خطبتها في الشام :
لما سمعت زينب بنت علي عليهما السلام يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعري :
ليتَ أشياخي ببدرٍ شهـدوا * جزع الخزرج من وقـع الأسل
لأهلّـوا واستهلـوا فرحـاً * ثـم قالـوا يـا يـزيد لا تشل
قد قتلنا القوم مـن سادتهم * وعـدلنـاه ببـدر فـاعتـدل
لعبت هـاشم بـالملك فـلا * خبـر جـاء ولا وحـي نـزل
لستُ من خندف إن لم أنتقم * مـن بني أحمد مـا كان فعـل
قالت : الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق
الله سبحانه حيث يقول : ( ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذّبوا بآيات الله
وكانوا بها يستهزؤون ) (1) ، أظننتَ يا يزيد حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض
وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تساق الاُسارى ، أنّ بنا على الله هواناً
وبكَ عليه كرامة ، وأنّ ذلك لِعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفكَ ، ونظرتَ
في عطفك جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والاُمور
متّسقة ، وحين صفا لكَ ملكنا وسلطاننا . مهلاً ، أنسيتَ قول الله تعالى :
( ولا تحسبن الذين كفروا إنّما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثماً
ولهم عذاب مهين ) (2) .
أمنَ العدلِ يا ابن الطلقاء تخديركَ حرائركَ وإماءكَ وسوقكَ بنات رسولِ
الله سبايا ، قد هُتكت ستورهنّ واُبديت وجوههنّ ، تحدو بهنّ الأعداء من
بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب
والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهنَّ من حماتهنّ حميّ ، ولا من
____________
1 ـ الروم : 10 .
2 ـ آل عمران : 178 .
(449)
رجالهنّ ولي ، وكيف يرتجي مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، ونبت لحمه
من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت مَن نظر الينا
بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ، ثم تقول غير متأثّم ولا مستعظم :
لأهلّوا واستهلوا فرحاً * ثم قالوا يا يزيد لا تشل
منحنياً على ثنايا أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك ،
وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك
دماء ذرية محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونجوم الأرض من آل عبدالمطلب ، وتهتف
بأشياخك ، وزعمتَ أنّكَ تناديهم ، فلتردنّ وشيكاً موردهم ، ولتودنّ أنّكَ
شللت وبكمت ولم تكن قلتَ ما قلت وفعلتَ ما فعلت .
اللهم خُذ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، وأحلل غضبكَ بمن سفكَ دماءنا
وقتلَ حُماتنا . فوالله ما فريت إلاّ جلدكَ ، ولا خززتَ إلاّ لحمكَ ، ولتردنّ على
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في
عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم ( ولا
تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .
وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمّد صلّى الله عليه وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً ،
وسيعلم من سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً ،
وأيكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً . ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إنّي
لأستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، ولكنّ العيون
عبرى والصدور حرّى .
ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ،
فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا . وتلك الجثث
____________
1 ـ آل عمران : 169 .
(450)
الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفِّرها اُمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا
مغنماً لتجدّنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك ، وما ربك
بظلام للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعوّل .
فَكِدْ كيدكَ ، واسعَ سعيكَ ، وناصب جهدكَ ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت
وحينا ، ولا يرحض عنكَ عارها . وهل رأيكَ إلاّ فند ، وأيامكَ إلاّ عدد ،
وجمعكَ إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين ، والحمد لله
ربّ العالمين ، الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة
والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن
علينا الخلافة إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فقال يزيد :
يـا صيحةً تُحمدُ مِن صوائِح * ما أهون النوحِ على النوائحِ (1)
استجابة دعائها :
قد استجاب الله عزّ وجلَّ دعاء العقيلة زينب سلام الله عليها في يوم عاشوراء مرّات
عديدة ، كيف لا وهي المظلومة المهضومة المسبية ، وقد عرفنا أنّ دعوة المظلوم أنفذ من
السهم ، ونذكر هنا بعضاً من المواقف التي استجاب الله دعاءها سلام الله عليها :
( 1 ) روى أهل المقاتل : أنّ شامياً تعرّض لفاطمة بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعت عليه
زينب سلام الله عليها بقولها : قطع الله لسانكَ ، وأعمى عينيكَ ، وأيبس يديكَ . فأجاب الله
دعاءها في ذلك ، فقالت سلام الله عليها : الحمدُ لله الذي عجّل لك بالعقوبة في الدنيا قبل
الآخرة (2) .
