كانت فاطمة عليها السلام أعبد نساء زمانها ، وقد ضربت المثل الأعلى بعبادتها
وإيمانها وطاعتها وانقطاعها إلى الله سبحانه .
عن الإمام الباقر عليه السلام ـ في حديث ـ قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ ابنتي
فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى مشاشها ، ففرغت لطاعة
الله » (2) .
وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام : « كيف وجدت أهلك؟ » فقال عليه السلام : « نعم
العون على طاعة الله » (3) .
وعن الطبرسي ، قال : سُمّيت فاطمة عليها السلام بالبتول لانقطاعها إلى عبادة
الله (4) .
ومن مظاهر عبادتها عليها السلام طول قيامها في الصلاة وكثرة خشوعها ، فقد
روي عن الحسن البصري أنه قال : ما كان في هذه الاُمّة أعبد من فاطمة ،
كانت تقوم حتى تتورّم قدماها (5) .
وقال الديلمي وابن فهد : روي أنّ فاطمة عليها السلام كانت تنهج في صلاتها من
خيفة الله تعالى (1) .
ومن المظاهر البارزة في عبادتها عليها السلام كثرة الصلوات والأدعية والأذكار
التي خصّها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت تواظب على أدائها في محرابها رغم
أنها كانت تباشر شؤون المنزل وتربية الأولاد بنفسها .
فعن الإمام الصادق عليه السلام : أنّ أُمّه الزهراء عليها السلام كانت تصلي للاَمر المخوف
العظيم ركعتين ، تقرأ في الاُولى الحمد و( قُل هو الله أحد ) خمسين مرة ،
وفي الثانية مثل ذلك ، فإذا سلّمت ، صلّت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ ترفع يديها
بالدعاء : « اللهمَّ إنّي أتوجّه بهم إليك ، وأتوسّل إليك بحقّهم العظيم الذي
لايعلم كنهه سواك ، وبحقّ من حقّه عندك عظيم ، وبأسمائك الحسنى ،
وكلماتك التامات التي أمرتني أن أدعوك بها . . . » إلى آخر الدعاء (2) .
وعنه عليه السلام : أنّها كانت إذا أصبحت يوم الجمعة تغتسل وتصفّ قدميها
وتصلي أربع ركعات مثنىً مثنىً ، تقرأ في أول ركعة فاتحة الكتاب و ( قل
هو الله أحد ) خمسين مرة ، وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين
مرة ، وفي الثالثة فاتحة الكتاب و( إذا زلزلت) خمسين مرة ، وفي الرابعة
فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله خمسين مرة ، فإذا فرغت منها قالت :
« إلهي وسيدي ، من تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة مخلوق رجاء رفده
وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه . . . ، فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبيتي
وإعدادي واستعدادي ، رجاء رفدك ومعروفك ، ونائلك وجوائزك ، فلا
تخيبني من ذلك ،
وعنه عليه السلام : أنّها كانت تصلّي صلاة الأوابين ، وهي أربع ركعات ، تقرأ في
كلِّ ركعة خمسين مرة ( قل هو الله أحد ) (2) .
وروي عنه عليه السلام أنّه قال : « كانت لاُمّي فاطمة عليها السلام ركعتان تصليهما . . . تقرأ
في الاُولى الحمد مرة ، و ( إنّا أنزلناه في ليلة القدر ) مائة مرة ، وفي الثانية
الحمد مرة ، ومائة مرة ( قل هو الله أحد) ، فإذا سلّمت سبّحت تسبيح
الزهراء عليها السلام ، ثمّ تقول : سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف ، سبحان ذي
الجلال الباذخ العظيم ، سبحان ذي الملك الفاخر القديم ، سبحان من لبس
البهجة والجمال ، سبحان من تردّى بالنور والوقار ... » إلى آخر التسبيح (3) .
