الفَصْلُ الثُّانيْ

اتجاهات الفرطوسي الشعرية



(150)


(151)

1 ـ الشعر السياسي :

اتجه الشيخ الفرطوسي إلى الشعر السياسي اتجاهاً واضحاً اثر المستجدات من الأحداث التي عاشها ولامس واقعها المرير وأحسّ بأثرها الأليم على شعبه وأبناء وطنه. ويعود اهتمام الشيخ بالشعر السياسي إلى بواعث كثيرة ، منها تواجده الفاعل والمستمر في ميادين العمل السياسي والوطني ، بالاضافة إلى النزعة الوجدانية والحبّ الفطري الذي تشبّع به قلب الشاعر تجاه وطنه وتجاه حرية شعبه واستقلاله وازدهاره.
ولم يقتصر اهتمام الشاعر على الأحداث السياسية في العراق فقط ، بل إهتمّ أيضاً بسائر الوقائع السياسية التي كانت تحدث في البلدان العربية الاُخرى ، ممّا يدلّ على توجه الشاعر إلى الشعر القومي وإهتمامه بشؤون وشجون أُمّته في شتّى الأقطار والبلاد العربية :

هـذي بلاد العـرب وهـي مـراجـلٌ * للعـزم تغـلـي بــالــدم الفــوار
وطـلائـع الوعـي المجلجل أنـذرت * جيش الغـزاة بـجـيشها الجـــرار
عصفت بها ( مصر ) وثارت ( جلق ) * وتـدافـعت ( بـغداد ) كـالإعصـار
ومشت بها ( عـدن ) إلـى أخـواتها * مشـي العفرنـى للعفرنـى الضـاري
وطغت ( عمان ) مثل ( لبنان ) بـها * علقـاً يفــور علـى جحـيـم النـار
وتفجـرت حمماً ( فـلسطينٌ ) لـهـا * مـن كـلّ بــركـان بهــا مـوار


(152)

ومن ( الجزائر ) والجزائرُ مرجل * يغلي علـى لهب السعير الـواري
ضجت قـرابينُ الجهـاد ونـددت * بـفضائـع الـمستعمـر الجـزار
شعب يسيـر إلـى الحيـاة وأُمـة * تهــوى الممـات بعـزّة وفخار
وبشعـب ( عمان ) ستلهب جمرة * منها العـزائم تصطلـي بشـرار
ومتـى يصان حمـاية ثغرٌ بـلا * شعـبٍ وسلطانٌ بـلا أنصار (1)

ويمكن تحديد الموضوعات السياسية التي تناولها الشاعر في ديوانه بالموارد التالية :

أ ـ القضية الفلسطينية (2) :

اهتم الشيخ الفرطوسي بقضية فلسطين وشعبها المضطهد باعتبارها أهم قضية شغلت العالم العربي والإسلامي ، وهيمنت على باقي القضايا والأحداث.
____________
1 ـ ديوان الفرطوسي ، ج2 ، ص85.
2 ـ أثر انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأُولى ، تسنّى لبريطانيا بسط نفوذها على أجزاء من البلاد العربية كانت فلسطين من ضمنها. وقد أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني أثر دخول بريطانيا إليها في تشرين الأوّل عام 1917م لتتركها في آيار عام 1948م بعد أن مهّدت لقيام الكيان الصهيوني في فلسطين. وقد أثار فعل الانجليز هذا حفيظة الفلسطنيين ، وردود فعل عنيفة ظهرت على شكل مؤتمرات وطنية ، وأحزاب استقلالية ، ومواجهات حادة مع المحتل الصهيوني. ومن هذه المواجهات اندلاع ثورة 1936م التي شكل الفلسطينيون حينها جهازاً شعبياً ليقود الحركة الوطنية ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية. وفي المقابل دأب الصهاينة في سياستهم التوسعية عن طريق الحروب التي شنّوها على العرب المسلمين ، منها حرب 1948م التي تمكّن الاسرائيليون من خلالها السيطرة على أربعة أخماس فلسطين ، وحرب 1956م التي انتزعت أراضي واسعة اُخرى من فلسطين ، وحرب 1967م التي احتلت اسرائيل فيها الضفة الغربية ، وشرقي الاُردن ، وغزة وسيناء ، وثلاثة أرباع الجولان. ومن خلال هذه الحروب انشأت اسرائيل مستوطنات عديدة لايواء اليهود الوافدين إليها من شتى أنحاء العالم. ولا يزال الاستيطان قائماً حتى اليوم ، ولا تزال القضية الفلسطينية عالقة من دون حل. ( موسوعة السياسة ، ج4 ، ص572 ـ 581 ).

