« ان ما يدفع الإنسان الى مصيره النهائي يكمن في المشاعر لا العقل. فالنفس تقبل التكامل بواسطة الألم والشوق اكثر من مساعدة العقل. وفي هذا السير العنيف عندما يصبح العقل حملاً ثقيلاً تلجأ النفس الى الجوهرة الثمينة التي تنطوي عليها وهي عبارة عن الحب ». « إن كثيراً من الأشخاص المعاصرين يقتربون الى الحياة الحيوانية الى درجة أنهم يحصرون اهتمامهم بالقيم المادية ولذلك فإن حياتهم أخس من حياة الحيوانات ، لأن القيم المعنوية فقط هي التي تستطيع أن تمنحنا النور والسرور » (1). « ليس المبدأ الأول عبارة عن تنمية القوى العقلانية ، بل البناء العاطفي الذي تستند اليه جميع العوامل النفسية. ليست ضرورة الشعور الخلقي بأقل من ضرورة السمع والبصر. يجب أن نتعوّد على أن نميز بين الخير والشر بنفس الدقة التي نميز بها بين النور والظلمة ، والصوت عن السكوت... ومن ثم يجب علينا أن نعمل الخير ونحذر الشر ». « إن النمو القياسي للروح والجسد لا يحصل بغير تزكية النفس. هذا الوضع الفسيولوجي والنفسي وإن بدا غريباً في نظر علماء التربية والاجتماع المعاصرين لكنه يصنع الركن الضروري للشخصية ، وفي نفس الوقت فهو المطار الذي تحلق منه النفس » (2). |
« يقول ريموند بيج : لا شك في أن المهمة الأخلاقية والدينية تقع على عاتق الأسرة قبل سائر المسائل ، ذلك أن التربية الفاقدة للأخلاق لا تعطينا سوى مجرمين حاذقين. ومن جهة أخرى فإن قلب الإنسان لا يمكن أن يعتنق الأخلاق من دون وجود دافع ديني ، ولو حاول شخص أن يتفهم الأصول الخلقية بمعزل عن الدين فكأنه يقصد تكوين موجود حي لكنه لا يتنفس ». « إن أول صورة يرسمها الطفل في ذهنه عن الله تنبع من علاقاته مع والديه. وكذلك أول فكرة ترتسم في مخيلته عن الطاعة والسماح والاستقامة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الأسرة... كل هذه المسائل يجب أن تتم في الأعوام فقط بيدي استعداداً لضبط ما يدركه اكثر من أي وقت آخر. « لا يملك الوالدان الفرصة المناسبة لتربية نفس الطفل وتنقية أفكاره فحسب ، بل عليهما أن يعرّفا الله لأطفالهما بأحسن صورة وقوة ، وبكل إرادة ومتابعة. وهما في هذا السبيل يستطيعان أن يستعينا بمصدرين فياضين ، أولهما الدين والثاني الطبيعة » (1). |
« لقد اشربت الإنسانية بالوحي الديني اكثر مما أشربت بالتفكير الفلسفي... فقد كان الدين هو أساس الأسرة والحياة الاجتماعية في المدنية القديمة. فما زالت الكتدرائيات وبقايا المعابد التي أنشأها أسلافنا تغطي ارض أوروبا.. بالطبع ، ان معناها قلما يكون مفهوماً في الوقت الحاضر.. ومهما يكن من أمر فإن الاحساس الديني لا يزال حتى اليوم نشاطاً لا مفر منه بالنسبة لشعور عدد من الأفراد ، كما أنه يظهر نفسه بين الأشخاص المثقفين ثقافة عالية. |
« وللنشاط الديني جوانب مختلفة مثل النشاط الأدبي.. وهو يتكون في أبسط حالاته من تطلع مبهم نحو قوة تفوق الأشكال المادية والعقلية لعالمنا.. إنه نوع من الصلاة غير المنطوقة ، إنه بحث عن جمال اكثر نقاء من الجمال الفني أو العلمي ، وهو مماثل لنشاط الجمال ». « ما زال الجمال الذي ينشده المتصوفون اكثر غني واتساعاً من المثل الأعلى الذي ينشده الفنان.. إنه لا شكل له ، ولا يمكن التعبير عنه بأية لغة ، ويختفي بداخل اشياء العالم المنظور ، وقلما يظهر نفسه. ويتطلب السمو بالعقل نحو الذات العلية التي هي مصدر جميع الأشياء ، نحو قوة ، بل مركز القوى ، نحو الله ـ جل جلاله ـ ففي كل حقبة من حقب التاريخ وفي كل شعب من الشعوب ، أشخاص يتمتعون بهذا الأحساس العجيب في درجة عالية.. » (1). |
« لتحصيل الكمال النفسي لا يلزم أن لا يكون الإنسان عالماً أو ذكياً ، بل يكفي أن يكون مختاراً لذلك... يكفي أن يختلي كل فرد منا كل يوم صباحاً ومساءاً لبضع دقائق ، بعيداً عن الضوضاء ويجعل ضميره حكماً في تصرفاته فيعرف أخطاءه ويخطط لسلوكه. وفي هذه الفرصة يجب أن يتوجه الى الدعاء إن كان يعرف ذلك فللدعاء أثره حتى ولو لم يكن هذا الأثر ذلك الذي نريده. ولهذا يجب تعويد الأطفال منذ البداية على أن يقضوا فترات قصيرة في سكوت وهدوء خاص للدعاء ومن توفق لذلك مرة واحدة يستطيع أن يصل الى العالم الهادىء الذي يفوق الصور والكلمات المألوفة متى شاء.. عند ذاك يزول الظلام |