أمّا الأدعية التي خصّها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو تلك المروية عنها فهي
كثيرة وذات أغراض مختلفة كالتعقيبات عقيب الصلوات والتسبيحات
والأحراز ، ودعائها عند رؤية هلال شهر رمضان ، وعندما تأوي إلى النوم ،
وأدعيتها في أيام الاسبوع ، وغيرها مما تضيق بذكرها أوراق هذا البحث ،
لذا نكتفي بالاشارة إلى مظانّها (4) .
=
وعلّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذكاراً تقولها عند النوم وفي دبر كل صلاة ، وهي
معروفة بتسبيح فاطمة عليها السلام ، وكان السبب في تشريعها على ما أخرجه
الشيخ الصدوق وغيره عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لرجلٍ من بني سعد :
« ألاأُحدّثك عنّي وعن فاطمة عليها السلام ، أنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى
أثّرت في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت
حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من
ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما
أنت فيه من هذا العمل ، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فوجدت عنده حدّاثاً ، فاستحيت
فانصرفت ، فعلم صلى الله عليه وآله وسلم أنها عليها السلام قد جاءت لحاجة فغدا علينا ... فقال : يا فاطمة ،
ما كانت حاجتك أمسِ عند محمد؟ ... فقلت : أنا والله أُخبرك يا رسول الله ،
إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها ، وجرّت بالرحى حتى مجلت
يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى
دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت
فيه من هذا العمل .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : أفلا أُعلّمكما ماهو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما
فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاث وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً
وثلاثين تحميدة ، فقالت فاطمة عليها السلام : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت
عن الله وعن رسوله » (1) .
=
وجاء في رواية اُخرى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : « فو الله
ماتركتهنّ منذ علّمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » فقال له ابن الكوّاء : ولا ليلة
صفّين؟ قال عليه السلام : « نعم ، ولا ليلة صفّين » (1) .
وجاء في بعض الروايات أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بعمل تلك التسبيحات عند
الرقاد وبعد كلّ صلاة (2) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « فذلك خير لك من الذي أردت ، ومن
الدنيا وما فيها » (3) .
وفي خبر آخر : « فذلك مائة على اللسان ، وألف في الميزان » (4) .
أما كيفية تسبيح فاطمة عليها السلام فإنّ المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعليه
عمل الإمامية ، هو أربع وثلاثون تكبيرة ، ثمّ ثلاث وثلاثون تحميدة ، ثمّ
وقد استفاضت الأخبار في فضله والحثّ عليه ، قال الإمام الباقر عليه السلام :
« ماعُبد الله بشيءٍ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام ولو كان شيء
أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام » (2) .
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يومٍ دبر كلّ صلاة
أحبّ إليَّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم » (3) .
وعن أبي هارون المكفوف ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « يا أبا
هارون ، إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة ، فالزمه فإنّه
لم يلزمه عبد فشقي » (4) .
الزهراء عليها السلام العالمة المعلمة ، تلقّت العلم منذ طفولتها عن أبيها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما كانت تأتيه لبعض شؤونها إلاّ وأتحفها بشيء من العلم أو
الدعاء أو الصلوات والأذكار .
روى الشيخ الكليني بالإسناد عن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« جاءت فاطمة عليها السلام تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض أمرها ، فأعطاها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم كُريسة ، وقال : تعلّمي ما فيها ، فإذا فيها : من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يؤذي جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن
ومما يدلُّ على كمال فهمها وفطنتها ، أنّها كانت تجيب عن بعض
المشكلات التي يعجز عن حلّها علماء الصحابة في زمانها .
فقد روي عن علي عليه السلام : « أنّه كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أيّ شيء
خير للمرأة؟ فسكتوا ، فلما رجع ، قال لفاطمة ، أي شيء خير للنساء؟
قالت : لايراهن الرجال . فذكر ذلك للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إنّما فاطمة بضعة
مني » .
قال المنّاوي : رواه البزار ، وفيه دليل على فرط ذكائها ، وكمال فطنتها ،
وقوة فهمها ، وعجيب إدراكها (2) .
