427 ـ ثمّ كانت غزوة تبوك ، فتهيّأ في رجب لغزوة الرّوم ، وكتب إلى قبائل العرب ممّن دخل في الاسلام ، فرغّبهم في الجهاد وضرب عسكر فوق ثنيّة الوداع ، واستعمل عليّا عليه السلام على المدينة ، وقال : لابدّ للمدينة منّي أو منك ، فلمّا نزل الجرف لحقه عليٌّ ، وقال : يا رسول الله زعمت قريش إنّما خلّفني استثقالاً لي ، فقال : طالما آذت الاُمم الأنبياء ، أما ترضى أن تكون منّي بمزلة هارون من موسى عليهما السلام قال : قد رضيت .
ثمّ رجع إلى المدينة وأتاه وهو بتبوك يُحنة بن روبة صاحب إيلة فأعطاه الجزية ، وبعث خالداً إلى الأكيدر صاحب دومة الجندل ، قال : لعلّ الله يكفيكه بصيد البقر فتأخذه ، فبينا خالد في ليلة إضحيانة (1) مع أصحابه إذ أقبلت البقرة تنطح علي باب حصن أكيدر وهو مع امرأتين له ، فقام فركب في ناس من أهله ، فطلبوه فكمن خالد وأصابه فأخذوه وقتلوا أخاه وأفلت أصحابه ، فأغلقوا الباب فأقبل خالد بأكيدر فسألهم أن يفتحوا فأبوا ، فقال : أرسلني فإنّي أفتح الباب ، فأخذ عليه موثّقاً وأرسله فدخل وفتح الباب حتّي دخل خالد وأصحابه ، فأعطاه ثمانمائة رأس (2) وألفي بعير وأربعمائة درع وخمسائة سيف وصالح (3) على الجزية (4) .
وكانت تبوك آخر غزوات رسول الله صلّي الله عليه وآله ، وكانت غزوات كثيرة في خلال ما ذكرناه (5) .
____________
(1) كذا في ق 2 وق 5 ، وفي ق 1 والبحار : اضحيان . وليلة اضحيانة أي مضيئة لا غيم فيها .
(2) الظاهر سقوط كلمة « غنم » عن جميع النسخ حتى عن البحار والاعلام .
(3) في البحار والاعلام : وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وخسمائة سيف وصالحة .
(4) بحار الانوار ( 21 | 244 ـ 247 ) عن أعلام الورى ص ( 122 ـ 123 ) مبسوطاَ .
(5) غزوات رسول الله صلّى الله عليه وآله على ما قاله المسعودي في مروج الذَهب ، ( 2 | 287 ـ 288 ) : ستّ وعشرون ومنهم ما رآى أنّها : سبع وعشرون . ثمّ وجّه هذا الراي بقوله : والّذين جعلوها سبعاً وعشرون جعلوا غزوة خيبر مفردة ووادي القرى فزوة خيبر مفردة ووادي الري منصرفة أليها غزوة اخرى غير خيبر انتهى . وهذا يعني وقوع الاختلاف لأجل ن غزوة خيبر عند بعضهم غير غزوة وادي القري وهما واحد عند بعض آخر بلحاظ أنّ الله لمّا فتح خيبر بيد رسوله فانصرف صلوات الله عليه منها إلى وادي القرى من غير أن يأتي المدينة حتّى منها يتجهّز للحرب ألى وادي القرى . هذا ومن العجيب أنّ المسعودي في المروج عدّدها بسبع وعشرين مع حذفه غزوة وادي القرى من الحساب وهو ممّن ذهب الي الرّأي الاوّل وأنا أنقل عبارته أستبصار للنّاظرين واستدراكاَ لمافات ذكره عن الشيخ العلامة الرّاوندي وإخراجاَ لما أجمله إلى بعض التّفصيل . قال : وكان أوّل غزواته صلّى الله عليه وآله وسلّم من المدينة بنفسه إلى ودّان هي المعروفة بغزوة الأبواء . ثمّ غزوة

=


( 353 )

