كتاب كشف الغطاء ::: 381 ـ 390
(381)
     وأوحى الله إلى موسى عليه السلام : « أنّ من مات تائباً من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنّة ، ومن مات مصرّاً عليها فهو أوّل من يدخل النار ». (1)
     وقال الصادق عليه السلام : « من اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة بينهما فهو شرك شيطان » (2) و « إنّ الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ». (3)
     إلى غير ذلك.
     فما أقبح حال من أغفله الشيطان عن عيوب نفسه وأشغله بعيوب الناس ، وما أحسن حال من أشغله عيوب نفسه عنها ، كما قال النبي صلى الله عليه وآله (4) ، فاللازم على العاقل المؤمن بالله وما جاءت به رسله إذا ابتلي بهذه الخصلة الذميمة السعي في قلعها وقمعها بالتذكّر لمفاسدها الأخرويّة ، والمواظبة على ملاحظة التشديدات الواردة فيها والدنيوية من صيرورتها سبباً للعداوة أو ازديادها غالباً ، فربما انجرّ إلى ما لايمكن تداركه من الفواحش كالقتل والضرب ونحوهما.
     وبالجملة : فليتفكّر بعد ذلك في أنّ العيب إن كان خلقيّاً فذمّه عليه في الحقيقة ذمّ لصنع الخالق ، وليس اختيارياً له حتّى يثبت له وإن كان اختيارياً فإنّ عيوب نفسه ليست بأقلّ وأهون منه ، ولو زعم أن لاعيب له كان ذلك من أعظم العيوب ، مضافاً إلى ما ارتكبه من الغيبة ، وأنّ تألّم الغير من غيبته كتألّمه من غيبة الغير له فإن رضي بذا فليرض بذا فليرض بذلك ، فيدعوه التذكّر والتفكّر المذكوران إلى العزم على الترك ، إن شاء الله تعالى.
     والعمدة في تسهيله على النفس الاطلاع على أسبابها حتّى يمكن له الاحتراز عنها بالاحتراز عنها كما أشير إليه مراراً ، وهي لا تخلو من أحد أشياء.
1 ـ المحجة البيضاء : 5/252.
2 ـ البحار : 73/356 ، مساوى الأخلاق ، الباب 137 ، ح66 ، وكان ذيل الحديث في النسخ هكذا : « من غير تنزه منهما فهو شريك الشيطان » وصحّحناه.
3 ـ المحجة البيضاء : 5/255.
4 ـ المحجة البيضاء : 5/264.

(382)
     تشفّي الغيظ بسكون هيجان الغضب بذكر المساوي طبعاً ، وقد لايتشفّى به لكمونه واستقراره في الباطن حتّى صار حقداً ثابتاً فيدعو إلى ذكر المساوي دائماً ، فهما من أعظم دواعيها.
     أو موافقة الأقران ومجاملة الأصحاب خوفاً من تنفّرهم عنه لو خالفهم فيساعدهم ظنّاً منه أنّه من حسن العشرة والمجاملة في الصحبة.
     أو توهّم سبقه عليه في الخوض في عيوبه وتقبيح حاله عند الناس أو شهادته عليه بسوء فيسبقه في ذلك يستشهد لأكاذيبه التالية به والتلبيس بتعرّضها في معرض الصدق أو دفع ما ينكر عليه من القبائح الصادرة عنه عن نفسها بإثباتها لغيره حتّى يسكتوا عنه.
     وقد يكون غرضه الاعتذار في سلب القبح عن نفسه بعدم تفرّده فيه ووجود شريك له في ذلك ، هذا مع تسليمه القبح ، فلو اعتقد عدمه واستشهد بفعل من يرى فعله حجّة ، فلعلّه ليس بغيبة.
     أو الافتخار وتزكية النفس نحو فلان ليس من شأنه فهم هذه المطالب وتعليمها ، بل هو محض ادّعاء منه إشعاراً بتفرّده فيها.
     وربّما ذكره توقّعاً لمثل ما يفعله الناس بالمغتاب من الإكرام أو نحوه ، أو الحسد بما يراه منه من نعمة المال أو الجاه أو غيرهما ، فيتوقّع زوالها عنه بذكر معايبه فيسقط ماء وجهه عند الناس فلا حاجة إلى سابقة كلفة بينهما بل ربّما صار مع الصديق أو القريب الموافق.
     أو اللعب والهزل وتضحيك الناس بالمحاكاة وأنواع التعجّبات أو الاستهزاء تحقيراً له وتكّبراً عليه ، فإنه يجري في الغيبة كما يجري في الحضور.
     وربما نشأت من التعجّب أو الإنكار الناشئين من الدين مع الصدق في ذلك الا أنّ الشيطان غرّه بالتعيين بذكر اسمه فلم يتفطّن بإمكانه بدونه ومنه


