الباب العاشر

( في نبوّة إسماعيل وحديث لقمان عليهما السلام )

235 ـ أخبرنا جماعة منهم الإخوان الشّيخ محمد وعلي ابنا علي بن عبد الصّمد ، عن أبيهما ، عن السيّد أبي البركات عليّ بن الحسين الحسني ، عن الشّيخ أبي جعفر ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن عليّ الكوفي ، عن شريف بن سابق التّفليسي ، عن الفضل ابن أبي قرّة السّمندي (1) عن الصّادق ، عن آبائه صلوات الله عليهم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ أفضل الصّدقة صدقة اللّسان ، تحقن به الدّماء وتدفع به الكريهة وتجرّ المفعة إلى أخيك المسلم .
ثم قال صلّى الله عليه وآله : إنّ عابد بني إسرائيل الّذي كان أعبدهم كان يسعى في حوائج النّاس عند الملك ، وأنّه لقي إسماعيل بن حزقيل ، فقال : لا تبرح حتّى أرجع إليك يا إسماعيل ، فسها عنه عند الملك ، فبقي إسماعيل إلى الحول هناك ، فأنبت الله لإسماعيل عشباً فكان يأكل منه ، وأجرى له عيناً وأظلّه بغمام ، فخرج الملك بعد ذلك إلى التّنزه ومعه العابد فرآى إسماعيل ، فقال : إنّك لها هنا يا إسماعيل ؟ فقال له : قلت : لا تبرح فلم أبرح ، فسمّي « صادق الوعد » .
قال : وكان جبّار مع الملك فقال : أيّها الملك ، كذب هذا العبد قد مررت بهذه البريّة فلم أره ها هنا فقال له إسماعيل : إن كنت كاذباً فنزع الله صالح ما أعطاك ، قال :
____________
(1) وفي النّسخ والبحار في الموردين : الفضل بن قرّة وهو إشتباه والصّحيح ما اثبتناه في المتن وهو موافق مع ما في فهرستي الشّيخ الطّوسي والنّجاشي والبرقي ومشيخة الفقيه وغير ذلك .
( 189 )

فتناثرت أسنان الجبّار ، فقال الجبّار : إنّي كذبت على هذا العبد الصّالح فاطلب : يدعو الله ان يردّ عليّ أسناني فانّي شيخ كبير ، فطلب إليه الملك ، فقال : إنّي أفعل قال : السّاعة ؟ قال : لاُأخره إلى السّحر ثمّ دعا ، قال يا فضل : انّ أفضل ما دعوتم الله بالأسحار قال الله تعالى : ( وبالأسحار هم يستغفرون ) (1) .
236 ـ وبهذا الإسناد عن ابن ماجيلويه ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، حدّثنا محمد بن أورمة ، عن محمد بن سعدان (2) ، عن عبدالله بن القاسم ، عن شعيب العقرقوني ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إنّ إسماعيل نبيّ الله وعد رجلاً بالصّفاح ، فمكث به سنة مقيماً وأهل مكّة يطلبونه لا يدرون أين هو ؟ حتّى وقع عليه رجل فقال : يا نبيّ الله ضعّفنا بعدك وهلكنا ، فقال : إنّ فلان الظّاهر (3) وعدني أن أكون ها هنا ولم أبرح حتّى يجيء قال : فخرجوا إليه حتّى قالوا له : يا عدوّ الله وعدت النّبي فاخلفته فجاء وهو يقول لإسماعيل عليه السلام : يا نبيّ الله ما ذكرت ولقد نسيت ميعادك ، فقال : أما والله لو لم تجئني لكان منه المحشر فانزل الله : ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد ) (4) .
237 ـ وباسناده في رواية أخرى قال : إنّ إسماعيل الّذي سمّي صادق الوعد ليس هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليه السلام أخذه قومه فسلخوا جلده ، فبعث الله إليه ملكاً فقال له : قد امرت بالسّمع والطّاعة لك فمر فيهم بما أحببت ، فقال : لا ، يكون لي بالحسين عليه السلام أسوة (5) .
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 389 ) ، برقم : ( 4 ) و( 75 | 373 ـ 374 ) ، برقم : ( 24 ) و( 87 | 165 ) ، برقم : ( 7 ) من قوله : يا فضل إنّ . . . وفيه : الفضل بن ابي قرّة والآية في سورة الذاريات : ( 18 ) .
(2) في البحار : موسى بن سعدان .
(3) في ق 2 وق 3 : ألطّاهي ، وفي البحار : ألطّائفي .
(4) بحار الأنوار ( 13 | 390 ) ، برقم : ( 5 ) و( 75 | 95 ) ، برقم : ( 14 ) . والآية في سورة مريم : ( 54 ) .
(5) بحار الأنوار ( 13 | 388 ) عن العلل بسندين ومتنين متقاربين وفي باب قصص إسماعيل الّذي سمّاء الله صادق الوعد ما يشكّل عنوان الباب ، عن كامل الزّيارة وأمالي المفيد .