( 2 ) ان امرأة في الكوفة تسمّى ( اُم حجام ) أهانت رأس الحسين عليه السلام عند المرور به على
____________
1 ـ الاحتجاج 2 : 34 ، مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم : 64 .
2 ـ زينب الكبرى : 66 .
(451)
قصرها ، فدعت زينب على قصرها بالهجوم ، فوقع القصر في الحال وهلك مَن فيه ، وكانت
هذه المرأة الخبيثة من نساء الخوارج (1) .
( 3 ) ودعت على رجلٍ سلبهم في كربلاء ، فقالت عليها السلام : قطعَ الله يديكَ ورجليكَ وأحرقكَ
الله بنار الدنيا قبل نار الآخرة . فوالله ما مرّت الأيام حتى ظهر المختار وفعل به ذلك ثم أحرقه
بالنار (2) .
شعرها :
للعقيلة شأن أسمّى من الشعر وأرفع من الأدب ، فهي العالمة غير المعلّمة ، وهي التي تُفسر
القرآن الكريم لجماعة النسوة ، ولها مجلس لتعليم الفقه ، لكنّ مأساة كربلاء ، وما تلاها من
مشاهد الحزن والأسى ، جعلتها تنفّس عن آلامها برثاء أخيها الشهيد ، ولعلّها كانت تستهدف
بهذه المراثي غايةً أهم من الرثاء ، وهي تعرية الظالمين ، والنيل منهم والتحريض عليهم (3) .
نذكر هنا بعض أشعارها التي عثرنا عليها :
( 1 ) لمّا رأت رأس الحسين عليه السلام قالت :
يـا هلالاً لمّا استتم كـمالا * غـاله خسفه فأبدى غروبا
ما توهّمت يا شقيق فؤادي * كـان هذا مقدّراً مكتوبا (4)
( 2 ) ولها عليها السّلام في رثاء الحسين عليه السلام :
علـى الطـف السّلام وسـاكنيه * وروح الله فــي تـلكَ القبـاب
نُفوسٌ قدّست في الأرض قـدساً * وقـد خُلقت مـن الـنطف العذاب
____________
1 ـ زينب الكبرى : 67 .
2 ـ تظلم الزهراء : 217 .
3 ـ زينب بنت علي عليه السلام لعلي دخيل : 62 .
4 ـ زينب الكبرى : 110 .
(452)
مَضاجعُ فتية عبدوا فنامـوا * هجـوداً في الفدافد والروابي
عَلتهم في مضاجعهم كعـاب * بـاردات مـنعّمـة رطــاب
وصيّرت القبور لهم قصوراً * منـاخاً ذات أفنية رحـاب (1)
( 3 ) قالت بعد خطبتها في الكوفة :
ماذا تقولون إذ قـال النبيّ لكـم * مــاذا صنعتـم وأنـتم آخـر الاُمم
بأهـل بيتـي وأولادي وتكرمتي * مـنهم اُسارى ومـنهم ضرّجوا بدم
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفـوني بسوء في ذوي رحمي
إنـي لأخشى عليكـم أن يحلّ بكم * مثل العذاب الذي أودى على إرم (2)
( 4 ) ولمّا رأت عليها السلام رأس أخيها بكت وأنشأت :
أتشهرونا فـي البريّة عنـوة * ووالدنـا أوحــى إليـه جـليل
كفـرتم بـربّ العرش ثم نبيّه * كـأن لم يجئكم في الزمان رسول
لحـاكم إله العرش يا شر اُمّة * لكم في لظى يوم المعاد عويل (3)
قبرها :
المشهور والمعروف لدى الناس أنّ قبرها سلام الله عليها في الشام ، في الموضع الذي تزوره
الناس الآن . لكن هنالك من نفى ذلك وقال : إنّ قبرها في مصر ، مثل العبيدلي النسابة المتوفّى
سنة 277هـ ، والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة .
روى العبيدلي عدّة روايات تؤيد كلامه في كتاب أخبار الزينبات :
قال : وحدّثني أبي ، قال : روينا بالإسناد المرفوع إلى علي بن محمّد بن عبدالله ، قال : لمّا
دخلتُ مصر في سنة 145هـ سمعتُ عسامة المعافري يقول : حدّثني عبدالملك بن سعيد
____________
1 ـ أدب الطف 1 : 236 .
2 ـ أدب الطف 1 : 336 . وقيل : إنّ هذه ال أبي ات ليس لها بل لغيرها ، وقد مرّت سابقاً .
3 ـ الإحتجاج 2 : 31 .
(453)
الأنصاري ، قال : حدّثني وهب بن سعيد الأوسي ، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأنصاري قال :
رأيتُ زينب بنت علي بمصر بعد قدومها بأيام ، فوالله ما رأيتُ مثلها ، وجهها كأنّه شقة قمر .
