النِظام المَالي وتداول الثّروة في الإسْلام ::: 31 ـ 45
(31)
    وعن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « أيّما مؤمن حبس مؤمناً عن ماله ، وهو محتاج اليه ، لم يذقه الله من طعام الجنة ولا يشرب من الرحيق المختوم » (1).
    وأخرج مسلم من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعاً : « من كان له فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له » (2).
1 ـ محاسن البرقي : 100.
2 ـ سنن البيهقي : 4 / 182.


(32)
    ونعني به الدخل الذي يرد الدولة عن طريق وارداتها العقارية ، والعقارات التي تملكها الدولة أو تملك التصرف فيها ، هي : الأراضي الزراعية المحياة المفتوحة ، والأراضي الموات ، والغابات ، والأجمات ، والمعادن ، ورؤوس الجبال ، والبحار ، وبطون الأودية ، وسواحل البحار. بتفصيل ما يأتي.
    ويرد الدولة عن طرق هذه العقارات وارد مالي كبير ، تسدد به كثيراً من نفقاتها ، وتغطي بها على كثير من مصارفها.
    ملكية العقارات العامة :
    العقارات العامة التي يملك الحاكم أمر التصرف فيها ، ولا يجوز حيازتها وتملكها بصورة فردية ومن قبل الأفراد ... على أقسام من حيث الملكية.
    فقد تكون الأُمة بجميع فئاتها ، حكاماً ورعايا ، وبصفتها الجمعيّة ، هي المالكة ، وقد تكون هذه العقارات ملكاً للهيئة الحاكمة التي تمثل مجموعة الأُمة في الحكم.
    وبناءاً على تسمية الأمة بمجموعة فئاتها حكاماً ورعاياً ( بالدولة ) (1) ، وتسمية الهيئة التي تمثل هذه المجموعة في الحكم
1 ـ تطلق الدولة على مجموعة من العناصر من أهمها العنصر البشري ، وهو مجموعة من الناس الذين يسكنون قطراً من الأرض. وقد تطلق ( الدولة ) على هذه المجموعة البشرية فحسب في قبال ( الحكومة ) التي تطلق على الهيئة الحاكمة فحسب من المجتمع ، وهذه التسمية جديدة اقتبسناها من « ح هارولد لاسكي » في كتابه « الحرية » وإن كان واقع هذا التقسيم قديماً في التشريع الإسلامي.

(33)
ب ( الحكومة ) يمكن تصنيف ملكية العقارات العامة التي تشرف عليها السلطة الحاكمة في المجتمع الإسلامي إلى قسمين رئيسيين (1).
    1 ـ ملكية الدولة :
    وهي تشتمل على العقارات التي تملكها مجموعة الأُمة حكاماً ورعايا وتعتبر هذه العقارات وقفاً على المسلمين جميعاً ، يجوز لهم الإنتفاع بها واستثمارها بإشراف من الحاكم الإسلامي في قبال بدل مالي خاص تحدده الحكومة ، ولا يجوز تملك رقبة هذه العقارات ولا بيعها ولا شراؤها ، ولا تخص جيلاً خاصاً من المسلمين ، وإنما تعمهم جميعاً على امتداد العصور والأجيال ، ومن أهم هذه العقارات أراضي الفتح الإسلامي فيما إذا كان الفتح بإذن الإمام الحاكم.
    وطبيعي إن أمر الإشراف في هذه العقارات يكون للحاكم الإسلامي بصفته حاكماً على المسلمين وممثلاً عن مجموعة الأُمة ووالياً عليهم. ويعود ربح هذه الأراضي ووارداتها التي تستلمها السلطة
1 ـ تحدثت بتفصيل عن أقسام الملكية وأقسام العقارات في الإسلام في كتاب ( ملكية الأرض في الإسلام ).

