الملاحق



(282)



(283)

الملحق رقم (1)

شجرة آل الفرطوسي



(284)



(285)



(286)



(287)

الملحق رقم (2)

من صور الفرطوسي



(288)



(289)



شاعر أهل البيت الشيخ عبد المنعم الفرطوسي


(290)



الشيخ الفرطوسي
في العقد الرابع من عمره







وفي شيخوخته

















(291)


من اليمين : الشيخ محمد علي اليعقوبي ـ الشيخ الفرطوسي مصافحاً اللأمير عبدالله ـ
الملك فيصل الثاني ـ نوري السعيد


الشيخ الفرطوسي مع نجله الشيخ حسين


(292)


من اليمين : الخطيب الشيخ قاسم الحائري ـ الشيخ الفرطوسي ـ الخطيب
الشيخ جعفر الهلالي ـ السيد عبدالله الغريفي



الشيخ الفرطوسي ـ الشيخ الهلالي


(293)

الملحق رقم (3)

الفرطوسي في الشعر



(294)



(295)

أخي (1)


السيد محمد جمال الدين الهاشمي


يـرف إليـك قلـب مستهـام * كما رفت علـى الأيك الحمـام
وتلتفت العواطف وهي حسرى * لعهـد قـد نمـا فيـه الغـرام
ويندفـع النشيـد إليـه شوقـاً * فـللأنغــام حشـد وازدحـام
تحن إلـى ليـال قـد تـوالت * علينـا ، والخطـوب بهـا نيام
تـدور بها العـواطف جائشات * كما دارت علـى الشرب المدام
بهـا نعـم الشباب بمـا اشتهاه * وحاشـا لـم يـدنسـه الحرام
إلـى أن شاخ عمـر الدهر فينا * ولفـت عـن مـرابعنا الخيام
هرمنـا وانزوت عنا الأمانـي * وجفّ الحقـل وانطفـأ الهيـام
وأمـست تعبث الأحـداث فينا * وعـدنـا لا نسيـم ولا نسـام
قنعنـا بـالحيـاد نلـوذ فيـه * فليس لنـا اصطراع واصطدام
ولكـن الزمـان أبـى علينـا * هـدوء يستكـن بـه السـلام
فشق علـى بقايا العزم حـرباً * مـن الأعصاب ليس لهـا نظام
فاقعدنـي ، وأطفأ منك فجـراً * بـه قـد كـان ينجـاب الظلام

____________
1 ـ أرسلها الشاعر من النجف إلى الشيخ الفرطوسي عندما كان يقيم في « سويسرا » للعلاج عام 1385هـ. وكان الشيخ الفرطوسي قد بعث إليه قصيدة « ذكريات » على نفس الوزن والقافية.

(296)

وسرت إلى « السويس » وان قلبي * علـى بلـد حـواك لـه حيــام
* * *
اخَيَّ أثـرت احسـاسي بشعر * يفوح هـوى كما فـاح البشام
عواطف منك قد دمعت فادمت * كلومـي فهي مـن ألم كـلام
وقد يبري الـكلام بشفرتيـه * أسى مـا ليس يبريـه الحسام
ندبت به « أبا المهدي » كهفاً * به للدين حرز واعتصـام (1)
إمـام المؤمنين هـدىً وعلماً * وللإسـلام حصـن لا يـرام
أبو الغـرر العظـام تزل عنه * إذا اصطدمت به النوب الجسام
بــراه الله لـلإيمـان ظـلاً * تلـوذ به المجـاهدة الكـرام
ودام علـى الهدى منه لـواء * بـه للنصـر سعـي واقتحام
* * *
فزعت إلى أبي الحسنين حـبّاً * به ينجـو المحـبّ المستظـام
وصي المصطفى من فيه قامت * شريعتـه وطـال لهـا مقـام
يجلّ عن القياس بمـن سـواه * ويعظم أن يقـاس بـه الأنـام
إذا ذكـر اسمـه رفـت عليه * مـن الله التحيــة والسـلام
به تقضى الحوائج حين تعصي * علـى أحـد وتنكشـف العظام
ولايتـه لنـا حـرز وأرجـو * بهـا لك أن يفـارقـك السقام
* * *
تبلغك التحـايا الغر صحب * على ما عاهـدوك به أقاموا
إليك هفت عـواطفهم ظماء * وفـي النجوى يبل لهم أوام
فطب نفساً فـانّك في سماء * من الذكرى يجللها احتشام (2)

____________
1 ـ أبو المهدي هو المرجع الديني آية الله السيد محسن الحكيم.
2 ـ ديوان الهاشمي ، مخطوط.


(297)

أخي منعم (1)

السيد محمد جمال الدين الهاشمي


قفا واغمـر الحفل آلامـاً واشجانا * وثُر على الوضع طـوفاناً وبركانا
وخاطب المـربع المهجـور أنّ به * روحـاً تقمّصها التـاريخ جثمـانا
فـي ذمـة الفـن آيـات يـرددها * فـم الزمان علـى الأجيـال قرآنا
كانت بها حفلات الـروح عامـرة * بالسحر ما يهتز منها الدهر نشوانا
من أخرس الوتر المـرنان فانبعث * تمنـه الأغـاريد أعوالاً وارنـانا
أيـن الاُولى رفعـوا للشعر أخبية * يرتاح فـي ظلها الوجـدان جذلانا
صـانت بـه لغـة القـرآن رافعة * لـها كياناً يهـز الـدهر عنـوانا
وأرهفت قـابليات جـرت فشـأت * مواهبـاً خطت التـاريخ ميـدانـا
كم فـي الغري رعـاه الله محتفـلاً * في ذمـة الـذوق نرعـاه ويرعانا
مـدارس الوحـي كم ربّت عباقرة * يعنو لها الفن اخـلاصاً وإيمـانـا
عـجّت بها حلبـات الشعر بـاكية * حينـاً وبـاسمة بـالشدو أحيـانا
فـان هـوى علـم للمجـد ترفعه * شعـراً يـرفرف تأبينـاً وتحنـانا
تكـرم الشعـر فـي تكريم رفعته * وترفع الشعر فـي تـرفيعه شـانا