(153)

وقد نظم الشاعر في هذا الشأن قصائد كثيرة اتّجه في بعضها اتجاهاً عربياً محضاً ، وفي البعض الآخر اتجه اتجاهاً إسلامياً محضاً ، بينما نجد الروح العربية والإسلامية منصهرة معاً في قصائده الاُخرى التي ظهر فيها الشاعر واضح المعالم باتجاهه العربي الإسلامي الموحّد (1).
ونلحظ الإتجاه العربي للشاعر في قصيدته « فلسطين » التي نظمها عام 1938م ، والتي يقول في أبياتها الاُولى :

بالسيف اقسـم لا بالطـرس والقلـم * أنّ الأمانـي بحـد الصـارم الخذم
والحـقّ يشهد أنّ السيـف صاحبـه * وصاحب السيف قدماً صاحب الهمم
ولـيس تنهض بـالأمر الخطيـر يدٌ * وما لديهـا سوى القـرطاس والقلم
ولا تسـود علـى أقـرانهـا أمـمٌ * بـدون رعد الظبـا أو خفقة العلـم

ومن ثم يتوجه إلى العرب ليثير نخوتهم ، ويستنهض عزائمهم من أجل تخليص فلسطين من وطأة المستعمر المحتل الذي أذاق الشعب الفلسطيني شتى ألوان الذل والهوان :

يـانخوة العـرب ثوري ياحميَّتها * توقدي بسعيـر منك مضطـرم
ماذا القعود وقـد ساد الهوان بنا * وشيمة الحر تأبى الجبن ان تضم
وكيف قد طأطأت للضيم أرؤسها * وهـي الاُباةُ عـرانينٌ ذوو شمم
وكيف لذّلها الـورد الهنيَ وقـد * أديـف ذلك مـن أبنائهـا بـدم
هبـي فتلك فلسطين بـها سفكت * دماء يعرب حتـى سلن كـالديم
جارت عليها يـد جبّارة حكمت * علـى فلسطين بالارهاق والعدم
خانت ضمائرها فيها فما حفظت * ولا رعت لذمام العدل من حرم

____________
1 ـ محمد حسين الصغير : فلسطين في الشعر النجفي المعاصر ، ص244.

(154)

ما ضرّها خصمها لما به احتدمت * لكـن جـلَّ أذاهـا مـن يد الحكم
صبراً فلسطين فـالأحرار شيمتها * ثباتُهـا واحتفـاظاً ربّـة الشيـم
فعـن قريبٍ يبيـن الحقُّ متضحاً * وتنجلي عنه أستارٌ مـن الظلم (1)

ومن قصائد الشاعر التي انصهرت فيها الروح العربية والاسلامية قصيدته « تحية الجيوش العربية » التي نظمها اثر سقوط القدس القديمة بيد الجيوش العربية في حرب عام 1948م :

طـلائـعُ الفتـح ونـشوةُ الغَلــبْ * تـهتف بـالنصـر لأمـة العــربْ
بـشائـر تُـوصَـل فـي بـشائـر * كـأنهـا سـلاسـل مـن الـذهـبْ
قـد رقصـت لهــا البـلاد كـلها * وأصبحـت تهتـز بشـراً وطــربْ
واحتفـل الشـرقُ بـها مـحتضنـاً * لمهـدهـا مـن الحنـو والحــدبْ
أما ترى ( الأردن ) و( القدس ) معاً * تعـجّ بـالبشر ( كمصر ) و( حلبْ )
و( دجلة ) ( كالنيل ) حيث ( بردى ) * بموعـد الفتـح المبيـن المـرتـقبْ
نحـن بنـي العـرب الكـرام بيننـا * ساد الـوئام وانـجلت عنـا الـريبْ
عنـاصـر الـوحـدة فـي أوطـاننا * تــألّفـت وهـي شعـور ونـسبْ
فنظمـت أوضـاعنـا وهـي سـدىً * ووحـدت شعـوبنـا وهـي شعـبْ
حتى غدا الجدب إلـى الخصب أخـاً * وأصبـح السهـل يعـانـق الحـدبْ
ولــيس ذا بــدعـاً فـإنّـا أُمّـةٌ * تربطنـا الـوحـدة في خيـر سببْ
وانّنــا مــن عنصــر متّحــدٍ * ولا فــروق بيننـا سـوى الـلقبْ
لنـا مـن الإسـلام خيـرُ جـامـع * وحسبُنـــا أنّــا بنــو أمّ وأبْ

