دروس في الأخلاق ::: 61 ـ 70
(61)
عيناه (1).
     وأن الله أراد بالأحسن في قوله : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) (2) الأصوب الصادر عن النية الصادقة (3).
     وأن قوله تعالى : ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) (4). هو القلب الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه ، وكل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط (5).
     وأنه إذا أخلص عبد إيمانه بالله وأجمل ذكر الله أربعين يوماً زهده في الدنيا وبصره دائها ودوائها وجرت ينابيع الحكمة من قلبه إلى لسانه (6) ، أي : أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه ( والإيمان هنا : عقد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان ، وإخلاصه تصفية القلب عن غيره تعالى وتخليص الكلام عما لا يليق بمقام المؤمن وإخلاص العمل عن الحرام والشبهة ، والأربعين لها خصوصية أو هو مثال ).
     وأن إخلاص العمل لله مما لا يغل عليه قلب إمرء مسلم (7) ، أي : لا يغش ولا يخون المسلم في إخلاص عمله ، وليس ذلك من شأنه.
     وأن عمل أهل الدنيا كله رئاء ، إلا ما كان مخلصاً ، والإخلاص على خطر
1 ـ الكافي : ج2 ، ص16 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص43 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص229 ، وج84 ، ص 261.
2 ـ هود : 7 والملك : 2.
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص230.
4 ـ الشعراء : 89.
5 ـ الكافي : ج2 ، ص16 ـ المحجة البيضاء : ج7 ، ص330 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص54 و 239 و ج82 ، ص305.
6 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص240.
7 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص242.


(62)
حتى ينظر العبد بما يختم (1).
     وأن قول إبراهيم عليه السلام عند توجيه وجهه إلى الله بالعبادة : ( حنيفاً مسلماً ) معناه : خالصاً مخلصاً لا يشوبه شيء (2).
     وأن العبد إذا أشرك غير الله في عمله ترك الله الجميع لغيره فإنه خير شريك (3).
     وأنه قد يصلي العبد ركعتين يريد بهما وجه الله فيدخله الله به الجنة (4).
     وأن الحسن الزكي عليه السلام قال : لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة ولقمتها من يعبد الله خالصاً لرأيت أني مقصر في حقه (5).
     وأن الله لا ينظر إلى الصور والأعمال ، وإنما ينظر إلى القلوب (6).
     وأن المؤمن الكامل هو من يكون حبه وبغضه ، وإعطاؤه ومنعه لله تعالى وطلباً لمرضاته (7).
     وأن أفضل العبادة : الإخلاص (8) ، أي : العبادة التي فيها الإخلاص ، أو أن نفس إخلاص النية ـ مع قطع النظر عن العمل الخارجي ـ عبادة قلبية لها فضيلة وثواب ، وغيرها مما ورد في هذا الباب.

1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص242.
2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص243.
3 ـ نفس المصدر السابق.
4 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص244.
5 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص245.
6 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص248.
7 ـ نفس المصدر السابقة.
8 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص249.


(63)
الدرس الثامن
في العبادة وإخفائها
     إخفاء العبادة وكل عمل خير يصدر من المؤمن عدا الموارد التي أباح الشرع إظهار العمل فيها أو أمر بإظهاره فيها للناس قولاً أو عملاً ، مطلوب بالطبع من ناحية الشارع محثوث عليه ، حفظاً لنفس العامل عن عروض بعض الرذائل عليها كالعجب والرئاء والتكبر وحب الجاه ونحوها ، وتخليصاً لعمله عن شوب الأغراض الفاسدة ، وهداية له إلى الأعمال التي ينبغي الإتيان بها خفاء.
     فقد ورد : إن أعظم العبادة أجراً أخفاها (1).
     وإن العمل الصالح إذا كتمه العبد أبى الله إلا أن يظهره ليزين الفاعل به مع ما يدخر له من الثواب (2).
     وإن المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة (3).
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص251.
2 ـ نفس المصدر السابق.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص428 ـ ثواب الأعمال : ص213 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص350 ـ بحار



