وقيل : إن اسمها الربيعة كما هو موجود في مجمع الرجال ، والنسخة الموجودة لدينا من
رجال الشيخ (1) .
233 رحيم
اُم ولد الحسين بن علي بن يقطين .
محدّثة ، فاضلة ، خيّرة . روت عن سعيد مولى الإمام الكاظم عليه السلام ، وروى عنها محمّد بن
عيسى بن عبيد العبيدي .
روى الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب الغَيبة قال : وروى محمّد بن عيسى بن عبيد العبيدي ،
قال : أخبرتني رحيم اُم ولد الحسين بن علي بن يقطين ـ وكانت امرأة خيّرة فاضلة قد حجّت
نيفاً وعشرين حجّة ـ عن سعيد مولى أبي الحسن عليه السلام ـ وكان يخدمه في الحبس ويختلف في
حوائجه ـ أنّه حضره حين مات كما يموت الناس من قوة إلى ضعف ، إلى أن قضى عليه السلام (2) .
وأخرجه عن الغَيبة المجلسي في بحار الأنوار (3) .
234 رقيّة بنت إسحاق
رقيّة بنت اسحاق ابن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .
فاضلة ، جليلة القدر ، عمّرت عمراً طويلاً حتى توفيت سنة 316هـ وقيل 318هـ ،
ودفنت في بغداد .
روت عن زوجها ، وأخرج الشيخ الصدوق في الخصال رواية في طريقها هذه المرأة ، قال :
____________
1 ـ رجال الشيخ الطوسي : 34 ، مجمع الرجال 7 : 174 . وانظر : منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان
الشيعة 6 : 459 ، معجم رجال الحديث 23 : 190 ، أعيان النساء : 841 ، واسد الغابة 5 : 451 ، الإصابة 4 : 300 ،
تهذيب التهذيب 12 : 447 .
2 ـ الغَيبة : 19 .
3 ـ بحار الأنوار 48 : 230 حديث 36 . وانظر : أعيان الشيعة 6 : 469 ، رياحين الشريعة 4 : 254 .
(405)
حدّثنا محمّد بن أحمد بن علي الأسدي ، قال : حدّثتنا رقيّة بنت اسحاق بن موسى بن جعفر
بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن أبيها ، عن أبيه ، عن أبيه الباقر ، عن
أبيه زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أميرالمؤمنين عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال :
« لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسئل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ،
وشبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل
البيت » (1) .
وأبوها إسحاق بن موسى الكاظم عليه السلام كان زاهداً ورعاً ويلقّب بالأمين ، قبره في الجانب
الشمالي لمدينة ساوة (2) .
235 رقيّة القزوينيّة
رقيّة بنت الشيخ الميرزا علاّمة ابن الشيخ حسن ابن الشيخ محمّد صالح البرغاني
القزويني .
عالمة ، فاضلة ، مؤلّفة ، مدرّسة للعلوم الإسلاميّة .
ولدت في مدينة كربلاء المقدّسة سنة 1307هـ ، وتزوّجت بابن عمّها الشيخ حسن ابن
الشيخ الميرزا علي نقي حدود سنة 1322هـ ، وتوفّيت في الخامس من رجب سنة 1399هـ ،
ودُفنت في مقبرة اُسرتها في قزوين خلف الشاه زاده حسين .
قرأت المقدّمات والعلوم العربية على رجال اُسرتها في كربلاء ، كما حفظت القرآن الكريم
قبل التاسعة من عمرها ، وأخذت الفقه والاُصول عن الشيخ صدرالدين المعروف بعماد
الإسلام البرغاني والشيخ الميرزا أحمد البرغاني ، فنبغت في علوم القرآن والتفسير .
تصدّرت لتدريس النساء في مدينة كربلاء المقدّسة أكثر من نصف قرن ، وكان زوجها مع
____________
1 ـ الخصال 1 : 253 باب الأربعة .
2 ـ أعيان الشيعة 7 : 34 ، رياحين الشريعة 4 : 256 .