(383)
ما شاع بين الناس من قولهم عجباً من فلان مع فضله وذكائه كيف يقرأ عند فلان مع أنّه لايفهم شيئاً ، أو العجب منه مع حسن سليقته واستقامة طبعه كيف يحبّ هذه الجارية او المرأة المكروهة وأمثال ذلك.
     وقد تنشأ من الترحّم والاغتمام الصادقين ممّا ابتلي به فينسيه ذلك لم ينفع إلا بالتفضيح جاز ، وربما كان له عذر في فعله بحيث لم يطلع عليه فلا وجه لغيبته أولاً.
     وقد تكون غضباً لله تعالى مع أنّ الواجب أوّلاً نصحه ومنعه سرّاً ، فإن لم ينفع إلا بالتفضيح جاز ، وربما كان له عذر في فعله بحيث لم يطّلع عليه فلا وجه لغيبته أوّلاً.
     كما روي أنّ رجلاً مرّ على قوم فسلّم عليهم فردّوا عليه فلمّا جاوزهم قال واحد منهم : إنّي ابغضه لله تعالى ، فأنكر أصحابه عليه فبثوا إلى الرجل من يخبره بذلك ، فاشتكى إلى النبي صلى الله عليه وآله فدعاه فسأله فصدّقه ، فقال : لم تبغضه؟ فقال : إنّي جاره وأنا به خبير ، والله مارأيته يصلّي صلاة الا هذه المكتوبة ، فقال : يا رسول الله! فاسأله هل رآني أخرّتها عن وقتها أو أسأت الوضوء لها والركوع والسجود؟ فسأله فقال : لا ، فقال : والله ما رأيته يصوم شهراً قطّ الا هذا الشهر الذي يصومه كلّ برّ وفاجر ، قال : فاسأله يارسول الله هل رآني أفطرت فيه أو نقصت من حقّه شيئاً؟ فسأله فقال : لا قال : والله مارأيته يعطي سائلاً قطّ ولا مسكيناً ولا رأيته ينفق من ماله شيئاً في سبيل الخير الا هذه الزكاة التي يؤدّيها البرّ والفاجر ، قال : فاسأله هل رآني نقصت منه شيئاً أو ماكست طالبها الذي يسألها؟ فسأله فقال : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرجل : قم فلعلّه خير منك. (1)
     فإذا علم أنّ دواعيها لا تخلو مما ذكر تفحّص عن نفسه أنّ داعيه من أيّها فإن كان الغضب عالجه بما ذكرناه فيه ، وكذا الحقد والحسد.
     وأمّا الموافقة فبأن يعلم أنّ من طلب سخط الله تعالى في رضى
1 ـ المحجة البيضاء : 5/263 ـ 264 مع اختلاف.
(384)
المخلوقين كان حقّاً على الله أن يسخط الخلق عليه كما جرّبناه مراراً ، وكيف يرضى عاقل بتوقير مثله العاجز عن إحسانه وإساءته وتحقير مولاه المنعم المحسن إليه القادر على الانتقام عنه وممّن يوفقهم في معصيته ، بل اللازم الغضب عليهم لله سبحانه لعصيانهم له بأفحش الذنوب.
     وأمّا التنزيه فمرجعه إلى سابقه في الحقيقة لأنّه دفع لمقت الخلق شكّاً أو وهماً بما يسخط الربّ يقيناً وهو من غاية الجهل والحماقة ، وأشدّ منه الاعتذار بحصول شريك له فيه ، إذ لايجوز الاقتداء بالغير في المعاصي والقبائح ، فلو سقط أحد من الجدار بجهله فأسقطت نفسك مع التمكّن عن الشرع ، بل ضحكت بنفسك ممّن يعتذر بمثله تعجّباً من نقصان عقله ، فكيف وقد أضفت إلى حماقتك الفاضحة عصياناً مجدّداً.
     وأمّا تزكية النفس والافتخار فبأنّ فضيلتك سقطت بهما عن الاعتبار عند الله سبحانه يقيناً وغير معلوم ثبوتها عند الخلق بذلك ، بل المظنون سقوط منزلتك عندهم أيضاً بمدح نفسك وذمّ غيرك فهو بيع لما عند الله يقيناً بما عند المخلوقين وهماً ، ولو فرض ثبوت اعتقادهم فيك لم يغنوا عنك من الله شيئاً ولم ينفعوك أصلاً.
     وأمّا الاستهزاء فما أقبح حال من غفل عن خصارته في حسناته وخزيه وهوانه بحمله سيّئات من يستهزي به مساقاً (1) إلى جهنّم وما أجهله بعاقبة حاله ولو عرفها كان أولى بالضحك من نفسه والاستهزاء بها.
     وأمّا التعجّب فهو أحرى بالتعجّب وهتك الستر فيتعجّب منه ، كما هتك ستر الغير بحيث تعجّب منه.
     وأمّا الرحمة فهو حسن الا أنّ إبليس حسده فغرّه فإنّ تنطّقه بما ينقل
1 ـ كذا ، والظاهر : مسوقاً أي يحمل سيئات من يستهزىء به ويساق إلي جهنّم.
(385)
حسناته إليه أشدّ ممّا يتوقّع به من ترحّمه عليه.
     وبالجملة فعمدة ما ينفع المرء في هذه الأبواب المعرفة لأبواب الإيمان واليقين بها.