____________
1 ـ في رثاء الشيخ علي الفرطوسي عم الشاعر عبدالمنعم. نظمت في الأول من جمادى الثانية عام 1371هـ.

(298)

حتى نما الوحي افناناً وذاق بـه * وادي الغري مـن الامتاع افنانا
أواه صوح ذاك الحقل وانتثرت * أزهاره وذوى حسنـاً واحسانـا
* * *
اُخَيَّ منعم هاك الكأس فاض بها * قلبي كمـا تشتهي حبّاً ووجدانا
وقد يسوؤك أن أغفى النديم ولم * يستقبل السمر السكران سكرانا
فقد تغيّر لـون الحبّ واختلفت * قيثارة الـروح أوتـاراً والحانا
لـم يبق للحب كِنٌّ نستظل بـه * فقـد تبعثـر أكنـاناً وأوكـانا
* * *
منـي السلام على عهد ومجتمع * عشنا به في ظلال الحب اخوانا
وللقلـوب صفـاء لا يكــدره * تفـاوت الجنس اقداراً واثمـانا
المجـد ما شادت التقوى قواعده * والنصر ما حازه الإيمان اذعانا
* * *
علـى الفقيد سقى الغفـران تـربته * نثـرت دمعـي مقاطيعـاً وأوزانـا
شيخ أناف على السبعين ما انحرفت * أيامـه الغـر عـن نهج الهدى آنـا
جارى الحوادث حتـى فاتها فهوت * ترجوه لو تـرتجى الأحداث غفرانـا
لم يشك مـن نوب الدنيا ولو عثرت * بالبحـر يوماً لهاج البحـر طـوفانا
انّ الرضـا بقضـاء الله منـزلـة * يسمو لها من سمـا بـالله عـرفانا
يقضي النهـار وذكـر الله يعمـره * وبالمنـاجاة يقضـي الليل سهـرانا
يهنيه عمـر مضى والخير يصحبه * والخلـد سجلـه للمجـد بـرهانـا
كالفجـر زال وأبقى اللطف يعرضه * للذوق مـا شـاء أوصـافاً وألوانـا
عمر كمـا شاءه الإيمان مـا تركت * بـه الحوادث أو ضـاراً وأدرانـا


(299)

في ذمـة الفضل والإيمـان سيرته * تبقـى لترشـد أجيـالاً وأزمـانا
صبراً ذويه على مـا نابكم فبكـم * قد أنزل الصبر قبل اليوم فرقانا (1)

____________
1 ـ محمد جمال الدين الهاشمي : ديوان وحي الشعور ، مخطوط.

(300)

يافارس الحمى (1)

الشيخ محمد حيدر (2)


ضـاربَ العود أنت في كل نفس * وتـرٌ غـارقٌ بـأحلام عُـرس
قـد تعاليت فـي طباعك حتـى * قيل بعض الطباع من غير جنس
عبـرٌ قـد عبـرتهـا لاهثـات * وتقحمـت نـارهـا فـي دمقس
نشوة العمر ـ والشباب طريٌ ـ * أنـت غنيتهـا بـآيـات قـدس
وتعـرفت ـ والمعارف شتى ـ * ( بـالخليلين من يراع وطرس )
أنـت فـي مطلع السعـادة نجم * كيـف تشقى ومـا أغيم بنحس
ألـف درس من الحـوادث يُتلى * أنـت أوجـزت محتواها بدرس
* * *
شعلـةُ الفكـر مـا تـزال تغـذي * فحمة الليـل بين يومـي وأمسـي
تتحدى الأبعـاد ـ والنجم غاف ـ * بسنـاها فـي كـل تيـه ولبـس
لسـت فـي ناظريـك أنت مُـدلٌ * إنّمـا أنـت بـانـطلاقـة حـسّ
لست يافارس الحمى ـ والكفاح الـ * ـمر يضري تجول من غير ترس

____________
1 ـ كان المرحوم الفرطوسي قد ضعف بصره أواخر عمره ونظم قصيدة رقيقة في ذلك ، مطلعها :

إن يومي الكئيب يبكي لأمسي * وكأني أرثـي لنفسي نفسي

وقد أثارت القصيدة عواطف عدد من أصدقائه الشعراء ، فباروا القصيدة بوزنها وقافيتها اكباراً للشيخ الفرطوسي وتخفيفاً من آلامه ومنها هذه القصيدة والتي تليها.
2 ـ محمد حيدر ولد سنة 1346هـ. عالم متجدد في اُسلوبه ، وشاعر متفنن ، وكاتب جليل وخطيب متكلم. له « ديوان شعر ». ( معجم رجال الفكر والأدب في النجف ، ج1 ، ص461 ).


