( فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ) وواحداً وثلاثين في باقي الجسم وهذه الاعصاب تقوم بمهمام عجيبة ومهمة للغاية ، فهي تأخذ الحس من الرأس ، وترسل إليه الأوامر الحركية ، وإذا بالعضلات تتقلص وترتخي بكيفية معينة ، وإذا تعابير الخوف ، أو المحبة ، أو الضحك ، أو التبسم ، أو الكره ، أو الحقد ، أو الدهشة والاستغراب كلها تظهر على محياك فتظهر ما يكنه الدماغ ( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ، ولتعرفنّهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ) سورة محمد .
فمن أصل الأربعة والعشرين عصباً يتفرد منها ستة لحركات العينين ، حيث تتحكم هذه الاعصاب الستة في عضلات العين وهي تبلغ سبعة عضلات في كل عين وهذه العضلات بواسطة الاوامر العصبية يمكن أن تدير كرة العين الى كافة الجوانب وهكذا فأنت تنظر أيها القارىء إلى أعلى وأسفل ويمين وشمال وبشكل دائري ومنحرف ، ومن العضلات السبعة عضلة تختص برفع الجفن العلوي وخفضه وكأنها الخيط الذي يسحب الستار أمام العين حتى ترى الموجودات ، والاعصاب في كل جهة تتزن مع الاعصاب في الجهة الاخرى بشكل متناسق ولذا فإن الانسان يرى بعينيه منظراً واحداً ولولا هذه الرؤية المزدوجة الواحدة لما استطاع أن يرى بشكل جيد فهو اما أن يرى الاشكال مضاعفه أو مضطربة ، ولذا فإن أي خلل في الجهاز الذي ينسق حركة العضلات ويوازنها يحدث الرأرأة المعروفة وهي اهتزاز كرة العين وعدم التمكن من تثبيت النظر تماماً ، وأي خلل بسيط في الجهاز المعصب لهذه الاشرطة العضلية الصغيرة السبعة يحدث هبوط الجفن العلوي وانسدال الستارة ، أو الحول للأيمن أو للأيسر ، وهذه الاعصاب الثلاثة لكل عين يختص كل واحد منها بعضلات معينة فواحد يختص بتحريك كرة العين


( 161 )

إلى الأسفل والوحشي (1) فقط ، وواحد اختصاصه أن يدير العين إلى الوحشي فقط وواحد اختصاصه أن يدير العين إلى أعلى ، وأسفل وانسي ، وإلى الأعلى والأنسي ولا يعتدى أحد من الثلاثة على اختصاص الآخر ، كما لا ينفرد كل من الثلاثة بعمله بل يتعاون الثلاثة مع الثلاثة في الطرف الآخر على تركيز العينين في جهة واحدة على منطقة بعينها ، هذا من ناحية تحريك عضلات العين فقط ، وهناك العصب البصري واختصاصه معقّد جداً ، وهو ينقل الصور المرئية والألوان المشاهدة عبر نصف مليون ليف عصبي ، وكأنها (500) ألف جهاز تلفزيوني ملون ، وهكذا نرى ان ثمانية أعصاب تختص بالعين اثنان للأبصار وستة لحركة عضلات العين أي ان ثلث الأعصاب القحفية الرأسية مختصة بالعينين ( ألم نجعل له عينين ، ولساناً وشفتين ) . وفي قاع الصندوق العظمي الذي يحوي الدماغ نرى البصلة الشمية بجانب الخط المتوسط على كل جانب ، وهذه الكتلة التي تشبه البصلة يأتيها العصب الشمي من أعلى المنخر ثم يسير في خط متعرج معقد حيث يتوزع إلى عدة أقسام ويصل إلى المركز الشمي الكائن في الأخدود العميق ما بين نصفي الكرة المخية ، وإصابة هذا العصب تؤدي إلى فقد الشم ، إن الأعصاب القحفية لها ميزات تختلف عن الأعصاب الشوكية التي تتحكم في الجسم لأن الأعصاب الشوكية دوماً أعصاب مختلطة أي تجمع الحس والحركة ، أما الأعصاب القحفية فهي إما اختصاصية بالحس مثل العصب الشمي ، أو اختصاصية بالحركة كما في العصب محرك المشترك ، والاشتياقي والمحرك الوحشي ، وهي الأعصاب التي تحرك عضلات العين ، وإما أعصاب مختلطة حسية حركية ومن هذه الأعصاب المسمى
____________
(1) يقصد بالوحشي والانسي بالنسبة إلى نقطة ما ، القريب انسي من الأنس والقرب والبعيد وحشي من البعد والتوحش !! ولذا فان الانف على الوجه فيما إذا أخذنا بالنسبة له شيئين فالقرب منه أنسي والبعيد وحشي .
( 162 )