(406)
فضله يستفسر منها في حلّ بعض المسائل العلميّة والفقهية ، كما كانت من مراجع الاُمور
الشرعية للنساء في كربلاء .
لها عدّة مؤلّفات منها : رسالة في خواصّ السِّور القرآنية وبعض الآيات ، ورسالة في غريب
القرآن (1) .
236 رقيّة بنت النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
اُمّها خديجة بنت خويلد ، زوّجها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يوحى إليه عتبة بن أبي لهب ـ وفي
بعض المصادر أنّ التي زوّجها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة بن أبي لهب هي اُم كلثوم ـ فلمّا بعث
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنزل الله عزّ وجل (
تبّت يدا أبي لهب ) (2) قال له أبوه : رأسي من رأسك حرام إن لم
تطلّق ابنة محمّد ، ففارقها ولم يكن قد دخل بها . وأسلمت حين أسلمت اُمّها خديجة ، وبايعت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بايعت النساء ، فتزوّجها عثمان بن عفان ، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة
الهجرتين جميعاً ، وأسقطت في الهجرة الاُولى من عثمان سقطاً ، ثم ولدت له بعد ذلك ابناً فسمّاه
عبدالله .
وهاجرت إلى المدينة بعد زوجها عثمان حين هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومرضت ورسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجهّز إلى بدر ، فخلّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ، فتوفّيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببدر ، وقدم زيد
بن حارثة من بدر بشيراً ودخل المدينة حين سوى التراب عليها .
روى الكليني بسنده عن أحدهما عليهما السلام :
« لما ماتت رقيّة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه . . . » .
وفي دعاء شهر رمضان : اللهم صلِّ على رقيّة بنت نبيك . . . . . .
وممّا لا شكّ فيه أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم زوّج ابنتين من بناته لعثمان بن عفان ، لذلك سُمّي
____________
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 2 : 139 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ المسد : 1 .
(407)
بذي النورين ، فبعض يقول : إنّ ابنتيه هما اُم كلثوم ورقيّة ، والبعض الآخر لم يذكر اُم كلثوم بل ذكر زينب ،
وقال : إنّ رقيّة هي التي زوّجها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة بن أبي لهب ، والقائلون بالقول الأوّل
يقولون : إنّ التي زوّجها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعتبة هي اُم كلثوم .
ولكن الشريف أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي العلوي المتوفى سنة 352هـ أنكر ذلك في
كتابه « الإستغاثة » ، وقال : إنّ البنتين اللتين زوّجهما النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان هما في الواقع بنتا اُخت
خديجة ، وأقام على ذلك عدّة دلائل ، ونقل كلامه الكاظمي في تكملة الرجال وأجاب عن هذا
الإدعاء ، وردّه السيّد محمّد صادق بحرالعلوم محقّق كتاب تكملة الرجال ، ونحن نذكر أوّلاً كلام
الإستغاثة ، ثم نذكر الجواب عنه تعميماً للفائدة :
قال في كتاب « الإستغاثة » : وأمّا ما روته العامة من تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان بن عفان
رقيّة وزينب ، فالتزويج صحيح غير متنازع فيه ، إنّما التنازع بيننا في رقيّة وزينب هل هما
ابنتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم ليستا ابنتيه ؟
وليس لأحد من أهل النظر ـ إذا وجد تنازعاً من خصمين كلّ منهما يدّعي أنّ الحقّ معه
وفي يديه ـ الميل إلى أحد الخصمين دون الآخر بغير بيان وإيضاح ، ويجب البحث عن صحة
كلّ واحد منهما بالنظر والإختيار والتفحّص والاعتبار ، فإذا اتّضح الحقّ منهما وبان له الصدق
من أحدهما ، اعتقد عند ذلك قول المحقّ من الخصمين واطرّح الفاسد من المذهبين .