(301)

( فسلاح الإيمـان أمضى سلاح ) * أنـت فيـه علـى سلامـة نفس
حلمــك العبقـري يمتـار فـينا * عـاطفات مـا بين عـود وكأس
شاعـر أنـت أي بستـان حـب * ليس فيـه لديـك أجمل غـرس
بضّعـت قـلبك التجاربُ حتـى * أنهلت منـه كـل رطـب ويبس
لا تقل ـ والضحـى وليد أمانيـ * ـك ودنيـاك فـي مطالع اُنس :
( ان ليلي البهيـم مـن غير نجم * ونهاري المغيم مـن غير شمس )
لـك يا فـارس الحمـى وثبـاتٌ * وثبـاتٌ ما بيـن عـرب وفرس
أنت الف الضمير عـن كـل الف * وطليق الشعور مـن غيـر حبس
وكتـاب الحيـاة أنـت معـانيه * النشـاوى وأنــت أبلـغ درس
أنـت بالفكر ـ لا بعينيـك ـ فذٌ * تسبـر الحادثـات طـرداً لعكس
كـم علـى الدرب عبقري طموحٌ * يتحـدى الـدُنـا بقـوة حـدس
وعلى أيكـة الهـوى كـم تغنّـى * عنـدليب بـألسن لـك خـرس
ان تعـريت مـن يراع وطـرس * لا عدمت الشعـاع مـن امّ رأس
مـكتب النفس مـا يضـمّ فـؤادٌ * مـن علوم ـ لا ما يُضم بطرس
قيم الورد بالعطور ـ ومعنى اللفظ * لا اللفظ ـ مـن بحوثي ودرسي
أنــا أنكــر الحقيقــة فيمـا * تدعيه ان كنت أعـرفُ نفسـي
انّ للعيـن فـي الحيـاة مجـالاً * غيـر مـا للسماع في كل جنس
فهما ـ ان صدقتُ ـ نبعـا شعور * وجناحـاه فـي مجـالات حـس
غيـر انّ القضـاءَ وهـو حـكيمٌ * عـادلٌ ، منصفٌ ، بـكل مجسِّ
لستَ فـي محنـةِ الظـلامِ وحيداً * يا مديرَ الكؤوس من غيـر كأس
ألف نـفس لـم تدرِ أيـنَ هداها * وعلـى الأُفق ألفُ شمس وشمس
* * *


(302)

ضارب العـود أنت فـي كل دورٍ * مرهفُ الحس حيثُ تغدو وتمسي
القـوافـي اللطـافُ منبت طهـر * لا اُصيبَ الرجـاءُ منهـا بيأس
لحظـةٌ تـوقـظ المشـاعر فيهـا * هـي دنيـاك عنـد شيـخ وقس
واعتـدادٌ فـي النفـس أبلـغ زادٍ * فـي طريـق الحيـاة للمتـأسي
انّ أضـلاع كـوخـك المتـداعي * دونه القصر مـن حديد وكـلس
خـل عنـك العتاب فهـو شجون * كل فـرد منـا مصـاب بـمس
وقلـيلٌ مـا هـم أخـلاء صـدق * جُبل الناس مـن صخور وجبس
وضحـايا الـوفاء تُـرمى بعشـرٍ * حين ترمى ان كنت تُرمى بخمس
زرعوا صبـرهم وخـاطوا ثيـاباً * مـن حنانٍ وعـاشرونـا بأنـس
ياعريشاً قـد اعتصرنـا زمـانـا * مـن عنـاقيـده حُميّـا التـأسي
تحـت أغصــانـه تفيـأ قـلبٌ * حائـرٌ ينشـدُ الـرجاء بـهمس
لغـة الـروح كـم تحـدّر عنهـا * ( كلُ معنىً من العواطف سلس )
في سمـاء الخيـال لـحظةُ فـكرٍ * يبحث السـر بيـن سعد ونحس
وكمـا قلتَ ـ فـالسعادة وهـمٌ ـ * طالعته العيون مـن غيـر لمس
كيـف تُـرجـى سعـادة لأُنـاس * بين نـابٍ مـن الشقاء وضرس
وإذا كنـت فـي خصوبـة ذهـن * ( وجَنان صلد القوى غير نكس )
وإذا قـلت فـي لسـان القـوافي * ( ان يومي بالأجر يفضل أمسي )
فــعلامَ البكــاء والليــل زاهٍ * وعـلامَ الـرثاء من غيـر تعس
انّ قلبـاً يـعيش غـرّ المعـانـي * كيـف تطـوي علاهُ ظلمةُ رمس
عش مـع الفجر في جناح الأماني * ومـع الشهب بـابتسامـة عرس
وإذا اظــلم الفضــاءُ بعيــن * لك فـالقلبُ مُستهـلٌ بشمس (1)

____________
1 ـ مجلة الموسم : العددان 2 ـ 3 ( 1989م ) ، ص708 ـ 710.
(303)

البصر والبصيرة

د. حازم سليمان الحلي (8)


صائـغَ اللفظ انّ حبسـك حبسي * أنتَ مـا بيننـا ولست بـمنسي
أنت فينـا فكرٌ يُنيـر الديـاجي * ويراعٌ يجـري على كل طرس
أنـت فينا شعـر يفيض حمـاساً * هو خلوٌ مـن كـل عيب ولبس
كنت في أحلك الظـروف جريئاً * لم تكـن خائفاً ولـست بنكـس
يـا سجيناً في المحبسين وقاك الله * مـن كـلِّ مـا يجـرُ ليــأس
مـا عهدناك في الخطوب جزوعاً * أنتَ في الحادثات صاحب بـأس
فتفـاءل ولا تقـولن : ( عنـدي * ألف بابٍ قد دقّ بالشؤم جرسي )
وغـريبٌ منـكَ التشـاؤم حتى * لـو تنقلت بين حـزنٍ وبـؤس
و لست الـذي تسلحت بالإيمان ؛ * والصبـر قلت درعـي وترسي
أين هـذا مـن ذاك يا من تغنّى * بالقوافي تـزهو على كلِّ غرس
فاجتمـاع الضديـن ذاك محـالٌ * أثبتته الأحداث مـن غير درس
أفتنسـى بـأن دنيـاك كـانـت * وستبقى مـا بين سعدٍ ونـحس
كـن شكوراً إذا أصـابك سعـدٌ * وصبـوراً إذا ابـتليت بـتعس
إنْ ليـل الأحزان يفضـي لصبحٍ * وسفيـن الهمـوم لابُـدّ تـرسي

____________
1 ـ حازم سليمان الحلي ، أديب وشاعر واستاذ جامعي. من آثاره : « ديوان شعر » ، و« القراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة ».