(34)
من المنتفعين بها إلى بيت المال الذي يصرف على حاجات المسلمين والمرافق الاجتماعية.
    2 ـ ملكية الحكومة :
    وهي تشتمل على مجموعة العقارات التي تملكها السلطة الحاكمة أو الحاكم الشرعي بصفته حاكماً على المسلمين. وتعرف هذه العقارات عادة في الفقه الإسلامي ب ( الأنفال ) ، وتشتمل على امهات الثروات العقارية والطبيعية.
    ومن الواضح أن اعتبار هذه الثروات الطبيعية والعقارات من ملك السلطة الحاكمة يؤدي إلى تحديد الملكية الفردية وانعدام الملكيات الفردية الواسعة التي تنجم عن السيطرة غير المحدودة على المصادر الطبيعية للانتاج.


(35)
    وفيما يلي نعرض على القارئ أهم العقارات العائدة إلى الدولة سواءً منها ما تملك السلطة رقبتها أم تملك أمر الإشراف عليها.
    1 ـ الأراضي :
    تعتبر الأراضي من أهم موارد الدولة الإسلامية.
    وليس الغرض من استيلاء الدولة على الأراضي تغطية نفقاتها عن طريق الريع الذي تدره هذه الأراضي على الدولة وحسب .. بل الغرض من ذلك ـ قبل ذلك كله ـ المنع من حدوث أي توسع في ملكية الأراضي يؤدي إلى « الاقطاع » وثمّ توزيع هذه الأراضي بين الفلاحين والمنتفعين توزيعاً عادلاً ، يتماشى مع حاجاتهم الخاصة وإمكانياتهم على الاحياء.
    والأراضي التي تملكها الدولة الإسلامية ، أو تملك الإشراف عليها هي كما يلي :
    ( أ ) الأراضي التي استولى عليها المسلمون من بلاد الكفار من دون قتال ، سواءً كانت أراضي محياة أو ممات ، وهي من الأنفال (1).
    ( ب ) أراضي الفتح الإسلامي العامرة : وهي ملك للمسلمين
1 ـ راجع « مستمسك العروة الوثقى » 9 / 520.

(36)
يشرف عليها الإمام ، ويؤجرها أو يستثمرها ، ويصرف حاصلها على المسلمين. وهي لا تخص جيلا دون جيل ، وإنما هي للأجيال جميعاً (1).
    ( ج ) أراضي الفتح الإسلامي ( البائرة ) : وهي ملك للإمام الممثل لجهاز الحكم يجعل عليها من يعمرها ، أو يودعها من يعمرها؛ ويصرف طسقها على المرافق العامة.
    ( د ) أراضي دار الإسلام ( البائرة ) : الأراضي الموات ملك للإمام ، يصرف طسقها في شؤون الأمة والحكومة ، سواءً كانت مملوكة وباد أهلها ، أم كانت غير مملوكة من أول الأمر كالمفاوز والصحاري النائية. فإذا أحياها أحد بإذن الإمام ، جاز له أن يتصرف فيها إزاء خراج يدفعه للدولة عن الأرض ، وإن كانت الأرض لغيره قبل ذلك؛ لقوله ـ عليه السلام ـ : « من احيى أرضاً ميتة فهي له » (2). وقد قال الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : « إن الأرض لله ، يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين. أنا وأهل البيت الذين أُورثنا الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا؛ فمن أحيى أرضاً ميتة من المسلمين فليعمرها ، وليؤد خراجها إلى الإمام » (3).
1 ـ راجع « رياض المسائل » كتاب الجهاد. وتذكرة الفقهاء : كتاب الجهاد.
2 ـ وسائل الشيعة : إحياء الموات.
3 ـ وسائل الشيعة ـ ط 1 : 3 / 326.