( 190 )

فصل ـ 1 ـ
( في حديث لقمان عليه السلام )
238 ـ وبالاسناد المذكور عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبدالله ، حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : كان لقمان عليه السلام يقول لإبنه : يا بنيّ إنّ الدّنيا بحر وقد غرق فيها جيل كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وليكن جسرك إيماناً بالله ، وليكن شراعها التّوكّل ، لعلّك يا بنيّ تنجو وما أظنّك ناجياً يا بنيّ ، كيف لا يخاف النّاس ما يوعدون ؟ وهم ينتقصون في كلّ يوم وكيف لا يعد لما يوعد من كان له أجل ينفد ، يا بنيّ خذ من الدّنيا بلغة ولا تدخل فيها دخولاً يضرّ بآخرتك ولا ترفضها ، فتكون عيالاً على النّاس ، وصم صياماً يقطع شهوتك ، ولا تصم صياماً يمنعك من الصّلاة ، فانّ الصّلاة أعظم عند الله من الصّوم .
يا بنيّ لا تتعلّم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السّفهاء أو ترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة ، يا بنيّ اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس إليهم ، فانّك إن تكن عالماً ينفعك علمك ويزيدوك علماً ، وإن تكن جاهلاً يعلّموك ، ولعلّ الله تعالى أن يظلّهم برحمة فتعمّك معهم .
وقال : قيل للقمان عليه السلام ما يجمع من حكمتك ؟ قال : لا أسأل عمّا كفيته ولا أتكلّف مالا يعنيني (1) .
239 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سيف بن عميرة النّخعي ، عن أخيه عليّ ، عن أبيهما ، عن عمرو بن شمر ، عن جبار عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان فيما وعظ به لقمان عليه السلام ابنه أن قال : يا بنيّ إن تك في شكٍّ من البعث ، فادفع عن نفسك
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 416 ـ 417 ) ، ومن قوله : يا بنيّ إختر . . . إلى قوله : فتعمّك معهم ، في الجزء ( 75 | 466 ) ، برقم : ( 9 ) .
( 191 )

الانتباه ولن تستطيع ذلك ، فانّك إذا فكّرت علمت أنّ نفسك بيد غيرك ، وإنّما النّوم بمنزلة الموت وإنّما اليقظة بعد النّوم بمنزلة البعث بعد الموت .
وقال : قال لقمان عليه السلام : يا بنيّ لا تقترب فيكون أبعد لك ولا تبعد فتهان ، كلّ دابّة تحبّ مثلها وابن آدم يحبّ مثله ؟ لا تنشر برّك (1) إلاّ عند باغيه ، وكما ليس بين الكبش والذئب خلّة ، كذلك ليس بين البارّ والفاجر خلّة ، من يقترب من الرّفث (2) يعلق به بعضه كذلك من يشارك الفاجر يتعلّم من طرقه ، من يحبّ المرآء يشتم ومن يدخل مدخل السّوء يتّهم ومن يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يندم وقال : يا بنيّ صاحب مائة ولا تعاد واحداً ، يا بنيّ إنّما هو خلاقك وخلقك فخلاقك دينك وخلقك بينك وبين الناس فلا ينقصنّ . تعلّم (3) محاسن الأخلاق ، ويا بنيّ كن عبداً للأخيار ولا تكن ولداً للأشرار ، يا بنيّ عليك بأداء الأمانة تسلم دنياك وآخرتك ، وكن أميناً فانّ الله تعالى لا يحبّ الخائنين ، يا بنيّ لا تر النّاس تخشى الله وقلبك فاجر (4) .