وبالسند المرفوع إلى رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهري ، قالت : كنتُ فيمَن استقبل زينب
بنت علي لمّا قدمت مصر بعد المصيبة ، فتقدّم إليها مسلمة بن مخلد وعبدالله بن الحارث
وأبوعميرة المزني ، فعزّاها مسلمة وبكى ، فبكيت وبكى الحاضرون ، وقالت : هذا ما وعد
الرحمن وصدق المرسلون ، ثم احتملها إلى داره بالحمراء ، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة
عشر يوماً وتوفّيت وشهدتُ جنازتها ، وصلّى عليها مسلمة بن مخلد في جمعٍ بالجامع ، ورجعوا
بها فدفنوها بالحمراء بمخدعها من الدار بوصيّتها .
حدّثني اسماعيل بن محمّد البصري ـ عابد مصر ونزيلها ـ ، قال : حدّثني حمزة المكفوف ،
قال : أخبرني الشريف أبو عبدالله القرشي ، قال : سمعتُ هند بنت أبي رافع بن عبيدالله بن رقيّة
بنت عقبة بن نافع الفهري تقول : توفّيت زينب بنت علي عشية الأحد لخمسة عشر يوماً
مضت من رجب سنة 62 من الهجرة ، وشهدتُ جنازتها ، ودفنت بمخدعها بدار مسلمة
المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف الزّهري (1) .
وناقش السيّد محسن الأمين هذه المسألة في أعيانه في موضعين :
الأوّل : قال : يجب أن يكون قبرها في المدينة المنوّرة ، فإنّه لم يثبت أنّها بعد رجوعها
للمدينة خرجت منها وإن كان تأريخ وفاتها ومحلّ قبرها بالبقيع ، وكم من أهل البيت أمثالها
مَن جهل محلّ قبره وتأريخ وفاته خصوصاً النساء .
وفيما اُلحق برسالة « نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين في النجف وكربلاء » المطبوعة
بالهند نقلاً عن رسالة « تحية أهل القبور بالمأثور » عند ذكر قبور أولاد الأئمة عليهم السلام ما لفظه :
ومنهم زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام وكنيتها اُم كلثوم ، قبرها في قرب زوجها عبدالله
ابن جعفر الطيّار خارج دمشق الشام معروف ، جاءت مع زوجها عبدالله بن جعفر أيام
____________
1 ـ أخبار الزينبات : 122 .
(454)
عبدالملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبدالله بن جعفر في ما كان له من القرى
والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة ، فماتت زينب هناك ، ودفنت في بعض تلك القرى .
هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك ، وغيره غلط لا أصل له فاغتنم ، فقد وهم في ذلك جماعة
فخبطوا العشواء .
وفي هذا الكلام من خبط العشواء مواضع :
أوّلاً : إنّ زينب الكبرى لم يقل أحد من المؤرّخين إنّها تكنّى اُم كلثوم ، فقد ذكرها
المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم ، ولم يقل أحد منهم إنّها تكنّى اُم كلثوم ، بل كلّهم سمّوها
زينب الكبرى ، وجعلوها مقابل اُم كلثوم الكبرى ، وما استظهرناه من أنّها تكنى اُم كلثوم ظهر
لنا أخيراً فساده ، كما مرّ في ترجمة زينب الصغرى .
ثانياً : قوله قبرها في قرب زوجها عبدالله بن جعفر ليس بصواب ولم يقله أحد ، فقبر
عبدالله بن جعفر بالحجاز ، ففي عمدة الطالب والإستيعاب واُسد الغابة والإصابة وغيرها : أنّه
مات بالمدينة ودفن بالبقيع ، وزاد في عمدة الطالب القول بأنّه مات بالأبواء ودفن بالأبواء ،
ولا يوجد قرب القبر المنسوب إليها برواية قبر ينسب لعبدالله بن جعفر .
ثالثاً : مجيئها مع زوجها عبدالله بن جعفر إلى الشام سنة المجاعة لم نره في كلام أحد من
المؤرّخين مع مزيد من التفتيش والتنقيب ، وإن كان ذكر في كلام أحد من أهل الأعصار
الأخيرة فهو حدس واستنباط كالحدس والإستنباط من صاحب التحيّة ، فإنّ هؤلاء لمّا
توهّموا أن القبر الموجود في قرية راوية خارج دمشق منسوب إلى زينب الكبرى ، وأنّ ذلك
أمر مفروغ منه مع عدم ذكر أحد من المؤرّخين لذلك ، استنبطوا لتصحيحه وجوهاً بالحدس
والتخمين لا تستند إلى مستندهُ .