وروى الراوندي في النوادر مسنداً عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « سأل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه عن المرأة ماهي؟ قالوا : عورة . قال : فمتى تكون
أدنى من ربها؟ فلم يدروا ، فلمّا سمعت فاطمة عليها السلام ذلك قالت : أدنى ما
تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم السلام إنّ فاطمة بضعة مني » (3) .
وكان بيت الزهراء عليها السلام بمثابة المدرسة الاُولى لتعليم النساء في الإسلام
حيث كن يقصدنها عليها السلام لينهلن من معارفها ، ويقتبسن من أنوارها ،
ويستلهمن من روحانيتها ومكارمها ، وقد أشرنا إلى دورها العلمي في
تعليم النساء معالم الدين والعبادة وما يشكل عليهن في أواخر الفصل
المتقدم .
وممّا يدلّ على أنّها عليها السلام كانت محوراً يستقطب حوله نساء المدينة ، أنّها
وللزهراء عليها السلام دور في حفظ السُنّة النبوية ، على الرغم من تقدم وفاتها ،
حيث ودّعت الدنيا وهي في عمر الورد ، فقد روى عنها جمع من
الصحابة ، منهم أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسين عليه السلام ، وعبدالله بن
مسعود ، وعبدالله ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وعائشة ، وأُمّ سلمة ،
وأسماء بنت عميس ، وزينب بنت أبي رافع وغيرهم .
وأخرج الطبراني والحافظ ابن كثير أحاديثهم مسندة عن الزهراء عليها السلام
فبلغت تسعة عشر حديثاً (2) ، وأخرج أبو جعفر الطبري الإمامي في أول
الدلائل ثمانية عشر حديثاً مسنداً عنها غير الأحاديث المتقدمة (3) .
وجمع الحافظ جلال الدين السيوطي حديث الزهراء عليها السلام المروي عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في (مسند فاطمة الزهراء عليها السلام ) فكان فيه 282 حديثاً في
مجمل أحوالها وتاريخها وما روي عنها ، وقد جمعه من كتب العامّة
المعتبرة (4) .
وجمع الشيخ عزيز الله العطاردي في (مسند فاطمة الزهراء) 112 حديثاً
وفي آخر عوالم الزهراء عليها السلام للشيخ عبدالله البحراني ، جمع محققو
الكتاب مسند الزهراء عليها السلام من كتب الفريقين في أواخر الجزء الثاني منه ،
تحت عنوان (الأحاديث الغراء من مسند فاطمة الزهراء عليها السلام ) فبلغ 219
حديثاً في عناوين مختلفة (2) .
وممّا تقدّم يتبين أن ما قاله السيوطي في (الثغور الباسمة) : جميع
ماروته فاطمة عليها السلام من الحديث لا يبلغ عشرة أحاديث لتقدم وفاتها (3) ،
لايجانب الصواب ، بل ويناقضه ما أخرجه السيوطي نفسه في (مسند
فاطمة الزهراء عليها السلام ) من حديثها الذي بلغ أضعاف هذا العدد .
وقال سبط ابن الجوزي : قالوا : وقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانية
عشر حديثاً ، وقيل : ثمانين حديثاً ، وإنّها يسيرة بالنسبة إليها (4) ، ولا ريب
في ذلك فهي سيدة العترة النبوية الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاُمّة بالتمسك
بهم بعد كتاب الله في حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين .
ومن العلم الذي خصّت به فاطمة عليها السلام ما كان مودعاً في مصحفها عليها السلام
وتداوله الأئمة الاثني عشر من أبنائها عليهم السلام بعدها ، وقد وصفوه صلوات الله
وكان عندها لوح أو صحيفة فيها أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بروايتها
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد رآها جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه ، وهذا اللوح
هو بشارة لها عليها السلام من السماء ، وقد روي بطرق عديدة ومعتبرة (2) .
