ولا يخفى عليكَ عزيزي القاريء أنّ هناك امرأة اُخرى تكنّى باُم وهب حضرت يوم عاشوراء أيضاً ، وهي اُم وهب بنت عبد زوجة عبدالله بن عمير من بني عُليم ، وقد اشتبه البعض فعدّهما واحدة .

253 زينب الأنصاريّة
زينب امرأة ابن مسعود الأنصاري .
عدّها الشيخ الطوسي في كتاب الرجال من الصحابيات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : عدّها الشيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا ابن عبدالبر ملقّباً لها بالأنصاريّة ، ولابن مسعود بالأنصاريّ ، ولم استثبت حالها (2) .

254 زينب المخزوميّة
زينب بنت أبي سلمة عبدالله بن عبدالأسد بن هلال ، وتلقّب برّة .
ولدت بأرض الحبشة ، وكان أبوها هاجر باُم ها اُم سلمة إلى أرض الحبشة في الهجرتين ، فولدت له زينب هناك ، وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرّة بني أبي سلمة .
وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من زوجته اُم سلمة هند بنت أبي اُميّة سهيل زاد الركب بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
عدّها الشيخ رحمه الله في رجاله وابن عبدالبر وابن مندة وأبو نعيم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت من أفقه نساء زمانها ، وعمّرت عمراً طويلاً .
وكان أبو سلمة قد خرج إلى اُحد مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فرُمي بسهم في عضده ، فداواه فبريء ، ثم انتقض عليه فمات منه في اليوم الثامن من شهر جمادي الآخرة في السنة الرابعة للهجرة .
____________
1 ـ رجال الشيخ : 33 .
2 ـ تنقيح المقال 3 : 78 ، وانظر : مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 7 : 132 ، رياحين الشريعة 4 : 304 ، معجم رجال الحديث 23 : 190 .

(432)

فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أواخر شهر شوال من نفس السنة .
وكانت زينب كاُمّها اُم سلمة من أخلص الناس في ولاء أميرالمؤمنين علي عليه السلام ، وقصة اُم سلمة مع عائشة لمّا أرادت الخروج إلى البصرة معروفة ، ذكرناها في ترجمة اُم سلمة . وكذلك خبرها يوم تزويج الزهراء عليه السلام معروف ، ولمّا ولي أميرالمؤمنين عليه السلام الخلافة ولّى ابنها عمر بن أبي سلمة (1) .
في مقاتل الطالبيين : لمّا أتى عائشة نعي أميرالمؤمنين عليه السلام تمثّلت :
فألقَت عَصاها واستقرّت بها النوى * كمـا قـرّ عينـاً بـالإيـاب المسافر
فقالت لها زينب بنت اُم سلمة : ألعليّ تقولين هذا ؟
فقالت : إذا نسيتُ فذكّروني ، ثم تمثّلت :
ما زالَ إهداء القصائد بيننا * بـاسم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأنّ قولك فيهم * في كلّ مجتمع طنين ذباب (2)
وذكرها أيضاً ابن سعد في الطبقات ، والطبري وابن الأثير في تأريخهما (3) .

255 زينب العطّارة الحولاء
راوية للحديث ، عدّها البرقي من الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (4) .
وروى محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبدالرحمان ابن أبي نجران ، عن صفوان ، عن خلف بن حمّاد ، عن الحسين بن زيد الهاشمي ، عن أبي
____________
1 ـ انظر : رجال الشيخ : 33 ، مجمع الرجال 7 : 174 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، رجال أبو علي : 369 ، تنقيح المقال 3 : 78 ، رياحين الشريعة 4 : 303 ، أعيان الشيعة 7 : 132 ، الاستيعاب 4 : 317 ، ذيل المذيل للطبري : 72 .
2 ـ مقاتل الطالبيين : 42 .
3 ـ الطبقات الكبرى 3 : 40 ، تأريخ الطبري 5 : 150 ، الكامل في التأريخ 3 : 394 .
4 ـ رجال البرقي : 61 . وانظر : تكملة الرجال 2 : 749 ، تنقيح المقال 3 : 80 ، رياحين الشريعة 4 : 181 ، معجم رجال الحديث 23 : 191 .