فصل ـ 2 ـ
240 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن الحارث ، عن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام أصلحك الله ما كان في وصيّة لقمان ؟ قال : كان فيها الأعاجيب ، ومن أعاجيب ما كان فيها أنّه قال : يا بنيّ : خف الله خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين لعذّبك ، وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك (5) .
241 ـ وبالإسناد المتقدّم عن سعد بن عبدالله ، عن القاسم بن محمد الاصفهاني ، عن
____________
(1) في البحار : بزّك . أي المتاع .
(2) أي : الفحش . وفي البحار : الزّفت .
(3) في البحار : فلا تبغضنّ إليهم وتعلّم .
(4) بحار الأنوار ( 13 | 417 ـ 418 ) ، برقم : ( 11 ) وصدره ، إلى قوله : بعد الموت في الجزء ( 7 | 42 ) ، برقم : ( 13 ) .
(5) بحار الأنوار ( 13 | 412 ) عن تفسير القمي ومن ( 413 ) عن أمالي الصدوق . برقم ( 3 ) .

( 192 )

سليمان بن داود المنقري ، حدّثنا حماد بن عيسى قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لقمان وحكمته ، فقال : أما والله ما أوتي الحكمة لحسب (1) ولا أهل ولا مال ولا بسطة في الجسم ولا جمال ، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله ، متورّعاً في دينه ، ساكتاً سكيناً ، عميق النّظر ، طويل التّفكر ، حديد البصر ، لم ينم نهاراً قطّ ، ولم ينم في محفل قوم قطّ ، ولم ينقل (2) في مجلس قطّ ولم يعب أحداً بشيء قطّ ، ولم يره أحد من النّاس على بول ولا غائط قطّ ، ولا اغتسال ، لشدّة تستّره وعمق نظره وتحفّظ لذنوبه ، ولم يضحك من شيء قطّ ، ولم يغضب قطّ مخافة الإثم في دينه ، ولم يمازح إنساناً قطّ ، ولم يفرح لشيء أوتيه من الدّنيا ، ولا حزن على ما فاته منها قطّ ، وقد نكح النّساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدّم أكثرهم إفراطاً له ، فما بكى عند موت واحد منهم ، ولم يمرّ برجلين يختصمان أو يقتتلان إلاّ أصلح بينهما ، ولم يسمع قولاً من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وخبره عمن أخذه .
وكان يكثر مجالسة الحكماء (3) والاختلاف إلى أهلها ، ويتواضع لهم ويغشي القضاة والملوك والسّلاطين ، فيرثي للقضاة بما ابتلوا به ، ويرحم الملوك والسّلاطين لعدّتهم واغترارهم بالله وطمأنينتهم (4) إلى الدّنيا وميلهم إليها وإلى زهرتها ، فيتفكّر في ذلك ويعتبر به ويتسلّم (5) ما يغلب به نفسه ويجاهد به هواه ويحترز به من الشّيطان ، وكان يداري نفسه بالعبر وكان لا يظعن إلاّ فيما ينفعه ، ولا ينطق إلاّ فيما يعنيه فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة .
وأنّ الله تعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النّهار وهدأت العيون بالقائلة (6) ، فنادوا لقمان من حيث يسمع كلامهم ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله
____________
(1) في البحار : ما أوتي لقمان الحكمة بحسب .
(2) أي : لم يتحول من مكان إلى مكان آخر في المجلس الواحد ، وفي ق 1 : ولم يثقل . أي : أنّه لا يستبان منه وجود ثقل من حمل ما في بطنه وجوفه . والظّاهر : ولم يتفل .
(3) في البحار : وعمن أخذه وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء . وليس قوله « والاختلاف إلى أهلها » في البحار ، وهو الاوجه .
(4) في البحار : والسلاطين لغرّتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك .
(5) في البحار : ويتعلم . وهو الأوفق .
(6) أي : النّوم عند نصف النّهار .

( 193 )

خليفة تحكم بين النّاس ؟ فقال لقمان : إن أمرني ربي بذلك فسمعاً وطاعة ، لأنّه إن فعل ذلك بي أعانني وأغاثني وعلّمني وعصمني وإن هو عزّ وجلّ خيّرني قبلت العافية فقالت الملائكة : ولم يا لقمان ؟ قال : لأنّ الحكم بين الناس أشدّ المنازل من الدّين وأكثر فتناً وبلاءاً ، يخذل صابحه ولا يعان ويغشاه الظّلم من كلّ مكان وصاحبه منه بين أمرين إن أصاب فيه الحقّ فبالحري أن يسلم وإن أخطأ طريق الجنّة ومن يكن في الدنيا ذليلاً وضيعاً (1) بين الناس لا يعرف كان أهون عليه في المعاد وأقرب من الرّشاد من أن يكون (2) فيها حاكما سريّاً جليلاً ، ومن اختار الدّنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول عنه هذه ولا يدرك تلك ، قال : فعجبت الملائكة ذلك من حكمته واستحسن الرّحمن منطقه ، فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من اللّيل أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها ، فاستيقظ وهو أحكم أهل الأرض في زمانه يخرج (3) على الناس ، ينطق بالحكمة ويبثّها فيهم ، وأمر الملائكة فنادت داود بالخلافة في الأرض فقبلها ، وكان لقمان يكثر زيادة داود عليهما السلام وكان داود يقول : يا لقمان اُوتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة (4) .