بمثلث التوائم لأن له ثلاثة فروع وكأنها التوائم الثلاثة وهو ينقل الحس بثلاثة فروع من الوجه والفك العلوي والفك السفلي كما انه يحرك العضلات الماضغة ، وهي أربعة عضلات في كل جانب ، وإصابة هذا العصب تؤدي إلى آلام مبرحة لا يعرفها إلا من ذاقها وهو ما يعرف بألم مثلث التوائم .
ثم نأتي إلى العصب الوجهي الذي يعد عمله معجزة من المعجزات ، فهو يسيطر على مجموعات مختلفة من العضلات في الوجه تبلغ (46) عضلة موزعة في الجانبين ، وهذه العضلات منها ما هو موزع حول الشفتين وهي تختص بالنطق وتعابير الوجه ، لأن بعض الحروف لها مخارج الشفتين وهي تختص بالنطق وتعابير الوجه ، لأن بعض الحروف لها مخارج باطباق الشفتين مثل حرف الباء ، وهذه العضلات نوعان موسع للشفتين وهي (22) عضلة ومضيق للشفتين وهي اربعة موزعة حول فوهة الفم أي ان 26 عضلة فقط تتوزع حول الشفتين ، وهكذا يقوم العصبان الوجهيان في الساحة الوجهية بالمساعدة في النطق وذلك بارخاء أو تقليص العضلات حسبما تدعو الحادة ، وهكذا تظهر تعابير الوجه من الفرح والحزن ، والسعادة والشقاء ، واللذة والآلم ، والحب والكره ، والخوف والرجاء ، والضيق والانشراح ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) .
وبالمناسبة فقد وجد ان العضلات التي تشترك في اظهار البسمة هي أقل عدداً من العضلات التي تظهر العبوس وتقطيب الجبين ولذا فانه من الأيسر على الانسان أن يبتسم من أن يعبس .
ثم نأتي إلى العصب الثامن وهو العصب السمعي الذي يحوي مجموعتين من الألياف العصبية واحدة خاصة بالسمع والثانية خاصة بالتوازن . ويكفي أن نعلم ان السمع يعد بحق معجزة مدهشة سنتعرض لها بالتفصيل فيما بعد ، وهذا العصب ينقل المسموعات بعد أن تصل إلى ما يزيد عن عن ( 000و100 ) مائة ألف خلية عصبية سمعية ، والأذن تقسم إلى


( 163 )

ثلاث أقسام منها القسم الداخلي ويسمى الأذن الباطنة ، فيه مكان يسمى التيه لأن الداخل اليه يتوه من كثرة الدهاليز والتعاريج والمداخل والأبواب والأقنية والمجلاّت (1) ، ومن الجدير بالذكر ان هذه الأعصاب التي نبحثها لها مناطق خاصة تعتبر المنطلقات الأولى للعصب أو النواة الأولى التي تشكل العصب وهي موجودة في الجذع الدماغي خاصة وتشكل ستة أعمدة في كل جانب وكأنها أعمدة تدمر الأثرية !! حيث تنطلق منها الألياف أو تصل اليها الألياف حسب اختصاص العصب .
وأما العصب التاسع فهو مختلط ، أي حسي حركي ، ويختص بمنطقتي البلعوم واللسان ، خاصة في المنطقة التي يقف عندها شرطي المرور المتواضع !! وهي تقاطع الطرق التنفسية حيث يدخل الهواء ، والهضمية حيث تدخل السوائل والأطعمة ، ولذا فإن هذا العصب يشرف على أعلى البلعوم والقسم الخلفي من اللسان ، فينقل الحس ويرسل الأوامر الحركية . وفيه حساسية خاصة للغثيان إذا ما دغدغ ، وإصابته تؤدي إلى آلام مبرحة تكون أحياناً مثل آلام عصب مثلث التوائم وانعدام منعكس الغثيان ( الميل للقيء ) حتى لو دغدغ المكان الخلفي من اللسان وأول البلعوم ( ما لجرح بميت من إيلام ) ..
وأما العصب العاشر فهويته غامضة إلى حد ما ، ولذلك يسمى بالعصب المبهم ، كما أن وظائفه محيرة إلى حد ما ولذلك يسمى أحياناً بالعصب الحائر ، فهذا العصب يختص بحركة وحس الأعضاء الحشوية
____________
(1) المجلات هو انفتاح آخر القناة على آخر قناة ثانية بفتحة واحد كما في مجل واتر الذي يجمع بين آخر القناة الكبدية وآخر القناة المعثكلية ، والمجل في الأقنية نصف الدائرية في الأذن حيث ينفتح آخر قناة على آخر قناة ثانية بفتحة واحدة .
( 164 )