(64)
     وإن من كنوز الجنة إخفاء العمل (1).
     وإن من شهر نفسه بالعبادة فاتهموه فإن الله يبغض شهرة العبادة (2).
     وإن لله عباداً عاملوه بخالص من سره فقابلهم بخالص من بره. فهم الذين تمر صحفهم يوم القيامة فارغة ، فإذا وقفوا بين يديه ملأها لهم من سر ما أسروا إليه (3).
     نعم ، من المندوب المطلوب إظهار العمل أحياناً والإتيان به بمرئىً من الناس ومنظر كما في الصلوات الواجبة خاصة مع الجماعة ، وفي إخراج الوجوه الواجبة من الزكاة والخمس ومنذور التصدق به وغيره ، وذلك لأن تشيع عبادة الله وطاعته في الناس ويرغب إليها الغافلون ، ويكون نوعاً من الأمر بالمعروف ، وسبباً لزوال التهمة عن العامل لو كان مورداً للتهمة. ومقتضى بعض هذه الوجوه ـ كما ترى ـ وجوب إظهاره. وقد يوسوس الوسواس الخناس في صدور بعض الناس في هذه الموارد بأن الإظهار يكون رئاء فيخفيه لذلك ، وهو من همزات الشياطين فلا يعتن بذلك ، وليقل :
     إن ربي أحب الإظهار وما أحب إلا ما أحبه. وإذا شك في مورد في حسن الإخفاء أو الإظهار فليختر ما شاء ، وليقل : ( رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) (4). وليقل أيضاً : اللهم لا تجعل للشيطان على عقلي سبيلاً ، ولا للباطل على عملي دليلاً. والشيطان يتعقب العامل ويوسوس له فيما إذا رآه يعتني بشأنه ، فإذا توجه إلى ما أمره ربه واستمر عليه وأعرض عن الشيطان وعصاه يئس منه وخلاه.
ألأنوار : ج70 ، ص251 ، وج73 ، ص356.
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص251 و ج71 ، ص95 و ج78 ، ص36.
2 ـ الأمالي : ج2 ، ص263 ـ وسائل الشيعة : ج1 ، ص58 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص252.
3 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص252 و ج71 ، ص369 و ج78 ، ص64.
4 ـ المؤمنون : 98 ـ 97.


(65)
الدرس التاسع
في التقوى والورع والمتقين وصفاتهم
     التقوى : مصدر وقى يقي وقياً ، فبدل واو المصدر تاءً وياؤه واواً ، ومعناه : الحفظ والحراسة ، والمراد هنا : حفظ النفس عن مخالفة الله تعالى بفعل ماأوجبه وترك ماحرمه ، وبمعناه الوقوى والاتقاء والتوقي.
     ثم انه لا اشكال في ان مواظبة الانسان على فعل الواجب وترك الحرام توجب حصول ملكة في النفس يسهل عليه الافعال والتروك وان كانت مخالفة لميله وهواه.
     والتقوى كلمة تطلق على كل واحد من الأمرين ، أي : الملكة الحاصلة في النفس ، الباعثة على الوظائف الخارجية ، وعلى نفس الاعمال والتروك. ويبحث في علم الأخلاق تارةًَ عن نفس الملكة : لأنها من مسائل العلم ، وأخرى عن الأفعال والتروك ؛ لأنها تكون من أسباب حصولها ، كما أنها تكون من آثارها ومسبباتها ، لما عرفت من أن بين الأفعال الخارجية والصفات والملكات تأثيرات متقابلة وان كان