(37)
    وفي صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام : « إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله تعالى منها من شيء فهو لنا » (1).
    ( ه ) الأراضي الموقوفة ، التي يتولى شأنها الإمام : ويكثر مثل هذه الأراضي في بلاد المسلمين. وقد حث الشارع الإسلامي المسلمين على الوقف وإخراج الأرض عن حيِّز الملكية الخاصة ، واعتبارها وقفاً على المسلمين ، واعتبر ذلك صدقة جارية لأصحابها ويتولى الإمام شؤونها فيما إذا لم يعّين الواقف عليها أحداً.
    فالتشريع الإسلامي في الأراضي يذهب ، بصورة مبدئية ، إلى تجريد القطاع الخاص من ملكية الأرض تقريباً ، وتمليك الأرض للقطاع العام والدولة.
    وبذلك فالدولة (2) تملك الكثرة الغالبة من الأراضي الموات والأراضي المحياة بصورة طبيعية ، فتوزع هذه الأراضي بين المستثمرين والمنتفعين بصورة عادلة ، وبشكل لا يؤدي إلى ظهور الملكيات الواسعة.
    كما تسحب ملكية أصحاب الأرض عند إهمال إحيائها ، وتدفع الأرض إلى غيرهم ممن يعملون في إحيائها.
1 ـ الحدائق الناضرة 5 : 56.
2 ـ نعود فتؤكد بأننا نقصد من الدولة الدولة الإسلامية التي تتسلم زمام السلطة بصورة مشروعة.


(38)
    فالتشريع الإسلامي إذن يحقق في هذا المجال مطلبين رئيسيين.
    فهو من ناحية يحد من توسع الملكيات الأرضية ، إذ أن الأراضي في حال الموات ، ملك للحكومة ويتم توزيعها على الفلاحين والمنتفعين بإشراف من السلطة.
    ومن ناحية أُخرى فإن حق السلطة في سحب ملكية أصحاب الأراضي الذين أهملوا إحياء أراضيهم وإعادة الأراضي إلى من يمارس إحياءها يضمن استمرار عملية الإحياء والإعمار في الأراضي في بلاد الإسلام.
    هذا بالإضافة إلى ما تدر هذه الأراضي من وارد مالي كبير على بيت المال.
    2 ـ سواحل البحار :
    وهي ملك الإمام ( من الأنفال ) ، كما ذكره المحقق في « الشرايع » (1).
    وهي ذات أهمية كبرى في التجارة والصيد البحري والحروب والرحلات البحرية وغير ذلك.
    3 ـ الغابات والأحراش :
    تعتبر الغابات من أهم موارد الثروة الطبيعية في البلاد ، فهي
1 ـ راجع « شرايع الإسلام » : الأنفال.

(39)
تزود البلاد بثروة غذائية وطبّية وخشبية ، بالإضافة إلى ما لها من تأثير كبير في تلطيف الجو.
    ويعرض هذا المورد الطبيعي للخطر عندما يسمح فيها بالاستغلال الفردي.
    ولذلك فالدول الحديثة تعني عناية كبيرة بالمحافظة على هذه الثروة الطبيعية وتوسيع رقعتها ، وتمنع عن استغلالها بصورة فردية ، وتنسق عمليات الاستغلال بصورة لا تؤدي إلى ضياع هذه الثروة الطبيعية ، وتحاول في نفس الوقت أن تجعل من هذه الثروة الطبيعية مورداً مالياً لنفسها.
    وقد اعتبر الفقه الإسلامي الغابات والأحراش من الثروات التي تمتلكها الحكومة ، ولا يحق للفرد استغلالها ، إلاّ بإذن الحاكم الشرعي ، وضمن الشروط التي يحددها الحاكم (1).
    4 ـ رؤوس الجبال والأودية :
    وهي نقاط غنية بالثروات الأرضية. ويملكها الإمام ، كما يقرره الفقهاء.
    5 ـ صفايا الملوك واقطاعاتهم :
    وهي الأراضي الزراعية والاقطاعات الكبيرة التي كان يملكها الملوك قبل أن يحكم الإسلام البلاد. وهذه الاقطاعات
1 ـ راجع مستمسك العروة الوثقى : 9 / 524 ، 525 ط 2.

