( مفاخرته مع هشام بن عبد الملك )

عن أخطب خوارزم في مقتله ص 37 أنه روى عن معمر ابن خيثم قال لي زيد بن علي كنت أباري هشام بن عبد الملك وأكايده في الكلام فدخلت عليه يوما فذكر بني أمية فقال والله هم أشد قريش أركانا وأشيد قريش مكانا وأشد قريش سلطانا وأكثر قريش أعوانا كانوا رؤوس قريش في جاهليتها وملوكهم في إسلامها فقلت له على من تفخر اعلى بني هاشم أول من أطعم الطعام وضرب الهام وخضعت له قريش بارغام أم على بني المطلب سيد مضر جميعا وإن قلت معد كلها صدقت إذا ركب مشوا وإذا انتعل احتفوا وإذا تكلم سكتوا وكان يطعم الوحوش في رؤوس الجبال والطير والسباع والانس في السهل حافر زمزم وساقي الحجيج أم على بنيه أشرف رجال أم على سيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم حمله الله على البراق وجعل الجنة بيمينه والنار بشماله فمن تبعه دخل الجنة ومن تأخر عنه دخل النار أم على أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام أخي رسول الله وابن عمه المفرج الكرب عنه وأول من قال لا إله إلا الله بعد رسول الله لم يبارزه فارس قط الا قتله وقال فيه رسول الله (ص) ما لم يقله في أحد من أصحابه ولا لأحد من أهل بيته قال فأحمر وجهه.


( 41 )

( تهالكه في حب الاصلاح بين الامة )

في المقاتل بسنده عن البابكي واسمه عبدالله بن مسلم بن بابك خرجنا مع زيد بن علي الى مكة فلما كان نصف الليل واستوت الثريا قال يا بابكي أما ترى هذه الثريا أترى أحدا ينالها قلت لا قال والله لوددت أن يدي ملصقة بها أقع الى الأرض أو حيث اقع فاتقطع قطعة قطعة وإن الله أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا حرص زيد على الاصلاح بين أمة جده التي خذلته وأسلمته الى بني أمية أعداء الله وأعداء جده رسول الله (ص) الذين لم يكتفوا يقتله حتى صلبوه أربع سنين على أشنع صورة ثم أحرقوه عداوة لدين الاسلام الذي دخلوا فيه كارهين مرغمين ولم يوجد في هذه الأمة من يغير بيد ولا لسان نعم وجد فيها حتى اليوم من يدافع عنهم ويلتمس لهم الأعذار.

( هل كان زيد يفتي الناس )

سأل المتوكل بن هرون يحيى بن زيد فيما رواه الخزاز في كفاية الأثر هل كان أبوك يفتي الناس في معالم دينهم قال ما أذكر ذلك عنه.

( فساد بعض النسب إليه )

من السخافة بمكان ما في فوات الوفيات عن ابن أبي الدم أن


( 42 )

زيدا وأصحابه كانوا معتزلة وأنه أخذ الاعتزال عن واصل بن عطاء وان أخاه الباقر كان يعيب عليه قراءته على واصل مع كونه يجوز الخطأ على جده علي بن أبي طالب في حرب الجمل والنهروان ولأن واصلا كان يتكلم من هذا الهذيان فانه لم يرد شيء من هذا عن أئمة أهل البيت في حق زيد بل ورد عنهم مدحته والثناء عليه ولو كان لشيء من ذلك أثر لحكاه عنهم أصحابهم وأتباعهم ولما خفي ذلك عنهم وظهر لابن أبي الدم وإنما تكلم فيه من تكلم من حيث إحتمال دعواه الامامة والأكثر بل الجميع على أنه لم يدعها فلو كان فيه مغمز غير ذلكلما سكتوا عنه لكن واضع هذا الكلام عن لسانه له . غرض غير خفي على المتأمل.

( ما نسب إليه فيمن لقبوا الرافضة )

ذكر كثير ممن تكلم على هذا اللقب من أخصام الشيعة وتلقفه الآخر عن الأول ان زيدا سئل لما كان يحارب جيش هشام عن الشيخين فقال هما صاحبا جدي وضجيعاه في قبره فرفضه جماعة فسموا الرافضة وذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب أنه يجوز أن يكون قال ذلك استصلاحا لعسكره ومن الذي يشك أن لهما هاتين الصفتين وأن المروى أنه لما أصابه السهم طلب السائل فأراه السهم وقال هما أوقفاني هذا الموقف .


