ـ 3 ـ

كرة العين :
تعتبر كرة العين التي تزن ثمانية غرامات من أروع غرف التصوير الفنية ، فهي غرفة مظلمة مغلفة بثلاثة جدران هي من الظاهر إلى الباطن : الصلبة وهي التي تعطي اللون الأبيض للعين ، والمشيمية وهي التي تروي بعروقها العين ، والشبكية في الداخل وهي التي تحمل العناصر الحسّاسة والمستقبلة للضوء وهي المخاريط والعصيات . وفي المقدمة توجد بللورة رقيقة هي القرنية تدخل النور القادم إلى العين ، ثم يجتاز النور بعد القرنية سائلاً كاسراً للنور هو الخلط المائي الذي يقع ما بين القرنية والقزحية ، والقزحية هذه هي التي تعطي العينين لونهما المعهود وتفتح في مركزها بثقبة واحدة خاصة لاستقبال النور كعدسة المصور وهي الحدقة ، وإذا دخل النور الحدقة واجه بللورة من نوع جديد هي الجسم البللوري ، وهي أعجب بللورة موجودة في الوجود لأنها تتمدد وتتقلص بحيث تختلف وجوه تحدبها إلى درجة كبيرة ، وبالتالي تتطابق العين مع المناظر التي تقع امامها ، فإذا كانت المسافة المرئية قريبة تمددت وتقلصت بما يناسب الحالة والعكس بالعكس فهي البللورة الحركية العاقلة ، وبعد الجسم البللوري يدخل النور خلطاً جديداً سفافاً كاسراً للنور هو الخلط الزجاجي فإذا انتهى النور من عبوره وصل إلى الشبكية حيث تستقبله العصيات والمخاريط وتنقله بشكل سيالة عصبية إلى الفص القفوي .

ـ 4 ـ

جهاز الوقاية :
يعتبر جهاز الوقاية في العين من الأجهزة الجميلة الرائعة ، فالعين أولاً


( 207 )

موجودة في منطقة من الوجه منخفضة ، يحيط بها ثلاث تلال مرتفعة ، فمن الأعلى الحاجب والبروز العظمي الجبهي وكأنه السقف المظلل ، وبهذه الطريقة تحمى العين من الضربات ، والأشعة ، والعرق . ومن الاسفل ارتفاع الوجنة ، ومن الجانب الثالث الهرم الأنفي . وبالاضافة إلى هذا فإن كرة العين موجودة في تجويف محتفر في عظم الجمجمة وهو ما يسمى بالوقب ، ولا توضع العين مباشرة بين جدران هذا التجويف بل يهيأ المكان بالوسائد والطنافس ، وهكذا يجب أن يعامل الضيف العزيز ، وتأتي كرة العين لتستقر بين هذه الوسائد الشحمية !! وإذا ما اختلت سماكة هذه الوسائد بالزيادة كما يحدث في بعض الأمراض جحظت العين إلى الخارج ، وهو ما يحدث عندما يزداد نشاط الغدة الدرقية في مرض بازدو .
وهذه الحماية من الخارج فإذا وصلنا إلى العين بالذات وجدنا وسائل الحماية الذاتية ، فالعين مغطاة بجفنين يفتحان ويغلقان بمنتهى السرعة حتى ليضرب فيهما المثل فيقال ( طرفة عين ) ، فإذا اتصل الجفنان من الأمام تداخلت الأهداب ، وهكذا تستر العين كأحسن ما يكون ، ثم تغلف العين من الأمام والأجفان من الداخل بغشاء رقيق شفاف ساتر هو ما يعرف بملتحمة العين ، فإذا استطاعت ذرات الغبار ، أو نسمات الريح الخفيف ، أو بعض الجراثيم المتسللة أن تصل إلى العين كانت غدة الدمع لها بالمرصاد حيث تفرز مادة مطهرة تسمى بخميرة الليزوزيم وفي داخل الأجفان تكمن الغدد وكأنها مراصد المراقبة ترطب العين ، وتطهرها ، وتحافظ على رونق العين وبريقها . هذه الغدد المعروفة بغدد ميبوميوس وزايس ومول حيث تنفتح الغدد الأولى بـ 20 ـ 30 فوهة من الطبقة الأولى من طبقات الجفن السبعة وهي ترقد قريباً من أماكن نبت الأهداب ، وبهذا الجهاز الفني تحفظ العين من الصدمات واللكمات ،


( 208 )

وضوء الشمس والعرق النازل من الجبهة ، والرياح ، والغبار والجراثيم ، والأجسام الغريبة .
أما العنصر الجمالي في العين فهذا بحث مستقل بذاته لأن العين من العناصر الجمالية في وجه الانسان من حيث الكبر ، والاستدارة ، وفتحة الجفن ، وشدة البياض ، ولون القزحية ، وطول الأهداب ، واستدارة الحاجب ، ووضع الجبهة ، وتقطيعة الأنف ، ووضعية الوجنة ، واسوداد لون أشعار الحاجب والأهداب ، مع تناسب غلظ الأشعار للرجل أو المرأة ، وعدم وجود العيوب ... الخ ..

