله عليه وكبّر عليه ثلاثين (1) تكبيرة ، فرفع خمس وعشرون ، بقي السنّة علينا خمساً ، وكان رسول الله عليه وآله وسلم يكبّر على أهل بدر سبعاً وتسعاً (2) .
46 ـ وبهذا الأسناد عن ابن أبي الديلم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ان قابيل أتى هبة الله عليه السلام ، فقال : ان أبي قد أعطاك العلم الذي كان عنده ، وأنا كنت أكبر منك وأحق به منك ، ولكن قتلت ابنه فغضب عليّ فآثرك بذلك العلم عليّ وأنّك والله إن ذكرت شيئاً ممّا عندك من العلم الّذي ورثك أبوك لتتكبّر به عليّ ولتفتخر عليّ لاقتلنّك كما قتلت أخاك .
فاستخفى هبة الله بما عنده من العلم لينقضي دولة قابيل ، ولذلك يسعنا في قومنا التّقية ، لأنّ لنا في ابن آدم اُسوة ، قال : فحدّث هبة الله ولده بالميثاق سرّاً ، فجرت والله السّنة بالوصيّة (3) من هبة الله في ولده ، ومن يتّخذه يتوارثونها عالم بعد عالم ، وكانوا يفتحون الوصيّة كلّ سنة يوماً فيحدّثون أنّ أباهم قد بشّرهم بنوح عليه السّلام .
قال : وإنّ قابيل لمّا رأى النّار الّتي قبلت قربان هابيل ظنّ قابيل أنّ هابيل كان يعبد تلك النار ولم يكن له علم بربّه ، فقال قابيل : لا أعبد النار التي عبدها هابيل ، ولكن أعبد ناراً وأقرب قرباناً لها فبنى بيوت النيران (4) .
47 ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، حدثنا محمّد ابن أبي عبدالله الكوفي ، حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : كان أبو جعفر الباقر عليه الصّلاة والسّلام جالساً في الحرم وحوله عصابة من أوليائه اذ أقبل طاوُس اليماني في جماعة ، فقال من صاحب الحلقة ؟ قيل : محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : إيّاه أردت فوقف بحياله وسلّم وجلس .
____________
(1) في ق 1 : ثلاثون .
(2) البحار ، الجزء ( 11 | 268 ) ، برقم : ( 16 ) . والجزء ( 19 | 320 ) ، برقم : ( 73 ) .
(3) والله الوصيّة : ق 1 .
(4) بحار الأنوار ( 3 | 249 ) من قوله : قال : وإنّ قابيل ، إلى آخره . و( 11 | 241 ) ، برقم : ( 31 ) أورد فيه تمام الخبر و( 75 | 419 ) ، برقم : ( 74 ) . ذكر فيه من صدره إلى قوله : أسوة .

( 67 )

ثم قال : أتأذن لي في السّؤال ؟ فقال الباقر عليه السلام : قد آذنّاك فسل قال : أخبرني بيوم هلك ثلث النّاس فقال : وهمت يا شيخ أردت أن تقول : ربع النّاس وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعة : قابيل ، وهابيل ، وآدم وحوّا عليهم السلام ، فهلك ربعهم ، فقال : أصبت ووهمت أنا ، فأيّهما كان الأب للنّاس القاتل أو المقتول ؟ قال : لا واحد منهما ،بل أبوهم شيث ابن آدم عليهما السّلام (1) .

فصل ـ 11 ـ
( في مبتدأ الأصنام )
48 ـ عن محمد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، حدثنا محمّد بن النّعمان الأحول ، عن يزيد بن معاوية (2) قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في مسجد النّبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ إبليس اللّعين هو أوّل من صوّر صورةً على مثال آدم عليه السّلام ليفتن به النّاس ويضلّهم عن عبادة الله تعالى ، وكان ودّ في ولد قابيل ، وكان خليفة قابيل على ولده وعلى من بحضرتهم في سفح الجبل يعظّمونه (3) ويسوّدونه ، فلمّا أن مات ودّ جزع عليه اخوته وخلّف عليهم ابناً يقال له : سواع فلم يغن غنا أبيه منهم (4) ، فأتاهم إبليسم في صورة شيخ فقال : قد بلغني ما أصبتم به من موت ودّ وعظيمكم فهل لكم فيّ أن أصوّر لكم على مثال ودّ صورةً تستريحون إليها وتأنسون بها ؟ قالوا : افعل ، فعمد الخبيث إلى الآنك فإذا به حتّى صار مثل الماء .
ثمّ صوّر لهم صورةً مثال ودّ في بيته ، فتدافعوا على الصّورة يلثمونها ويضعون خدودهم عليها ويسجدون لها ، وأحبّ سواع أن يكون التعظيم والسّجود له ، فوثب على صورة ودّ ، فحكّها حتّى لم يدع منها شيئاً وهمّوا بقتل سواع ، فوعظهم وقال : أنا أقوم لكم بما كان يقوم
____________
(1) بحار الأنوار ( 11 | 241 ـ 242 ) ، برقم : ( 32 ) و( 46 | 354 ـ 355 ) ، برقم : ( 8 ) .
(2) في ق 4 والبحار : بريد بن معاوية .
(3) في ق 3 ، وكانوا يعظّمونه .
(4) في ق 2 : عنه .

