« توجد الإنحرافات المكتسبة عقيب الإخفاقات ، والخدع والأحقاد وفي الغالب عقيب الضربات العاطفية التي تخدر الطفل ، هذا كله دون أن يقف الطفل على حقيقة ما وقع. واحياناً يكتسب الطفل سلوكاً جديداً وطبعاً ثانوياً ، قد يقضي على الطبع الأولى له. « يتحول قلب الطفل على اثر الصدمات التي تؤلمه الى قلب مريض ومنكسر. إن الشخص المنحرف يزى نفسه قبل أي شخص صغيراً وحقيراً ، علم بذلك أم لم يعلم. وهكذا يكتسب الطفل أو المراهق الذي يتأثر لاحساسه بالحقارة عادات غريبة وسلوكاً جديداً... يمكن اعتبارها ردود الفعل لتلك الحالة النفسية » (1). |
« وهذا أمر بسيط وطبيعي جداً ، ذلك أن الأطفال يكذبون على أثر الضعف الذي يحسون به في مقابل الكبار دون أن يكون هناك انحراف أو تخطيط أو تفكير سابق. إنهم يكذبون ليصونوا أنفسهم من الحملات المباشرة التي يتنبأون لها ، فإن الكذب والخديعة يستلزمان تخطيطاً سابقاً ، وتفكيرا في تورط الآخرين ، ولا يكفي |
أن يكذب شخص في مورد ما مترسلا ونحكم عليه بالانحراف ». « يتكامل علم الكذب ( أو فن الكذب على الأرجح ) بالممارسة والتدرب على الكذب. إذن نستنتج من ذلك أن جهود الوالدين أو القائمين على شؤون التربية يجب أن تنصرف إلى عدم فسح المجال للأطفال في التعلق بالكذب ، ويجب أن لا يكون سلوكنا على نحو يضطرهم الى الالتجاء إلى الكذب ». « يجب أن نعرف الكاذب الحقيقي أولا ، أي يجب أن نميز بين من يكذب على أثر تطبعه على الحيلة والخديعة ، وبين من يكذب عفواً. إن الكاذب العفوي لأجل أن يتخلص من عقوبة العمل الذي عده ذنباً في نفسه يعمد الى أول كذبة تمر بخاطره وتجري على لسانه إنه لا يفكر في عواقب ذلك ، في حين أن صدقه الذاتي والطبيعي غالباً ما يخونه دون علم منه... الصوت الفاقد للتطامن ، والوجه المحمر ، والنظرات الزائغة ، كل ذلك علائم تفضح أمر مثل هذا الكاذب ». « الحقيقة تعلن عن نفسها من خلال الكلمات التي يجريها على لسانه ، إنها تحرق شفتيه ، فلا يستطيع أن يلقي حجاباً ساتراً على الحقيقة التي تفصح عن واقعها. إن من السهولة بمكان أن نستكشف من مثل هذا الشخص أنه لم يصبح كذاباً بعد ، بل يستطيع أن يصنع بعض الكذبات المفضوحة ، غاية ما هناك أنه لكي يتقن هذا العمل ، ولكي يصبح ماهراً في فن الكذب ، يكفي أن يوضع في محيط فاسد أو يقابل مربيّاً دون مستوى المسؤولية ، لاجل أن ننقذ مثل هذا الطفل من الغرق والوقوع في هذه الهوة السحيقة يجب أن نوجه وجدانه نحو الصدق والشهامة ، وعندئذ لا يستطيع الكذب أن ينشر جذوره في نفسه ولا يصبح داً مزمناً عنده ». « أما بالنسبة إلى الكذاب الأصيل فالأمر ليس كذلك. هذا الشخص الذي يمتهن التزوير والاحتيال وإن بدأ عمله بكذبات |
تافهة ومفضوحة لكنه استمر على ذلك فترة طويلة حتى أصبح الآن يكذب بسهولة ، يصور الباطل في لباس من الحقيقة ، وهنا يجب أن نهتم بالأمر. إنه لا يصدر عن الكذب بصورة عفوية بل يفكر ويخطط ويصمم لما يريد إطاراً جميلاً ، يغير في الموضوع كيف يشاء ، ويظهره بالمظهر الذي يريده من جمال أو قبح ، لأنه يعلم أنه إذا ألبس الباطل لباساً جميلاً من التبريرات والاحتيالات كان ذلك عاملاً مساعداً على عدم انفضاح سره » (1). |
« إن محيط الصدق والشهامة المطلقة أهم عوامل الكفاح ضد الكذب. فإذا كانت الاستقامة مسيطرة على جو الأسرة أو المدرسة لم يقترب الطفل من الكذب ، واذا صادف أن جرت كذبة على لسانه فإن التجارب تثبت أن هذه الكذبة لا تصل إلى حد الخيانة والاجرام ولا تبعث بجذورها في قلبه ». « إن الضمائر الحية لهؤلاء الأحداث تشبه الأعشاب الربيعية في النعومة واللطافة ، فلأجل أن تلاقي تنمية مناسبة ومتكافئة يجب أن تبقى في مأمن من هبوب الرياح الشديدة والميول التي قد تدحرها الى الأبد ، ومن المؤسف أن نجد أن هذه الفسائل الغضة كثيراً ما تجابه بالرياح الهوجاء ». « كثيراً ما يصادف وجود أخاديد واسعة بين أفعالنا ونصائحنا. |
هناك بون شاسع بين ما يلاحظه الطفل في أفعالنا ويدركه من سلوكنا ، وبين الأوامر والنصائح التي نصدرها في تقبيح عمل معين وذمه ! ». « قد اعتاد الكثيرون على أن يقولوا للأطفال : ( افعل ما أقوله لك ! لا تلتفت الى ما أفعل ) في حين أنهم يجهلون أن هذه النصيحة تستتبع مأساة عظيمة ، ان الطفل لا يخضع للنصيحة التي لا يعيرها الوالدان أهمية ما وعلى فرض أنه استطاع أن يتوصل من عمل الكبار الى أن السلوك المفضل للأطفال يختلف عن السلوك المفضل للكبار فإنه سيحطم تلك القيود في أول فرصة يدرك فيها الحرية ، ويخرج على تلك التعاليم التي وجهت اليه في صباه » (1). |
« ليس التكامل النفسي والعصبي للطفل أمراً يحدث بالصدفة ، يل انه يحصل وفقاً لقواعد معينة ، ويجب أن لا نتهاون في مقاومة اندحار احد القوى النفسية التي تقوم كيانه ، بل يجب أن نعتبر النقص العصبي والنفسي الحادث عنده مرضا فنخضعه الى رقابة خاصة. ان الطفل يتعلم منذ الصغر كيف يستخدم جهازه العصبي ، وان الرضيع ليس إلا مجموعة من الانعكاسات ، ثم يأخذ في المشي بالتدريج ، يتكلم ، يدرك ، يقفز ، ويحصل على معلومات سمعية وبصرية ، وفي هذه الحالة يمكن أن يقال : انه قد تولد واقعاً ». « كثير من الآباء والأمهات يتركون أطفالهم لوحدهم بمجرد أن يجدوهم قد اصبحوا قادرين على المشي والتكلم فيكون الطفل في هذه الصورة كساعة مكوّكة تسمع دقاتها ولكنها لا تملك عقارب » (1) . |