(304)

إنّ هـذا الـذي تـراهُ غـريباً * وجـديداً مـن صابر متـأسي
سلبتـك الأيـام أثمـن شـيءٍ * ثـم أبقت لـديك أرهـف حسِّ
كـم بصير تراه أعمى ، وأعمى * هو هادي سواه يضحي ويُمسي
ربمـا عـاش مـبصرٌ بشقاءٍ * ويبيت الأعمـى بـراحة نفس
أو مـا تسمع المنـادي يناديك * بصـوتٍ شقّ الدجى لا بهمس
( أنـت بالفكـر لا بعينيـك فذٌ * تسبر الحادثات طـرداً لعكس )
إنّمـا هـذه الحيـاة استقامـت * لأنـاس لا يشتـرون بــفلس
أنت مـن معـدنٍ ثمين كـريم * وسـواك الـذي يبـاع ببخس
فعقيــق هــذا وذاك رخـامٌ * ولجينٌ هـذا وذا مـحض كلس
كثـر الزيف ( والـوفاء قليـل * في زمانٍ خالٍ من النبل جبس )
وحـديث الوفـاء فيه شـؤون * ان تخضها فقد تصـاب بـمسّ
ان تحـدث عنـه يجبك حـكيم * ( أنا جربت مـا تقول بنفسي )
منذ عشر هـذا مـصاب بهجر * ويعـاني منـه وذا منـذ خمس
* * *
صـائغ اللفظ أنـت تسكن بيتـاً * قد تسامى فخراً على كـل رجس
( فوق مهدٍ مـن الخشونة بـالٍ * وتـراه أريكـة مـن دمقس )
هـذه منتهـى السعـادة عنـدي * لا تقـل اننـي أعـيش ببـؤس
راهـب الدار أنـت فوق حصير * هو عندي أجلّ مـن ألف كرسي
وأعـد قـولك الجميـل علينـا * فله فـي نفـوسنا خيـر جـرس
إن ذهنـي خصبٌ وذوقـي سليمٌ * وجناني صلد القوى غير نكس (1)

____________
1 ـ مجلة الموسم : العددان 2 ـ 3 ( 1989م ) ، ص706 ، 707.


(305)

الفرطوسي شاعر الفضي

الشيخ جعفر الهلالي


نعـت الفضيلة للـورى انسانَها * وغدت تقرِّح بـالأَسى أجفـانها
وتجاوبت دنيـا الصلاح بصولةٍ * مذ غادرت كفُّ الردى عنوانَها
ومرابـع التقوى تكـدّر صفوها * لمـا تغيّبَ من يـزين مكـانها
ومعاهد العلم اكتست حلل الأسى * وعـرى المصاب بهوله سكانها
خطبٌ تصـدَّعت القلوب لوقعه * ألمـاً فأبـدت عنـده أشجـانها
فـي كلِّ آونـةٍ نـؤبنُ مـاجداً * حُـرّاً أشاد مـن العلى أركانها
وكـذاك شـأن الحـادثات فإنها * حـربٌ تُصوِّب للكمـي طعانها
* * *
( أأبا الحسين ) لنا بذكرك لوعة * تبقى توجِّج فـي الحشى نيرانها
مـا زلت حيّاً فـي علاك مخلّداً * ستعيد فيك لنـا الحيـاة جُمانها
والمـرءُ تحييه الخصالُ حميدةً * وتشيـد في العقبى لـه بنيانهـا
قـد كنت فيمـا بيننا حسنَ اللقا * سهـل الخليقة قد كسبت رهانها
عشت الطهـارة والعفاف سجية * مـا غيّرت مـدد لهـا ألـوانها
متواضع وهي الحصيلة للأُولى * علمـوا ولـم يتطلبوا عنـوانها
ومهذب فـي القول تألف صدقه * والنفس يظهـر صِدقُهـا إيمانها

____________
1 ـ هذه القصيدة وما يليها هي في رثاء الشيخ الفرطوسي.

(306)

