( صورة البيعة )

قال ابن الاثير وكانت بيعته إنا ندعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله وعليه وسلّم وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين واعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء ورد المظالم ونصره أهل البيت أتبايعون على ذلك فإذا قالوا نعم وضع يده على أيديهم ويقول عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم لتفين ببيعتي ولتقاتلن عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية فاذا قال نعم مسح يده على يده ثم قال اللهم أشهد قال أبو الفرج وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا منها شهران بالبصرة والباقي بالكوفة ثم خرج وأرسل دعاته الى الآفاق والكور يدعون الناس الى بيعته قال ابن الاثير فشاع أمره في الناس على قول من زعم أنه أتى الكوفة من الشام وأختفى بها يبايع الناس وأما على قول من زعم أنه أتى الى يوسف بن عمر لموافقة خالد بن عبدالله القسري أو ابنه يزيد بن خالد فإن زيدا أقام بالكوفة ظاهرا ومعه داود بن علي وأقبلت الشيعة تختلف الى زيد وتأمره بالخروج ويقولون انا لنرجو أن تكون أنت المنصور وان هذا الزمان هو الذي يهلك فيه بنو أمية فأقام بالكوفة وجعل يوسف ابن عمر يسأل عنه فيقال هو هاهنا ويبعث اليه ليسير فيقول نعم ويعتل بالوجع فمكث ما شاء الله ثم أرسل اليه يوسف ليسير فاحتج بأنه يحاكم بعض آل طلحة بن عبدالله لملك بينهما بالمدينة فأرسل إليه


( 65 )

ليؤكل وكيلا فلما رأى جد يوسف في أمره سار حتى أتى القادسية وقيل الثعلبية فتبعه أهل الكوفة وقالوا نحن اربعون الفا لم يتخلف عنك أحد نضر بأسيافنا وليس ها هنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة بعض قبائلنا يكفيكهم بإذن الله تعالى وحلفوا بالايمان المغلظة وجعل يقول أني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كما فعلتم بأبي وجدي فيحلفون له فقال له داود بن علي يا ابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك جدك علي بن أبي طالب حتى قتل والحسن من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه أو ليس قد أخرجوا جدك الحسين وبايعوه ثم خذلوه وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه فلا ترجع معهم فقالوا إن هذا لا يريد أن تظهر ويزعم أنه وأهل بيته أولى بهذا الأمر منكم فقال زيد لداود أن عليا عليه السلام كان يقاتله معوية بذهبه ( بدهائه ) وإن الحسين قاتله يزيد والأمر مقبل عليهم ( ولداود أن يقول له وأنت يقتلك هشام وليس بدون يزيد ) فقال داود اني خائف أن رجعت معهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم وأنت أعلم ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد الى الكوفة فلما رجع أتاه سلمة بن كهيل فذكر له قرابته من رسول الله (ص) وحقه فأحسن ثم قال له نشدتك الله كم بايعك قال أربعون ألفا قال فكم بايع جدك قال ثمانون ألفا قال فكم حصل معه قال ثلثمائة قال نشدتك الله أنت خير أم جدك قال جدي قال فهذا القرن خير أم ذلك القرن قال ذلك القرن قال أفتطمع أن


( 66 )

يفي لك هؤلاء وقد غدر اولئك بجدك قال قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم قال أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث فلا أملك نفسي فاذن له فخرج الى اليمامة وكتب عبدالله بن الحسن الحسني الى زيد أما بعد فإن أهل الكوفة قبح العلانية جود السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء يقدمهم ألسنتهم ولا يشايعهم قلوبهم ولقد تواترت الي كتبهم بدعوتهم فصمت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأسا منهم واطراحا لهم ومالهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب عليه السلام أن أهملتم خضتم وان جوربتم خرتم وان إجتمع الناس على أمام طعنتم وان أجبتم الى مشاقة نكصتم فلم يصغ زيد الى شيء من ذلك فأقام على حاله يبايع الناس ويتجهز للخروج وتزوج بالكوفة ابنة ليعقوب السلمي وتزوج أيضا ابنة عبدالله بن أبي القيس الازدي وكان سبب تزوجه اياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت تتشيع فأتت زيدا تسلم عليه وكانت جميلة حسنة قد دخلت في اليمن فلم يظهر عليها فخطبها زيد الى نفسها فاعتذرت بالسن وقالت أن لي بنتا هي أجمل مني وأبيض وأحسن دلا وشكلا فضحك زيد ثم تزوجها وكان ينتقل بالكوفة تارة في بني نهد وتارة في بني تغلب وغيرهم الى أن ظهر . انتهى كلام ابن الاثير .
وكان خروجه بالكوفة في ولاية يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي العراق لهشام بن عبد الملك في الشذرات ويوسف هذا هو


( 67 )

ابن عمر أبوه عم الحجاج بن يوسف .