ويواصل الشاعر تأكيده على الوحدة من خلال الاعتماد على النفس ونبذ
____________
1 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص209 ، 210.

(155)

المواعيد السياسية الكاذبة والقرارات الدولية الجائرة التي تسلب الشعب حقّه وتنتهك سيادته وكرامته :

تحـرقي يـاعزمـاتِ يعـرب * وصيّـري الـواتر للنار حطب
وأنـزلي الطاغوت مـن سمائه * إلى الحضيض جاثياً على الركب
دعي قـرار الأمن فـي ناحية * وفنّـدي كـل اقتـراح وطلـب
فقـد ملكت الأمـر أنت سطوة * فـي بَـدئهِ بعـد جهـود وتعب
فقـرري أنـت المصيـرَ كلـه * وليكـن الحكـم لـدولة القضب
لا تغلبي اليوم علـى الأمر يـداً * ( فإنّما الأمر غداً لـمن غلب )

ومن ثم يعرج الشاعر في قصيدته على المحتل الغاصب ليكيل له الويل والثبور وليتوعده بسوء المنقلب والمصير :

أبناء صهيـون وتـلك نسبة * يقـرن بالخزي لها من انتسب
قـد ضُرب الذلُّ عليكم مثلما * بؤتم مـن الله بسخط وغضب
منّيتُم النفس عمـىً في أمل * مُنيتم بـالويل منـه والحرب
فـخيبت آمـالكـم وآذنـت * أوضاعـكم لكم بسوء المنقلب
ويـاعبيد العجـل لا أفلحتُم * وكيف يفلح امرؤ أغضب رب
من علّم العبد بأن يسمو على * سيـده وهو بـأرفع الـرتب
أيصبـح الرأس مسوداً بيننا * ويصبـح السيُد عندنـا الذنب
مهازلٌ بهـا الحياة احتشدت * فاحتشدت من المآسي والكرب
وقد غدا مـزمراً من سخف * لطبله الأجوف كل من ضرب
روايـةٌ وهميـةٌ قـد مثّلت * في مسرح من الخيال مقتضب
أمـة اسـرائيل فيها حملت * مـن بعد عقمها قروناً وحقب


(156)

لكنّها من شؤمها قد وضعت * جنينها ما بين أحضان العطب

ويجدد الشاعر أمله بتحقيق النصر ، وتخليص فلسطين من أغلال الاحتلال والهيمنة الصهيونية بالصبر ، والمثابرة على مقاتلة المحتل واجباره على التراجع من الأراضي الفلسطينية :

صبـراً فلسطيـن وان طال العنا * وجلجلت بك الخطوب والنوب (1)
قـد آن تحـريـرك مـن رقيّة * قـد جلبت لـك الشقـاء والنصب
بفوهة المـدفع حيـن قصّـرت * أقلامنـا فمـا وفت بمـا وجـب
بمنطـق القـوة حيـن ألـجمت * أفـواه مـن قـال بنا ومـن كتب
فهلهلـي للبشـريـات والمنـى * واستقبلـي الشرق بها فالشرق هب
وهـذه الصحراء منـه احتشدت * فيـالقـاً طـبقت الدنيـا لجب (2)
فـالأرض وهي لجة مـن الدما * والأفق وهو مـرجل من اللهب (3)
هـبّ لانقـاذك وهـو واهـب * بالنفس والفوز حليف من وهب (4)

ويختم الشاعر قصيدته بتحية المقاتلين والمجاهدين من أبناء مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق ممن شاركوا في الحرب التحررية ، ويشيد بمواقفهم البطولية التي حققت جزءاً من أماني وآمال الشعب الفلسطيني المسلم.
____________
1 ـ جلجل من الجلجلة وهي شدّة الصوت وحدّته. ( لسان العرب ، ج2 ، ص338 ).
2 ـ اللّجَب : الصوت والصياح والجَلَبة. ( لسان العرب ، ج12 ، ص237 ).
3 ـ المرجل : القِدْر من الحجارة والنحاس. ( لسان العرب ، ج5 ، ص160 ).
4 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص242 ـ 245.

