مرحلة البلوغ على أثر نشاط هورمون جديد يفرز الهيبوفيز ، ويفضل الهورمونات التناسلية من قبيل التستوسترون التي تفرز من الخصيتين ، والفوليكولين التي تفرز من المبيض » (1).

هورمونات البلوغ :
تؤدي هورمونات البلوغ الى تحول عظيم في هيكل الطفل ، فينمو بصورة طفرة وفي أشد السرعة ، ويخرج من الصورة الطفولية في فترة وجيزة فيكتسب جميع ميزات الإنسان الراشد. إن النقطة الجديدة بالإنتباه هي جسم الطفل يجب أن يكون قد تلقى قدراً كافياً من النمو قبل ذلك حتى لا يحصل اضطراب على أثر إفراز هورمونات البلوغ.
« مهما كان عمل الهورمونات مهماً فإنها لا تستطيع أن توضح بوحدها جميع جوانب الطفرة البدنية ، فعندما تندثر الهورمونات أو تفرز اكثر من المقدار الإعتيادي يحصل اضطراب في عمل النمو. فوجودها إذن ضروري ولكن العمل المحرك لها يحتاج الى ظروف مساعدة ، وأهمها استكمال الأعضاء والأنسجة نحوها بالمقدار اللازم حتى تستطيع اعضاء الجسم مواصلة نموها بصورة مطردة وبعبارة اخرى فإنه لا بد من انسجام خاص بين عمل الهورمونات والظروف التي تستفيد فيها الأعضاء والأنسجة من تلك الهورمونات » (2).
أما البلوغ المبكر فإنه عبارة عن إفراز الغدد الجنسية هورموناتها في جسد الطفل قبل أن يستكمل نموه الطبيعي ويستعد لتقبيل البلوغ... وهذا يؤدي الى النضج الجنسي قبل أوانه.
____________
( 1 ) چه ميدانيم ؟ بلوغ ص 31.
( 2 ) چه ميدانيم ؟ بلوغ ص 33.

( 282 )

« يتقدم سن البلوغ في النضج الجنسي السابق لأوانه عن العمر الاعتيادي ( وهو الذي يتراوح بين 12 و17 سنة ) أي أن الغدد الجنسية تبدأ بالعمل قبل السنة العاشرة ، وبذلك يتقدم النمو الطولي... هؤلاء المرضى يتقدمون على أقرانهم من حيث النمو لمدة وجيزة ، ولكن لما كانت الطبقة الغضروفية تزول بعد فترة النمو الطولي السريع مباشرة فإن فترة نمو هؤلاء المرضى قصيرة ، إذ لا يلبثون أن يتأخروا عن أقرانهم فيما بعد » (1).

اختلاف الظروف الطبيعية :
إن أفراد البشر ـ كسائر الموجودات الحية في العالم ـ خاضعون لتأثير الظروف الطبيعية المحيطة بهم. وبالنظر الى اختلاف المناخ ، وتغير درجة الحرارة وسائر العوامل الطبيعية في متلف نقطاط الكرة الأرضية ، يختلف النمو عند الأطفال أيضاً. ولهذا فاإن السن التي تظهر فيها بوادر البلوغ الجنسي عند الذكور والإناث تختلف باختلاف المناطق.
« تختلف سن اليأس عند النساء بحسب الظروف المختلفة. والدورة الشهرية تبدأ في المناطق الحارة أسرع منها في المناطق الباردة. فمثلاً نجد في ( لابوني ) أنها تبدأ في الثامنة عشرة ، في حين أنها تبدأ في ( الحبشة ) في التاسعة أوالعاشرة. لقد أثبتت التجارب الجديدة أنه كلما كان المناخ متغيراً كان هذا العمل أسرع وقوعاً » (2).
من هذا نجد أنه بينما تستطيع الفتاة الحبشية أن تلد طفلين أو اكثر ، فإن الفتاة للابونية في نفس السن لم تر الدورة الشهرية بعد. هذا الإختلاف
____________
( 1 ) هورمونها ص 165.
( 2 ) چه ميدانيم ؟ بلوغ ص 30.

( 283 )

بينهما يستند الى ظروف البيئة والمحيط ، فليس بلوغ الحبشيات مبكراً ، ولا بلوغ اللابونيات متخلفاً. إن المقصود بالبلوغ المبكر هو أن الولد أو البنت تبلغ قبل الموعد الطبيعي المقرر لهما ، وتبدأ الهورمونات الجنسية بالافراز قبل أن يحين الوقت الاعتيادي لذلك. وهذا نفسه نوع من أنواع المرض.

