« ان النشاط العقلي ظاهر وغير ظاهر في وقت واحد. في الكومة المتفقة لحالاتنا الشعورية الاخرى... انه وسيلة من كياننا ، وهو متغير مثلنا أيضاً ويمكننا أن نقارنه بشريط سينمائي يسجل المراحل المتعاقبة لقصة على سطح يختلف في درجة حساسيته من نقطة لأخرى... بل انه اكثر ترادفاً للوديان والتلال التي تحدثها موجات المحيط العاتية والتي تعكس بطريقة مختلفة السحب التي تعبر السماء. فالعقل يبرز مرئياته فوق الشاشة الدائمة التغيير لحالاتنا المتأثرة لآلامنا ومباهجنا ، لحبنا |
وبغضنا ، ولكي ندرس هذه الناحية من أنفسنا فإننا نفصلها صناعياً عن الكل غير المنظور. وفي الحقيقة أن الشخص الذي يفكر ويلاحظ ويتعقل يكون في وقت واحد ، سعيداً أو تعساً ، مضطرباً أو مطمئناً ، منتعشاً أو منقبض الصدر ، بوساطة شهواته وبغضائه ورغباته. ومن ثم تتخذ الدنيا مظهراً مختلفاً في نظره تبعاً للحالات المؤثرة والفسيولوجية التي تتحرك في مؤخرة الشعور في اثناء النشاط العقلي... ان كل انسان يعرف أن الحب والكراهية والغضب والخوف تستطيع أن تشيع الاضطراب حتى في المنطق... ولكي تظهر هذه الحالات الشعورية نفسها فإنها تحتاج الى إحداث تعديلات معينة في المبادلات الكيميائية , وكلما ازدادت شدة الاضطرابات العاطفية أصبحت هذه المبادلات أكثر نشاطاً. ونحن نعرف ان المبادلات الكيميائية على العكس من ذلك ، أي لا ينتابها أي تعديل بسبب العمل العقلي ، والوظائف المؤثرة ليست شديدة القرب من الوظائف الفسيولوجية ، انها تمنح كل مخلوق حي مزاجه... ويتغير المزاج من شخص لآخر... انه مزيج من الخصائص العقلية والفسيولوجية والتكوينية... انه الإنسان ذاته. وهو مسؤول عن ضعفه أو اعتداله أو قوته » (1). |
« يستخدم العقل المعلومات الواصلة إليه عن العالم الخارجي بواسطة الحواس ويهيء لنا وسائل عملنا في هذه الدنيا. إنه يزيد في قوة إدراكنا وشدة سيطرتنا بصورة عجيبة بفضل ما يمنحنا من اكتشافات جديدة. إنه يصنع لنا التلسكوبات العظيمة في كاليفورينا وجبل ولسن ، التي تطلعنا على عوالم تبعد عنا ملايين السنين الضوئية ، ومن جهة أخرى يمدنا بالميكرسكوبات الالكترونية التي يمكننا بواسطتها البحث عن عالم اللامرئيات ، هذا مضافاً الى الآلات التي يمدّنا بها في العمل على أشياء منتناهية في الكبر ، واشياء متناهية في الصغر ، وفي تهديم العمارات الصخمة التي تمثل عظمة التقدم الفني والمعامري خلال بضع دقائق ، وفي اجراء العمليات الجراحية على الخلايا المعزولة ، وتحطيم الذرة ». « العقل صانع العلم والفلسفة فعندما يكون متزناً يصبح مرشداً جيداً ، ولكنه لا يمنحنا الشعور بالحياة والقدرة على العيش فهو لا يعدو أن يكون مظهراً من مظاهر النشاطات النفسية فإذا نما لوحده ، بعيداً عن العواطف أدّى الى تفريق الأفراد وإخراجهم من حيز الإنسانية » « إن المشاعر والأحاسيس غالباً ما تنشأ من الغدد الداخلية واعصاب السمباثيك والقلب ، وقلّما تستمد رصيدها من المخ ـ إن الشوق والشجاعة والحب والحقد عوامل تدعونا الى تنفيذ الخطة التي رسمها العقل. وكذا الخوف والجبن والغضب فإنها تكشف عن مدى الجرأة على الإقدام عند الشخص ، وأي تؤثر بواسطة أعصاب السمباثيك على الغدد وهذه بدورها تقوم بافرازات توجد فينا الحوافز المختلفة للدفاع أو الفرار أو الهجوم. وهكذا تعمل الهيبوفيزوثايروئيد والغدد الجنسية وفوق الكلوية لتحقيق الحب ، أو الحقد ، أو الإيمان ، أو الجحود في نفس الشخص ، وهذا الأعضاء هي التي تضمن بقاء الجماعات البشرية بواسطة النشاطات التي تصدرها. ان المنطق وحده لا يكفي لأتحاد الأفراد ولا يستطع دفع الإنسان نحو الحب أو إثارة نائرة الحقد فيه ». « ان العقل ينظر الى الحياة الظاهرية ، أما الأحاسيس |