(433)

عبدالله عليه السلام قال :
« جاءت زينب العطّارة الحولاء إلى نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبناته ، وكانت تبيع منهن العطر ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي عندهن فقال : إذا أتيتينا طابت بيوتنا .
فقالت : بيوتكَ بريحكَ أطيب يا رسول الله .
قال : إذا بعتِ فأحسني ، فلا تغشّي فإنّه أتقى وأبقى للمال .
فقالت : يا رسول الله ما أتيتُ بشيء من بيعي ، وإنّما أتيت أسألك عن عظمة الله عزَّوجلَّ .
فقال : جلَّ جلال الله ، ساُحدثِك عن بعض ذلك ، ثم قال : إنّ هذه الأرض بمن عليها عند التي تحتها كحلقـة ملقاة في فـلاة قيّ ، وهاتان بمن فيهما ومَن عليهمـا عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والثالثة حتى انتهى إلى السابعة وتلا هذه الآية : ( سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ) (1) .
والسبع الأرضين بمن فيهن ومَن عليهن على ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والديك له جناحان ، جناح في المشرق وجناح في المغرب ، ورجلاه في التخوم ، والسبع والديك بمن فيه ومَن عليه على الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والصخرة بمن فيها ومَن عليها على ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والسبع والديك والصخرة والحوت بمن فيه ومَن عليه على البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والسبع والديك والصخرة والبحر المظلم على الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء على الثرى كحلقة ملقاة في فلاة قيّ ، ثم تلا هذه الآية : ( له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) (2) ، ثم انقطع الخبر عند الثرى .
والسبع والديك والصخرة والحوت والبحر المظلم والهواء والثرى بمن فيه ومَن عليه عند السماء الاُولى كحلقة في فلاة قيّ ، وهذا كلّه وسماء الدنيا بمن عليها ومَن فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قيّ ، وهاتان السماءآن ومن فيهما ومَن عليهما عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قيّ ،
____________
1 ـ الطلاق : 12 .
2 ـ طه : 6 .

(434)

وهذه الثلاثة بمن فيهنّ ومَن عليهنّ عند الرابعة كحلقة في فلاة قيّ ، حتى انتهى إلى السابعة ، وهنّ ومَن فيهنّ ومَن عليهنّ عند البحر المكفوف عند أهل الأرض كحلقة في فلاة قيّ ، وهذه السبع والبحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قيّ ، وتلا هذه الآية : ( وينزّل من السماء من جبال فيها من برد ) (1) .
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فـلاة قيّ ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبـال البرد والهواء عند حجـب النور كحلقة في فلاة قيّ ، وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قيّ ، ثم تلا هذه الآية : ( وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ) (2) .
وهذه السبع والبحر المكفوف وجبال البرد والهواء وحجب النور والكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قيّ ، وتلا هذه الآية : ( الرّحمن على العرش استوى ) (3) . وفي رواية الحسن : الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب (4) .
256 زينب العقيليّة
زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب .
قال ابن الأثير في تأريخه : لمّا دخل البشير على عمرو بن سعيد ، فقال : ما وراءك ؟
قال : ما سرّ الأمير ، قتل الحسين بن علي!!! .
فقال : نادِ بقتله ، فنادى ، فصاح نساء بني هاشم ، وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها حاسرة تلوي ثوبها وهي تقول :
____________
1 ـ النور : 43 .
2 ـ البقرة : 255 .
3 ـ طه : 5 .
4 ـ الكافي 8 : 153 حديث 143 .