فبعض قال : إنّ يزيد عليه اللعنة طلبها من المدينة ، فعظم ذلك عليها فقال لها ابن أخيها
زين العابدين عليه السلام : « إنكِ لا تصلين دمشق » ، فماتت قبل دخولها ، وكأنّه هو الذي عدّه
صاحب التحيّة غلطاً لا أصل له ووقع في مثله ، وعدّه غنيمة وهو ليس بها ، وعدّ غيره خبط
العشواء وهو منه ، فاغتنم فقد وهم كل مَن زعم أنّ القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى
(455)
زينب الكبرى ، وسبب هذا التوهم أنّ مَن سمع أنّ في راوية قبراً ينسب إلى السيّدة زينب سبق
إلى ذهنه زينب الكبرى؛ لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل ، فلمّا لم يجد أثراً يدل على ذلك لجأ إلى
استنباط العلل العليلة .
ونظير هذا أنّ في مصر قبراً ومشهداً يقال له مشهد السيّدة زينب ، وهي زينب بنت يحيى ،
والناس يتوهمون أنّة قبر السيّدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا سبب له إلاّ تبادر
الذهن إلى الفرد الأكمل ، وإذا كان بعض الناس اختلق سبباً لمجيء زينب الكبرى إلى الشام
ووفاتها فيها ، فماذا يختلقون لمجيئها إلى مصر ، وما الذي أتى بها إليها ، لكن بعض المؤلّفين من
غيرنا رأيت له كتاباً مطبوعاً بمصر غاب عني الآن اسمه ذكر لذلك توجيهاً ، بأنّه يجوز أن تكون
نقلت إلى مصر بوجه خفي على الناس ، مع أنّ زينب التي بمصر هي زينب بنت يحيى حسينية
أو حسنية ، وحال زينب التي براوية حالها .
رابعاً : لم يذكر مؤرّخ أنّ عبدالله بن جعفر كان له قرى ومزارع خارج الشام ، حتى يأتي
إليها ويقوم بأمرها ، وإنّما كان يفد على معاوية فيجيزه ، فلا يطول أمر تلك الجوائز في يده حتى
ينفقها ، بما عرف منه من الجود المفرط ، فمن أين جاءته هذه القرى والمزارع ، وفي أيّ كتاب
ذكرت من كتب التواريخ .
خامساً : إن كان عبدالله بن جعفر له قرى ومزارع خارج الشام كما صوّرته المخيلة ، فما الذي
يدعوه للإتيان بزوجته زينب معه ، وهي التي اُتي بها إلى الشام أسيرة بزيّ السبايا وبصورة
فظيعة ، واُدخلت على يزيد مع ابن أخيها زين العابدين وباقي أهل بيتها بهيئة مشجية ، فهل
من المتصوّر أن ترغب في دخول الشام ورؤيتها مرّة ثانية وقد جرى عليها بالشام ما جرى ،
وإن كان الداعي للإتيان بها معه هو المجاعة بالحجاز ، فكان يمكنه أن يحوّل غلاّت مزارعه
الموهومة إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز ، فإنّ جعفر لم يكن معدماً إلى
هذا الحد ، مع أنّه يتكلّف من نفقة احضارها واحضار أهله أكثر من نفقة قوتها ، فما كان
ليحضرها وحدها إلى الشام ويترك باقي عياله بالحجاز جياعى .
سادساً : لم يتحقق أنّ صاحبة القبر الذي في راوية تسمّى زينب لو لم يتحقّق عدمه ، فضلاً
(456)
عن أن تكون زينب الكبرى ، وإنّما هي مشهورة باُم كلثوم كما مرَّ في ترجمة زينب الصغرى لا
الكبرى ، على أنّ زينب لا تكنّى باُم كلثوم ، وهذه مشهورة باُم كلثوم (1) .
الثاني : قال السيّد الأمين تحت عنوان : قبر الست الذي في راوية : يوجد في قرية تسمّى
راوية على نحو فرسخ من دمشق إلى جهة الشرق قبر ومشهد يسمّى قبر الست ، ووجد على
هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها : هذا قبر السيّدة زينب المكنّاة باُم كلثوم بنت
سيّدنا علي رضي الله عنه ، وليس فيها تأريخ ، وصورة خطّها تدل على أنّها كتبت بعد الستمائة
من الهجرة ، ولا يثبت بمثلها شيء ، ومع مزيد التتبّع والفحص لم أجد من أشار إلى هذا القبر من
المؤرخين سوى ابن جبير في رحلته ، وياقوت في معجمه ، وابن عساكر في تأريخ دمشق ،
وذلك يدلّ على وجود هذا القبر من زمان قديم واشتهاره .