الداخلية ، أي الرئتين والقلب والمري والمعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة والرغامى .
وهذا العصب هو جزء من جهاز كامل يتكون من نوى مبعثرة في كل النخاع والجملة العصبية العلوية وهي ما ذكرناها سابقاً الودي ونظير الودي ، فمهمة هذا العصب الداخلية : الهدوء والبطء فهو يمثل الفرامل في حركة القلب ، كما يمثل الجهاز العاصر للقصبات ، ولذلك يحدث تشنج قصبي وضيق في التنفس إذا اشتد نشاطه ، أما في المعدة والأمعاء فهو يمثل المسرع حيث يزداد إفراز المعدة وتزداد حركة الأمعاء . وكل هذه التحركات تحدث بمعزل عن الوعي والإرادة ، فهي الأجهزة المنظمة الخفية الداخلية ، وأما في المثانة فيقوم بزيادة ارتخائها مع شدة تحرك الحالبين حتى يطرح البول إلى الخارج ، وعلى مستوى غدد اللعاب يزيد من إفرازها ولذلك يشعر المرء أحياناً عندما يميل إلى القيء بزيادة اللعاب في فمه ، وهاذا إنذار من فرط نشاط العصب المبهم أو الحائر !! كما أنه يميل إلى إنقاص سكر الدم . وهذه العلامات تمثل بمجموعها العام خطاً عريضاً للتفاعل الداخلي الهادىء عندما يكون الجسم في حالة راحة أو نوم . وأما الودي فانه يقوم بعكس هذا تماماً كما مر معنا في صفحات سابقة ، ولنا أن نتأمل قليلاً هذه المعدلات العجيبة في الجسم ، وهذا التوازن البدين الذي نسقه كله وأبدعه رب عظيم خبير عليم ( وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون ) سورة الجاثية .
وبالإضافة إلى ما مرّ فإن هذا العصب له تفرع مهم هو ما يسمى بالعصب المنعكس حيث يعصب الحنجرة وشراع الحنك ، وهكذا يشرف على الصوت ولحنه ، كما يشرف على البلع . ولذا فان إصابته تعني بحة الصوت ، والصوت المضاعف ، كما تعني عدم القدرة على البلع وقذف السوائل المبتلعة عن طريق الأنف وذلك بسبب عجز شراع الحنك على


( 165 )

الإطبقا عند البلع على الحفر الأنفية الخلفية أو ما يسمى بالبلعوم الأنفي لأن تقاطع الطرق الذي ذكرناه في منتهى الاهمية حيث أن اللقمة عندما تصل إلى مؤخرة اللسان أمامها أحد طرق ثلاثة : الحفر الانفية الخلفية ، والرغامى أول طريق الرئتين ، والمري وهو الطريق الذي يجب أن تسلكه فكيف سيتم إدخال هذه اللقمة البسيطة إلى مأمنها الوحيد ؟ تشترك عدة أعضاء فشراع الحنك يغلق الفوهتين الانفيتين الخلفيتين ( وهما امتداد الحفر الانفية ) ويتقدم شرطي المرور وهو لسان المزمان فيغلق الفوهة التنفسية من الأعلى ، ويتحرك اللسان وكأنه اللوح الخشبي الطريق للفران فيقذف باللقمة بشكل فني إلى مقدمة المري ومؤخرة البلعوم فتتلقفها عضلات البلعوم وهي تهتف لهذا العمل الرائع !! ثم لا تلبث أن تنقبض عضلات البلعوم الاولى وترتخي العضلات التي تحتها مباشرة فتنزلق اللقمة الطعامية إلى أسفل ، وإذا بالعضلات التي ارتخت قبل لحظات تنقبض على اللقمة الطعامية ويسترخي ما تحتها من العضلات مباشرة وهكذا تتقدم اللقمة الطعامية خطوة أخرى حتى تصل إلى المعدة ، حقاً انها أسرار وأمور في منتهى الدقة والابداع .
وبهذه الطريقة نفهم كيف أن اصابة الفرع المنعكس من العصب المبهم يؤدي إلى قذف السوائل المبتلعة من الانف لان شراع الحنك لا يغلق الفوهتين الأنفيتين الخلفيتين أو ما يسمى بالبلعوم الأنفي وهكذا يقذف اللسان بالأطعمة والسوائل الى الطريق الأول بدلاً من الطريق الثالث كما يحدث للسائق الغريب عندما يمر في بلدة ما ولا يعثر على الإشارات التي تدله على طريقه فيضل ويسلك طريقاً آخر يخالف ما عزم عليه !!
وأما العصب الحادي عشر فهو يختص بتقويم الرقبة وانعطافها بفعل عضلتين في كل جانب تسمى الأولى بالعضلة القصيّة الترقوية الخشائية لأنها تتثبت على ثلاث مناطق حتى تتقوم الرقبة تماماً وتنعطف بالاضافة إلى


