فتربّد (1) وجه هشام ، وامتقع (2) لونه ، وهمّ أن يبطش بأبي فقال له أبي : يا امير المؤمنين الواجب على النّاس الطّاعة لأمامهم والصّدق له بالنّصيحة ، وأنّ الّذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطّاعة ، فيحسن ظنّ أمير المؤمنين فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألاّ ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه .
ثمّ قال هاشم : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج ابي متوجّهاً من الشّام نحو الحجاز ، وابرد هشام بريداً وكتب معه إلى جميع عمّاله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شيء من مدينتهم ، ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشّام حتّى ينفذ إلى الحجاز ، فلمّا انتهى إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاهم بعضهم فأخبرهم أنّ زادهم قد نفد ، وأنّهم قد منعوا من السوق ، وأن باب المدينة أغلق .
فقال : أبي : فعلوها ؟ ائتوني بوضوء فأتى بماء فتوضّأ ، ثم توكّأ على غلام له ، ثمّ صعد الجبل حتّى إذا صار في ثنيّة استقبل القبلة ، فصلّى ركعتين ، فقام وأشرف على المدينة ، ثمّ نادى بأعلى صوته ، وقال : ( وإلى مدين أخاهم شعيباً قال : يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إنّي أراكم بخير وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا النّاس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * بقيّة الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ) (3) ثمّ وضع يده على صدره ، ثم نادى بأعلى صوته أنا والله بقيّة الله ، أنا والله بقيّة الله . قال : وكان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السّن وأدبته التّجارب ، وقد قرأ الكتب ، وعرفه أهل مدين بالصّلاح ، فلمّا سمع النّداء قال لأهله : أخرجوني فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع النّاس غليه ، فقال لهم : ما هذا الّذي سمعته من فوق الجبل ، قالوا : هذا رجل يطلب السّوق فمنعه السّلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشّيخ : تطيعونني ؟ قالوا : اللّهم نعم ، قال : قوم صالح إنّما ولي عقر النّاقة منهم رجل واحد ، وعذّبوا جميعاً على الرّضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام
____________
(1) تربّد وجه فلان : تغيّر من الغضب .
(2) أي : تغيّر من حزن أو فزع .
(3) سورة هود : ( 84 ـ 86 ) .

( 145 )

شعيب ، ونادى مثل ندآء شعيب صلوات الله عليه ، وهذا رجل ما بعده ، فارفضوا السّلطان وأطيعوني وأخرجوا إليه بالسّوق فاقضوا حاجته ، وإلا لم آمن والله عليكم الهلكة ، قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السّوق إلى أبي ، فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه ، وبخبر الشّيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشّيخ إليه ، فمات في الطريق رضي الله عنه (1) .

فصل ـ 3 ـ
156 ـ أخبرنا السّيد عليّ بن أبي طالب السّليقي (2) ، عن جعفر بن محمد بن العبّاس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن عليّ ماجيلويه ، حدّثنا محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن بعض أصحابنا ، عن سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد رفعه إلى علي عليه السلام قال : قيل له يا أمير المؤمنين : حدّثنا قال : إنّ شعيباً النّبيّ صلوات الله عليه دعا قومه إلى الله حتّى كر سنّة ورق عظمه ، ثمّ غاب عنهم ما شاء الله ، ثمّ عاد إليهم شابّاً ؟ وكان عليّ عليه السلام يكرّر عليهم الحديث مراراً كثيرة (3) .
157 ـ وبهذا الإسناد عن ابن أورمة ، عمّن ذكره ، عن علا ، عن فضيل بن يسار قال أبو عبدالله صلوات الله عليه : لم يبعث الله عزّ وجلّ من العرب إلاّ خمسة أنبيآء : هوداً ، وصالحاً ، وإسماعيل ، وشعيباً ، ومحمّداً خاتم النبييّن صلوات الله عليهم ، وكان شعيب بكاء (4) .
158 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الطّالقاني ، حدّثنا أحمد بن عمران .
____________
(1) بحار الأنوار ( 46 | 315 ـ 317 ) ، برقم : ( 3 ) ، وجائت قطعات من الحديث في ( 13 | 368 ) ، برقم : ( 12 ) و( 14 | 336 ) ، برقم : ( 4 ) و( 42 | 302 ) ، وأورد قسماً منه في إثبات الهداة ( 2 | 464 ) من الباب ( 11 ) الفصل ( 21 ) برقم : ( 213 ) .
(2) كذا في ق 3 وأعيان الشّيعة : وفي ق 1 : الصّيقلي ، وفي ق 2 وق 4 وق 5 : السّيقلي وفي الرّياض ( 2 | 427 ) و( 437 ) : السّليقي والسّيلقي .
(3) بحار الأنوار ( 12 | 385 ) ، برقم : ( 10 ) .
(4) بحار الأنوار ( 11 | 42 ) ، برقم : ( 44 ) ، وراجع ( 12 | 385 ) ، برقم : ( 11 ) .