فصل ـ 11 ـ
428 ـ ثمّ نزلت سورة براءة في سنة تسع ، فدفعها إلى ابي بكر ، فسار بها ، فنزل
____________
=
بواط إلى ناحية رضوى . ثمّ غزوة العشيرة من بطن ينبع . ثمّ غزوة بدر الأولى وكان خروجه طلباً لكرز بن جابر . ثمّ غزوة بدر الكبرى وهي بدر الثّانية الّتي قتل فيها صناديد قريش وأشرافها وأسر من أسر من زعمائهم . ثمّ غزوة بني سليم حتّى بلغ الموضع المعروف بالكدر ( بالكديد ) ماء لبني سليم . ثمّ غزوة السّويق طلباً لأبي سفيان بن حرب فبلغ فيها الموضع المعروف بقرقرة الكدر . ثمّ غزوة حمراء الأسد ثمّ غزوة بني النّضير . ثمّ غزوة ذات الرّقاع من نجدز ثمّ غزوة بدر الأخيرة . ثمّ غزوة دومة الجندل [ ثمّ غزوة المريسيع ] . ثمّ غزوة الخندق . ثمّ غزوة بني قريظة . ثمّ غزوة بني لحيان بن هذيل بن مدركة . ثمّ غزوة ذي قرد . ثمّ غزوة بني المصطلق من خزاعة . ثمّ غزوة الحديبيّة لا يريد قتالاً فصدّه المشركون . ثمّ غزوة خيبر . ثمّ اعتمر عليه السلام عمرة القضاء . ثمّ فتح مكّة . ثمّ غزوة حنين . ثمّ غزوة الطّائف . ثمّ غزوة تبوك .
قاتل منها في تسع غزوات : بدر . واحد . والخندق . وقريظة . وخيبر . والفتح . وحنين . والطّائف . وتبوك .
ثمّ أشار إلى عمل الواقدي حيث أنّه رآى أنّه صّلى الله عليه وآله قاتل في إحدى عشرة غزوة باضافة غزوتي وادي القرى والغابة الي التّسع الّتي منها غزوة المريسيع بزعم الواقدي وبدّلها المسعودي ( على ما رأيت ) بغزوة تبوك . وعوّض عنهما الشّيخ الراوندي بغزوة بني المصطلق تبعاً لشيخه الطّبرسي في إعلام الورى ص ( 72 ) . إلاّ أنّ غزوة بني المصطق والمريسيع واحدة كما في الاعلام ص ( 94 ) .
ثمّ أشار المسعودي ( موج الذّهب 2 | 289 ) إلى الاختلاف في عدد السّريا والبعوث بين : خمس وثلاثين وثمان وأربعين ناقلاً للأخير عن تاريخ الطّبري بسنده إلى الواقدي : وقيل : إنّ سراياه صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعوثه كانت ستّة وستّين .
ثمّ إذا ننظر إلى كتاب الواقدي ( المغازي ، 1 | 2 ـ 7 ) نرى ارتفاع الغزوات إلى أربعين والسّرايا إلى ثمان وثلاثين . وقال مجملاَ بعد التفصيل : فكانت مغازي النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الّتي غزا بنفسه سبعاً وعشرين غزوة وكان ما قاتل فيها تسعا . . . وكانت السّرايا سبعاَ وأربعين سرية . انتهى . فياترى هل هناك انسجام بين التّفاصيل هذه ومجملاتها .
وفي أعيان الشّيعة للسيّد محسن الأمين ( 1 | 242 ـ 288 من طبعة دار التّعارف في بيروت 1403 هـ ق ) تفصيل في ذلك لا بأس به وإن شئت فراجعه .
وكان من المناسب جدّاَ أن يذكر الشّيخ الرّاوندي بعد واقعة تبوك قصّة تبوك قصّة العقبة كما فعل الطبرسي في إعلام الورى ص ( 123 ـ 124 ) أو يشير إليها حسبما ورد في الخبر المتقدّم برقم ( 381 ) وبه ينفي احتمال وقوعها من قبل المنافقين بعد مراجعة صلّى الله عليه وآله عن حجّة الوداع كما في منتهى الآمال ص ( 68 ) بخط الطّاهر .

( 354 )

جبرئيل عليه السلام فقال : إنّه لايؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فبعث عليّاً عليه السلام على ناقته العضباء ، فلحقه وأخذ منه الكتاب ، فقال له أبوبكر : أنزل فيّ شيء؟ فقال : لا ولكن لايؤدّي عن رسول الله إلاّ هو أو أنا ، فساربها عليّ عليه السلام حتّى أدّى بمكّة يوم النّحر .
وكان في عهده : أن ينبذ إلى المشركين عهدهم ، وأن لايطوف بالبيت عريان ، ولايدخل المسجد مشرك ، ومن كان له عهد فإلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر ، فان أخذه بعد أربعة أشهر قتلناه ، وذلك قوله تعالى : « فاذا انسلخ الأشهر الحرم » الآية ولمّا دخل مكّة قال : والله لا يطوف بالبيت عريان إلاّ ضربته بالسّيف ، فطافوا وعليهم الثّياب (1) .
429 ـ ثمّ قدم على رسول الله عروة بن مسعود الثّقفي مسلماً ، واستأذن في الخروج إلى قومه ، فقال : أخاف أن قتلوك قال : إن وجدوني نائماً ما أيقظوني (2) ، فأذن له رسول الله ، فرجع إلى الطّائف ودعاهم إلى الاسلام فعصوه ، ثمّ أذّن في داره فرماه رجل بسهم فقتله ، وأقبل بعد قتله من ثقيف بعضه عشر رجلاً من أشراف ثقيف فاسلموا ، فأكرمهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمّر عليهم عثمان بن العاص بن بشير ، وقال يا رسول الله : إنّ الشّيطان قد حال بين صلاتي وقراءتي قال : تعوّذ بالله منه واتفُل عن يسارك ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي ، فلمّا اسلمت ثقيف ضربت إلى رسول الله وفرود العرب ، فدخلوا في دين الله تعالى أفواجاً (3) .
430 ـ ثمّ قدم وفد نجران بضعة العشر رجلاً ، فقال الأسقف وهو حبرهم وإمامهم ، فقال الأسقف : ما تقول يا محمّد في السيّد المسيح ؟ قال : هو عبد الله ورسوله [ قال : بل هو كذا وكذا فقال صلّى الله عليه وآله : بل هو كذا وكذا ] فترادّا فنزل : « إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم » فقالوا : نباهلك غداّ فمّا كان من الغد ، قال أبو حارثة لأصحابه : إن كان غدا بولده فاحذروا مباهلته ، وإن غدا
____________
(1) بحار الانوار ( 21 | 274 ـ 275 ) ، برقم : ( 9 ) عن أعلام الورى ص ( 125 ) .
(2) في ق 3 : نائماً أيقظوني .
(3) بحار الانوار ( 21 | 364 ) عن أعلام الورى ص ( 125 ـ 126 ) .