الاختلافات الهورمنية :
« بما أن البلوغ المبكر ناشيء من الأختلال الشديد في افراز الهورمونات ، فبالإمكان تقديم يد العون الى اكثر هؤلاء المرضى ، خصوصاً وأن قصر القامة ليس العارضة الوحيدة للبلوغ المبكر ، بل إن الأختلالات التي تؤدي الى النضج الجنسي السابق لأوانه خطيرة جداً » (1).
وقد يظهر الميل الجنسي عند الإنسان قبل موعده المقرر ولا يكون مستنداً الى مرض ، بل يعود الى الإثارات التافهة والمناظر المهيجة التي نفذت الى روح الطفل وسببت النضج الجنسي المبكر.
« يقول موريس دبس : إن العوامل الروحية من قبيل مطالعة القضايا المثيرة أو مشاهدة المناظر المهيجة تبكر في ظهور بوادر اليأس عند النساء » (2).
هناك عوامل كثيرة قد تؤدي الى الإثارات الروحية عند المراهقين ، وتسبب النضج الجنسي المبكر عندهم. إن قراءة القصص المثيرة للشهوة ، ومشاهدة المناظر المهيجة ، والتعانق مع الآخرين وتقبيلهم ، والاضطجاع على فراش واحد بحيث يحصل الاحتكال والاتصال... والأعمال المشابهة لذلك ، تؤدي الى الإثارات الجنسية والبلوغ المبكر.
____________
( 1 ) هورمونها ص 15.
( 2 ) چه ميدانيم ؟ بلوغ ص 30.

( 284 )

إن الآباء والأمهات الذين يرغبون في أن يكون نمو أطفالهم مسايراً لقانون الفطرة والأشخاص الذين يريدون أن يطوي أولادهم مرحلة الطفولة بسلام ويبلغوا بصورة طبيعية ، عليهم أن ينفذوا تعاليم الإسلام بصدد إبقاء الميل الجنسي عند الأطفال مجمداً ، ويبعدوهم عن القضايا المثيرة للشهوة.

الإنحراف الجنسي :
الإنحراف الجنسي من الصفات الذميمة عند الإنسان ، والتي لا تنسجم والمقاييس الفطرية ، ولا تتلاءم مع الفضائل والآداب. إن الطريق الصحيح لاإضاء الميل الجنسي في قانون الطبيعة والشريعة عبارة عن اكتفاء الرجال البالغين ، واكتفاء البالغات بالبالغين ، ويشبع كل غريزته الجنسية بواسطة الطرف الآخر. قد ينحرف بعض الأفراد في طريق إشباع رغباتهم الجنسية عن صراط الفطرة المستقيم ، ويستجيبون لميولهم الجنسية بطرق غير طبيعية... هؤلاء هم الذين سماهم القرآن الكريم بالعادين ( أي المتجاوزين ).
( ... والذين هُم لِفروجهم حافظون. إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهُم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك همُ العادون ) (1).

المناظر المنافية للعفة :
من العوامل التي تؤدي الى انحراف الميل الجنسي عن الصراط المستقيم للفطرة ، الخواطر المستهجنة الحادثة في دور المراهقة ، ومشاهدة المناظر المنافية للعفة. إن الغريزة الجنسية للشاب غير البالغ مجمدة بصورة طبيعية. فإن انسجمت التربية العائلية التي يتلقاها وهذاب الجمود ، ولم يواجه الطفل المناظر المثيرة ، فما بصورة طبيعية بعيداً عن الاضطرابات الجنسية.
____________
( 1 ) سورة المؤمنون | 5 ـ 6 ـ 7.

( 285 )

وعندما يبلغ ويظهر فيه الميل الجنسي فإنه يوجّه نحو الطريق الطبيعي المعدّ له ، أي أن الفتاة تتجه نحو الشاب ، والشاب يتجه نحو الفتاة ، ولا يبقى مجال للشذوذ الجنسي بعد ذلك.
« عندما تستيقظ غريزة الالتذاذ في مرحلة البلوغ بعد أن كانت راقدة ، وتتجه الى العالم الخارجي تجاول أن تتشبث بشيء حتى تجد به منفذاً لقدرتها الباطنية. في هذه اللحظة الحاسمة تعمل الإرادة الواعية الطبيعية على إرشاد هذه الغريزة الى طريق سليم هو التكاثر والتناسل. ومن علائم إرشاد الطبيعة أن الرجل والمرأة يشعران بتغير محسوس في أعظائهما التناسلية. إن الطبيعة تريد بهذه العلائم أن تفهم الطرفين بضرورة سلوك الطريق الفطري السليم الذي هو عبارة عن التناسل ».
« فإذا أدرك الشخص هذا القنون وانقاد إليه ، أي أن الرجل اقترب من المرأة ، والمرأة اتجهت نحو الرجل حتى يبادر الى عملهما الفطري والمنتج ، فإنه يمكن القول بأن النمو الشهواني قد سار في طريق مستقيم ومنظم ، وصرفت القدرة الغريزية في طريق طبيعي واعتيادي ، إن ملايين الاشخاص يسلكون هذا الخط المنظم والطبيعي ، والذي يسميه فرويد بالانسجام المزدوج » (1).