( 68 )

به ودّ ، وأنا ابنه ، فان قتلتموني لم يكن لكم رئيس ، فمالوا إلى سواع بالطّاعة والتّعظيم .
فلم يلبث سواع أن مات وخلّف ابناً يقال له : يغوث فجزعوا على سواع فأتاهم إبليس وقال : أنا الّذي صوّرت لكم صورة ودّ ، فهل لكم أن أجعل لكم مثال سواع . على وجه لا يستطيع أحد أن يغيّره قال : فافعل ، فعمد إلى عود فنجّره ونصبه لهم في منزل سواع ، وإنّما سمّي ذلك العود خلافاً ، لأنّ إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ودّ قال : فسجدوا له وعظّموه وقالوا ليغوث : ما نأمنك على هذا الصّنم أن تكيده كما كاد أبوك مثال ودّ ، فوضعوا على البيت حرّاساً وحجّاباً (1) ، ثم كانوا يأتون الصّنم في يوم واحد ويعظّمونه أشدّ ما كانوا يعظّمون سواعاً ، فلمّا رآى ذلك يغوث قتل الحرسة والحجاب ليلاً وجعل الصنم رميماً ، فلما بلغهم ذلك أقبلوا ليقتلوه فتوارى منهم (2) إلى أن طلبوه ورأّسوه وعظّموه .
ثمّ مات وخلّف ابناً يقال له : يعوق فأتاهم إبليس ، فقال : قد بلغني موت يغوث وأنا جاعل لكم مثاله في شيء لا يقدر أحد أن يغيّره قالوا : فافعل ، فعمد الخبيث إلى حجر جرع (3) أبيض ، فنقره بالحديد حتّى صوّر لهم مثال يغوث ، فعظّموه أشدّ ما مضى (4) ، وبنوا عليه بيتاً من حجر ، وتبايعوا أن لا يفتحوا باب ذلك البيت إلاّ في رأس كلّ سنة ، وسُميّت البيعة يومئذ ، لانّهم تبايعوا وتعاقدوا عليه ، فاشتدّ ذلك على يعوق ، فعمد إلى ريطة (5) وخلق فألقاها في الحاير ثمّ رماها بالنّار ليلاً ، فأصبح القوم وقد احترق البيت والصّنم والحرس وأرفض الصنم ملقى ، فجزعوا وهمّوا بقتل يعوق ، فقال لهم : إن قتلتم رئيسكم فسدت أموركم (6) فكفّوا .
فلم يلبث أن مات يعوق ، خلّف ابناً يقال له : نسراً ، فأتاهم إبليس فقال : بلغني موت عظيمكم ، فأنا جاعا لكم مثال (7) يعوق في شيء لا يبلى ، فقالوا : افعل فعمد إلى
____________
(1) في ق 1 وق 5 : وحجباً .
(2) في ق 2 : عنهم .
(3) في ق 4 : حجر جزع ، وفي البحار : إلى حجر أبيض .
(4) في البحار : مما مضى .
(5) في ق 1 : الريطة .
(6) في ق 3 : أفسدتم أمركم .
(7) في ق 2 : مثل .

( 69 )

الذّهب وأوقد عليه النّار حتّى صار كالماء ، وعمل مثالاً من الطّين علىصورة يعوق ، ثم أفرغ الذّهب (1) فيه ، ثمّ نصبه لهم في ديرهم ، واشتدّ ذلك على نسر ولم يقدر على دخول تلك الدّير ، فانحاز عنهم في فرقة (2) قليلة من اخوته يعبدون نسراً ، والأخرون يعبدون الصّنم .
حتّى مات نسر وظهرت نبّوة إدريس ، فبلغه حال القوم وأنّهم يعبدون جسماً على مثال يعوق وأنّ نسراً كان يعبد من دون الله ، فصار اليهم بمن معه حتى نزل مدينة تشر وهم فيها ، فهزمهم وقتل من قتل وهرب من هرب ، فتفرّقوا في البلاد ، أمروا بالصّنم فحمل وألقي في البحر ، فاتخذت كلّ فرقة منهم صنماً وسمّوها بأسمائهم ، فلم يزالوا بعد ذلك قرناً بعد قرن لا يعرفون إلاّ تلك الاسماء .
ثمّ ظهرت نبوّة نوح عليه السلام ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدون من الاصنام ، فقال بعضهم : لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً (3) .