ـ 5 ـ

الدمع :
إن غدة الدمع تفرز باستمرار فتطهر العين ، وترطبها ، وتعطيها بريقها الخاص ، ولكن أينالمصرف ، إن هناك طريقاً خاصاً يصرف مفرز الدمع إلى الأنف ، فإذا زادت الكمية طفحت إلى الخارج كما يحدث في البكاء ( ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) سورة المائدة ... ونتساءل هنا ما علاقة التأثر والحشوع بالبكاء وإفراز هذه الغدة الدمعية ؟ إن النفس تحتاج إلى غسل وتطهير كأي عضو وما هذه الحالة إلا تطهيراً من الذنوب كما يطهر الدمع كرة العين ، إن حالة الخشوع والتأثر هي حالة وجدانية النفعالية نتيجة معرفة روعة التصميم ، ودقة البناء ، وعظمة القدرة ، حيث تخطط يد الاراده الحكيمة ، وتحور ، وتنسق على كيفية مذهلة وينتقل هذا التأثير عبر أعصاب
____________
(1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز الرجل من البكاء .






( 209 )

معينة فتدعو هذه الغدة إلى الفراز فتفرز الدمع الهتون ، حيث تصل النفس إلى مرحلة تعجز عن التعبير فيعبر البكاء ، وهذه الحالة النفسية الوجدانية هي حال العارفين الصالحين العلماء العاملين ( ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) سورة الاسراء . إن المنظر الجميل يهيج الرؤية والصوت الجميل يهيج السمع ، والرائحة تهيج الشم ، والطعم اللذيذ يهيج غدد اللعاب ، وكذلك المعنى الجميل فإنه يثير الخواطر ويفرز الجمع (1) ...

ـ 6 ـ

الاوساط الشفافة :
تمتاز العين باحتوائها على أوساط شفافة كاسرة للنور ، مهمتها أن تجمع الحزم الضوئية حتى تلتقي في الشبكية تماماً وبذلك تحصل الرؤية الواضحة ، واذا اختل هذا الشيء فوقع خيال الشيء المرئي أمام الشبكية أو خلفها حدثت عيوب الرؤيا مثل الطمس والحسر وسواه ، ولنتأمل هذه الأوساط الشفافة قليلاً ، ففي الأمام توجد القرينة وهي تشبه بللورة الساعة ، ومكونة من خمس طبقات ، وفي الطبقة المتوسطة تجتمع صفيحات رقيقة تشبه البللور يصل عددها إلى خمسين صفيحة منضدة فوق بعضها البعض ، وخلف القرينة يوجد سائل يفرز من منطقة تسمى البيت الخلفي حيث يصل إلى البيت الأمامي المحدود من الأمام بالقرينة ومن الخلف بالقزحية التي تعطي لون العين .
وإذا دخلنا إلى داخل العين من خلال ثقبة القزحية وهي الحدقة ، فإننا سوف نصطدم بالجسم البللوري الذي يقف خلف الحدقة تماماً .
____________
(1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء .
( 210 )