تدريجياً ، ويظهر إشعاع خلاق يهدي صاحبه إلى الطريق الأمثل » (1). |
« عندما يستمر الصراع الروحي بين شخص ما وعقدة معينة فإن الاعصاب تفقد قدرتها بالتدريج ويصاب الإنسان بمرض خاص. من الواضح أن هذا الضعف الحاصل في الاعصاب نتيجة للالتهابات والإثارات الروحية ، وليس وليد الضعف الصحي. أي أنه رد فعل روحي قبل أن يكون رد فعل جسمي. ولذلك فإنه لا يعالج بالتنزه واستعمال الأدوية والعقاقير... فكل علاج لا يعدو أن يكون موقتاً ، إلا أن يحدث تغيير جذري في أسلوب تفكير الشخص ». « في خضم هذا الوضع ، يبلغ الصراع الروحي في الإنسان درجة لا تستطيع الأعصاب معها أن تقاوم ، فهي قد استنفدت قدرتها على المقاومة ، وتكون النتيجة أن يصاب الإنسان بالصرع والرعشة العصبية ». « إن العوارض الظاهرية لهذه الحالة المضطربة عبارة عن انقباض العضلات والأرق والضعف المفرط... وإذا حاولنا البحث عن رابطة العلية والمعلولية لهذه الظواهر فإن جذورها توجد في حوادث دور الطفولة أوالحوادث القريبة الوقوع. لا شك في أن اكتشاف علة ذلك أمر عسير جداً لأنه يقع بواسطة تمحيص القوى الباطنية للمريض فقط. وأحياناً نجد جذوره في الإستياء من تحقير سابق أو محالة مجابة ذلك. وفي أحيان أخر توجد جذوره في الخوف من انهيار الشخصية وفقدان السمعة » (1) |
« يرى ( آدلر ) أن عقدة الحقارة توجد في الغالب عند ثلاث طوائف من الأشخاص : 1 ـ ذووالعاهات العضوية ، أي الأفراد المصابون ينقص عضوي منذ الطفولة. هذا النقص يتسبب في أن يرى الطفل نفسه دون مستوى الآخرين دائما ، وهذا ما يلاحظ بوضوع عند الطفل المصاب بشلل ، فإنه يحرم من اللعب مع مجموعة الأطفال ». « 2 ـ الأفراد الذين يخضعون منذ الصغر الى رقابة مشددة من قبل الوالدين ، ويمكن تقسيم هذه الطائفة بدورها الى صنفين : أ ـ الأطفال المدللون ـ وهم الذين يقابلون بالحنان المفرط والعناية البالغة لأنفرادهم واستئثارهم بمحبة الوالدين. ب ـ الأطفال المكبوتون. وهم الذين يلاقون ضغطاً شديداً ، وكلما حاولوا إثبات وجودهم وجدوا الكبح والقمع من الكبار الذين يضطرونهم للسكوت والتزام الصمت ». « 3 ـ الأطفال المهملون ، فالاطفال الذين كان نصيبهم من العناية قليلا منذ الصغر يشعرون بأنهم أفراد تافهون في المجتمع ، عديمو الفائدة » (1). |
« هناك أطفال يعيشون في ألم مستمر لضعف أو نقص في أجسامهم. هذا النقص يشمل مختلف الحالات كظهور خال أو بعقة صغيرة في وجه فتاة حسناء ، أو تقوس الساقين ، أو انحناء العمود الفقري وغير ذلك ». « كل هذه النواقص وما يشبهها يمكن أن تؤذي الإنسان طيلة عمره وتجعله تحت ضغط ( عقدة الحقارة ) وقد تؤدي به الى الجنون والانتحار ». « لا مناص للطفل الضعيف أو المصاب بنقص في بدنه من تحمل سخرية أقرانه وتحقيرهم إياه ، فهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه للنقص الموجود فيه إلا بعدم الاعتناء بسخريتهم. ولكن هذا بحد |
ذاته مدعاة للذلة له ، وكبت لغرائزه وجرح لمشاعره ، ويسبب الشقاء والقلق له فيما بعد. لأن مشاعره المتألمة التي لم تجبر بشيء وغرائزه المكبوتة لا بد أن تؤدي في النتيجة الى القلق واضطراب الفكر ». « يشير التحليل الذي أجري على استاذ جامعي الى أن عقدة الحقارة التي كان يكابدها قد نشأت منذ دراسته الابتدائية ، وذلك أنه كان أطول التلاميذ قامة في الصف وكان يلوح دائماً ـ عند اللعب والاستراحة ـ لأعين المعلمين قبل غيره ، ولذلك فإنه كان يخرج من الصف عند وقوع حادثة ليعتبر به الآخرون. وبالرغم من أن ذلك كان يحدث في احيان قليلة جداً فإنه ظل يحس بأنه قد ظلم كثيراً ، وليس إلا لطول قامته فحسب » (1). |