فختمت عمرك والصـلاح قرينه *وهنـاك في الاُخرى تحـلّ جنانها
* * *
يـا شاعراً مـحضَ الولاء لأحمدٍ * ولآلـه يرجـو بـه رضـوانَـها
كم قـد نظمت فريـدة يحدو بهـا * حـبٌّ لآل المصطفـى قـد زانها
غـرر تقطّعُ مـن فؤادك صغتها * درراً تعيـد علـى الورى ألحانها
وخلاصة الأعمال ( ملحمة ) أتت * فـي عدِّهـا نشأت بـه أقرانـها
ضمنتهـا سيـراً لهـم ومنـاقباً * ومآثـراً فيهـا جلـوت بيـانهـا
ولتلك منـك ( الباقيات ) ذخيـرةً * أعددتهـا توفـي بهـا ميـزانها
لله دَرُّك بـاسمهـا أحــرزتـه * فخراً يطاول فـي العلى كيـوانها
* * *
والشعـر يسمـو عنـدما يسمـو بـه * قصـد يحقّـق للنفـوس ضمـانهــا
وأراه ان فقــــد الــولاء فـإنّـه * زبـد البحـار رمـت بـه شطـآنهـا
ما الشعر إلاّ فـي الألى سبقوا الـورى * بفضـائـل ألفـت لهـا اذعـانهــا
( آل الرسول ) وخير من وطأ الثـرى * مـن صاغهـا ربُّ العبـاد وصانهـا
تمضـي السنـون وذكـرهـا متشعشع * كـالنيـرات استـوعبـت أزمـانهـا
هتفـت بفضلهـم السمـاء وكبّــرت * عِظمـاً وفيهـم أنـزلــت قـرآنهـا
سعد ( الكميت ) و ( دعبل ) في مدحهم * فحبتهمـا الاُخـرى بهـا رضـوانهـا
يـا ربِّ زدنــا فـي الـولاء محبّـة * فيهـا تـرينـا عِـزَّهـا وأمـانهــا
* * *
والساسـة العملاء كنت عليهـم * سـوطاً تـزيد عذابها وهوانها
ألمستهم مـن حرِّ قولك جمـره * مـثل الصواعق أرسلت نيرانها


(307)

أنكرت مـا قـد أحدثوا من منكرٍ * بفعالهم فـي كلِّ مـا قـد شانها
وبذاك قـد جاهدت شـرّ عصابة * ورميت بـالسهم المصيب جنانها
مـا أقعدتك لضعفهـا شيخوخـة * عن وقفة فرضَ الاله مكانها (1)

____________
1 ـ ديوان الهلالي ، مخطوط.
(308)

الغربة

السيد مدين الموسوي (1)


علـى رؤاك خيـالٌ صـادقٌ عذبُ * وفـي خطاك لهـاثٌ نـازفٌ تعِبُ
وبين جنبيك صـوتٌ رحت تحبسه * ما استوعبته السطور الحمر والكتبُ
وفـي ضلوعـك أشياءً تضيق بها * أرضٌ وأنت عليهـا الحملُ والطلبُ
فبيـن دنيـاً تراهـا وهـي كاشفةٌ * أمـام عينيك مـا يخفـى ويحتجب
وبين مـا كنت تصبو نحـو وافره * مـن الحيـاة بمـا تعطي وما تهبُ
لألف دُنيـاً تراهـا وهـي عامرةٌ * لفيض روحـك ، تدعوها فتنجذبُ
حتـى تلّمستَ وجه الحق ترسم من * خُطـاهُ وَثْبَتَهُ الكبـرى وتحتـرب
ياشاغل الناس والـدنيا تضيق بـه * بحـراً من الأدب الفوّار يضطرب
أنّـى تلفّتُّ ألقـى منـك بـارقـة * تخافُهـا الظُلمُ الخـرقاءُ والحجبُ
وما تجلجل فـي سمعي صدى أدبٍ * حـرٍّ تـردده الأجيـال والحِقَـبُ
إلاّ وكنـت علـى أوتـاره نغمـاً * عذباً ومنـك علـى أكوابـه حَبَبُ
* * *
ياملتقى الـرافدين الخصب منبتُهُ * لـه علـى جـدب مطلعٌ خصبُ
نظمت عقد عيون الشعر فانطفأت * عيناك إذ رفّ من إيحائها الهُدُبُ

____________
1 ـ مدين الموسوي : شاعر عراقي ولد سنة 1957م. من دواوينه الشعرية : « أوراق الزمن الغائب » ، و« الجرح يالغة القرآن » ، و« لهم الشعر » ، و« كان لي وطن ».

(309)

وعـدت أبصرَ ممّا كنت يقدحُ فـي * عيونـك الشـرر الأخّـاذُ والشهُـبُ
حتـى أذبْتَ مـن الأوزان معـدنها * وصغتهـا حليةً مـا مسّهـا عـطبُ
وخضعتَ قعرَ بحـار الشعر لا حذرٌ * أودى بمـا كـنت تـأتيـه ولا تَعَبُ
لتصطفي مـن عيونِ الدُّرِّ أروعهـا * حتـى تُصاغ عليها الحليـةُ العَجبُ
لئـن فقدتَ بـريق الدرِّ فـي بصرٍ * وأُسـدلتْ دونَ مـا تختـارُهُ حُجُبُ
ففي يـراعك قـد أوقدتهـا شُعـلاً * مـن كلّ حرف يفيض النور واللهبُ
أغاضك الدهرُ فاستشرى بك الغضب * أم ضاقَ ذرعـاً بما تُعطي له الأدبُ
أم الـزمان الـذي مـا كـنت تأمُنهُ * سمّاً تقطّـر منـه الـرأس والذَنَـبُ
إنـي عهدتُك لا تلوي علـى مضَضٍ * جيـداً وإن نَفَحَـتْ أوداجُهـا النَوبُ
ولا تلـوذُ بظلّ العمـر تحـرص أنْ * تـرى سنينـك لا يغتالُها النصـبُ
وبعد ما ضاقَ وجه الأرض واختنقت * صدور قومٍ غـزا أحشاءهـا النهبُ
ولم تعد أنت مـن قيسٍ وقد بـرئتْ * منه الذمـام وحُـلّ العقـد والنسـب
أبيت يغرف من شطيك مـا قصرت * عنـه الجـداول سقياً حـين تُحتَلبُ
* * *
مـا للغريب أراه ضاع فـي زمن * فجّ يصول بـه مَـنْ لونُـه الوشب
غامت بعينيـه آفاق ففـاض بهـا * روحاً يلاحقها الاعصـار والسُحُبُ
نأى عـن الوطن المأسـور تمسكه * يـدُ الحنيـن فتـدنيـه ويقتـرب
وان ترحّل عـن أرضٍ يرفّ بهـا * جُنحاه مُذ بان فـي أطرافه الزَغَبُ
أو غاب عن أرضه فـي غربة بدناً * فروحـه كجـذور النخل تنجـذب
إلى العراق إلى الأرض التي ولدت * من بعد عسر مخاضٍ كلَّ من وهبوا
* * *
ما كنت أعجبُ من كفٍّ تجود بها * ودونهـا البحر إذ يُدعـى ويُنتَدب