ومن خلف القزحية تمتد منطقة ما بين نهاية البللورة إلى زاوية القزحية الخلفية ، إن هذه المنطقة هي منطقة البيت الخلفي التي تفرز سائلاً يشبه في تركيبه المصورة الدموية (1) ، ويبلغ حجمه ( 1,25 سم 3 ) وهذا الخلط يؤمن توازن العين فلا تنكمش كرة العين ، كما لا تنتفخ أكثر من اللازم فهو كالسائل الذي يملأ البالونة ، ويمر هذا السائل من خلال حدقة العين إلى البيت الأمامي حيث يفرغ بأقنية وأوردة صغيرة جداً يبلغ مقدارها (30) قنية و(12) اثنا عشر وريد مائي ، وزيادة هذا السائل أو نقصه يؤثر بشكل واضح على كرة العين ، ومرض الزرق أو ما يسميه عامة الناس ( الماء الاسود ) سببه هو ازدياد توتر هذا السائل في العين ، وإذا لم يعالج قد يؤدي إلى العمى وفقد الرؤية . وهكذا يستتب التوازن في العين بافراز هذا السائل وافراغه تماماً كما مر معنا في بحث افراز السائل الامينوسي عند الجنين وامتصاصه ، أو السائل الدماغي الشوكي في الجملة العصبية ، وأما المنطقة ما بين الجسم البللوري والشبكية فهي مملوءة بسائل ثابت هو الخلط الزجاجي .
التطابق في الرؤية :
ولنقف الآن أمام ظاهرة من ظواهر العين المتقنة بشكل عظيم ، وهي التطابق مع المسافات والتطابق مع النور ، وتشكيل الأخيلة بشكل واضح على الشبكية ، إن الجسم البللوري مرن بشكل كبير فهو يزيد من تحدب وجهه المشرف على الحدقة ، أو يمدده وينقص من تحدبه ، وكل هذا يتناسب مع النظر للاشياء القريبة أو البعيدة ، فعندما تنظر ـ أيها القارىء ـ إلى بعد 5 ـ 6 أمتار فان العين ترى الأشياء بدون جهد
____________
(1) يتكون الدم من اجتماع عنصرين اساسيين هما الكريات والمصورة ، والكريات هي الحمر والبيض والصفيحات ، والمصورة تحتوي على عناصر تعد بالعشرات .
( 211 )

كبير ، ولكن إذا اقترب المنظر فكيف يمكن للعين أن تتابع الرؤية بشكل واضح ؟ يقوم الجسم البللوري ، بشكل آلي ، بزيادة تحدب وجهه على القدر المناسب مع المسافة المناسبة وهكذا يزداد جمع الاشعة وبالتالي توضعها على الشبكية تماماً ، ورؤية الخيال بشكل واضح ، وحتى لا تتأذى العين تشترك الحدقة في هذا الفعل أيضاً بشكل جميل فالقزحية تحتوي في الأمام على خلايا تحتوي على الصباع بكمية كبيرة مما يعطي العين اللون المناسب وهو متعلق بالوراثة ، ويحوي بعد ذلك طبقتين من الألياف العضلية . النوع الأول : عضلات دائرية ، أي تحيط بالحدقة على شكل دوائر . والنوع الثاني : يصعد من الحدقة كالأشعة ، ولذا سميت بالعضلات الشعاعية ، والآن فما هو دور هذه العضلات الموزعة بهذا الشكل الجميل وكأنه تخطيط جميل لزهرة في الربيع !!
إن العضلات الدائرية يسيطر عليها العصب نظير الودي ، والعضلات الشعاعية يؤثر عليها العصب الودي ، وهذان العصبان متنافسان دوماً في السابق على الجسم ن وكل منهما يعاكس عمل الآخر دوماً ، وكأنهما الشريكان المتشاكسان المتفاهمان !! لأن التوازن ينشأ من شد وجذب كلا العصبين ، كما أن الجسم البللوري يتمدد ويتحدب بشكل آلي حسب قربي الشيء المنظر وبعده ، فإن الحدقة تنقبض وتتوسع حسب القرب والبعد وحسب درجة الإضاءة أيضاً لأن دخول كمية زائدة من النور إلى العين معناه فساد جهاز التصوير في غرفة التصوير هذه ، وكل منا يعرف لماذا يحرص المصور على بقاء الغرفة معتمة عند تحميض الصور لأن العين تلتقط الصورة وتحمضها بنفس الوقت . فاذا كان الجسم قريباً فهو يرى ولو كانت فتحه الرؤيا صغيرة ولذا تضيق الحدقة ، وإذا كان الجسم بعيداً احتاج الى رؤية واسعة ماسحة ولذا توسعت الحدقة ، وأما كيف يتم ضيق الحدقة وتوسعها بواسطة العضلات فهذا يتم بواسطة العصب الودي


( 212 )