(157)

ب ـ الثورة الجزائرية (1) :

حين قامت الثورة الجزائرية ، وارتفعت أعلامها ، كان الشعراء في كافة البلاد العربية يقفون إلى جانبها بقصائدهم المؤيدة وأشعارهم الحماسية. وفي العراق كان الشعر النجفي في طليعة الشعر العراقي المؤيد للثورة الجزائرية وشعبها الصامد. ولم يشأ الفرطوسي أن يتخلف عن ركب الشعراء الثائرين بل واكب الثورة وبكل حماس منذ انطلاقتها الاُولى. فقد أنشد قصيدة « الجزائر » (2) عام 1956م وقبل أن يتحقق استقلالها :

يـاأمـة الشـرف المـجيد * ذودي عـن الأوطان ذودي
هبّـي إلـى استقـلالك الـ * ـغالي مـرفرفـة البنـود
وخـذيه مخضـوب القـو * ادم من دم الشعب النجيد (3)

____________
1 ـ وتعرف أيضاً بـ « ثورة المليون شهيد » وهي حرب تحريرية وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي. انطلقت الرصاصة الأُولى للثورة في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1954م معلنة قيام الثورة بعد قرن ونيّف من الاستعمار الفرنسي للجزائر. وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة ، وبنادق صيد ، وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد في وقت واحد. وكانت الثورة تهدف إلى استقلال الجزائر التام ، وسحب القوات الفرنسية ، وإقامة حكومة وطنية ، وإجراء اصلاحات واسعة بالنسبة لملكيات الأرض وتأميم المشروعات الصناعية. وقد تكللت الثورة بالنجاح بعد أن وافقت فرنسا على الاستفتاء العام الذي جرى في الأوّل من تموز عام 1962م ، وفيه اقترع الجزائريون لصالح الاستقلال وإنسحاب فرنسا من الجزائر بعد استعمار دام أكثر من مئة وثلاثين عاماً. ( موسوعة السياسة ، ج2 ، ص188 ـ 192 ).
2 ـ قدّم الشاعر قصيدته بمقدمة نثرية قال فيها : « مجازر عسف وانتقام تذبح الانسانية على صعيدها الوحشي وتقبر الفضيلة والنبل في لحدها المظلم وتنسخ الرحمة والعدالة بيدها الأثيمة. كل ذلك لاشباع نهمة استعمار فرنسي مجرم يفرضه بالنار والحديد على شعب عربي مجاهد يتطلّع لحريته واستقلاله وهو مؤمن بحقّه متفان بإيمانه. فأين ذهبت من العالم صرخة الإنسانية المجلجلة بهذا الوحش العقور ».
3ـ النجيد : الشجاع. ( لسان العرب ، ج14 ، ص49 ).

(158)

تعلـــوه أصــوات الـيـ * ـتامى فـي أهازيـج النشيـد
وتــرف تحــت ظـلالـه * مقـلُ الأيـامـى كـالـورود
مخضلــــةً بمــدامــع * صُهرت على ذهب الخدود (1)
فـي تـربـة ورث الجهــاد * بهـا البنـون مـن الجــدود
تـأريـخ مجــدك نـاصـعٌ * عبـقٌ مـن الـذكـر الحميـد
وجهــادك الجبّــار عـنـ * ـوانٌ لاسفــار الخلـــود
تهـوي جبــاهُ الظــالميـن * لـه وتعنــو بــالسجــود
وتطـول فيـه بطـولـة الـ * ـشهـداء فـي درج الصعـود
ضــحيت فيــه بمـا غـلا * مـن طـارف لـك أو تــليد
والمجـد غـرس التضحيـات * وصنـوها جيـداً لــجيد (2)
والموت فـي سـوح الجهـاد * ألـذُّ مـن عــيش العبيــد