قال ابن جبير في رحلته التي كانت في أوائل المائة السابعة عند الكلام على دمشق ما لفظه :
ومن مشاهد أهل البيت رضي الله عنهم مشهد اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله
عنهما ، ويقال لها زينب الصغرى ، و اُم كلثوم كنية أوقعها عليها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لشبهها بابنته اُم كلثوم
رضي الله عنها ، والله أعلم بذلك . ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تعرف براوية على مقدار
فرسخ ، وعليه مسجد كبير وخارجه مساكن وله أوقاف ، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر
الست اُم كلثوم ، مشينا إليه وبتنا به وتبرّكنا برؤيته ، نفعنا الله بذلك .
وقال ياقوت المتوفى سنة 622هـ في معجم البلدان : راوية بلفظ راوية الماء : قرية من
غوطة دمشق ، بها قبر اُم كلثوم (2) .
وقال ابن عساكر ـ من أهل أوائل المائة الخامسة ـ عند ذكر مساجد دمشق : مسجد راوية
مسجد على قبر اُم كلثوم ، وهي ليست بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت عند عثمان؛ لأنّ تلك
ماتت في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ودفنت بالمدينة ، ولا هي اُم كلثوم بنت علي من فاطمة التي
تزوّجها عمر بن الخطاب؛ لأنّها ماتت هي وابنها زيد بن عمر بالمدينة في يوم واحد ودفنا
____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 140 .
2 ـ معجم البلدان : 3 : 20 .
(457)
بالبقيع ، وإنّما هي امرأة من أهل البيت سُمّيت بهذا الإسم ولا يحفظ نسبها ، ومسجدها هذا بناه
رجل قرقوبي من أهل حلب .
فابن جبير وإن سمّاها زينب الصغرى وكنّاها اُم كلثوم حاكياً أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنّاها بذلك ،
إلاّ أنّ الظاهر أنّ ذلك اجتهاد منه بدليل قوله : إنّ أهل هذه الجهة يعرفونه بقبر الست اُم كلثوم ،
مما دلَّ على أنّها مشهورة باُم كلثوم دون زينب ، وقوله أولاً : الله أعلم بذلك ، مشعر تشكيكه في ذلك .
وياقوت وابن عساكر كما سمعتَ لم يُصرّحا باسم أبيها ، ولا بأنّها تسمّى زينب بل اقتصرا
على تسميتها باُم كلثوم فقط . ومن هنا قد يقع الشك في أنّها بنت علي عليه السلام فضلاً عن أنّ اسمها
زينب ، ويظنّ أنّها امرأة من أهل البيت لم يحفظ نسبها كما قاله ابن عساكر ، وإن كان ما اعتمد
عليه في ذلك غير صواب لتعدّد مَن تُسمّى باُم كلثوم من بنات علي وعدم انحصارهن في زوجة
عمر بن الخطاب .
وكيف كان فلو صح أنّها زينب الصغرى فهي التي كانت تحت محمّد بن عقيل ، فما الذي جاء
بها إلى راوية دمشق ، ولكن ذلك لم يصح كما عرفت .
وإن كانت اُم كلثوم كما هو الظاهر لدلالة كلام ابن جبير وياقوت وابن عساكر على
اشتهارها بذلك ، فليست اُم كلثوم الكبرى ، لِما مرّ عن ابن عساكر ، فيتعيّن كونها إمّا اُم كلثوم
الوسطى زوجة مسلم بن عقيل التي تزوّجها عبدالله بن جعفر بعد قتل زوجها ووفاة اُختها
زينب الكبرى ، وإمّا اُم كلثوم الصغرى التي كانت متزوّجة ببعض ولد عقيل ، وحينئذٍ فمجيء
إحداهما إلى الشام ووفاتها في تلك القرية وإن كان ممكناً عقلاً لكنه مسبعد عادةً .
هذا على تقدير صحة انتساب القبر الذي في راوية إلى اُم كلثوم بنت علي ، لكن قد عرفت
أنّه ليس بيدنا ما يصحح ذلك لو لم يوجد ما ينفيه ، ثم انّه ليس في كلام مَن تقدّم نقل كلامهم ما
يدل على أنّ مَن تسمّى بزينب تكنّى باُم كلثوم سوى كلام المفيد (1) .