( 355 )

بأصحابه فباهلوه ، فغذا رسول الله صلّى الله عليه وآله آخذاً بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة وبين يديه علي عليهم السلام ، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله على ركبته ، فقال أبو حارثة : جثا كما جثا الأنبياء للمباهلة ، فكعّ ولم يقدم للمباهلة ، فقالوا : ياأبا القاسم إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك (1) .
ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله عليّاً إلى اليمن ليدعوهم إلى الأسلام .

فصل ـ 12 ـ
431 ـ وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من المدينة متوجهاً إلى الحجّ في السّنة العاشرة ، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر ، فأقام تلك الّليلة من أجلها ، وأحرم من ذي الحليفة وأحرم النّاس معه ، وكان قارناَ للحجّ لسياق الهدى ، وقد ساق معه ستّاَ وستين بدنة ، وحجّ عليٌّ عليه السلام من اليمن وساق معه أربعاَ وثلاثين بدنة ، خرج من معه من العسكر .
ولمّا قدم النّبي صلّى الله عليه وآله مكّة وطاف وسعى نزل جبرئيل وهو على المروة بقوله : « واتمّوا الحجّ والعمرة لله » فخطب الناس ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة ، وشبّك بين أصابعه ، ثمّ قال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت (2) ماسقت الهدى ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى من لم يسق منكم هدياً ، فليحمل وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه » .
ولمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله نسكه وقفل إلى المدينة وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، نزل جبرئيل بقوله تعالى : ( يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من
____________
(1) تجد قضيّة المباهلة هذه بهذه الصورة المختصرة اقتباساً عن إعلام الورى ص ( 128 ـ 129 ) في البحار ( 21 | 336 ـ 338 ) قوله في الذّيل : ثم بعث . . أجنبيّ عمّا قبله ووجه ذكر الشّيخ الرّاوندي إيّاه هنا المتابعة لعبارة إعلام الورى ولمّا تنبه الشّيخ أنّ قصّة بعث رسول الله عليّاَ عليهما السلام إلى اليمن تعرّض لها بسنده عن الصّدوق فيما سبق برقم ( 251 و 352 ) في الفصل الثّالث من الباب ( 19 ) مكث عن إدامتها فدخل في فصل آخر ونسي أن يضرب القلم علي الزّيادة . وكان المستنسخون الجاهلون أيضاَ غافلين ( وما بين المعقوفتين في المتن مأخوذ من البحار أخذاَ من الإعلام لاكمال المتن ) والآية في سورة آل عمران : ( 59 ) .
(2) في البحار والاعلام : مااستدبرته والآية : 196 ـ سورة البقرة .


( 356 )

