44
وجاء في أُسد الغابة عن الحسن : أن عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش فردوه ، وخطب إليهم المغيرة بن شعبه فزوّجوه (1).
    فكل الذين ردّوا عمر علّلوا ذلك بأنّه خشن العيش ، يدخل عابساً ويخرج عابساً ، وينظر إلى النساء نظرة جاهلية ، ويتعامل معهن كأنّهن عبيد ، وإليك ما يؤكد صحة مقولة القوم القرشيين الذين خطب منهم عمر فردوه ، حيث :
    أخرج ابن ماجه القزويني عن الاَشعث بن قيس أنّه قال : ضفت عمر ليلةً ، فلمّا كان في جوف الليل قام إلى امراته يضربها ، فحجزت بينهما ، فلما أوى إلى فراشه قال لي : يا أشعث ، احفظ عنّي شيئاً سمعته من رسول الله : لا يُسأل الرجل فيم يضرب امرأته ، ولا تنم إلاّ وتراً ، ونسيت الثالثه (2).
( 1 ) أُسد الغابة في معرفة الصحابة 4 : 64.
( 2 ) سنن ابن ماجه 1 : 639 ح 1976 ، مسند أحمد 1 : 20. كنز العمال 16 : 483 ح 45566 و498 ح 45628.



45
وقد مرّ عليك قبل قليل ما قالته أمّ أبان بنت عتبه بن ربيعة حينما خطبها عمر بن الخطّاب بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان ، فقالت : لا يدخل إلاّ عابساً ولا يخرج إلاّ عابساً ، يغلق بابه ويقلّ خيره (1).
    وما قالته أم كلثوم بنت أبي بكر حينما خطبها عمر « فقالت أم كلثوم : لا حاجة لي فيه.
    فقالت لها عائشة : ترغبين عن أمير المؤمنين.
    قالت : نعم ، إنّه خشن العيش شديد على النساء... » (2) وروى علي بن يزيد : أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبدالله بن أبي بكر ، فمات عنها واشترط عليها أن لا تتزوّج بعده ، فتبتلت وجعلت لا تتزوج ، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى.
    فقال عمر لوليها : اذكرني لها ، فذكره لها ، فأبت على عمر أيضاً.
    فقال عمر : زوّجنيها ، فزوجه إياها.
    فأتاها عمر ، فدخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلمّا فرغ قال : أفُ ، أُف ، أفُ ، أففّ بها ، ثمّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها ، فأرسلت إليه مولاة لها أن تعال فإنّي سأتهيأ لك (3).
( 1 ) عيون الاخبار 4 : 17 ، تاريخ الطبري 5 : 17 ، الكامل لابن الاثير 3 : 55.
( 2 ) تاريخ الطبري 3 : 720. الكامل في التاريخ 2 : 45 البداية والنهاية 7 : 175.
( 3 ) الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 256 وعنه في كنز العمال 13 : 633 ح 37604.



46
هذا وقد حمل محبو الخليفة الخبر الاَخير على أنّه أراد بيان حكم شرعي ، وهو عدم جواز التبتل في النكاح أو عدم جواز أخذ المال على أن لا تتزوج ، في حين نعلم أنّ عاتكة كانت ثيّباً ، والمرأة الثيّب هي مالكة لاَمرها ، ولا ولاية لاَحدٍ عليها ، وعلى فرض ثبوت الولاية عليها ، يجب أن يُجمع رضاها إلى رضا وليّها ، لكن النص السابق يشير وبوضوح إلى أن عاتكة لم ترض بهذا النكاح ، وأنّ عمر أكرهها على ذلك وتجاوز عليها بدون أذنها لاَنّه « دخل عليها فعاركها حتّى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلما فرغ قال : أُف ، أُف ، أُف... ».
    على أنّ الخبر يدل على أنّ عمر بن الخطّاب كان طامعاً فيها ، راغباً بها ، لا أنّه فعل ذلك كي يوضح حكماً شرعياً وهو حرمة التبتل ، لاَنه كان قد طلبها قبل ذلك من وليها فقال « اذكرني لها ، فذكره لها ، فأبت على عمر أيضاً » وهو يشير إلى ما قلناه ، ويوضّح بأنّ وراء نكاح عاتكة شيئاً آخر غير ما يبرره علماء مدرسة الخلفاء.
    فعمر بن الخطّاب لو كان يريد الوقوف أمام التبتل أو تشريع شيء جديد للزمه أن يحقق ذلك بشكل آخر غير المغالبة ونكاحها بنفسه ثمّ قوله : أُف ، أُف ، أُف.
    وأريد هنا ان أنبه إلى بعض المفارقات في نصوص التزويج عن