( 43 )

( ما نسب إليه في أمر فدك )

روى ابن عساكر عن زيد أنه قال لو كنت مكان أبي بكر لحكمت بمثل ما حكم به في فدك والناظر بإنصاف في قصة فدك يعلم أن هذا الحديث موضوع على زيد ويدل على ذلك ما في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 94 المرتضى أخبرنا أبو عبدالله المرزباني حدثني علي بنهرون أخبرني عبيدالله بن أحمد بن أبي طاهر عن أبيه قال ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب كلام فاطمة عند منع أبي بكر إياها فدكا وقلت له أن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع وانه من كلام أبي العيناء لان الكلام منسوق البلاغة فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أولادهم وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية وقد رواه مشايخ الشيعة وتدارسوه قبل أن يوجد جد أبي العيناء وقد حدث الحسين بن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبدالله بن الحسن بن الحسن يذكر عن أبيه هذا الكلام ثم قال أبو الحسين زيد وكيف ينكرون هذا من كلام فاطمة وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة ويحفظونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت.


( 44 )

( حديث سد الابواب )

في تاريخ دمشق لابن عساكر بسنده عن شعبة سمعت سيد الهاشميين زيد بن علي بالمدينة في الروضة يقول حدثني أخي محمد أنه سمع جابر بن عبدالله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول سدوا الابواب كلها إلا باب علي وأومأ بيده الى باب علي.
قال مهذب تاريخ ابن عساكر : هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات ورواه بمعناه الامام أحمد في مسنده عن سعد ابن مالك وعن ابن عمر ورواه النسائي في مناقب علي عن الحارث ابن مالك وعن زيد بن أرقم ورواه أبو نعيم عن أبن عباس ورواهأبو نعيم عن ابن عباس ورواه الحافظ ابن حجر في كتابه القول المسدد في الرد على ابن الجوزي في جعله هذا الحديث موضوعا وأطال الكلام ثم قال هذا الحديث مشهور وله طرق متعددة كل طريق منها على انفراده لا يقصر عن رتبة الحسن ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث قال وذكر الحافظ السيوطي أسانيده في كتابه اللآليء المصنوعة وأطال في دفع الوضع عنه فظهر أن زعم الوضع فيه كبوة من ابن الجوزي .

( حديث المعراج )

في تاريخ دمشق لابن عساكر عن زيد بن علي عن أبيه عن


( 45 )

جده عن علي صلى بنا رسول الله (ص) صلاة الفجر ذات يوم بغلس ثم التفت الينا فقال أفيكم من رأى الليلة شيئا فقلنا لا يا رسول الله قال ولكني رأيت ملكين أتياني الليلة فأخذا بضبعي فانطلقا بي الى السماء الدنيا وذكر حديثا طويلا فيه عقاب من ينام عن صلاة العشاء والنمام وآكل الربا والزناة ومن يعملون عمل قوم لوط ثم قال فمضيت فإذا أنا بروضة فيها شيخ جليل لا أجمل منه وخوله الولدان وإذا أنا بمنازل لا أحسن منها من زمردة جوفاء وزبرجدة خضراء وياقوتة حمراء فقالا تلك منازل أهل عليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهذه منازلك وأهل بيتك الحديث بطوله

( ما قاله في البترية )

مر في البترية ما رواه الكشي في ترجمة سلمة بن كهيل بسنده عن سدير دخلت على أبي جعفر عليه السلام ومعي سلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد وسالم بن أبي حفصة وكثير النوا وجماعة معهم وعند أبي جعفر أخوه زيد بن علي فقالوا لابي جعفر نتولى عليا وحسنا وحسينا ونتبرأ من أعدائهم ونتولى غيرهم ونتبرأ من أعدائهم فالتفت اليهم زيد بن علي وقال لهم أتتبرأون من فاطمة بترتم أمرنا بتركم الله فيومئذ سموا البترية.


( 46 )

( دلالته على قبر أمير المؤمنين عليه السلام )

عن فرحة الغري عن أبي حمزة الثمالي في حديث قال لما كانت ليلة النصف من شعبان أتيت الى زيد بن علي وسلمت عليه وكان قد انتقل من دار معوية بن اسحق الى دور بارق وبني هلال فلما جلست عنده قال يا أبا حمزة تقوم حتى نذور قبر أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام فقلت نعم جعلت فداك ( الى أن قال أبو حمزة ) فأتينا الذكوات البيض فقال هذا قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبعد أن زرناه رجعنا وكان قبره عليه السلام قد أخفي خوفا من بني أمية ولم يكن يعرفه الا ولده وخواص شيعتهم الى أن أظهر أيام الرشيد.