الرغبات والاستياءات :
إن الرغبات والإستياءات التي تؤثر في روح الطفل ، والكلمات الطيبة أو البذئية التي تطرق سمعه ، والمناظر القبيحة أو الجميلة التي يشاهدها...
____________
( 1 ) فرويد ص 66.

( 286 )

تؤثر في باطنه ، ثم تظهر نتائجها من خلال سلوكه وأقواله وأفعاله عندما يصبح عضواً بارزاً في المجتمع.
الأسر التي لا تلتزم بالعفة الجنسية ولا تتورع من القيام بالأعمال المنافية للاخلاق والآداب أمام الأطفال غير البالغين...
الآباء والأمهات الذين لا ينقادون للقوانين الفطرية في تجميد الميل الجنسي عند الأطفال ، بل يثيرون الغريزة الكامنة في أولادهم بسلوكهم الاهوج ، ويحملونهم على التفتيش والبحث عن الأعمال والنشاطات الجنسية المختلفة...
وبصورة موجزة : الأشخاص الذين يعدّون وسائل الإثارة الروحية في أطفالهم تجاه القضايا الجنسية ، ويوجدون في اذهانهم صوراً للخواطر القبيحة...
هؤلاء جميعاً يتسببون في الانحراف الجنسي لأطفالهم عندما يكبرون ، فنراهم ـ بعد أن أصبحوا رجالاً يحتاج اليهم المجتمع في القاء قسط من عبء المسؤولية على عواتقهم ـ غير جديرين بذلك.
يرى علماء النفس أن منشأ الانحراف الجنسي نوع من أنواع الحقارة ، يوجد في نفس الشخص المنحرف ، وإن كان لا يعترف بهذه الحقارة في الظاهر.
« إن الإنحراف ، والفشل في الزواج الطبيعي بالنتيجة ، وليد نوع من أنواع الشعور بالحقارة. ومهما كان هؤلاء الأفراد ذوي افكار وروحيات عالية في الظاهر ، فإنهم يتألمون من الشعور بالحقارة. ولو كان الأمر غير هذا لكانوا يقومون باحتياجاتهم الطبيعية بأنفسهم ، ويجدّون بكل شجاعة وبسالة لبقاء النسل واستمرار التكاثر » (1).
____________
( 1 ) عقده حقارت ص 36.

( 287 )

الميول المكبوتة :
والمظهر الآخر من عوارض الإثارة الجنسية عند الأطفال قبل بلوغهم ، العقد التي تنشأ عند الكبار بسبب من كبت الميول في أيام الطفولة.
إن الطفل حر في أقواله وأفعاله قبل البلوغ ، لا يحاسبه القانون ولا المجتمع على سلوكه. فإن كان أبواه عفيفين وكان المحيط التربوي طاهراً تربى على أحسن ما يرام ، وعبر مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ بإستقامة وسلام. أما إذا كان المحيط التربوي فاسداً وكان أبواه غير عفيفين فإنه يتعرض للأخطار والمشاكل العديدة.
إنه يتأثر بمشاهدة الأعمال الفاسدة والحركات المنافية للعفة الصادرة من أبويه ، فينشأ على الرذيلة والإنحراف ، وسيكون إصلاحه بعد البلوغ صعباً جداً... عند ذاك يكون معرضا للتلوث بالذنوب والجرائم والسيئات الخلقية.
ثم إن الأعمال المثيرة الصادرة من أبويه ، وكذلك المحيط الفاسد الذي يعيش فيه تؤدي الى إثارة الميل الجنسي عنده وهو بعد لم يبلغ... وطفل كهذا عندما يبلغ ويصبح عضواً مستقلاً في المجتمع يلاقي مشاكل وصعوبات كثيرة ، ويواجه عقداً نفسيه عديدة...
فمن حيث أنه نشأ على التربية الفاسدة في طفولته يرغب في أن يكون حراً في الإستجابة لميوله وأهوائه ، لكن القيود الإجتماعية التي تلزمه بمراعاة المصالح العامة وإتباع المقررات العقلية تجبره على التخلي عن ميوله المنحرفة ، ولا شك أن هذا الفشل في تحقيق حريته يؤدي إلى نشوء عقدة جنسية في روحه.
ومن جهة أخرى فإن إنساناً كهذا يتألم من الأعمال القبيحة التي أرتكبها قبل بلوغه ، ولذلك يصاب بعقدة الحقارة... إنه يشعر بالضعة والدونية عندما يتذكر ما جرى عليه ، ولذلك فهو يحاول التخلص من تلك الخواطر قدر المستطاع.


( 288 )

نستنتج من محاضراتنا هذه أن الميل الجنسي للأطفال في الاعوام السابقة على البلوغ تعيش في حالة من الجمود والضمور بصورة طبيعية. وعلى الوالدين أن ينقادا في منهجهما التربوي لقانون الفطرة ، ويوجدا الظروف الصالحة لتربية الطفل بصورة تساعد على إبقاء الغريزة الجنسية جامدة ومضمرة.
إن الأطفال الذين لاقوا إثارات فاسدة لغرائزهم الجنسية قبل دور البلوغ على أثر انحراف البيئة التي عاشوا فيها يصابون بالعقد النفسية ، والمشاكل الروحية ، والإنحرافات الخلقية العديدة بعد البلوغ.