ونظير الودي اللذين يسيطران على الألياف العضلية الشعاعية والدائرية ، فالودي يسيطر على العضلات الشعاعية ، ولذا فان تقلص هذه العضلات يعني شد أطراف الدائرة الحدقية وبالتالي تتوسع الحدقة ، وهذا يناسب فعل الودي لأن هذا العصب ينشط في الانفعال والهياج فزيادة قطر الحدقة يعين على رؤية الأشياء أكثر وعلى خدمة الانسان وقدرته على التصرف أكثر في هذه المواقف والازمات الحرجة ، ونظير الودي يفعل عكس ذلك لان اختصاصه بالراحة والنوم والهدوء فهو يسيطر على العضلات الدائرية التي تقبض الحدقة وتنقص من قطرها ، وفي الحالة الطبيعية تبقى فتحة الحدقة وسطاً بين توازن العصبين وخلف القزحية حيث يكمن الجسم الهدبي تنطلق ألياف عضلية ثخانة الواحد منها (22) ميكرون وعددها ما يقرب من (140) ليف عضلي في كل جانب حيث تنتشر على الوجه الخلفي لمحفظة البللورة أو الجسم البللوري ، وماذا تعمل هذه الالياف العضلية ؟
إن تقلص هذه الالياف يعني شد البللورة من الجانبين وبالتالي تمدد البللورة وقلة تحدب الوجه الامامي لها وهذا يعني نقص قدرة التقريب (1) ، وإذا ارتخت هذه الالياف رجعت البللورة فتحدب وجهها الامامي وبالتالي زادت قدرة التقريب ، إن ما يحدث اثناء النظر للقريب يحدث على مستويين : الاول في الحدقة ، والثاني في البللورة ، فأما الحدقة فتتقبض الالياف الدائرية وتصغر الحدقة بالتالي ، وأما الالياف المعلقة للبللورة فانها ترتخي ويزداد تحدب وجه البللورة ، ويزداد التقريب تبعاً لذلك ، وهكذا
____________
(1) ان العدسات عند الفيزيائيين نوعان مقربة ومبعدة ، والمقرةب هي التي يزداد قطرها من الطرف الى الوسط تدريجياً ومنها : محدبة الوجهين ، مستوية محدبة ، هلال مقرب . والمبعدة بعكس ذلك اي التي يزداد قطرها تدريجياً من الوسطى إلى الطرف ، وبللورة العين من النوع الاول المقرب .
( 213 )

تتوافق كل من الحدقة والبللورة مع الوضع ، كما تتوافق كل منهما مع الاخرى في الوضعية ، وأما في النور الذي يعد منبهاً آلياً لعضلات الحدقة فتتقبض وتصغر حتى لا تدخل كمية كبيرة من النور الى داخل العين وتؤذيها ، كما أنه لا حاجة لهذه الكمية الكبيرة حتى تتبين العين مصدر النور ، وهذا المنعكس مهم في كشف أمراض العين ، مثل إصابات الدماغ ، والنزوف الدماغية ، كما أن هناك علامة جميلة لكشف مرض افرنجي العصب الثالث وهي بقاء حدقة العين بشكل نقطة صغيرة وعدم التفاعل مع النور أو القرب والبعد ، وهذه العلامة هي علامة ( ارجايل روبرتسون ) وهي تشخص مرض الافرنجي الذي يصب العصب المحرك المشترك ، أي أن هذا المرض أيضاً من بركات الزنى والحوادث الجنسية المشبوهة التي تنقل هذا المرض ‍‍‍‍‍‍!! وكأن تضييق الحدقة هذا بصمة الانحراف على عينيه ، أو هي ضيق الرؤية أمام ناظرية علامة لضعف البصيرة !!. كما أن الموت يبطل فعاليات التوازن جميعها فتتسع الحدقة ولا تستجيب للنور ( انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يحشرون ) سورة الانعام . وهناك بعض الادوية التي تفعل مثل العصب الودي ( الادرنالين ، نور ادرينالين ) فتوسع الحدقة وكذلك الاتروبين ، وهناك مواد تفعل بالعكس أي تقلد العصب نظير الودي فتضيق مثل الاسيتل كولين ، والازرين ، والبيلوكاربين ، أي ان سمة التوازن موجودة في الكون حتى على مستوى المواد البسيطة .

ـ 7 ـ

دور المخ في الرؤية :
ان تفاعل الحدقة السريع من النور ، وانقباضها على قدر درجة الاضاءة ، يتعلق بمراكز انعكاسية موجودة في المناطق السفلى من الدماغ ،


( 214 )

ولكن تقدير المسافات والابعاد وفهم المرئيات ، يتعلق بقشر الدماغ حيث ترقد مراكز الوعي والادراك والفهم والتحليل والذاكرة والابداع ، واصابة هذه المناطق تؤدي إلى العمي الروحي ، أي إن الإنسان المصاب يرى الاشياء ولكن لا يفقهها ( وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون ) . وهكذا نرى ان المخ يتدخل بشكل كبير في موضوع الرؤية ، وحتى فهم الالوان يبدو ان الدماغ هو الذي يتدخل أيضاً في فهمها ، ولقد وجد ان تخريب بعض المناطق (1) في الفصّ القفوي يعطى نتائج متباينة فهناك مناطق للرؤية العادية ، وأخرى للفهم والإدراك ، وثالثة للألوان ، وهكذا ...