(310)

ومـا أثار شجـوني أنّ غـائمـةً * مرّت بعينيك قد حلّت بهـا الكرَبُ
لكنّ أغـرب مـا دوّنت مـن ألـمٍ * على القلوب وما غصّت به النُدُبُ
بأنّ ما صغت مـن وحيٍ ومن أدبٍ * جـمٍّ تضجّ بـه مـن حُرقةٍ كتب
ما عـاد يكفيك مـن أوصالـه كفناً * إذ لامستك صفاحُ القبر والتـرُبُ
ولا نعتك حروف الشعر أو صرخت * لك القوافي ولا غنّـى لك القصبُ
فمتَّ وحدك لا الأرض التي وسعت * خطاك ضمك منها صدرها الرحبُ
ولا الـذين وهبـت النـور أعينهم * سعـوا إليك ولا أندى لهـم هدب
يالوعـة الأدب المفجوع فـي زمن * أرقُّ مـا فـي رؤاه أنهـا خشبُ
إنـي تيقّنت لمـا عـدتَ مغتـرباً * أن كلُّ فـادٍ بهذا العصر مغتـربُ
يـا واهباً لعصـارات الندى ألقـاً * يفيض مـن دمه القانـي وينسكبُ
ويا منيـراً دروبـاً شُـحَّ سالكهـا * وقد تـردّم فيهـا الحـاذق الأربُ
ويـا خدين غبـار الحـرب تحسبه * ليل الهوى حينما تزهو بـه شهب
أرِح ركابـك أنّى شئت مـن تعب * أما يـريحيك إلاّ الحـزن والتعب
ولا تـروّيك إلاّ الكـاس متـرعـةً * من الأسى واللظى المهراق والنوبُ
وما وجدت إلـى جمـر الهوى سبباً * إلاّ وجـرحك فـي اطفائـه سببُ
لمن بسطت يـداً تكتال عـن جـدةٍ * ومـا يـزيد ففيه الكيـل ينقلـبُ
الشُحُّ أكـرم إذ يُعطى لمـن جحدوا * والترب أولى لمن لم يغنـه الذهب
والنخـل إن عميتْ عيـنْ لمنبتـه * فكيف يقطف منه العذق والـرطبُ
* * *
ما قيمة الأدب الهدّار يـرفل في * ثوبٍ حريرٍ زهت ألوانه القُشُبُ
تُثيره مـن قيانِ الدلِّ راقصـةٌ * وفوق شدقيه كأس للهوى عذبُ


(311)

أو قيمــة الأدب الأخّــاذ تُلقمــه * يـد السـلاطين لا يـدنو لـه سغبُ
يُلقي عصا السحر كي تعشى بصائرها * قـوم فتصنع مـن أشكالهـا لعـبُ
بـل قيمـة الأدب المعطـاء تلفظـه * أسنـةٌ فـي الوغـى كالجمر تلتهبُ
وقيمـــة الأدب الهــدار يحبسـه * ثقل القيـود تثنّـت تحتهـا الـرُكَبُ
وقيمـة الأدب الـفادي يـلاحقـــه * سوط الحكومات وهو الجمر والغضبُ
عيـونـه كعيـون الليث سـاهـرةٌ * حتى وإن نـام لا يغفـو لـه هـدب
وقيمــة الأدب الأخّــاذ ملبســه * دمـاؤه كخضـاب السيـف تختضب
وحيـثُ تنهـالُ أصـواتٌ مـزورةٌ * يشرّع الزيـف مـن أصدائها صخبُ
نضـا كـرفةِ سيف بـارق رعـدتْ * بـه قوائمـه فـانجابـت الـحجبُ
يأتي كمـا الوحـي يُعطي من نبوئته * نــوراً فتنثـر أضـواء وتـنسكبُ
وإن تــردد وحـيٌ فــي مهمتـه * فمـا هنالك لا وحـيٌ ولا أدب (1)

____________
1 ـ مدين الموسوي : كان لي وطن ، ص99 ـ 106.

(312)

رثاء اُمّة

الاستاذ فرات الاسدي (1)
( ضياء الدين فرج الله )



كُتبتْ هذه القصيدة التي اُثبِتَ بعضُها ـ هنا ـ رثاءً لاُمّةٍ من الشعر كان الفرطوسي يختصرها ، وقد حاول شاعرها ابّان ذلك عام 1404 هـ ان يرسلها الى النجف الأشرف عزاءً لأحد أصفياء الفرطوسي المعدودين ممّن يعتبرونه ( ذخراً مذخوراً للنجف والتشيّع ) على حدّ ما سمعتُه منه كراراً عديدة ، ذلك هو خالهُ الفقيد العلاّمة الأديب الشيخ عبد الرحيم فرج الله ( غير عالمٍ حينها انّه سبقه إلى لقاء ربّه ).. فإلى ذكراهما العطرة مجتمِعَين هذا الهديل الموجوع :