تنبيه
     قد تجوز الغيبة لأغراض مشروعة كالتظلّم عند من له رتبة الحكم وإحقاق الحقّ ، فيجوز لاستيفاء حقّه ، لقوله صلى الله عليه وآله « ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه » (1) ولم ينكرعلى هند حين اشتكت عن أبي سفيان بأنّه شحيح لايعطيني ما يكفيني وولدي أفآخذ من غير علمه؟ بل قال صلى الله عليه وآله : « خذي مايكفيك وولدك بالمعروف ». (2)
     والاستعانة على رفع المنكر وردّ العاصي إلى الصلاح إذا لم يمكن بدونه ، ونصح المستشير في التزويج والإيداع ونحوهما.
     وكذا جرح الشاهد والقاضي والمفتي إذا سئل عنهم فله ذكر ما يعرفه من عدم العدالة والأهلية مع صحّة القصد بإرادة الهداية وتوقية المسلمين من الضرر أو سراية الفسق والبدعة دون الحسد والتلبيس ، وردّ من ادّعى نسباً ليس له ، والقدح في مقالة أو دعوى باطلة في الدين ، والشهادة على فاعل المحرّم حسبة وضرورة التعريف وتجاهره بالفسق مع عدم التعدّي عنه.
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له ». (3)

تذنيب
     كفّارتها بعد التوبة والندم للخروج عن الحقّ الإلهي الاستحلال من المغتاب بالتأسّف والاعتذار والمبالغة في المدح والتودّد إليه والثناء عليه حتّى
1 ـ المحجة البيضاء : 5/270 ، وفيه : « عرضه وعقوبته ».
2 ـ المحجة البيضاء : 5/271.
3 ـ مستدرك الوسائل : 9/129 ، الباب 134 من أبواب أحكام العشرة ، ح3.

(386)
     يطيب قلبه ويحلّه ، فإن لم يقبل كانت لاأقل حسنة تقابلها ، فإن لم يتمكّن لموته أو غيبته أكثر من الدعاء والاستغفار حتى يقابلها.
     وكذا لو تمكّن وكان في إخباره مظنّة فتنة أو عداوة ، وعليه يحمل قوله : « وكفّارة من اغتبته أن تستغفر له ». (1)

تتمّة
     قد ظهر لك الفرق بين الغيبة والبهتان ، فإن كان في غيبته كان كذباً وغيبة ، وإن كان بحضوره كان كذباً وأذيّة وإثمه أشدّ من الغيبة ، قال الله تعالى :
     « ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً ». (2)
     وقال النبي صلى الله عليه وآله : « من بهت مؤمناً أو مؤمنة أو قال فيه مما ليس فيه أقامه الله عزّوجلّ على تل من النار حتى يخرج ممّا قال فيه ». (3)

فصل
     ومنها : قطيعة الرحم أي أيذاء ذواللحمة لمروفين بالنسب وإن بعدت النسبة وجازت المناكحة ، قولاً وفعلاً أو منعاً عمّا يحتاجون إليه من الملبس والمطعم والمسكن مع القدرة عليه والتكاهل عن دفع الأذيّات عنهم مع الإمكان أو التباعد والهجران حقداً وحسداً ، وهي من أعظم المهلكات.
     قال تعالى : « والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ... ». (4)
     وقال النبي صلى الله عليه وآله : « أبغض الأعمال إلى الشرك ، ثم قطيعة الرحم ، ثم
1 ـ المحجة البيضاء : 5/273.
2 ـ النساء : 112.
3 ـ جامع الأخبار : 173.
4 ـ الرعد : 27.