( 166 )

مساعدة العضلات الاخرى في المنطقة ، والارتكازات الثلاث هي عظم القصّ في منتصف الصدر وعظم الترقوة وهو يمتد أفقياً ما بين الكتف وعظم القص ، وفي الاعلى الخشّاء وهو قطعة من العظم الصدغي حيث ترقد الاذن ، وأما العضلة الثانية فهي العضلة شبه المنحرفة الممتد ما بين الرقبة والظهر من الخلف ، وأي خلل يصيب هذا العصب يؤدي إلى انحراف الرقبة وعلو كتف على آخر وهو ما يعرف بالإجل .
وفي ختام العصاب القحفية يأتي العصب الثاني عشر أو العصب تحت اللسان الكبير ، ويختص هذا بحركة عضلات اللسان ، وتتعبر حركات اللسان من أبدع الحركات البهلوانية فهو يحتوي على (17) سبع عشرة عضلة ، ثمانية منها مزدوجة وواحدة مفردة ، وتمكنه هذه العضلات من التحرك إلى كافة الجهات ، ولذا فهو يقوم بأدوار مختلفة فهو يتدخل في مسرحية المضغ والبلع والتصويت والذوق فهو ممثل عجيب يقوم بأربعة أدور !! والعصب تحت اللسان الكبير يشرف على تحركه كيفما بأربعة أدور!! والعصب تحت اللسان الكبير يشرف على تحركه كيفما كانت الحالة ، وأما الحس فهناك ثلاثة أعصاب تنقل الحس من اللسان وهي العصب البلعومي اللساني من الخلف ، والعصب اللساني من الإمام ( وهو فرع من العصب الفكي السفلي أحد الشعب الثلاثة من عصب مثلث التوائم ) ، والعصب الرئوي المعدي ( المبهم ، أو الحائر ) الذي ينقل الحس من بعض المناطق العميقة ، والجدير بالذكر ان الذوق الذي يتمتع به اللسان وينقل عن طريق الحس يتوزع في عدد من النتوءات الدرقية تبلغ (9000) تسعة آلاف نتوء ذوقي .
والآن بعد أن استعرضنا هذه الانبثاقات العجيبة للاعصاب الراسية التي تبلغ 24 عصب وكلها تخرج من منطقة لا تتجاوز بضعة سنتمترات مربعة فالعصب الشمي والبصري يخرجان من الدماغ مباشرة ( اقصد للخ ) والعصب المحرك المشترك ( الثالث ) يخرج من الساق المخية بالإضافة الى العصب


( 167 )

الاشتياقي وهو الرابع ، ويخرج من الحدبة عصب واحد هو مثلث التوائم ( الفكي السفلي والفكي العلوي والعيني ) ، وفي الثلم الذي يقع ما بين الحدبة والبصلة يخرج ستة أعصاب ، ثلاثة من كل جانب وهو العصب المحرك الوحشي ( السادس ) الذي يعصب عضلة العين المستقيمة الوحشية ، والعصب السابع الوجهي وهو يعصب عضلات الوجه (23) عضلة ، والعصب الثامن السمعي وهو ينقل السمع والتوازن ، والاعصاب الاربعة الاخيرة تخرج من البصلة وهي العصب البلعوني اللساني ( التاسع ) ، والعصب المبهم ( العاشر ) والعصب الشوكي ( الحادي عشر ) ، والعصب تحت اللسان الكبير ( الثاني عشر ) وانتظام عمل هذه الاعصاب المزدوجة يحافظ على سحنة الوجه ، كما أنه يرتب الوظائف ويعطي تعابير الوجه اللازمة .
إن الكارتة التي تقع بشلل احد هذه الأعصاب التي مرّت آنفاً لا يمكن تصورها حتى يراها الإنسان ويعلم مدى الدقة العظيمة في عمل هذه الأعصاب ، فاصابة العصب الشمي يجعل المرء لا يفرق ما بين رائحة العطر الذكية ورائحة اللحم المحترق مثلاً ، وإصابة العصب البصري من أعجب الاصابات لأن نتائجها تختلف حسب المكان المصاب ، فقد يصاب المرء بالعمى في عين واحدةو ، أو يفقد الرؤية الصدغية في الجانبين أوي يفقد الرؤية الانفية في الجانبين ، وقد يفقد الرؤية الصدغية في عين بالإضافة إلى فقد الرؤية الأنفية في العين الأخرى ، وقد يفقد الرؤية في الربع العلوي من كل عين في الجهة اليمنى ، أو الربع السفلي وهكذا ، وقد يصاب بالعمى الكامل فلا يعود يرى شيئاً سوى السواد المطلق ، ولنعلم أن أهم الأمراض التي تسبب التهاب العصب البصري الانتاني سببه الداء الافرنجي ، أي ان هذا الداء هو من بركات الزنى !!! ومثل ذلك أيضاً الداء المعروف بالتابس حيث تبقى حدة البصر كما هي ولكن تضيق ساحة الرؤيا وسببه المرض الإفرنجي ايضاً ، وإصابة