فصل ـ 3 ـ
242 ـ وبالاسناد المذكور عن جعفر بن محمد الصّادق عليهما السلام أنّه قال : لمّا وعظ لقمان ابنه ، فقال : أنا منذ سقطت إلى الدّنيا لا تطلب من الأمر مدبراً ولا ترفض منه مقبلاً ، فانّ ذلك يضلّ الرّأي ويزري بالعقل ، يا بنيّ ليكن ما تستظهر به على عدوّك : الورع عن المحارم ، والفضل في دينك ، والصّيانة لمروّتك ، والإكرام لنفسك أن لا تدنّسها (5) بمعاصي الرّحمن ومساوئ الأخلاق وقبيح الأفعال ، واكتم سرّك ، واحسن سريرتك ، فانّك
____________
(1) في ق 3 والبحار : وضعيفاً .
(2) في ق 1 و5 : وأقرب من أن يكون .
(3) ألزّيادة من ق 3 والبحار .
(4) بحار الأنوار ( 13 | 409 ـ 411 ) عن تفسير القمي ، وراجع الوافي ( 3 | 84 ـ 85 ) أبواب المواعظ .
(5) كذا في ق 1 وفي غيره من النّسخ والبحار : أن تدنّسها وما في المتن أسرع إلى الفهم العرفي .

( 194 )

إذا فعلت ذلك آمنت بستر الله أن يصيب عدوّك منكم عورة أو يقدر منك على زلّة ، ولا تأمننّ مكره فيصيب منك غرّة في بعض حالاتك ، فإذا استمكن منك وثب عليك ولم يقلك عثرة . وليكن ممّا تتسلّح به على عدوّك إعلان الرّضا عنه واستصغر الكثير في طلب المنفعة واستعظم الصّغير في ركوب المضرّة .
يا بنيّ : لا تجالس النّاس بغير طريقتهم ، ولا تحملنّ عليهم فوق طاقتهم ، فلا يزال جليسك عنك نافراً والمحمول عليه فوق طاقته مجانباً لك ، فإذا أنت فرد لا صاحب لك يؤنسك ولا أخ لك يعضدك ، فإذا بقيت وحيداً كنت مخذولاً وصرت ذليلاً ، ولا تعتذر إلى من لا يحبّ أن يقبل منك عذراً ولا يرى لك حقاً ، ولا تستعن في أمورك إلاّ بمن يحبّ (1) أن يتّخذ في قضاء حاجتك أجراً ، فانّه إذا كان كذلك طلب قضاء حاجتك لك كطلبه لنفسه ، لأنّه بعد نجاحها لك كان ربحاً في الدنيا الفانية وحظّاً وذخراً له في الدّار الباقية فيجتهد في قضائها لك ، وليكن إخوانك وأصحابك الّذين تستخلصهم وتستعين بهم على اُمورك أهل المروّة والكفاف والثّروة ، والعقل والعفاف الّذين إن نفعتهم شكروك ، وأن غبت عن جيرتهم ذكروك (2) .

فصل ـ 4 ـ
243 ـ وبالإسناد المتقدّم عن الصّادق عليه السلام قال : قال لقمان لابنه : إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً ، ومن عنى بالأدب اهتمّ ، ومن اهتمّ به تكلّف علمه ، ومن تكلف علمه اشتدّ له طلبه ، ومن اشتد له طلبه أدرك به منفعة فاتخذه عادة . وإيّاك والكسل منه والطّلب بغيره ، وإن غلبت على الدّنيا فلا تغلبنّ على الآخرة ، وانّه إن فاتك طلب العلم فانّك لن تجد تضييعاً أشدّ من تركه ، يا بنيّ استصلح الأهلين والأخوان من أهل العلم إن استقاموا لك على الوفاء ، واحذرهم عند انصراف الحال بهم عنك ، فانّ عداوتهم أشدّ مضرّة من عداوة الأباعد بتصديق (3) النّاس أيّاهم لا طّلاعهم عليك .
____________
(1) في ق 3 : تجبّ .
(2) بحار الأنوار ( 13 | 418 ـ 419 ) ، برقم : ( 12 ) .
(3) في ق 3 والبحار : لتصديق .

