الباب الرابع عشر
( في حديث زكريا ويحيى عليهما السلام )

281 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبي ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير عن رجل (1) ، عن أبي عبدالله قال : دعا زكريّا ربّه ، فقال : ( هب لي من لدنك وليّاً يرّثني ويرث من آل يعقوب ) (2) فبشّره الله تعالى بيحيى ، فلم يعلم أنّ ذلك الكلام من عند الله تعالى جلّ ذكره وخاف أن يكون من الشّيطان ، فقال : أنّي يكون لي ولد وقال ( ربّ اجعل لي آيةً ) فاُسكت (3) فعلم أنّه من الله تعالى (4) .
282 ـ وبهذا الاسناد عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا ولد يحيى عليه السلام رفع إلى السّماء فغذّي بأنها (5) الجنّة حتّى فطم ، ثمّ نزل إلى أبيه وكان يضيء البيت بنوره (6) .
283 ـ وبإسناده عن سعد بن عبدالله رفعه ، قال : كان يحيى بن زكريّا يصلّي ويبكي حتّى ذهب لحم خدّه ، وجعل لبداً وألزقه بخدّه حتّى تجري الدّموع عليه ، وكان لا ينام ، فقال أبوه : يا بنيّ إنّي سألت الله أن يزرقنيك لأفرح بك وتقرّ عيني ، قم فصلّ ،
____________
(1) الزيادة من البحار .
(2) سورة مريم : ( 5 ) ، والصّحيح : فهب لي .
(3) اشارة إلى قوله تعالى : ( قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلاّ رمزاً ) سورة آل عمران : ( 41 ) . ( ثلاث ليال سويّاً ) سورة مريم : ( 10 ) .
(4) بحار الأنوار ( 14 | 180 ) ، برقم : ( 18 ) .
(5) في ق 1 : بأثمار . وهو الأوفق بقوله : فغذّي .
(6) بحار الأنوار ( 14 | 180 ) ، برقم : ( 17 ) .

( 217 )

قال : فقال له يحيى : إنّ جبرئيل حدّثني أنّ أمام النّار مفازة لا يجوزها إلاّ البكّاؤون ، فقال : يا بنيّ فابك وحقّ لك أن تبكي (1) .

فصل ـ 1 ـ
284 ـ وباسناده عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن هشام بن سالم (2) ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إنّ زكريّا كان خائفاً ، فهرب فالتجأ إلى شجرة ، فانفرجت له وقالت : يا زكريّا ادخل فيّ فجاء حتّى دخل فيها ، فطلبوه فلم يجدوه وأتاهم إبليس وكان رآه فدلّهم عليه فقال لهم : هو في هذه الشّجرة فاقطعوها وقد كانوا يعبدون تلك الشّجرة فقالوا : لا نقطعهما ، فلم يزل بهم حتى شقّوها وشقّوا زكريّا عليه السلام (3) .
285 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم ، حدّثنا محمد بن عليّ ، عن عبدالله بن محمد الحجّال ، عن أبي إسحاق (4) ، عن عبدالله بن هلال ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : إنّ ملكاً كان على عهد يحيى ابن زكريّا لم يكفه ما كان عليه من الطّروقة حتّى تناول امرأة بغيّاً ، فكانت تأتيه حتّى أسنّت ، فلمّا أسنّت هيّأت ابنتها ، ثمّ قالت لها : إنّي اريد أن آتي بك الملك فإذا واقعك فيسألك ما حاجتك فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريّا عليه السلام فلمّا واقعها سألها عن حاجتها فقالت : قتل يحيى بن زكريا عليه السلام .
[ فقال : ما أنت وهذا إلهي عن هذا ، قالت : مالي حاجة إلاّ قتل يحيى ] (5) فلمّا كان في اللّيلة الثّالثة بعث إلى يحيى فجاء به ، فدعا بطشت ذهب فذبحه فيها وصبّوه على الارض
____________
(1) بحار الأنوار ( 70 | 388 ) ، برقم : ( 54 ) .
(2) كذا في جميع النّسخ والبحار . وهو غلط لأنّ رواية ابن هاشم عن هشام بن سالم غير ممكن لاختلاف الطّبقة فبينهما سقط والسّاقط هنا إمّا ابن أبي عمير أو الحسن بن محبوب لكثرة روايته عنهما وكثرة روايتهما عن هشام بن سالم . الشّكّ يلحق المشكوك بالأعم الأغلب .
(3) بحار الأنوار ( 14 | 181 ) ، برقم : ( 22 ) .
(4) هو ثعلبة بن ميمون يروي عنه عبدالله بن محمد الحجال ، لا عليّ بن عبدالله بن محمد الحجّال ، كما في أكثر نسخ القصص . فانّه غلط على ما هو الظّاهر على الممارس .
(5) ما بين المعقوفتين من ق 3 فقط .

