الشَّيخُ

عَبدُ المُنعِم الفَرطُوسي


حَيَاتهُ وَأدَبُهُ


تَأليفُ
حَيدَر مَحَلاّتي

المكتبة الادبية المختصة
( 5 )



( 3 )

بسم الله الرحمن الرحيم


( 4 )

« هذا الكتاب هو في الأصل رسالة جامعية تقدّم بها صاحبها لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي من كلية اللغات بجامعة اصفهان. وقد نوقشت صباح يوم الأربعاء 24 | 5 | 1419 هـ الموافق 16 | 8 | 1998م. وقد نال بها صاحبها وبفضل من الله وتوفيقه درجة الماجستير بمرتبة امتياز مع تقدير لجنة المناقشة والحكم ».


( 5 )

كلمة المكتبة الأدبيّة المختصّة

الحمد لله رب العالمين والصلاة على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
لمدرسة النجف الأشرف في الأدب ـ شأنَ كل تكوينها العلمي الحضاري العتيد ـ حضورٌ طاغٍ يمتدُّ إلى أجيال متلاحقة ساهمت في إشادة البُنية الفارهة للكلمة.. الكلمة التي اعتبرت ذاتَها امتداداً لإعجاز أمير اللغة والبيان وإمام الفصاحة الفذّة علي بن ابي طالب عليه السلام نشأ الأديبُ النجفيُّ في ظلّ وادي السلام المسكون بالعبقريّة حتى يتملّكَهُ هذا الجنوح الغريب إلى فتق المفردات ومعالجة الأفكار.. ربّما للمغناطيسيّة الهائلة التي أودعَها علي عليه السلام واهبة إبداعاً ورؤيا يجذبان إليهما كلَّ رفيفِ شعورٍ ونديِّ قول..
وهكذا فالنجفيُّ مسكونٌ ـ أبداً ـ بالشعريّة في الشعر والنثر كليهما على مرّ الف عام او يزيدون ، لا سيّما في قرنها الحاضر الأخير.
ولا اراني مبالغاً لو قلت انّ مدرسة النجف أفرزت ركاماً هائلاً من النتاج الأدبي يتعدّى حتى نتاجها العلمي الشاخص في جهود علمائها الأفذاذ ، بل لصحَّ لو قرّرنا ان أيّة حاضرة علمية في التاريخ لم تتلبَّسْها هذه الروح الفريدة كالغريّين.
وما برحت أصداء النديّ الخالد تتردّد في شرق العالم وغربه.. وما برحت أشباح السمار تهوّم في الزمان والمكان تنأى لتقترب وتغيب لتشرق مطلعَ كلِّ مصطبَح وأوانَ كلِّ مغتبق رغم الصمت والحزن والكبرياء الجريحة في يومها المرير هذا..
فلا غروَ ـ اذن ـ والحالُ هذه ان يمتدّ الجذرُ الكبير حتى دوحة عبد المنعم الفرطوسي الوارفة التي طالما تفيَّأَ ظلالَها كاتبُ هذه السطورِ المكلومةِ وغيرُه الكثيرون ـ من قبلُ ومن بعدُ ـ لتحضر النجف بكلّ خُيَلائها وزبرجها في اللفظ والمعنى..
ولقد كان الشيخُ الفرطوسيُّ ـ فيما يمثِّلُ من صفاتِهِ الجمّة ـ واعيةَ الكلمة العلويّة


( 6 )

المقدّسة بشقشقتِهِ التي هدَرَتْ فما قرّتْ حتى نصف قرنٍ من العطاءِ والجهاد والاستبسال بين يَدَي أهدافها الكبيرة في نصرة الحقّ والانتصاف للهدى والامتياح من النبع السرمدي..
وهو ـ ازاء ذلك ـ يشكّل ظاهرةً شعريّة امتلكت زمام الفرادة في ثرائها وعنفوانها حق لها ـ لو كان ثمّةَ نُعمى للحق ـ ان تُرصد ويُكتب عنها : بحثاً وتمحيصاً وتوثيقاً ، لكنّها بعد ان ادّت ما عليها من ضريبة القول والموقف لم يشأ لها زمنها الذي عاشه شاعرُها إلاّ غمطاً وظلماً.. على انَّ الفرطوسي كان وسيبقى حاضراً بكلّ جلالِه وحِدائه المميَّزَيْن في الذاكرة حتى عند من لم يحضرْه أو يعاصرْه.. وكان من اولئك الذين شهدوه بعد زمنه ـ بقليلٍ ـ فاكتَنَفَتْه روحُ الفرطوسي وإبداعُه : أحَدُ أبناء حاضرة النجف الباحث الجامعي الدؤوب الاستاذ حيدر محلاّتي ( الخفّاف ) من خلال دراسة جادّةٍ موفّقةٍ رغم ندرة المصادر والاحالات عن موضوع البحث ، شاءَ لها صبرُ صاحبها ومراسُه الفتيُّ ان تتوافر على صفات النجاح والتوفيق بما يفتح الباب مشرَعاً على ارتياد عوالم الفرطوسي الرحبة.. وكان خرج منها بحصيلةٍ وافرة قرّبت الصورة إلى مدياتها الحقيقية عن العالم الشاعر الفرطوسي الموهوب ، والمكتبة الادبية المختصّة إذ تبادر إلى نشر مثل هذه الدراسة الرائدة تجد نفسها معنيّةً بخدمة رموز الأدب الولائي المبارك الذين مثَّل الفقيد الكبير ـ موضوع هذه الدراسة ـ واحداً من رموزه الشاخصين ، كما تهيب بالأخوة الاُدباء والباحثين ان يرفدوا بعطائهم ونتاجهم مسيرة هذه الكلمة الأدبيّة الطيّبة حتى تؤتي اُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها.. عسى أن نكون نحن جميعاً من ذوي الزاد في مسيرة العروج إلى طهر أهل البيت عليهم السلام الدين وأتباعهم الخالدين.