47
عمر وعلي ، وهي بنظري تسيء إلى عمر بن الخطاب أكثر من أن تخدمه ، لاَنّ النصوص تؤكّد على أنّ الاِمام عليّاً شارك الآخرين بالرأي فاستشار الاِمامين الحسن والحسين (1) وعقيلاً (2) وعمّه العباس (3) ثل في تزويجه أم كلثوم ، في حين نرى عمر يكتفي في نكاح عاتكة بإذن أبيها ولا ينظر إلى رضاها ولا إلى إذن إخوانها وأخواتها.
    إنّ عمر لو كان حقاً يريد الزواج مباركاً من عاتكة لكان عليه أن يرسل إليها بعض النساء من أهل بيته بعد العقد برضاها ليأتوا بها إلى عش الزوجية بإعزاز وإكرام لا أن يغالبها ويعاركها ، إذ أنّ هذا الفعل لا يصدر إلاّ من رعاع الناس فكيف بخليفة المسلمين !
    نحن وإن كنا لا نقبل بتلك الروايات القائلة بأنّ الاِمام أمير المؤمنين زوّج عمر بعد أن استشار الاِمام الحسن والحسين وعقيلا والعباس لكنا نؤكد أنّ هذه النصوص مختلقة على لسان هذا أو ذاك وهي تسيء بالدرجة الكبرى للخليفة وأتباعه.
    وعليه فالنصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ النساء لم يكنّ يرغبن في التزويج بعمر بن الخطاب ، فلو جمعت تلك النصوص إلى نص
( 1 ) ذخائر العقبى : 169 و 170 ، سيرة ابن إسحاق : 248 ، الذرية الطاهرة : 159 ، حياة الصحابة 2 : 527 ، كنز العمال 16 : 532 ، مجمع الزوائد 4 : 272 ، السنن الكبرى 7 : 64.
( 2 ) المعجم الكبير 3 : 44 و 45 ، مجمع 4 : 271 ، 272 ، ذخائر العقبى : 170 الذرية الطاهرة : 160.
( 3 ) ذخائر العقبى : 170 ، الذرية الطاهرة : 160



48
الطبري في تزويج أم كلثوم بنت أبي بكر ، لعرفت أن الجميع كانوا يهابون عمر بن الخطّاب ويخافون بطشه ، وحتّى عائشة بنت أبي بكر ـ زوجة الرسول ـ فانها كانت تخافه وتهابه ، ولما امتنعت أختها أم كلثوم من الزواج من عمر استولى عليها الخوف فارسلت إلى عمرو بن العاص ـ أو إلى المغيرة بن شعبة ـ تستعين بهما لحل المشكلة.
    ولو تدبّرت وتعمقت في كلام عمرو بن العاص لعرفت أنّه هو الآخر كان يهاب عمر ويخاف بطشه ، إذ لينه في الخطاب وأُسلوبه في الاستعطاف ليشير إلى أن عمرو بن العاص أراد أن يستعطف الخليفة من خلال أخيه أبي بكر فقال له :
    « ... ولكنها حدثه ، نشأت في كنف ام المؤمنين في لين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك ، وما نقدر أن نردك عن خلق من إخلاقك ، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوتبها كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك ».
    انظر إلى كلام عمرو بن العاص ومخططه الجديد ، وهو الداهية ، كيف أراد بتلك الكلمات الخفيفة أن يخلق شيئاً من الرقة المشوبة بالحس السياسي ليزجّها زجّاً في قساوة عمر بن الخطاب ، وأن يستبدل أمّ كلثوم بنت أبي بكر بأمّ كلثوم بنت عليّ ، لاَنّه لو حقّق ذلك لما خاف على بنت عليّ بن أبي طالب كما كان يخاف على بنت أبي بكر ، بل لو سطا عمر على أم كلثوم بنت عليّ لآذى علياً وكان في ذلك سرور أمثال : عمرو بن العاص و...
   