( 218 )

فيرتفع الدّم ويعلو وأقبل النّاس يطرحون عليه التّراب فيعلو عليه الدّم حتّى صار تّلاً عظيماً ومضى ذلك القرن ، فلمّا كان من أمر بخت نصّر ما كان رآى ذلك الدّم ، فسأل عنه فلم يجد أحداً يعرفه حتّى دل على شيخ كبير فسأله ، فقال : أخبرني أبي عن جدّي أنّه كان من قصّة يحيى بن زكريّا كذا وكذا ، وقصّ عليه القصّة والدّم دمه فقال بخت نصّر : لا جرم لأقتلنّ عليه حتّى يسكن . فقتل عليه سبعين ألفاً ، فلمّا وفي عليه سكن الدّم .
وفي خبر آخر : إنّ هذه البغيّ كانت زوجة ملك جبّار قبل هذا الملك وتزوّجها هذا بعده ، فلمّا أسنّت وكانت لها ابنة من الملك الأوّل قالت لهذا الملك : تزوّج أنت بها ، فقال : لا حتّى اسأل يحيى بن زكريّا عن ذلك فان أذن فعلت ، فسأله عن ه فقال : لا يجوز فهيّأت بنتها وزيّنتها في حال سكره وعرضتها عليه ، فكان من حال قتل يحيى ما ذكر وكان ما كان (1) .

فصل ـ 2 ـ
286 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه (2) ، حدّثنا محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن أبي عبدالله الخيّاط ، عن عبدالله بن القاسم ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن ينتصر لأوليائه انتصر لهم بشرار خلقه ، وإذا أراد أن ينتصر لنفسه انتصر بأوليائه ، ولقد انتصر ليحيى بن زكريّا عليهما السلام ببخت نصّر (3) .
287 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا محمد بن سعيد بن أبي شحمة ، حدّثنا أبو محمد عبدالله بن سعيد بن هاشم القناني البغدادي ، حدّثنا أحمد بن صالح ، حدّثنا أبي صالح ، حدّثنا حسّان (4) بن عبدالله الواسطي ، حدّثنا عبدالله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبدالله بن عمر قال : قال النّبيّ صلى الله عليه وآله : كان من
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 180 ـ 181 ) ، برقم : ( 20 و21 ) .
(2) الزّيادة من البحار ، وهو الصّحيح .
(3) بحار الأنوار ( 45 | 339 ) ، برقم : ( 4 ) و( 14 | 181 ) ، برقم : ( 23 ) .
(4) في البحار والأمالي : أحمد بن صالح عن حسان .

( 219 )

زهد يحيى بن زكريا عليهما السلام أنّه أتى بيت المقدس ، فنظر إلى المجتهدين من الأحبار والرّهبان عليهم مدارع الشّعر ، فلمّا رآهم أتى أمّه ، فقال : انسجي لي مدرعة من صوف حتّى آتي بيت المقدس فأعبد الله مع الاحبار ، فاخبرت زكريّا بذلك ، فقال زكريّا : يا بنيّ ما يدعوك إلى هذا ؟ وإنما أنت صبيّ صغير ، فقال : يا أبت أما رأيت من هو أصغر منّي قد ذاق الموت ؟ قال : بلى ، وقال لأمّه : انسجي له المدرعة ، فأتى بيت المقدس وأخذ يعبد الله تعالى حتّى أكلت مدرعة الشّعر لحمه وجعل يبكي ، وكان زكريّا إذا اراد أن يعظ يلتفت يميناً وشمالاً ، فان رأى يحيى لم يذكر جنّة ولا ناراً (1) .
288 ـ وفي خبر آخر : أنّ عيسى بن مريم عليه السلام بعث يحيى بن زكريّا في اثني عشر من الحواريّين يعلّمون النّاس وينهاهم عن نكاح ابنة الاُخت ، قال : وكان لملكهم بنت أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوّجها ، فلمّا رآها سألها عن حاجتها ، قالت حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريّا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسألك غير هذا ، فلمّا أبت عليه دعا بطشت ودعا يحيى عليه السلام فذبحه ، فبدرت قطرة من دمه فوقعت على الارض ، فلم تزل تعلو حتّى بعث الله بخت نصّر عليهم ، فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلّته على ذلك الدّم ، فاُلقي في نفسه أن يقتل على ذلك الدّم منهم حتّى يسكن ، فقتل عليها سبعين ألفاً في سنة واحدة ثمّ سكن (2) .