( 146 )

ابن خالد ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدّثنا عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة (1) ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : إن الله تعالى بعث شعيباً إلى قومه وكان لهم ملك فاصابه منهم بلاء ، فلمّا رآى الملك أنّ القوم قد خصبوا أرسل إلى عمّاله ، فحسبوا على النّاس الطّعام ، وأغلوا أسعارهم ، ونقصوا مكائيلهم وموازينهم ، وبخسوا النّاس أشياءهم ، وعتوا عن أمر ربّهم ، فكانوا مفسدين في الارض ، فلمّا رآى ذلك شعيب صلوات الله عليه قال لهم : « لا تنقصوا المكيال والميزان إنّي أرايكم بخير وإنّي أخاف عليكم عذاب يوم محيط » فأرسل الملك إليه بالإنكار .
فقال شعيب : إنّي منهيّ في كتاب الله تعالى والوحي الّذي أوحى الله إلي به : أنّ الملك إذا كان بمنزلتك الّتي نزلتها ينزل الله بساحته نقمته ، فلمّا سمع الملك ذلك أخرجه من القرية ، فأرسل الله إليه سحابة فاظلّتهم ، فأرسل عليهم في بيوتهم السّموم وفي طريقهم الشمس الحارة وفي القرية ، فجعلوا يخرجون من بيوتهم وينظرون إلى السّحابة الّتي قد أظلّتهم من أسفلها ، فانطلقوا سريعاً كلّهم إلى أهل بيت كانوا يوفون المكايل والميزان ولا يبخسون النّاس اشياءهم فنصحهم الله وأخرجهم من بين العصاة ، ثم أرسل على أهل القرية من تلك السّحابة عذاباً وناراً فأهلكتهم ، وعاش شعيب صلوات الله عليه مائتين واثنين وأربعين سنة (2) .

فصل ـ 4 ـ
159 ـ وعن ابن بابويه حدّثنا أبو عبدالله محمد بن شاذان بن أحمد بن عثمان البرواذي حدّثنا أبو علي محمد بن محمد بن الحارث بن سفيان الحافظ السّمرقندي حدّثنا صالح بن سعيد التّرمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن ابيه (3) عن وهب بن منبّه اليماني ، قال : إنّ شعيباً وأيّوب صلوات الله عليهما وبلعم بن باعورا كانوا من ولد رهط آمنوا لإبراهيم يوم أحرق فنجا ، وهاجروا معه إلى الشّام ، فزوّجهم بنات لوط ، فكلّ نبيّ كان
____________
(1) كذا في ق 1 وق 2 والبحار ، وفي ق 3 وق 5 : علي بن خذيمة .
(2) بحار الأنوار ( 12 | 386 ـ 387 ) ، برقم : ( 13 ) .
(3) الزيادة من العلل فقط .

( 147 )

قبل بني إسرائيل وبعد إبراهيم صلوات الله عليه من نسل اولئك الرّهط ، فبعث الله شعيباً إلى أهل مدين ، ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته الّتي كان منها ، ولكنّهم كانوا أمّة من الامم بعث إليهم شعيب صلوات الله عليه .
وكان عليهم ملك جبّار ، لا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ، ويبخسوا النّاس النّاس أشياءهم ، مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيّه وعتوّهم ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، فكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص مكائيلهم وموازينهم ، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك ما تقول فيما صنعت أراض أم أنت ساخط ؟ فقط شعيب : أوحى الله تعالى إليّ أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له : ملك فاجر ، فكذّبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته ، قال الله تعالى حكاية عنهم : « لنخرجنّك يا شعيب والّذين آمنوا معك من قريتنا » .
فزادهم شعيب في الوعظ (1) ، فقالوا : يا شعيب : « أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء الله » فآذوه بالنّفي من بلادهم ، فسلّط الله عليهم الحرّ والغيم ، حتّى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيام ، وصار ماؤهم حميماً لا يستطيعون شربه فانطلقوا إلى غيضة لهم ، وهو قوله تعالى : « وأصحاب الأيكة » فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلّها ، فأرسل الله عليهم ناراً منها فاحرقتهم ، فلم ينج منهم أحد ، وذلك قوله تعالى : « فأخذهم عذاب يوم الظّلّة » .
وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذكر عنده شعيب قال : ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ، فلمّا أصاب قومه ما أصابهم لحق شعيب والّذين آمنوا معه بمكّة ، فلم يزالوا بها حتّى ماتوا .
والرّواية الصّحيحة : أنّ شعيباً عليه السلام صار منها إلى مدين فأقام بها وبها لقيه موسى ابن عمران صلوات الله عليهما (2) .
____________
(1) في ق 1 وق 5 : الوعد .
(2) بحار الأنوار ( 12 | 384 ـ 385 ) ، برقم : ( 9 ) .