مدير المكتبة الأدبية المختصة
فرات الأسدي
غرّة ربيع الثاني | 1420هـ





( 7 )

المقدمة


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
وبعد :
فلم تزل مدرسة النجف في جميع أدوارها التاريخية حافلة بمشاهير الشعراء وأكابر الأدباء والعلماء ممّن أسهموا مساهمة فعّالة في إحياء التراث العربي ، وصيانته من اللغات الدخيلة.
ولهذه المدرسة سجل حافل بأسماء تلاميذها الأذكياء والنوابغ ممن أثروا المكتبة العربية بروائع نتاجهم ، وأمدوا الثقافة والمعرفة بجلائل آثارهم وعظيم أفكارهم وآرائهم.
ومن هؤلاء الشاعر الكبير الشيخ عبد المنعم الفرطوسي الذي لم تعرف النجف على مرّ عصورها مثيلاً له من حيث غزارة الشعر ووفرة النتاج الأدبي. فقد بلغت أبياته الشعرية التي نظمها طوال مسيرته الأدبية خمسين ألف بيت ، الحدّ الذي لم ينازعه فيه شاعر لا من قديم ولا من حديث.
والغريب أنَّ شاعراً كالفرطوسي وبهذا الكم الهائل من الإبداع الأدبي لم يعن باهتمام النقاد والمعنيين بشؤون الأدب ، الأمر الذي دفعني إلى دراسة حياته ،


( 8 )

والتعمق في شعره على الرغم من ضآلة المصادر وقلة المراجع المعنية بهذا الموضوع.
وقد ضمت الدراسة ثلاثة أبواب ، تناول الباب الأول بيئة الشاعر أي مدينة النجف ، ومالها من معالم تاريخية ودينية ، بالاضافة إلى واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي. وقد كان ضرورياً بحث هذه الجوانب من بيئة الشاعر باعتبار انّ هذه البيئة لم تعد تشكل هاجساً عاطفياً لدى الشاعر لكونها مهد طفولته وموطن نشأته فحسب ، بل ولأنها أصبحت تجسد في فكره مفهوماً حضارياً راقياً وواقعاً تاريخياً هاماً كما سيتضح من خلال البحث.
أمّا الباب الثاني فقد سلط الضوء على جوانب مختلفة مما يتصل بحياة الشاعر الخاصة من قبيل مولده ونشأته ، اُسرته وقبيلته ، سيرته وخلقه ، آثاره ومؤلفاته ، وأعماله ونشاطاته في الميادين السياسية والإجتماعية والثقافيّة.
وفي الباب الثالث تركز الحديث على شعر الشاعر فضم أربعة فصول :
الفصل الأول : في بدايات الفرطوسي الشعرية ، والعوامل التي أثّرت في شعره ، بالإضافة إلى المراحل والأدوار التي مرّ بها الشاعر طيلة عمله الأدبي.
الفصل الثاني : حول الموضوعات الشعرية الرئيسية عند الشاعر ، وهي : السياسة ، والاجتماع ، والعقيدة.
الفصل الثالث : في الأغراض الشعرية المتمثلة بشعر المديح ، والرثاء ، والوصف ، والغزل ، وشعر التأريخ.
الفصل الرابع : تناول بالتفصيل ملحمة الشاعر الموسومة بملحمة أهل البيت عليهم السلام. وفيه حديث مفصل ومطول عن أوليات الملحمة وتاريخها ، وكذلك ميزات ملحمة الشاعر ، وما يتعلق بها من أحاديث وموضوعات.


( 9 )

وقد اعتمدت في اعداد البحث على عدة مصادر تفاوتت من حيث الأهمية والموضوع. من أهمها : كتاب « ماضي النجف وحاضرها » للشيخ جعفر آل محبوبة ، وكتاب « شعراء الغري » لعلي الخاقاني ، وكتاب « حركة الشعر في النجف الأشرف وأطواره خلال القرن الرابع عشر الهجري » للدكتور عبد الصاحب الموسوي. واضافة إلى هذه الكتب وكتب اخرى فقد بقي ديوان الشاعر وملحمته الشعرية أهم مرجعين اعتمدتهما طوال البحث.
أمّا منهجية العمل فقد حرصت في بادئ الأمر على أن يخرج البحث بموضوعية تامة ونزاهة كاملة بعيداً عن الأحكام التعسفية والنقد اللاذع الذي من شأنه أن يُدخل البحث في متاهات لا تتماشى وروح البحث وصميم الدراسة.
وجلّ عملي في البحث قائم على تحليل النصوص الشعرية ودراستها من الناحية الموضوعية في استقصاء يهدف في الوهلة الأولى الى تعيين مواطن اهتمام الشاعر ، ثم تقييم نتاجه الأدبي تقييماً علمياً يبرز مدى قابليته وتفوقه في عالم الشعر والقريض.
ختاماً أتقدم بوافر شكري وجزيل امتناني لاُستاذي المشرف الدكتور عبدالغني ايرواني زاده على ما بذله من جهد وما اسدى من نصح خلال إعداد الرسالة. كما واشيد بالجهود والملاحظات القيمة التي أبداها الاُستاذ المساعد الدكتور نصرالله شاملي عند اطلاعه على مسودات الرسالة.
أسأل الله أن يجعل عملي هذا مما ينتفع به ، انّه وحده ولي التوفيق. والحمد لله ربّ العالمين.

حيدر محلاتي