259 زينب فوّاز العامليّة
زينب بنت علي بن حسين بن عبدالله بن حسن بن ابراهيم بن محمّد بن يوسف آل فوّاز العامليّة التبنينيّة المصرّية .
شاعرة ، مؤلّفة ، لها عدّة كتب .
ولدت في تبنين من قرى جبل عامل حوالي سنة 1262هـ ، وتوفّيت في مصر سنة 1332هـ ، عن عمر ناهز السبعين .
لُقّبت بـ ( درة المشرق ) ، كما ذكره يوسف أسعد داغر في كتابه معجم الاسماء المستعارة (1) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : ذكرها صاحب مجلّة العرفان في عدّة مواضع من مجلّته ، وكتبَ إلينا ترجمة لها مفصّلة ، وأكثر ما يأتي مأخوذ ممّا كتبه إلينا ، وممّا ذكره في المجلد 8 ص 445 وغيره .
ولدت في تبنين ، وكان لآل علي الأصغر حكم قسم من جبل عامل ومقر أمارتهم قلعة تبنين ، وحاكمها يومئذٍ علي بك الأسعد ، فاتّصلت بزوجته السيّدة فاطمة بنت أسعد الخليل والدة محمّد بك وخليل بك التي ترجمتها في الدر المنثور ترجمة حسنة ، وتولّت خدمتها ، وقضت شطراً من صباها في قلعة تبنين ملازمة لنساء آل الأسعد ، لا سيما السيّدة فاطمة المذكورة ، التي كان لها مشاركة حسنة في الأدب واستفادت منها كثيراً .
ثمّ اتّصلت بأخيها الأصغر خليل بك في بلدة الطيبة ، وتزوّجت برجل من حاشيته كان صقّاراً عنده ( وهو الذي يتولّى أمر الصقور التي يُصطاد بها ) .
قال صاحب العرفان : رأيته منذ خمس عشرة سنة في دار كامل بك الأسعد ، وهو يومئذٍ في سنّ السبعين ، وأخبرنا كامل بك إن هذا الخادم الشيخ تزوّج بزينب فوّاز ، ثم طلّقها؛ لعدم
____________
1 ـ معجم الاسماء المستعارة : 133 .
(465)

امتزاج طبعيهما وتباعد أخلاقهما .
وسافرت إلى دمشق فتزوّجها أديب نظمي الكاتب الدمشقي ثم طلّقها ، فتزوّجت بأمير الاي عسكري مصري وصحبها معه لمصر ، وهناك ساعدتها البيئة على إظهار مواهبها ، فكتبت عدّة رسائل في صحف مصر الكبرى ، ونالت شهرة في الكتابة والشعر والفن ، وكتبت روايتين نالت بهما زيادة في الشهرة ، وألّفت الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ، فنالت به شهرة واسعة .
قال صاحب العرفان : وبالجملة فإنّ زينب فوّاز كانت فريدة عصرها مع ما كان في كتبها وكتاباتها وشعرها من الأغلاط ، ولم تشتهر غيرها من النساء في مصر بالكتابة والشعر والتأليف .
وكتبَ حمدي يكن في بعض المجلاّت : إنّه لم يسمع في مصر إلاّ باثنتين من الكاتبات : عائشة التيمورية ، وزينب فوّاز .

مؤلفاتها :
( 1 ) الرسائل الزينبيّة ، وهي مجموعة مقالات ورسائل وبعضها شعريّة ، كتبتها في الجرائد المصريّة ، ثم جمعتها في كتاب واحدٍ سمّته الرسائل الزينبية ، وأكثر أبحاث هذه الرسائل في المرأة وحقوقها ومكانتها الإجتماعية .
( 2 ) رواية الملك كورش .
( 3 ) رواية حسن العواقب أو غادة الزاهرة ، وقد أودعتها كثيراً من العادات العاملية لا سيّما عادات الاُسرة التي قضت مدّة في خدمتها .
( 4 ) كشف الأزرار عن مخبئات الزار والزار ، شعوذةٌ من شعوذات شيخات مصر وصِنْفٌ من تدجيلهن ، حضرته ووصفته في ذلك الكتاب .
( 5 ) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور في 552 أو 426 صفحة بالقطع الكبير ، يحتوي على 456 ترجمة لمشهورات النساء من شرقيّات وغربيّات ، متقدّمات ومتأخّرات ، وفيه


(466)