( خروجه والسبب فيه ومقتله )

في مروج الذهب ج 2 ص 181 في أيام هشام بن عبد الملك استشهد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سنة 121 وقيل 122 وقد كان زيد بن علي شاور أخاه أباجعفر محمد بن علي ابن الحسين بن علي فاشار عليه بأن لا يركن الى أهل الكوفة إذ كانوا أهل غدر ومكر وقال له بها قتل جدك علي وبها طعن عمك الحسن وبها قتل أبوك الحسين وفيها وفي أعمالها شتمنا أهل البيت وأخبره بما كان عنده من العلم في مدة ملك بني مروان وما يتعقبهم


( 47 )

من الدولة العباسية فأبى الا ما عزم عليه من المطالبة بالحق فقال له أني أخاف عليك يا أخي أن تكون غدا المصلوب بكناسة الكوفة وودعه أبو جعفر وأعلمه أنهما لا يلتقيان وكان هذا مما أخذه الباقر عن آبائه (ع) عن جدهم الرسول (ص) . وقال أبو بكر الخوارزمي في رسالته الى شيعة نيسابور لما قصدهم واليها : واتصل البلاء مدة ملك المروانية الى الأيام العباسية حتى إذا أراد الله أن يختم مدتهم بأكبر آثامهم ويجعل عظيم ذنوبهم في آخر أيامهم بعث على بقية الحق المهمل والدين المعطل زيد بن علي فخذله منافقوا أهل العراق وقتله أحزاب أهل الشام فلما انتهكوا ذلك الحريم وافترفوا ذلك الاثم العظيم غضب الله عليهم وانتزع الملك منهم :

( سبب خروجه )

اختلفت الروايات والاقوال في سبب خروجه على وجوه ( احدها ) ما عامله به هشام من الجفاء المفرط.
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق وفد على هشام بن عبد الملك فرأى منه جفوة فكان ذلك سبب خروجه وقال المفيد في الارشاد كان سبب خروج ابن الحسين زيد بن علي رضي الله عنه بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين عليه السلام أنه دخل على هشام بن عبدالملك وقد جمع هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في


( 48 )

المجلس حتى لا يتمكن من الوصول الى قربه فقال له زيد أنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوى الله ولا من عباد الله أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا أوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فأتقه فقال له هشام أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة فقال له زيد إني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام فالنبوة اعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله (ص) وهو ابن علي بن أبي طالب فوثب هشام عن مجلسه ( وزيد في عمدة الطالب ووثب الشاميون ) ودعا قهرمانه فقال لا يبيتن هذا في عسكري ( الليلة ) فخرج زيد وهو يقول أنه لم يكره قط أحد حد السيوف الا ذلوا فلما وصل الى الكوفة اجتمع اليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم نقضوا بيعته واسلموه فقتل وصلب بينهم اربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يغير بيد ولا بلسان.
وفي المناقب لما رأى هشام معرفته وقوة حجته وشاهد منه مالم يكن في حسبانه داخله الخوف منه أن يفتتن به أهل الشام وقال لقهرمانه لا يبيتن هذا في عسكري الليلة . وفي كتاب مختار البيان والنبيين للجاحظ عند تعداد الخطباء : ومنهم زيد بن علي بن الحسين قال وكان قد وشي به الى هشام فسأله عن ذلك فقال أحلف لك قال هشام وإذا حلفت أفأصدقك قال اتق الله قال أو مثلك يا زيد يأمر


( 49 )

مثلي بتقوى الله قال لا أحد فوق أن يوصى بتقوى لله ولا أحد دون أن يوصي بتقوى الله قال هشام بلغني أنك تريد الخلافة وأنت تصلح لها لأنك ابن أمة قال قد كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة واسحق ابن حرة فأخرج لله من صلب اسماعيل النبي الكريم فعندها قال له هشام قم قال إذا لا تراني إلا حيث تكره الى أن قال ومن أخبار زيد بعد ذلك أنه لما رأى الارض قد طبقت جورا ورأى قلة الأعوان وتخاذل الناس كانت الشهادة أحب المنيات اليه.
وفي عمدة الطالب أنه لما قال ما كره قوم حد السيوف الا ذلوا حملت كلمته الى هشام فعرف أنه يخرج عليه ثم قال هشام ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا ولعمري ما انقرض من مثل هذا خلفهم.
وفي المناقب عن عيون الاخبار وفي الرياض أن هشاما قال له ما فعل أو ما يصنع أخوك البقرة فغضب زيد حتى كاد يخرج من أهابه ثم قال سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الباقر وتسميه أنت البقرة لشد ما اختلفتما ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار.
وفي الرياض فقال هشام خذوا بيد هذا الأحمق المائق فأخرجوه فأخرج زيد واشخص الى المدينة ومعه نفر يسير حتى طردوه عن حدود الشام فلما فارقوه عدل العراق.
وفي تاريخ دمشق قال عبد الاعلى الشامي لما قدم زيد الشام كان حسن الخلق حلو اللسان فبلغ ذلك هشاما فاشتد عليه فشكا ذلك


( 50 )