ونحن نبيّن أنّ رقيّة وزينب زوجتي عثمان لم تكونا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا ولد خديجة
زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنّما دخلت الشبهة على العوام فيهما لقلّة معرفتهم بالأنساب ، وفهمهم
بالأسباب . وذلك إنّا نظرنا في الآثار المختلفة فيهما وما يصح به معرفتهما ، فوجدنا الإجماع من
أهل النقل على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان زوّج هاتين المرأتين ـ المنسوبتين عند العوام إليه في
الجاهلية ـ من أبي العاص بن الربيع ومن عتبة بن أبي لهب ، فكانت زينب عند أبي العاص
ودخل بها وهي في منزله ، وكانت رقيّة متزوّجة بعتبة بن أبي لهب ولم يكن دخل بها وهي في
منزله ، فلمّا أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعوته ودعا إلى نبوّته وظهرت عداوة قريش له على ذلك ،
قالت قريش لعتبة بن أبي لهب : طلّق رقيّة بنت محمّد حتى نزوّجك بمن شئت من نساء
(408)
قريش ، ففعل ذلك .
وقالوا لأبي العاص مثل ذلك ، فلم يفعل وقال : ما اُريد بأهلي بدلاً ، فبقيت زينب عنده
على حالها .
ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عتبة بن أبي لهب بأن يسلّط عليه كلباً من كلابه ، فاستجيبت
دعوته فيه ، فأكله الأسد في طريق الشام وهو مع السِفر في العير ، فإن قريشاً كانت تخرج العِير
في كلّ سفرة لهم مع رئيس من رؤسائهم ، فوقعت النوبة على عتبة ، فامتنع أبو لهب من إخراجه
في العِير ، وقال : إن محمّداً دعا عليه وانّه لم يدع في شيء إلاّ كان كذلك ، وأنا أخاف من دعوته
عليه من جهة الأسد .
فقال أهل العِير الذين خرجوا معه : نحن نحفظه حفظاً لا يصل إليه الأسد أبداً ، فأطلق له
الخروج ، قال : وكيف تصنعون .
قالوا : نجعل الإبل مثل الحلقة ، ثم نجعل من داخلها الجواليق كذلك مثل الحلقة ، ثم نبيتُ
نحن حوله ونجعله في وسطنا ، فمحال أن يصل الأسد إليه عند ذلك ، وأطلق له الخروج معهم .
فكانوا يفعلون كذلك في طريقهم ، فأقبل إليهم الأسد ليلة من الليالي فتخطّى الإبل والجواليق
والقوم جميعاً حتى صار إليه فأخذه من وسطهم فأكله ، فاشتد عند ذلك عداوة أبي سفيان
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وكانت زينب عند أبي العاص وهو كافر ، فلمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، وكانت بينه
وبين قريش وقعة ، اُسر أبو العاص بن الربيع فيمن اسروا وهي وقعة يوم بدر . ثم وقع الفداء
على الاُسراء فبعث كلّ بيت من قريش فداء صاحبهم المأسور في أيدي أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعثت زينب قلادتها في فداء زوجها أبي العاص ، فلمّا نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى القلادة
استعبر وقال : « هذه القلادة كانت عند خديجة جهّزت بها زينب » ، وكانت زينب قد أسلمت
وهي في بيت أبي العاص .
وقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « إن رددت عليك القلادة وأطلقتك تبعث إلينا زينب ؟ » .
فقال أبو العاص : نعم . وكان لأبي العاص منها ابن يسمّى ربيع ، وبنت تسمّى أمامة . فأمّا
(409)
الإبن فإنّه مات حين راهق بالمدينة ، وأمّا البنت فبقيت حتى توفّيت فاطمة عليها السلام ، وتزوّجها
أميرالمؤمنين عليه السلام . فعاهد أبو العاص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليه زينب مع ولدها ، فأطلق عنه .
فلمّا وصل إلى مكة حملهم وأنفذهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد كان قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كيف تثق بضمان كافر ؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّه ليفي ، فلقد صاهرنا فحمدنا مصاهرته ، ولقد كنّا محاصرين في شعب
عبدالمطلب ، فكان أبو العاص يجيئنا بالليل بالعِير عليها الطعام حتى ينتهي إلى باب الشعب ثم
يزجر البعير ويهتف به حتى يدخل الشعب ثم يتركه وينصرف ، فكنّا نأخذ ذلك الحمل على
البعير فنفرّقه على جماعة من بني هاشم » .