ولقد أُوتيت الزهراء عليها السلام كسائر أهل البيت عليهم السلام حظاً عظيماً من الفصاحة
والبلاغة ، قال توفيق أبو علم : كلامها متناسب الفقر ، متشاكل الأطراف ،
تملك القلوب بمعانيه ، وتجذب النفوس بمحكم أدائه ومبانيه ، فهي في
البيان من أغزر القوم مادة ، وأطولهم باعاً ، وأمضاهم سليقة ، وأسرعهم
خاطراً (3) .
وقد رويت لها خطبتان تعدّان من أهم خطب الصدر الأول ، لاَنّها
ضمّنتهما أخطر التحولات التي شهدها تاريخ الإسلام بعد رحيل
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وفضلاً عن ذلك فقد نسبت للزهراء عليها السلام بعض القصائد الشعرية البليغة ،
ممّا يدل على تمكّنها من ناصية اللغة ومعرفتها لهذا الفن .
قال ابن رشيق القيرواني : وكانت فاطمة عليها السلام تقول الشعر ، ورويت لها
وقد جمع الشعر المنسوب إليها في ديوان ، فبلغ (18) بين مقطوعة
وقصيدة ، وأغلبه في رثاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
لقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقها ، وشرّع القوانين لحمايتها ورعاية
مصالحها ، ومنحها الحرية ضمن تعاليمه السامية في طلب العلم والحصول على
الملكية والارث والعمل ، ولكن بشرط أن لا تكون على نمط الحرية
الإباحية التي تعرض فيها المرأة نفسها بالمجان ، وتكون سبباً في إفساد
بنية الاُسرة وانحراف المجتمع ، كما هو الحال في المجتمعات الغربية .
ولقد ضربت الزهراء عليها السلام أروع الأمثلة في ما يجب أن تكون عليه المرأة
المسلمة من حصانة وعفّة مع أدائها لدورها في داخل المنزل وخارجه
على أتمّ وجه ، فهي النموذج الأمثل الذي قدّمه الإسلام للمرأة ، فمن
الحقّ أن يقتدى بها في كل ما أُثر عنها من مبادئ العفّة والحجاب ، فقد
روي عنها عليها السلام أنّها قالت : « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل » (3) .
فمن حيث خمار رأسها فقد وصف أنّه يصل إلى نصف عضدها ، كما
جاء بالاسناد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ،
وما كان خمارها إلاّ هكذا » وأومأ بيده إلى وسط عضده (4) .
ومن عجائب أمرها عليها السلام أنّها كانت تتحرج من رؤية الرجل الأعمى ،
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استأذن عليها
أعمى فحجبته ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لِمَ حجبتيه وهو لا يراك ، فقالت :
يارسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه ، وهو يشمّ الريح . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
أشهد أنك بضعة مني » (1) .
وروى الشيخ الكليني بالاسناد عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبدالله
الأنصاري قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد فاطمة عليها السلام وأنا معه ، فلمّا انتهيت
إلى الباب وضع يده عليه ، ثم قال : « السلام عليكم » . فقالت فاطمة عليها السلام :
« عليك السلام يا رسول الله » قال : « أدخل؟ » قالت : « ادخل يا رسول الله » .
قال : « أدخل أنا ومن معي؟ » فقالت : « يارسول الله ليس عليَّ قناع » . فقال :
« يافاطمة ، خذي فضل ملحفتك ، فقنّعي به رأسك » ففعلت ، ثم قال :
« السلام عليكم » . فقالت فاطمة : « وعليك السلام يا رسول الله » ، قال :
« أدخل » قالت : « نعم يا رسول الله » قال : « أنا ومن معي؟ » قالت : « أنت
ومن معك » الحديث (2) .