( 168 )

الأعصاب المحركة لعضلات العين تحدث الحول أو انسدال الجفن .
وإصابة العصب مثلث التوائم تحدث إرتخاء الفك السفلي وانحرافه فيما إذا فتح المريض فمه ، كما ان الحس في الوجه يضطرب فمنطقة تحس والمنطقة التي فوقها لا تحس وبشكل قوس خلف قوس وهو ما يعرف بعلامة قشر البطل !! فقشرة لا تحس والتي بعدها تحس وهكذا !! كما يضطرب الذوق في اللسان خاصة في المنطقة الأمامية من اللسان ، فإذا وضعت على اللسان ملحاً لم يعرفه هل هو ملح ؟ ام سكر ؟ أم فلفل أحمر ؟ . كما إن إمرار شعرة على بللورة العين من الامام تجعل العين لا تبدي أي حركة مع أنه كما هو معروف في الحالة الطبيعية تغلق العين بشكل انعكاسي سريع .
وأما إصابة العصب الوجهي فهي أدهى وأمر ، فالتشوّه أولاً والعجز الوظيفي ثانياً ، فإذا ضحك انحرف وجهه وكأنه يبكي . وإذا أراد إغلاق عينيه بقيت المنطقة المصابة مفتوحة ، وإذا صفر انتفخ خد وبقي الآخر كما هو ؟!! وإذا كشّر عن أسنانه مال الوجه إلى الجهة السليمة !! وهي كارثة لمن تحل به ، ولكن لطف الله كبيز فلقد وجدان 80 ـ 90 % من الحوادث تشفى شفاء نهائياً .
وإصابة العصب السمعي تحدث اختلال السمع واختلال التوازن والمشي وكأنه يتطوح ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) .
وإصابة العصب المبهم تحدث بحة الصوت والصوت المضاعف ، وذلك باصابة العصب الذي ينظم حركة الحبال الصوتية فترتخي فيخرج الصوت مبحوحاً ، كما أن عدم انسجام حركة الحبلين الصوتيين معاً ، يؤدي إلى تضاعف الصوت ، بالإضافة إلى الغص في بلغ السوائل والاطعمة إلى درجة قذفها من الأنف .
وإصابة العصب الشوكي تحدث انحراف الرقبة وارتفاع كتف على اخرى .


( 169 )

وإصابة اللسان تحدث انحراف اللسان وعدم تناسقه في حركة المضغ أو البلغ أو التصويت ، وهكذا تحدث الرتة في الكلام ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها .. إن الإنسان لظلوم كفار ) . سورة إبراهيم .
فكرة عن الدماغ المتوسط :
في خضم الدخل المخي وبين الألياف الصاعد والنازلة ترقد بعض النويات الرمادية في وسط الدماغ ، وهذه التشكلات نامية جداً عند الحيوانات ، ومن هذه النويات السرير البصري والنواة المذنبة ، والنواة العدسية ، واللطخة السوداء ، والنواة الحمراء ، وجسيم لويس ، والتشكلات الشبكية المعقدة ولقد ذكرنا معظمها فيما مر .
لقد وجد أن التنبيهات العصبية القادمة من قشر المخ مر بما يشبه المصافي ـ وهذه هي المناطق التي نحن بصددها ـ فتعدلها وهكذا تصدر الأوامر بشكل متناسق الى العضلات اللازمة حتى تقوم بالفعل المطلوب ، وإن اصابة هذه المناطق تطيح بهذا التعديل فيصاب الجسم بفرط الحركة أو بنقص الحركة ، ومن جملة الأمراض العجيبة التي تنتج من إصابة هذه المناطق المرض المعروف بجفان باركنسون ـ نسبة للعالم باركنسون الذي كان اول من وصفه ـ حيث ترى المريض وهو جامد السحنة ويمشي ورأسه إلى الأمام وكأنه يسعى خلف مركز ثقله ، ويضرب برجليه الأرض ، وأما يداه فهو يحرك أصابعه باستمرار وكأنه يسبح بالمسبحه أو يعد النقود ، وهذه الحالة نرى منها حوادث ليست بالقليلة ، ولقد وجد أن السبب في هذا المرض هو إصابه النواة التي تشبه العدسة وهي النواة العدسية ، والإصابة ليست في كل هذه النواة التي تزن ما يقرب الغرام ، بل في جزء منها ، فلقد وجد أن هذه النواة لها ثلاثة أقسام ويحدث المرض بإصابه القسم البعيد وهو ما يسمى باللحاء ، وبقي هذا المرض مشكلة