فصارت زينب وولدها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم إنّ أباالعاص خرج في عِير لقريش ، فأخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك العِير وأسروا
أبا العاص ، فلمّا قربوا من المدينة احتال أبو العاص فبعث إلى زينب فأخبرها بأنّه اُسر . فلمّا
صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر بأصحابه ، أخرجت زينب رأسها من الحجرة وقالت : يا
معشر المسلمين إنّي قد آجرت أباالعاص فلا يعرض له ولا لما معه أحد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « سمعتم وسمعنا ؟ » .
قالوا : نعم .
قال : « وما أمرت به ولا شوّرت ، وقد أجرنا ما أجارت ، ولا تجيروا بعدها امرأة » .
فلمّا قدم أبو العاص على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلّى سبيله ولم يتعرّض لما كان معه من عِير قريش ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أما تستحي ، قد اُسرت مرتين وأنتَ مقيم على الكفر » .
فقال أبو العاص : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك محمّداً رسول الله .
ثم قال : يا محمّد إنّ قريشاً إذا علمت باسلامي قالت : إنّما أسلمت طمعاً في مالهم عندي ،
أفتأذن لي بالرجوع إلى مكّة فأردّ عليهم ودائعهم وبضائعهم التي معي وأنصرف إليك ؟ فأذن
له في ذلك ، فمضى أبو العاص إلى مكّة فردّ علهيم ما كان معه ، ثم قال : هل بقي لأحد منكم
(410)
عندي شيء ؟
قالوا : لا .
قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ، ولحقَ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فردّ عليه زوجته زينب بالنكاح الأوّل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد زوّج اُختها رقيّة من عثمان ، فبقيت زينب عند أبي العاص بعد ذلك
مدّة يسيرة ومات عنها أبو العاص ، ثم ماتت رقيّة عند عثمان ، فخطب بعد موتها زينب ،
فزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه وماتت عنده .
فلمّا كان الأثر موجوداً من غير خلاف ، تزوّجها في الجاهلية من رجلين كافرين ، لم يخلو
الحال في ذلك من أن يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في زمن الجاهلية على دين الجاهلية ، أو كان مخالفاً له
بالإيمان .
فإن قال قائل : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على دين الجاهلية ، كفَر بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنّ الله
تعالى يقول في الإمامة حين قال في قصة ابراهيم عليه السلام : (إنّي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي
قال لا ينال عهدي الظالمين ) (1) ، ومن كان كافراً كان أكبر الظالمين ، لقوله تعالى : (إنّ الشرك
لظلم عظيم ) (2) ، ومن كان كذلك كان عابداً للأصنام ، ومن كان عابداً للأصنام كان محالاً أن
يتّخذه الله عزّ وجل نبيّاً وإماماً بحكم هذا الوجه . ولو جاز أن يكون الله يجعل كافراً أو مشركاً
نبيّاً أو إماماً ، لجاز في حكم النظر أن يكون نبي أو إمام يرجعان عن النبوة والإمامة مشركين
كافرين .
وكما أنّه جاز أن ينقل كافراً مشركاً إلى الإيمان فيصير مؤمناً بعد أن كان كافراً ، جاز بعد
ذلك أن ينقل رجلاً مؤمناً من بعد إيمانه إلى الكفر ، فيصير بعد أن كان مؤمناً كافراً .
وكذلك يجب في النظر أن يكون حال الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، لو كان يجوز أن ينقل الله من كان
كافراً مشركاً فيصير نبيّاً أو إماماً لجاز ذلك ، فلمّا فسد ذلك في حكمة الله جلّ اسمه أوجبنا
____________
1 ـ البقرة : 124 .
2 ـ لقمان : 13 .