حلبـةَ الشعرِ والمـدى مستثيرُ * كيف يكبـو بكِ الجـوادُ المُغيرُ
كيف يُدمي خطـاه شوطٌ ويهوي * فـإذا المجـدُ والحفـاظُ عفيـرُ
وهـو مـا زال ـ صاعداً ـ كـرؤى النجم ـ مُغذّاً ـ كما يغذُّ النورُ
قـابساً من يـد الضحى عنفواناً * شدَّ جنحيـهِ مشـرقٌ مسحـورُ
ولقـد أعجَـبَ الميـادينَ منـهُ * مطمـحٌ ثائـرُ العنـان جسـورُ
فاتَ كلَّ الجيادِ فـي السبق حتى * ملأ الأمـسَ رَهْجُـهُ المستطيرُ
ومضـى ينهـبُ السنينَ أصيلاً * والقـوافي جنـاحُـهُ المنشـورُ
ثـمّ غالتْـهُ ـ ويلَهـا ـ غـربـةُ العمـرِ وألوى به المطافُ الأخيرُ

____________
1 ـ فرات الأسدي : شاعر عراقي وُلِدَ سنة 1960م. من دواوينه الشعرية : « ذاكرة الصمت والعطش » ، و« صدقت الغربة يا ابراهيم » ، و« النهر وجهك » ، وأعمال شعرية وأدبية اُخرى.
(313)

والمروءاتُ بعضُ مـا حملتْها * غـايـةٌ حـرّةٌ وروحٌ كبيـرُ
واصطبـارٌ على الهموم وقـد أطبقَ يأسٌ وارتاعَ ـ ثَمَّ ـ مصيرُ
غمـرةٌ تنجلـي واُخرى يكـادُ النوءُ يُلقـي ـ ما حُمّلتْ ـ ويثورُ
وحكـايـا هي النهـارُ وإن أطفـأَ ـ خـزيـاً ـ لألاءها شرّيرُ
خطرتْ في فم المغيبِ وسالتْ * فتنـدّى ضـوءٌ وشـعَّ عبيرُ
* * *
يا أبا الفكرةِ الجـريئة ، والصبوة ، والحب ، والشجا إذ يمورُ..
طافَ في كلّ خاطرٍ منك لحنٌ * عبقريٌّ واختالَ حرفٌ نضيرُ
وهمـى مـن مواسـمِ الشعـر شلاّلُ قـوافٍ فَيْنـانةٍ.. وغديرُ
وتهـادى السمّارُ يستـرقـونَ الكـأسَ إذ كـلُّ رشفـةٍ إكسيرُ
و( عليٌّ ) يمـدُّ صوتـك بالنُعمـى ليلقـاه وجهُـك المحبـورُ
ويفيءَ النبوغُ تـحت ظـلالِ الخلد ِ ، والخلـدُ حُلْمُـهُ مـأسورُ
أطلقتْهُ عينـاكَ إذ آنَس الطـورَ جَنـانٌ ، وتـاهَ طرفٌ بصيرُ!
* * *
نازحَ الدارِ.. هل تلَمَّستَ حزناً * وجهَها.. إنَّ وجهَـها مذعـورُ
والحمـى المستباحُ أودعتَ فيه * جمـرةَ الشوق أم لظاهـا نثيرُ
أمطرتْـهُ على الفـراتين كفٌّ * لـكَ شاءتْ ان تستقيها البحورُ
وعلـى كـل نخلـةٍ بَوْحُ لُقيا * وطيوفٌ وسنـى وهمسٌ كثيرُ
والصدى خلف غابةِ الدمع ينأى * وهو في القلب منك نبضٌ جهيرُ
كـم وعتْه الأسماع ذكرى حداءٍ * بدويٍّ.. وكـم رعتْه الصدورُ
وفدتْهُ لـو انَّ بالعمـرِ يُفـدى * اُمّـةٌ مـن نـشيـدهِ تستنيـرُ
ثـم منّتْ بـه المحـافلُ أهـليهـا وقـالت : عـلَّ الـزمانَ يـدور


(314)

واستفاق الغريُّ يوماً وطـرفُ الشعر عن ( راحلِ الخليج ) حسيرُ
* * *
فـإذا إلفُـهُ يعــود إليــهِ * ذاتَ يومٍ.. وتصطفيه القبـورُ
نَـمْ هنيئاً كـالنبعِ يـا خِدْنَـه الأوفـى فقـد طـابَ مبدأٌ ومصيرُ
وترشَّفْ.. فكـوثرُ الحبّ أدنى * لك أقداحَـهُ الـولاءُ الطهـورُ
أيَّ مأوى جـوار ( حيـدر ) يشتـاقُ ثـراه المبــرَّح المهجـورُ
الغريبُ.. الذي أرابَتْـهُ أرضٌ * أنكرتْ نبتَهـا.. وطال النكيرُ!
فبها كـل مرتـعٍ عـادَ جدباً * بعد ان غاله اللظـى والهجيرُ
وعزاءً يا ( خالُ ) في نجف الحزنِ فقد ماتَ ( ذخرُكَ المذخورُ )! (1)

____________
1 ـ اُلقيت هذه القصيدة في حفل تأبيني ونُشرت حينها كاملةً في إحدى الصحف ، وزودني بصورتها الحالية الشاعر نفسه.