ترجمة واحدة لامرأة عامليّة هي السيّدة فاطمة بنت أسعد بك الخليل زوجة علي بك الأسعد ، وهو أكبر مؤلّفاتها وأحسنها ، وكتبت في أوّل الكتاب هذين البيتين :
كتابي يبدي جنة في قصورها * تروح روح الفكر حور التراجم
خدمتُ به جنسي اللطيف وانّه * لاكرم مـا يُهدى لغرّ الكـرائم
وقد قرّظ الكتاب جملة من اُدباء وأديبات مصر ، منهم حسن حسيني باشا الطويراني صاحب جريدة النيـل ، وعائشة عصمت تيمور الشاعرة المصريّـة المعروفة ، فقالت من أبي ات :
هنّوا ذوات الخدور بالفوز الذي * يعلو علـى هام السهى ويطول
ولقـد علت طبقـاتهن وزانها * بـالفخر من بعد الخمول قبول

وقال الطويراني :
بدا درّها المنثور بـالفضل زينب * فيـا حـبذا الـدر النثيـر المرتّب
جـلت لـعيون الفكر آثار حكمة * عـرائسها تزهو وبالفضل تخطب
حكى الفلك الأعلى فكلّ صحيفـة * بـه أفـق فيها من الزهر موكب
حوى حسنات الدهر بين سطوره * وقـوّمها ذاك اليـراع المهـذّب
فلا بَرحت للفضل بـالفضل زينب * تقـول مـقال الفـاضلين وتكتب

وقرّظه عبدالله فريج بأبيات مطلعها :
الشرق لا تعجبوا إن عمّر النور * الشرق بالنور منذ الدهر مشهور

وجاء في آخرها تأريخ الكتاب الهجري والميلادي :
أبهى كتاب سما جاهاً لفاضلة * بـالسعد فيه بهي الدر منثور

( 6 ) مدارج الكمال في تراجم الرجال .
( 7 ) ديوان شعر ، ذكره الشيخ أقا بزرك الطهراني في الذريعة بإسم ديوان الفوّاز (1) .
____________
1 ـ الذريعة 9 : 850 رقم 5684 .
(467)

كتاب لها جواباً عن كتاب :
في مجلّة العرفان المجلد 16 ص 284 : أرسلت الأمريكية رئيسة قسم النساء في معرض شيكاغو كتاباً إلى زينب فواز تسألها فيه بعض الأسئلة ، فذكرت في جوابها أوّلاً ما هو المتعارف من المجاملة ، ثم قالت :
سؤالك لي عن السبب الذي يمنعني عن الحضور إلى المعرض في ديانتنا الإسلامية التي نشأنا عليها ، ونحن نجدها من الفروض الواجبة ونتوارثها فنتلقاها بغاية الإنشراح ، حتى أنّ المرأة منّا لو اُجبرت على كشف وجهها الممنوع عندنا لوجدته من أصعب الاُمور ، مع أنّ كشف الوجه واليدين ليس محرّماً في قول فريق عظيم من العلماء ، ولكن منعته العادة قطعياً وهي التي توارثناها ، إذ أنّ البنت منّا لا تتجاوز الثانية عشرة من عمرها إلاّ وهي داخل الحجاب ، وأنّ من عادتنا المحترمة عندنا عدم حضور المرأة في المجتمعات العامة التي يجتمع إليها الرجال ، ولكن للنساء محافل خصوصية تختصّ بهنّ ليس للرجال فيها محل ، حتى أنّ الرجل لا يجوز له أن يدخل دائرة إلاّ باذن عند الحاجة .
والحجاب عندنا مأمور به في الدين بنصوص الكتاب الكريم ، كقوله تعالى : ( وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن . . . . ) (1) .
وأمّا عدم إباحة السفر لنا ، فعلى ما يُفهم من أقوال بعض العلماء الأعلام؛ لأنّ عندنا في شريعتنا الغرّاء لا يباح مسّ جسم المرأة لرجل أجنبي عنها ولو حلّ النظر فيها في مثل الوجه مثلاً على رأي من قال بأنه ليس بعورة فإنّه يحل النظر إليه دون الشعر ، ولكن لا يحلّ مسه إلاّ لذي محرم ، ولا يحلّ لها السفر إلاّ بصحبة أحد ذوي قرابتها إن لم يكن الزوج ، وأعني بذي قراباتها : محارمها الذي لا يجوز لها التزوّج بهم ، المذكورين في قوله تعالى : ( حرّمت عليكم اُم هاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وأخواتكم من الرضاعة و اُمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في
____________
1 ـ النور : 31 .
(468)