( 289 )

المحاضرة السابعة والعشرون

تدارك الحقارة

قال الله تعالى في كتابه الحكيم : ( وقال الذين كفروا : لا تسموا لهذا القرآن ، ولغوا فيه لعلكم تغلبون ) (1).
إن التربية السليمة للطفل أولى وأهم أسس السعادة الفردية والإجتماعية وهذه المسؤولية الخطيرة تقع على عاتق الأبوين قبل كل شيء. تتحقق التربية السليمة في ظل قاعدتين مهمتين :
الأولى ـ أن يكون المربي بصيراً بالواجبات التربوية الدقيقة من الناحية النظرية.
الثانية ـ أن يطبق معلوماته بكل جدّ وإخلاص في تربية الطفل ، ويقوم بواجباته خير قيام.
إن الآباء والأمهات الجاهلين بالأساليب التربوية ، والبعدين عن خيرها وشرها... أو العالمين بها لكنهم لا يطبقونها على أولادهم بصورة صحيحة ، يعجزون عن تربيتهم بصورة سليمة ، وجعلهم أفراداً صالحين.

التربية الفاسدة :
إن القواعد التي ذكرناه في محاضرتنا السابقة عن التربية الفاسدة للطفل تعود إلى أحدى هاتين الجهتين. فالإفراط في المحبة ، والتزمّت التافه
____________
( 1 ) سورة 41 | 26.

( 290 )

والدّل والغنج ، والإهمال الذي لا يستند إلى مبرر ، والإفراط في التشجيع والإستحسان أو للوم والتقريع... كل ذلك يعود إلى جهل المربي ، أو تغافله عن تطبيق واجبه بصورة صحيحة بالرغم من علمه بوظائفه. والنتيجة هي نشوء الطفل على التربية الفاسدة.
« تعني التربية الفاسدة ترك الطفل لوحده دون تخطيط منهج لسلوكه وتقسيم لأوقاته. في هذه الحالة يستطيع من الطفل أن يصل إلى ما يريد دون جهد أو صعوبة ، خصوصاً إذا كان معتقداً بأنه لا يجازي على أفعاله. إن طفلاً كهذا تكون تربيته فاسدة إذا تلقى تشجيعاً زائداً على المعتاد ، أو قوبل بالدلال لغير سبب ، أو تربى في أسرة من دون وجود مشرف عليها ، أو كان المشرف متسامحاً على الأقل ، أو سمح له بإيذاء من حوله أو الإستهزاء من الآخرين من دون مبرر ، أو لا يطرق سمعه حديث عن النشاط والعمل ، أو ينشأ في أسرة خاملة وحقيرة ، أو تسير حياته على عدم الإيمان وحب الكمال ، أو يسير من دون هدف ومرشد » (1).
تترك التربية الفاسدة آثارا سيئة في جسم الطفل وروحه ، وقد تستمر تلك الآثار حتى نهاية العمر تؤلم صاحبها وتقضّ عليه مضجعه. وكما سبق شرحه في المحاضرات السابقة فإن من الآثار السيئة للتربية الفاسدة ظهور عقدة الحقارة. إن المصابين بهذه الحالة النفسية ، والذين يشعرون بنوع من الحقارة والضعة في أنفسهم قلقون ومضطربون دائماً ، وتلاقي ضمائرهم الأمرين من العذاب والتأنيب الداخلي.
« إن شخصية رجل كهذا مركبة من عدم الثبات ، وفقدان الإعتماد على النفس ، والحيرة والتردد ، ثم الفرار من
____________
( 1 ) چه ميدانيم ؟ تربيت اطفال دشوار ص22.
( 291 )

الواقع والإلتجاء الى الأحلام والخيالات ، والمخدرات ».
« ومن جهة أخرى فإن هذا الفرد يصبح فوضوياً وعابثاً ولكي يستر الشعور بالحقارة في نفسه ، يمتهن قول الزور ويشعر بالإستعلاء ، ويتخذ المبالغة والإفراط في كل شيء قدوة له في سلوكه » (1).
قد يصاب الأطفال ، الشباب ، الشيوخ ، الرجال ، والنساء... وبصورة موجزة كل الطبقات في الأعوام المختلفة من حياتهم بعقدة الحقارة من جهة أو عدة جهات. فإن لم تُحلّ تلك العقدة الروحية ، واستأصلت تلك الحالة النفسية في روح الفرد بصورة مرض مزمن ، أدى ذلك إلى عوارض وخيمة قد تنهي الى الجنون.
وكما أن الخجل يؤدي الى احمرار الوجه ، والخوف يبعث الصفرة في البشرة ، وبصورة عامة تؤثر الحالات الروحية في الجسم ، كذلك عقدة الحقارة فإنها ضغط روحي مؤلم ، وتتضمن ردود فعل مختلفة على جسم الإنسان.