( 195 )

وإذا سافرت مع قوم فاكثر استشارتهم ، وأكثر التّبسّم في وجوههم ، فإذا دعوك فأجبهم ، فإذا استعانوك فأعنهم ، واغلبهم بطول الصّمت وكثرة البرّ والصّلاة وسخاء النّفس بما معك من دابّة أو مال أو زاد ، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، واسمع ممن هو أكبر منك سنّاً وإن تحيّرتم في طريقكم فانزلوا ، وإن شككتم في القصد فقفلوا وتآمروا ، إذا قربت من المنزل عن دابّتك ، ثمّ ابدأ بعلفها قبل نفسك فانّها نفسك ، وإن استطعت أن لا تأكل من الطعّام حتّى تتصدق منه فافعل ، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكباً والتّسبيح ما دمت عاملاً ، وبالدّعاء ما دمت خالياً (1) .

فصل ـ 5 ـ
244 ـ وباسناده قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إيّاك والضّجر وسوء الخلق وقلّة الصّبر ، فلا يستقيم على هذه الخصال صاحب ، والزم نفسك التّؤدة في اُمورك ، وصبّر على مؤنات الإخوان نفسك ، وحسّن مع جميع النّاس خلقك وبسط البشر ، فانّه من أحسن خلقه أحبّه الأخيار وجانبه الفجّار ، واقنع بقسم الله لك يصف عيشك ، فإن أدرت أن تجمع عزّ الدّنيا ، فاقطع طمعك ممّا في أيدي النّاس ، فانّما بلغ الأنبياء والصّدّيقون ما بلغوا بقطع طمعهم (2) .
245 ـ وقال الصّادق عليه السلام : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إن احتجت إلى السّلطان فلا تكثر الإلحاح عليه ، ولا تطلب حاجتك منه إلاّ في مواضع الطّلب ، وذلك حين الرّضا وطيب النّفس ، ولا تضجرنّ بطلب حاجة ، فانّ قضاءها بيد الله ولها أوقات ، ولكن ارغب إلى الله وسله وحرّ: أصابعك إليه .
يا بنيّ إنّ الدّنيا قليل وعمرك قصير . يا بنيّ احذر الحسد ، فلا يكوننّ من شأنك ،
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 419 ) ، برقم : ( 13 ) إلى قوله « لاطلاعهم عليك » وروي بعده عن الكافي ص ( 422 ـ 423 ) ، برقم : ( 18 ) .
(2) بحار الأنوار ( 13 | 419 ـ 420 ) ، برقم : ( 14 ) .

( 196 )

واجتنب سوء الخلق ، فلا يكوننّ من طبعك ، فانّك لا تضرّ بهما إلاّ نفسك ، وإذا كنت أنت الضّار لنفسك كفيت عدوّك أمرك ، لأنّ عداوتك لنفسك أضرّ عليك من عداوة غيرك .
يا بنيّ اجعل معروفك في أهله ، وكن فيه طالباً لثواب الله ، وكن مقتصداً ولا تمسكه تقتيراً ولا تعطه تبذيراً . يا بنيّ سيّد أخلاق الحكمة دين الله تعالى ، ومثل الّذين كمثل الشّجرة الثّابتة ، فالإيمان بالله ماؤها ، والصّلاة عروقها ، والزّكاة جذعها ، والتّآخي في الله شعبها ، والأخلاق الحسنة ورقها ، والخروج عن معاصي الله ثمرها ولا تكمل الشّجرة إلاّ بثمرة طيّبة ، كذلك الدّين لا يكمل إلاّ بالخروج عن المحارم . يا بنيّ لكلّ شيء علامة يعرف بها وأنّ للدّين ثلاث علامات : العفّة والعلم والحلم (1) .

