دروس في الأخلاق ::: 41 ـ 50
(41)
     وأنه ما حبس عبد نفسه على الله إلا أدخله الله الجنة (1).
     وأن رجلاً اسمه مجاشع قال : يا رسول الله كيف الطريق إلى معرفة الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : معرفة النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى موافقة الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : مخالفة النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى رضا الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : سخط النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى طاعة الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : عصيان النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى ذكر الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : نسيان النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى قرب الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : التباعد عن النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى اُنس الحق ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : الوحشة عن النفس ، فقال : فكيف الطريق إلى ذلك ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « الاستعانة بالحق على النفس » (2).
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص71.
2 ـ عوالي اللئالي : ج1 ، ص246 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص72 ـ مستدرك الوسائل : ج11 ، ص138.


(42)

(43)
الدرس الرابع
في ترك اتباع الأهواء والشهوات
     قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) (1). وقال تعالى : ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) (2). وقال تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه ) (3). وقال تعالى : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) (4).
     أقول : الهوى : ميل النفس إلى الشهوة ، وقد يطلق على النفس المائلة إلى الشهوة أيضاً ، ولعله سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية ، فإن من معاني هذه المادة : السقوط ، وقوله : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قدم المفعول الثاني إعظاماً لذم اتباع الهوى وعناية لتعظيمه الهوى بحيث
1 ـ الجاثية : 23 ، الفرقان : 43.
2 ـ ص : 26.
3 ـ القصص : 50.
4 ـ النازعات : 40.


(44)
جعله إلهاً يعبد من دون الله.
     وفي الآيات الشريفة إشارة إلى أن اتباع هوى النفس عبادة لها وأنه سبب للضلالة عن سبيل الله ، وأنه لا ضلالة فوقه ، وأنه يدعوا إلى عدم إجابة رسل الله وأن منع النفس عن هواها سبب لدخول الجنة.
     وهنا نصوص كثيرة موضحة لهذا المعنى. فقد ورد : أن الله أقسم بجلاله وجماله وبهائه وعلاه أنه لا يؤثر عبد هوى الله تعالى على هواه إلا جعل غناه في نفسه وهمه في آخرته وضمن رزقه (1).
     وأنه لو آثر هواه على هوى الله شتت أمره ، ولبس عليه دنياه وشغل قلبه بها (2).
     وأن اتباع الهوى من أخوف ما كان يخاف منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والولي عليه السلام على الأمة (3).
     وأنه : طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره (4).
     وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرجوا النجاة لصاحب الهوى (5).
    وأن أشجع الناس من غلب هواه (6).
     وأن الهوى أقوى سلطان على الإنسان ، وهو الذي يصده عن الحق (7).
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص75.
2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص85.
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص75 و 77.
4 ـ ثواب الأعمال : ص211 ـ الخصال : ص3 ـ الأمالي : ص51 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص164 ـ بحار الأنوار : ج14 ، ص327 ، وج70 ، ص74 و ج77 ، ص153 ـ مستدرك الوسائل : ج11 ، ص341.
5 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص76.
6 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص76 ـ مستدرك الوسائل : ج12 ، ص111.
7 ـ بحار الأنوار : ج 70 ، 76.