رد فعل الحقارة :
إن كثيراً من مظاهر الضحك والبكاء ، والتواضع والتكبر ، والإنتقام والتسامح ، والإنزواء والتظاهر ، والإكرام والتحقير ، والتقدم والتقهقر ، والنصح والموعظة ينبع من عقدة الحقارة. وقد تصدر هذه الأفعال بصورة طبيعية تماماً بحيث لا يغفل الناس عن أساسها النفسي فقط ، بل لا يعلم صاحبها عن أساس سلوكه المستند الى عقدة الحقارة أيضاً !
ولما كان الإنتباه إلى الأفعال المؤدية إلى نشوء عقدة الحقارة مهماً جداً في
____________
( 1 ) عقده حقارت ص 7.

( 292 )

تربية الطفل ، فيلزم على الآباء والأمهات معرفة هذا الأمر النفسي الدقيق... هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن شرح هذا الموضوع يفيد في تهذيب الأخلاق العامة ، وتطهير أعمال الأفراد عن هوى النفس. فمن الضروري إذن أن نبحث هذا الموضوع بصورة مفصلة ، ونبين الأخلاق والأعمال السيئة للأطفال والكبار ، التي تنبع من عقدة الحقارة... آملين أن يكون هذا البحث مفيداً من جوانب عديدة.
إن غريزة حب الذات من الميول الأساسية والفطرية للإنسان. فكل فرد يجب ذاته وجميع الكمالات المتعلقة به بصورة فطرية. والشعور بالحقارة يقع في النقطة المقابلة لحب الذات. تشبه عقدة الحقارة عدواً قوياً يقف بوجه حب الذات ويحاول تحطيم شخصية الفرد والتقليل من مكانته. إن المصاب بهذه العقيدة وإن كان يعاني صراعاً شديداً في باطنه إلا أنه يسعى في أن لا يفشي هذا السر المكنون بين الناس ، ويحاول أن لا تجرح غريزة حبه لذاته... إنه يصرف قسماً من جهوده في سبيل إخفاء هذه الحالة النفسية ، ولذلك فإنه سرعان ما يفقد مقاومته.

الصراع الداخلي :
« عندما يشعر فرد سالم وقوي تماماً بالضعف والكسل في نفسه من دون سبب فمعنى ذلك أن روحه غير سليمة إنه يعاني صراعاً ورحياً في باطنه ، بحيث تثير أعصابه بصورة خطيرة وتتعبه كثيراً. إن أفضل مقال حي لإنسان كهذا أن نتصور سيارة ضغط السائق فيها على جهاز الإيقاف ( البريك ) ولكنه يحاول في نفس الوقت أن يدفعها للسير بأقصى سرعة ، إن العمل مضافاً الى انه يورد ضغطاً لا مبرر له على الاطارات ، يتسبب في فساد المحرك وعطبه بسرعة. فالسيارة التي كان بالإمكان أن تعمل لعدة سنوات بصورة طبيعية.


( 293 )

نجدها قد عطبت وسقطت عن الإستفادة في قترة وجيزة كذلك الدماغ الذي يلاقي إرهاقاً من أثر القلق الروحي فإنه يشبه كابوساً على روح الإنسان ومخه ، ويتلف الأعصاب قبل موعد تلفها » (1).

تدارك النقص :
إن الشخص المصاب بعقدة الحقارة ، أو الذي يشعر بالحقارة يحاول أن يسد نقصه الداخلي ، أو لأجل إقناع نفسه على الأقل ، يقدم على أفعال يتصورها صحيحة ومناسبة ، ولكنه يحرص أشد الحرص على أن لا ينتبه الأفراد الى العلة الواقعية لتلك الأفعال ، التي هي الشعور بالضعة والدونية. لهذا فإنه يحاول أن يبرر كل عمل من أعماله بأسلوب معقول صحيح حتى يقنع الناس بذلك بإستقامته وصحة أفعاله.
لتوضيح هذا الموضوع أذكر لكم نموذجين :
1 ـ لنتصور طالباً لم يتلقّ مقداراً كافياً من الثقافة والتعلم إما بسبب من قصوره وضعف إدراكه ، أو لتهاونه وكسله. إنه يحس بالحقارة في باطنه ، ويرى نفسه في مستوى أقل وأوطأ من مستوى بقية الطلاب ، إنه يعرف جيداً أنه لو اشترك في الإمتحانات فنتيجته الرسوب المحتم وإفتضاح أمره لدى زملائه. ولكي يخفي حقارته الباطنية يتمارض أو يترك الدراسة تماماً ويقول في تبرير عمله هذا : ما هي فائدة الدراسة ؟ ! إن الثقافة في هذه البلاد تؤدي إلى الحرمان والتعاسة ! ما أكثر الأشخاص المثقفين الذين بقوا عاطلين عاجزين عن تحصيل ما يسدّ رمقهم... وبالمناسبة يذكر أسماء بعضهم. إنه يحاول بحديثه هذا أن يشرك الطلاب الآخرين معه في عقيدته ويحثهم على ترك الدراسة أيضاً.
____________
( 1 ) عقده حقارت ص 31.