(66)
حق السبق للاعمال في الملكات الاكتسابية ، وللملكات في الموهوبية. فالبحث عن الأفعال في المقام ، لأنها تورث في النفس حصول الملكة.
     وأما الورع : فقد يطلق على التقوى. وقد يطلق على خصوص ترك المحرمات ، وقد يطلق على ترك الشبهات أيضاً ، حتى فيما لو قام الدليل على الجواز من خبرٍ أو أصل مع احتمال عدمه في الواقع. فهو ـ حينئذ ـ مرتبة فوق التقوى ، ويشهد على إرادة الملكة من التقوى في عدة من الآيات والنصوص ، كثرة ذكر المتقين بصيغة الفاعل الظاهرة في إرادة الصفة دون الفعل ، وعد العمل بالوظائف الدينية من علامات المتقين ، ووقوع التصريح في بعض النصوص بأن التقوى في القلب وما أشبه ذلك ، كما أن القرائن قد تشهد على كون المراد بالتقوى في بعض النصوص : هو نفس الأعمال الخارجية كما ورد في تفسير التقوى عن الصادق عليه السلام : « أن لا يفقدك الله حيث أمرك ، ولا يراك حيث نهاك » (1).
     ثم إن الآيات الشريفة القرآنية ونصوص أهل البيت عليهم السلام في المقام كثيرة جداً سيقت لبيان نفس التقوى وما يترتب عليها من الآثار الدنيوية والمثوبة الأخروية ، وبيان حال المتقين ومدحهم وذكر مراتبهم عند الله وصفاتهم وعلائمهم وغير ذلك ـ جعلنا الله منهم ، ووفقنا للدخول في زمرتهم والوفود إليه في الجنان معهم إن شاء الله ـ.
     فقد ورد في الكتاب الكريم : ( فإن خير الزاد التقوى ) (2).
     وأن ( لباس التقوى ذلك خير ) (3).
1 ـ وسائل الشيعة : ج11 ، ص189 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص285 ، وج78 ، ص241.
2 ـ البقرة : 197.
3 ـ الأعراف : 26.


(67)
وأنه يجب التعاون على التقوى. (1)
     وأن المسجد الذي أسس على التقوى أحق بالقيام فيه. (2)
     وأن من أسس بنيانه على تقوى خير. (3)
     وأن العاقبة للتقوى. (4)
     وأن تعظيم شعائر الله من توقى القلوب. (5) وأن الله لا يناله لحوم الاضاحي ودماءها ، بل يناله التقوى منكم. (6)
     وأن الله ألزم المؤمنين كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها. (7)
     ( وأن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) (8).
     وأن الناس أمروا بأن يتناجوا بالتقوى (9).
     وأن الله ألهم النفس فجورها وتقواها. (10)
     وأن ( الذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) (11). وقد ورد في الكتاب الكريم بالنسبة إلى المتقين : إن المتقين هم الذين يؤمنون بالغيب ، وبما أنزل إلى
1 ـ المستفاد من الآية الشريفة رقمها 2 من سورة المائدة.
2 ـ وهذا مضمون الآية الشريفة رقمها 108 من سورة التوبة.
3 ـ وهذا مضمون الآية الشريفة رقمها 109 من سورة التوبة.
4 ـ المأخوذ من الآية الشريفة رقمها 132 من سورة طه.
5 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الحج ، الآية 32.
6 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الحج ، الآية 37.
7 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الفتح ، الآية 26.
8 ـ الحجرات : 3.
9 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة المجادلة ، الآية 9.
10 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة الشمس ، الآية 8.
11 ـ محمد : 17.


(68)
الأنبياء ، وبالآخرة ، ويقيمون الصلاة ، وينفقون مما رزقهم الله ، (1) و ( أن الله مع المتقين ) (2) ، و ( أن الله يحب المتقين ) (3) ، وأن ( الله ولي المتقين ) (4). وأن العمل ( إنما يتقبل الله من المتقين ) (5). وأن الله يكتب رحمته للذين يتقون ، وأن الله قال للناس : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (6). وأنه قال للمتقين : ( إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ) (7) وأن ( من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) (8) وأن المتقين ( إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) (9) ، و ( أن العاقبة للمتقين ) (10) ، و ( إن للمتقين لحسن مآب ) (11).
     وأن الكتاب الكريم ( هدى للمتقين ) (12) ، وأنه ( موعظة للمتقين ) (13) وأنه ( تذكرة للمتقين ) (14) ، وأنه نزل بلسان النبي ليبشر به المتقين ، وأن كتاب موسى كان فرقاناً ( وضياءً وذكراً للمتقين ) (15).
1 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة البقره ، الآية 3 و 4.
2 ـ التوبة : 36 ، و 123.
3 ـ آل عمران : 76 ، والتوبة : 4 و 7.
4 ـ الجاثية : 19.
5 ـ المائدة : 27.
6 ـ الحجرات : 13.
7 ـ الأنفال : 29.
8 ـ الطلاق : 2.
9 ـ الأعراف : 201.
10 ـ هود : 49.
11 ـ ص : 49.
12 ـ البقرة : 2.
13 ـ البقرة : 66.
14 ـ الحاقة : 48.
15 ـ الانبياء : 48.