فصل ـ 3 ـ
289 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدّثنا جدّي يحيى بن الحسن ، حدّثنا محمد بن إبراهيم التّميمي ، حدّثنا محمّد بن يزيد ، حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا عبدالله بن حبيب بن أبي كاتب ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : أوحى الله إلى نبيّه صلى الله عليه وآله إنّي قتلت بدم يحيى بن
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 165 ـ 166 ) ، برقم : ( 4 ) عن أمالي الصّدوق مع إختلاف في السّند وزيادة في المتن وراجع الأمالي المجلس الثّامن ، برقم : ( 3 ) .
(2) بحار الأنوار ( 14 | 182 ) ، برقم : ( 24 ) .

( 220 )

زكريّا سبعين ألفاً ، وسأقتل بالحسين (1) عليه السلام سبعين ألفاً وسبعين ألفاً (2) .
290 ـ وباسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، حدّثنا عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن ابي عبدالله (3) عليه السلام قال : لا يقتل النّبيّين ولا أولادهم إلاّ أولاد الزّنا (4) .
291 ـ وعن جابر ، عن ابي جعفر عليه السلام قال : إنّ عاقر ناقة صالح كان أزرق ابن بغيّ ، وكانت ثمود تقول : ما نعرف (5) له فينا أباً ولا نسباً ، وأنّ قالت الحسين بن علي صلوات الله عليهما ابن بغيّ ، وأنّه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلاّ أولاد البغايا ، وقال في قوله تعالى جلّ ذكره : ( لم نجعل له من قبل سميّاً ) (6) قال : يحيى بن زكريّا لم يكن له سميّ قبله ، والحسين بن علي لم يكن له سميّ قبله ، وبكت السّماء عليهما أربعين صباحاً ، وكذلك بكت الشّمس عليهما ، وبكاؤها أن تطلع حمراء وتغيب حمراء .
وقيل : أي بكى أهل السّماء وهم الملائكة (7) .
292 ـ وعن أبي عبدالله عليه السلام أنّ الحسين بن علي صلوات الله عليهما بكى لقتله السّماء والأرض واحمرّتا ، ولم تبكياً على أحد قطّ (8) إلاّ على يحيى بن زكريّا عليهما السلام (9) .
293 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن
____________
(1) في البحار : وأقتل بابن بنتك .
(2) بحار الأنوار ( 45 | 298 ) ، برقم : ( 10 ) عن مناقب ابن شهر آشوب باسانيد مختلفة عن ابن عباس وراجع المناقب ( 4 | 81 ) وتاريخ بغداد ( 1 | 142 ) .
(3) في البحار : عن أبي جعفر عليه السلام . وهو المناسب لأحاديث جابر .
(4) بحار الأنوار ( 27 | 240 ) ، برقم : ( 3 ) .
(5) في البحار : أزرق ابن بغي وأنّ قاتل علي صلوات الله عليه ابن بغي وكانت مراد تقول : ما نعرف .
(6) سورة مريم : ( 7 ) .
(7) بحار الأنوار ( 14 | 182 ) ، برقم : ( 25 ) وأورد صدره إلى قوله : أولاد البغايا في الجزء ( 27 | 240 ) ، برقم : ( 4 ) . وفي ( 42 | 303 ) ، برقم : ( 3 ) . وأورد ذيله من قوله تعالى في الجزء ( 45 | 218 ) ، برقم : ( 45 ) .
(8) في ق 1 : قبله .
(9) بحار الأنوار ( 14 | 183 ) ، برقم : ( 26 ) . و( 45 | 219 ) ، برقم : ( 46 ) .

( 221 )

فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبدالله في قوله تعالى : ( فما بكت عليهم السّماء والارض ) (1) قال : لم تبك السّماء على احدٍ قبل قتل يحيى بن زكريّا حتّى قتل الحسين عليه السلام فبكت عليه (2) .


____________
(1) سورة الدخان : ( 29 ) .
(2) بحار الأنوار ( 14 | 183 ) ، برقم : ( 27 ) . و( 45 | 210 ) ، برقم : ( 20 ) .

( 222 )

الباب الخامس عشر
( في نبوّة إرميا ودانيا عليهما السلام )