(387)
الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ». (1)
     وقال علي عليه السلام : « أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ، فسئل عنها ، فقال : قطيعة الرحم ، إنّ أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة فيرزقهم الله عزّوجلّ ، وإنّ أهل البيت ليتفرّقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم الله وهم أتقياء ». (2)
     وفي أخبار كثيرة أنّ الرحم معلقة بالعرش تقول : « اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني ». (3)
     وهو تمثيل للمعقول بالمحسوس ، وإثبات للرّحم على أبلغ وجه ، وتعلّقها بالعرش كناية عن مطالبة حقّها بمشهد من الله.
     وقد ورد في كثير من الأخبار وساعدته التجربة والاعتبار أن صلة الرحم تبعث على طول العمر وقطيعته على نقصه.
     وأشدّ أنواعها عقوق الوالدين ، لأنّ أخصّ الأرحام وأمسّها الولادة ، فدلّ على ذمّه مادلّ على ذمّ مطلق القطيعة مضافاً إلى خصوص ماورد فيه ، وقد أردف الله تعالى توحيده بإطاعة الوالدين ، كما أردف الشرك بالعقوق في عدّة مواضع.
     وفي بعض الأخبار القدسيّة : « وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لو أنّ العاقّ لوالديه يعمل بأعمال الأنبياء جميعاً لم أقبلها منه ». (4)
     وروي أنّ أوّل مكتوب في اللوح المحفوظ : « إنّي أنا الله لا إله الا أنا ، من رضي عنه والده فأنا عنه راض ، ومن سخط عليه والده فأنا عليه
1 ـ راجع الكافي : 2/290 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب أصول الكفر وأركانه ، ح4 ، والمصنف نقله بالمعنى.
2 ـ الكافي : 2/347 ـ 348 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب قطيعة الرحم ، ح7 مع تلخيص.
3 ـ الكافي : 2/151 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب صلة الرحم ، ح7.
4 ـ جامع السعادات : 2/263.

(388)
ساخط ». (1)
     ودلّت التجربة والاعتبار على أنه لايردّ دعاء الوالد في حقّ ولده ، وإن لم ترض عنه أمّه يشتدّ عليه سكرات الموت وعذاب القبر.
     وفي الإسرائيليات : أوحى الله إلى موسى : « اي من برّ والدية وعقني كتبته برّاً ، ومن برّني وعقّ والديه كتبته عاقاً ». (2)
     فليس للولد أن يرتكب مباحاً ولا مستحباً الا بإذنهما حتّى إنّ طلب العلم والمسافرة له بغير إذنهما غير جائز الا مع كونه واجباً عينيّاً عليه ، وسنذكر ما يزيده تأكيداً في المقام الثاني.
     تذنيب
     حقّ الجوار قريب من حقّ الرحم ، فإنّ له حقاً وراء حقّ المسلم على أخيه المسلم.
     قال النبي صلى الله عليه وآله : « الجيران ثلاثة : جار له حقّ واحد ، وهو الجار المشرك له حقّ الجوار ، وجار له حقّان؛ حقّ الجوار وحقّ الاسلام وهو الجار المسلم ، وجار له ثلاثة حقوق؛ حقّ الجوار وحقّ الاسلام وحقّ الرحم ، وهو الجار المسلم ذوالرحم ». (3)
     وقيل : إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل الا أنّها تؤذي جيرانها ، فقال : صلى الله عليه وآله : « هي في النار ». (4)
     وقال صلى الله عليه وآله : « ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع ». (5)
     وروي أنّ الجار الفقير يتعلّق بالجار الغني يوم القيامة ويقول : « سل
1 ـ جامع السعادات : 2/263 ، وفيه : « والداه » في الموضعين.
2 ـ المحجة البيضاء : 3/435.
3 ـ راجع المحجة البيضاء : 3/422 ، المصنف نقله المعنى.
4 ـ المحجة البيضاء : 33/423.
5 ـ الكافي : 8/66 ، كتاب العشرة ، باب حق الجوار ، ح14.