ويحمل الشاعر على المستعمر الفرنسي ليذكره بمجازره التي ارتكبها بحقّ الإنسانية ، وبحقّ التأريخ وبحقّ الخُلق والفضيلة :

يـاساسة الارهاق فـي الد * نيــا ويــابُقيـا ثمـود
شـوهتـم التـاريخ فـي * صحف من الارهاب سود
وأبدتـم الانصـاف فـي * نقـم مـن الظلـم المبيـد
وقتلتـم نبـلُ الضمـائـر * بـالضغـائـن والـحقود
وقبـرتـم الإنسـان فـي * أخـلاقـه بيـن اللحـود
ومحـوتمُ رسـم الـفضيلة * مـن سجـلات الوجـود

____________
1 ـ المخضل : الندي. ( لسان العرب ، ج4 ، ص130 ).
2 ـ الصنو : الأخ. ( لسان العرب ، ج7 ، ص425 ).

(159)

وذبحتمُ الرحمات فوق * مجازر العسف الشديد
ونسختـمُ نُظمَ الحيـاة * وكـلَّ قانـون سديـد
مـا أنتـم بفعـالكـم * بشرٌ فـردّوا للقـرود

وهنا يتساءل الشاعر عن الجريمة التي ارتكبها الشعب الجزائري لينال بسببها كل هذا الظلم والتنكيل! فالجزائريون لم يثوروا إلاّ لتحرير أرضهم وتطهيرها من دنس المستعمر الغاشم :

مـاذا جنــى بجهــاده * شعب يسيـر إلـى الخلـود
شعــب لحــريّـاتــه * يسعـى بتحطـيـم القيـود
شعـب جـريءٌ بـاسـل * يضرى على الخصم اللدود
صلـب العقيـدة مـؤمـن * بـالحـق إيمـانَ الشهيـد
ثبـت الجنــان مـن الـ * ـركـانة لا يروّعُ بالوعيد
متمــاسـك الحلقــات * يهـزأ بالبـوارق والرعود
لا النـار تخمد عزمه الـ * ـطاغـي ولا زجل الحديد
يسطو بصـاعقـة القضاء * وفتـك ضـارية الاُسـود
وإذا اصطلت نارُ الـوغى * نـادى بهـا هل من مزيد

وبعد أن عرض الشاعر تأريخ الجزائر المشرق وإيمان شعبه الصلب راح يشيد ببطولات الجزائريين ومقاومتهم الفذّة ويبشرهم بالنصر والغلبة ، وبدعم البلدان العربية التي هبّت لنجدة الجزائر وشعبها الصامد الأبيّ :

شعب الجزائر ياأبا الـ * ـسطوات والفتك العنيد
رصعت إكليل المفاخر * من جهادك فـي عقود
وكسوت أمجاد الكـرا * مة من دمائك في برود


(160)

وفتحـت للأجيال مـدرسة * البطــولـة مـن جـديـد
ونشـرت درسـاً خـالـداً * للتضحيــات وللجهـــود
ورفعــت رايـة يعـربٍ * خفـاقـة فـوق البنـــود
حُييـت يـاشعـبَ الجهـاد * وطـاب مهـدك مـن صعيد
هــذي طـلائـع يعـربٍ * وافـتـك تـزخـر بالـجنود
بفيـالــق ومعــا مــعٍ * هي كـالصواعـق والـرعود
ومـراجـلٍ تغلــي دمـاً * بعـزائـم هـي كـالـوقـود
فبكـــل أُفــقٍ رايــة * منشـورةُ الظـلِ المـديــد
وبكــل ميــدان عـقيـ * ـدٌ يقتفــي إثــر العقيـد
وبكـلُ قُطــر نهضــةٌ * كبرى مـن الـوعـي الجديد
سطعـت بمصـر وسـوف * تسطـع مثلَ نيـران الـوعيد
بصعيد « سوريا » و« عمـ * ـانٍ » وفـي « بلد الرشيد »
وبـكل مهــد للعـروبـة * من شقيقات « الصعيد » (1)

____________
1 ـ ديوان الفرطوسي ، ج1 ، ص 205 ـ 208.