294 ـ وبالإسناد المتقدّم ، عن سعد بن عبدالله ، حدّثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن ابي عبدالله عليه السلام قال : إنّ الله تعالى جلّ ذكره أوحى إلى نبيّ من الأنبياء يقال له : إرميا : أن قل لهم : ما بلد تنقّيته من كرائم البلدان وغرست فيه ممن كرائم الغرس ونقّته من كلّ غريبة فأنبت خرنوباً ؟ فضحكوا منه فأوحى الله إليه : قل لهم : إنّ البلد بيت المقدس والغرس بنو إسرائيل ، نّحيت عنه كلّ جبّار فأخلفوا فعملوا بمعاصيّ فلاُسلّطن عليهم في بلادهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم فان بكوا لم ارحم بكاءهم ، وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ثمّ لأخرّبنّها مائة عام ثمّ لأعمّرنّها .
فلمّا حدثهم جزع العلماء فقالوا : يا رسول الله ما ذنبنا ولم نعمل يعملهم ؟ فقال : إنّك رأيتم المنكر فلم تنكروه ، فسلّط الله عليهم بخت نصّر ، وسمّي به لأنّه رضع بلبن كلبة ، وكان اسم الكلب بخت واسم صاحبه نصّر ، وكان مجوسيّاً أغلف ، أغار على بيت المقدس ، ودخله في ستّمائة ألف عام ، ثم بعث بخت نصّر إلى النبيّ ، فقال : إنكّ نبئت عن ربّك وخبّرتهم بما أصنع بهم ، فإن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فأخرج . قال : بل أخرج ، فتزوّد عصيراً ولبناً وخرج . فلمّا كان مدّ البصر التفت إلىالبلدة فقال : ( أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ) (1) .
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 374 ) ، برقم : ( 15 ) إلى قوله : وخرج وبعده إلى آخره موجود في أثناء المنقول عن تفسير العيّاشي ص ( 373 ) والآية في سورة البقرة : ( 259 ) .
( 223 )

295 ـ وبالاسناد المتقدّم ، عن وهب بن منبّه ، قال : كان بخت نصّر منذ ملك يتوقّع فساد بني إسرائيل ، ويعلم أنّه لا يطيقهم إلاّ بمعصيتهم ، فلم يزل يأتيه العيون بأخبارهم ، حتّى تغيّرت حالهم وفشت فيهم المعاصي ، وقتلوا أنبياءهم ، وذلك قوله تعالى جلّ ذكره : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الارض مرّتين ) إلى قوله : ( فإذا جاء وعد أوليهما ) (1) يعني بخت نصّر وجنوده أقبلوا فنزلوا بساحتهم ، فلمّا رأوا ذلك ، فزعوا إلى ربّهم وتابوا وثابروا (2) على الخير ، وأخذوا على أيدي سفهائهم ، وأنكروا المنكر ، وأظهروا المعروف ، فردّ الله لهم الكرّة على بخت نصّر ، وانصفروا بعدما فتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أنّ سهماً وقع في جبين فرس بخت نصّر ، فجمح به حتّى أخرجه من باب المدينة .
ثمّ إنّ بني إسرائيل تغيّروا ، فما برحوا حتّى كرّ عليهم ، وذلك قوله تعالى : ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم ) (3) فأخبرهم إرميا عليه السلام وأنّ بخت نصّر يتهيّأ للسير إليكم وقد غضب الله عليكم ، وأنّ الله تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول : هل وجدتم أحداً عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحداً أطاعني فشقي بطاعتي ؟ وأمّا أحباركم ورهبانكم فاتّخذوا عبادي خولاً يحكمون فيهم بغير كتابي حتّى أنسوهم ذكري ، وأمّا ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرّتهم الدّنيا ، وأمّا قرّاؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك ، يبايعونهم على البدع ، ويطيعونهم في معصيتي وأمّا الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كلّ ذلك اُلبسهم العافية ، فلأبدلنّهم بالعزّ ذلاّ وبالأمن خوفاً ، إن دعوني لم أجبهم وإن بكوا لم أرحمهم .
فلمّا بلّغهم ذلك نبيّهم فكذبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله تزعم أنّ الله يعطّل ( معطل ) مساجده من عبادته فقيّدوه وسجنوه فأقبل بخت نصّر وحاصرهم سبعة أشهر حتّى أكلوا خلاهم (4) وشربوا ابوالهم ، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل ، والصّلب ، والأحراق ، وجذع الأنوف ، ونزع الألسن والأنياب ، ووقف النّساء .
____________
(1) سورة الأسراء : ( 4 ـ 5 ) .
(2) ثابر على الأمر : داوم عليه وواظبه . وفي ق 1 : وثاروا .
(3) سورة الأسراء : ( 7 ) .
(4) في ق 1 : حتّى أكلوا خراهم .

( 224 )