ربّك ) (1) وكان يوماً شديد الحرّ ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرّحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى في النّاس بالصّلاة ، فاجتمعوا إليه ، وأنّ أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدّة الرّمضاء ، فصعد على تلك الرّحال حتى صار في ذروتها ، ودعا عليّاً عليه السلام فرقى معه حتّى قامعن يمينه .
ثمّ خطب فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ، ونعى إلى الامّة نفسه ، فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن أجيب ، فقد حان (2) منّي خفوق من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فأنهما لن يفترقا حتّى يردى عليّ الحوض » .
ثمّ نادى بأعلى صوته : « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى ، فقال لهم ـ على النّسق وقد أخذ بضبعي عليِّ حتّى رُئي بياض أبطيهما ـ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » .
ثمّ نزل وأمر عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة ، ثمّ أمر النّاس أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويهنّئوه بالامامة ، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين .
وأنشأ حسّان يقول :
يناديهم يـوم الغدير نبيّهم * بخمّ وأسمع بالرسول منادياً
الابيات (3) .
____________
(1) سورة المائدة : ( 67 ) .
(2) في بعض النسخ : أن .
(3) :
وقال : ومـن مولاكم ووليّكم ؟ * فقالوا ولـم يبدوا هنـاك التّعاديا
: إلهـك مولانا وأنـت وليّـنا * ولـن تجدن منّا لك اليوم عاصيا
فقال لـه : قـم ياعلي فإنّـ‍ني * رضيتك مـن بعدي اماماً وهاديا
فمـن كنـت مولاه فهذا وليّه * وكـن للّذي عادى عليّـاً معاديا
وفي إعلام الورى ص ( 133 ) :
فمـن كنت مولاه فهـذا وليّه * فكونوا له أنصار صدق مواليـا
هناك دعا اللـهم وال وليـّه * وكن للّذي عـادى عليّـاً معاديا

( 357 )

ولم يبرح رسول الله صلّى الله عليه وآله من المكان حتى نزل : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ) (1) فقال : الحمد لله على كمال الدّين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعليّ عليه السلام من بعدي (2) .
432 ـ ولمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة من حجّة الوداع بعث اٌسامة بن زيد ، وأمره أن يقصى إلى حيث قتل ابوه ، وأمّره على وجوه المهاجرين والأنصار وفيهم أبوبكر وعمر وابو عبيدة وعسكر واُسامة بالجرف ، واشتكى رسول الله صلّى الله عليه وآله شكايته الّتي توفّي فيها ، وكان صلّى الله عليه وآله يقول : نفّذوا جيش اسامة ويكرّر ذلك ، وإنّما فعل صلّى الله عليه وآله لئلاّ يبقى بالمدينة عند وفاته من يختلف في الامامة ويطمع في الامارة ، ويستوثق الأمر لأهل بيته لعلّي ومن بعده (3) .

فصل ـ13 ـ
433 ـ ولمّا أحسن النبي صلّى الله عليه وآله بالمرض الّذي اعتراه (4) أخذ بيد عليّ عليه السلام وقال : أقبلت الفتن كقطع اللّ‍يل المظلم ، أنّ جبرئيل كان يعرض القرآن عليّ كلّ سنة مرّة ، وقى عرض عليّ العام مرّتين ، ولا اراه إلاّ لحضور اجلي .
ثمّ قال : إنّي خيّرت ياعليّ بين خزائن الدّنيا والخلود فيها او الجنّة ، فاخترت لقاء ربّي الجنّة ، فاذا أنا متّ فاغسلني ، واستر عورتي فإنّه لايراها احد إلاّ أكمه ، فمكث ثلاثة أيّام موعوكاً (5) ، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرّأس متكئاً عل عليّ عليه السلام بيمينه وعلى الفضل بن العباس باليد الاخرى ، فجلس على المنبر وخطب .
ثمّ قال : أيّها النّاس إنّه ليس بين الله وبين أحد شيء يعطيه به خيراً ويصرف عنه شرّاً إلاّ العمل ( الصّالح ) (6) أيّها الناس لا يدّع مدّع ولا يتمنّ (7) متمنّ ، والّذي بعثني بالحق نبيّاً
____________
(1) سورة المائدة : ( 3 ) .
(2) بحار الانوار ( 21 | 389 ـ 390 ) ، برقم : ( 12 ) عن أعلام الورى .
(3) إعلام الورى ص ( 133 ) واثبات الهداة ( 1 | 615 ) ، برقم : ( 636 ) .
(4) في البحار والارشاد عراه ، وفي جميع النسخ الخطيّة : اعتاره .
(5) أي المحموم الذي اشتدت عليه الحمى وآذته .
(6) الزّيادة من أعلام الورى .
(7) في البحار والارشاد : لا يدّعي مدّع ولا يتمنّى .

( 358 )

