« لأجل أن يكون الإطاعة لقوانين الحياة تامة ، يجب أن تظهر « إن الشخص الذي اعتاد منذ بداية حياته على معرفة الخير والشر ، يسهل عليه اختيار الفضيلة والاجتناب عن الرذيلة في جميع أيام عمره ، وكما يبتعد عن النار يتجنّب الأقتراب من الرذائل. فنقض العهد والكذب والخيانة لا تعدّ أعمالاً قبيحة في نظره ، بل تعدّ مستحيلة عنده ولإيجاد ردود الفعل هذه في الفرد يجب توفر محيط يعني فيه بالفضائل عناية بالغة. إن الإنسان يميل ـ كالقرد ـ الى التقليد بغريزته ولكنه يقلد الشر أسهل من الخير. وهكذا يقتبس الطفل سلوك الأفراد الذين يعرفهم أو يسمع تاريخ حياتهم |
أو يقرأه ، ولهذا فانه يتخذ من الأصدقاء والاساتذة ، الأب والأم ، وبصورة خاصة نجوم السينما ، والشخصيات الحقيقية أو الخيالية التي يقرأها في المجلات والصحف... قدوة له في حياته. وكما يقول ( فلتون ) فإن الأطفال لو سلّموا في منزلق تقليدهم للغير الى أفراد بعيدين عن الفضيلة ، نشأت من ذلك نقائض كبيرة في سلوكهم. إن المربي الجيد هو الذي يعتقد بما يقول ويطبقه على نفسه (1) ». |
« لاحظوا أننا عندما نعجز عن تهدأة الطفل وإسكاته بالطرق الاعتيادية والطبيعية نلجأ الى الخديعة ، نتشبث بالوعود الزائفة ، ونركن الى التهديد والتوعيد. ما أكثر الامهات اللائي يعجزن عن إسكات اطفالهن عندما يردن الخروج من البيت فيعمدان الى أن يعدنهم بشراء بعض الفواكه أو الدمى عند العودة ، بينما يراهن الأطفال عند عودتهن الى البيت صفرات اليد. ما اكثر الأمهات للائي يكذبن على الطفل عندما يردن أن يناولنه دواء مرأ فيقلن له : إنه حلو. هذه الأمثلة كثيرة الى درجة أننا نتمكن ـ مع الأسف ـ أن نملأ الصحائف الطوال عن هذا الموضوع ، كثيراً ما نعد الأطفال المساكين بوعود زائفة بحيث يمكن ذكر آلاف الأمثلة بهذا الصدد ». « السيارة مستعدة ، والأب يريد أن يرجع من المصيف الى المدينة ، في اللحظة التي يريد الركوب يركض طفله الصغير نحوه ويرجوه أن يصحبه معه الى المدينة يصر كثيراً ، ويلح ، وبما أنه لم يعوّد أن يرى في ( كلا ) جواباً قطعياً لا يقبل النقض لا يكف عن الالحاح ، عندما يحس الأب أن صرف الطفل عن فكرته هذه ليس بالأمر اليسير يلجأ الى الطريقة التالية ». « يقول له : عزيزي ، لا يمكن أن أصحبك معي الى المدينة بهذه الصورة ، إذهب والبس ملابسه الأنيقة ». « يذهب الطفل وملؤه اعتماد على أبيه لتبديل ملابسه ، ولكنه |
عندما يعود لا يجد في نهاية الشارع غير الغبار المتصاعد وراء سيارة أبيه. ينظر إلى هذه الحيلة ، يستمر في مكانه ، يجزع يصيح : إنك خداع كذاب إنه يصدق فقد كذب عليه أبوه ، وإن فرصة تعوّده على الكذب حتمية » (1). |
« الكذب احد النقائض التي لا يخفى قبحها ، فإن الكذب هو الذي يجر وراءه سلسلة من الرذائل الأخر ويفتح باباً على الجرائم الباقية. إن عجزنا عن الوقاية من انتشار هذه الصفة ، وضعفنا عن مقاومتها جريمة لا تغتفر » (2). |