(435)

ماذا تقولونَ إنْ قـالَ النبـيُّ لكـم * مـاذا فَعلتـمْ وأنتمْ آخـرَ الاُمَـمِ
بـعترتـي وبأهلـي بـعدَ مُفتَقَدي * منهم اُسارى وقتلـى ضُرّجوا بدَمِ
ما كان هـذا جزائي إذْ نصحتُ لكم * أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي
فلما سمع عمر أصواتهن ضحكَ وقال :
عجّت نساءُ بني زيـادٍ عجّةً * كعجيج نسوتنا غداة الأرنبِ
والأرنب : وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من الحارث بن كعب ، وهذا البيت لعمر بن معدي كرب . ثم قال : واعية كواعية عثمان (1) .
وذكر ذلك الطبري في تأريخه ، إلاّ أنّه ذكر البيتين الأولين فقط (2) .
وقال ابن شهر آشوب في المناقب : لما قُتل الحسين عليه السلام خرجت أسماء بنت عقيل تنوح وتقول :
ماذا تقولون إنْ قـالَ النبـيُّ لكـم * يومَ الحسابِ وصدقِ القول مسموعُ
خَـذَلْتـم عِتـرتـي أو كنتُمُ غـيباً * والحقُّ عندَ وَلـيِّ الأمرِ مـجموعُ
أسلَمتُمـوه بـأيدي الظالمينَ فمـا * مـنكم لـه اليـوم عندَ الله مشفوعُ
ما كان عَنه غَداة الطف إذ حضروا * تلكَ المنـايا ولا عنهـن مدفوعُ (3)
وذكر ابن كثير في تأريخه عين الأبيات المذكورة أعلاه ، ثم قال : وقد روى أبو مخنف عن سلمان بن أبي راشد ، عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود : إنّ بنت عقيل هي التي قالت هذا الشعر . وهكذا حكى الزبير بن بكار : إنّ زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب هي التي قالت حين دخل آل الحسين المدينة النبوية . وروى أبو بكر الأنباري بإسناده : إنّ زينب بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ، وهي زوج عبدالله بن جعفر اُم بنيه رفعت خباءها يوم كربلاء
____________
1 ـ الكامل في التأريخ 4 : 88 .
2 ـ تأريخ الطبري 5 : 466 .
3 ـ مناقب آل أبي طالب 4 : 116 .

(436)

يوم قتل الحسين وقالت هذه الأبيات ، فالله أعلم (1) .

257 زينب الكبرى
بنت أميرالمؤمنين وسيّد الموحّدين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
اُمّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، الطهر الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، بنت فخر الاُمّة وسيّدها ونبيّها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم .
وهي الصديقة الكبرى ، عقيلة بني هاشم ، العالِمة غير المعَلّمة ، والفَهمة غير المفهّمة ، عاقلة ، لبيبة ، جزلة ، كانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى و اُمّها الزهراء سلام الله عليها .
اتصفت سلام الله عليها بمحاسنها الكثيرة ، وأوصافها الجليلة ، وخصالها الحميدة ، وشيمها السعيدة ، ومفاخرها البارزة ، وفضائلها الطاهرة .
ولدت سلام الله عليها قبل وفاة جدّها صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتزوّجت من ابن عمّها عبدالله بن جعفر ، فولدت له محمّداً وعليّاً وعباساً و اُم كلثوم وعون .
حدّثت عن اُمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وأسماء بنت عميس .
وروى عنها محمّد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الحسين عليه السلام ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وعبّاد العامري .
عُرفت سلام الله عليها بكثرة العبادة والتهجّد ، شأنها في ذلك شأن أبيها و اُمّها وجدّها ، وشأن أهل البيت جميعاً عليهم السلام . يُنقل عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله : « ما رأيتُ عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر » ، أي أنّها سلام الله عليها ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبة حتى في تلك الليلة الحزينة التي فَقدت فيها كلّ عزيز ، ولاقَت مالاقت في
____________
1 ـ البداية والنهاية 8 : 198 . وانظر : شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار 13 : 43 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 76 ، مقتل الحسين عليه السلام للسيد ابن طاووس : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 305 ، رياحين الشريعة 3 : 346 .
(437)