فإنها على العكس من ذلك تهتم بالحياة الباطنية. وكما يقول ( باسكال ) فإن للقلب دلائل وبراهين لا يفهمهما المنطق. ان النشاط غير العقلائي للروح المتمثل في العواطف هو الذي يمنحنا الطاقة والفرح ، ويهب بعض الأفراد القابلية على الخروج من أطارهم المحدود للاتصال بالآخرين ، وتوثيق العلاقات معهم ، والتضحية في سبيلهم » (1). |
« الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة وعادات الحياة والتفكير التي يفرضها عليه المجتمع العصري... ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في جمسه وشعوره... وعرفنا انه لا يستطيع تكييف نفسه للبيئة التي خلقتها التكنولوجيا ، وان مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلاله ، وأن العالم والميكانيا ليسا مؤولين عن حالته الراهنة ، وإنما نحن وحدنا المسؤولون. لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع... لقد نقضنا القوانين الطبيعية فارتكبنا بذلك الخطيئة العظمى ، الخطيئة التي يعاقب مرتكبها دائماً.. » (1). « ألم تهبط الحياة العصرية بمستوى ذكاء الشعب كله وأخلاقه ٌ لماذا يجب أن ندفع ملايين الدولارات كل عام لنطارد المجرمين ؟ لماذا يستمر رجال العصابات في مهاجمة المصارف بنجاح ، وقتل رجال الشرطة ، واختطاف الناس وارتهانهم ، أو قتل الأطفال على الرغم من المبالغ الضخمة التي تنفق في مقاومتهم ٌ لماذا يوجد مثل هذا العدد الكبير من المجانين وضعاف العقول بين القوم المتحضرين ؟ ألا تتوقف الأزمة العالمية على الفرد والعوامل الإجتماعية التي هي اكثر أهمية من العوامل الاقتصادية ؟ من المأمول أن يضطرنا منظر الحضارة في بداية تداعيها إلى أن نتحقق : هل أسباب الكارثة غير كامنة في أنفسنا ومعاهدنا ؟ وأن ندرك إدراكاً تاماً أن لا مناص من تجديد أنفسنا » (1). « يجب أن لا ينشر العلم لذاته فقط ، ولا لرشاقة وسائله ولا لتألق جماله. وإنما يجب أن يكون هدفه فائدة الإنسان المادية والروحية. كما |
يجب أن نعطي الإحساسات أهمية تعادل أهمية علم الحركة.. ولا مفر من أن يضم تفكيرنا جميع جوانب الحقيقة » (2). |
« إن هدف الحياة هو أن يصنع من كل فرد نموذجاً صالحاً للإنسانية ، |
ويجب أن تنمّي جميع الإمكانات الجسدية والفكرية والمعنوية في سبيل القيام بالواجبات الإنسانية. إن قمة تكامل الفرد والأمة تكون عند التعالي النفسي الحاصل ، إذن فنحن مدعوون الى تنمية جميع نشاطاتنا الجسدية والروحية وهذا واجب مفروض على الجميع ، وعلى الفقير والغني ، المريض والسالم ، الرجل والمرأة ، الكبير والصغير اتباع ذلك. لكل فرد ـ مهما كان جنسه وعمره ومنزلته الإجتماعية ـ حاجات عاطفية وفكرية وجسدية يعتبر ارضاؤها ضرورياً لأداء واجبه » (1). |
« إن الأطفال الذين يولدون لابوين واحدين وينشأون معاً وبطريقة |