(45)
     وأن من أطاع هواه أعطى عدوه مناه (1).
     وأن راكب الشهوات لا تستقال عثراته (2).
     وأن من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته (3).
     وأنه استرحم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لرجل نزع عن شهوته وقمع هوى نفسه (4).
     وأن الصادق عليه السلام قال : « إحذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم ، فإنه ليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم » (5). وأنه قال : « لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهواه دواها (6).
     تبصرة : ينبغي أن يعلم أنه ليس كلما تهاه النفس وتشتهيه منهياً عنه من قبل الله تعالى ومبغوضاً عنده ، كما أنه ليس كلما لا تهواه وتبغضه محبوباً عنده ، بل الحق أن ما تهواه النفس على قسمين : محرّم ومبغوض ، ومكروه مذموم. والأول ما تهواه وتشتهيه من المحرمات التي حرمها الله وأبغضها. والثاني ما تهواه وتشتهيه مما كرهه الله ولم يحرمه وكان ارتكاب الإنسان له لمجرد الشهوة النفسانية غير قاصد به نفعاً ، حتى تأثيره في إغناء النفس عن الحرام وعما لا يليق بحالها ولا ينبغي لها ، فما يرتكبه الإنسان من الملاذ التي تهواه النفس ولم يحرمه الشرع كالانتفاع بالأغذية والألبسة المحللة والمساكن المجللة والنساء والبنين والأموال ونحوها ليس مشمولاً للنواهي المذكورة ، كيف والشرع الأنور قد حث على الزواج ، بل على اختيار المرأة
1 ـ نزهة الناظر : ص134 ـ أعلام الدين : ص309 ـ بحار الأنوار : ج78 ، ص364 ـ مستدرك الوسائل : 12 ، ص112.
2 ـ بحار الأنوار : ج 70 ، ص78.
3 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج5 ، ص365 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص78.
4 ـ بحار الأنوار : ج 70 ، ص78 ـ نهج البلاغة : الخطبة 176.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص335 ـ الوافي : ج5 ، ص901 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص346 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص82.
6 ـ الكافي : ج2 ، ص336 ـ بحار الأنوار : ج 70 ، ص89.


(46)
الحسناء والأكل من الطيبات ، وكثيراً ما يتلذذ بعض العلماء بعلمهم أكثر مما يتلذد الفساق بفسقهم ويستلذ العباد بمناجاتهم أكثر من أهل اللهو بمعاصيهم ، كما أنه ليس كل ما لا تشتهيه النفس مرغوباً إليه في الشرع ، وإلا لاستلزم وجوب تناول كل مالا تشتهيه من الأطعمة والأشربة والزواج بمن لا يميل إليها الطبع من النساء ولا أقل من إستحبابه مع أنه ليس كذلك. فما ورد من النواهي عن اتباع الهوى والتعابير الحاكية عن كراهته ومبغوضيته خطابات إرشادية تهدي إلى وجود مضار ومفاسد في اتباع الهوى وارتكاب ما تعلقت به النواهي التحريمية والتنزيهية وترتب عقوباتها الدنيوية والأخروية.


(47)
الدرس الخامس
في اليقين
     قال تعالى : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) (1).
     وقال تعالى : ( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) (2).
     وقال تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) (3).
     وقال تعالى : ( وليكون من الموقنين ) (4).
     وقال تعالى : ( وبالآخرة هم يوقنون ) (5).
     اليقين من صفات العلم ، وهو سكون العلم وثباته وإتقانه بانتفاء الشك والشبهة عنه بالاستدلال أو الإشراق. ومتعلقه في هذا الباب مطلق ما يجب
1 ـ البقرة : 118.
2 ـ الذاريات : 19 ـ 20.
3 ـ السجدة : 24.
4 ـ الأنعام : 75.
5 ـ البقرة : 4.


(48)
الإذعان به من المبدء تعالى وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجميع آياته وما أنزله على أنبيائه من شرائعه ، وهو بهذا المعنى أشرف صفات النفس وأعلاها وأفضلها وأسماها ، وهو الذي عبر عنه بالأطمئنان في قصة إبراهيم الخليل. فإنه لما استدعى من ربه أن يريه إحياء الموتى قال تعالى ( أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ) (1). فأقر أولاً بالايمان الذي هو : التصديق والعلم ، ثم سأل ما يزداد به الإيمان حتى يكون يقيناً ، وببيان آخر أنه سأل أن يرتقي بمشاهدة العيان من علم اليقين إلى عين اليقين ، وقد ذكر تعالى في الآية الثانية : أن الآيات الآفاقية والأنفسية لا تنفع كما ينبغي ولا تكشف عن وجه الحقيقة كما يليق إلا لمن تزين بهذه الفضيلة النفسية والكرامة الالهية. وذكر في الآية الثالثة : أن الملاك في اختيار الصفوة من الناس للإمامة وهداية المجتمع الانساني هو : الصبر واليقين ، وهما وصفان فاضلان لكل منهما تأثير متقابل في الآخر ، فالصبر في إقامة أحكام الدين وحدوده يزيد في اليقين ، واليقين يزيد في الصبر.
     وفي النصوص الواردة عن أهل البيت في المقام ما يغني عن كل شيء. فقد ورد أن اليقين أفضل من الإيمان (2) ، فإن الإيمان فوق الإسلام ، والتقوى فوق الإيمان واليقين فوق التقوى ، فما من شيء أعز من اليقين (3) ؛ وذلك لأن الإقرار بالشهادتين إسلام ، والأذعان بالقلب بعده إيمان ، والعمل بالأذعان تقوى ، وكمال الإيمان بالعمل يقين.
     وأن الصادق عليه السلام قال ـ لمن لم يحصل له اليقين ـ : إنما تمسكتم بأدنى الإسلام ،
1 ـ البقرة : 260.
2 ـ المحجة البيضاء : ج1 ، ص280 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص181 ـ مستدرك الوسائل : ج11 ، ص197.
3 ـ نفس المصدر السابق.