ذلك اليوم من مصائب ، حتى أنّ الحسين عليه السلام عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها : « يا اُختاه لا تنسيني في نافلة الليل » .
وذكر بعض أهل السِير أنّ العقيلة زينب سلام الله عليها كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء (1) .
وليس هذا بمستكثر عليها ، فقد نزل القرآن في بيتها ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ، وخليق بامرأة عاشت في ظلال أصحاب الكساء ، وتأدّبت بآدابهم ، وتعلّمت من علومهم أن تكون لها هذه المنزلة السامية .
ونحن إذا تأملنا كلمة الإمام زين العابدين عليه السلام لها : « أنتِ بحمدِ الله عالِمة غير معلّمة ، وفَهمة غير مفهّمة » أدركنا سموّ منزلتها العلميّة .
وإن لم تكن سلام الله عليها في عداد المعصومين ، لكنّها في درجة قريبة من العصمة؛ لأنّ مَن كان جدّها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبوها علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، و اُمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وأخواها الحسن والحسين سلام الله عليهما ، فلا شكّ أنّ تغرّ العلم غرّاً ، وما صدر منها في مأساة الطف أكبر شاهد على علوّ منزلتها وسموّها وقربها من العصمة .

مصائبها :
تسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها اُم ّالمصائب ، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك؛ فقد شاهدت مصيبة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومحنة اُمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها ثم وفاتها ، وشاهدت مقتل أبي ها الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ثم شاهدت محنة أخيها الحسن سلام الله عليه ثم قتله بالسم .
وشاهدت أيضاً المصيبة العظمى ، وهي قتل أخيها الحسين عليه السلام وأهل بيته ، وقتل ولديها عون ومحمّد مع خالهما أمام عينها .
____________
ـ سفينة البحار 1 : 558 .
(438)

وحُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ، واُدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال ، وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسّة أصله من الكلام الخشن الموجع ، واظهار الشماتة الممضّة .
وحُملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق ، حتى دخلوا دمشق على هذه الحالة ، واُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقيّدون بالحبال .
قال المفيد : فرأى هيئة قبيحة وأظهر السخط على ابن زياد ، ثمّ أفرد لهنّ ولعلي بن الحسين داراً وأمر بسكوتهم ، وقال لزين العابدين : كاتبني من المدينة في كلّ حاجة تكون لك . ولمّا عادوا أرسل معهم النعمان بن بشير ، وأمر أن يرفق بهم في الطريق . ولمّا غزا جيشه المدينة أوصى مسرف بن عقبة بعلي بن الحسين عليهما السلام ، وذلك لِما رأى من نقمة الناس عليه ، فأراد أن يتلافى ما فرط منه ، وهيهات كما قال الشريف الرضي :
وودّ أن يَتلافى ما جَنت يَده * وكانَ ذلكَ كَسراً غير مجبور
وكان لزينب سلام الله عليها في وقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات ، وفي المواطن كلّها .
فهي التي كانت تمرّض العليل ، وتراقب أحوال أخيها الحسين عليه السلام ، وتخاطبه وتسأله عند كلّ حادث .
وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال ، وتقوم في ذلك مقام الرجال .
وهي التي دافعت عن زين العابدين عليه السلام لمّا أراد ابن زياد قتله ، وخاطبته بما ألقمته حجراً ، حتى لجأ إلى مالا يلجأ إليه ذو نفس كريمة .
وبها لاذت فاطمة بنت الحسين عليه السلام وأخذت بثيابها ، لمّا قال الشامي ليزيد : هب لي هذه الجارية . فخاطبت يزيد بما فضحه ، حتى لجأ إلى ما لجأ إليه ابن زياد .
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة بعبدالله بن جعفر ، فاختارت صُحبة أخيها على البقاء عند زوجها ، وزوجها راضٍ بذلك مُبتهج به ، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ، ففعلا حتى قُتلا . وحقَّ لها ذلك ، فمَنْ كان لها أخ مثل الإمام الحسين عليه السلام ،


(439)

وهي بهذا الكمال الفائق ، لا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها (1) .