ـ 8 ـ

كيف نرى الالوان :
والآن هناك قضية مازالت في قيد النظريات والبحوث ، وليس هناك من حقيقة علمية ثابتة في هذا الموضوع ، وهي رؤية الألوان ، حيث بحث فيه الكثير من العلماء وأعطوا آرائهم . ( يونغ ، هرنغ ، هيلموتز ) فكيف تبصر العين الالوان ؟
إن العين فيها إحساسان للرؤية : الاول ، الإحساس عديم اللون ، والثاني : الاحساس اللوني ، وتمتاز العصيات بميزتين الاحساس للرؤية الضعيفة
____________
(1) ان معرفه خارطة الدماغ وتوزع الاختصاصات في كل منطقة كانت بعدة طرق منها تخريب المناطق عند الحيوانات ثم ملاحظة ماذا يحدث بعد تخريب هذه المنطقة ، أو اصابة هذه المناطق عند الإنسان اثناء زحمة الحياة ، أو تنبيه هذه المناطق بالمنبهات الكهربية فتنبيه المنطقة القفوية مثلاً تحدث حالة من الرؤى والمناطر مع أنه لا يرى شيئاً وهكذا .
( 215 )

وللنور العادي ، وتمتاز المخاريط بميزتين الرؤيا المركزة شديدة الإنارة وتمييز الالوان .
لا شك أنك لاحظت ـ أيها القارىء ـ أنك إذا دخلت إلى الظلام فجأت بعد أن كنت في الضياء أنك لا ترى شيئاً البتة ، ثم تتوضح لك الاشياء شيئاً فشيئاً ، إن هذا يعود إلى مطابقة العين من النور والظلام بواسطة المخاريط والعصبات ، فعندما تدخل الظلام تبدأ المخاريط عملها حق تصل قوة العين إلى خمسين ضعفاً فتشعر انك بدأت ترى الاشياء أكثر وضوحاً ، ولكن اختصاص الرؤية الضعيفة أو الرؤيا الليلية يعود إلى العصيات فتبدأ عملها ، وما أن تنقضي فترة (45) دقيقة حتى تصبح قوة العين في التمييز (500) ضعف ، وقد وجد أن السر يعود في هذا إلى مادة خاصة في العصيات هي مادة الرودوبسين ، وهي مادة بروتينية ذات وزن ذري يبلغ (270) الف ، وذات لون أحمر وهي تنقلب في النور إلى مادة صفراء مبيضة ، وتتحلل إلى مادة الرتينين ومادة بروتينية أخرى فيها فيتامين A وهذا الفيتامين ( آ ، A) يتحول إلى شكل غير فعال ، فبعد أن يطرد من مكانه الاصلي يترك العين إلى الدوران الدموي وهو حزين كاسف البال ( ما يسمى بالفيتامين A المفروق ) وسرعان ما يرسل الكبد الاخبار اليه ليحضر ، وعندما يصل إلى الكبد يقنعه بأن هذا العمل انما هو من أجل مصلحة البدن ، وأن هذا الامر لا يحتاج إلى مفارقة أبدية ، بل هو فراق ولقاء وكل أمور الحياة هكذا ، وينقلب الفيتامين آ إلى شكل جديد فعال هو الشكل المقرون لأنه سيقترن من جديد بالمادة الاصلية ، ويتم هذا الامر بليل ، وهكذا يتفكك الرودوبسين في النور ويتركب من جديد في الظلام ويشترك الفيتامين آ بشكل كبير في هذا العمل ، وإذا نقصت كمية الفيتامين أدى هذا الامر إلى خلل المطابقة للرؤية في الظلام وحدوث العشاوة أو ما يسمى بالعمى الليلي وتتميز


( 216 )