الى مولى له فقال ائذن للناس اذنا عاما واحجب زيدا وائذن له في آخر الناس فدخل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فلم يرد عليه فقال السلام عليك يا أحول فانك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم فقاله له هشام أنت الطامع في الخلافة وأمك أمة فقال ان لكلامك جوابا فان شئت أجبت قال وما جوابك فقال لو كان في أم الولد تقصير لما بعث الله اسماعيل نبيا وأمه هاجر فالخلافة أعظم أم النبوة فأفحم هشام فلما خرج قال لجلسائه أنتم القائلون أن رجالات بني هاشم هلكت والله ما هلك قوم هذا منهم فردوه وقال يا زيد ما كانت أمك تصنع بالزوج ولها ابن مثلك قال أرادت آخر مثلي قال ارفع الي حوائجك فقال أما وأنت النائر في أمور المسلمين فلا حاجة لي ثم قام فخرج فأتبعه رسولا وقال اسمع ما يقول فتبعه فسمعه يقول من أحب الحياة ذل ثم أنشأ يقول :

مهلا بني عمنا عن نحـت اثلتنــا * سيروا رويــدا كمـا كنتم تسيرونا
لا تطمعوا أن تهينونا ونكـرمـكـم * وان نـكـف الاذى عنكـم وتؤذونا
الله يـعـلـم أنــا لا نحبـكــم * ولا نلومـكــم أن لا تحبـونــا
كل امرىء مولع في بغض صاحبه * فنحمـد الله نقلـوكــم وتقلونــا

ثم حلف أن لا يلقى هشاما ولا يسأله صفراء ولا بيضاء الحديث .
وفي مروج الذهب قد كان زيد دخل على هشام بالرصافة فلم ير موضعا يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه وقال يا أمير المؤمنين ليس أحد يكبر عن تقوى الله ولا يصغر دون تقوى الله فقال هشام


( 51 )

اسكت لا أم لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة قال يا أمير المؤمنين ان لك جوابا إذا أحببت أجبتك به وان أحببت أمسكت عنه فقال بل أجب فقال إن الامهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمة لا أم اسحق صلى الله عليهما وسلم فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبيا وجعله للعرب أبا فاخرج من صلبه خير البشر محمد (ص) فنقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي وقام وهو يقول ( منخرق النعلين يشكو الوجى ) الابيات الأربعة الآتية فمضى عنها الى الكوفة وخرج فيها ومعه القراء والأشراف فحاربه يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم لشد قتال وهو يقول متمثلا :

أذل الـحيـاة وعز المـمـات * وكلا أراه طـعامـا وبـيـلا
فان كان لا بــد مـن واحـد * فسيري الى الموت سيرا جميلا

وروى ابن عساكر ان زيدا دخل على هشام فقال له يا زيد بلغني ان نفسك لتسمو بك الى الامامة والامامة لا تصلح لاولاد الاماء فاجابه بما مر فقال هشام يا زيد ان الله لا يجمع النبوة والملك لاحد فقال زيد قال الله تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ).
وقال ابن عساكر قال عبدالله بن جعفر قال لي سالم مولى هشام دخل زيد على هشام فرفع دينا كثيرا وحوائج فلم يقض له هشام


( 52 )

حاجة وتجهمه واسمعه كلاما شديدا فخرج من عنده وهو يأخذ شاربه ويفتله ويقول ما أحب الحياة أحد الا ذل ثم مضى فكان وجهه الى الكوفة فخرج بها ثم قتل وصلب فأخبرت هشاما بعد ذلك بما قاله زيد لما خرج من عنده فقال ثكلتك أمك الا كنت أخبرتني بذلك قبل اليوم وما كان يرضيه إنما كانت خمسمائة ألف فكان ذلك أهون علينا مما صار إليه . وهذا من الاعذار التي هي أقبح من الذنب. ورواه الطبري في ذيل المذيل بسنده عن عبدالله بن جعفر مثله.
وقال ابن الاثير وغيره ان زيدا تنازع مع ابن عمه جعفر ابن حسن بن حسن بن علي في صدقان ( وقوف ) علي بن أبي طالب زيد من طرف أولاد الحسين بن علي وجعفر من طرف أولاد الحسن ابن علي فكانا يتبالغان كل غاية ويقومان فلا يعيدان مما كان بينهما حرفا فلما توفي جعفر قام مقامه عبدالله المحض بن الحسن المثنى فتخاصم مع زيد يوما في مجلس خالد بن عبدالملك بن الحارث بن الحكم والي المديينة فاسمع عبدالله زبدا كلاما فيه غلظة وخشونة وعرض بان أمه أم ولد وقال له يا ابن السندية فتبسم زيد وقال لا عيب في كون أمي امة فان أم اسماعيل أيضا أمة وقد صبرت أمي بعد وفاة سيدها ولم تتزوج كما فعل غيرها يعرض بام عبدالله المحض فاطمة بنت الحسين ابن علي عمة زيد فإنها بعد وفات الحسن بن الحسن تزوجت وندم زيد على هذا الكلام وبقي مدة لا يدخل دار فاطمة حياء منها فارسلت اليه يا ابن أخي إني لا علم أن قدر أمك ومنزلتها عندك مثل منزلة أم