مع الحسين عليه السلام في نهضته :
يُسجل التأريخ بكلّ فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيّدة زينب سلام الله عليها في يوم عاشوراء ، حتى أنّها أصبحت شريكة الحسين عليه السلام في نهضته ، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف وتجاهل مواقف عقيلة الهاشميين ، ونحن نذكر هنا بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم الحزين؛ وفاءً لها ولصمودها في وجوه أعداء آل البيت عليهم السلام .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : روى ابن طاووس أنّ الحسين عليه السلام لمّا نزل الخزيمة أقام بها يوماً وليلة ، فلمّا أصبح أقبلت إليه اُخته زينب فقالت : يا أخي ألا اُخبرك بشيء سمعته البارحة ؟
فقال الحسين عليه السلام : « وما ذاك ؟ » .
فقالت : خرجتُ في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفاً يهتف ويقول :
ألا يا عين فاحتفلي بجهـد * ومَن يبكي على الشهداء بعدي
على قومٍ تسوقهم المنـايا * بمقـدار إلـى انـجاز وعـدِ
فقال لها الحسين عليه السلام : « يا اُختاه كلّ الذي قضى فهو كائن » (2) .
وقال المفيد : لمّا كان اليوم التاسع من المحرم زحف عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام بعد العصر ، والحسين عليه السّلام جالس أمام بيته محتبٍ بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ، فسمعت اُخته الضجّة ، فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟
فرفع الحسين رأسه فقال : « إنّي رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الساعة في المنام ، فقال لي : إنّكَ تروح نا » ، فلطمت اُخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسين : « ليس لك الويل يا
____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 137 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 34 .

(440)

اُختاه ، اسكتي رحمك الله » (1) .
والمراد باُخته في هذه الرواية هي زينب بلا ريب؛ لأنّها هي التي كانت تراقب أحوال أخيها في كلّ وقت ساعة فساعة ، وتتبادل معه الكلام فيما يحدث من الاُمور والأحوال .
وقد روى ابن طاووس هذه الرواية مع بعض الزيادة ، وصرّح بأنّ اسمها زينب ، فقال : فسمعت اُخته زينب الضجّة . . . . إلى أن قال : فلطمت زينب وجهها وصاحت ونادت بالويل ، فقال لها الحسين عليه السلام : « ليس لكِ الويل يا اُخيّة ، اسكتي رحمك الله لا تشمتي القوم بنا » (2) .
وقال ابن الأثير في تأريخه : نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسعٍ مضين من المحرم بعد العصر ، والحسين جالس أمام بيته مُحتبياً بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبته ، وسمعت اُخته زينب الضجّة فدنت منه فأيقظته فرفع رأسه فقال : « إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال : إنكَ تروح إلينا » ، فلطمت اُخته وجهها وقالت : يا ويلتاه ، قال : « ليس لكِ الويل يا اُخيّة ، اسكتي رحمك الله » (3) .
وقال الشيخ المفيد رحمه الله : قال علي بن الحسين عليهما السلام : « إنّي لجالس في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تُمرّضني ، إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري ، وهو ـ أي جوين ـ يعالج سيفه ويصلحه و أبي يقول :
يا دهر اُفٍ لكَ مـن خليلِ * كَمْ لكَ بالإشراقِ والأصيـلِ
مِن صاحبٍ أو طالبٍ قَتيلِ * والـدهرُ لا يقنـعُ بـالبديلِ
وإنّما الأمرُ إلـى الجليـلِ * وكلُّ حـيّ سـالكِ سبيلـي
فأعادها مرّتين أو ثلاثة حتى فهمتها وعرفتُ ما أراد ، فخنقتني العبرة فردّدتها ولزمت السكوت ، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فإنّها لمّا سمعت ـ وهي امرأة ، ومن شأن النساء الرقة والجزع ـ فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وأنّها لحاسرة حتى انتهت إليه
____________
1 ـ الارشاد : 230 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 38 .
3 ـ الكامل في التأريخ 4 : 58 .