لا ينجي إلاّ عمل مع وجه الله (1) ولوعصيت لهويت .
ثمّ نزل ودخل بيته ، وكان في بيت أمّ سلمة ، فجاءت عائشة تسأله أن ينتقل إليها لتتولى تعليله ، فأذن لها وانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة ، فاستمرّ المرض به أيّاماً وثقل ، فجاء بلال عند الصّلاة ، فقال : يصلّي بالنّاس بعضهم ، فقالت عائشة : مروا أبابكر ، وقالت حفصة : مروا عمر ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : اُكففن فانّكنّ كصويحبات يوسف ، ثمّ قال : وهو لا يستقل على الأرض من الضّعف ، وقد كان عنده أنّهما خرجا إلى اسامة ، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام والفضل فاعتمدهما (2) ورجلاه يخطّان الأرض من الضّعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبابكر قد سبق إلى المحراب ، فأومى بيده إليه ، فتأخّر أبوبكر وقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وكبّر وابتدأ بالصّلاة .
فلمّا سلّم وانصرف إلى بيته استدعى أبابكر وعمر وجماعة ممّن حضر المسجد ، قال : ألم آمركم أن تنفّذوا جيش اسامة ؟ فقال أبوبكر : إنّي كنت خرجت ، ثمّ عدت لاحدث (3) بك عهداً ، وقال عمر : إنّي لم أخرج لانّي لم أحب أن أسال عنك الرّكب ، فقال صلّى الله عليه وآله : نفّذوا جيش اسامة يكرّرها ثلاث مرّات ، ثمّ أغمي عليه من التّعب الذي لحقه .
ثمّ أفاق وقال : أئتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر ، لمن قام يلتمس الدّواة وكتف ؟ قال : « بعد الّذي قتلم ؟ لا . ولكن احفظوني في أهل بيتي (4) ، وأطعموا المساكين ، وحافظوا على الصلاة ، وما ملكت أيمانكم » فلم يزل يردّد ذلك ، ثمّ أعرض بوجهه عن القوم ، فنهضوا وبقي عنده عليّ والعباس والفضل وأهل بيته فقال العباس : يا رسول الله إن يكن هذا الأمر مستمرّاً فينا من بعدك (5) فبشّرنا وإن كنت
____________
(1) في البحار والارشاد : مع رحمة .
(2) في البحار والارشاد : فاعتمد عليهما .
(3) في البحار والارشاد : لاجدد .
(4) في البحار والارشاد : ولكنّي أوصيكم بأهل بيتي خيراً .
(5) في البحار والاعلام والارشاد : الامر فينا مستقرّاً من بعدك .

( 359 )

تعلم أنّا نغلب عليه فاوص بنا فقال صلّى الله عليه وآله : أنتم المستضعفون من بعدي وأصمت (1) ونهض القوم وهم يبكون .
فلمّا خرجوا من عنده ، قال : ردّوا عليّ أخي عليّ بن ابي طالب وعمّي ، فلمّا استقرّ بهما المجلس ، قال : يا عمّ تقبل وصيّتي وتنجز وعدي وتقضي ديني ؟ فقال : يا رسول الله عمّك شيخ كبير ذو عيال وأنت تباري الرّيح سخاء ، ثمّ قال لعليّ عليه السلام : يا عليّ تقبل وصيّتي وتنجز عدتي وتقضي ديني ؟ فقال : ادن منّي ، فدنا منه ، فضمّه إليه ونزع خاتمه من يده ، وقال له : خذ هذا فضعه في يدك ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته ، فدفع ذلك إليه ، ونزع خاتمه من يده ، وقال له : خذ هذا فضعه في يدك ودعا بسيفه ودرعه نزل بها جبرئيل ، فجيء بها فدفعها إليه ، وقال : اقبض هذا في حياتي ، ودفع إليه بغلته وسرجها ، وقال : امض على خيرة الله تعالى إلى منزلك .
فلمّا كان من الغد حجب الن‍ّاس عنه وثقل في مرضه ، وكان عليّ عليه السلام لايفارقه إلاّ لضرورة ، فلمّا قرب خروج نفسه صلّى الله عليه وآله قال : ضع رأسي يا عليّ في حجرك ، فقد جاء أمر الله ، فاذا فاضت روحي فتناولها بيدك وأمسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أوّل النّاس ، ولا تفارقني حتّى تواريني في رمسي (2) .
434 ـ وتوفّى صلّى الله عليه وآله لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر (3) من الهجرة ولمّا أراد عليّ عليه السلام غسله استدعى بالفضل بن عباس ، فأمره أن يناوله الماء بعد أن عصب عينيه ، فشقّ قميصه من قبل جيبه حتّى بلغ إلى سرته ، وتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يناوله الماء .
____________
(1) في الاعلام : وصمت .
(2) بحار الانوار ( 22 | 466 ـ 470 ) وأعلام الورى ص ( 133 ـ 136 ) ، والارشاد ص ( 97 ) في عنوان : أخبار النبيّ بموته .
(3) في البحار ( 22 | 514 ) : قبض النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة ، ثمّ قال بيان : هذا هو الموافق لما ذكره أكثر الامامية ، ثمّ نقل عن التهذيب وبفصل ( 14 ) صفحة عن إعلام الورى أنه قبض سنة عشر من الهجرة ، ثمّ قال بعد فصل قليل : بيان : لعلّ قوله « سنة عشر» مبنيّ على اعتبار سنة الهجرة من أول ربيع الاول حيث وقع الهجرة فيه ، والّذين قالوا : سنة احدى عشرة بنوه على المحرم وهو أشهر وفي مرآة العقول ( 5 | 174 ) نصّ على ذلك أيضاً .