( 294 )

2 ـ يقول شاختر :
« أتذكر فتاة دعيت إلى حلفة كبيرة ، فظلت تستعد لملابسها عدة أيام ، ولكنه تنبهت قبل ذهابها الى الحفلة بساعتين أو ثلاث إلى أن أمها مصابة بمرض ولذلك يجب عليها أن تتخلى عن الذهاب ».
« مهما أحلوا عليها وأصرّت الأم نفسها عليها بالذهاب لم يجد ذلك نفعاً وأخيراً أجهشت بالبكاء. كانت تقول كيف أستطيع أن أترك أمي على هذه الحالة وحيدة وأذهب للترفيه عن نفسي ؟ في حين أن مرض أمها لم يكن جديداً ولم تكن هناك حاجة لبقائها. لقد ذكرت الأم فيما بعد أن هذه الفتاة كانت مضطربة منذ ليالٍ وكانت لا تنام بإستقرار ، ولقد أدركت جيداً أنها كانت تخشى من الذهاب الى تلك الحفلة كثيراً ، لأنها كانت تتصور أنها لا تستطيع مضاهاة الفتيات هناك بملابسها. ولكنها ما أن تذرعت بمرضي وشكرتها على حنانها هدأت واعتقدت أنها تملك مبرراً معقولاً لعدم الذهاب الى الحفلة. ولذلك فقد نامت تلك الليلة ـ على عكس الليالي السابقة ـ على أتم الراحة والإستقرار. ولكن كان يظهر من خلال كلماتها في الأيام للاحقة أنها كانت متألمة في باطنها من عدم الذهاب الى الحفلة » (1).
إن كلاً من الطالب والفتاة كان يحس بالحقارة في نفسه. الأول لجهله وقلة حظه من الثقافة ، والثانية لعدم أناقة ملابسها ، هذا الشعور دفع الطالب الى ترك المدرسة والفتاة على عدم الحضور في الحفلة. لقد برر الطالب عمله ذاك بحرمان الرجال المثقفين وبطالتهم ، وبررت الفتاة عملها بمراقبة أمها في
____________
( 1 ) رشد شخصيت ص 81.

( 295 )

مرضها ، ولم يوافق أيّ منهما على التصريح بالحقارة التي يشكو منها والتي كانت الدافع الحقيقي لسلوكهما.
تختلف ردود الفعل التي يبديها الأفراد على أثر إصابتهم بعقدة الحقارة. لانه بغض النظر عن اختلاف الشعور بالحقارة عند الأفراد من حيث الشدة والضعف ، فإن الظروف البيئية والعوامل الإجتماعية المؤثرة في أفعال الفرد وأقواله تختلف أيضاً من فرد إلى آخر. إن البناء الروحي والتربية العائلية والخواص الفطرية والمكتسبة للأشخاص تختلف اختلافاً كبيراً ، وعندئذ فمن البديهي أن تكون أفعال الناس المتولدة من أفكارهم متنافرة ومتضادة أحياناً.
وهكذا فإن البعض يظهرون ردود الفعل لعقدة الحقارة بالسكوت والهدوء ، والبعض الآخر بالثرثرة والإطالة في الحديث... قسم منهم يتذرع بالتملق ، والقسم الآخر يلتزم التكبر والإستعلاء. طائفة تتصف بالعطف والحنان ، وأخرى تتسم بالفحش والتسيب.

الإنتقام :
الرغبة في الإنتقام من أهم ردود الفعل العقدة الحقارة وأخطرها على الإطلاق. ذلك أن هذه الرغبة الموجودة عند بعض الأطفال والكبار تؤدي الى الطغيان والفوضى ، وبذلك تتضمن سلسلة من المشاكل والمآسي التي لا تجبر.
« إن العلة الأخرى لظهور عقدة الحقارة هي السلوك المتزمّت والشديد الذي يلاحظ تجاه بعض الأطفال ، أي الذين يُنظر إليهم نظرة السخرية والتحقير. وأشّد من ذلك موضوع العقوبات البدنية التي تؤلم جسد الطفل وروحه معاً. إن الأطفال الأبرياء الذين يواجهون هذا المشاكل يصبحون بلا شك أخطر أعداء المجتمع. وكما أن الحب والحنان أساس التنظيم الإجمتاعي ويؤدي إلى تجمع الأفراد وتمركزهم فإن


( 296 )