( أخبار السجاد والباقر والصادق عليهم السلام بقتله قبل وقوعه )

عن فرحة الغري : روي عن أبي حمزة الثمالي قال كنت أزور علي بن الحسين عليهما السلام في كل سنة مرة في وقت الحج فزرته سنة فرأيت على ركبته ولدا جالسا ثم نهض الى نحو باب الدار فوقع فجرح رأسه وجرى دمه فقام الامام عليه السلام مسرعا وحمله ومسح الدم عن رأسه وقال يا بني أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة فقلت فداك أبي وأمي أي كناسة هذه قال كناسة الكوفة فقلت جعلت فداك هذه الواقعة من المحتوم فقال أي والذي بعث محمداً بالحق أن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة مقتولا مدفونا منبوشا مسلوبا مسحوبا مصلوباً في الكناسة قال أبو حمزة جعلت فداك ما اسم هذا الغلام فقال زيد ابني ثم بكى قال أبو حمزة والله ما لبثت الا برهة حتى رأيت زيدا بالكوفة في دار معوية ابن اسحق فجئت اليه وسلمت عليه وقلت جعلت فدا ما اقدمك هذا البلد قال انتقل الى دور بارق وبني هلال فوالله لقد رأيت زيدا مقتولا ومدفونا ومنبوشا ومسلوبا ومسحوبا ومصلوبا ثم أحرق وذري رماده في الهواء.
وروي أبو الفرج في المقاتل بسنده عن خالد مولى آل الزبير


( 68 )

كنا عند علي بن الحسين فدعا ابنا له يقال له زيد فكبا لوجهه فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول أعيذك بالله أن تكون زيدا المصلوب بالكناسة الحديث . وبسنده عن يونس بن جناب جئت مع أبي جعفر عليه السلام الى الكتاب فدعا زيدا فاعتنقه وألزق بطنه ببطنه وقال أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة . وعن كتاب الثاقب في المناقب عن يزيد بن خلف : سمعت أبا عبدالله عليه السلام وذكر عنده زيد وهو يومئذ يتردد في المدينززكة يقول كأني به خرج الى العراق ويمكث يومين ويقتل في اليوم الثالث ثم يدار برأسه في البلاد يؤتى برأسه وينصب ها هنا وأشار بيده الي الموضع قال فسمت أذني من أبي عبدالله عليه السلام ورأت عيني أن أتي برأسه حتى أقيم في الموضع الذي أشار إليه.

( أخبار ابن الحنفية بقتله قبل وقوعه )

في أمالي الصدوق في الحديث العاشر من المجلس 54 بسنده عن عون بن عبدالله كنت مع محمد بن علي بن الحنفية في فناء داره فمر به زيد بن الحسن فرفع طرفه اليه ثم قال ليقتلن من ولد الحسين رجل يقال له زيد بن علي وليصلبن بالعراق من نظر الى عورته فلم ينصره أكبه الله على وجهه في النار.
وروى ابو الفرج في المقاتل بسنده عن محمد بن الحنفية مر زيد ابن علي بن الحسين على محمد ابن الحنفية فرق له وأجلسه وقال أعيذك بالله يا ابن أخي أن تكون زيدا المصلوب


( 69 )

بالعراق الحديث . ومرت احاديث أخرى تتضمن الاخبار بقتل زيد وصلبه وهذه الاحاديث تدل على أن خبر قتل زيد وصلبه كان مشهورا معروفا عند أهل البيت عليهم السلام قبل وقوعه.

( خروجه ومقتله )

قال ابو الفرج وابن الاثير فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد وشاع ذلك قال ابوالفرج فانطلق سليمان بن سراقة الباقي فأخبر يوسف بن عمر خبر يد فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين الذين سعي اليه أنه عندهما فأتي بهما يوسف فلما كلمهما استبان أمر زيد وأصحابه وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما وبلغ الخبر زيدا فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الاجل الذي بينه وبين أهل الأمصار وكان قد وعد أصحابه ليلة الاربعاء أول ليلة من صفر سنة 122 فخرج قبل الاجل فلما حققت الراية على رأسه قال الحمد لله الذي أكمل لي ديني والله اني كنت أستحيي من رسول الله (ص) أن أرد عليه الحوض ولم آمر في أمته بمعروف ولا أنهى عن منكر وبلغ ذلك يوسف بن عمر فأمر الحكم بن الصلت أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الاعظم فيحصرهم فه فبعث الحكم الى العرفاء (1).
____________
(1) العرفاء كشرفاء جمع عريف كأمير وهو رئيس القوم أو النقيب وهو دون الرئيس.
( 70 )