(411)
على مَن يقول : إنّ الرسولَ كان في الجاهلية كافراً يعبد الأصنام ، ولمّا وجب ذلك ثبت أن
الرسول كان في زمن الجاهلية على دين يرتضيه منه الله غير دين الجاهلية ، وقد شرحنا عن
ذلك الحال في كتاب « تنزيه الأنبياء » ما فيه كفاية لاُولي الألباب .
ولمّا وجب ما وصفناه وثبتت حجّته ، كان محالاً أن يزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنتيه من كافرين
من غير ضرورة دعت إلى ذلك ، وهو مخالف لهم في دينهم عارف بكفرهم وإلحادهم ، ولما فسد
هذا بطل أن تكونا ابنتيه .
وصحّ لنا فيهما ما رواه مشايخنا من أهل العلم عن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ، وذلك أنّ
الرواية صحّت عندنا عنهم أنّه كانت لخديجة بنت خويلد من اُمّها اُخت يقال لها : هالة ، قد
تزوّجها رجل من بني مخزوم فولدت بنتاً اسمها هالة ، ثم خلّف عليها بعد أبي هالة رجل من تميم
يقال له : أبو هند ، فأولدها ابناً ـ كان يسمّى هند بن أبي هند ـ وابنتين ، فكانتا هاتان الابنتان
منسوبتين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب ورقيّة من امرأة اُخرى قد ماتت ، ومات أبو هند وقد بلغ
ابنه مبالغ الرجال والابنتان طفلتان . وكانتا في حدثان تزويج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة بنت
خويلد ، وكانت هالة اُخت خديجة بنت خويلد فقيرة ، وكانت خديجة من الأغنياء الموصوفين
بكثرة المال .
فأمّا هند بن أبي هند فإنّه لحقَ بقومه وعشيرته بالبادية ، وبقيت الطفلتان عند اُمهما هالة
اُخت خديجة ، فضمّت خديجة اُختها هالة مع الطفلتين إليها وكفلت جميعهم . وكانت هالة
اُخت خديجة هي الرسول بين خديجة وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حال التزويج ، فلمّا تزوّج الرسول
بخديجة ماتت هالة بعد ذلك بمدّة يسيرة وخلّفت الطفلتين زينب ورقيّة في حجر رسول الله
وحجر خديجة فربّياهما .
وكان من سنّة العرب في الجاهلية من يربّي يتيماً ينسب ذلك اليتيم إليه ، وإذا كانت كذلك
فلم يستحل لمن يربيها تزويجها ؛ لأنّها كانت عندهم فزعمهم بنتاً لمربيها ، فلما ربّى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة هاتين الطفلتين الابنتين ، ابنتى أبي هند زوج اُخت خديجة ، نسبتا إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم .
(412)
ولم تزل العرب على هذه الحال الى أن ربّى بعض الصحابة يتيمة بعد هجرة
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : لو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل يجوز تزويج اليتيمة ممّن رباها ؟ ففعل ذلك ،
فأنزل الله جلَّ ذكره : ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ) (1) الآية ، وقوله : ( ألا
تقسطوا في اليتامى ) (2) الآية ، فهذا الخطاب كان كلّه متّصلاً بعضه ببعض في حال التنزيل ،
ففرق وقت التأليف لهذا المصحف الذي في أيدي الناس جهلاً كان من المؤلفين بالتنزيل ،
فأطلق الله سبحانه في الإسلام تزويج اليتيمة ممّن يربيها ، فسقط عن المربي للأيتام انتسابهم
إليه .
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نسب ابنتي هند على ما وصفناه في سنة العرب في الجاهلة ، فدرج
نسبها عند العامة كذلك ، ثم نسب أخوهما أيضاً هند إلى خديجة ، إذ كان اسم خديجة ثابتاً
معروفاً ، وكان اسم أختها هالة خاملاً مجهولاً ، فظنّوا ـ لما غلب اسم خديجة على اسم هالة
أختها في نسب ابنها ـ أنّ أباهند كان متزوّجاً بخديجة قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتسبوا إليها .
