« لا شك أن الطفل يحتاج حاجة ماسة الى المحبة ، ولكن لا تلك المحبة المفرطة التي تحرك رغباته ومشتهياته فإن هناك فوانين لا تقبل التغيير تؤثر دائماً ـ في كل عصر من العصور ـ في حياة المجتمعات. ومن تلك القوانين : أن يقرر كل فرد مستقبله بيده في ظل صبره وتحمله واستقامته. والطفل المعجب بنفسه والفاسد أعجز من أن يقوم بهذا الواجب. إنه يعيش في عالم خيالي غير متوافق ، ويظن أبداً أن الإبتسامة البسيطة أو الانكماشة الضئيلة ستحرك عواطف الجميع وشفقتهم ». « وبناء على ما يقول الدكتور آدلر في كتابه ( تربية الأطفال ) فإن الأطفال الذين نشأوا هذه النشأة يريدون أن يحبّهم الجميع من |
طبيعتهم. ولو قلنا : ان هؤلاء الأطفال سيظلون مدى العمر مؤمنين بهذه الفكرة لم نقل جزافاً. والحقيقة أننا نجد أن هؤلاء الأطفال يبقون على إعجابهم بأنفسهم حتى عندما يبلغون سن الشيخوخة... هؤلاء رجال قد يصلون بفضل مواهبهم وطاقاتهم إلى النجاح والموفقية ، وإذا بهم حينئذ يفقدون كل إنجازاتهم بسبب أفعالهم الركيكة ». « ألا تصدّقون أن الإنسان قد يواجه مراراً نساء في الستين من أعمارهن لا يزلن يعتقدن بأن خير أسلوب للحصول على ما يرغبن إنما هو التظاهر بالاستياء ، والتزّمت ، والإعراض ؟ ! » (1). |
« يملك الطفل المتولد حديثا غرائز وانطباعات ، ولكنه يفقد العادات. ان جميع العادات التي حصل عليها في الرحم لا أثر لها في أحواله بعد الولادة. ففي بعض الأحيان يجب تعليم المولود كيفية التنفس. إن الغريزة الوحيدة التي يحملها حينذاك ، والتي تكون قد نمت نمواً حسناً هي غريزة مص الثدي والارتضاع. وعندما يشتغل بالإرتضاع يأنس بالمحيط الجديد ، وتمرّ عليه سائر أوقات يقظته في حالة عدم شعور مبهم ، وإنما يتخلص من هذه الحالة في ساعات النوم التي تستغرق اكثر ساعات اليوم... ثم تتغير جميع هذه الأوضاع من بعد أسبوعين ، فيحصل الطفل من تجاربه التي تتكرر عليه خلال هذه المدة بصورة منتظمة على انطباعات يتذكرها حينذاك. ولعل تذكره ذاك يكون أكمل وأكثر |
من كل الأزمنة اللاحقة ، ويتنفر من تغيير كل ما اعتاد عليه وأنس به ». « ان السرعة التي يسير بها الطفل في اكتساب العادات عجيبة. وسيكون حصوله على كل عادة سيئة في أولى أدوار الطفولة سداً أمام اكتسابه العادات الحسنة. ولهذا يعتبر التعوّد على العادات في أوائل أيامه مهماً للغاية. إذ لو كانت العادات الأولية حسنة فسوف نتخلص في المستقبل من الترغيبات وبواعث التشجيع والإطراء التي لا تتناهى ، هذا مضافاً الى أنه يبقى في جميع أدوار حياته المقبلة متطبعاً على الغزائز المكتسبة في أوائلها وستظل مهيمنة عليه. ولا يمكن للعادات التي اكتسبها فيما بعد المنافية لها الوصول الى تلك الدرجة من الهيمنة والقوة. ولهذا يجب أن يُراعي موضوع العادات الأولية رعاية تامة. إن الأطفال الرضع محتالون اكثر مما يتصوره الأشخاص البالغون والكبار ، لأنهم عندما يرون أن نتائج البكاء أنفع لهم فإنهم بلا شك يستعملون هذه الطريقة ، وعندما يرون بعد ذلك أن البكاء والعبوس يسبب النفور والاستياء منهم بدلاً من الحنان عليهم يتعجبون وتكون الدنيا في أنظارهم تافهة لا فائدة فيها ». « إذن فالوقت المناسب والصحيح الذي يجب فيه البدء بالتربية إنما هو لحظة الولادة. لأنه هذا الوقت هو الذي يمكن البدء فيه من دون وجود إحتمال لليأس والفشل. أما لو شرع في التربية بعد هذا الحين فإننا سوف نضطر الى مقاومة العادات المنحرفة التي اكتسبها. وفي النتيجة فإن من يحاول القيام بالمهمة التربوية بعد هذه الفترة ، يقع مورداً للإنتقاد ويلاقيه الفشل حتماً » (1). |