____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 136 .
(458)
زينب عليها السلام في المكتبة العربية :
ما ذكرناه من ترجمتها عليها السلام ما هو إلاّ نظرة سريعة على بعض جوانب حياتها المباركة ، ولو
أردنا استقصاء حياتها كاملة لتطلّب ذلك تأليف كتاب مستقل ، كما فعل كثير من الكتّاب ،
حيث ألّفوا حول حياتها عليها السلام كتباً مستقلة . وتعميماً للفائدة نذكر هنا الكتب التي خُصّصت
لدراسة حياة زينب عليها السلام ، والكتب التي ذكرت ترجمتها ضمن التراجم الاُخرى :
( 1 ) أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كربلاء : لخالد محمد خالد : 187 .
( 2 ) الإحتجاج : للطبرسي 2 : 31 .
( 3 ) أخبار الزينبات : للنسابة العبيدلي : 122 .
( 4 ) أدب الطف : للسيد جواد شبر 1 : 236 .
( 5 ) اُسد الغابة في معرفة الصحابة : لابن الأثير 5 : 469 .
( 6 ) الإصابة في تمييز الصحابة : لابن حجر العسقلاني 4 : 321 .
( 7 ) أعلام النساء لعمر رضا كحالة 2 : 91 .
( 8 ) الأعلام : لخير الدين الزركلي 3 : 66 .
( 9 ) أعيان الشيعة : للسيّد محسن الأمين 1 : 613 و 616 و 327 و 7 : 137 .
( 10 ) بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء عليها السلام : للدكتورة بنت الشاطىء .
( 11 ) بلاغات النساء : لابن طيفور : 20 .
( 12 ) تأريخ الخميس : للديار بكري 1 : 284 .
( 13 ) تأريخ الإسلام : للذهبي 2 : 243 .
( 14 ) تحفة العالم : للسيّد جعفر بحر العلوم 1 : 231 .
( 15 ) تظلّم الزهراء : للقزويني : 217 .
( 16 ) تنقيح المقال : للشيخ عبدالله المامقاني 3 : 79 .
( 17 ) جامع الرواة : للأربلي 2 : 457 .
(459)
( 18 ) خُطب الحوراء زينب عليها السلام : للسيّد جاسم حسن شبر .
( 19 ) الخصائص الزينبيّة : للسيّد نور الدين الجزائري .
( 20 ) خصائص أمير المؤمنين عليه السلام : للنسائي : 62 .
( 21 ) دائرة معارف القرن العشرين : لمحمد فريد وجدي 4 : 795 .
( 22 ) ذخائر العُقبى في مناقب ذوي القُربى : 167 .
( 23 ) الرسالة الزينبية : لشمس الدين أبي الخير السخاوي المصري ( مخطوط ) .
( 24 ) رسالة في ترجمة السيّدة زينب عليها السلام : لابن طولون .
( 25 ) الرسالة الزينبيّة : لجلال الدين السيوطي .
( 26 ) رياحين الشريعة : لذبيح الله المحلاتي 3 : 33 .
( 27 ) زينب الكبرى عليها السلام : للشيخ جعفر النقدي .
( 28 ) زينب الكبرى عليها السلام : لمحمّد علي المصري .
( 29 ) زينب عليها السلام : لعلي أحمد المصري .
( 30 ) زينب اُخت الحسين عليه السلام : لمحمّد الحسين الأديب .
( 31 ) زينب عليها السلام : لعبد العزيز سيّد الأهل .
( 32 ) سفينة البحار : للشيخ عباس القمي 1 : 558 .
( 33 ) السيّدة زينب عليها السلام : للسيّد حسن قاسم المصري .
( 34 ) السيّدة زينب عليها السلام : لمحمد حاج سالمين .
( 35 ) السيّدة زينب عليها السلام : لأحمد فهمي .
( 36 ) السيّدة زينب عليها السلام : لمحمّد اليبلاوي .
( 37 ) شرح الخطبة الزينبية : لهادي البناني .
( 38 ) الطبقات الكبرى : لابن سعد 8 : 465 .
( 39 ) الطراز المذهب : لعباس قلي خان .
( 40 ) عقيلة بني هاشم : لعلي بن الحسن الهاشمي .
(460)
( 41 ) عقيلة الوحي : للسيّد عبدالحسين شرف الدين .
( 42 ) علل الشرائع : للشيخ الصدوق : 248 .
( 43 ) القصيدة الزينبية : لعلي رضا الهندي .
( 44 ) كامل الزيارات : لابن قولويه : 263 .
( 45 ) كشف الغمة في معرفة الأئمة : للأربلي 1 : 440 .
( 46 ) كمال الدين وتمام النعمة : للشيخ الصدوق : 275 .