فصل ـ 6 ـ
246 ـ وبالاسناد المتقدّم عن سليمان بن داود المنقري ، عن ابن عيينة (2) ، عن الزّهري ، عن عليّ بن الحسين صلوات الله عليهم ، قال : قال لقمان لابنه : يا بنيّ إنّ أشدّ العدم عدم القلب وأنّ أعظم المصائب مصيبة الدّين وأسنى المرزئة مرزئة وأنفع الغنى غنى القلب ، فتلبث في كلّ ذلك والزم القناعة والرّضا بما قسّم الله ، وأنّ السّارق إذا سرق حبسه الله من رزقه وكان عليه اثمه ، ولو صبر لنال ذلك وجاءه من وجه .
يا بنيّ اخلص طاعة الله حتّى لا يخالطها شيء من المعاصي ثمّ زيّن الطّاعة باتّباع أهل الحق ، فانّ طاعتهم متصلة بطاعة الله ، وزيّن ذلك بالعلم وحصّن علمك بحلم لا يخالطه حمق واخزنه بلين لا يخالطه جهل ، وشدّده بحزم لا يخالطه الضّياع وامزح حزمك برفق لا يخالطه العنف (3) .
247 ـ وعن سليمان بن داود ، حدّثنا يحيى بن سعيد القطّان ، قال : سمعت الصّادق عليه السلام يقول : قال لقمان : حملت الجندل والحديد وكلّ حمل ثقيل ، فلم أحمل شيئاً أمرّ من الفقر ، يا بنيّ لا تتخذ الجاهل
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 420 ) ، برقم : ( 14 ) من أثناء الحديث .
(2) كذا في البحار وفي ق 3 : محمد بن عيينة وفي سائر النّسخ : نصر بن عيينة والصّحيح سفيان بن عيينة .
(3) بحار الأنوار ( 13 | 420 ـ 421 ) ، برقم : ( 15 ) .

( 197 )

رسولاً ، فان لم تصب عاقلاً حكيماً يكون رسولك ، فكن أنت رسول نفسك . يا بنيّ اعتزل الشّرّ ، يعتزلك (1) .
248 ـ وقال الصّادق عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام قيل للعبد الصّالح لقمان : أيّ النّاس أفضل ؟ قال : المؤمن الغنيّ ، قيل : الغنيّ من المال ؟ فقال : لا ولكن الغنيّ من العلم الّذي إن احتيج إليه انتفع بعلمه وان استغنى عنه اكتفى وقيل : فأيّ النّاس أشرّ ؟ قال : الّذي لا يبالي أن يراه النّاس مسيئاً (2) .
249 ـ قال : فقال أمير المؤمنين عليه السلام : كان فيما وعظ لقمان ابنه أنّه قال : يا بنيّ ليعتبر من قصر يقينه وضعف تعبه في طلب الرّزق أنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره ، وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة ، أنّ الله سيرزقه في الحالة الرابعة . أمّا أوّل ذلك ، فأنّه كان في رحم اُمّه يرزقه هناك في قرار مكين ، حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ ، ثمّ أخرجه من ذلك ، وأجرى له من لبن اُمّه يربّيه من غير حول به ولا قوة ، ثمّ فطم من ذلك فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من قلوبهما (3) ، حتّى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره ، فظنّ الظّنون بربّه وجحد الحقوق في ماله وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر (4) .
____________
(1) بحار الأنوار ( 13 | 421 ) ، برقم : ( 16 ) .
(2) نفس المصدر يعني : ذيل ما تقدّم .
(3) في المورد الأوّل من البحار : ورحمة من تلويهما ، وفي الآخر : ورحمة له من قلوبهما . وكذا في الخصار .
(4) بحار الأنوار ( 103 | 30 ) ، برقم : ( 54 ) و( 13 | 414 ) ، برقم : ( 5 ) مرسلاً وعن الخصال مسنداً وراجع الخصال ص ( 122 ) ، برقم : ( 114 ) .

( 198 )

الباب الحادي عشر

( في نبوّة داود عليه السلام )

250 ـ وبالاسناد المتقدّم عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه بها جنّتي ، قال داود : يا ربّ وما تلك الحسنة ؟ فقال الله عزّ وجلّ : يدخل على قلب عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة يطعمها إيّاه ، قال داود عليه السلام : حقّ على من عرفك أن لا يقطع رجاءه منك (1) .
251 ـ وباسناده عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن إبي حمزة الثّمالي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : أن بلّغ قومك أنّه ليس من عبد منهم آمره بطاعتي ، فيطيعني إلاّ كان حقّاً عليّ اُن اعينه على طاعتي فان سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وان اعتصم بي عصمته وإن استكفاني كفيته ، وإن توكّل عليّ حفظته وإن كاده جميع خلقي كدت (2) دونه (3) .
252 ـ وبالاسناد المذكور عن محمد بن أورمة ، عن الحسن بن علي (4) رفعه ، قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : اذكرني في ايّام سرّائك حتّى استجيب لك
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 34 ـ 35 ) ، برقم : ( 5 ) عن أمالي الصّدوق وعن القصص على نحو الإشارة .
(2) في ق 1 : كنت .
(3) بحا رالأنوار ( 14 | 37 ) ، برقم : ( 13 ) و( 71 | 182 ) ، برقم : ( 40 ) .
(4) هذا الرّجل بقرينة رواية محمد بن أورمة عنه هو : ابن عليّ بن أبي حمزة البطائني وقد صنعت رسالة في اعتبار الأب والإبن .