فصل ـ 12 ـ

49 ـ عن ابن بابويه ، حدّثنا أبوالحسن علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري ، حدّثنا علي بن أحمد البردعي ، حدّثنا محمّد عن محمد بن ميمون (4) عن الحسن ، عن أبيّ بن كعب ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنّ أباكم كان طوّالاً كالنّخلة السحوق ستين ذراعاً (5) .
50 ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا أبو عبدالله محمّد بن شاذان ، حدّثنا محمد بن محمد بن الحرث الحافظ ، حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي ، عن عبد المنهم بن إدريس ، عن أبيه ، عن وهب بن منبّه اليماني أنّ الله تعالى خلق (6) حوّا من فضل طينة آدم على صورته ، وكان
____________
(1) في ق 3 : أفرغ عليه الذهب .
(2) في ق 2 : في قرية .
(3) بحار الأنوار ( 3 | 250 ـ 252 ) ، برقم : ( 8 ) ، سورة نوح : 23 .
(4) في ق 4 : حدثنا محمد بن محمد بن ميمون ، وفي ق 2 وق 3 : حدثنا محمد بن ميمون .
(5) بحار الأنوار ( 11 | 115 ) ، برقم : ( 41 ) .
(6) في ق 2 : لما خلق .

( 70 )

ألقى عليه النّعاس واراه ذلك في منامه ، وهي أوّل رؤيا كانت في الأرض ، فانتبه وهي جالسة عند رأسه ، فقال عزّ وجلّ : يا آدم ما هذه الجالسة ؟ قال : الرّؤيا التي أريتني في منامي فأنس وحمد الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إلى آدم : إنّي (1) أجمع لك العلم كلّه في أربع (2) كلمات : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بينين وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين النّاس .
فأمّا الّتي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئاً ، وأمّا الّتي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون غليه ، وأمّا الّتي فيما بيني وبينك ، فعليك الدّعاء وعليّ الإجابة ، وأمّا الّتي فيما بينك وبين النّاس ، فترضى للنّاس ما ترضى لنفسك .
وكان مهبط آدم صلوات الله عليه على جبل في مشرق أرض الهند (3) يقال له : باسم ثم أمره أن يسير إلى مكة ، فطوى له الأرض ، فصار على كل مفازة يمرّ به خطوة ، ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلاّ صار عمراناً ، وبكى على الجنّة مائتي سنة ، فعزّاه الله (4) بخيمة من خيام الجنة ، فوضعها له بمكة في موضع الكعبة ، وتلك الخيمة من ياقوتة حمراء لها بابان شرقيّ وغربيّ من ذهب منظومان معلّق فها ثلاث قناديل من تبر الجنّة تلتهب نوراً ، ونزل الرّكن وهو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنّة ، وكان كرسيّاً لآدم يجلس عليه .
وانّ خيمة آدم لم تزل في مكانها حتّى قبضه الله تعالى ، ثم ّ رفعها الله إليه ، وبنى بنو آدم في موضعها بيتاً من الطّين والحجارة ، ولم يزل معموراً ، وأعتق من الغرق ، ولم يخرّبه الماء حتى بعث (5) الله تعالى إبراهيم صلوات الله عليه (6) .
____________
(1) في ق 3 : اليه اني .
(2) في ق 3 : أجمع لك كلمة في أربع .
(3) في ق 3 : على جبل شرقي الهند ، وفي ق 4 والبحار : على جبل في شرقي أرض الهند ، وفي ق 2 : وكان هبط آدم في شرق ارض الهند ، وفي ق 1 : وكان مهبط آدم على جبل في شرقي أهل الهند .
(4) في ق 1 وق 3 : فعزه الله .
(5) في ق 1 والبحار : ( 11 | 211 ) إبتعث الله .
(6) بحار الأنوار ( 11 | 115 ) ، برقم : ( 42 ) إلى قوله : لنفسك . وما بعده إلى آخره في المصدر نفسه ص ( 211 ) ، برقم : ( 17 ) وفي الجزء ( 99 | 61 ) ، برقم : ( 31 ) وفيه : إنبعث الله وراجع ( 75 | 26 ) ، برقم : ( 8 ) فيه مقدار من وسط الخبر .