(389)
ياربّ هذا لم منعني معروفه وسدّ بابه دوني؟ » (1)
     ومعرفته موكولة إلى العرف ، وفي بعض الأخبار التحديد بالأربعين من أربع (أربعة ظ) جوانب. (2)
     ولا ينحصر حقّه في كفّ الأذى ، فإنّه حقّ كلّ أحد ، بل لابدّ من الرفق وإسداء الخير وتشريكه فيما يملكه ويحتاج هو إليه من لمطاعم وعيادته في المرض وتعزيته في مصيبته وتهنئته في مسرّته والصفح عن زلّته وستر عورته وغضّ البصر عن حرمته والتوجّه لعياله في غيبته وإرشاد إلى مصلحته وتشييع جنازته وأن لايضايقه فيما يلتمس منه إذا أمكنه ولم يضرّه مطلقاً ولا يطيل البناء عليه فيشرف على بيته أو يحجب الهواء عنه الا بإذنه ، وغير ذلك مما ورد في الأخبار ، والمعيار الكلي رضاؤهم عنك ، فإن قالوا : أحسنت كنت محسناً وإن قالوا : أسأت كنت مسيئاً ، كما في النبوي (3) صلى الله عليه وآله.

فصل
     ومنها : التكاهل عن أمور المسلمين والتكاسل عنها كسلاً أو بخلاً أو غيرهما.
     وعن الصادق عليه السلام : « أيّما رجل من شيعتنا أتاه رجل من إخوانه فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا يعذّبه الله عليها يوم القيامة ». (4)
     وقال عليه السلام : « أيّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو قادر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم أقامه الله يوم القيامة مسودّاً وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الذي خان الله ورسوله ، ثم يؤمر به إلى
1 ـ المحجة البيضاء : 3/424.
2 ـ الكافي : 2/669 ، كتاب العشرة ، باب حدّ الجوار ، ح2.
3 ـ المحجة البيضاء : 3/425.
4 ـ الكافي : 2/366 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب من استعان به اخوه ، ح2 ، مع اخلاف.

(390)
النار ». (1)
     وقال عليه السلام : « من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلّط الله عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو معذّباً ». (2)
     وعن النبي صلى الله عليه وآله : « من لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم ». (3)
     وسنذكر ما يزيده تأكيداً في المقام الثاني إن شاء الله تعالى.
     وعلاج هذه الرذائل كما عرفت مركّب من علم وعمل ، بأن يتذكّر أوّلاً مادلّ على ذمّها ممّا ذكر ولم يذكر ومدح أضدادها مما سيذكر إن شاء الله تعالى ، ثم يتفكّر في بواعثها من الحقد والحسد والبخل وضعف النفس وأمثالها ، وبعد ما تعيّن الباعث توجّه نحو قلعه وقمعه ، حيث يستلزم زواله زواله ، ثم يكلّف نفسه على فعل أضدادها ولو قهراً إلى أن يعتاد فتصير له ملكات راسخة.

فصل
     ومنها : المداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشدّ منه الأمر بالمنكر والنهي عن العروف ، والغالب حوث الأول من ضعف النفس وصغرها ، وربما كان باعثه وهو الغالب في الثاني الطمع ممّن يسامح به أو يؤثر بضدّ الواجب إذا علم شوقه إليه ، أو الغضب والحسد والحقد على شخص خاص فيسامح في ردع من يغتابه أو يؤذيه مع تمكّنه منه أو بحثّه عليه وهي من المفاسد العامة البلوى الساري أثرها وضرّها إلى جلّ البرايا ، ولذا ترى الشرائع مضمحلّة والنبوّة متعطّلة وأحكام الدين ضائعة ، والضلالة شائعة والجهالة ذائعة ، ورسوم الهداية مندرسة ، وآثار الشرع منطمسة ،
1 ـ الكافي : 2/367 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب من منع مؤمناً شيئاً ، ح1.
2 ـ الكافي : 2/194 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب قضاء حاجة المؤمن ، ح5.
3 ـ الكافي : 2/164 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الاهتمام بامور المسلمين ، ح4 عن الصادق عليه السلام.
كشف الغطاء ::: فهرس