( 148 )

الباب الثّامن

( في نبوّة موسى بن عمران عليه السلام )

160 ـ أخبرنا الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد ، عن أبيه ، حدّثنا السّيد أبو البركات الخوزي ، عن الشّيخ أبي جعفر محمد بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبدالله ، حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، حدّثنا أحمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : إنّ يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً ، فقال : إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ، ويسومونكم سوء العذاب ، إنّما ينجيكم الله برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران بن فاهث بن لاوي ، غلام طوال (1) ، جعد الشّعر ، أدم اللّون ، فجعل الرّجل من بني إسرائيل ، يسمي ابنه عمران ، ويسمّي عمران ابنه موسى .
فذكر أبان ، عن ابي الحصين ، عن ابي بصير ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه أنّه قال : ما خرج موسى حتّى خرج ثمانون كذّاباً من بني إسرائيل ، كلّهم يدّعي أنّه موسى بن عمران ، فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام ، فقال له كهنته وسحرته : إنّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل ، قال : فوضع القوابل على النّساء ، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا : تعالوا لا نقرب النّساء ، فقال عمران أبو موسى : آتوهنّ فإنّ (2) أمر الله واقع ولو كره المشركون ، اللّهمّ من تركه فإنّي لا أتركه ،
____________
(1) في ق 1 والبحار : طويل .
(2) في ق 4 : فإذا .

( 149 )

ووقع على اُم موسى ، فحملت ، فوضع على اُمّ موسى قابلة تحرسها ، فإذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت .
قال : فلمّا حملته اُمّه وقعت عليها المحبّة . وكذلك حجج الله على خلقه ، فقالت لها القابلة : مالك يا بنت تصفرين وتذوبين ؟ فقالت : لا تلوميني فانّي إذا ولدت اُخذ ولدي فذبح ، قالت : فلا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك فلم تصدّقها ، فلما أن ولدت التفتت إليها وهي مقبلة (1) ، فقالت : ما شاء الله ، فقالت : ألم أقل : إنّي سوف أكتم عليك ، ثمّ حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره (2) ، ثمّ خرجت إلى الحرس وكانوا على الباب ، فقالت : انصرفوا فانّما خرج دم مقطع فانصرفوا فارضعته ، فلمّا خافت عليه أوحى الله إليها : اجعليه في تابوت ، ثم اخرجيه ليلاً فاطرحيه في نيل مصر ، فوضعته في التابوت ثم دفعته في اليم ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر وأنّ الريح ضربته فانطلقت به ، فلمّا راته قد ذهب به الماء ، فهمّت (3) أن تصيح فربط الله على قلبها .
وقد كانت الصّالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل قالت : إنّها أيّام الربيع (4) فاخرجني فاضرب لي قبّة على شاطىء البحر حتّى أتنزّه هذه الايّام ، فضرب لها قبة على شطّ النّيل إذا أقبل التابوت يريدها ، فقال : هل ترون ما أرى على الماء ؟ قالوا : أي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئاً ، فلمّا دنا منها ثرت إلى الماء فتناولته بيدها ، وكاد الماء يغمرها حتّى صاحوا عليها ، فجذبته فأخرجته من الماء ، فأخذته فوضعته في حجرها فإذا غلام أجمل الناس ، فوقعت عليها له محبّة ، وقالت : هذا ابني ، فقالوا : إنّي أصبت غلاماً طيّباً نتّخذه ولداً ، فيكون قرّة عين لي ولك ولا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام ؟ قالت : ما أدري إلاّ أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتى رضي .
فلمّا سمع الناس أنّ الملك يربّي ابناً لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلاّ
____________
(1) في ق 1 : تقبله .
(2) في ق 3 : شأنه .
(3) في ق 1 : همّت . وهو الأوجه .
(4) في ق 4 : ربيع .