وروى أبو نعيم بالاسناد عن جابر بن سمرة ، قال : جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فجلس فقال : « إنّ فاطمة وجعة » فقال القوم : لو عدناها . فقام فمشى حتى
انتهى إلى الباب ، والباب عليها مصفق ، قال : فنادى : « شدّي عليك
ثيابك ، فإنّ القوم جاءوا يعودونك » فقالت : « يا نبي الله ، ما عليَّ إلاّ عباءة »
قال : فأخذ رداءً فرمى به إليها من وراء الباب ، فقال : « شدّي بهذا رأسك »
فدخل ودخل
والتزام الزهراء عليها السلام بالحجاب الإسلامي لم يمنعها من أداء دورها
الرسالي في الدفاع عن عقائد الإسلام وسُنّة أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
واسترجاع حقّها السليب ، فقد وصفها الرواة حينما جاءت إلى مسجد
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقولهم : لمّا بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدك ،
لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لُمّة من
حفدتها ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، . . . فدخلت عليه وهو في حشدٍ من
المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها مُلاءة . . . (2) .
ومن مظاهر العفة والحشمة التي سجلتها الزهراء عليها السلام سُنّة تُقتدى إلى
اليوم ، هي أنّها عندما اشتكت شكوتها التي قبضت فيها ، قالت لاَسماء
بنت عميس : « ألا تجعلي لي شيئاً يسترني ، فإنّي استقبح ما يصنع بالنساء ،
يطرح على المرأة الثوب فيصفها » ، فقالت أسماء : إني رأيت شيئاً يصنع
بالحبشة ، فصنعت لها هيئة النعش ، فقالت عليها السلام : « اصنعي لي مثله ، استريني
سترك الله من النار » .
فكان نعشها أول نعش أُحدث في الإسلام ، واتخذ بعد ذلك سُنّة (3) .
وسجّلت الزهراء عليها السلام دوراً بارزاً في الانفاق في سبيل الله وعتق الرقاب
ولقد عرضنا في أواخر الفصل المتقدم بعض النماذج الناطقة بتحلّيها
بهذا الخلق النبوي الكريم ، من ذلك تصدّقها بقوتها ثلاثة أيام على
المسكين واليتيم والأسير في جملة زوجها علي وولديها الحسن
والحسين عليهم السلام ، فأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يتلى وهو سورة الدهر ،
وتصدّقت بسواريها وقرطيها وقلادتها في سبيل الله (1) .
ونضيف هنا ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (2) قال : نزلت في علي وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام (3) .
وعن أبي هريرة : أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه الجوع ، فبعث إلى
بيوت أزواجه ، فقلن : ما عندنا إلاّ الماء ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من لهذه الليلة؟ »
فقال علي عليه السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمة عليها السلام فأعلمها ، فقالت : « ما
عندنا إلاّ قوت الصبية ، ولكنّا نؤثر به ضيفنا » . فقال علي عليه السلام : « نوّمي
الصبية ، وأنا أُطفىء للضيف السراج » ففعلت وعشّى الضيف ، فلما أصبح نزل
الله عليهم هذه الآية : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (4) .
ومن نماذج الإيثار والسخاء الاُخرى ما ذكره الصفوري عن ابن الجوزي
أنّها عليها السلام أهدت قميصها في ليلة زفافها إلى سائل بالباب (5) .
وجاء في ( بحار الأنوار ) أنها عليها السلام أهدت عقدها وجلد كبش مدبوغ
بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين عليهما السلام إلى شيخ مسكين من مهاجرة
العرب (1) .
وليس ذلك ببعيد عن آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين طبعوا على السخاء
والكرم اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد روي عن فاطمة عليها السلام أنها قالت : « قال
لي أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إياك والبخل فإنّه عاهة لا تكون في كريم ، إياك
والبخل فإنّه شجرة في النار ، وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصنٍ من
أغصانها أدخله النار ، والسخاء شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن
تعلّق بغصنٍ من أغصانها أدخله الجنة » (2) .
ونختم هذا الفصل ببيان بعض الصور من معاناة الزهراء عليها السلام وصبرها
على الشدائد بقوة الايمان وعزيمة الاخلاص احتساباً لاَجر الآخرة .