( 199 )

في أيّام ضرّائك (1) .
253 ـ وعن ابن أورمة ، حدّثنا علي بن أحمد (2) ، حدّثنا محمد بن هارون الصيّرفي ، عن أبي بكر عبيد الله بن موسى ، حدثنا محمد بن الحسين الخشّاب ، حدّثنا محمد بن محصن ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : مالي أراك منفرداً ؟ قال : إي ربّ عاداني الخلق فيك قال : فماذا تريد ؟ قال : محبّتك ، قال : فإنّ محبّتي التّجاوز عن عبادي (3) .
254 ـ وبهذا الإسناد (4) قال : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : بي فافرح وبذكري فتلذّذ ، وبمناجاتي فتنعّم ، فعن قليل اُخلّي الدّار من الفاسقين . وأوحى الله إليه : مالي أراك وحداناً ؟ قال : هجرت النّاس فيك ، وهجروني فيك ، قال : فمالي أراك ساكتاً ؟ قال : خشيتك أسكتتني ، قال : فما لي أراك نصباً ؟ قال : حبّك أنصبني ، قال : فمالي أراك مقتراً وقد أفدتك ؟ قال : القيام بحقك أفقرني ، قال : فمالي أراك متذلّلاً ؟ قال : عظم جلالك الّذي لا يوصف ذلّلني ، قال : فابشر بالفضل منّي فيما تحبّ يوم لقائي : خالط النّاس وخالقهم بأخلاقهم وزائلهم في أعمالهم بدينك تنل ما تريد منّي يوم القيامة (5) .
255 ـ وبهذا الإسناد قال : إنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : انّ العباد تحابّوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وأظهروا العمل للدّنيا وأبطنوا الغشّ والدّغل (6) .
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 37 ) ، برقم : ( 15 ) .
(2) كذا في النّسخ ، وهو غلط إذ : عليّ بن أحمد هو الدقاق من مشائخ الصّدوق بقرينة الرّجال ألّذين بعده في السّند والصّحيح : وعن ابن بابويه حدّثنا عليّ بن أحمد عن محمد بن هارون الصّوفي ( لا الصّيرفي فانّه غير معهود ) عن أبي بكر . . . ويقبل الانطباق على ذلك بعض الأسانيد المذكورة . في الكتاب من قبيل السّند المرقّم ( 236 ) والمرقّم ( 205 ) والمرقّم ( 252 ) وعن علي بن أحمد عن محمد بن هارون عن عبيد الله بن موسى . . . وأيضاً يرشدك إلى هذا ، سبك السّند على النّحو المزبور ، في البحار الجزء ( 14 | 34 و37 ) ، برقم : ( 3 و14 ) .
(3) غير موجود في البحار .
(4) هذا الإسناد وما بعده جاء مفصّلاً ومبيّناً في البحار ( 14 | 34 ) ، برقم : ( 3 ) و( 37 ) ، برقم : ( 3 ) و( 37 ) ، برقم : ( 14 ) .
(5) بحار الأنوار ( 14 | 34 ) ، برقم : ( 3 ) عن الأمالي للصّدوق بتقديم وتأخير وزيادة ونقصان .
(6) بحار الأنوار ( 14 | 37 ) ، برقم : ( 14 ) .

( 200 )