( 150 )

بعث امرأته إليه تكون ظئراً له ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثدياً ، قالت امرأة فرعون : اطلبوا لإبني ظئراً ولا تحقّروا أحداً ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنّ ، فقالت أمّ موسى لاخته : قصيّه : انظري أثر من له أثر (1) ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك : قالت ها هنا إمرأة صالحة : تأخذ ولدكم وتكفّله لكم ، قلت : ادخلوها ، فلما دخلت قالت لها امرأة فرعون : فمن انت ؟ قالت : من بني إسرائيل ، قالت : إذهبي فليس (2) لنا فيك حاجة ، فقال لها النّساء : انظري هل يقبل ثديها ؟ فقالت امرأة فرعون : إن يقبل هل يرضى فرعون بذلك ؟ فيكون الغلام منبني اسرائيل والمرأة من بني إسرائيل يعني (3) الظّئر لا يرضى أبداً ، قلن : فانظري هل يقبل أم (4) لا يقبل ؟ قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها فجاءت إلى اُمها فقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها ، فدفعت إليها موسى فوضعته في حجرها ثم القمته ثديها فقبل ، فقامت امرأة فرعون إلى فرعون فقالت : إنّ ابنك بد اقبل على ديسها (5) ثديها وقبلته فقال : وممّن هي ؟ قالت : من بني إسرائيل قال : هذا مالا يكون أبداً ، فلم تزل تكلّمه وتقول : لا يخاف من هذا الغلام إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك حتّى قلّبت رأيه ورضي .
فنشأ موسى في آل فرعون ، وكتمت اُمّه خبره وإخته والقابلة ، حتّى هلكت الامّ والقابلة ، وكان بنو إسرائيل تطلبه ، فبلغ فرعون أنّهم يسألون عنه فزاد في عذابهم ، فشكوا ذلك إلى شيخ لهم عنده علم ، فقال : إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجيء الله بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه : موسى بن عمران غلام ادم جعد ، فبيناهم كذلك إذ أقبل موسى صلوات الله عليه يسير على بغلة حتى وقف عليهم ، فرفع الشّيخ رأسه فعرفه بالصّفة ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : موسى قال : ابن من ؟ قال : ابن عمران ، فوثب إليه الشّيخ وقبّل يده (6)
____________
(1) في ق 2 وق 4 : انظري أترين له أثراً .
(2) في ق 3 : فما .
(3) في ق 3 : تعني .
(4) في ق 3 : أو .
(5) في ق 3 وق4 : ثديها .
(6) في ق 2 : يديه .

( 151 )

وثاروا إلى رجليه فقبلوهما ، فعرفهم وعرفوه واتّخذهم شيعته ، فمكث بعد ذلك ما شاء الله ، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجل من شيعته يقاتل رجلاً قبطياً فاستغاثه ، فوكز القبطي فمات فذكره النّاس وشاع أمره أنّ موسى قتل رجلا من آل فرعون ، فكان خائفاً حتّى جاءه رجل وقال : إنّهم يطلبونك ، فخرج من مصر بغير دابّة حتّى انتهى إلى أرض مدين ، فانتهى إلى أصل شجرة تحتها بئر وعندها امّة من النّاس وجاريتان معهما غنيمة (1) في ناحية ، فقال لهما : ما خطبكما ، قالتا : أبونا شيخ كبير ونحن ضيعفتان لا نزاحم الرّجال ، فإذا استقى النّاس وانصرفوا سقينا من بقيّة مائهم ، فرحمهما موسى فاخذ الدلو واستقي وسقي لهما ، فرجعتا قبل النّاس وجلس موسى موضعه .
قال أبو جعفر عليه السلام (2) لقد قال : « ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير » وأنّه لمحتاج إلى شق تمرة . فلمّا رجعتا إلى أبيها قال : ما أعجلكما ! قالتا : وجدنا صالحاً رحمنا فسقي لنا ، فقال لاحداهما : اذهبي فادعيه فجاءت تمشي على استحياء ، قالت : إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فقال موسى لها : وجّهيني إلى الطّريق وامشي خلفي ، فانا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز (3) النّساء .
فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص ، قال : لا تخف نجوت من القوم الظّالمين ، ثمّ استأجره ليزوّجه ابنته ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطّريق ليلاً ، فأورى ناراً فلم يمكنه الزّند (4) ، فرآى ناراً فقال لأهله : امكثوا إنّي آنست ناراً لعليّ آتيكم منها بقبس أو خبر ، فلمّا انتهى إلى النّار إذا شجرة تضطرم من أسفلها إلى أعلاها ، فلمّا دنا منها تأخّرت ثمّ دنته ، فنودي : أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وأن ألق عصاك ، فألقاها فاذا هي حيّة مثل الجذع لأسنانها صرير يخرج من فمها مثل لهب النّار ، فولّى مرتعداً ، فنودي :
____________
(1) في ق 3 : غنيمات .
(2) كذا في ق 1 ولعلّه الصّحيح كما يظهر من البحار ( 13 | 59 ) ، وفي بعض النّسخ بدون « عليه السلام » فيمكن أن يكون المراد به : إمّا الصّدوق أو أحمد بن محمد بن عيسى أو غيرهما ، وجملة « قال أبو جعفر » غير موجودة في كمال الدين ( 1 | 150 ) ولا في البحار ( 13 | 38 ) ، سورة القصص : 24 .
(3) الزيادة من البحار .
(4) في ق 2 : الوقد .