49
ولا أدري كيف بعمرو بن العاص ، وعمر بن الخطّاب يخافان أن يخلفا أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليهما ، ولا يخافان رسول الله في بنته وبنت بنته ؟
    وعلى أي شيء يمكن حمل هذه السريرة ؟
    وهل إنّ ذكر هذه النصوص والمواقف في كتب القوم تعدُّ ميزة لاَصحاب رسول الله ؟
    بل كيف بأمِّ كلثوم بنت علي لو خالفت عمر بن الخطاب ، وقد وقفت على عدم إِطاقة أمثال عمرو بن العاص أن يردوا عمر عن خلق من أخلاقه ؟ !
    نعم إن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة قد استغلا علاقة عمر بن الخطّاب السياسية بأبي بكر ، ونفذا من هذه النافذة إلى فكره وعقله ، كي يبعدا عمر عن هذا الزواج خوفاً من سطوته على أم كلثوم بنت أبي بكر ؟
    فقال له المغيرة : إلاّ أنّك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك ، وهذه صبية ، حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، فتصيح ، فيغمك ذلك وتتالم له عائشة ، ويذكرون أبا بكر ، فيبكون عليه ، فتجدّد لهم المصيبة في كل يوم.
    وقد مر عليك كلام عمرو بن العاص : ولكنها حدثة ، نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة...
    ولما عاتب عمر بن الخطّاب عمراً بقوله :
    « فكيف بعائشة وقد كلمتها.
   

50
قال [ عمرو بن العاص ] : أنا لك بها ، وأدلك على خير منها أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب... ».
    فكلام عمرو بن العاص : « أدلك على خير منها » لم ياتِ اعتقاداً منه بكون أم كلثوم بنت عليّ هي خير من أم كلثوم بنت أبي بكر ، وإن كان ذلك من المسلّمات عند المسلمين لانها اقرب قرابة والصق رحماً برسول الله صلى الله عليه وآله ، بل في كلامه إشارة إلى أن أم كلثوم بنت عليّ هي خير من بنت أبي بكر لتعهّد الخدمة في بيت عمر بن الخطّاب ، لاَنّه لو ضربها أو سطا بها لكان في ذلك سرور لمخالفي عليّ بن أبي طالب واعدائه أمثال : معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، و...
    فعمرو بن العاص حينما اقترح على عمر بن الخطّاب بأن يأخذ أمّ كلثوم بنت عليّ كان يعلم بأنّها أرق وأوجب حقّاً من أم كلثوم بنت أبي بكر ، وهي لا يمكنها أن تتحمل ما لا يتحمله داهية مثل عمرو بن العاص لقوله :
    « ... وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها... ».
    وبعد كل هذا فقد اتضح لك بأنّ هذا الاقتراح من عمرو بن العاص لم يأت عن حسن نية بل جاء عن سوء نية ؟
    نعم ، إنّ ابن العاص أطرّ حقده الدفين ضد عليّ وبنيه بإطار الناصح الامين إذ قال : « أنا لك بها وأدلك على خير منها » ، لكن هذا الاَمر لا ينطلي على المتدبر الحكيم ، بل إن الباحث المحقق ـ بل كل


51
مطالع في النصوص ـ يعرف بأنّ عمرو بن العاص كان الموجّه والمنظر لعمر بن الخطاب للدخول إلى بيت وحرم عليّ بن أبي طالب ، أي أنّه رسم لعمر المنهج وأعطى له المبرر كي يصل إلى هذا الزواج ، وبذلك خدم سيده ونال من عدوه في آن واحد.
    ونحن حينما قلنا قبل قليل بأنّ الجميع كانوا يهابون عمر بن الخطّاب ويخافون بطشه لا نعني بذلك عدم إمكان أن ينجو أحد من قراره.
    فقد نجت أم أبان بنت عتبة.
    وأم كلثوم بنت أبي بكر.
    وأم سلمة المخزومية (1).
    والقوم من قريش الذين خطب منهم عمر بن الخطاب فردوه.
    لكنّ هذا الاَمر لا يمكن تصوّره واحتماله في مخالف سياسي لعمر بن الخطاب كعليّ بن أبي طالب ، وخصوصاً لمّا علمنا بأن أصول هذا المخطط رسمه عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة وأمثالهما ممن يبغون من وراء مثل تلك المناورات هدفاً بل أهدافاً سياسية.
    نعم إن أم كلثوم بنت أبي بكر نجت ـ إن صحت نجاتها ـ من الزواج من عمر بمسعى عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة ، مع
( 1 ) حيث أقدم عليها بعد وفاة زوجها عقيب غزوة أحد فردته ، انظر مسند أحمد 6 : 313 ، والسنن الكبرى للنسائي 3 : 286 ، وتاريخ بغداد 11 : 355.