« والخلاصة : ان الاسس والركائز الخلقية للطفل تصب في الأشهر المبكرة من عمره. وبعد مضي سنة واحدة ـ حسب كيفية تربية الوالدين ـ فإما أن يكونا قد أوجدا إنساناً له الكفاءة والاستعداد لتقبل النظام والإنضباط ، أو يكون فاقداً لهذا الإحساس بالمرة ». « لا شك أنه سيأتي زمان لا نقدر فيه على القيام بأي عمل من شأنه إصلاح تربية الطفل وتعديل سلوكه لأننا نسينا واجبنا تجاه التربية الأولية للطفل... التربية التي فكرّنا فيها أقل من تفكيرنا في سائر الأعمال الإعتيادية » (1). |
« ذكرت لي القصاصة الشهيرة ( ماري روبرتس راين هارت ) قصة سيدة شابة سليمة تمارضت حتى تجلب اهتمام العائلة نحوها ، وتثبت مكانتها ، وكلما ازداد عمرها علمت بضعف احتمال |
تزوجها ، فاظلمت الدنيا في عينيها ، ولم يكن لها ما يسعدها في الحياة ». « كانت السيدة الكاتبة تقول : تمرضت هذه السيدة فكانت أمها العجوز تداريها طيلة عشرة أعوام ، وتحمل أواني طعامها كل يوم مراراً من السلام اليها. إلى أن توفيت أمها فأخذت المريضة بالنياحة مدة أسابيع ، وبما أنه لم يستجب لندائها أحد ، نهضت وارتدت ملابسها ، وجعلت تستمر في الحياة بصورة اعتيادية » (1) . |
« تتوقف قيمة الإنسان على قدرته على مواجهة المواقف المعاكسة بسرعة ومن غير بذل جهد. ويمكن بلوغ مثل هذه اليقظة بإنشاء اكثر ما يستطاع من أنواع الانعكاسات وردود الفعل الغريزية.. وكلما كان الفرد صغيراً ، سهل توطيد الانعكاسات. ففي استطاعة الطفل أن يكدس كنوزاً ضخمة من المعلومات غير الواعية.. كما أنه أسهل تدريباً ، بل أنه لا يقارن في ذلك حتى بكلب الحراسة الذكي.. كما أنه أسهل تدريباً ، بل أنه لا يقارن في ذلك حتى بكلب الحراسة الذكي.. كما انه يستطيع أن يتعلم كيف يركض من غير أن يتعب ، وكيف يسقط كالقط ، وكيف يتسلق ويسبح ويقف ويمشي بانسجام ، ويلاحظ الأشياء بدقة ، ويستيقظ بسرعة ، ويتكلم عدة لغات ، ويطبع ويهاجم ويدافع عن نفسه ، ويستعمل يديه بتناسق في تأدية مختلف أنواع العمل.. الخ. وتخلق العادات الأدبية فيه بطريقة مماثلة.. والكلاب نفسها تتعلم ألا تسرق.. فالأمانة والإخلاص والشجاعة تنمو بوساطة العمليات نفسها التي تستخدم في تكوين الإنعكسات ، أي بغير ما حاجة الى مناقشة أو شرح... وصفوة القول : يحب أن يكيف الأطفال » (1). |
« يلزم القيام بكل ما هو ضروري لصحة الطفل وحفظ سلامته. فحينما يشكو الطفل من الزكام فلا بد من مراقبة مزاجه وحفظه في مكان دافىء بعيداً عن البرد والرطوبة.. لكنه لو بكى بدون علة محسوسة يلزم تركه على حاله يصيح أنى يشاء. فلو عومل بغير ذلك نشأ بصورة حاكم مستبد ، اما عندما يكون الإهتمام به ضرورياً فلا بد أن يكون ذلك بدون إفراط ، بل يجب الاقتصار على قدر الضرورة. وهكذا لا يفرط في العطف تجاهه ، ولا يصح مطلقاً أن يؤخذ الطفل في مرحلة من مراحل حياته كآلة لهو ، بل لا بد أن ننظر إليه من أول أمره نظرة اهتمام وجدّ ، ونظرة داعية الى أن هذا الطفل سيبلغ في غد ويصبح عضواً بارزاً في المجتمع ». « لا ريب أنه لا يمكن للطفل أن يستوعب جميع عادات الأفراد البالغين ولكن علينا الإبتعاد عما يقف حاجزاً في طريق اكتسابه هذه العادات ، وبصرف النظر عن ذلك يجب أن لا نوجد في الطفل الإحساس بأهمية نفسه ، الإحساس الذي ستؤلمه التجارب المستقبلة ، ولا يطابق الواقع في حال من الأحوال... إن الطفل لو لم يراقب بدقة فإنه سيشعر بذلك ويحكم بأهمية نفسه الى درجة |
إحساس أبويه بذلك ، وسوف لا ينظر إليه المجتمع في الحياة المقبلة نظرة الإستحسان والتقدير ، وستؤدي عاداته التي سببت أنانيته بحيث يرى نفسه ذا مكانة عظيمة في الأوساط إلى اليأس والحرمان » (1). |