الحقد والبغضاء عامل أساسي في التفرقة والتشتيت. وهكذا فالطفل الذي شعر بأن جو الأسرة وحجر الوالدين ليسا إلا مقراً للكراهية والحقد ، ولا يستطيع أن يتصور بأن جميع الناس ينظرون إليه بغير نظرة الكراهية والإحتقار... ولذلك فإنه يثأر ، وينتقم ، ولا يوجد في قلبه محل للحب واللين ، عند ذاك يصبح في عداد الناقمين على المجتمع ساخطين على جميع الأفراد. إن كل ما يصيب الفرد من شر أو انحراف في صغره يسبب رد فعل مشابه له من جانبه » (1).
إن الطفل الذي يتجرع الضغط والتحقير والسخرية من أبيه أو أمه أو زوجة أبيه أو مربيه ، يحمل حقداً خاصاً في قلبه ، ويحاول تدارك الفشل الذي لاقاه في حايته فيقدم على كل عمل خطير وحقير ولا يتورع من ارتكاب أي جريمة أو ذنب.
إن أبسط نموذج لطغيان الأطفال والشبان هو الفرار من أسرهم وترك والديهم... وذلك ما نقرأه في الصحف كل يوم ، ونسمع استغاثة الآباء في سبيل العصور على أولادهم ، وقد تنتهي هذه الحوادث بقضايا مؤلمة ومشاكل لا تجبر كالإنحراف الجنسي ، السرقة ، أو الإنتحار. وأخيراً فإن كلاً من الولد أو الفتاة الهاربين ينتهي إلى مصير تعس ومؤلم ، ويكون بعمله هذا قد الولد أو الفتاة الهاربين ينتهي إلى مصير تعس ومؤلم ، ويكون بعمله هذا قد انتقم لكرامته من أبويه بتلويث سمعتهما والحط من منزلتهما في المجتمع.
وبهذا الصدد يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : « ولَدُ السوء يهدم الشرف ، ويشين السلف » (2).

نماذج للإنتقام :
تخطر ببالي عدة نماذج للإنتقام من قبل الأطفال والشبان والمحتقرين ، لا
____________
( 1 ) عقده حقارت ص 16.
( 2 ) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 780.

( 297 )

أرى من الصالح ذكرها في هذا الإجتماع العام ، لأن ذلك قد يؤدي إلى إثارة ثائرة الإنتقام في نفوس بعض الشبان الذين يلاقون الأمرين من التحقير والاهانة من قبل آبائهم ، وفي ذلك مفاسد كبيرة. لكني سأكتفي ببعض النماذج المقيدة في حسن تربية الأطفال ليطلع الآباء على واجباتهم في هذا الصدد.

الإفراط في المحبة :
من عوامل نشوء عقدة الحقارة عند الطفل ، الإفراط في الحب والحنان من قبل الوالدين تجاه طفلهما. إن الطفل الذي عومل بمقدار اعتيادي من الحب واللين لا يتألم لولادة الطفل الثاني في الأسرة لأن المقدار الذي كان يعامل به لا يزال موجوداً الآن. لكن الطفل الذي عومل بحب وحنان زائدين ونشأ على الدلّ والغنج يتألم كثيراً لولادة الطفل الثاني ، لأنه يرى أن قسماً من الحب الذي كان يستأثر به إلى ذلك الحين قد صار من حصة أخيه أو أخته ، ولذلك فإنه يحقد عليه ، ويتحين الفرص للانتقام منه. فيضربه ، أو يدخل إصبعه في عينه ، أو يقرصه. كذلك يحاول الإنتقام من أبويه فيسيء إليهما ، ويعاملهما بالقسوة والإهمال ، لا يعتني بكلامهما ، وقد يسمعهما لما لا يرضيان.

الأطفال المحرومون :
والعامل الآخر من عوامل ايجاد عقدة الحقارة عند الطفل ، الحرمان من اللباس المناسب والغذاء الطيب ووسائل اللعب أو أدوات المدرسة. إن الطفل الذي يلبس حذاءاً بالياً أو ثوباً رثاً بين الأطفال الأنيقين في ملابسهم أو الذي يرى مختلف وسائل اللعب بأيدي الأطفال الآخرين ويجد نفسه فاقداً لها... أو الذي يذهب الى المدرسة وهو لا يملك حقيبة أو أدوات مدرسية ، يشعر بالحقارة في نفسه ، ويرى أنه في مستوى دون مستوى الآخرين.


( 298 )