( 53 )

عبدالله عند عبدالله وعاتبت عبدالله وقالت له بئسما قلت لام زيد أما والله لنعم دخيلة القوم كانت. وقال لهم خالد في ذلك اليوم اغدوا علي غدا فلست لعبد الملك ان لم أفصل بينكما فباتت المدينة تغلي كالمرجل يقول قائل قال زيد كذا ويقول قائل قال عبدالله كذا فلما كان الغد جلس خالد في المسجد واجتمع الناس فمن بين شامت ومهموم فدعا بهما خالد وهو يحب أن يتشاتما فذهب عبدالله يتكلم فقال له زيد لا تعجل يا أبا محمد اعتق زيد ما يملك أن خاصمك الىخالد أبدا ثم اقبل على خالد وقال جمعت ذرية رسول الله لامر لم يكن أبوبكر وعمر يجمعانهم له فقال خالد أما لهذا السفيه أحد فقام رجل من الانصار من آل عمرو بن حزم وقال يا ابن أبي تراب أما ترى لوال عليك حقا قال زيد أسكت أيها القحطاني فأنا لا نجيب مثلك قال فلماذا ترغب عني فوالله اني لخير منك وأبي خير لأبيك وأمي خير من أمك فتضاحك زيد وقال يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب أفذهبت الاحساب انه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم فتكلم عبدالله بن واقد بن عبدالله ابن عمر بن الخطاب فقال كذبت والله أيها القحطاني فوالله لهو خير منك نفسا وأبا وأما ومحتدا وتناوله بكلام كثير وأخذ كفا من حصباه فضرب بها الأرض ثم قال انه والله ما لنا على هذا من صبر ثم خرج من المسجد وشخص زيد الى هشام بن عبدالملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع اليه القصص فكلما رفع اليه قصة كتب


( 54 )

هشام في أسفلها أرجع الى منزلك فيقول زيد والله لا ارجع الى خالد أبدا ثم اذن له يوما بعد طول حبس فرقى علية عالية وأمر هشام خادما ان يتبعه بحيث لا يراه زيد ويسمع ما يقول فصعد زيد وكان بادنا فوقف في بعض الدرجة فسمعه الخادم يقول ما أحب أحد الحياة الا وذل فأبلغ الخادم هشاما ذلك فعلم هشام أن في نفسه الخروج ثم دخل على هشام الى أن قال : فقال هشام لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة الى آخر ما مر فقال له هشام أخرج قال أخرج ثم لا أكون غلا بحيث تكره فقال له سالم يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك فخرج من عنده وسار الى الكوفة ولما خرج من مجلس هشام أنشد :

شــرده الـخــوف وازرى بــه * كــذاك من يكــره حــر الجلاد
منخرق النعلين ( الخفين ) يشكو الوجى * تنكبــه اطـراف مــرو حــداد
قد كان فــي المــوت لـه راحـة * والمــوت حتــم في رقاب العباد
ان يـحــدث الله لـــه دولـــة * تتــرك آثــار العــدا كالرمـاد

وفي رواية أنه نهض من عند هشام وهو يقول :

من أحب الحياة أصبح في قيــد من الذل ضيق الحلقات
وأخرج ابن عساكر عن الزهري كنت على باب هشام ابن عبد الملك فخرج من عنده زيد بن علي وهو يقول والله ما كره قوم الجهاد في سبيل الله الا ضربهم الله تعالى بالذل وقال ابن الأثير قال له هشام أخرج قال أخرج ثم لا أكون إلا بحيث تكره فقال له


( 55 )

سالم ( مولى هشام ) يا ابا الحسين لا يظهرن هذا منك فخرج من عنده وسار الى الكوفة .
( ثانيها ) أنه كان سبب خروجه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث شاعت المحرمات والفسق والفجور في عصر بني أمية . روى الخوارزمي في كتاب المقتل عن جاب الجعفري أنه قال : قال لي محمد بن علي الباقر عليهما السلام ان أخي زيد بن علي خارج مقتول وهو على الحق فالويل لمن خذله والويل لمن حاربه والويل لمن يقتله قال جابر فلما أزمع زيد بنعلي على الخروج قلت له أني سمعت أخاك يقول كذا وكذا فقال لي يا جابر لا يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله وتحوكم الى الجبت والطاغوت وذلك أني شهدت هشاما ورجل عنده يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت للاب وملك يا كافر أما أني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك الى النار فقال لي هشام مه عن جليسنا يا زيد فوالله أن لم يكن الا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتى أفنى . وقال ابن عساكر : قال محمد ابن عمير أن أبا الحسين لما رأى الأرض قد طوقت جورا ورأى قلة الأعوان وتخاذل الناس كانت الشهادة أحب الميتات اليه فخرج وهو يتمثل بهذين البيتين :