والشرط (1) والمناكب (2) والمقاتلة (3) فادخلوهم المسجد ثم نادى مناديه ايما رجل من العرب والموالي (4) أدركناه في رحلة فقد برأت منه الذمة ائتوا المسجد يوم الثلثاء قبل خروج زيد.
وقال ابن عساكر في حديث عن ضمرة بن ربيعة أن يوسف بن عمر لما علم بخروج زيد أمر بالصلاة جامعة وبأن من لم يحضر المسجد فقد حلت عليه العقوبة فاجتمع الناس وقالوا ننظر ما هذا الامر ثم نرجع فلما اجتمع الناس أمر بالابواب فأخذ بها وبنى عليهم وأمر الخبل فجالت في أزقة الكوفة فمكث الناس ثلاثة أيام وثلاث ليال في المسجد يؤتى الناس من منازلهم بالطعام يتناوبهم الشرط والحرس فخرج زيد على تلك الحال.
وقال أبو الفرج في حديثه وطلبوا زيدا في دار معوية ابن اسحق فخرج ليلا وذلك ليلة الاربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد من دار معوية بن اسحق فرفعوا الهرادي (5) فيها النيران ونادوا بشعارهم شعار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا منصور أمت فما زالوا كذلك
____________
(1) الشرط كصرد أول كتيبة تشهد الحرب وطائفة من أعوان الولاة.
(2) المناكب جمع منكب في القاموس هو عريف القوم وينبغي أن يكون دون العريف وكلهم معينون من قبل السلطان.
(3) المقاتلة هم العسكر المعينون للقتال ولهم رواتب.
(4) جمع مولى وهو الذي أصله ليس بعربي وجرى عليه الرق فاعتق.
(5) الهرادي جمع هردي بالكسر ويمد

( 71 )

حتى أصحوا فبعث زيد القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر اسمه صدام وسعيد بن خثيم ينادون بشعارهم ورفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديا من مئذنتهم ونادى بشعار زيد فلما كانوا في صحاري عبد القيس لقيهم جعفر بن العباس الكندي فشد على القاسم وعلى أصحابه فقتل صدام وارتث (1) القاسم فأتي به الحكم بن الصلت فقتله على باب القصر . قال أبو مخنف وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا يخبرهم فقال عبدالله بن العباس المنتوف الهمداني أنا آتيك بخبرهم فركب في خمسين فارسا ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر ثم رجع الى يوسف فأخبره فلما أصبح يوسف خرج الى تل قريب من الحيرة فنزل معه قريش واشراف الناس وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعد المرادي وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من ألفي فارس وثلثمائة من القيقانية (2) رجالة ناشبة (3) واصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة 218 رجالة ناشبة فقال زيد سجن الله فأين الناس قيل هم محصورون في المسجد فقال لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر واقبل نصر بن خزيمة الى زيد فتلقى عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت
____________
(1) ارتث بالبناء للمجهول حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق.
(2) نسبة الى قيقن كجيران موضعان
(3) الناشبة أصحاب النشاب.

( 72 )

عند بعض دور الكوفة فقال يا منصور أمت فلم يرد عليه عمر شيئا فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله وانهزم من كان معه واقبل زيد حتى انتهى الى جبانة الصائديين وبها خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم ثم مضى حتى انتهى الىالكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهرمهم ثم شلهم (1) حتى ظهر الى المقبرة ويوسف ابن عمر على التل ينظر الى زيد وأصحابه وهم يكرون ولو شاء زيد أن يقتل يوسف لقتله . ثم أن زيدا أخذ ذات اليمين حتى دخل الكوفة فطلع أهل الشام عليهم فدخلوا زقاقا ضيقا ومضوا فيه فقال زيد لنصر ابن خزيمة تخاف على أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية فقال جعلني الله فداك أما أنا فوالله لاضربن بسيفي هذا معك حتى أموت ثم خرج بهم زيد نحو المسجد فخرج اليه عبيدالله بن العباس الكندي في أهل الشام واقتتلوا فانهزم عبيدالله وأصحابه وتبعهم زيد حتى انتهوا الى باب الفيل ( وهو أحد أبواب المسجد ) وجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق أبواب ويقولون يا أهل المسجد اخرجوا وجعل نصر بن خزيمة يناديهم يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل الى العز الى الدين والدنيا وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة . وبعث يوسف بن عمر الربان بن سلمة في خيل الى دار الرزق فقاتلوا زيدا قتالا شديدا وجرح من أهل الشام جرحى كثيرة وشلهم اصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا الى المسجد الاعظم فرجع اهل الشام
____________
(1) شلهم أي طردهم ـ المؤلف.
( 73 )