(40)
ـ في الغالب ـ قطع ثرية من الأرض ، اغتصبها الملوك من الرعايا ، فيعيد الإمام صرف ريعها على الرعايا المسلمين والمسالمين مرة أُخرى عن طريق بيت المال.
    6 ـ المعادن والمناجم :
    وهي على أقسام ثلاثة :
    فلزات تقبل الصهر كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد.
    ومايعة وشبه مايعة كالنفط والزئبق.
    وجامدة لا تقبل الصهر كالأحجار الكريمة والفحم الحجري.
    وهذه المعادن تمد الصناعة بالمواد الأولية ( الخام ) ، ولذلك فاستيلاء الدولة على المناجم يؤدي إلى إشراف الدولة على سير الانتاج الصناعي ، بصورة عامة ، والتمكن من تكييفها بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية.
    والإمام ( رئيس الدولة ) في المجتمع الإسلامي يملك كافة المناجم والمعادن وهذا ما ذهب إليه علماء الإمامية ك « الكليني » وشيخه « القمي » في تفسيره ، و « المفيد » و « الشيخ الديلمي » و « القاضي » ، واختاره في « الكفاية » و « الذخيرة » و « كشف الغطاء ».
    ويشهد له حديث الصادق ـ عليه السلام ـ عن الأنفال ،


(41)
حيث عدّ المعادن منها (1) ، وقوله ـ عليه السلام ـ في جواب من قال ما الأنفال؟ ( منها المعادن والآجام ) (2).
    والدولة إما أن تقوم بنفسها باستخراج المناجم ، وإما أن تعهد أمرها إلى الشركات الخاصة بهذا الأمر ، لقاء أجر تدفعه.
    7 ـ الأنهار والبحار ( المياه ) :
    وقد عدّهما ( ابو الصلاح ) وصاحب ( المقنعة ) من الأنفال التي يملكها الإمام ، ويؤيده بعض الأحاديث الصحيحة (3).
    وللبحار أهمية كبيرة من الناحية التجارية والحربية والأسفار والصيد.
    ولا تقل أهمية الأنهار عن البحار ، فهي تزود الأراضي المجاورة لها والبلدان القريبة والبعيدة منها بالماء ، كما يمكن استغلالها لتوليد الطاقة الكهربائية.
    وبذلك فهي تدرّ أموالاً كبيرة على الدولة ، كما أن الدولة باعتبار استيلائها على الأنهار تتمكن من تأميم مشاريع الماء والكهرباء.
1 ـ راجع مستمسك العروة الوثقى 9 / 524 ـ 525 ط 2.
2 ـ نفس المصدر.
3 ـ نفس المصدر 9 / 525.


(42)
    تزداد حاجة الناس إلى المرافق العامة والتكافل الاجتماعي كلما تتقدم حياة الإنسان ، ولا تفي الضرائب المالية التي تتقاضاها الحكومة من الأمة إلاّ بجزء يسير من نفقات الدولة في تشييد هذه المرافق.
    وفي الحالات العامة يقصر الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق الضرائب والعقارات عن تسديد نفقاتها ، فتضطر الحكومة إلى البحث عن موارد مالية جديدة لتغطية نفقاتها المالية.
    وتتجه اليوم الدول الرأسمالية والاشتراكية ، بشكل سواء ، إلى القيام بإنشاء مشاريع تجارية وصناعية وزراعية ، وممارسة الإنتاج والتجارة بصورة واسعة ، وتهيئة موارد مالية جديدة ، لتغطية نفقاتها المالية.
    وتتم هذه المهمة في الدول الاشتراكية على حساب القطاع الخاص في الصناعة والزراعة ، بينما تتم هذه المهمة في الدول الرأسمالية بشكل أخف من ذلك.
    وقد قام فعلاً كثير من الدول الرأسمالية بإنشاء مشاريع حكومية للماء والكهرباء ومصالح للمبايعات والسفر والبرق والبريد وغير ذلك من الشؤون الاجتماعية وحاجات الإنسان.
    والدولة الإسلامية في حياة صاحب الرسالة ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وفي