( 152 )

لا تخف وخذها ، فوقع عليه الأمان ووضع رجليه على ذنبها وتناول لحيتها (1) ، فاذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا (2) .
فصل ـ 1 ـ
161 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدثنا سعد بن عبدالله ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : سألت أبا الحسن الرّضا صلوات الله عليه عن قوله تعالى : « إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا » أهي الّتي تزوّج بها ؟ قال : نعم ، ولمّا قالت : « استاجره إنّ خير من استاجرت القويّ الأمين » قال أبوها : كيف علمت ذلك ؟ قالت لما أتيته برسالتك ، فأقبل معي قال : كوني خلفي ودلّيني على الطريق ، فكنت خلفه أرشده كراهة أن يرى منّي شيئاً .
ولما أراد موسى الإنصراف قال شعيب : ادخل البيت وخذ من تلك العصي عصاً تكون معك تدرأ بها السّباع ، وقد كان شعيب أخبر بأمر العصا الّتي أخذها موسى ، فلمّا دخل موسى البيت وثبت إليه العصا ، فصارت في يده فخرج بها ، فقال له شعيب : خذ غيرها ، فعاد موسى إلى البيت ، فوثبت إليه العصا ، فصارت في يده فخرج بها ، فقال له شعيب : خذ غيرها فوثبت إليه فصارت في يده ، فقال له شعيب : الم اقل لك خذ غيرها ؟ قال له موسى : قد رددتها ثلاث مرّات كلّ ذلك تصير في يدي ، فقال له شعيب : خذها وكان شعيب يزور موسى كلّ سنة ، فإذا أكل قام موسى على رأسه وكسر له الخبز (3) .
162 ـ وباسناده عن سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن ابي عبدالله صلوات الله عليه قال : ألقى الله تعالى من موسى على فرعون وامرأته المحّبة ، قال : وكان فرعون طويل اللّحية ، فقبض موسى عليها ، فجهدوا أن يخلصوها من يد موسى فلم يقدروا على ذلك (4) حتى جذّها (5) ، فأراد فرعون قتله ، فقالت له امرأته : انّ هنا
____________
(1) في ق 1 : لحييها .
(2) بحار الأنوار ( 13 | 38 ـ 42 ) ، وراجع كمال الدين ( 1 | 150 ) .
(3) بحار الأنوار ( 13 | 44 ـ 45 ) ، برقم : ( 10 ) ، مع اختلاف لا يضرّ باصل المعنى .
(4) في ق 1 : على خلاصها .
(5) في ق 3 وق 4 وق 5 والبحار : حتى خلاها .

( 153 )

أمراً يستبين (1) به هذا الغلام ادع بجمرة ودينار فضعهما بين يديه ففعل ، فأهوى موسى إلى الجمرة ووضع يده عليها فأحرقتها ، فلمّا وجد حرّ النّار وضع يده على لسانه ، فأصابته لغثة ، وقد قال في قوله تعالى : « أيما الأجلين قضيت » : قضى أوفاهما وأفضلهما (2) .
163 ـ وباسناده عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، عمّن ذكره ، عن درست ، عمّن ذكره عنهم عليهم السلام قال : بينما موسى جالس إذ أقبل إبليس وعليه برنس (3) ، فوضعه ودنا من موسى وسلّم ، فقال له موسى : من أنت ؟ قال : إبليس قال : لا قرّب الله دارك لماذا البرنس ؟ قال : أختطف به قلوب بني آدم . فقال موسى عليه السلام : أخبرني بالذّنب الّذي إذا أذنبه ابن آدم إستحوذت عليه ؟ قال : ذلك إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في نفسه ذنبه .
وقال يا موسى : لا تخل بامرأة لا تحلّ لك فإنّه لا يخل رجل بإمرأة لا تحلّ له إلاّ كنت صاحبه دون أصحابي وايّاك أن تعاهد الله عهداً ، فانّه ما عاهد الله احد إلاّ كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبين الوفاء به وإذا هممت بصدقة فامضها وإذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتّى أحول بينه وبينها (4) .
164 ـ وسئل عن موسى عليه السلام لمّا وضع في البحر : كم غاب عن أمّه حتّى ردّه الله تعالى إليها ؟ قال : ثلاثة أيّام (5) .
165 ـ وسئل أيّهما مات قبل ، هارون أم موسى ؟ قال : هارون مات قبل موسى عليهما السلام ، وسئل أيّهما كان أكبر هارون أم موسى ؟ قال : هارون قال : وكان إسم ابنّي هارون شبيراً ، وشبّراً وتفسيرهما بالعربية : الحسن والحسين (6) .
وقال : انّ اليهود امروا بالإمساك يوم الجمعة ، فتركوا يوم الجمعة وامسكوا يوم السّبت
____________
(1) في ق 3 وق 4 : نستبين .
(2) بحار الأنوار ( 13 | 46 ) ، برقم : ( 12 ) ، الاية 28 : سورة القصص .
(3) في البحار : برنس ذو ألوان .
(4) بحار الأنوار ( 13 | 350 ) ، برقم : ( 39 ) و( 63 | 251 ـ 252 ) ، برقم : ( 114 ) ، وأورد قطعات منه في ( 71 | 317 ) ، برقم : ( 28 ) و( 104 | 48 ) ، برقم : ( 5 ) و( 104 | 219 ) ، برقم : ( 19 ) .
(5) بحار الأنوار ( 13 | 46 ) ، برقم : ( 13 ) .
(6) بحار الأنوار ( 13 | 11 ) ، برقم : ( 15 ) .