52
وقوفنا على خوف عائشة من عقبى مخالفة اختها لهذا الزواج؛ لقولها لاَمّ كلثوم « ترغبين عن أمير المؤمنين ! ! ».
    هذا ومن الطبيعي أن لا تكون منزلة عليّ بن أبي طالب وفاطمة الزهراء عند عمر بن الخطّاب كمنزلة أبي بكر بن أبي قحافة وعائشة بنته ؟ ! وهذا هو الذي جعل الداهيتين ! ! يدعوان عمر بن الخطاب على الاِقدام على الزواج من بنت عليّ وأن يترك بنت أبي بكر.
    ولو تدبرت في نصوص زواج عمر من أم كلثوم لرأيتها ذات مرامي سياسية أكثر من كونها ذات أبعاد اعتقادية أو عاطفية ؟
    وأن عمر بن الخطاب لم يكن يبغي من زواجه من أم كلثوم النسب والقرابة والصهر من رسول الله بقدر ما كان يهدف في ذلك إلى اُمور أخرى.
    فلو كان عمر يريد القرابة حقاً وكان يعتبر نفسه الوحيد « على ظهر الاَرض يرصد من حسن صحابتها ما لا يرصده أحد » فهل يأتي حسن صحبته لها بالكشف عن ساقها ، أو ضمها إلى صدره ، أو تقبيلها ، أو...
    وهل أنّ أم كلثوم بنت عليّ كانت من الاِماء والوصائف اللواتي يُبتغى منهن غلظ السوق وصحة الاَبدان ليكُنّ أبلغ في المتعة وأقدر على الخدمة ؟ !
    أم أنها كانت كريمة بني هاشم وبنت رسول الله وعليّ الكرار وفاطمة البتول ، وهي الحرة الاَبية التي ادعى عمر أنّه يريد أن يتقرب بزواجه منها إلى الله ورسوله ! !


53
وهل حقاً أن عمر رصد بفعلته هذه ما لا يرصده أحد من الرجال ؟ !
    وما يعني كلامه آنف الذكر إذاً لو قسناه مع ما فعله معها حسب النصوص المارة ؟ ! وعلى أي شيء يدل ؟
    ولو أحب عمر أن يحفظ رسول الله في ولده ، وأراد التزويج ببنت فاطمة وعليّ ، فهل يجوز له اختيار الزواج بهذه الصورة المشينة ؟
    بل هل يصح تزيين عليّ بنته وإرسالها إلى رجل اجنبي طامع فيها.
    وعلى فرض أنّ عليّاً كان موافقاً على هذا الزواج؛ فإن التزيين يأت مع لحاظ كونها مؤهلة للزواج وإن ذلك من شأن النساء لا الرجال ، ولذلك كلّف رسول الله صلى الله عليه وآله النساء بتجهيز فاطمة الزهراء والاِصلاح من شأنها لعلي عليه السلام.
    وإذا كان عليٌّ غير راغب لا يرغب في تزويج ابنته لعمر ـ وفق النصوص ـ فهل يصح أن يزين ابنته ويرسلها إليه ؟ !
    وبنظرنا انّ عمر بن الخطّاب لو كان يريد القرابة ونيل شفاعة الرسول في الآخرة حقاً ، لما اقدم على زواجه من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم ، بهذا الشكل المزري ؟
    لقد روى المسور بن مخرمة أنّ رسول الله قال : فاطمة شجنة مني يبسطنى ما بسطها يقبضني ما قبضها وأنه ينقطع يوم القيامة الاَنساب