( 170 )

حتى حدثت الحادثة التالية وهي فعلاً تدل على تعقيد الجملة العصبية وقلة المعلومات في شأنها : بينما كان أحد الجراحين يفتح دماغ أحد المرضى المصابين بهذا الرجفان أخطأ في ربط أحد الشرايين الذي يغذي المنطقة القريبة من النواة العدسية وهي ما تعرف بالنواة الشاحبة ، ولعله ندم على هذا الفعل ايضاً ، ولكن بعد فوات الأوان حيث تخربت المنطقة ، وكما نعرف أن موت الخلايا العصبية نهائي وغير متراجع ولكن هذه الغلطة كانت فتحاً مبيناً في معالجة هذا المرض حيث لاحظ هذا الجراج أن الرجفان اختفى تماماً من المريض المصاب برجفان باركلسون ، وجلبت هذه الحادثة اهتمام الأطباء فبدأوا يجربون تخريب هذه المنطقة بحذر ، ثم تأكدوا أنه فعلاً يؤدي تخريب هذه المنطقة إلى الشفاء النهائي من هذا المرض الوبيل ، وطبقت المعالجة على مدى واسع فأعطت نتائج طيبة . ويقال إن أحد الجراحين الأمريكيين ويسمى كوبر يجري هذه العملية بالتخدير الموضعي بإدخال إبرة من خلال القحف وبزاوية مرسومة بدقة إلى هذه المنطقة والمريض بكامل وعيه وعندما يصل إلى المنطقة يخرب النواة الشاحبة ، وإذا بيد المريض التي كانت تهتز وهي بحالة الراحة تقف عن الرجفان وتكون العملية قد انتهت وقبض الطبيب خمسة آلاف دولار في نصف ساعه !
ولكن هل حلت يا ترى مشكلة كل الامراض التي تتجلى بفرط الحركه أو نقص الحركه ؟ لم تحل سوى مشكله المرض الذي ذكرناه آنفاً فقط ..
إن هناك سبعه أمراض مشهورة ، منها أربعة تتجلى بفرط الحركه ، وهي ما تعرف بداء رقص سيدنهام ، وهونتكتون ، والكنع ، والرقص الشقي ، وثلاثة منها تتجلى بالصمل وبطء الحركة وجمودها وهي ما تعرف بالتنكس الكبدي العدسي المترقي ، والتصلب الكاذب والشلل المهيج ،


( 171 )