( 154 )

فحرم عليهم الصّيد يوم السّبت (1) .
قال : وكان وصيّ موسى يوشع بن نون (2) .
وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : رأيت إبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم ، فأمّا موسى فرجل طوال سبط ، يشبه رجال الزّطّ ورجال أهل شنوة (3) ، وأمّا عيسى فرجل أحمر جعد ربعة . قال : ثم سكت فقيل له : يا رسلو الله فابراهيم قال : انظروا إلى صاحبكم ، يعني نفسه صلى الله عليه وآله (4) .

فصل ـ 2 ـ
166 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه حدّثنا سعد بن عبدالله ، حدثنا محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن مقرن إمام بني فتيان (5) ، عمّن روى ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : كان في زمن موسى صلوات الله عليه ملك جبار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح ، فتوفّي في يوم الملك الجبار والعبد الصّالح ، فقام على الملك الناس وأغلقوا ابواب السّوق لموته ثلاثة أيّام ، وبقي ذلك العبد الصّالح في بيته ، وتناولت دوابّ الارض من وجهه ، فرآه موسى بعد ثلاث (6) ، فقال : يا رب هو عدوّك وهذا وليّك ، فأوحى الله إليه يا موسى إنّ وليّي سأل هذا الجبّار حاجة فقضاها له ، فكافأته عن المؤمن وسلّطت دوابّ الأرض على محاسن وجه المؤمن لسؤاله ذلك الجبّار (7) .
167 ـ وعن ابن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ،
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 50 ) ، عن العلل .
(2) بحار الأنوا ( 13 | 365 ) ، برقم : ( 7 ) .
(3) في مورد من البحار : شبوه ، وشنوة لعلّه محرّف شنوءة بالفتح ثم الضّم اسم مكان باليمن تنسب إليه الأزد ، كما في معجم البلدان ( 3 | 368 ) أو محرّف شبوة وهو أيضاً اسم مكان باليمن كما في المعجم أيضاً .
(4) بحار الأنوار ( 12 | 10 ) ، برقم : ( 24 ) و( 13 | 11 ) ، برقم : ( 15 ) و( 14 | 248 ) ، برقم : ( 35 ) .
(5) في ق 1 : فينان ، وفي ق 3 : قينان .
(6) في ق 3 : ثلاثة أيام .
(7) بحار الأنوار ( 13 | 350 ـ 351 ) ، برقم : ( 40 ) و( 74 | 306 ) ، برقم : ( 55 ) و( 75 | 373 ) ، برقم :

( 155 )