بضعف القدرة على التمييز في الليل والظلام ، ونتساءل ما هو السر في ان هذه المادة إذا تركبت أثرت على الرؤية الليلية ونقلت سيالة عصبية معينة إلى قشر الدماغ ؟
إن هذا السؤال بالاضافة إلى أسئلة أخرى لا يستطيع العلم أن يجيب عنها الآن ، ان العين تضاعف من قدرتها على التمييز بشكل هائل لا يكاد يصدق فأنت أيها القارىء ترى في وضح النهار حيث تكون الانارة متوسطة وتبلغ هذه واحد لامبير ( وحدة ضوئية للرؤية ) ولكن هذه القدرة يمكن أن ترتفع إلى 16 ضعف كما يمكن أن تنخفض إلى 20 مليون ضعف وهكذا يبلغ احساس العين ما بين الحدود الدنيا والحدود القصوى ما ينوف على 20 مليون ضعف !! فبامكان العين أن ترى حتى إذا بلغت الرؤية مقدار ( 0.0000007 ) لامبير ، وإذا زادت عن الحدود القصوى أحست العين بشعور مؤلم ، كما ان المقدار الضوئي إذا نزل إلى ما دون الحدود الدنيا لم تعد تشعر العين بشيء .
ويجب أن نعلم ونحن على مدخل بحث الألوان أن العين لكي ترى الشيء يجب أن تتوافر فيه أربعة شروط : الضوء الكافي + الطوال الكافي للرؤية + المدة الكافية حتى يرتسم الخيال على الشبكية + طول الموجة الكافية حتى يمكن للعين أن ترى ، لأن العين لا ترى كل الموجودات فإذا زادت طول موجة (1) الضوء أو نقصت عن حد معين لم تعد ترى العين شيئاً ( حدود العين في أطوال الموجات ما بين 0.4 ـ
____________
(1) مرت كلمة الموجة في أكثر من مكان فلقد وجد ان الصوت والضوء يمشي بشكل أمواج كأمواج البحر الدفاقة ولكن بشكل منتظم بحيث ان كل الموجات متشابهات وطول الموجة هو البعد ما بين مرتفعين لقمتي الموجتين التتاليتين ، أو المسافة بين منخفضين متتاليين لموجتين المتتاليتين وهكذا .
( 217 )

0.8 ميكرون ، والميكرون كما مر هو جزء من ألف من الميلمتر ) وهذا الشيء مهم لتبيين فكرة أساسية وهي : أن العين ليس بمقدورها رؤية كل شيء في الكون ، فإذا زادت حدة ضيائه عن القدر المحدد أو نقصت عن القدر المحدد لم تعد العين ترى شيئاً ، كما أن الشيء إذا تناهى في الصغر عجزت العين عن الرؤيا .
ولقد ذكرنا فيما مر معنا أن الإنسان ركّب المجهر الاليكتروني الذي يكبر الأشياء ( 000و300 ) ثلاثمائة ألف مرة ومع ذلك لم يستطع رؤية الذرة فيما إذا توصلوا إلى اختراع المجهر البروتوني الذي يكبر ( 000و800 ) ثمانمائة ألف مرة وحتى المليون مرة ، ولكن ماذا سيفعلون برؤية القوة الكهربية والمغناطيسية والجاذبية !! كما أن العين تكل عن الرؤية فيما إذا كان وقت انطباع الخيال غير كافٍ ، ومبدأ السينما انما يقوم على أساس تتابع الأخيلة بحيث يشعر المشاهد وكأنها أحداث متلاحقة مع أن المناظر مقطعة ولكن التحكم في سرعة عرض المناظر متتالية بما يكفي لرسم منظر على الشبكيه تفهمه وبعده بزمن لا يزيد ولا ينقص يلحقه منظر آخل ( هي التي تجعل المنظر السينمائي متتالياً ) وهكذا فإذا بالمشاهد تتلاحق والصور كأنها الحياة العادية بين يديك ، وكل الأمر بني على القاعدة الثالثة التي ذكرناها ( علم الإنسان ما لم يعلم ) .
وأما المبدأ الرابع وهو المبدأ الموجي فعلى أساسه أيضاً يمكن فهم كيفية الرؤية الملونة فإذا عكس الجسم كل النور المسلط عليه ظهر بلون أبيض وهي جميع الأشعة التي بعثها !! وإذا امتص الجسم الذي يسلط عليه النور كل الاشعة ، لم تعد ترى العين شيئاً وكان اللون الأسود ، وأما إذا امتص الجسم جميع الأشعة إلا اللون الاحمر ظهر منظر الجسم أحمراً ، وهكذا إذا امتص الجسم جميع الأشعة إلا اللون الاحمر ظهر منظر الجسم أحمراً ، وهكذا إذا امتص كل الألوان إلا الاخضر ظهر اللون أخضراً ،