(441)

فقالت :
واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت اُمّي فاطمة و أبي علي وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين .
فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها : يا اُخيّة لا يذهبنَّ بحلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو تُركَ القطا يوماً لنام .
فقالت : يا وليتاه ، أفتغتصب نفسكَ اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي ، ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها .
فقام إليها الحسين وصبّ على وجهها الماء وقال لها : إيهاً يا اُختاه اتّقِ الله وتعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، إلى أن قال : فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا اُخيّة إني أقسمت عليك فأبري قسمي ، لا تشقي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت ، ثم جاء بها حتى أجلسها عندي » (1) .
وروى ابن طاووس هذا الخبر بنحو ما رواه المفيد ، وصرّح باسم اُخته زينب وزاد في الأبيات : ( ما أقرب الوعد من الرحيل ) ، قال : فسمعت اُخته زينب بنت فاطمة عليها السلام ذلك فقالت : يا أخي هذا كلام مَن أيقن بالقتل ، فقال : « نعم يا اُختاه » ، فقالت زينب : واثكلاه . . . . . (2) .
وذكر هذه الأبيات ابن الأثير في الكامل في التأريخ (3) .
وذكر ابن طاووس : أنّ الحسين عليه السلام خاطب النساء وفيهنّ زينب و اُم كلثوم فقال : « انظرن إذا أنا قُتلت فلا تشققنَّ عليّ جيباً ، ولا تَخمشنَّ عليّ وجهاً ، ولا تقلنَّ هجراً » (4) .
____________
1 ـ الارشاد : 232 .
2 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 33 .
3 ـ الكامل في التأريخ 4 : 56 .
4 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 34 .

(442)

وقال المفيد رحمه الله : لما قُتل علي بن الحسين الأكبر ، خرجت زينب اُخت الحسين مسرعة تنادي : يا حبيباه ويا ابن اُخياه ، وجاءت حتى أكبّت عليه ، فأخذ الحسين برأسها فردّها إلى الفسطاط (1) .
وقال ابن الأثير : حملَ الناس على الحسين عن يمينه وشماله ، فحملَ على الذين عن يمينه فتفرّقوا ، ثم حملَ على الذين عن يساره فتفرّقوا ، فما رؤي مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه ، إذ كانت الرجّالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، فبينما هو كذلك إذ خرجت زينب وهي تقول : ليتَ السماء أطبقت على الأرض ، وقد دنا عمر بن سعد فقالت : يا عمر أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر ، فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته ، وصرف وجهه عنها (2) .
وقال السيّد ابن طاووس : لمّا كان اليوم الحادي عشر بعد قتل الحسين عليه السلام حملَ ابن سعد معه نساء الحسين وبناته وأخواته فقال النسوة : بحقّ الله إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين ، فمرّوا بهنّ على المصرع ، فلمّا نظر النسوة إلى القتلى ، فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب :
يا محمّداه ، صلّى عليك مليك السماء ، هذا حسينك مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا . إلى الله المشتكى ، وإلى محمّد المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى فاطمة الزهراء ، وإلى حمزة سيّد الشهداء . يا محمّداه ، هذا حسين بالعراء تسفي عليه ريح الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، واحزناه واكرباه عليك يا أبا عبدالله ، اليوم ماتَ جدّي رسول الله ، يا أصحاب محمّد هؤلاء ذريّة المصطفى يُساقون سوق السبايا .