عن الحسن بن علي ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن مروان ، عن العبد الصالح صلوات الله عليه قال : وكان من قول موسى عليه السلام حين دخل على فروعن : « اللّهم إنّي أدرأ إليك في نحره ، وأستجير بك من شرّه ، وأستعين بك » فحوّل الله ما كان في قلب فرعون من الأمن خوفاً (1) .
168 ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى بن عن الحجّال ، عن عبد الرّحمن بن ابي حمّاد ، عن جعفر بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ فرعون بني سبع مدائن ، فتحصّن فيها من موسى ، فلمّا أمره الله أن يأتي فرعون جاءه ودخل المدينة ، فلمّا رأته الأسود بصبصبت بأذنابها ، ولم يأت مدينة إلاّ انفتح له [ بابها ] (2) حتى انتهى إلى الّتي هو فيها ، فقعد على الباب وعليه مدرعة من صوف ومعه عصاه ، فلمّا خرج الآذن ، قال له موسى صلوات الله عليه : إنّي رسول ربّ العالمين إليك .
فلم يلتفت ، فضرب بعصاه الباب ، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلاّ انفتح فدخل عليه ، فقال أنا رسول ربّ العالمين فقال : ائتني بآية فألقى عصاه وكان له شعبتان ، فوقعت إحدى الشّعبتين في الأرض ، والشّعبة الاُخرى (3) في أعلى القبّة ، فنظر فرعون إلى جوفها وهي تلهب ناراً ، وأهوت إليه فاخذت فرعون ، وصاح يا موسى خذها ، ولم يبق أحد من جلساء فرعون إلاّ هرب ، فلمّا أخذ موسى العصا ورجعت إلى فرعون نفسه همّ بتصديقه ، فقام إليه هامان وقال : بينا أنت إله تعبد إذ (4) أنت تابع لعبد ، واجتمع الملأ وقالوا هذا ساحر عليم ، فجمع السّحرة لميقات يوم معلوم ، فلمّا ألقوا حبالهم وعصيّهم ألقى موسى عصاه فالتقمتها كلّها ، وكان في السّحرة اثنان وسبعون شيخاً خرّوا سجّداً . ثمّ قالوا لفرعون ما هذا سحر (5) لو كان سحراً لبقيت حبالنا وعصيّنا .
ثمّ خرج موسى صلوات الله عليه ببني إسرائيل يريد أن يقطع بهم البحر ، فأنجى الله
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 132 ) ، برقم : ( 36 ) و( 95 | 217 ـ 218 ) ، برقم : ( 11 ) .
(2) الزيادة من ق 1 .
(3) في ق 4 : وإحدى الشّعبتين .
(4) في ق 4 : إذا .
(5) ما هذا سحراً ، ق ( 1 و3 ) .

( 156 )

موسى ومن معه وغرق فرعون ومن معه ، فلمّا صار موسى في البحر أتبعه فرعون وجنوده ، فتهيب فرعون أن يدخل البحر ، فمثّل جبرئيل على ماديانة وكان فرعون على فحل ، فلما رأى قوم فرعون الماديانة اتبعوها ، فدخلوا البحر فغرقوا ، وأمر الله البحر فلفظ فرعون ميّتاً حتى لا يظنّ أنّه غائب وهو حيّ .
ثم إنّ الله تعالى أمر موسى أن يرجع ببني إسرائيل إلى الشّام ، فلمّا قطع البحر بهم مرّ على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا : يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ؟ قال : إنكم قوم تجهلون ، ثم ورث بنو إسرائيل ديارهم وأموالهم ، فكان الرّجال يدور على دور كثيرة ويدور على النّساء (1) .

فصل ـ 3 ـ
( في حديث موسى والعالم عليهما السلام )
169 ـ أخبرنا السّيد أبو السّعادات هبة الله بن علي الشجري ، عن جعفر بن محمد بن العباس ، عن أبيه ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما قال لمّا كان من أمر موسى الّذي كان اُعطى مكتلاً فيه حوت مالح ، فقيل له : هذا يدلّك على صاحبك عند عين لا يصيب منها شيء إلاّ حيّ ، فانطلقا حتّى بلغا الصّخرة وجاوزا ثمّ « قال لفتاه آتنا غدائنا » فقال : الحوت اتّخذ في البحر سرباً ، فاقتصّا الأثر حتّى أتيا صاحبهما (2) في جزيرة في كساء جالساً ، فسلّم عليه وأجاب وتعجّب وهو بارض ليس بها سلام ، فقال : من أنت ؟ قال موسى : فقال : ابن عمران الّذي كلّمه الله ؟ قال : نعم ، قال : فما جاء بك ؟ قال : أتيتك على أن تعلّمني .
قال : إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه ، فحدّثه عن آل محمد صلى الله عليهم وعن بلائهم وعمّا يصيبهم حتّى اشتدّ بكاؤهما ، وذكر له فصل محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وما اُعطوا
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 109 ـ 110 ) ، برقم : ( 14 ) .
(2) في ق 1 وق 2 وق 4 وق 5 : صاحبها ، الآية 62 : سورة الكهف .