(49)
فإياكم أن ينفلت من أيديكم (1).
    وأنه لم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين (2). وأن اليقين تظهر آثاره وتتجلى حقيقته في الموقن بأمور أكملها أربعة : التوكل والتسليم والرضا والتفويض (3). التوكل على الله في تنجز مقاصده عند التوسل بأسبابها ، والتسليم لأحكامه وحكومة ولاة أمره ، والرضا بما قضى عليه ربه في الحوادث الجارية عليه في حياته ، والتفويض الكامل في كل ذلك بحيث يرى نفسه وقدرته مضمحلة في جنب إرادة ربه وقدرته ، وهذا من مراتب القانتين.
     وأنه ليس شيء إلا وله حد ، وحد اليقين أن لا تخاف مع الله شيئاً (4).
     وأن من صحة اليقين وتمامه أن لا يرضي الناس بسخط الله ، وأن لا يلومهم على مالم يؤتهم ربهم. فإن الأمر بيد الله (5).
     وأن الله جعل الروح والراحة في اليقين (6).
     وأن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل من العمل الكثير على غير يقين (7).
     وأن من الكنز الذي كان لغلامين يتيمين تحت الجدار صحيفة فيها ذكر اليقين وبعض آثاره (8).
     وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى شاب في المسجد يخفق ويهوي برأسه مصفراً لونه
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص137.
2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص138.
3 ـ نفس المصدر السابق.
4 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص142.
5 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص143.
6 ـ نفس المصدر السابق.
7 ـ الكافي : ج2 ، ص57 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص147.
8 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص152.


(50)
قد نحف جسمه ، فقال : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت موقناً ، فعجب صلى الله عليه وآله وسلم من قوله ، وقال : إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال : إن يقيني هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري. فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون ، وكأني أنظر إلى أهل النار وهم معذبون مصطرخون ، وكأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هذا عبد نور الله قلبه بالأيمان ، ثم قال له : الزم ما أنت عليه (1).
     وأن اول صلاح هذه الأمة كان بالزهد واليقين (2).
     وأن خير ما ألقي في القلب اليقين (3).
     وأن النبي سأل جبرئيل عن تفسير اليقين ، قال : المؤمن يعمل لله كأنه يراه (4).
     وأنه كفى باليقين غنىً (5).
     وأن علياً عليه السلام قال : سلوا الله اليقين ، وخيرما دام في القلب اليقين ، والمغبوط من غبط يقينه (6).
     وأن اليقين يوصل العبد إلى كل مقام سنيّ (7).
     وأنه ذكر عند النبي أن عيسى بن مريم كان يمشي على الماء ، فقال : لو زاد يقينه لمشى في الهواء ، فالأنبياء يتفاضلون على اليقين وكذا المؤمنون (8).
1 ـ الكافي : ج2 ، ص53 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص159.
2 ـ الأمالي : ج1 ، ص189 ـ الخصال : ص79 ـ وسائل الشيعة : ج2 ، ص651 و ج11 ، ص315 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص173 وج73 ، ص164 ـ نور الثقلين : ج3 ، ص3.
3 ـ من لا يحضره الفقيه : ج4 ، ص376 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص173.
4 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص173.
5 ـ بحار الأنوار : ج 70 ، ص176.
6 ـ بحار الأنوار : ج 70 ، ص176 ، وج78 ، ص44.
7 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص179.
8 ـ نفس المصدر السابق.
دروس في الاخلاق ::: فهرس