وهذا الأخير هو مرض باركنسون الذي اكتشفت معالجته وبدون قصد وتصميم سابقين بل ساقهم اليها قدر الله المغيب ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) والكثير من الادوية والمعالجات كشفت بهذه الطريقة وقصة اكتشاف الأشعة السينية ليست ببعيدة عنا .
أيها القارىء لا تستطيع أن تتصور بشاعة هذه الأمراض حتى تراها حاضرة في بعض المرضى ، فهذه الأمراض تجعل المصاب يرقص .. ويرقص بدون توقف !! والرقص أنواع ..!! فهو يتحرك ولا يكف عن الحركة طالما هو مستيقظ فمنه ما يتميز بحركات لا إرادية فجائية سريعة غير منتظمة وليس لها غياة وهكذا يتحرك طوال الوقت ، لا يستقر ولا يهدأ لحظة من ليل أو نهار طالما هو مستيقظ فإذا نام هدأت حركته ، ومنها ما يتظاهر الرقص فيها بحركات التوائية بطيئة غير منتظمة ـ كالأفعى ـ وخاصة في الأطراف العلوية وهذا الرقص أشبه ما يكون بالرقص الهندي أو رقص أهل بلاد الشرق الأقصى ولكنه هنا باصابة مرضية !! ومن هذه الحركات الرقصية ما يصيب نصف الجسم فقط وتبين ان سببه هو اصابة منطقة صغيرة بحجم العدسة الصغيرة وهو ما يعرف بجسيم لويس الذي قضى العلماء عشرات السنين في دراسته حتى اكتشفوا بعض أسراره ، وتصبح الطامة أكبر عندما يضاف إلى الرقص العته العقلي أي التار العقلي وضعف المحاكمة الذهنية . ومن الرقص ما يعرف بالتشنج الالتوائي حيث يتظاهر بحركات التوائية بل يضيف الدوران أيضاً !! وهذه الأنواع المتباينة من الرقص الشرقي والعربي والغربي لا يريدها المريض وهو مع هذا لا يستطيع إلا أن يرقص .. ويرقص بدون توقف !! ولا تضحك أيها القارىء فإن شر البلية ما يضحك ومع الأسف الشديد عندما يصاب إنسان ما بهذا المرض ويعرض أمام


( 172 )

الاطباء فإنهم لا يعتبرون بل يضحكون ، ولا يتأثرون بل يتغاضرون ، ( أفمن هذا الحديث تعجبون ، وتضحكون ولا تبكون ، وأنتم سامدون ) ـ غافلون ـ ومع الأسف فإن ظاهرة قسوة القلب وعدم الرحمة وعدم التأثر والخشوع ومعرفة نعمة الله على الإنسان التي تفيض عليه وتغرقه في كل لحظة أول من يقع فيها وينساها هوالطبيب ، وكما قال لي أحدهم : ( إننا نعظ الناس بالموت فبماذا نعظ الطبيب ) وأنا أضيف : ليس الموت فقط بل كل ما يمر أمامهم ، يمرون عليه وهم غافلون لاهون لاعبون ..!!
فكرة مبسطة عن الغدة الصنوبرية :
تقع هذه الغدة في مكان يصعب الوصول اليه وهذا مما دعا إلى عدم معرفة دور هذه الغدة الحقيقي ، فهي تقع في أعلى الجذع الدماغي قريباً من السويقات المخية بين حديبات تسمى الحديبات التوأمية ، ولقد لوحظ ان هذه الغدة تشبه العين الثالثة عند الحيوانات مثل الضفادع ، فهي تلون الجلد حسب حاجة البدن فيما إذا تعرض للنور . ونزع هذه الغدة يفضي إلى عدم الاصطباغ المعهود للجلد في حالة التعرض للنور ، وأما في الإنسان فدورها مجهول وغامض حتى الآن وهذا يذكرنا بالفكرة التي طرحناها في الكتاب وهي : ان هناك قارات وقارات مجهولة ولكن أين ؟ في الدماغ البشري .. وقد أورد البعض ان لها دوراً في الحاسة السادسة وقراءة الافكار ولنسمع إلى نص كامل في دور هذه الغدة من أستاذ الفسيولوجيا في جامعة دمشق في كلية الطب (1) .
يرى كثيراً من العلماء ان وظيفة هذه الغدة تتعلق بنمو الحاسه
____________
(1) الاستاذ الدكتور شفيق الباباً وهذا النص من النصوص الجميلة في الكتاب ( كتاب الغريرة جزء ثاني ) .
( 173 )