( 71 )

51 ـ وذكر وهب أنّ ابن عباس أخبره أنّ جبرئيل وقف على النبيّ صلوات الله عليه وآله وعليه عصابة خضراء (1) قد علاها الغبار ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ما هذا الغبار ؟ قال : إنّ الملائكة اُمرت بزيارة البيت فازدحمت ، فهذا الغبار ممّا تثير الملائكة بأجنحتها (2) .
52 ـ قال وهب : ولمّا أراد قابيل أن يقتل أخاه ، ولم يدر كيف يصنع عمد إبليس إلى طائر ، فرضخ (3) رأسه بحجر فقتله فتعلّم قابيل ، فساعة قتله أرعش جسده (4) ولم يعلم ما يصنع أقبل غراب يهوي على الحجر الّذي دمغ أخاه ، فجعل يمسح الدّم بمنقاره وأقبل غراب آخر حتى وقع بين يديه ، فوثب الأوّل على الثّاني فقتله ، ثمّ حفر (5) بمنقاره فواراه فتعلّم قابيل (6) .
53 ـ وروي أنّه لم يوار سوأة أخيه ، وانطلق هارباً حتى أتى وادياً من أودية اليمن في شرقيّ عدن ، فكمن فيه زماناً ، وبلغ آدم صلوات الله عليه ما صنع قابيل بهابيل ، فأقبل فوجده قتيلاً ثمّ دفنه ، وفيه وفي إبليس نزلت : ( ربّنا أرنا الّذين أضلاّنا من الجنّ والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين ) (7) لأنّ قابيل أوّل من سنّ القتل ، ولا يقتل مقتول إلى يوم القيامة إلاّ كان له فيه شركة (8) (9) .
54 ـ وسئل الصّادق عليه السّلام عن قوله تعالى : ( وقال الذين كفروا ربّنا أرنا الّذين أضلاّنا من الجنّ والانس ) قال : هما هما (10) .
____________
(1) في ق 2 : حمراء خضراء .
(2) بحار الأنوار ( 99 | 61 ) ، برقم : 32 .
(3) في البحار : فرضح ، وهما بمعنى واحد .
(4) في ق 2 وق 4 : ونعش جسده .
(5) في ق 2 : ثم هز ، وفي ق 4 : ثم هزه .
(6) بحار الأنوار ( 11 | 242 ) ، برقم : ( 33 ) .
(7) سورة فصلت : ( 29 ) .
(8) في ق 1 : شرك ، وفي البحار : فيه له شرك .
(9) بحار الأنوار ( 11 | 242 ) ، برقم : ( 34 ) .
(10) بحار الأنوار ( 11 | 243 ) ، برقم : ( 35 ) .

( 72 )

55 ـ قال وهب : فلمّا حضرت (1) آدم عليه السلام الوفاة أوصى إلى شيث ، وحفر لآدم في غار في أبي قبيس يقال له : غار الكنز ، فلم يزل آدم في ذلك الغار حتى كان في زمن (2) الغرق استخرجه نوح صلوات الله عليه في تابوت وجعله معه في السّفينة (3) .
56 ـ وأمّا عوج بن عناق ، فإنّه كان جبّاراً [ في الارض ] (4) عدوّاً لله وللإسلام ، وله بسطة في الجسم والخلق ، وكان يضرب يده (5) فيأخذ الحوت من أسفل البحر ثم يرفع (6) إلى السماء ، فيشويه في حرّ (7) الشّمس فيأكله ، وكان عمره ثلاثة آلاف وستّمائة سنة (8) .
57 ـ وروي أنّه لمّا أراد نوح عليه السلام أن يركب السّفينة جاء إليه عوج ، فقال له : أحملني معك ، فقال نوح : إنّي لم أومر بذلك ، فبلغ الماء إليه وما جاوز ركبتيه ، وبقي إلى أيّام موسى ، فقتله موسى عليه السلام (9) .
____________
(1) في البحار : قال لما حضر .
(2) في ق 1 وق 3 وق 5 : كان زمان .
(3) بحار الأنوار ( 11 | 267 ) ، برقم : ( 17 ) .
(4) الزيادة من ق 4 .
(5) في ق 3 : بيده .
(6) في ق 1 وق 3 : ثم يرفعه .
(7) في ق 2 : من حرّ .
(8) بحار الأنوار ( 11 | 243 ) ، برقم : ( 36 ) .
(9) بحار الأنوار ( 11 | 243 ) ، برقم : ( 37 ) .