مساء يوم الاربعاء وهم أسوأ شيء ظن فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فافف به وقال له فلك من صاحب خيل ودعا العباس بن سعد المري ( المرادي ) صاحب شرطته فبعثه الى أهل الشام فسار بهم حتى انتهوا الى زيد في دار الرزق وخرج اليه زيد وعلى مجنبته (1) نصر بن خزيمة ومعوية بن اسحق فلما رآهم العباس نادى يا أهل الشام الأرض فنزل ناس كثير واقتتلوا فتالا شديدا وكان رجل من أهل الشام اسمه نائل بن مرة العبسي قال ليوسف والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لاقتلنه أو ليقتلني فاعطاه يوسف سيفا لا يمر بشيء غلا قطعه فلما التقى أصحاب العباس وأصحاب زيد ضرب نائل نصرا فقطع فخذه وضربه نصر فقتله ومات نصر ثم أن زيدا هزمهم وانصرفوا باسوأ حال فلما كان العشاء عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد فكشفهم ثم أتبعهم حتى أخرجهم الى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق وبني دوس فقاتلهم قتالا شديدا وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له عبد الصمد قال سعيد بن خثيم وكنا مع زيد في خمسمائة وأهل الشام أثناء عشر ألفا وكان بايع زيدا أكثر من أثني عشر ألفا فغدروا به إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس له رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليها فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول أما أحد يغصب
____________
(1) المجنبة تقال للميمنة وللميسرة ـ المؤلف ـ
( 74 )

لفاطمة بنت رسول الله أما أحسد يغضب لرسول الله (ص) أما أحد يغضب لله ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة قال سعيد فجئت الى مولى لي فأخذت منه مشعلا (1) كان معه ثم استترت من خلف النظارة حتى اذا صرت من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكن منه بالمشعل فوقع رأسه بين يدي بغلته ثم رميت جيفته عن السرج وشد أصحابه علي حتى كادوا يرهقوني وكبر أصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني فركبت وأتيت زيدا فجعل يقبل بين عيني ويقول أدركت والله ثأرنا أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما ونفلني البغلة . وجعلت خيل أهل الشام (2) لا تثبت الخيل زيد فبعث العباس بن سعد الى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله أن يبعث اليه الناشبة (3) فبعث اليه سليمان ابن كيسان في القيقانية (4) وهم بخارية وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد وقاتل معوية بن اسحق الانصاري يومئذ قتالا شديدا فقتل بين يدي زيد وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح
____________
(1) المشمل كمنير سيف قصير يتغطى بالثوب.
(2) جاء في هذه الاخبار في غير موضع ما يدل على أن العسكر الذي كان يحارب زيدا كان أكثره أو جملة منه من أهل الشام والظاهر أن العسكر الشامي كان موجودا دائما لقلة ثقة الامويين بأهل الكوفة.
(3) أصحاب النشاب.
(4) مر تفسيره.

( 75 )

الليل رمي زيد بسهمهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ فرجع ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل فدخل دارا من دور أرحب وشاكر وجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دوس فقال له أن نزعته من رأسك مت قال الموت ايسر علي مما أنا فيه فأخذ الكلبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات وفي عمدة الطالب قال سعيد بن خثيم تفرق اصحاب زيد عنه حتى بقي في ثلثمائة رجل وقيل جاء يوسف بن عمر الثقفي في عشرة آلاف (1) فصف أصحابه صفا بعد صف حتى لا يستطيع أحدهم أن يلوي عنقه فجعلنا نضرب فلا نرى الا النار تخرج من الحديد فجاء سهم فاصاب جبين زيد بن علي يقال رماه مملوك ليوسف بن عمر الثقفي يقال له راشد فأصاب عينيه فانزلناه وكان رأسه في حجر محمد ابن مسلم الخياط فجاء يحيى بن زيد فاكب عليه فقال يا ابناه ابشر ترد على رسول الله وعلي وفاطمة وعلى الحسن والحسين فقال أجل يا بني ولكن أي شيء تريد أن تصنع قال أقتلهم والله ولو لم أجد إلا نفسي فقال إفعل يا بني فإنك على الحق وإنهم على الباطل وان قتلاك في الجنة وإن قتلاهم في النار ثم نزع السهم فكانت نفسه معه.
وقال المسعودي حال المساء بين الفريقين فراح زيد مثخنا بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل فأتي بحجام
____________
(1) مر عن سعد بن خثيم ان زيدا بقي في خمسمائة وأهل الشام عشر ألفا.
( 76 )