فقيل له : إنّ لهم صاحباً كان يحذّرهم بما أصابهم ، فاتّهموه وسجنوه ، فأمر بخت نصّر فاُخرج من السّجن ، فقال له أكنت تحذّر هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : وأنّى اُعلمت ذلك ؟ (1) قال : أرسلني الله به إليهم قال : فكذبوك وضربوك ؟ قال : نعم . قال : لبئس القوم قوم ضربوا نبيّهم ، وكذبوا رسالة ربّهم ، فهل لك أن تلحق بي فاُكرمك ؟ وإن أحببت ان تقيم في بلادك أمنتك ، قال إرميا عليه السلام : إنّي لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ، ولو أنّ بني إسرائيل لم يخرجوا من أمانه لم يخافوك .
فأقام غرميا مكانه بأرض إيليا ، وهي حينئذ خراب قد هدم بعضا ، فلمّا سمع به من بقي من بني إسرائيل اجتمعوا إليه ، وقالوا : عرفنا أنّك نبيّنا فانصح لنا ، فأمرهم أن يقيموا معهم ، فقالوا : ننطلق إلى ملك مصر نستجير ، فقال إرميا عليه السلام : إنّ ذمة الله أوفى الذّمم ، فانطلقوا إلى مصر وتركوا إرميا ، فقال لهم الملك : أنتم في ذمّتي ، فسمع ذلك بخت نصّر ، فارسل إلى ملك مصر ابعث بهم إليّ مصفّدين وإلاّ آذنتك بالحرب .
فلمّا سمع أرميا بذلك أدركته الرّ؛مة لهم ، فبادر إليهم لينقذهم فورد عليهم ، وقال : إنّ الله تعالى أوحى إليّ أنّي مظهر بخت نصّر على هذا الملك ، وآية ذلك أنّه تعالى أراني موضع سرير بخت نصّر الّذي يجلس عليه بعدما يظفر بمصر ، ثمّ عمد فدفن اربعة أحجار في ناحية من الارض ، فسار إليهم بخت نصّر وظفر بهم وأسرهم ، فلمّا اراد أن يقسّم الفيء ويقتل الاسارى ويعتق منهم كان فيهم إرميا .
فقال له بخت نصّر : اراك مع أعدائي بعدما عرضتك من الكرامة ، فقال له إرميا عليه السلام : إنّي جئتهم مخوّفاً أخبرهم خبرك ، وقد وضعت لهم علامة تحت سريرك هذا وأنت بارض بابل ، ارفع سريرك فانّ تحت كلّ قائمة من قوائمه حجراً دفنته بيدي وهم ينظرون ، فلمّا رفع بخت نصّر سريره وجد مصداق ما قال ، فقال لأرميا : إنّي لأقتلهم إذ كذبوك ولم يصدّقوك ، فقتلهم ولحق بأرض بابل .
فأقام إرميا بمصر مدّة ، فأوحى الله تعالى إليه : ألحق بأيليا . فانطلق حتّى إذا رفع له شخص بيت المقدس ورآى خراباً عظيماً ، قال : « أنّى يحيى هذه الله » فنزل في ناحية
____________
(1) في البحار : وأنّي علمت ذلك .
( 225 )

واتّخذ مضجعاً ، ثمّ نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع الخلائق مائة عام ، وكان قد وعده الله أنّه سيعيد فيها الملك والعمران ، فلمّا مضى سبعون عاماً أذن الله في عمارة إيليا ، فأرسل الله ملكاً إلى ملك من ملوك فارس يقال له : كوشك ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تنفر بقوّتك ورجالك حتّى تنزل إيلي فتعمرها ، فندب الفارسي كذلك ثلاثين ألف قهرمان ، ودفع إلى كلّ قهرمان ألف عامل بما يصلح لذلك من الآلة والنّفقة فسار بهم ، فلمّا تمّت عمارتها بعد ثلاثين سنة أمر عظام إرميا أن تحيى ، فقام حيّاً كما ذكر الله في كتابه (1) .

فصل ـ 1 ـ
296 ـ وبالاسناد المذكور ، عن وهب بن منبّه أنّه لما انطلق بخت نصّر بالسّبي والاسارى من بني إسرائيل وفيهم دانيال وعزير عليهما السلام وورد أرض بابل اتّخذ بني إسرائيل خولاً ، فلبث (2) سبع سنين ثمّ إنّه رآى رؤيا عظيماً امتلأ منها رعباً ونسيها ، فجمع قومه وقال : تخبروني بتأويل رؤياي المنسيّة إلى ثلاثة أيّام وإلاّ لأصلّبنّكم وبلغ دانيال ذلك من شأن الرّؤيا وكان في السّجن فقال لصاحب السّجن : إنّك أحسنت صحبتي ، فهل لك أن تخبر الملك أنّ عندي علم رؤياه وتأويله ؟ فخرج صاحب السّجن ، وذكر لبخت نصّر فدعا به .
وكان لا يقف بين يديه أحد إلاّ سجد له ، فلمّا طال قيام دانيال وهو لا يسجد له ، قال للحرس : اخرجوا واتركوه ، فخرجوا فقال : يا دانيال ما منعك أن تسجد لي ؟ فقال : إنّ لي ربّاً آتاني هذا العلم على أنّي لا أسجد لغيره ، فلو سجدت لك انسلخ عنّي العلم فلم ينتفع بي ، فتركت السّجود نظراً إلى ذلك .
قال بخت نصّر : وفيت لإلهك فصرت آمناً منّي فهل لك علم بهذه الرّؤيا ؟ قال : نعم رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ، ورأسه في السّماء ، أعلاه من ذهب ووسطه من فضّة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخار ، فبينا أنت تنظر إليه وقد أعجبك
____________
(1) بحارالأنوار ( 14 | 364 ـ 366 ) ، برقم : ( 6 ) وفيه : كما ذكره الله في كتابه . أقول : ورد ذكره في الذّكر الحكيم في سورتين : البقرة : ( 259 ) والاسراء : ( 4 ـ 7 ) .
(2) في البحار : ولبث .