فصل ـ 1 ـ
256 ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن ابي بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ داود عليه السلام كان يدعو أن يسلّمه (1) الله القضاء بين النّاس بما هو عنده ـ تعالى ـ الحقّ ، فأوحى الله إليه : يا داود إنّ الناس لا يحتملون ذلك وإنّي سأفعل وارتفع غليه رجلان فاستعداه أحدهما على الآخر ، فأمر المستعدى عليه أن يقول إلى المستعدي فيضرب عنقه ، ففعل فاستعظمت بنو إسرائيل ذلك ، وقالت : رجل جاء يتظلّم من رجل ، فأمر الظّالم أن يضرب عنقه ، فقال عليه السلام : ربّ أنقذني من هذه الورطة .
قال : فأوحى الله تعالى إليه يا داود سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بما هو عندي الحقّ ، وأنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه ، فأمرت بضرب عنقه قوداً بأبيه ، وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت صخرة كذا ، فأته فناده باسمه فانّه سيجيبك فسله ، قال : فخرج داود عليه السلام وقد فرح فرحاً شديداً لم يفرح مثله ، فقال لبني إسرائيل : قد فرح الله فمشى ومشوا بعه ، فانتهى إلى الشّجرة فنادى يا فلان فقال : لبّيك يا نبيّ الله قال : من قتلك ؟ قال : فلان ، فقالت بنو إسرائيل : لسمعناه يقول : يا نبيّ الله فنحن نقول كما قال ، فأوحى الله إليه يا داود : إنّ العباد لا يطيقون الحكم بما هو الحقّ فسل المدّعي البيّنة وأضف المدّعى عليه إلى اسمي (2) .
257 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكّل وحدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عنن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ داود عليه السلام سأل ربّه أن يريه قضيّة من قضايا الآخرة ، فأتاه جبرئيل (3) عليه السلام فقال : لقد سألت ربّك شيئاً ما سأله قبلك نبيّ من
____________
(1) في ق 3 : كان يدعو الله أن يعلّمه ، وفي البحار : أن يلهمه الله .
(2) بحار الأنوار ( 14 | 5 ـ 6 ) ، برقم : ( 13 ) .
(3) في البحار بعد قوله « من قضايا الآخرة » زيادة وهي : فأوحى الله إليه يا داود إن الذي سألتني لم أطلع عليه أحداً من خلقي ، ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيري ، قال : فلم يمنعه ذلك أن عاد ، فسأل الله أن يريه قضية من

=


( 201 )

أنبيائه صلوات الله عليهم ، يا داود إنّ الّذي سألت لم يطلع الله عليه أحداً من خلقه ولا ينبغي لأحد أن يقضي به غيره فقد أجاب الله دعوتك وأعطاك ما سألت ، إنّ أوّل خصمين يردان عليك غداً القضيّة فيهما من قضايا الآخرة ، فلمّا أصبح داود وجلس في مجلس القضاء أتى شيخ متعلّق بشاب ، ومع الشّاب عنقود من عنب ، فقال الشّيخ : يانبي الله إنّ هذا الشّاب دخل بستاني ، وخرّب كرمي ، وأكل منه بغير أذني ، قال : فقال داود للشّاب : ما تقول ؟ قال : فأقرّ الشّاب بانّه قد فعل ذلك .
فأوحى الله تعالى إليه يا داود إن كشفت لك من قضايا الآخرة ، فقضيت بها بين الشّيخ والغلام لم يحتملها قلبك ولا يرضى بها قومك ، يا داود إنّ هذا الشّيخ اقتحم على والد هذا الشّاب في بستانه ، فقتله وغصبه بستانه وأخذ منه أربعين ألف درهم ، فدفنها في جانب بستانه ، فادفع إلى الشّاب سيفاً ومره أن يضرب عنق الشّيخ ، وادفع إليه البستان ، ومره أن يحفر في موضع كذا من البستان ويأخذ ماله ، قال : ففزع داود عليه السلام من ذلك وجمع علماء أصحابه وأخبرهم بالخبر وأمضى القضيّة على ما أوحى الله إليه (1) .
258 ـ وباسناده عن محمد بن أورمة ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود عليه السلام في بقرة فجاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكن أنت الّذي تحكم بينهما ، فأوحى الله تعالى إليه : اخرج فخذ البقرة من الّذي هي في يده وادفعها إلى الآخر واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل وقالوا : جاء هذا ببيّنة وجاء هذا ببيّنة مثل بيّنة هذا ، وكان أحقّهما باعطائها الّذي هي في يده ، فأخذها منه وضرب عنقه وأعطاها الآخر ، فدخل داود المحراب ، فقال : يا ربّ قد ضجّت بنو إسرائيل بما حكمت ، فأوحى الله تعالى إليه : إنّ الّذي كانت البقرة في يده لقى أبا الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، فإذا جاءك مثل هذا فاحكم بما ترى بينهم ، ولا تسألني أن أحكم بينهم حتّى الحساب (2) .
____________
=
قضايا الآخرة ، قال : فأتاه جبرائيل عليه السلام . . . .
(1) بحار الأنوار ( 14 | 6 ـ 7 ) ، برقم : ( 14 ) .
(2) بحار الأنوار ( 14 | 7 ـ 8 ) ، برقم : ( 15 ) .