( 157 )

وما ابتلوا به ، فجعل يقول : يا ليتني من أمّة محمّد .
وانّ العالم لمّا تبعه موسى خرق السّفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار . ثمّ بين له كلّها وقال : ما فعلته عن أمري ؛ يعني لولا أمر ربّي لم أصنعه ، وقال : لو صبر موسى لأراه العالم سبعين أعجوبة .
170 ـ وفي رواية رحم الله موسى عجّل على العالم أما إنّه لو صبر لرآى منه من العجائب ما لم ير (1) .
171 ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن اسحاق التّاجر ، عن علي بن مهزيار ، وعن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان عن منذر ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لمّا لقي موسى العالم عليهما السّلام وكلّمه وساء له نظر إلى خطّاف يصفر ويرتفع في الماء (2) ويسفل (3) في البحر ، فقال العالم لموسى : أتدري ماتقول هذه الخطافة ؟ قال : وما تقول ؟ قال : تقول : وربّ السّماوات والارض وربّ البحر ما علمكما من علم الله إلاّ قدر ما أخذت بمنقاري من هذا البحر وأكثر .
ولمّا فارقه موسى قال له موسى : أوصني . فقال الخضر : الزم ما لا يضرك معه شيء ، كما لا ينفعك من غيره شيء . وإيّاك واللّجاجة ، والمشي إلى غير حاجة والضّحك في غير تعجّب ، يابن عمران لا تعيّرنّ أحداّ بخطيئة وابك على خطيئتك (4) .
172 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن على ما جيلويه ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي الصّيرفي ( 5 ) ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن الحارث الأعور الهمداني رحمه الله قال : رأيت مع أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام شيخاً
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 301 ) ، برقم : ( 21 ) إلى آخره و( 26 | 283 ـ 284 ) ، برقم : ( 40 ) إلى قوله : ياليتني من أمّة محمد صلّى الله عليه وآله .
(2) في ق 1 وق 4 : خطّافة تصفر وترتفع في الماء .
(3) في البحار : تستفل .
(4) بحار الأنوار ( 13 | 301 ـ 302 ) ، برقم : ( 22 ) ومن قوله : لمّا فارق موسى الخضر ، في الجزء ( 73 | 386 ـ 387 ) ، برقم : ( 7 ) و( 78 | 449 ) ، برقم : ( 11 ) .
(5) في البحار : عن عمّه عن عليّ الكوفي ، وهو غلط .

( 158 )

بالنّخيلة : فقلت : يا أمير المؤمنين من هذا ؟ قال : هذا أخي الخضر جاءني يسألني عمّا بقي من الدّنيا وسألته عمّا مضى من الدّنيا ، فأخبرني وأنا أعلم بما سألته منه ، قال أمير المؤمنين : فأوتينا بطبق رطب من السّماء ، فأمّا الخضر فرمى بالنّوى ، وأمّا أنا فجمعته في كفّي ، قال الحارث : قلت فهبه لي يا امير المؤمنين ، فوهبه لي فغرسته فخرج منه (1) مشانا (2) جيّداً بالغاً عجباً (3) لم ار مثله قطّ (4) .
173 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمد بن أورمة ، عن عبد الرّحمن بن حمّاد الكوفي حدّثنا يوسف بن حمّاد الخزاز ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : لمّا اُسري برسول الله صلى الله عليه وآله بينا هو على البراق وجبرئيل معه إذ (5) نفحته رائحة مسك ، فقال جبرئيل : ما هذا ؟ فقال كان في الزّمان الأوّل ملك له أسوة حسنة في أهل مملكته وكان له ابن رغب عمّا هو فيه ، وتخلّى في بيت يعبد الله تعالى ، فلمّا كبر سنّ الملك مشى إليه خيرة النّاس ، قالوا : أحسنت الولاية علينا وكبر سنّك ولا خلفك إلاّ ابنك ، وهو راغب عمّا أنت فيه ، وأنّه لم ينل من الدّنيا ، فلو حملته على النّساء حتّى يصبب لذّة الدّنيا لعاد ، فاخطب كريمة له فأمرهم بذلك ، فزوّجه جارية لها أدب وعقل ، فلمّا أتوا بها واجلسوها حوّلها إلى بيته وهو في صلاته ، فلمّا فرغ قال : أيّتها المرأة ليس النّساء من شأني ، قان كنت تحبّين أن تقيمي معي وتصنعين كما أصنع كان لك من الثّواب كذا وكذا ، قالت : فأنا أقيم على ما تريد .
ثم إن اباه بعث إليها يسائلها هل حبلت ؟ فقالت : إنّ ابنك ما كشف لي عن ثوب ، فأمر بردّها إلى أهلها ، وغضب على ابنه ، وأغلق الباب عليه ، ووضع عليه الحرس فمكث ثلاثاً ، ثم فتح عنه فلم يوجد في البيت أحد فهو الخضر عليه الصّلاة والسّلام (6) .
____________
(1) الزيدة من ق 2 وق 4 .
(2) الشأن : نوع من الرّطب وهو الأطيب منه .
(3) في ق 1 وق 2 : عجيباً ، وفي ق 2 : عجماً .
(4) بحار الانوار ( 39 | 131 ) ، برقم : ( 3 ) .
(5) في ق 4 : إذا .
(6) بحار الأنوار ( 13 | 302 ـ 303 ) ، برقم : ( 23 ) .