لقد تعرّضت الزهراء عليها السلام إلى مزيد من الصعاب والأزمات في جميع
مراحل حياتها؛ ذلك لاَنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون فاطمة عليها السلام رمزاً
لفضيلة المرأة وقدوةً لكمالها الإنساني في مجتمع يسوم المرأة أنواع الظلم
والكبت والقهر ، فالقدوة التي خلقها الله تعالى للآخرة لا للدنيا ، لابد أن
تكون محطة للمصائب والمحن والمعاناة ، وإلاّ فكيف تعلّم غيرها درس
المقاومة والصبر وتجاوز المصاعب والعقبات؟ ومن هنا نجد أنّ الأنبياء
والأوصياء والأئمة المعصومين ، كانوا أشدّ الناس محنةً وبلاءً ، لا امتحاناً
وابتلاءً كما يفهمه البعض ، فإنّهم خارج دائرة التجربة والاختبار؛ لاَنّ الله
ولقد أخبرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنّها أكثر نساء المسلمين معاناة ورزية حيث
روي عن عائشة : أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : « إنّ جبرئيل أخبرني أنّه
ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك ، فلا تكوني أدنى امرأة
منهن صبراً » (1) .
اً .
وعانت الزهراء عليها السلام منذ صباها حيث فقدت أُمّها ، وما تلا ذلك من
الأحداث القاسية والمصاعب الجمّة التي أشرنا إلى بعضها في الفصل
الأول ، وكان من أفدح المصائب التي منيت بها حبيبة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هي
فقدها لاَبيها ، فهي البنت الوحيدة التي بقيت بعده ، وتحملت مرارة فراقه
مع صنوف الاضطهاد والبلوى ، فواجهت ذلك بعزم لا يلين صابرة
محتسبة ، ثم كانت أول أهله لحوقاً به .
أمّا على صعيد حياتها الشخصية ، فقد عانت فاطمة عليها السلام صنوف
المشاق والأذى وقلّة ذات اليد وجشوبة العيش ، على الرغم من أنّها كانت
على مرأى ومسمع من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وكان بامكانه أن يجعل لها بيتاً مرموقاً
وحياة مرفّهة وعيشاً رغيداً ، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم أبى إلاّ أن يكون القائد الرسالي
الذي يفضّل سدّ حاجات أهل الصفّة وفقراء المسلمين على أن يعطي
ابنته الوحيدة جارية تخدمها أو شيئاً من الحطام الزائل ، وذلك لكي تكون
مثالاً كاملاً لشخصه العظيم في الزهد عن الدنيا وتحمل المشاق ورفض
الملاذ ، وتكون المرأة النموذج في الإسلام ، تعاني ما يعانين من ألم التنور
ومشقة الطحن بالرحى وقمّ البيت وتربية الأولاد وغيرها ، فضلاً عن قيامها
بمسؤولياتها العبادية وأدائها لدورها الرسالي في داخل البيت وخارجه
باعتبارها سيدة نساء
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ فاطمة كانت حاملاً ، فكانت إذا خبزت أصاب
حرف التنور بطنها ، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسأله خادماً فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لا أعطيك
وأدع أهل الصفّة تطوى بطونهم من الجوع . وعلّمها التسبيحات » (1) .
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحتسب لها في ذلك مزيداً من الفضل والزلفى في الآخرة ،
فهو القائل صلى الله عليه وآله وسلم : « ما لآل محمد وللدنيا فإنّهم خلقوا للآخرة ، وخلقت الدنيا
لغيرهم » (2) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ هؤلاء أهل بيتي ولا أُحبُّ أن يأكلوا طيباتهم
في حياتهم الدنيا » (3) .
ولذلك روي أنّها عليها السلام لما مضت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرت حالها ،
وسألت الجارية ، بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : « يا فاطمة ، والذي بعثني
بالحق ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام ولا ثياب ، ولولا خشيتي
خصلة لاَعطيتك ما سألت .
يا فاطمة ، إنّي لا أُريد أن ينفكّ عنك أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف
أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي الله إذا طلب حقّه
منك » ثم علّمها التسبيح . فقال علي عليه السلام : « مضيت تريدين من رسول الله
الدنيا ، فأعطانا الله ثواب الآخرة » (4) .