( 226 )

حسنه وعظمه واحكام صنعته وأصناف الّتي ركّبت فيها ، إذ قذفه بحجر من السّماء ، فوقع على رأسه ، فدقّه حتّى طحنه فاختلط ذهبه وفضّته ونحاسه وحديده وفخاره ، حتّى خيّل لك أنّه لواجتمع الجنّ والإنس على أن يميّزوا بعضه من بعض لم يقدروا ، حتّى خيّل لك أنّه لو هبّت أدنى ريح لذرّته لشدّة ما انطحن ، ثمّ نظرت إلى الحجر الّذي قذف به بعظم فينتشر (1) حتّى ملأ الارض كلّها فصرت لا ترى إلاّ السّماء والحجر .
قال بخت نصّر : صدقت ، هذه الرّؤيا الّتي رأيتها ، فما تأويلها .
قال دانيال عليه السلام : أمّا الصّنم الّذي رأيت ، فانّها اُمم تكون في أوّل الزّمان وأوسطه وآخره ، وأمّا الذّهب فهو هذا الزّمان ، وهذه الاُمّة الّتي أنت فيها وانت ملكها ، وأمّا الفضّة فانّه يكون ابنك يليها من بعدك ، وأمّا النّحاس فاُمّة الرّوم ، وامّا الحديد فأمّة فارس ، وأمّا الفخار فأمّتان تملكهما امرأتان : إحداهما في شرقيّ اليمن ، واُخرى في غربيّ الشّام . وأمّا الحجر الّذي قذف به الصّنم ، فدين يفقده (2) الله به في هذه الامّة آخر الزّمان ليظهره عليها ، يبعث الله نبيّاً اُميّاً من العرب فيذلّ الله له الأمم والأديان ، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض فانتشر فيها (3) .
فقال بخت نصّر : ما لأحد عندي يد أعظم من يدك ، وأنا أريد أن أجزيك . إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمرها لك ، وإن أحببت أن تقيم معي فأكرمك . فقال دانيال عليه السلام : أمّا بلادي أرض كتب الله عليها الخراب إلى وقت والإقامة معك أوثق لي .
فجمع بخت نصّر ولده وأهل بيته وخدمه وقال لهم : هذا رجل حكيم قد فرّج الله به عنّي كربة قد عجزتم عنها ، وقد ولّيته أمركم وأمري ، يا بنيّ خذوا من علمه ، وإن جاءكم رسولان أحدهما لي والآخر له ، فأجيبوا دانيال قبلي ، فكان لا يقطع أمراً دونه .
ولمّا رآى (4) قوم بخت نصّر ذلك حسدوا دانيال ، ثمّ اجتمعوا إليه وقالوا : كانت لك
____________
(1) في البحار : فينتثر .
(2) هكذا في جميع النّسخ ، ولكن في إثبات الهداة : يعقده .
(3) فانتثر فيها : المصدر . ولكنّه وما قبله : فينتثر ، من غلط النّاسخ أو المصّحح والصّحيح ما في المتن عن النّسخ المخطوطة .
(4) في عدّة من النّسخ منها نسخة البحار : ولمّا رأوا . . . وهو كما ترى غلط .

( 227 )

الأرض ويزعم عدوّنا أنّك أنكرت عقلك ، قال : إنّي أستعين برأي هذا الإسرائيلي لإصلاح أمرك ، فإنّ ربّه يطلعه عليه قالوا : نتّجذ إلهاً يكفيك ما أهمّك وتستغني عن دانيال فقال : أنتم وذاك ، فعملوا صنماً عظيماً وصنعوا عيداً وذبحوا له ، وأوقدوا ناراً عظيمة كنار نمرود ، ودعوا النّاس بالسّجود لذلك الصّنم ، فمن لمن يسجد له اُلقي منها .
وكان مع دانيال عليه السلام أربعة فتية من بني إسرائيل : يوشال ، ويوحين ، وعيصوا ومريوس . وكانوا مخلصين موحّدين ، فاُتي بهم ليسجدوا للصّنم ، فقالت الفتية : هذا ليس بإله ، ولكن خشبة ممّا عملها الرّجال ، فإن شئتم أن نسجد للّذي خلقها فعلنا ، فكتّفوهم ثمّ رموا بهم في النّار .
فلمّا أصبحوا طلع عليهم بخت نصّر فوق قصر ، فإذا معهم خامس وإذا بالنّار قد عادت جليداً فامتلأ رعباً فدعا دانيال عليه السلام فسأله عنهم فقال : أمّا الفتية فعلى ديني يعبدون إلهي ولذلك أجارهم ، والخامس بحر البرد ارسله الله تعالى جلّت عظمته إلى هؤلاء نصرة لهم ، فأمر بخت نصّر فاُخرجوا ، فقال لهم : كيف بتّم ؟ قالوا : بتنا بأفضل ليلة منذ خلقنا ، فالحقهم بدانيال ، وأكرمهم بكرامته حتّى مرّت بهم ثلاثون سنة (1) .