واحدة يختلفون اختلافاً ظاهراً من حيث الشكل والقوام والتكوين العصبي والاستعداد العقلي والصفات الأدبية. ومن الواضح ان هذه الاختلافات لا يرجع أصلها إلى الأسلاف... وتتصرف الحيوانات بطريقة مماثلة ، ولنضرب لذلك مثلاً بكلاب صغيرة جداً من فصيلة حراس الاغنام... ان كلا من الكلاب التسعة أو العشرة يبدي صفات واضحة فبعضها يفزع من الضوضاء المفاجئة ، أو طلقة مسدس ، ويكون رد فعله لذلك أن ينكمش على الأرض ، في حين يكون رد الفعل مغايراً في فريق آخر منها فيقف على مؤخريه أو يتقدم نحو مصدر الصوت. وقد ينتهز فريق ثالث الفرصة فينصرف الى الرضاعة من ثدي امه ، وقد يستسلم بعضها لدفع إخوتها إياها بعيداً عن أمها. وثم فريق آخر يبتعد عن أمه ليستكشف المنطقة المجاورة لبيته في حين يبقى معها آخرون. وقد يزمجر بعض هذه الكلاب الصغيرة إذا لمسها أحد. وفي حين يظل البعض صامتاً... فحينما تنشأ الكلاب معاً في أحوال متماثلة إلى أن تكبر ، فإن صفاتها لا تتغير بالنمو ، إذ تظل الكلاب الخجولة والجبانة خجولة وجبانة طوال حياتها. أما الشجاعة النشيطة فقد تفقد هذه الصفات أحياناً حينما تتقدم في السن ولكنها تكون عادة اكثر جرأة ونشاطاً » (1). |
« من الواضح الإحساس الأدبي مثل النشاط العقلي يعتمد على حالات تركيبية ووظيفية معينة للجسم ، وهذه الحالات تنتج من التركيب الداخلي لأنسجتنا وعقولنا ، وكذلك من عوامل أثرت فينا إبان نمونا. ولقد أعرب ( شوبنهور ) عن رأيه ، في المحاضرة التي ألقاها عن أصل الأخلاق بالجمعية الملكية للعلوم بكوبنهاجن ، من أن أساس المبدأ الأدبي موجود في طبيعتنا. وبعبارة أخرى ، ان الجنس البشري يولد وبه ميل فطري نحو الأنانية والضعة أو العطف. وهذا الميل يظهر في مرحلة مبكرة جداً من الحياة ، ويراه الملاحظ المدقق بوضوح. وقد ذكر ( جالافاردبن ) أن هناك أنانيين لا يأبهون مطلقاً بسعادة اترابهم من بني الإنسان أو تعاستهم. وهناك الحقودون الذين يشعرون باللذة وهم يشاهدون نكبات الآخرين وآلامهم ، بل حتى حينما يتسببون في إحداث هذه النكبات والآلام ، وهناك قوم يستشعرون الألم حينما يستشعره أترابهم ، وتولد قوة العطف هذه ، الرحمة وفعل الخير والأعمال التي توحي بها هاتان الفضيلتان والقدرة على الإحساس بآلام الآخرين صفة لازمة للإنسان الذي يحاول تخفيف أعباء الحياة وآلامها عن إخوته في الإنسانية... » (1). |
« قبل أن يستطيع الطفل الوقوف على قدميه والأخذ في المشي يجب أن يدير رأسه عندما يناديه أحد. فإذا رأيتم أنه يتخلف عن ذلك فاعلموا أنه يطمح في الاستقلال ، وان عمله هذا يدل دلالة واضحة على خُلُق يجب أن يعدّل. فليس هذا الطموح في الاستقلال ولا ذلك الخلق بالأمر المستحسن. إذ الطفل يجب أن يدير رأسه ، ولكنه إذا كان يطمح في الاستقلال فإنه سيكشف عن ذلك فيما بعد ». « يضرب الأرض برجله ، يثور. فإذا لم يكن في حاجة إلى شيء أي أنه شبعان وقد نال حصة كافية من النوم فاعلموا أن ذلك كله يدل على حالة عصبية يجب أن تقتلع جذورها. في مثل هذه الحالات يكفي إهماله وعدم الاعتناء به لبضع دقائق. انكم تقولون : أن هذه الحالة العصبية نموذج لشخصيته البارزة. ولكن الأمر ليس كذلك. يجب إزالة هذه الحالة وإذا كان يملك شخصية بارزة فاعتقدوا بأنها ستظهر إن قريباً أو بعد فترة » (1). |