وكلّما ازدادت معاناة الزهراء عليها السلام فإنّها تحمد الله على نعمائه وتقيم
الشكر على آلائه ، عن جابر الأنصاري رضي الله عنه أنّه قال : رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة
وعندما تكون الزهراء عليها السلام في موقع الخيار بين الدنيا والآخرة ، فإنّها
لاتتوانى في اختيار ما عند الله سبحانه على حطام الدنيا الفانية على
الرغم من الخصاصة وشدة الحاجة ، وضيق العيش .
عن سويد بن غفلة ، قال : أصابت عليّاً عليه السلام خصاصة ، فقال
لفاطمة عليها السلام : « لو أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألتيه؟ فأتته . . . فقالت : يا رسول الله ،
هذه الملائكة طعامها التهليل والتسبيح والتحميد ، فما طعامنا؟ » قال صلى الله عليه وآله وسلم :
« والذي بعثني بالحقّ ، ما اقتبس في بيت آل محمد نار منذ ثلاثين يوماً ،
ولقد أتتنا أعنز ، فإن شئت أمرنا لك بخمسة أعنز ، وإن شئت علمتك خمس
كلمات علمنيهن جبرئيل » فقالت : « بل علمني الخمس كلمات التي
علمكهنّ جبرئيل » . قال : « قولي : يا أول الأولين ، ويا آخر الآخرين ، ويا ذا
القوة المتين ، ويا راحم المساكين ، ويا أرحم الراحمين » فانصرفت
فدخلت على عليّ عليه السلام فقال : « ماوراءك؟ » فقالت : « ذهبت من عندك
للدنيا ، وأتيتك بالآخرة » فقال : « خير أيامك » (2) .
قال الحرّ العاملي رحمه الله في منظومته :
ولقوة صبر الزهراء عليها السلام المستمدّ من قوة إيمانها وتعلّقها العجيب بالله
عزّوجلّ ، لم يشكّل بيتها الطاهر بأثاثه البسيط جداً جزءاً من المعاناة
النفسية التي تترك آثارها السيئة في نفوس النساء عادة ، بل كانت تفيض
حبّاً وحناناً وبشاشةً تغمر فيها عليّاً والسبطين عليهم السلام بما يجعل من فراشهم
وهو جلد كبش أرقّ من الحرير ، وأما المعاناة الجسدية فهي معاناة طبيعية
كانت تبثها الزهراء عليها السلام إلى أبيها العظيم صلى الله عليه وآله وسلم فيحيلها إلى الصبر زاداً ووقاءً .
عن أنس ، قال : جاءت فاطمة عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : « يا رسول الله ،
إنّي وابن عمي مالنا فراش إلاّ جلد كبش ننام عليه ، ونعلف عليه ناضحنا
بالنهار » . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « يا بنية اصبري ، فإنّ موسى بن عمران أقام مع امرأته
عشر سنين مالها فراش إلاّ عباءة قطوانية » (2) .
وعن علي عليه السلام ـ في حديث ـ قال : « وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولاً
خرجت منها جنوبنا ، وإذا لبسناها عرضاً خرجت رؤوسنا وأقدامنا » (3) .
وفي حديث آخر عنه عليه السلام : « أنّهما كانا يتغطيان في قطيفة ، إذا غطيا
رؤوسهما انكشفت أقدامهما ، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رؤوسهما » (4) .
وجاء في كتاب (زهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) لابن بابويه أنّ سلمان رضي الله عنه بكى حينما
وصبرت الزهراء عليها السلام على الجوع الذي نال منها حتى غارت عيناها
وغلبت الصفرة على وجهها ، ولصق بطنها بظهرها ، فحظيت بعناية الله
سبحانه حيث كثّر الطعام في بيتها ، وأنزل عليها رزقاً من السماء كما قدّمنا ،
وحظيت بعناية أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث دعا لها بإذهاب الجوع عنها .