54
والاَسباب إلا سببى ونسبى (1).
    ألا يكون في فعل عمر هذا ـ مع أم كلثوم ، ومواقفه الاَخرى من فاطمة ـ ما يقبض ويغضب الله ورسوله وفاطمة ؟ ؟
    وقد يكون في كلام الرسول الاَعظم ـ الذي سيأتي بعد قليل ـ تعريضا ـ إن لم يكن تصريحاً ـ به وبأمثاله الذين اساءوا إلى القربى والعترة وخانوا رسول الله :
    فعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله يقول : ما بال رجال يقولون إنّ رحم رسول الله لا تنفع قومه ، بلى والله إنّها موصولة في الدنيا والآخرة ، وإنّي يا أيّها الناس فرطكم على الحوض ، فإذا جئتم قال رجل : يا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال آخر : أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ولكنّكم أحدثتم بعدي وأرتددتم القهقرى( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ) (2).
( 1 ) مسند أحمد 4 : 332 ، مستدرك على الصحيحين 3 : 158 فيه زيادة : وصهري ، جامع الصغير 2 : 208 ح 5834 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 64 ، فضل آل البيت للمقريزي : 64.
( 2 ) مجمع الزوائد 10 : 364 ، مستدرك الحاكم 4 : 75 ، مسند أحمد 3 : 18مسند أبى يعلى 24 433 وغيرها.
وفي المعجم الاوسط 5 : 203 ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع ، ليس كما زعموا ، أني لاشفع واشفع حتّى من اشفع له ليشفع فيشفع حتّى إن ابليس ليتطاول في الشفاعة والتوصية.



55
بل إلى أي مدى يمكن تصحيح ما قاله علماء مدرسة الاجتهاد والرأي وأنصار الخلفاء لتبرير فعلة عمر بن الخطاب ! ! من أنّه لم يقصد من تقبيله لها وضمّها إلى صدره أو كشفه عن ساقها الريبة والجنس و.. لاَنّها لم تكن في سن من يطمع فيها ، ولم تبلغ بعد ، والخليفة أجل وأكرم من هذا الفعل القبيح (1).
    فلو صح ذلك ، فماذا نقول عما أدركته السيّده أم كلثوم من فعل وقصد عمر ، حين تعامله معها وهي المعنية بالاَمر ؟
    وهل أن فهم اعلام أهل السنة والجماعة ـ وبعد ألف عام ـ هو الاَقرب إلى الصواب أم فهم السيّده أم كلثوم وهي المعنية بالاَمر ، والعارفة بلحن وقصد عمر بن الخطّاب في الخِطاب ؟ !
    وعلى أي شيء يدل قولها لابيها « أرسلتني إلى شيخ سوء ».
    أو قولها لعمر نفسه : « لو لم تكن أمير المؤمنين للطمت عينك ».
    ألا تدل هذه الفقرات على أنّ الصبية البريئة( أم كلثوم ) قد فهمت مطامع غريزية في نفس عمر بن الخطّاب حاول تبريرها وإلا
( 1 ) قال ابن حجر 2 : 457 : وتقبيله وضمه لها على جهة الاِكرام؛ لانها لصغرها لم تبلغ حداً يشتهى حتى يحرم ذلك ، ولولا صغرها لما بعث بها أبوها. ( انظر ملحقات احقاق الحق 18 : 551 والصوارم المهرقه : 220 ).


56
غماض عنها والتعتيم عليها بعُيض الناس لاحقاً ؟
    وهل تساءلت أخي القارىَ عن سن هذه الطفلة في ذلك التاريخ ؟ وهل كانت مما يطمع فيها أم لا ؟
    فلو قبلنا بولادتها في آخر عهد رسول الله ، يكون عمرها حينما أرسلها الاِمام عليّ ـ حسب نص الطبري وغيره ـ في حدود السابعة من العمر ؟
    أما لو قلنا بولادتها في السنة السادسة من الهجرة ، فيكون عمرها حين الزواج احدى عشرة سنة وهي مما يطمع فيها ويصح الزواج منها (1).
    وبنظرنا ان كلا الفرضين يسيئان إلى الخليفة عمر بأضعاف ما يسيئان إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
    فلو قلنا ببلوغها وأن الاِمام عليّاً أرسلها بعد البلوغ ، فذلك مخالف للشرع الاَقدس ، فضلاً عن أنّ غيرة الانسان العربي تأبى أن يزين رجل ابنته ويرسلها إلى من يطمع فيها ، ثم يستمع بعد ذلك إلى نقل البنت وهي تحكي عن الرجل وأنه كشف عن ساقها وقبلها وضمها إلى صدره. فالف ضربة على جسدٍ مسلم غيور كعلي بن أبي طالب أهون من القول بهذا الكلام المزري.
    هذا أولاً.
    وثانياً : ان تأكيد الاِمام علي عليه السلام على صغر سنها واستهجان الناس
( 1 ) سير اعلام النبلاء 3 : 500.