( 47 ) الكنى والألقاب : للشيخ عباس القمي 1 : 218 .
( 48 ) اللهوف : للسيد ابن طاووس : 76 .
( 49 ) المرأة في ظل الإسلام : للسيّدة مريم فضل الله : 259 .
( 50 ) مثير الأحزان : للجواهري : 49 و 84 .
( 51 ) مجمع الرجال : للقهبائي 7 : 175 .
( 52 ) مع بطلة كربلاء : للشيخ محمد جواد مغنية .
( 53 ) مع الحسين في نهضته : لأسد حيدر : 321 .
( 54 ) معجم رجال الحديث : للسيّد الخوئي 23 : 190 رقم 15629 .
( 55 ) مقاتل الطالبيين : لأبي فرج الأصفهاني : 60 .
( 56 ) مقتل الحسين عليه السلام : للمقرّم : 423 .
( 57 ) مقتل الحسين عليه السلام : للخوارزمي 2 : 40 .
( 58 ) نفس المهوم : للشيخ عباس القمي : 159 .
( 59 ) نور الأبصار : للشبلنجي : 201 .
( 60 ) نساء لهنّ في التأريخ الإسلامي نصيب : للدكتور علي ابراهيم حسن : 48 .
( 61 ) نهضة الحسين عليه السلام : للسيّد هبة الدين الشهرستاني .
( 62 ) نفحات من سيرة السيّدة زينب عليها السلام : لأحمد الشرباصي : 21 .
( 63 ) المرقد الزينبي : لفرج آل عمران .
(461)
( 64 ) وفاة زينب الكبرى عليها السلام : لفرج آل عمران (1) .
زينب الصغرى
بنت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : وقبل الكلام عليها لابدّ من الكلام على مَن
تُسمّى بزينب ، ومَن تُسمّى باُم كلثوم ، أو أيّهما من بنات علي عليه السلام ، ليتميّز بعضهن عن بعض
فنقول :
ذكر المسعودي في مروج الذهب ج 2 ص 92 في أولاد علي عليه السلام اُم كلثوم الكبرى وزينب
الكبرى اُمهما الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى ولم يذكر مَن
هي اُمهما ، لكن اُم كلثوم الصغرى اُمها اُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ، كانت
متزوّجة من بعض ولد عمها عقيل ، أما زينب الصغرى فاُمها اُم ولد .
فدلّ كلامه على أنّ المسمّاة بزينب اثنتان : كبرى اُمها الزهراء ، وصغرى لم يذكر اسم اُمها ،
و اُمها اُم ولد . والمسمّاة باُم كلثوم اثنتان أيضاً : كبرى اُم ها الزهراء ، وصغرى لم يسمّ اسم اُمها
واسمها اُم سعيد .
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 475 : زينب الكبرى و اُم كلثوم
الكبرى أُمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى لاُمهات أولاد
شتى .
وقال المفيد في الإرشاد عند تعداد أولاد أمير المؤمنين عليه السلام : وزينب الكبرى وزينب
الصغرى ، وعدّ معها غيرها وقال : لاُمهات شتى .
____________
1 ـ بعد صدور الطبعة الاُولى من هذا الكتاب ، بذلنا جهدنا في سبيل الوقوف على أكبر عدد من المصادر التي
ترجمت لسيّدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء وللسيّدة زينب عليها السلام ، من أجل ادراجها في الطبعة الثانية ، فتجمعت
لدينا بطاقات جديدة . إلاّ أنّ ما كتبه الشيخ عبدالجبار الرفاعي في كتابه « معجم ما كُتب عن الرسول وأهل
البيت عليهم السلام » ، جعلنا نترك الاستمرار في هذا العمل ، فمن شاء فليراجع ذلك الكتاب .
(462)
فدلّ كلامه على أنّ المسمّاة بزينب من بنات أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث : احداهن تسمّى
الكبرى و اُمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واثنتان تسميان بزينب الصغرى ، والمائز بينهما : أنّ
إحداهما تكنّى اُم كلثوم و اُمها فاطمة أيضاً ، والثانية لا تُكنى باُم كلثوم و اُمها غير فاطمة عليها السلام .
وليس فيهن مَن تُسمّى اُم كلثوم ولا تُسمى بزينب ، فاُم كلثوم عنده كنية لا اسم .