وتحقّق في ظنّهم بجهلهم بأمر أخت خديجة أنّ هنداً كان قد عمّر حتى لحق أيام
الحسين عليه السلام ، فقتل بين يديه وهو شيخ ، فقال الناس : قُتل خال الحسين عليه السلام هند ابن أبي هند
التميمي ، وأنّه كان هند ابن خالة فاطمة اُم الحسين عليه السلام على ما شرحناه ، فلم يتميّز العوام هذا
القول ، وقدر السامع له أنّ هنداً كان ابن خديجة ، ولم يجعلوا أباهند التميمي أنّه والد هند ؛ لبلوغ
هند قبل موت أبي هند وجهلهم اسم اُم هند عند خملوها مع ظهور اسم خديجة ، وجهلوا اسم
هالة اُختها اُم هند بنت أبي هند التميمي .
ولما وقع بيني وبين مَن نسب إلى هند من ولده مجادلات ومناظرات فيما ينسبون إليه من
خديجة ، وما يجهلون من جدّتهم هالة اُخت خديجة ، ولما عرّفتهم الصحيح من ذلك ، اشتد
عليهم وجادلوني أشد مجادلة في أنّهم من ولد خديجة ، فأعلمتهم أنّ ذلك جهل منهم بنسبهم ،
____________
1 ـ النساء : 127 .
2 ـ النساء : 30 .
(413)
وأنّ خديجة لم تتزوّج بغير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أنّ الإجماع في الخاص والعام من أهل الآثار
ونقلة الأخبار على أنّه لم يبق من أشراف قريش ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم إلاّ خطب
خديجة ورام تزويجها فامتنعت على جميعهم من ذلك ، فلمّا تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضبت
عليها نساء قريش وهجرنها ، وقلن لها : خطبكِ أشراف قريش و اُمراؤهم فلم تتزوّجي أحداً
منهم وتزوجتِ محمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فكيف يجوز في نظر أهل الفهم أن تكون
خديجة يتزوّجها أعرابي من تميم وتمتنع من سادات قريش وأشرافها على ما وصفناه ؟
ألا يعلم ذوو التمييز والنظر أنّه من أبين المحال وأفظع المقال ، ولما وجب هذا عند ذوي
التحصيل ثبت أنّ خديجة لم تتزوّج غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ثم قلت لمن يجادلني منهم على هذه الحالة : وليس ما ذهب عنكم وجهلتموه من معرفة
جدّتكم أهي خديجة أم اُختها هالة بأعجب مما قد لحقَ ولد الحسين عليهم السلام من الإختلاف في
نسبهم ، الذي هو أشرف الأنساب وأجل الأحساب في الدنيا وأرجاها سعادة في الآخرة ، فلم
يمنعهم شرفه وجلالته وعظم قدره من اختلافهم فيه على فرقتين ، وذلك أن عقب الحسين عليه السلام
من ابنه علي بن الحسين عليه السلام ، وكان للحسين عليه السلام ابنان يسمّى كل واحد منهما بعلي ، إلى آخر ما
نقلناه في ترجمة علي بن الحسين الأصغر ، إلى قوله على خلاف هذا القول الأوّل .
لينظر ذوو الفهم إلى هذا الإختلاف الذي وصفناه من ولد الحسين عليه السلام ، مع جلالة نسبهم
وعظم قدرهم في جميع ولد آدم وقربه من عدد الآباء ، فلم يكن فيهم من الحفظ لهذا النسب
العالي العظيم الشريف الذي يتمنّى جميع الناس أن يكونوا منه ، ولا يتمنّى أهله أن يكونوا من
أحد من أهل البرّيات ما يُحيطون بمعرفته على حقيقة حتى لا يجهلوا جدهم الذي ينتسبون
إليه ، أي الأخوين الأكبر أو الأصغر ، وإنّما أكثر ما بينهم وبينه من الآباء إلى عصرنا هذا ما بين
ستة آباء إلى سبعة ، فذهب عنهم أو عن أكثرهم معرفة مَن هم من ولده من الأخوين مع ما
وصفناه من قرب النسب وشرفه ، أتعجب أن يذهب على ولد هند بن أبي هند معرفته جدّتهم
حين جهلوها من الاُختين ، فلا يعرفونها أهي خديجة أم اُختها هالة .