إن الآباء الموسرين الذين يستطيعون الإستجابة لحاجات أطفالهم بصورة معتدلة ، ولكنهم يقترون عليهم بسبب من لؤمهم وبخلهم يرتكبون جرماً عظيماً. فقد قال رسول صلّى الله عليه وآله : « ليس منا من وسع عليه ثم قتر على عياله » (1).
وعن علي بن الحسين عليه السلام قال : « أرضاكم عند الله أوسعكم على عياله » (2).
وفي حديث عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صداقة إلى قوم محاويج ، وليبدأ بالاناث قبل الذكور. فإنه من فرّح ابنته فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل ، ومن أقرّ عين ابن فكأنما بكى من خشية الله ، ومن بكى من خشية الله أدخله جنّات النعيم » (3).
إن الأطفال الذين يصابون بعقدة الحقارة الحقارة في مثل هذه الظروف يحاولون تدارك حرمانهم بصور مختلفة من الإنتقام. وقد ينتهي ذلك بثمن حياة الأب المتزمت أو تمني موته على الأقل.
قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : « ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته » (4).
هؤلاء ينتقمون بواسطة الحرق أو الكسر أو التهديم وبصورة موجزة تفتيت ثروة آبائهم وتدميرها ، وقد يقدمون على سرقة أموالهم ، وبذلك ينتقمون من سلوكهم الظالم تجاههم ، ويجبرون ما تجرعوه من التحقير والحرمان.
يقول الدكتور آلاندي : « يجب أن نمتنع عن كل ظلم تجاه الطفل حتى لا ينشأ على السرقة. إن كل طفل يصبح سارقاً
____________
( 1 ) مستدرك الوسائل للمحدث النوري ح2|643.
( 2 ) وسائل الشيعة للحر العاملي ج5|132.
( 3 ) مكارم الاخلاق للطبرسي ص 114.
( 4 ) وسائل الشيعة للحر العاملي ج5|132.

( 299 )

لا بد وأنه قد غُبن حقه في يوم من الأيام وقوبل بالتجاوز والظلم. ليس من الضروري أن يكون هذا التجاوز حقيقياً ، بل من الممكن أيضاً أن يتخذ صورة مجازية وتصورية... وقد يكون تصوراً طفولياً إلى درجة أن الكبار لا ينتبهون لذلك أبداً ، ولكن هذا كله لا يمنع من أن يترك آثاره العميقة والمؤلمة على روح الطفل ».
« إذا حاولنا أن نعمل على اقتلاع جذور السرقة ، فيجب أن نحيي في الطفل منذ البداية ذلك الشعور بالحقد والإنتقام الناشيء من حرمان سابق ، ثم نعمل على تدارك الحرمان وعلاجه ».
« هناك بعض الأطفال يصرفون النقود التي سرقوها على أصدقائهم بكل سخاء ، وهذا يدلنا على أنهم يرغبون في الإنتقام من التحقير الذي كانوا يقابلون به ، فيشعرون عند ذاك بأنهم ذوي مكنة مادية عالية ، يستطيعون جلب قلوب الناس نحوهم بها ».
« لقد وجدت بنفسي طفلاً في الثانية عشرة من عمره يسرق نقود الآخرين ولكنه يشتري لأطفالهم الذين كانوا أصغر منه سناً بعض اللُعب والدُمى. وتبين بعد ذلك أن أبوي هذا الطفل كان لا يشتريان له وسائل اللعب في الصغر ، وهو الآن يريد تدارك الحرمان الذي كان يلاقيه والظلم الذي كان يتجرعه بهذا الصورة » (1).
يجب على الموسرين أن يوسعوا على أطفالهم إتباعاً منهم لتعاليم الإسلام ، ويعملوا على تلبية رغباتهم وحاجاتهم الطبيعية فيحفظوا بذلك شخصيتهم من الإصابة بعقدة الحقارة ، ويجنبّوا أنفسهم من ويلات الإنتقام الناشيء من الشعور بالحرمان في الأمور المعيشية.
____________
( 1 ) ما وفرزندان ما ص 72.

( 300 )

السخرية والإستهزاء :
ان الوسيلة الاخرى من وسائل الإنتقام والثأر لتدارك الانهيار الداخلي بالنسبة الى المصابين بعقدة الحقارة هو السخرية والإستهزاء والنقد اللاذع واللوم الشديد تجاه الآخرين.
« إن التلميذ المتخلف في دروسه بسبب من إهماله أو قلة ذكائه ، ينتقم من الآخرين بالإستهزاء منهم ورميهم بالنكات المشوبة بالسخرية. الكل يضحكون ويلتفون حوله ، وهو يزداد مهارة وشهرة في المزاح ويتلذذ بالانتقام اكثر ، فيتصور ـ خطأ ـ أن هذا اللذة التافهة تستطيع أن تحل محل أبسط نجاح ».
« من البديهي أن هذا الفرد لا يلتفت الى الدافع الى سلوكه هذا ، أي أنه لما كان يعجز عن إحراز النجاح في أي فرع أو مهنة فهو يسخر من زملائه من حيث لا يشعر ، ويرضي ضميره بذلك ، ولكنه لا يحصل على نتيجة سوى تحقير نفسه والحط من منزلته في أنظار الآخرين. إن مما يؤسف له أن هذه النماذج ليست مقتصرة على الأطفال بل توجد في الأشخاص الكبار أيضاً » (1).

النفاق :
جاء الاسلام بمبادئه القيمة ، وتعاليمه القائمة على المنطق والإستدلال وأخذ النبي ( ص ) يؤثر بسلوكه الممتاز في الناس ويجلب قلوبهم نحو دين الله وهذا ما لا يروق للمعاندين ، فأدى التقدم السريع للإسلام واعتناقه من
____________
( 1 ) رشد شخصيت ص 97.