( 218 )

وهكذا بقية الألوان ، وأما اللون الرمادي فهو الوسط ما بين الأبيض والأسود . ورؤية الالوان بشكل كامل يمتاز بها الانسان فهو يرى من الالوان ويميز ما بينها ما لا يقع تحت العد والحصر ...
تجربة نيوتن : لو سلطنا نوراً أبيضاً من مصباح على موشور زجاجي


بعد أن يعبر عدسة مقربة ، وكان الموشور مائلاً فإننا سوف نرى ان الضوء الابيض يتحلل إلى سبعة ألوان هي من الأعلى الى الاسفل اللون الاحمر والبرتقالي والأصفر والاخضر ، والازرق والنيلي والبنفسجي ، ان هذه الالوان السبعة هي التي تتشكل في قوس قزح وهي التي تتشكل بالتحليل الطيفي الذي ذكرناه ، ولقد تبين ان هذه الالوان السبعة من مزيجها يتشكل اللون الابيض فيما إذا قمنا بتجربة أخرى معاكسة لها وهي جمع الالوان المتشكلة بعدسة مقربة فنرى تشكل بقعة لونية بيضاء مرة أخرى ، ولقد وجد أن لهذه الالوان أطوال موجات معينة ، تبدأ من الاحمر حيث تكون طول الموجة ( 620 ـ 760 ) ميلي مكرون ، وتنتهي بالبنفسجي وطول الموجة ( 390 ـ 340 ) ميلي ميكورن . والعين تميز ما بين هذه الحدود حوالي (128) لون


( 219 )

أساسي أو ما يسمى بالنغم اللوني ، ولقد وجد أن لكل لون تواتر معين ، أي عدد اهتزازات الموجات في الثانية (1) ، واصغر التواترات هي اللون الأحمر حيث تبلغ 4 × 10 14 هزة ثانية أي 400 مليون هزة في الثانية الواحدة ، وأما اللون البنفسجي فيبلغ تواتره 780 مليون مليون هزة في الثانية الواحدة ، وكل تواتر يصيب العين يولد فيها احساساً معيناً للون ، وبهذا نعرف ان الالوان في تواتراتها التي لا حد لها بين اللون الأحمر والبنفسجي تؤلف عدد لا نهائي من طيوف الألوان المرئية ..
وفي العين البشرية تتمركز منطقة تمييز الألوان في بقعة تسمى اللطخة الصفراء حيث تزدحم المخاريط بشكل كبير جداً ، وتحتوي المخاريط مادة تساعدها في تمييز الألوان هي اليودوبسين ، والعجيب في المخاريط عدة أمور : منها أولاً اختصاصها بالألوان ، ومنها انها تشتد حساسيتها للالوان حسب درجة الاضاءة ففي النهار تزداد حساسيتها للون الأحمر والأصفر بينما تنقص حساسيتها في الظلام ، وفي الضوء الضعيف للأخضر
____________
(1) اختلف العلماء في تحديد طبيعة الضوء فمنهم من قال ان الضوء جسيمات مادية سريعة تقذفها الاجسام المضيئة وتتلقاها العين . وقد قال به نيوتن ، وفسر بذلك ظاهرة انعكاس الضوء وافكاره ، وتبدده ، ودراسة المرايا والعدسات والمواشير ، وقال فرينل بفرضية التموج حيث اعتبر أن الضوء ينتشر كما تنتشر موجات الصوت ولكن في وسط غير مادي هو الأثير ، وأعطاه صفات متناقضة ، مثل الطافة والخفة والمتانة والصلابة ، وقال مكسويل . إن الضوء أمواج كهربائية مغناطيسية ، وهي لا تحتاج لوسط حامل تنتشر فيه كأمواج الاذاعة والتلفزيون ، ولكن الكشوف الحديثة قادت إلى الجمع بين فرضيتي الاصدار لنيوتن والتموج لفرينل بشكل معقد ، خاصة وهناك بعض الظواهر المعقدة التي تحتاج لتفسير كما في التداخل ، حيث يؤدي اجتماع ضوئين إلى ظلام !! وحيث تنطفيء بعض ألوان اللو الأبيض وهي ظاهرة الانعراج وظاهرة الانعراج يحدث فيها انطفاء بعض الألوان من الضوء الابيض عندما تمر حول حواجز رفيعة ضيقة مثل قطرات الماء المكونة للرذاذ والتي تظهر في الوان قوس قزح . 1 هـ ،
( 220 )