( 360 )

فلمّا فرغ تقدّم فصلّى عليه . ثمّ قال النّاس : كيف الصلاة عليه ؟ فقال عليّ عليه السلام : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله إمامنا حيّاً وميّتاً ، فدخل عشرة عشرة فصلّوا عليه ، ثمّ خاضوا في موضع دفنه (1) ، فقال عليّ عليه السلام : إن الله تعالى لم يقبض نبيّه في مكان إلاّ ورضيه لمضجعه ، فرضى النّاس أن يدفن في الحجرة الّتي توفّي فيها ، وحفر أبو طلحة وكان عليٌّ والعباس والفضل وأُسامة يتولّون دفنه ، وأدخل علي من الأنصار أوس بن خولي من بني عوف ابن الخزرج وكان بدرياً ، فقال له علي عليه السلام : انزل القبر ، فنزل ووضع علي عليه السلام رسول الله صلّى الله عليه وآله علي يديه ، ثمّ دلاّه في حفرته ، ثمّ قال له : اخرج فخرج ونزل علي عليه السلام فكشف عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ووضع خدّه على الأرض موجّهاً إلى القبلة على يمينه ، ثمّ وضع عليه اللّبن وهال عليه التّراب وانتهزت الجماعة الفرصة لاشتغال بني هاشم برسول الله صلّى الله عليه وآله وجلوس علي عليه السلام للمصيبة . (2)

فصل ـ 14 ـ
435 ـ وعن ابن بابويه ، حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، حدّثنا ابن أبي عمير ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصّادق عن آبائه عليهم السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّي مخلّف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي . من العترة ؟ فقال : أنا والحسن والحسين والائمة التّسعة من ولد الحسين ، تاسعهم مهديّهم وقائمهم ، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله حوضه (3) .
436 ـ قال : وحدّثنا غير واحد من أصحابنا ، عن محمّد بن همّام ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن أحمد بن الحارث ، عن المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : سمعت جابر بن
____________
(1) في ق 3 : في موضع قبره ودفنه .
(2) بحار الانوار ( 22 | 514 ) و ( 22 | 529 ـ 530 ) عن أعلام الورى ص ( 137 ـ 138 ) .
(3) بحار الانوار ( 23 | 147 ) عن كمال الدين وعيون أخبار الرضا عليه السلام ومعاني الاخبار .

( 361 )

عبد الله ( رض ) يقول : لمّا أنزل الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله : « يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول واُولي الأمر منكم » قلت : يا رسول الله فمن اولوا الامر ؟ الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقال : هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي أوّلهم : عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثم عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر وستدركه ياجابر ، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسي بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذلك الّذي يفتح الله على يديه مشارق الارض ومغاربها ، وذلك الّذي يفتح الله على يديه مشارق الارض ومغاربها ، وذلك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيه اعلي القول بامامته إلاّ من امتحن الله قلبه بالايمان .
قال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ قال : إي والّذي بعثني بالنبّوة أنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس وإن تجلاّها سحاب (1) .
437 ـ قال : وحدّثنا ابو الحسن أحمد بن ثابت الدّواليبي ، حدّثنا محمّد بن الفضل النّحوي ، حدّثنا محمّد بن عليّ بن عبد الصّمد الكوفي ، حدّثنا علّ بن عاصم ، عن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بنعلي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ، عن آبائه عن الحسين عليهم السلام قال : دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وعنده اُبي بن كعب فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله : مرحباً بك يا أبا عبد الله زين السّماوات والأرض قال اُبي : فكيف يكون زين السّماوات والأرض (2) غيرك؟ قال يا اُبيّ : والّذي بعثني بالحق نبيّاً أنّ الحسين بن علي ذكره في السّماء أكثر مم‍ّا في الأرض وأنّه لمكتوب على يمين عرش الله ، فإنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة طيّبة مباركة ، ولقد لقّن دعوات مايدعو بهنّ مخلوق إلاّ حشره الله معه وفرّج عنه كربه فقال له : ما هذه الدّعوات يا رسول الله؟
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد ، فقل : « اللهم
____________
(1) بحار الانوار ( 36 | 249 ـ 250 ) و( 52 | 92 ـ 93 ) وفيهما في آخره : وان جلّلها السّحاب ، ورواه أيضا مرسلاً في ( 23 | 289 ) عن إعلام الورى والمناقب .
(2) في بعض النّسخ : والارضين ، في الموردين .