ان المحكم ما لم يرتـقـب حســدا * لو يرهب السيف أو وخز القناة صفا
من عاذ بالسيف لاقــى فرجة عجبا * موتا على عجـل أو عاش فانتصفا


( 56 )


( ثالثها ) إنه كان السبب في خروجه ان خالد بن عبدالله القسري وابنه يزيد ادعيا ما لا قبل زيد وغيره لما سألهم يوسف بن عمر عن ودائعهم فكتب يوسف بذلك الى هشام فأرسل هشام زيدا الى الكوفة ليجمع يوسف بينه وبين خالد فلما انقضى أمر هذه الدعوى وخرج زيد من الكوفة لحقه الشيعة وحملوه على الخروج وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال حمزة بن ربيعة كان سبب خروج زيد بالعراق أن يوسف بن عمر سأل القسري وابنه عن ودائعهم فقالوا لنا عند داود بن علي وديعة وعند زيد بن علي وديعة فكتب بذلك الى هشام فكتب هشام الى صاحب المدينة في أشخاص زيد وكتب الى صاحب البلقاء في أشخاص داود اليه فأما داود فحلف لهشام أن لا وديعة له عندي فصدقه وإذن له بالرجوع الى أهله وأما زيد فأبى أن يقبل منه وأنكر زيد أن يكون له عنده شيء فقال أقدم على يوسف فقدم عليه فجمع بينه وبين يزيد وخالد القسر بين فقال خالد إنما هو شيء تبردت به أي ليس لي عنده شيء وإنما قلت هذا لتخفيف العذاب عني فصدقه وأجازه يوسف وخرج يريد المدينة فلحقه رجال من الشيعة وقالوا له أرجع فان لك عندنا الرجال والأموال فرجع.
وروى ابوالفرج في مقاتل الطالبيين باسانيده عن رواة حديثه قالوا كان أول أمر زيد بن علي صلوات الله عليه أن خالد بن عبد الله القسري ادعى ما لا قبل زيد بن علي ومحمد بنعمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبدالله بن عباس وسعد بن ابراهيم بن عبدالرحمن


( 57 )

ابن عوف وايوب بن سامة المخزومي وكتب فيهم يوسف بن عمر عامل هشام على العراق الى هشام وزيد بن علي ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة ( الظاهر أنها رصافة الشام بناها هشام بن عبد الملك ) زيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث اليهم هشام فأنكروا فقال لهم هشام فأنا باعثون بكم اليه يجمع بينكم وبينه فقال له زيد أنشدك الله والرحم أن لا تبعث بنا الى يوسف قال وما الذي تخاف من يوسف قال أخاف أن يتعدى علينا فكتب هشام الى يوسف اذا قدم عليك زيد وفلان وفلان فأجمع بينهم وبينه فإن أقروا فسرح بهم الي وان أنكروا ولم يقم بينة فاستحفلهم بعد صلاة العصر ثم خل سبيلهم فقالوا إنا نخاف أن يتعدى كتابك قال كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل قالوا جزاك الله عن الرحم خيرا . فسرح بهم الى يوسف وهو يومئذ بالحيرة واحتبس ايوب بم سلمة لخؤاته ولم يؤخذ بشيء من ذلك فلما قدموا على يوسف أجلس زيدا قريبا منه ولاطفه في المسألة ثم سألهم عن المال فأنكروا فأخرجه يوسف اليهم وقال هذا زيد بنعلي ومحمد بن عمر بن علي اللذان أدعيت قبلهما ما أدعيت قال ما لي قبلهما قليل ولا كثير قال أفهي كنت تهزأ أم بامير المؤمنين فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله ثم أخرج زيدا وأصحابه بعد صلاة العصر الى المسجد فاستحلفهم فحلفوا فخلى سبيلهم ( كان خالد القسري واليا على العراق قبل يوسف فلما ولي يوسف عذبه بأمر هشام ليستخرج منه الاموال


( 58 )