من بعض القرى فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأجري الماء على ذلك وحضر الحجام مواراته فعرف الموضع فلما أصبح مضى الى يوسف متنصحا فدله على موضع قبره فاستخرجه يوسف وبعث رأسه الى هشام فكتب اليه هشام ان أصلبه عريانا فصلبه يوسف كذلك وبني تحت خشبته عمودا ثم كتب هشام الى يوسف باحراقه وذروه في الرياح.
وقال ابو الفرج قال القوم أين ندفنه وأين نواريه ( خوفا من بني أمية وعمالهم أن يمثلوا به لما يعلمون من خبث سرائرهم وعادتهم في التمثيل التي ابتدأت من يوم أحد ) فقال بعضهم نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء وقال بعضهم لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى فقال يحيى ابن زيد لا والله لا يأكل لحم أبي السباع وقال بعضهم نحمله الى العباسية فندفنه فيها ( وهي على ما في القاموس بلدة بنهر الملك ) .
وقال سلمة بن ثابت فأشرت عليهم أن ينطلقوا الى الحفرة التي يؤخذ منها الطين فندفنه فيها فقبلوا رأيي فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى إذا نحن مكنا له دفناه ثم أجرينا عليه الماء ومعنا عبد سندي وقيل حبشي كان مولى لعبد الحميد الرواسي وكان معمر بن خثم قد أخذ صفقته لزيد وقيل هو مملوك سندي لزيد وكان حضرهم وقيل كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه فلما اصبح أتي الحكم بن الصلت فدلهم على موضع قبره


( 77 )

وقال ابن عساكر أخذه رجل دفنه في بستان له وصرف الماء عن الساقية وحفر له تحتها ودفنه وأجرى عليه الماء وكان غلام له سندي في بستان له ينظر فذهب الى يوسف فأخبره . وقال ابن الاثير رآهم قصار فدل عليه فبعث اليه يوسف بن عمر الثقفي فاستخرجوه وحملوه على بعير قال أبو الفرج قال نصر بن قابوس فنظرت والله اليه حين أقبل به على جمل قد شد بالحبال وعليه قميص أصفر هروي فألقي من البعير على باب القصر كأنه جبل وقطع الحكم بن الصلت رأسه وسيره الى يوسف بن عمر وهو بالحيرة فأمر يوسف أن يصلب زيد بالكناسة هو ونصر بن خزيمة ومعوية ابن اسحق وزياد النهدي وأمر بحراستهم وبعث بالرأس الى الشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم أرسل الى المدينة . ثم أن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور قال المسعودي ففي ذلك ( اي صلب زيد ) يقول بعض شعراء بني أمية ( وهو الحكم « الحكيم » بن العباس الكلبي ) يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات :

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب

وبعد البيت

وقستم بعثمن عليــا سفاهـة * وعثمن خيــر من علي وأطيب

وفي البحار أن الصادق عليه السلام لما بلغه قول الحكم رفع يديه الى السماء وهما يرعشان فقال اللهم ان كان عبدك كاذبا فصلط عليه كلبك فبعثه بنو أمية الى الكوفة فبينما هو يدور في سككها


( 78 )

اذ افترسه الاسد واتصل خبره بجعفر فخر لله ساجدا ثم قال الحمد لله الذي انجزنا ما وعدنا . ورواه ابن حجر أيضا في صواعقه . وقد نظم المؤلف قصيدة في الرد على الحكيم الكلبي وتوجد في القسم الأول من الرحيق المختوم ونوردهم هنا شيئا منها اولها :