(69)
     وأن الدار الآخرة نعم دار المتقين ، وأن ( الآخرة عند ربك للمتقين ) (1) ، وأن الذين يتقون فوق الكفار يوم القيامة (2) ، وأن الله لم يجعل المتقين كالفجار (3) ، وأن المتقين يحشرون إلى الرحمن وفداً ، (4) و ( إن للمتقين مفازاً ) (5) و ( إن المتقين في مقام أمين ) (6) ، و ( أن الجنة أعدت للمتقين ) (7) ، وأنه ( أزلفت الجنة للمتقين ) ، (8) وأنه ( سيق الذين اتقوا إلى الجنة زمراً ) (9) ، وأن الذين اتقوا ( لهم غرف من فوقها غرف ) (10).
     وورد في نصوص أهل البيت عليهم السلام : أن التقوى في القلب (11).
     وأنه ينفجر من عين المعرفة بالله (12).
     وأن التقى رئيس الأخلاق (13).
     وأن هنا خصلة من لزمها أطاعته الدنيا وربح الفوز بالجنة وهي : التقوى (14).
1 ـ الزخرف : 35.
2 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية 212.
3 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة ص ، الآية 28.
4 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة مريم الآية 85.
5 ـ النبأ : 31.
6 ـ الدخان : 51.
7 ـ هذا تضمين لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية : 133.
8 ـ ق : 31. الشعراء : 90.
9 ـ الزمر : 73.
10 ـ الزمر : 20.
11 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص283.
12 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص295.
13 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص284.
14 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص285.


(70)
     وأن التقوى : أن لا يفقدك الله حيث أمرك ، ولا يراك حيث نهاك (1).
     وأنه يجب على الناس الاتقاء حق التقوى (2) ، أي : بما استطاعوا.
     وأن من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه من غير مال ، وأعزه من غير عشيرة ، وآنسه من غير بشر (3) ( اي : لو أعرض عنه الناس لتقواه أوجد في قلبه طمأنينة يأنس بها بإيمانه وعلومه وعباداته ).
     وأن لأهل التقوى علامات يعرفون بها : كصدق الحديث وأداء الأمانة والوفاء بالعهد ـ الخ (4).
     وأن من اتقى عاش قوياً وسار في بلاد عدوه آمناً (5).
     وأن الأتقياء حصون الناس (6).
     وأن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحّولّه عما يكره إلى ما يحب (7).
     وأن من اعتصم بالله بتقواه عصمه الله ، وكان في حرز الله بالتقوى من كل بلية (8) ، فإن الله قال : ( إن المتقين في مقام أمين ). (9)
     وأن السماوات والأرض لو كانتا رتقاً على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منهما فرجاً ومخرجاً (10).
1 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص285.
2 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص283.
3 ـ الكافي : ج2 ، ص76 ـ بحار الانوار : ج70 ، ص282.
4 ـ بحار الانوار : ج70 ، ص282.
5 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص283.
6 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص283.
7 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص285.
8 ـ نفس المصدر السابق.
9 ـ الدخان : 51.
10 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج5 ، ص118 ـ بحار الأنوار : ج70 ، ص285.
دروس في الاخلاق ::: فهرس