( 362 )

إنّي أسألك بمكانك ومعاقد عزّك وسكان سماواتك وأنبيائك ورسلك قد رهقني من أمري عسر ، فأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تجعل من عسري يسراً » فإنّ الله تعالى يسهّل أمرك ، ويشرح صدرك ، ويلقّنك شهادة أن لا اله الاّ الله عند خروج نفسك .
قال اُبي : فما هذه النّطفة الّتي في صلب الحسين وما اسمه ؟ قال : اسمه علي ، ودعاؤه : « يا دائم يا ديموم يا حيّ يا قيّوم ، ياكاشف الغم ، يا فارج الهمّ ، وياباعث الرّسل ، ياصادق الوعد » من دعا بهذا الدّعاء حشره الله مع علي بن الحسين عليهما السلام وكان قائده إلى الجنّة .
قال اُبي : وهل له من خلف ووصيّ ؟ قال : نعم ، له ميراث السّماوات والأرض ، قال : ومامعنى ذلك ؟ قال : القضاء بالحقّ ، وتأويل الأحكام ، وبيان ما يكون ، قال : فما اسمه ؟ قال : اسمه محمّد ودعاؤه : « اللهم إن كان لي عندك رضوان ووذ ، فاغفر لي ولمن اتّبعني من إخواني وشيعتي وطيّب مافي صلبي » فركّب الله في صلبه نطفة مباركة زاكية اسمه جعفر ودعاؤه : « يا ديّان غير متوان (1) يا أرحم الرّاحمين ، اجعل لشيعتي وقاءً (2) ولهم عندك رضا ، واغفر ذنوبهم واستر عوراتهم ، وهب لهم الكباير الّتي بينك وبينهم ، يا من لايخاف الضّيم ولاتأخذه سنة ولا نوم اجعل لي من كلّ غمّ فرجاً » .
من دعا بهذا الدّعاء حشره الله أبيض الوجه مع جعفر بن محمّد في الجنّة .
يا اُبي إنّ الله ركّب علي هذه النّطفة نطفة زكيّة سمّاها موسي ، فقال له يا رسول الله : كأنّهم يتناسلون ويتوارثون ويصف بعضهم بعضاً ، قال : وصفهم لي جبرئيل عن ربّ العالمين ، قال : فهل لموسى من دعوة يدعو بها ؟ قال : نعم دعاؤه : « ياخالق الخلق ، ويا باسط الرّزق ، ويا فالق الحبّ ، وبارىء النّسم ، ومحيي الموتى ، ومميت الأحياء ، ودائم الثّبات ، ومخرج النّبات ، وافعل بي ما انت أهله » .
من دعا بهذا الدّعاء قضى الله حوائجه ، وأنّ الله تعالى ركّب في صلبه نطفة مباركة مرضيّة وسمّاها عليّاً ، ودعاؤه : « اللهم أعطني الهدى ، وثبتني عليه ، واحشرني عليه آمناً
____________
(1) غير منّان ـ خ ل .
(2) في البحار : لشيعتي من النّار وقاءً .

( 363 )

أمن من لاخوف عليه ولا حزن ولا جزع ، إنّك أهل التّقوى وأهل المغفرة » . وأنّ الله ركّب في صلبه نطفة مباركة ، وسمّاها محمّد بن علي ، فهو شفيع شيعته إذا ولد يقول : لا إله الاّ الله محمّد رسول الله ودعاؤه : « يا من لا شبيه له ولا مثال أنت الله لا اله إلاّ أنت ولا خالق إلاّ أنت ، تفني المخلوقين وتبقى أنت حلمت عمّن عصاك وفي المغفرة رضاك » .
من دعا بهذا الدّعاء كان محمّد بن علي شفيعه يوم القيامة ، وأنّ الله ركّب في صلبه نطفة لا باغية ولا طاغية بارّة طاهرة ، سمّاها عنده عليّ بن محمد ، فألبسه السّكينة والوقار ، وأودعها العلوم وكلّ سرّ مكنون .
ودعاؤه : « يا نور يا برهان ، يا مبين يا منير ، ياربّ اكفني شرّ الشّرور وآفات الدّهور ، وأسألك النّجاة يوم ينفخ في الصّور » .
من دعا بهذا الدّعاء كان عليّ بن محمّد شفيعه وقائده إلى الجنّة .
وأنّ الله ركّب في صلبه نطفةً ، وسمّاها عنده الحسن ، فجعله نوراً في بلاده .
ودعاؤه : « يا عزيز العزّ في عزّه يا أعزّ (1) عزيز العزّ في عزّه يا عزيز أعزّني بعزّك ، وأيّدني بنصرك ، وابعد عنّي همزات الشّيطان ، وادفع عنّي بدفعك ، وامنع عنّي بصُنعك ، واجعلني من خيار خلقك ، ياواحد يا أحد يا صمد » . من دعا بهذا الدّعاء نجّاه الله من النّار ولو وجبت عليه .
وأنّ الله ركّب في صلبه نطفة مباركة زكية يرضى بها كلّ مؤمن يحكم بالعدل ويأمر به ، يخرج من تهامة حين تظهر الدّلائل والعلامات ، وله بالط‌‍ّالقان (2) كنوز لا ذهب ولا فضة إلاّ خيول مطهمة ورجال مسوّمة ، يجمع الله له من أقصى البلاد على عدد أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم وكلامهم وكناهم كدّادون مجدّون في طاعته .
فقال له اُبيّ : وما علاماته ودلائله يارسول الله ؟ قال : له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، فناداه العلم اخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله ، فهما رايتان
____________
(1) كذا في ق 1 وق 2 وق 5 ، وفي ق 3 والبحار واليعون : ما أعزّ . ولكن هذه الجملة في البحار ( 36 | 270 ) وكمال الدّين ( 1 | 267 ) غير موجودة .
(2) في ق 2 : بالطّائف .