وفي بعض الروايات :
____________
1 ـ الإرشاد : 243 .
2 ـ الكامل في التأريخ 4 : 77 .

(443)

وامحمّداه ، بناتكَ سبايا ، وذريّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والردا ، بأبي مَن أضحى عسكره يوم الإثنين نهباً ، بأبي مَن فسطاطه مقطع العرى ، بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيداوى ، بأبي مَن نفسي له الفداء ، بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى ، بأبي مَن شيبته تقطر بالدماء ، بأبي مَن جده رسول إله السما ، بأبي مَن هو سبط نبي الهدى ، بأبي محمّد المصطفى ، بأبي خديجة الكبرى ، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء ، بأبي مَن ردّت له الشمس حتى صلّى ، فأبكت والله كلّ عدوٍّ وصديق (1) .








ولها مع زين العابدين سلام الله عليهما أكثر من موقف ، نراها تعزّيه تارة وتصبّره ، وتارة تحافظ عليه من القتل حينما أراد ابن زياد قتله . وعندما شاهدت جزعه عليه السلام قالت له : مالي أراكَ تجود بنفسك يا بقيّة جدي و أبي واخوتي ؟
فقال عليه السلام :
« وكيف لا أجزع وأهلع ، وقد أرى سيّدي واُخوتي وعمومتي وولد عمّي مصرّعين بدمائهم ، مرمّلين بالعراء ، مسلّبين ، لا يكفّنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر » .




فقالت عليها السلام :
لا يجزعنك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جدك و أبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق اُناس من هذه الاُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الاُمّة ، وهم معروفون في أهل السماوات ، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة ، وينصبون بهذا الطف علماً





____________
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام : 55 .
(444)

لقبر أبيك سيّد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد إلاّ ظهوراً ، وأمره إلاّ علواً (1) .



وعندما استعرض ابن زياد آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وسأل عن كلّ فردٍ منهم ، واستغرب في وجود الإمام زين العابدين عليه السلام من بين آل الحسين عليه السلام حيّاً ، وقد سبقه النبأ من ابن سعد أنّه اجتاحهم ، فسأله : مَن أنت ؟
فقال عليه السلام : أنا علي بن الحسين .
فقال : أليس قد قتلَ الله علي بن الحسين .
فقال عليه السلام : كان لي أخ يسمّى عليّاً قتله الناس .
فقال ابن زياد : بل الله قتله .
فقال عليه السلام : الله يتوفّى الأنفس حين موتها .
فغضب ابن زياد وقال : وبكَ جرأة لجوابي ، وفيكَ بقيّة للردّ عليّ ، اذهبوا به فاضربوا عنقه . فتعلّقت به عمّته زينب ، وقالت : يا ابن زياد حسبكَ من دمائنا ، واعتنقته وقالت : لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه .
فنظر ابن زياد إليها ثم قال : عَجباً للرحم ، إنّي لأظنّها ودّت انّي قتلتها معه ، دعوه فإني أراه لما به (2) .
وحينما سأل ابن زياد عن زينب سلام الله عليها ، ولم يكن يعرفها ، قيل له : هذه زينب بنت أميرالمؤمنين .
فقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم .
فقالت سلام الله عليها :
الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما


____________
1 ـ كامل الزيارات : 263 .
2 ـ الإرشاد : 244 .

(445)

يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا .


قال : كيفَ رأيتِ فعلَ الله بأهل بيتك ؟
فقالت عليها السلام :
ما رأيتُ إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كَتبَ الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينكَ وبينهم فتُحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذٍ ، ثكلتكَ اُمك يابن مرجانة .



فغضب ابن زياد واستشاط من كلامها معه في ذلك المحتشد ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، فلا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تلام على خطل .
فالتفت إليها ابن زياد وقال : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك .
فقالت عليها السلام :
لعمري لقد قتلتَ كهلي ، وأبدتَ أهلي ، وقطعتَ فرعي ، واجتثثتَ أصلي ، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيت (1) .