حجوركم . . . . ) (1) .
فإذا سافرت المرأة مسافة ثلاثة أميال فأكثر يلزم أن يكون معها أحد المذكورين في الآية الشريفة كالأب والابن والأخ والعمّ والخال أو الزوج؛ لأنّه إذا مسّ جسمها في وقت الركوب والنزول لا يكون محرّماً ، بخلاف غيرهم من ذوي القربى ، الذين لا يحرم الزواج بينها وبيهم كابن العم وابن الخال وابن العمّة وابن الخالة ، فإنّها تحتجب عنهم ، فلذلك لا تسافر مع أحدهم من حيث إنّ المسألة مبنيّة على المسّ ، فمتى جاز المسّ جاز السفر ، فهذا الذي يمنعني من الحضور إلى المعرض من وجه ، والوجه الآخر ما تقدّم من عدم تعوّدنا على الخروج إلى المجتمعات العامّة ، إذ أنّ المرأة منّا لا يجوز لها الخروج إلى خارج المنزل إلاّ مؤتزرة بإزار يسترها من الفرق إلى القدم وبرقع يستر وجهها .

شعرها :
قد عرفت أنّ لها ديوان شعر مطبوع ، وذكر صاحب مجلة العرفان في مجلّته ج 2 ص 289 أبي اتاً تخاطب بها قلعة تبنين أرسلتها إليها من مصر فقالت : ذكّرتني يا صاحب العرفان ما لا أنساه من معالم أوطاني ، فنطق لساني مخاطباً لقلعة تبنين التي أفنت الأجيال لم يؤثر على أسوارها الدهر ، فقلت :
يـا أيّهـا الصرح إنّ الـدمعَ منهمكُ * فهـل تُعيد لنا يـا دهـر مَن رحلوا
وهل بقي فيك مَن ينعى معـي فئـة * هـم المقاديم فـي يوم الوغى الاُول
قَـد كنتَ للدهـر نـوراً يستضاء به * أخنـى عـليك البلـى يـا أيّها الطَلل
كـم زيّنتـتك قـدود الغيـد رافلـة * بـالعزّ تـسمو ووجه الـدهر مُقتبل
أبكيكَ يـا صـرح كـالورقاء نـادبة * شـوقاً إليهم إلـى أن ينتهـي الأجل
قَد كنتَ مسقط رأسي في ربى وطني * إنّ الدمـوعَ على الأوطـسان تنهمل

____________
1 ـ النساء : 23 .
(469)

تبنين إن كنتِ في بعدي على حزن * فعند قربـي الحشى بالوجد يشتعل
وقفتُ وقفـة مشتـاق بـها شغف * عـليّ أرى أثـراً يحيـا به الأمل
إذ الأحبّـة قـد سـارت رحـالهم * فـزاد شوقي كمـا قلّت بيّ الحِيل
فـالنفس شـاكيـة والعين بـاكية * والكبـد داميـة والقـلب مُشتعل
أعلى ( هيوسنت ) أبراجاً لها عجباً * تقـارع الـدهر لا ضعف ولا ملل
( هيوسنت ) صاحب طبرية ، هو باني قلعة تبنين سنة 1107م . وجعلها معقلاً لغزو صور وما يليها .
ولها قصيدة مذكورة في مجلّة العرفان ج 1 ص 281 انتخبنا منها هذه الأبيات :
لـولا احتمـال عنـاء وبذل دمـاء * لـم يـرق شخـص ذروة العليـاء
( لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ) * إلاّ بـسفك دم علــى الأرجــاء
هذا مـقال الأقـدمـين ولـم تجـد * بـدّاً لنـا مـن شـرعـة القـدماء
إن لـم نُشيّـد مـا أقـامـوا اُسّـه * فـــلنجتنب قَـصداً لهـدم بنـاء
يـا حسـرة الآبـاء فـي أجداثهـم * إن أخجلتهـم خَيبـة الأبــناء
يا حسرة الأمـوات لـو نُشروا فلم * يجـدوا الـذي ظنّوه فـي الأحيـاء
يـا خجلة الأحباب لـو فخروا بنـا * إذ ينظــرون شمـاتـة الأعــداء
ويهاً رجال الشـرق صرنـا عبـرة * بـين الـورى مـن سـامع أو رائي
وهنـاك فـي الأصلاب قـوم بعدنا * يـحصون مـا يمضـي مـن الأبناء
لم ينزل الرحمن داء فـي الـورى * إلاّ وجــاد لــه بــخير دواءِ
ولئن نبا السيف الصقيل ففي النهى * والعلـم سيفــاً حكمـة ودهــاء
ولئن كبا الطَـرفِ الجـواد فلم يزل * للعقـل ميـدان لنيــــل عـلاء
ولئن أبى ذو الحقد نـيل رجائنـا * فالرأي يــضمن نـيل كـلّ رجـاء
هيهـات مـا العميـان كالبصـراء * كـلا ولا الــجهلاء كــالعلمـاء
نروي عـن الماضين ما فعلوا فما * يـروي بـنو الآتـي عـن الآبـاء