فصل ـ 2 ـ
270 ـ وعن وهب بن منبّه ، قال : ثمّ إنّ بخت نصّر رآى رؤيا أهول من الرّؤيا الأولى ونسيها أيضاً ، فدعا علماء قومه قال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم وهلاكي ، فما تأويلها فعجزوا وجعلوا علّة عجزهم دانيال عليه السلام ، فأخرجهم ودعا دانيال عليه السلام فسأله ؟
فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة فرعها في السّماء عليها طير السّماء ، وفي ظلّها وحوش الارض وسباعها ، فبينما أنت تنظر إليها قد أعجبك بهجتها ، إذ أقبل ملك يحمل حديدة كالفاس على عنقه ، وصرخ بملك آخر في باب من ابواب السّماء يقول له :
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 367 ـ 368 ) ، برقم : ( 7 ) . وإثبات الهداة ( 1 | 197 ) من الباب ( 7 ) الفصل ( 17 ) برقم : ( 110 ) .
( 228 )

كيف أمرك الله أن تفعل بالشّجرة أمرك أن تجتثّها من أصلها ؟ أم أمرك أن تأخذ بعضها ؟ فنادان الملك الأعلى إنّ الله يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتّى ضرب رأسها بفاسه ، فانقطع وتفرّق ما كان عليها من الطّير ، وما كان تحتها من السّباع والوحوش ، وبقي الحذع لا هيئة له ولا حسن .
فقال بخت نصّر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها ؟
قال : أنت الشّجرة ، وما رأيت في رأسها من الطّيور فولدك وأهلك ، وأمّا ما رأيت في ظلّها من السّباع والوحوش فخولك ورعيّتك وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصّنم ، فقال بخت نصّر : كيف يفعل ربّك بي ؟ قال : يبتليك ببدنك ، فيمسخك سبع سنين ، فإذا مضت رجعت إنساناً كما كنت أوّل مرّة .
فقعد بخت نصّر يبكي سعة أيّام ، فلمّا فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقاباً فطار ، وكان دانيال عليه السلام يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيّروا من أمره شيئاً حتّى يرجع إليهم ، ثمّ مسخه الله في آخر عمره بعوضة ، فأقبل يطير حتّى دخل بيته ، فحوّله الله إنساناً فاغتسل بالماء ولبس المسوخ .
ثم أمر بالناس ، فجمعوا ، فقال : إنّي وإيّاكم كنّا نعبد من دون الله مالا ينفعنا ولا يضرّنا ، وأنّه قد تبيّن لي من قدرة الله تعالى جلّ وعلا في نفسي أنه لا إله إلاّ الله إله بني إسرائيل ، فمن تبعني فإنّه منّي وأنا وهو في الحقّ سواء ، ومن خالفني ضربته بسيفي حتّى يحكم الله بيني وبينكم ، وإنّي قد أجّلتكم إلى اللّيلة ، فإذا أصبحتم فأجيبوني ، ثمّ انصرف ودخل بيته وقعد على فراشه ، فقبض الله تعالى روحه .
وقصّ وهب قصّته هذه عن ابن عباسّ ثمّ قال : ما أشبه إيمانه بإيمان السّحرة (1) .

فصل ـ 3 ـ
271 ـ ولمّا توفيّ بخت نصّر تابع النّاس ابنه ، وكانت الأواني الّتي عملت الشّياطين
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 369 ـ 370 ) ، برقم : ( 8 ) . وللعلامة المجلسي هنا بيان يشجب فيه هذه القصص المنقولة عن وهب . إن شئت فراجعه .
( 229 )