(315)

اذهب إلى عزّ الجنان

هاشم الموسوي (1)


أشجـى القلـوب بحـرقـةٍ وتـألّم * وأسـال دمع العين ( عبـدالمنعـمِ )
جبل هـوى فأثـار عـاصفة الشجا * لله مـن قـلب ثـوى فـي أعظُـمِ
لله مـن نبــع تـدفّـق سـاقيـاً * جيلَ النهوض بسلسل بْـردِ الظمـي
لله إيمـــان يعــانقــه العـلا * قــد شيّعــوه بحسـرة وتضـرّمِ
حمـل المصائب وهـي جدُّ عظيمة * في خيـر خـافقة وصبـر أعظـمِ
إيمـانـه الـوضـاء كـان دليلـه * نحـو الصـراط المنقـذِ المتقــدمِ
قـد سار فـي درب الهدى متبصّراً * لـم يلتفـت يومـاً لنهــزَة مغنـمِ
ومقدِّمـاً بيـن اليـدين ذخــائـراً * للـحشر يـوم الامتحــان المعلـمِ
ولقـد أبـى إلاّ الوقـوف مـع الإبا * والحــقِّ وقفــةَ مستنيـر مُقـدمِ
وأنــار إيمــان التقــاة بهمّـةٍ * متجـاوزاً درب القتــاد المـؤلـمِ
وشــدا لآلِ المصطفــى متقلّـداً * آتــي الـولاء مُطـوِّفـاً كمتيـمِ
ان قـال شعـراً فـالقلوب خـواشعٌ * نشـوى لهـذا المنشـد المتـرنّـم
أو قـال نثـراً فـالنفـوس بـواسم * تهفــو لهـذا المـؤمـن المتكلّـمِ
وأطـار فيهـم نيّـراتِ نجـومـه * سحراً ومـا كـلّ النجـوم بـأنجـمِ
آيــاتـه فيهـم بملحمـة الهـدى * مفتــاح جنّــات النعيـم المُلهـمِ
هي من عيون الشعر ، صيغَ نسيجُها * مـن مـاء قلـب بـالمحبّة مُفعَـمِ

____________
1 ـ هاشم الموسوي شاعر وأديب من الامارات العربية المتحدة.

(316)

كـم قـد حـوت علمـاً وجاء دواؤها * كـرداء تقــواه ، بعــزم مصمِّـمِ
وجـنت بـلا شـكٍّ رضـاءَ محمّـدٍ * والآلِ إذ هـي للأطـايـب تنتمــي
يـاعيـنُ جـودي بـالبكـاء لفقـده * جـوداً ينهنـه عـن عظيـم تـألمي
فلقـد أُصبنـا فـي الصميـم بيـومه * والحزن واصـل مأتـماً فـي مأتـم
لـم لا نصبّ الدمـع حـزنـاً بعـده * لـم لا يفيض القلب مـن طفح الـدمِ
و ( أبو الحسين ) حبيب أطياب الورى * فـي صمتـه ومقـالــه المتفهّــمِ
لم يبتعـد عنـه التـواضـع لحظـةً * كـلاّ ولـم يعـرف خصـال تبـرّمِ
خُلُـق الكـريـم سلـوكـه ومبـادئ * للعلــم والأدب النــديِّ الأقَــومِ
قـد جـاءني نعـي علـى بعد المدى * مــا خلتـه إلاّ التبــاس تـوهّـمِ
قـد حزّ فـي نفسي رحيلك واغتـدى * كالطـود ظل فـي الخواطر يرتمـي
وتبـادرت صـور حفـرت جـذورها * في القلب ، تعثـر بالخيـال المؤلـمِ
ولأنـت أكبـر مـن رثـائـي إنّمـا * حمل الرثـاءُ تصدّعـي وتضـرّمي
مـاضيـك أحلـى ان ألـم بـوصفه * فـي طهـره وجـلالـه المتسنّــمِ
ولئـن تنقّص جـاهل مـن قـدركـم * فـالشمس لـيست فـي يـدي متهجّمِ
أو إن تجــاهلكـم طغـاة زمـانكـم * فـالحقد يـودي بـالحقـود المجـرمِ
أنتـم علـى رغـم البغـاة مكـانكـم * شــرف القلـوب وقَبْسَـةُ المتعلّـمِ
من عطركـم فـاضت محـافـل عزّة * هـي فـي الضمائر كالضحى المتبسّمِ
تلـك العهـود مـع الزمان مسيـرها * ضـوءٌ بأحنـاءِ الطـريـق المُعتـمِ
تـــرنيمــة بفــم التقـاة لأنهـا * مــن صُنـع قـومٍ قـائمين وصُوَّمِ
لا الـدهـر يسلينـا مواجـع فقدكـم * كــلاّ ولا آسٍ بــرقيـة بَلْسَــمِ
فاذهب إلى عـزّ الجنـان وسحـرهـا * حيـث الخـلود ويـالعظـم المغنـمِ
يلقـاك بــالبشــر النبــيّ وآلُـهُ * فيهــا ، جـزاء ولائــك المتقـدّمِ


(317)

وتقـرّ عينـاك اللتـان تقـرّحا * فيهـم ، بـكل تلـذّذ وتـنعّـمِ
وتـرود فيهـا مجلسـاً لمحمّـدٍ * والمـرتضى والآل نعـم الأنجمِ
وتكون فيهـا فـي جـوار أحبّةٍ * كـانوا أمـاناً للمحـبّ المُغـرمِ
هـذا جـزاء الصالحين ففز بـه * ما فزت إلاّ بالنعيم الأعظـمِ (1)

____________
1 ـ مجلة الموسم : العددان 2 ـ 3 ( 1989م ) ، ص717 ، 718.