عن عمران بن حصين ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالساً إذ أقبلت
فاطمة عليها السلام فوقفت بين يديه ، فنظر إليها وقد غلبت الصفرة على وجهها ،
وذهب الدم من شدة الجوع ، فقال : « ادني يا فاطمة » فدنت ، ثم قال :
« ادني يا فاطمة » فدنت حتى وقفت بين يديه ، فوضع يده على صدرها
في موضع القلادة ، وفرّج بين أصابعه ، ثم قال : « اللهمّ مشبع الجاعة ورافع
الوضعة ، لاتجع فاطمة بنت محمد » فغلب الدم على وجهها ، وذهبت تلك
الصفرة (2) .
وجاء في (تذكرة الخواص) لسبط ابن الجوزي أنّه حينما تصدّقت عليها السلام
على المسكين واليتيم والأسير ، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي قائمة في
محرابها ، ولقد لصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها من شدة الجوع . فقال
وعن عمران بن حصين ، قال : إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاد فاطمة عليها السلام وهي مريضة ،
فقال : « كيف تجدينك يا بنية ؟ » قالت : « إنّي لوجعة ، وإنّه ليزيدني وجعاً ، أنه
ليس لي طعام آكله »فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « يا بنية ، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟ » (2) .
ولم تجزع الزهراء عليها السلام يوماً قطّ مما تعانيه من أُمور الدنيا ، ولم تتذمّر
يوماً قط بوجه أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ولم تكلّفه فوق طاقته حياءً من الله
سبحانه ، بل كانت تؤثره على نفسها وعلى ابنيها ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام
يبادلها المثل ، وربما أرسلها ـ رأفةً بحالها ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستطعمه .
عن أبي سعيد ، قال : أصبح علي عليه السلام ذات يوم فقال : « يا فاطمة ، هل
عندك شيء تغدّينيه؟ » قالت : « لا والذي أكرم أبي بالنبوة ما عندي شيء
أغدّيكم ، ولا كان لنا بعدك شيء منذ يومين نطعمه ، إلاّ شيء أُوثرك به على
بطني وعلى ابني هذين » .
قال : « يا فاطمة ، ألا أعلمتني حتى أبغيك شيئاً! » قالت : « إنّي استحي
من الله أن أُكلفك ما لا تقدر عليه » فخرج من عندها واثقاً بالله وحسن الظنّ
به واستقرض ديناراً ... الحديث (3) ، وفيه تكثير الطعام لأهل البيت عليهم السلام في
بيت الزهراء عليها السلام بفضل من الله تعالى ورحمته .
وعن محمد بن كعب القرظي ، عن أمير المؤمنين عليه السلام ـ في خطبةٍ له
بأهل العراق ـ قال : « قد رأيتني مكثت ثلاثة أيام من الدهر ما أجد شيئاً
آكله حتى خشيت أن يقتلني الجوع ، فأرسلت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تستطعمه لي . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا بنية ، والله ما في البيت طعام يأكله ذو كبد إلاّ
ماترين ـ لشيء قليل بين يديه ـ ولكن ارجعي فسيرزقكم الله ، فلمّا جاءتني
فأخبرتني انفلتّ وذهبت حتى آتي بني قريظة ، فإذا يهودي على شقّة بئر ،
فقال : يا عربي هل لك أن تستقي لي نخلي كلّ دلو بتمرة ، فجعلت أنزع ،
فكلّما نزعت دلواً أعطاني تمرةً ، حتى إذا امتلأَت يدي من التمر قعدت
فأكلت وشربت من الماء ، ثم قلت : يالك بطناً ، لقد لقيت اليوم ضراً! ثمّ
نزعت مثله لابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ انفلتّ راجعاً . . . » (1) الحديث .
وعن أسماء بنت عميس ، عن فاطمة عليها السلام : « أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاها
يوماً فقال : أين ابناي ـ يعني حسناً وحسيناً ـ . قالت : أصبحنا وليس في
بيتنا شيء يذوقه ذائق ، فقال علي عليه السلام : أذهب بهما ، فإني أتخوف أن يبكيا
عليك ، وليس عندك شيء » (2) .