« في الأسرة التي بكون فيها طفل مدلل ، عندما يولد الطفل الثاني تتوجه ضربة قاصمة نحو الطفل الأول الذي كان مستأثراً بحنان والديه ، لأن أسلوب تربيته كان خاطئاً ، لأنهم كانوا قد عوّدوه حتى اليوم الماضي على أن يكون المتنفّذ الفعّال في البيت وقرة عين والديه ، وعلى أن يتحملوا غنجه ودلّه بكل رحابة صدر ، ولكنه بتولد الطفل الثاني يجد أمامه رقيباً خطراً ليس مزاحماً له في كل شيء فحسب ، بل انه يحاول عزله عن منصبه وتنحيته عن السلطة التي كان يمتاز بها طيلة الأعوام السابقة. ولذلك فإن الطفل الأول لا يملك أي ردّ فعل لهذه الحالة ، ولا يعرف ماذا ينبغي له أن يقوم به... فنراه يبدأ بإظهار مشاعر الفوضى والشغب ، وقد يتعمد التبول في فراشه ليلاً بغية جلب أنظار والديه نحوه ، أو يأخذ بالصياح والعويل من دون سبب ، أو يتكلم بلكنةٍ وتمتمة... وما شاكل ذلك من الأفعال المثيرة » (2). « ينشأ الطفل الأكبر في بعض الأسر مدللاً ، تبعث حركاته وسكناته ، ابتسامته وكلماته ، السرور والارتياح في قلب والديه الشابين ويتلقيان كل ذلك على أنها وقائع غير مترقبة ، ذات تأثير خاص ، ويجب أن تعتبر نموذجاً وقدوة للأسرة. إن الطفل الذي يراقب هذه القضايا يعتقد تدريجياً بأن هذا الإهتمام كله يجب أن |
يختص به وحسب. فإذا ولد طفل ثان في الأسرة عند ذاك تبدأ المشكلة الكبيرة. لأن الطفل الأكبر يجب أن لا يوافق على توزيع الحب والحنان بينه وبين أخيه فقط ، بل يجب أن يوطن نفسه أيضاً لتطرق شيء من الإهمال والغفلة ونحوه... وهذا بلا ريب امر لا يطاق بالنسبة له. إذا أصيب هؤلاء الأطفال المنكسرون بمرض فإنهم يحاولون أن يستأثروا بعناية الوالدين وعطفهما وحنانهما ، وقد يتذرعون لذلك برسم خطط وتدبير حيل من شأنها أن تؤدي الى المطلوب... وبهذه الصورة نجد أن الطفل الذي كان عاقلاً واعتيادياً لذلك الحين ينقلب مشاغباً وفوضوياً بمجرد تولّد الطفل الثاني ، وتظهر منه آلاف الأعمال التي ظاهرها الحماقة والبلادة الى درجة أنها تبعث الوالدين على الاستغراب والحيرة » (1). |
« إن الحياة في القرن العشرين تتطلب الشجاعة والصلابة قبل كل شيء ، وبغير ذلك لا يمكن مواجهة مشاكلها. إن الطفل الذي لم ينل حصة وافرة من التربية الصالحة فاقد لهاتين الصفتين ، بمعنى أن كان قد تُرك حرأً في طفولته ، وعُوّد على أن يُحضر له جميع ما يريد ، وبصورة عامة كان ديكتاتوراً مطلقاً في عالم الطفولة ، وفي جو الأسرة بالخصوص ، وتكون النتيجة أن تكون الحواجز والموانع والصعوبات والمشاكل والغربة كلمات فاقدة للمعنى عند طفل كهذا ». إن الطفل الذي أسيئت تربيته عندما يكبر ويرث ثروة ضخمة فإنه يضطر إلى الاتصال بالناس والإحتكاك بهم ، ولكنه إذ لا يرى أصحابه ومن حوله كأصحابه الذين كانوا يتساهلون معه ويحنون عليه في أيام الطفولة ، يضطر إلى أن يعتبر الجميع منحطين لا يستحقون الصداقة والمعاشرة... وهكذا ينكد العيش على نفسه. أما اإذا لم يرث ثروة ما من أبويه واضطر إلى أن يذهب وراء عمل ليسدّ به رمقه ، عند ذاك تبدأ المأساة بالنسبة له ويحصر بين صخرتي اليأس والشقاء ، ويدرك بسرعة أنه لفقدانه الشعور بالشجاعة والإعتماد على النفس لا يستطيع الإستمرار في حياة يكون التنازع فيها على البقاء ، ولا يقدر على الوقوف على قدميه... حينئذ ينخرط في سلك الافراد الذي ليسو عالة على المجتمعي فقط ، بل يشكلون خطراً كبيراً على الآخرين كالسرّاق والمشعوذين ، والمقامرين ، والخمارين... الخ » (1). |
وصمة المحكومية لا يوجد أي أثر للشجاعة والبطولة في « ما هو الدافع إلى الانتحار ؟ وما هي العوامل التي تجعل الفرد يقدم على ذلك ؟ إذا تجاوزنا الأشخاص المجانين ، والبلداء ، أو المدمنين على الخمرة فإن الأفراد الإعتياديين يقدمون على الانتحار على أثر الفشل والحرمان أو للخلاص من المشاكل ، والفرار من الانتحار ، بل يمكن اعتباره عملاً ناتجاً من العجز ، لأنه بواسطة هذا العمل يثبت الفرد أنه لا يستطيع مواجهة مشاكل |