(414)
هذا مع ما كان من سلفهم فيه من الرغبة والإفتخار والشرف على قومهم وغيرهم بمناسبة
رسول الله عليه السلام ، والقرابة من ذوي أرحام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فانتسب منتسبهم إلى خديجة ليثبت له
خؤلة ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، إمّا جهلاً من المنتسب الأوّل منهم بنسبه ، على ما وصفناه من جهل
أكثر ولد الحسين عليه السلام معرفة نسبهم في علي بن الحسين عليه السلام ، وذلك أحسن أحوال المنتسبين من
ولد هند إلى خديجة .
وإمّا قصداً منه وتعمّداً على معرفته بذلك طلباً للإفتخار لما وصفناه من الخؤلة لولد رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أنكر لدين الفاعل منهم ، وأدعى إلى كشف باطلهم عند ذوي المعرفة ، فاتبعه
على ذلك الخلف منهم فدرجوا على هذه الغاية ، فهم على جهلهم وضلالهم عن معرفة جدّتهم
من الاُختين خديجة أو هالة ، وهذا غير مستنكر عند ذوي الفهم من جهلهم ، وذلك لغلبة
الجهل على عوام الناس ، وقلّة معرفة كثير منهم بالأنساب وذوي الأحساب ، حتى أنّ اليمن
كلّها مجمعة في نسبهم إلى قحطان ، ثم يزعمون أن قحطان ابن عابر ، لا يدرون مَن وَلد عابر
حتى قالوا : إنّ عابر هو هود النبيّ عليه السلام .
وزعمت اليمن والناسبون من العوام أنّ إسماعيل بن ابراهيم تعلّم العربية من جرهم ، وهم
قبيلة من العرب من اليمن كانت نازلة بمكّة وحولها ، وقد ألّف ذلك من العامة في كتاب المبتدأ
وغيره من كتب أيام الناس وذكر الأنساب ، فأخرجوا بهذا القول الفاسد نبيهم اسماعيل بن
ابراهيم وولده من العرب ، وهم لا يعلمون بذلك أنّه جاز أن يكون إسماعيل بن ابراهيم تعلّم
العربية من قوم قد سبقون بالكلام منها ، ودرست على ذلك منهم قرون فصارت لهم في العربية
قبائل من قبل أولاد إسماعيل وغير اسماعيل ، فلم يكن أبوه إبراهيم من العرب ، وكان
ابراهيم عليه السلام بإجماع الفِرَق على غير لسان العرب ، ثم تعلّم اسماعيل ـ بزعمهم في ذلك ـ العربية
من العرب الذين سبقوه بلسان العربية من أولاد الأعاجم ، فهو عربي على هذا القياس وهذه
العلّة .
أو أنّ إسماعيل لم يكن عربياً إذ كان سبق إلى لسان العربية بزعمهم ، وإنّما تكلّم بلسان
العربية تعليماً ممّن سبقه إليه ، فيكون قائل هذا موجباً لإخراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العرب
(415)
مبطلاً لنسبه في العربية ، وكذلك جميع ولد اسماعيل ، وفي هذا الكفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم . فلمّا
وجدنا العرب في الجاهلية والإسلام لا يجعلون مَن تعلّم اللسان من ولد الأعاجم عربياً ، بطل
قول مَن زعم أنّ إسماعيل تعلّم العربية من اليمن ، إذ لو كان ذلك كذلك لوجب أن لا يكون
إسماعيل ولا أحد من ولده عربياً .