فادعى أن له مالا أودعه عند هؤلاء ليرفع عنه العذاب ولم يكن له عندهم شيء فلما جمعه بهم تكلم بالحقيقة ).
وقال ابن الاثير أن هشاما أحضرهم من المدينة وسيرهم الى يوسف ليجمع بينهم وبين خالد فقال يوسف لزيد أن خالدا زعم أنه أودعك مالا قال كيف يودعني وهو يشم آبائي على منبره فأرسل الى خالد فأحضره في عباءة فقال هذا زيد قد أنكر أنك أودعته شيئا فقال خالد ليوسف أتريد مع أئمك في آثما في هذا كيف أودعه وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر فقالوا لخالد ما دعاك الى ما صنعت قال شدد علي العذاب فأدعيت ذلك وأملت أن يأتي الله بفرج قبل قدومكم فرجعوا وأقام زيد وداود بالكوفة وقيل أن يزيد بن خالد القسري هوالذي ادعى المال وديعة عند زيد.
قال ابن عساكر : قال مصعب بن عبدالله : كان هشام بعث الى زيد والى داود بن علي وأتهمهما أن يكون عندهما مال لخالد ابن عبدالله القسري حين عزله فقال كثير بن كثير بن المطلب ابن وداعة السهمي حين أخذ داود وزيد بمكة :

يأمن الظبي والحمام ولا يـأ * من ابن النبـي عند المقـام
طبت بيتا وطاب أهلك أهلا * أهل بيت النبــي والإسلام
رحمة الله والسـلام عليكـم * كلمـا قلــم قائـم بسـلام
حفظوا خاتما وجـزء رداء * وأضاعـوا قرابــة الارحام

قال ويقال أن زيدا بينما كان بباب هشام في خصومة عبدالله


( 59 )

ابن حسن في الصدقة ورد كتاب يوسف بن عمر في زيد وداود ابن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وأيوب بن سلمة فحبس زيدا وبعث الى أولئك فقدم بهم ثم حملهم الى يوسف بن عمر غير أيوب فانه أطلقه لأنه من أخواله وبعث بزيد الى يوسف بن عمر بالكوفة فاستحلفه ما عنده لخالد مال وخلى سبيله حتى إذا كان بالقدسية لحقته الشيعة فسألوه الرجوع معهم والخروج ففعل وقتل وانهزم أصحابه وفي ذلك يقول سلمة بن الحر بن يوسف بن الحكم :

وامتنا جحاجح من قريـش * فأمسى ذكرهم كحديث أمس
وكنا أس ملكهــم قديمـا * ومــا ملك يقوم بغير أس
ضمنا منهم ثكلا وحزنــا * ولكـن لا محالـة من تأس

والاختلاف بين هذه الاخبار ظاهر . فالخبر الاول دل على أن زيدا كان بالمدينة وداود بالبلقاء والخبر الثاني دل على أن زيدا ومحمد ابن عمر كانا بالرصافة بالشام . والخبر الثالث دل على ان الجميع كانوا بمكة والخبر الرابع دل على ان هشاما هو الذي اتهم زيدا وداود بالمال وأنهما كانا بمكة وأنه حبس زيدا .
وقال ابن الاثير في الكامل أن المال الذي ادعاه خالد على زيد كان ثمن أرض ابتاعها خالد من زيد ثم ردها عليه فذكر في حوادث سنة 121 قيل أن زيدا قتل فيها وقيل في سنة 122 وقيل في سبب خلافه أن زيدا وداود بن علي بن عبدالله بن عباس ومحمد بن عمر بن علي ابن ابي طالب قدموا على خالد بن عبدالله القسري بالعراق فأجازهم ورجعوا


( 60 )

الى المدينة فلما ولي يوسف بن عمر كتب الى هشام بذلك وذكر أن خالد بن عبد الله ابتاع من زيد أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينار ثم رد الأرض عليه فكتب هشام الى عامل المدينة أن يسيرهم اليه ففعل فسألهم هشام عن ذلك فاقروا بالجائزة وانكروا ما سوى ذلك وحلفوا فصدقهم وأمرهم بالمسير الى العراق ليقابلوا خالدا فساروا على كره وقابلوا خالدا فصدقهم فعادوا نحو المدينة فلما نزلوا القادسية راسل أهل الكوفة زيدا فعاد اليهم.
قال أبو الفرج في روايته فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة اياما وجعل يوسف يستحثه حتى خرج وأتي القادسية ثم أن الشيعة لقوة فقالوا أين تخرج عنا رحمك الله ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك وليس قبلنا من أهل الشام الا عدة يسيرة فأبى عليهم فقال له محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب اذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء فإنهم لا يفون لك أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي عليهما السلام فأبى أن يرجع فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطون العهود والمواثيق . وقال ابن الاثير فقال له محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب أذكرك الله يا زيد لما لحقت بأهلك ولا ترجع اليهم فإنهم لا يفون لك فلم يقبل وقال له خرج بنا أسراء على غير ذنب من الحجاز الى الشام ثم الى الجزيرة ثم الى العراق الى تيس ثقيف يلعب بنا ثم قال :


( 61 )