الجنسية ، وهي تماثل في الحشرات العيون والنوافذ إذ تتلقى الاشعاعات الاثيرية التي يستعصي إدراكها على الحواس المعروفة فتنقلها إلى أجزاء المخ ، وهذه تجعلها جلية واضحة وتحولها إلى لون من الوان الوعي . وهي بذلك تعتبر مقر الحاسة السادسة ، وتكوّن في الحيوانات حاسة الاتجاه وغريزة التأويب فالنحلة تجمع الرحيق ثم تندفع نحو قفيرها في اتجاه مستقيم قاطعة طريقاً قد يبلغ طولها الميلين أو أكثر مهتدية بهدي هذه الحاصة ، ولذلك فهي عضو حسي يتلقى الذبذبات من الخارج ووظيفتها في الانسان حسب رأي ( سينل ) الاستجابة إلى الذبذبات التي تنبعث من الأشياء ولا تستطيع الحواس الخمس المعروفة أن تدركها إما لبعدها أو لتدخل ما نسميه المواد المعتمة ، وهي إذن مقر المواهب الخفية التي تسمى عند الانسان بالاستشفاف وكذلك التخاطر ( التلباثي ) أي انتقال الأفكار في ذهن شخص لآخر ) اهـ . والفقرة الأخيرة تذكرنا بحادثة عمر ضي الله عنه عندما كان واقفاً على المنر يخطب وفجأة توقف عن الكلام ثم قال يا سارية الجبل الجبل !! أي الزم الجبل ، وسارية هذا أحد القواد الذين يقاتلون في جبهة تبعد مئات الكيلومترات عن المدينة المنورة مركز القيادة العام حيث كان يخطب أمير المؤمنين : ويسمع القائد في نفس اللحظة هذا الكلام ويلتجىء إلى الجبل الذي كان يمر بجانبه وينجو من كمين كان قد نصبه العدو ...
الذي يستوقفنا في هذا البحث رؤية عمر رضي الله عنه هذا الشيء من مكان سحيق ، وسماع سارية لكلام عمر من بعد سحيق ، إنها ظاهرة تستلفت النظر حقاً ولنستمع إلى الدكتور الكسيس كاريل صاحب كتاب « الانسان ذلك المجهول » وهو يحدثنا عن هذه النقطة بالذات : ( إن البصر المغناطيسي وتراسل الافكار : معلومات أولية للملاحظة العلمية ، وفي استطاعة من وهبوا هذه القوة آن يستشفوا أفكار الأشخاص الآخرين


( 174 )

السرية دون أن يستخدموا أعضاءهم الحسية . كما انهم يحسون أيضاً بالأحداث السحيقة سواء من الناحية الفراغية أم من الناحية الزمنية ، وهذه الصفة استثنائية وهي لا تنمو إلى في عدد قليل من بني الانسان إلا ان هناك كثيرين يملكون هذه الصفة بحالة بدائية ، وهم يستخدمونها دون بذل أي جهد وبطريقة تلقائية .. ويبدو البصر المغناطيسي مسألة عادية لمن يملكونه ، وهي يجلب لهم معلومات أكثر توكيداً من المعلومات التي يحصل الانسان عليها بواسطة أعضاء الحس ...
وتراسل الافكار كثير الحدوث ، ففي كثير من المناسبات في أوقات الموت أو الخطر العظيم يدفع الفرد إلى انشاء علاقة معينة بشخص آخر ، فالرجل الذي كتب عليه الموت أو أن يصبح ضحية إحدى الحوادث وإن لم تعقب الوفاة إصابته في الحادث يبدو لصديقه وكأنه في حالة طبيعية لا غبار عليها ، لأن شبح الموت يظل عادة صامتاً ، وقد يحدث أحياناً أن يعلن الشخص الذي سيموت أنه سيموت عما قريب ، وكذلك فإن البصر المغناطيسي قد يرى أيضاً منظراً أو شخصاً أو قطعة من الارض على بعد سحيق [ تذكر حادثة عمر رضي الله عنه ] ويكون في استطاعته أن يصفها بدقة تامة .. وهكذا فإن معرفة العالم الخارجي قد تصل إلى الانسان عن طريق مصادر . آخرى غير أعضاء الحس ، ومن المحقق ان الفكر قد ينتقل من فرد لآخر ولو كانت تفصل بينهما مسافة كبيرة ، وهذه الحقائق التي تنتمي إلى علم ما وراء النفس الجديد يجب أن تقبل على علاتها ، انها تكون جزء من الحقيقة ، وتعبر عن جانب نادر يكاد يكون غير معروف من أنفسنا ، ومن الجائز أنها مسؤولة عن الدقة العقلية الحاذقة التي تلاحظ في أفراد معينين ) اهـ ص 147 ـ 148 من كتاب الانسان ذلك المجهول .
إن ما مر يذكرنا بما جاء في القرآن الكريم على لسان يعقوب [ ولما


( 175 )

فصلت العير قال لهم أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ] هذا بعد قطع الأمل من رؤيته وكان الاخوة في طريقهم لأخذ الوالد الصبور للقاء ولده الذي فقده منذ بضعة عشر عاماً .
والآن بعد أن انتهينا من إلقاء بعض الأضواء على معالم مجهولة في التكوين العصبي عند الإنسان وكنا حتى الآن نسبح في العالم المادي للانسان فلننتقل الآن لبحث قضايا تعد من أخطر القضايا التي يبحثها الأطباء والفلاسفة والمفكرون وهي كيفية التفكير والمحاكمة الذهنية ، وكيف يحدث التذكر وأين يوجد ؟
سؤال طرح وما زال يطرح وسيظل يطرح : ما هي الذاكرة وأين تقع ؟