فقد بطل قول القائل بذلك ، وثبت قول علماء أهل البيت عليهم السلام إنّ أوّل مَن تكلّم بالعربية
إسماعيل بن ابراهيم عليه السلام ، وإنّ قحطان بن عابر من ولد إسماعيل ، وعابر تفسيره بلسان قوم هود
في زمن عاد هو هود ، فقدّر من وقف على ذلك أنّ هذا عابر ولد قحطان وهو هود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
فأخطأ ، وليس أحد من أهل اليمن اليوم ينتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
ولو قيل لهم ذلك أنكروا أشدّ نكراً ولعادوه أشدّ عداوة ، وهذا شهرته من منكرات العامّة
والجهل بالأنساب وغيرها ، إذ كانت علومهم مأخوذة من غير أولياء الله تعالى والأئمة من
الأنبياء والأوصياء الحافظين لعلم ما تقدّم وتأخّر ، وأنّ العامّة لتروي جميعاً أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
انتسب إلى معد ثم قال عند ذلك : « وكذب الناسبون » ، فلم يمنع ذلك العامّة أن تنسب رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام ؛ لأنّها اذا جاوزت في نسب الرسول ممّا انتسب إليه الرسول لم يخل حالهم في
ذلك من أن يكون ما قاله الرسول من تكذيب النسابين عندهم حقّاً أو يكون عندهم باطلاً .
فإن زعم زاعم أنّ الذي قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حقّ ، فقد شهد على نفسه وعلى جميع من تجاوز
في النسب جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستعمال الكذب واتباعه إيّاه استحساناً بينهم ، وكفى بذلك خزياً
وفضيحة .
وإن زعم زاعم منهم أنّ ما قاله الرسول عليه السلام من ذلك غير حقّ ، فقد كذبّ الرسول ولزمه
الكفر بغير خلاف ، ولا محيص لهم من أحد الوجهين . ولقد روينا من طريق علماء أهل
البيت عليهم السلام في أسرار علومهم التي خرجت عنهم إلى علماء شيعتهم أنّ قوماً ينتسبون إلى قريش
وليسوا هم من قريش في حقيقة النسب ، وهذا ممّا لا يجوز أن يعرفه إلاّ في معرفة معدن النبوة
وورثة علم الرسالة ، وذلك مثل بني اُميّة ذكروا أنّهم من قريش وليسوا من قريش ، وإنّ
(416)
أصلهم من الروم وفيهم تأويل هذه الآية : ( آلم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم
سيغلبون ) (1) ، معناه أنّهم غلبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنوالعباس .
وذلك أنّ العرب في الجاهلية إذا كان لأحد عبد فأراد أن ينسبه ويلحقه بنسبه فعل ذلك
وجاز عندهم ، وقد وجد ذلك من وجوه كريمة من العرب فيلحق بنسب مولاه ، فكان هذا من
سيرة العرب ، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزيد بن حارثة ، اشتراه من سوق عكاظ بمال
خديجة ، وكان زيد قد سرق من أبيه حارثة الكلبي فبيع في سوق عكاظ فاشتراه الرسول .
ولمّا أظهر الرسول الدعوة سارعت خديجة إلى الإسلام فسارع زيد أيضاً إليه ، فاستوهبه
الرسول من خديجة ليعتقه ، ففعلت خديجة ذلك ، فبلغ أباه خبره أنّه مع رسول الله بمكّة ، فأقبل
إلى مكة في طلبه ، وكان أبوه حارثة من وجوه بني كلب ، فصار إلى أبي طالب في جماعة من
العرب فاستشفع بهم إلى الرسول في أن يردّ عليه ابنه زيداً بعتق أو بيع ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : « زيد حرّ ، فليذهب أين شاء » .
فقال له أبوه : إلحق يا بني بقومك ونسبك وحسبك .
فقال زيد : ما كنتُ لأفارق رسول الله .
فجهد به أبوه وتلطّف له .
فقال : ما اُفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فقال أبوه : إني أتبرأ منك .
فقال له زيد : فذاك إليك .
فقال حارثة : يا معاشر قريش والعرب إني قد تبرّأت من زيد ، فليس هو إبني ولا أنا
أبوه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا معاشر قريش زيد ابني وأنا أبوه » ، فدعي زيد بن محمّد على
رسمهم الذي كانوا عليه في الجاهلية في أدعيائهم .
____________
1 ـ الروم : 1 ـ 2 .