خُطَبها :
لقضية الحسين عليه السلام جانبان :
الأوّل : جانب التضحية والفداء ، والقتال في سبيل الله تعالى ، والصبر على البلاء ، وقد وقع هذا الجانب على الرجال ، على الحسين عليه السلام ، وأهل بيته ، وأصحابه ، فصبروا وقاتلوا مقتدين بقول سيّدهم : « لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا اقرّ لكم إقرار العبيد » .
الثاني : جانب التبليغ : وتعريف الاُمّة بحقيقة الأمر ، وقد وقع الكاهل الأعظم من هذا الجانب على نساء أهل البيت عليهم السلام ، وبالأخص زينب سلام الله عليها . فبالإضافة لِما مرّ من كلامها في كربلاء والكوفة والشام ، وأثناء الوقائع والأحداث ، لها خطبتان مشهورتان في
____________
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 423 .
(446)

الكوفة والشام .

خطبتها في الكوفة :
قال حذيم الأسدي : لم أر والله خفرة قط أنطق منها ، كأنّها تنطق وتفرغ عن لسان علي عليه السلام ، وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا ، فارتدّت الأنفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت بعد حمد الله تعالى ، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم :
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر والخذل ، أتبكون!! فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الزفرة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، هل فيكم إلاّ الصلف والعجب والشنف والكذب وملق الاماء وغمز الأعداء ، أو كمرعىً على دمنة ، أو كقصة على ملحودة ، ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم ، أن سخط الله عليكم وفيالعذاب أنتم خالدون .
أتبكون أخي ؟ ! أجل والله فابكوا فإنكم أحرى بالبكاء ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ، فقد ذهبتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ، ولن ترحضوها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقر سلمكم ، وأسى كلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ، ومدرة حججكم ، ومنار محجتكم .
ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعساً تعساً ، ونكساً نكساً ، لقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .
أتدرون ويلكم أيّ كبدٍ لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم فريتم ؟ ! وأيّ عهد نكثتم ؟ ! وأيّ كريمة له أبرزتم ؟ ! وأيّ حرمة له هتكتم ؟ ! وأيّ دم له سفكتم ؟ ! لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السماوات يتفطّرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّاً . لقد

















(447)

جئتم بها شوهاء ، صلعاء ، سوداء ، فقماء ، فرقاء ، كطلاع الأرض أو ملء السماء .
أفعجبتم أن تمطر السماء دماً ، ولعذاب الأخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه عزّ وجلَّ لا يحفزه البدار ، ولا يخشى عليه فوات الثأر ، كلا إنّ ربك لبالمرصاد .




ثم أنشأت تقول :
ماذا تقولون إذ قـال الـنبيّ لـكم * ماذا صَنعتـم وأنتـم آخـر الاُمـمِ
بـأهلِ بيتـي وأولادي وتكرمتـي * مـنهم اُسارى ومـنهم ضرّجوا بدمِ
ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لـكم * أن تخلفونـي بسوء في ذوي رحمي
إنّي لأخشـى عليكم أن يـحلّ بكم * مثل العذاب الذي أودى على ارم (1)
قال حذيم : فرأيتُ الناس حيارى قد ردّوا أيديهم في أفواههم ، فالتفتُ إلى شيخ في جانبي يبكي وقد اخضلّت لحيته بالبكاء ، ويده مرفوعة إلى السماء وهو يقول : بأبي أنتم و اُمي ، كهولهم خير كهول ، ونساؤهم خير نساء ، وشبابهم خير شباب ، ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم ، ثم أنشد :
كهولهم خير الكهـول ونسلـكم * إذا عدّ نسل لا يبور ولا يخزى (2)

____________
1 ـ في بعض المصادر لم ترد هذه ال أبي ات ضمن الخطبة .
2 ـ الإحتجاج 2 : 31 .