لكن لم يظهر الوجه في وصف كلّ من الزينبين بالصغرى ، ويمكن أن يكون وصف المكناة
ب اُم كلثوم بالصغرى بالنسبة إلى شقيقتها زينب الكبرى ، ووصف التي لا تكنى باُم كلثوم
بالصغرى بالنسبة إلى زينب المكنّاة اُم كلثوم أو إلى زينب الكبرى ، أمّا أنّ الصغرى المكنّاة باُم
كلثوم والصغرى التي لا تكنّى بها أيّهما أكبر ، فلا يُفهم من كلامه ، ولعلّهما في سنّ واحد؛
لإختلاف اُميّهما .
وقال كمال الدين محمّد بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عند ذكر
الإناث من أولاده عليه السلام : زينب الكبرى و اُم كلثوم الكبرى اُمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
وزينب الصغرى و اُم كلثوم الصغرى من اُمهات أولاد .
فظهر ممّا مرّ هنا أنّ مَن تُسمّى بزينب من بنات علي عليه السلام هما اثنتان : كبرى اُمها فاطمة
الزهراء سلام الله عليها وهي العقيلة زوجة عبدالله بن جعفر ، وصغرى وهي التي كلامنا فيها .
وفي عمدة الطالب : اُمها اُم ولد ، وكانت تحت محمّد بن عقيل بن أبي طالب .
وعلى قول المفيد هنّ ثلاث ، والثالثة الصغرى المكناة باُم كلثوم شقيقة العقيلة ، وأنّ مَن
تُسمّى باُم كلثوم من بناته عليه السلام ثلاث : اُم كلثوم وهي التي متزوّجة بالخليفة الثاني اُمها فاطمة
الزهراء سلام الله عليها ، و اُم كلثوم الصغرى اُمها اُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي ،
وكانت متزوّجة ببعض ولد عمّها عقيل ، و اُم كلثوم الوسطى وهي زوجة مسلم بن عقيل .
أما اُم كلثوم التي كانت مع أخيها بالطف ، فالظاهر من مجاري أحوالها أنّها شقيقة العقيلة ،
لكن ذلك يتنافى مع كونها زوجة الخليفة الثاني التي توفّيت قبل ذلك الحين بسقوط البيت
عليها وعلى ابنها زيد ، ويمكن أن تكون زوجة مسلم حضرت مع أخيها الحسين بقصد
(463)
الكوفة؛ لأنّ زوجها هناك ، وخروجها قبل العلم بقتل مسلم . وقد استظهرنا في ج 3 أن تكون
اُم كلثوم الكبرى و اُم كلثوم الصغرى هما زينب الكبرى وزينب الصغرى ، ثم ظهر لنا أنّ هذا
الإستظهار في غير محلّه :
أولاً : لما ذكرناه في ج 13 من أنّ اُم كلثوم الكبرى هي التي كانت متزوّجة بالخليفة الثاني ،
ومن المعلوم أنّ زينب الكبرى كانت زوجة عبدالله بن جعفر ، فهما اثنتان .
ثانياً : لتصريح المسعودي وغيره من أئمة هذا الشأن في كلامهم المتقدّم بأنّ المسمّيات
بزينب وبأم كلثوم من بنات علي هنّ أربع أو ثلاث لا اثنان .
وفي عمدة الطالب ص 15 : أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن عقيل ، اُمه زينب الصغرى بنت
أمير المؤمنين علي عليه سلام الله والتحية ، اُمها اُم ولد ، ثم قال : محمّد بن عبدالله بن محمّد بن
عقيل ، اُمه حميدة بنت مسلم بن عقيل ، و اُمها اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب .
فعُلم من ذلك أنّ مسلم بن عقيل كان متزوّجاً باُم كلثوم ابنة عمّه علي بن أبي
طالب عليه السلام (1) .
ثم تحدّث السيّد محسن الأمين بشكل مفصّل عن قبر الستّ الذي في قرية راوية ، ناقلاً
كلام ابن جبير في رحلته ، وياقوت الحموي في معجمه ، وابن عساكر في تأريخ دمشق . وقد
تقدّم الكلام بكامله في ترجمة السيّدة زينب الكبرى فلا داعي لتكراره .
وقال الشيخ ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة : إنّها زينب المدفونة في الشام الذي
اشتهرت بإسم زينب الكبرى ، والموجود على صخرة قبرها الشريف هو : زينب الصغرى .
والظاهر أنّها كانت مع محمّد بن عقيل في أرض كربلاء ، وبعد استشهاد محمّد بن عقيل ذهبت
مع أهل البيت عليهم السلام إلى الشام ، وقاست ما قاست من المحن . وعندما رجعت إلى المدينة تزوّجها
فراس بن جعدة بن هبيرة المخزومي ، وهو ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام اُم هاني بنت أبي
طالب (2)
____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 136 .
2 ـ رياحين الشريعة .