والازرق ، وكأنها الانشودة السحرية على شاطىء البحر حيث تنطلق النظرات الحالمة مع أمواج البحر المتكسرة الخضراء الزرقاء !!..
ولعنا نتساءل : هل كل الكائنات ترى مثل ما ترى ؟ لقد وجد ان الشبكية في عيون الحيوانات النهارية مثل الحمام والدجاج تحوي فقط المخاريط ، ولذا فهي ترى اللون الابيض الشديد وبقية الألوان ، وأما الحيوانات الليلية مثل البوم والخفاش فلا يوجد في شبكية العين عندها الا العصي فلا ترى إلا النور الضعيف الابيض فقط وهي ما تناسب الرؤية الليلية ، ولقد وجد ان بعض الحيوانات مثل الكلاب والقطط والماشية لا ترى الالوان مطلقاً ، بل ترى الأبيض والاسود والظلال الرمادية أي أن رؤيتها هي أشبه ما تكون بمناظر الافلام غير الملونة !! وليتصور الانسان نفسه وقد انقلب هذا الوجود إلى اللون الرمادي والاسود والابيض فقط مثل الصور الفوتوغرافية ومحيت الالوان من صفحة الوجود فلم يعد يرى شمس الاصيل ، وغروب الشمس ، وبروغ القمر والغابات ذات الالوان الساحرة ، والطيور بألوانها الرائعة ، والكون بألوانه الفذة ، والزهرة في الربيع ، والنبتة في الحقل ، والثمرة في البستان ، كلها ألوان مع ألوان وجمال مع جمال ، انها ظاهرة الجمال في هذا الوجود ( ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين ) ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) ( أمن خلق السموات والارض وأنزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ) سورة النمل .
وبين الحين والآخر يطلعنا الله تعالى على نعمه العظيمة فهناك الأمراض التي تصيب العين بعمى الألوان مثل مرض دالتون حيث لا يميز المصاب اللون الاحمر ، واللون الأخضر بشكل أضعف ، والمرض المسمى ( دي تانوبيا ) حيث يحدث عكس مرض دالتون أي عدم تمييز اللون


( 221 )

الاخضر ، واللون الأحمر بشكل أخف ، وهناك المرض المسمى ( تري تانوبيا ) حيث لا يميز المصاب ولا يتعرف على اللونين الأزرق والبنفسجي وهناك العمى اللوني الكامل حيث يفقد تمييز الألوان كلها فيرى مثل رؤية الماشية والقطط !!.. ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ، ورزقناهم من الطيبات ، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) .
والجدير بالذكر ان من جملة أسباب عمى الألوان : التسمم الزمن بالتبغ والخمر !!.. لقد وجد ان الالوان الاساسية هي ثلاثة الاحمر والاخضر والازرق أو البنفسجي ، كما وجد ان الالوان الضوئية إذا مزجت مع بعضها بنسب معينة أعطت النور الابيض مثل مزج الاحمر مع الاخضر المائل للزرقة وكذلك مزج الاصفر البرتقالي والازرق الخفيف ، ويجب أن نفرق هذه الظاهرة والتي تسمى بظاهرة انصهار الألوان عن ظاهرة مزج المواد الصباغية حيث يؤدي مزج اللون الاصفر والازرق إلى اخض ، بينما يؤدي على مستوى الضوء إلى اللون الابيض ، إن هذه الظاهرة اعتمد عليها في كيفية رؤية الألوان في العين ، فالمخاريط على ما يبدو حساسة للألوان الثلاثة الاحمر ، والاخضر ، والأزرق ، وتأثر أحد هذه الالوان يتبعه تأثر بشكل أخف للونين الباقيين أي أن موجات لون معين يؤثر على بعض المخاريط بشكل مكثف وعلى المخاريط التي تتلقى بقية الالوان بشكل أخف ، وإذا نبهت المجموعات الثلاثة سوياً وبالتساوي حصل الإحساس باللون الأبيض ؛ ولكن إذا فسرت هذه النظرية عمى الألوان وبعض المشاكل الأخرى فهل انتهى الموضوع ؟ إن قشر المخ يشترك أيضاً في تحليل الالوان حسب ما تنقل الالياف العصبية من تأثرات بالألوان المحيطية ، وقشر المخ يحللها ويركبها ويفهمها على النحو المناسب ، وكأن قشر المخ لوحة فنان للالوان ، ومختبر تحليل