( 364 )

وعلامتان ، وله سيف مغمد ، فاذا حان وقت خروجه قال : يا وليّ الله ، لا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله ، يخرج جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وشعيب بن صالح على مقدمته ، سوق تذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله ولو بعد حين . يا اُبي طوبى لمن لقيه ، وطوبى لمن أحبّه ، وطوبى لمن قال به ، وبه ينجّيهم الله من الهلكة وبالاقرار به وبرسول الله وبجميع الأئمة يفتح لهم الجنّة ، مثلهم في الارض كمثل المسك الّذي يسطع ريحاً ولا يتغير أبداً ، ومثلهم في السّماء كمثل القمر المنير الّذي لا يطفأ نوره أبداً .
قال اُبي : يا رسول الله كيف حال بيان هذه الأئمة عن الله ؟ قال : إنّ الله تعالى أنزل عليّ اثنتي عشرة صحيفة واثني عشر خاتماً ، اسم كلّ إمام علي خاتمه وصفته في صحيفته (1) .
____________
(1) بحار الانوار ( 36 | 204 ـ 209 ) عن إكمال الدّين وعيون أخبار الرّضا عليه السلام وفيه : أحمد بن ثابت الدّواليبي عن محمّد بن الفضل النّحوي عن محمّد بن علي بن عبى الصّمد الكوفي . . . وفي كمال الدين ( طبع قم 1405 ) الجزء ( 1 | 264 ) برقم ( 11 ) : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن ثابت الدّوليبي بمدينة السلام قال : حدثنا محمّد بن الفضل النّحوي . . . ونفس الرّواية وردت في العيون الجزء ( 1 | 59 ) برقم ( 29 ) من الباب ( 6 ) : حدّثنا أبو الحسن علي بن ثابت الدّواليني رضي الله عنه بمدينة السّلام سنة اثنين وخمسن وثلاثمائة قال : حدّثنا محمّد بن علي بن عبى الصّمد الكوفي والسّند بذا العنوان فيه إشكالان :
1 ـ انّه معارض مع الذّكور في كمال الدين في موضعين الأوّل ـ في الباب ( 7 ) منه ص ( 156 ) والثّاني ـ هذا المورد نفسه الّذي أخذ منه العلاّمة المجلسي وتطابيق معه نسخ البحار المطبوعة القديمة مع أنّ علماء التّراجم لم يذكروا في مشايخ الصّدوق عن كتبه علي بن ثابت إلاّ بعضهم عن هذا المورد من العيون فقط . وهو وإن نقل عن أكثر النسخ الخطّيّة ونسخة مطبوعة إلاّ أنّ نسخته المطبوعة القديمة وبعض النّسخ المطبوعة القديمة وبعض النسّخ الخطّيّة منه ( على ما ذكره في ذيل هذا المورد من اليعون ) توافق المذكور في البحار عنه مرّتين : الاولى ما تقدّم والثّانية في الجزء ( 94 | 184 ـ 187 ) هكذا ـ ن : أحمد بن ثابت الدّواليبي عن محمّد بن علي بن عبد الصّمد . . .
والنّسخ الخطّيّة من القصص أيضاً تطابق نقل البحار وإن كانت في خصوصيّات اخرى مخالفة معه منها ـ خصوصيّة الكنية فانّ فيها جمعاء : أبو الحسين وفي البحار : أبو الحسن . ومنها ـ حذف : محمّد بن الفضل النّحوي ، عن السّند قبل : محمّد بن علي بن عبد الصّمد ، في المورد الثّاني من البحار . ومنها ـ أمر جزئي من قبيل تبديل الدّواليببي بالدّواني أو الدّواليني .
وعلى ذلك كلّه فالصحيح : أحمد بن ثابت ، لاتّفاق النّسخ عليه لا : عليّ بن ثابت لانفراد نسخة من العيون به بعضاً وابتلاء نسخة بالمعارضة الدّاخليّة طُرّاً .

=