لقد لامني فيك الوشـاة واطنبــوا * وراموا الذي لم يدر كوه فخيبــوا
ارقت وقد نـام الخلـي ولـم أزل * كأني على جمــر الغضى اتقلب
عجبت وفي الايـام كم من عجائب * ولكنمـا فيهـا عجيب واعـجـب
تفاخرنــا قوم لنــا الفخر دونها * على كل مخلــوق يجيء ويذهب
وما سـاءني الا مقالــة قائــل * الـى آل مروان يضـاف وينسب
( صلبنـا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب )
فإن تصلبــوا زيـدا عنـادا لجده * فقد قتلت رسل الالـه وصلبــوا
وأنا نعد القتــل أعظـم فخرنـا * بيـوم به شمس النهــار تحجب
فما لكم والفخــر بالحــرب انها * اذا ما انتمث تنمى الينــا وتنسب
هداة الورى في ظلمة الجهل والعمى * اذا غاب منهم كوكب بـأن كوكب
كفاهم فخــارا أن أحمـد منهــم * وغيرهم أن يدعوا الفخــر كذبوا

وفي أمالي الصدوق في الحديث الثاني من المجلس 62 حدثنا أحمد ابن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن حمزة بن حمران دخلت الى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال لي يا حمزة من أين أقبلت قلت من


( 79 )

الكوفة فبكى حتى بلت دموعه لحيته فقلت له يا ابن رسول الله ما لك أكثرت البكاء قال ذكرت عمي زيدا وما صنع به فبكيت فقلت له وما الذي ذكرت منه فقال ذكرت مقتله وقد أصاب جبينه سهم فجاء ابنه يحيى فانكب عليه وقال له أبشر يا أبتاه فإنك ترد على رسول الله وعلى فاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم قال أجل يا بني ثم دعي بحداد فنزع السهم من جبينه فكانت نفسه معه فجيء به الى ساقية تجري عند بستان زائدة فحفر له فيها ودفن وأجري عليه الماء وكان معهم غلام سندي لبعضهم فذهب الى يوسف بن عمر من الغد فأخبره بدفنهم إياه فأخرجه يوسف بن عمر فصلبه في الكناسة أربع سنين ثم أمر به فأحرق بالنار وذري في الرياح فلعن الله قاتله وخاذله والى الله جل اسمه اشكو ما نزل بنا أهل بيت نبيه بعد موته وبه نستعين على عدونا وهو خير مستعان.
قال المفيد في الارشاد ولما قتل زيد بلغ ذلك من أبي عبدالله عليه السلام كل مبلغ وحزن له حزنا شديدا عظيما حتى بأن عليه وفرق من ماله على عيال من أصيب مع زيد من أصحابه ألف دينار . وفي أمالي الصدوق في الحديث 13 من المجلس 54 حدثنا أبي حدثنا عبدالله ابن جعفر الحميري عن ابراهيم بن هاشم عن محمد بن أبي عمير عن عبدالرحمن بن سيابة قال دفع الي ابو عبد الله الصادق جعفر بن محمد الف دينار وامرني أن اقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي فقسمتها


( 80 )

فاصاب عبدالله بن الزبير اخا فضيل الرسان أربعة دنانير وفي عمدة الطالب روى الشيخ ابو نصر البخاري عن محمد بن عمير عن عبدالرحمن بن سيابة قال أعطاني جعفر بن محمد الصادق الف دينار وأمرني أن افرقها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب كل رجل أربعة دنانير.
قال أبو الفرج ووجه يوسف برأسه الى هشام مع زهرة ابن سليم فلما كان بمضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج فانصرف واتته جائزته من عند هشام.
وفي معجم البلدان ج8 ص77 عند الكلام على مصر وعلى باب الكورتين مشهد فيه مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ثم حمل الى مصر فدفن هناك وفي عمدة الطالب قال الناصر الكبير الطبرستاني لما قتل زيد بعثوا برأسه الى المدينة ونصب عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما وليلة كأنهم يريدون أن يقولوا يا محمد هذا رأس ولدك الذي قتلناه بمن قتل منا يوم بدر نصبناه عند قبرك . وروى ابو الفرج باسناده عن الوليد بن محمد الموقري كنت مع الزهري بالرصافة فسمع أصوات لعابين فقال لي أنظ ما هذا فاشرف من كوة في بيته فقلت هذا رأس زيد بن علي فاستوى جالسا ثم قال أهلك أهل هذا البيت العجلة فقلت له أو يملكون قال حدثني علي بن حسين عن أبي عن فاطمة أن رسو الله (ص) قال لها المهدي من ولدك.
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن الوليد ابن


( 81 )