لسليمان بن داود عليهما السلام من اللّؤلؤ والياقوت غاص عليها الشّياطين ، حتّى استخرجوها من قعور الأبحر الصّم الّتي لا تعبر فيها السّفن ، وكان بخت نصّر غنم كلّ ذلك من بيت المقدس ، وأوردها أرض بابل واستأمر فيها دانيال ، فقال : انّ هذه الآنية طاهرة مقدّسة صنعها للنبيّ ابن النبيّ الّذي يسجد (1) لربّه عزّ وعلا ، فلا تدنّسها بلحم الخنازير وغيرها ، فإنّ لها ربّاً سيعيدها حيث كانت ، فأطاعه واعتزل دانيال وأقصاه وجفاه .
وكانت له امرأة حكيمة نشأت في تأديب دانيال تعظه وتقول : إنّ أباك كان يستغيث بدانيال فأبى ذلك ، فعمل في كلّ عمل سوءً حتّى عجّب الأرض منه إلى الله تعالى جلّت عظمته فبينا هو في عيد إذا بكفّ ملك يكتب على الجدار ثلاثة أحرف ، ثمّ غابت الكفّ والقلم وبهتوا ، فسألوا دانيال بحقّ تأويل ذلك المكتوب ، وكان كتب : وزن فخفّ ، ووعدنا نجز ، جمع فتفرّق . فقال :
أمّا الأوّل ـ فإنّه عقلك وزن فخفّ ، فكان خفيفاً في الميزان .
والثّاني ـ وعد أن يملك ، فأنجزه اليوم .
والثالث ـ فانّ الله تعالى كان قد جمع لك ولوالدك من قبلك ملكاً عظيماً ثمّ تفرّق اليوم ، فلا يجتمع إلى يوم القيامة .
فقال له : ثمّ ماذا ؟ قال : يعذّبك الله ، فأقبلت بعوضة تطير حتّى دخلت في إحدى منخريه فوصلت إلى دماغه وتؤذيه ، فأحبّ النّاس عنده من حمل مرزبة فيضرب بها رأسه ، ويزداد كلّ يوم ألماً إلى أربعين ليلة حتّى مات وصار إلى النّار (2) .
272 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، حدّثنا الحسن بن عليّ السّكري (3) ، حدّثنا أبو عبدالله محمد بن زكريّا الجوهري ، حدّثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه السلام سألته عن تعبير الرّؤيا عن دانيال
____________
(1) كذا في ق 1 وفي بقيّة النّسخ : صنعها لنبيّ ابن النّبيّ يسجد . وفي البحار : صنعها النّبيّ ابن النّبيّ ليسجد .
(2) بحار الأنوار ( 14 | 370 ) ، برقم : ( 9 ) .
(3) في البحار في الموردين : الصّدوق عن السّكري ، وهو غلط والصّحيح : عن القطّان عن السّكري ، كما في النّص الحاضر .

( 230 )

عليه السلام أهو صحيح ؟ قال : نعم كان يوحى إليه ، وكان نبيّاً ، وكان ممن علّمه الله تأويل الأحاديث ، وكان صدّيقاً حكيماً ، وكان والله يدين بمحبّتنا أهل البيت قال جابر : بمحبّتكم أهل البيت ؟ قال : إي والله وما من نبيّ ولا ملك إلاّ وكان يدين بمحبّتها (1) .

فصل ـ 4 ـ
273 ـ وعن ابن بابويه ، عن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمد بن الحسن الصّفار ، عن عليّ بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد الإصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص ، بن غياث النّخعي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من أهتمّ لرزقه كتب عليه خطيئة ، إنّ دانيال عليه السلام كان في زمن ملك جبّار (2) ، فأخذه فطرحه في الجبّ ، وطرح معه السّباع لتأكله ، فلم تدن إليه .
فأوحى الله تعالى جلّت عظمته إلى نبيّ من أنبيائه عليهم السلام : أن ائت دانيال بطعام ، قال : يا ربّ وأين دانيال ؟ قال : تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلّك عليه ، فخرج فانتهى به الضّبع إلى ذلك الجبّ ، فإذا بدانيال عليه السلام فيه ، فأدلى إليه الطّعام ، فقال دانيال : الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره ، والحمد لله الّذي لا يخيب من دعاه ، والحمد لله الّذي يجزي بالإحسان إحساناص وبالصّبر نجاة .
ثم قال أبو عبدالله عليه السلام : أبي الله أن يجعل أرزاق المتّقين إلاّ من حيث لا يحتسبون ، وأبى الله أن يقبل شهادة لأوليائه في دولة الظّالمين (3) .
274 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا محمد بن يحيى العطّار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، حدّثنا السيّاري ، عن اسحاق بن إبراهيم ، عن الرّضا عليه السلام قال : إنّ الملك قال لدانيال : أشتهي أن يكون لي ابن مثلك فقال : ما محلّي من قلبك ؟ قال : أجلّ محلّ وأعظمه ، قال دانيال : فإذا جامعت فاجعل همّتك فيّ ، قال : ففعل
____________
(1) بحار الأنوار ( 14 | 371 ) ، برقم : ( 10 ) و( 26 | 284 ) ، برقم : ( 41 ) .
(2) في البحار : جبّار عات .
(3) بحار الأنوار ( 14 | 362 ـ 363 ) ، برقم : ( 4 ) و( 95 | 187 ـ 188 ) ، برقم : ( 11 ) و( 103 | 28 ) ، برقم :