(43)
عهد الخلفاء الأوائل لم تكن ـ بحكم الظروف الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت ـ بحاجة إلى المزيد من الدخل المادي ، ولم تضق مواردها المالية عن نفقاتها .. وفي الوقت نفسه لم تغلق على نفسها أبواب هذا المورد المشروع عند ما تلجؤه الظروف المادية إلى البحث عن موارد مالية جديدة.
    ويعتبر إنشاء المشاريع الحكومية للتجارة والانتاج من أهم هذه الوسائل التي تدر على الحكومة دخلاً مادياً كبيراً ، يغطي كثيراً من نفقاتها.
    ولا يفقد الباحث في النظام المالي للدولة الإسلامية ، في حدود ما تعرضنا له في هذا الحديث ، ملامح عامة لهذه المسألة.
    في المجال الزراعي :
    رأينا فيما تقدم من هذا الحديث أن الدولة تستولي على الأراضي المحياة والموات المفتوحة عنوة ـ بصفة الإشراف ـ وتملك الأراضي التي انجلى عنها أهلها ، والأراضي الموات ، والمحياة بصورة طبيعية ، ورأينا كذلك أن من غير الجائز أن يتصرف أحد في هذه الأرضي من دون إذن الإمام.
    وفي مثل هذه الوضعية التشريعية لا يتيسر لأحد ـ مهما بلغت إمكاناته ـ أن يملك من الأراضي الزراعية أكثر من حاجته الخاصة ، وبشكل يؤدي إلى الإضرار بالآخرين ، أو أن يقتطع قطعاً كبيرة من الأرض بصورة تؤدي إلى ( الإقطاع ).


(44)
    والدولة وحدها هي التي تملك الإمكانات النقدية والأرضية الواسعة التي تمكنها من إحياء قطع كبيرة من الأراضي لحسابها ، والقيام بممارسة النشاط الزراعي بصورة واسعة ، تتجاوز حدود طاقة الفرد ، وإحداث مزارع وحقول نموذجية وكبيرة ، تخضع للتطورات الزراعية الجديدة.
    هذا في المجال الزراعي.
    في مجال التصنيع :
    وفي المجال التصنيعي تستولي الدولة بموجب تملكها للأنفال على كميات كبيرة من المواد الخام ، من معدنية ونباتية ، بصورة مباشرة وغير مباشرة.
    فهي تملك المعادن والغابات والأحراش ورؤوس الجبال والأراضي العامرة طبيعياً ، وغير ذلك من مصادر الثروة الطبيعية.
    وهذه المصادر الطبيعية توفر للدولة كميات هائلة من المواد الخام الضرورية للصناعات ، وتمكن الدولة من أن تدخل مشاريع الانتاج والتصنيع عند اللزوم ، وأن تشرف على سير الصناعة في البلاد ... بينما لا يتيسر للشركات الصناعية من القطاع الخاص هذه الإمكانات الكبيرة في الصناعة والانتاج.
    وعندما تتطلب الظروف المالية من الدولة أن تدخل مشاريع الانتاج والتصنيع بهذا الشكل ، فلا يمكن أن تعزل أجهزتها


(45)
العامة عن ممارسة التسويق. فمن غير الممكن عزل التسويق عن الانتاج والتصنيع.
    على أنه لابد من الإشارة إلى أن الجدوى من مداخلة الحكومة في النشاط التجاري والانتاجي لا يقتصر على الدخل المادي وحسب.
    وإنما الجدوى منها ـ قبل ذلك ـ تكييف وضع الانتاج والتجارة في البلاد ، وتعديل الأسعار والأجور.
    وعلى العكس من النظم الاشتراكية المتطرفة لا يحاول الإسلام أن يحتل الأسواق التجارية ويقضي على النشاط الانتاجي والتجاري في البلاد ، ولا يؤمن بسلامة هذا النظام.
    فإن النشاط الفردي والمنافسة الفردية ركن هام من أركان النشاط الانتاجي ، والقضاء على الانتاج الفردي يؤدي إلى شل جهاز الانتاج في البلاد.
    والدولة في المجتمع الإسلامي حينما تدخل الأسواق التجارية لا تمثل السلطة العامة ، وإنما تدخل في النشاط الانتاجي والتجاري بالصفة الخاصة ، كما يدخل أي فرد آخر في هذا العمل ، يملك إمكانات مادية أوسع مما يملكه الآخرون.
    والجهاز الحكومي للانتاج والتجارة لا يتأتى له أن يستمر في
النِظام المَالي وتداول الثّروة في الإسْلام ::: فهرس