محمد الموقري قال كنا على باب الزهري اذ سمع جلبة فقال ما هذا يا وليد فنظرت فاذا رأس زيد يطاف به بيد اللعالبين فأخبرته فبكى وقال أهلك أهل هذا البيت العجلة قلت ويملكون قال نعم حدثني علي ابن الحسين عن أبيه أن رسول الله (ص) قال لفاطمة ابشري المهدي منك ( وقول ) ما أهلك أهل هذا البيت العجلة ولا نفعهم الابطاء وإنما أهلكهم يوم معلوم مشهور كان السبب الاول لغصب حقوقهم وسفك دمائهم وان يحكم فيهم من لهم الحكم فيه ومن أجله دفنت الزهراء سرا وفيه قتل علي بن أبي طالب لا في التاسع عشر من شهر رمضان وفيه سم الحسن وفيه أصيب الحسين كما قال القاضي ابن أبي قريعة لا في يوم عاشورا وفيه قتل زيد وابنه يحيى وعبدالله بن الحسن وأهل بيته والحسين صاحب فخ وسائر آل أبي طالب . قال أبو الفرج : وأمر يوسف بن عمر بزيد فصلب بالكناسة عاريا وصلب معه من أصحابه معوية بن اسحق وزياد النهدي ونصر بن خزيمة العبسي ومكث مصلوبا أربع سنين الى أيام الوليد بن يزيد سنة 126 ( وفي رواية أن الفاختة عششت في جوفه ) فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد الى يوسف ( أما بعد ) فاذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل اهل العراق فأحرقه وأنسفه في اليم نسفا والسلام فأمر يوسف عند ذلك خراش بن حوشب فأنزره من جذعه فأحرقه بالنار ثم جعله في قواصر ثم حمله في سفينة ثم ذراه في الفرات .
وقال المسعودي : ذكر أبو بكر بن عياش وجماعة أن زيدا


( 82 )

مكث مصلوبا خمسين شهرا عريانا فلم ير له أحد عورة عورة سترا من الله له وذلك بالكناسة بالكوفة فلما كان في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك وظهر ابنه يحيى بن زيد بخراسان كتب الوليد الى عامله بالكوفة أن أحرق زيدا بخشبته ففعل به ذلك وأذري في الرياح على شاطىء الفرات قال ابن عساكر صلب عاريا فنسجت العنكبوت على عورته وقيل تدلت قطعة لحم منه فسترت عورته.
ورأى جرير بن حازم كما في مقاتل الطالبيين وتهذيب التهذيب النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو متساند الى جذع زيد بن علي وهو مصلوب وهو يقول للناس أهكذا تفعلون بولدي . وقال ابن عساكر أن الموكل بخشبته رأى النبي (ص) في النوم وقد وقف على الخشبة وقال هكذا تصنعون بولدي من بعدي يا بني يا زيد قتلوك قتلهم الله صلبوك صلبهم الله فخرج هذا في الناس فكتب يوسف بن عمر الى هشام أن عجل الى العراق فقد فتنوا فكتب اليه هشام أن احرقه بالنار. وجازى الله يوسف بن عمر على سوء فعلته في دار الدنيا والعذاب الآخرة أشد وأبقى فإنه لما ولي يزيد بن الوليد استعمل على العراق منصور بن جهور فلما كان بعين التمر كتب الى من بالحيرة من قواد أهل الشام يأمرهم بأخذ يوسف عماله فعلم بذلك يوسف فتحير في أمره ثم إختفى عند محمد بن سعيد بن العاص فلم ير رجل كان مثل عتوه خاف خوفه ثم هرب الى الشام فنزل البلقاء فلما بلغ خبره يزيد ابن الوليد وجه اليه خمسين فارسا فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه


( 83 )

قطيفة خز وجلسن على حواشيها حاسرات فجروا برجله وأخذوه الى يزيد فوثب عليه بعض الحرس فأخذ بلحيته نتف بعضها وكانت تبلغ الى سرته فحبسه يزيد وبقي محبوسا ولاية يزيد وشهرين وعشرة ايام من ولاية ابراهيم ثم قتل في الحبس هذا مختصر ما في كامل ابن الاثير.
والتمثيل بالقتيل بعد الموت يدل على خسة النفوس وخبثها والرجل الشريف النبيل يكتفي عند الظفر بخصمه بقتله أن لم يكن للعفو موضع وتأنف نفسه ويأبى له كرم طباعه التمثيل بعدوه ولو كان من أعدى الاعداء بل لا يسلبه ثيابه ولا درعه كما فعل أمير المؤمنين علي عليه السلام حين قتل عمرو بن عبدود واستدلت أخته بذلك على أن قاتل أخيها رجل كريم وقال له بعض الاصحاب هلا سلبته درعه فإنها داوودية فقال كلا أن عمرا رجل جليل وافتخر بذلك فقال :

وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المجدل بزني أثوابي

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ولو بالكلب العقور وكانت سيرة بني أمية رجالهم ونسائهم وسيرة عمالهم المقتدين بهم والمتبعين لاوامرهم التمثيل بالقتلى من أخصامهم فمثلت هند ابنة عتبة ام معوية وزوجة أبي سفيان بقتلى أحد واتخذت من آذان الرجال وآنافهم خدماوقلائد وبقرت عن كبد حمزة وأخذت منها قطعة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها وسمية آكلة الأكباد وعير بنوها بذلك


( 84 )

الى آخر الدهر وسموا بني آكلة الاكباد وأمر أمير المؤمنين علي عليه السلام ولده أن يفنوه ليلا ويخفوا قبره خوفا من بني أمية أن ينبشوه ويمثلوا به لما علمه بما سمعه من الرسول (ص) من دولتهم ومثل دعي بني أمية وابن دعيهم بمسلم بن عقيل وهاني بن عروة ومثل ابن سعد بأمر الدعي ابن الدعي بالحسين سبط رسول الله (ص) وريحانته يوم كربلاء وبأهله وأصحابه ومثلوا بزيد بن علي افظع المثلة كما سمعت فدلوا بذلك على خبث سرائرهم وسوء ضمائرهم ولؤم طباعهم وخسة نفوسهم ودناءتها وبعدهم عن الشهامة ومكارم الاخلاق وسمو الصفات

ملكنا فكــان العفو مناسجيـة * فلما ملكتــم سال بالدم أبطـح
وحللتـم قتل الاسارى ولم نزل * نعف عن العاني الاسير ونصفح
وحسبكم هذا التفاوت بيننــا * وكــل إنـاء بالذي فيه ينضح

ولئن أحرق هشام عظام زيد بنار الدنيا فقد سلط الله عليه وعلى أهل بيته من بني العباس من نبشهم وأحرقهم بنار الدنيا وأحرق الله هشاما وأهل بيته لظلهمهم وإلحادهم بنار الآخرة التي لا أمد لها .
قال المسعودي : حكى الهيثم بن عدي الطائي عن عمر بن هانىء قال خرجت مع عبدالله بن علي لنبش قبور بني أمية في أيام أبي العباس السفاح فانتهينا الى قبر هشام فاستخرجناه صحيحا ما فقدنا منه الا حثمة (1) انفه فضربه عبدالله بن علي ثمانين سوطا ثم أحرقه واستخرجنا سليمان من أرض دابق فلم نجد منه شيئا الا صلبه
____________
(1) الحثمة بسكون الثاء المثلثة ارنبة الانف.
( 85 )

واضلاعه ورأسه فاحرقناه وفعلنا ذلك بغيرهما من بني أمية وكانت قبورهم بقنسرين ثم انتهينا الى دمشق فاستخرجنا الوليد بن عبدالملك فما وجدنا في قبره قليلا ولا كثيرا واحتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا الا شؤن رأسه ثم احتفرنا عن يزيد بن معوية فما وجدنا فيه الا عظما واحدا ووجدنا مع لحده خطا أسود كأنما خط بالرماد في الطول في لحده ثم اتبعنا قبورهم في جميع البلان فاحرقنا ما وجدنا فيها منهم. قال المسعودي : وانما ذكرناهذا الخبر في هذا الموضع لقتل هشام زيد بن علي وما نال هشاما من المثلة وما فعل بسلفه من الاحراق كفعله بزيد بن علي لكنه لم يذكر مؤسس ملكهم العضوض باسمه وان دخل في عموم قوله ولا شك أنه فعل به ما فعل بهم وعدم التصريح به لامر ما قال ابن ابي الحديد في شرح النهج ج2 ص205 قرأت هذا الخبر على النقيب ابي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي ابن عبدالله في سنة 605 وقلت له اما إحراق هشام باحراق زيد فمفهوم فما معنى جلده ثمانين سوطا فقال رحمه الله أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك الى حد القذف لأنه يقال أنه قال لزيد يا ابن الزانية لما سب أخاه محمد الباقر عليه السلام فسبه زيد وقال له سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الباقر وتسمية أنت البقرة لشد ما اختلفتما ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار وهذا استنباط لطيف.
قال ابن الاثير ثم أن يوسف بن عمر خطب الناس بعد قتل زيد وذمهم وتهددهم.