بكرت تخوفني الحـتـوف كأنني * اصبحت عن عرض الحياة بمعزل
فـأجبتهـا أن المنيـة مـنهـل * لابـد أن أسقـى بذاك المـنهـل
أن المـنية لـو تمثـل مثلـت * مثلى ( كذا ) اذا نزلوا بضيق المنزل
فاقني حياءك لا أبالـك وأعـلمي * أنت امـرؤ سـأموت أن لم أقتل

استودعك الله واني أعطي الله عهدا أن دخلت يدي في طاعة هؤلاء ما عشت وفارقه وأقبل الى الكوفة فأمام بها مستخفيا ينتقل في المنازل وأقبلت الشيعة تختلف اليه تبايعه فبايعه جماعةمنهم سلمة ابن كهيل ونصر بن خزيمة ومعوية بن اسحق بن زيد بن حارثة الانصاري وأناس من وجوه أهل الكوفة.
وفي عمدة الطالب كان هشام بن عبد الملك قد بعث الى مكة فأخذوا زيدا وداود بن علي بن عبدالله بن عباس ومحمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب لأنهم اتهموا أن لخالد بن عبدالله القسري عندهم مالا مودوعا وكان خالد قد زعم ذلك فبعث بهم الى يوسف بن عمر الثقفي بالكوفة فحلفهم أن ليس لخالد عندهم مال فحلفوا جميعا فتركهم يوسف فخرجت الشيعة خلف زيد الى القادسية فردوه وبايعوه.
( رابعها ) أن السبب في ذلك وشاية ابن الخالد الى هشام بأن زيدا وجماعة يريدون خلعه فأغلظ له هشام في القول وأحرجه فخرج . روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن ابنا لخالد بن عبدالله القسري أقر على زيد وعلى داود بن علي بن عبدالله بن عباس وأيوب بن سلمة


( 62 )

المخزومي ومحمد بن عمر بن علي وسعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف أنهم قد أزمعوا على خلع هشام بن عبد الملك فقال هشام لزيد قد بلغني كذا وكذا فقال ليس كما بلغك يا أمير المؤمنين قال بلى قد صح عندي ذلك قال احلف لك قال وإن حلفت فأنت غير مصدق قال زيد ان الله لم يرفع من قد أحد أن يخحلف له بالله فلا يصدق فقال له هشام أخرج عني فقال له لا تراني إلا حيث تكره فلما خرج من بين يدي هشام قال . من أحب الحياة ذلفقال له الحاجب يا أبا الحسين لا يسمعن هذا منك أحد.
( خامسها ) أن السبب في خروجه أن أهل الكوفة كتبوا إليه فقدم عليهم . في تاريخ دمشق قال زكريا بن أبي زائدة لما حجبت مررت بالمدينة فدخلت على زيد فسلمت عليه فسمعته يتمثل بهذه الأبيات :

ومن يتطلب المال الممنع بالقنا * يعش ماجدا أو تحترمه المخارم
متى تجمع القلب الذكي وصارما * وانفـا حميـا تجتنبـك المظالم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم * فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

فخرجت من عنده فمضيت فقضيت حجتي ثم انصرفت الى الكوفة فبلغني قدومه فأتيه فسلمت عليه وسألته عما قدم له فأخبرني عمن كتب إليه يسأله القدوم عليهم فأشرت عليه بالانصراف فلحقه القوم فردوه.
ورواه أبوالفرج في المقاتل بسنده عن زكريا الهمداني نحوه


( 63 )

الى آخر الابيات ثم قال فخرجت من عنده وظننت أن في نفسه شيئا وكان من أمره ما كان ويعلم مما مر وأني أن الذي دعا زيدا الى الخروج إنما هو آباء الضيم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا طلب ملك وإمارة وأنه خرج موطنا نفسه على القتل مع غلبة ظنه بأنه يقتل فاختار المنية على الدنية وقتل العز على عيش الذل كما فعل جده الحسين عليه السلام الذي سن الاباء لكل أبي.

( ما جرى لزيد اراده أهل الكوفة على الخروج وبايعوه )

قال أبو مخنف : واقبلت الشيعة وغيرهم من الحكمة يختلفون إليه ويبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة وقيل أحصى ديوانه أربعين ألفا. وفي الشذرات كان ممن بايعه منصور بن المعتمر ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وهلال بن خباب بن الحارث قاضي المدائن وابن شبرمة ومسعود بن كذام وغيرهم وأرسل إليه أبو حنيفة بثلاثين ألف درهم وحث الناس على نصره وكان مريضا وحضر معه من أهله محمد بن عبدالله النفس الزكية وعبدالله بن علي بن الحسين . ويأتي بعد ذكر مقتله ما ذكره أبو الفرج من أسماء من عرف ممن خرج معه من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء وفيهم بعض هؤلاء