« يبدو لي أن الوالدين لا يملكان تلك السلطة التي يملكانها في مكافحة الكسل والخروج على النظام بالنسبة الى الكذب والخلاصة أن من بين العيوب التي نسعى الى اقتلاعها من كيان الأطفال يمتاز الكذب بأنه اكثرها إغضاباً وإزعاجاً لنا ، والسبب في ذلك يعود الى أن من الصعب أن يتصور الإنسان تصوراً صحيحاً وواقعياً عن الكذب والكاذب ». « يجب أن لا نعتبر الكذب للأطفال عملاً بسيطاً ، لانّه في الحالات الاعتيادية وعند الأطفال السالمين ـ على الأقل ـ يجب أن ينعدم الكذب. إن فشلنا وعجزنا وخطأنا في مكافحة الكذب ينشأ من أننا نحكم على هذا العمل من زاوية نفسه ، دون أن ننظر الى علة الكذب والغاية منه ، ونوعه ، وحالة الكذاب ، وأوضاعه » (2). |
« يقول ديموند بيج : أعرف فتاة شابة تأصل الكذب في نفسها بحيث لا يقبل العلاج. إنها عندما كانت في السن السابعة كانت تذهب كل يوم الى المدرسة وكان عدد الطالبات التي يدرسن معها لا يتجاوز الـ 25. كان لها مربية تأخذها الى المدرسة كل يوم ، وتأتي بعدها انتهاء الدرس لأخذها الى البيت. كانت هذه المربية مكلفة بمراقبة الطفلة في واجباتها ودراستها ، وبصورة موجزة كانت مسؤولة عن تربيتها بصورة تامة. في تلك العصور كان الأسلوب المتداول ـ الذي تعده التربية الحديثة فاشلاً تماماً ـ يقضي بأن يصنّف الطلاب كل يوم على حسب الدرجات التي حصلوا عليها في الامتحانات التحريرية ، وهكذا كان يعين الطالب الأول والثاني والثالث. كان الطفلة بمجرد أن تخرج من الصف حاملة حقيبتها بيدها تقابل بالسؤال الرتيب للمربية التي كانت تقول : ( ما هي مرتبتك في الصف ) ؟ فإن قالت : ( الأولى ) أو ( الثانية ) كان الأمر يجري على ما يرام. ولكن صادف مرة أن كانت مرتبتها الثالثة لثلاث مرات على التوالي ، وبالرغم من أن الحصول على المرتبة الثالثة بين 25 طالبة أمر مستحسن ، فإن المربية لم تكن تفهم ذلك. لقد حاولت أن تهدىء على نفسها في المرة الأولى والثانية ، ولكنها في المرة الثالثة لم تستطع أن تتمالك على نفسها ، ففي الوقت الذي كانت الطفلة قد تملكتها الحيرة والذهول صاحت بوجهها : ألا ينتهي حصولك على المرتبة الثالثة ؟ يجب أن تكوني الأولى غداً هل تسمعين ؟ الأولى... يجب أن تصبحي الأولى ! لقد أشغل هذا الأمر الصعب والجاد بال الطفلة طوال اليوم ، وفي اليوم الثاني كانت فريسة العب والتفكير ، بذلت كل عنايتها ودقتها في أداء واجباتها ، كانت العمليات الحسابية التي أجرتها صحيحة ، وأجابت على الأسئلة بنجاح ، وكانت نتائجها مرضية الى قبيل الظهر عندما حان درس الاملاء ، فقد وقعت لها أربع خطآت في امتحان الاملاء ، وأخيراً حازت على المرتبة الثالثة في |
ذلك اليوم أيضاً... وكانت هذه هي الطامة الكبرى. عندما رنّ جرس الدرس الأخير كانت المربية واقفة بباب الصف منتظرة الطفلة ، وما أن وقعت عينها عليها حتى صاحت : ما الخبر ؟ كانت الطفلة مذهولة لا تستطيع بيان الحقيقة ، فقالت : ( صرت الأولى ). وهكذا بدأت تكذب. كثيرون هم الآباء والأمهات الذين يسلكون مثل هذا السلوك ، وبهذه الصورة يتحملون مسؤولية انحراف الأطفال وإصابتهم بداء الكذب » (1). |