(470)

وفي العرفان المجلد 37 ص 245 : جرت مناظرة حادّة بينها وبين كاتب مصري يدعى أبا المحاسن ، فكتبت إليه تهزأ به :
أولــستَ أرسطالـيس إن * ذكـر الفـلاسفـة الأكابـر
وأبـو حـنيفـة سـاقـط * في الرأي حين تكون حاضر
وكـذاك إن ذُكـر الخـليـ * ـل فـأنت نـحوي وشاعر
مَـن هـرمس مَن سيبويـ * ـه مَن ابن فورك إن تناظر
ولها مشطرة هذين البيتين :
( ما مـن كاتب إلاّ سيبلـى ) * ويبلغ بـدء غـايتـه انتهـاء
وتمحوه الليالـي في سراهـا * ( ويبقى الدهر مـا كتبت يداه )
( فلا تكتب يمينك غير شيء ) * بـه يـرضى لك الـزلفى الإله
ولا تعمل سـوى عمـل مفيد * ( يسرّك فـي القيامة أن تراه )
وقرّظ كتابها ( حسن العواقب ) محمّد بك غالب ، وهو في الرابع عشرة من سنيه ، فقالت تمدحه من جملة أبيات :
يـا واحداً فـي علاه * لـكَ الثنـاء المـؤيّد
وخـاطبتكَ المعالـي * أهنـأ وسـد يا محمّد
لا زلـتَ تعلو وترقى * لـكلّ مجـد وسؤدد
وقالت في تأريخ ولادة مَن اسمها فاطمة :
زها اُفقُ العليـا بـشمس منيرة * لهـا منبت تـروي الليالي مكارمه
وجـاء بـاقبال فقـلتُ مؤرّخـاً * ( ألا وافت البشرى بميلاد فاطمة )
وقال صاحب مجلّة المنار في مجلته : لنادرة العصر ، وأميرة النظم والنثر ، السيّدة زينب فوّاز حفظها الله تشطير هذين البيتين :
ومصباح كـأنّ النـور منه * محيّا مــن أحـبّ إذا تجلّى
أغار على الدجى بلسان أفعى * فـشمّر ذيلـه فـرقا وولّـى



(471)

قال : ولها أمد الله في حياتها تشطير هذين البيتين :
( آمـنتُ إلـى ذا وذاك فــلم أجــد ) * مِـن النـاس مَن أرجوه في اليسر والبؤس
ومـا رمـتُ مـن أبنـاء دهـر معانـد * ( أخـا ثقـة إلاّ استحـال إلـى الـعكس )
( فأصبحتُ مرتابـاً بمـن شـطّ أودنـا ) * وألفيـتُ أهـل اليـوم مثـل بنـي أمـس
وأيـقنتُ أن لا خـلّ فـي الكون يُرتجـى * ( من الناس حتى كدتُ أرتاب من نفسي) (1)

260 زينب الأسعد
زينب بنت علي بك الأسعد ، من بيت آل علي الصغير الشهيرين ، الذين كانت لهم إمارة القسم الأكبر من جبل عامل .
كانت معروفة بجودة الرأي ورجاحة العقل ، تُجيد نظم الشعر مع عدم معرفتها بالنحو ، لكنها مقلّة منه ، تنظم البيتين والثلاثة فما فوقها .
ذكرها ، السيّد محسن الأمين نقلاً عن صاحب مجلّة العرفان في مجلّته في المجلد 6 ص 272 ، وأورد من شعرها ما يأتي :
قال : أراد كامل بك الأسعد إرسال تهنئة في العيد إلى بكوات النباطيّة ، فكلّفها نظم بيتين من الشعر ، واشترط أن تجمع فيهما اسماءهم ، فقالت :
عيدي و( محمود ) أوقاتي و( بهجتها ) * وجـودكـم يـا أخـلاّئـي مـدى الزمن

____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 134 ، رياحين الشريعة 4 : 304 .
(472)

إن جاد ما جاد دهري لا اُريد سوى ( فضل ) * و( كـامل ) ( فـوز ) فـي بـني ( حسن )
ورغّب إليها خليل بك الأسعد في نظم بيتين ليكتبا على رسم له ، أراد اهدائه إلى سليم بك ثابت ، فقالت :
إنّ هذا الرسم يهـدي * صـورة القلب السليـم
من ( خليل ) ( لسليم ) * ( ثابت ) العهـد القديم
وذكرها في المجلّد 8 ص 362 عن مراسل له لم يسمّه فقال : كانت كثيراً ما تُراسل ولدها محمّد بك السهيل ، وهو في المكتب السلطاني في بيروت ، وتصدّر رسائلها إليه ببعض أبيات من الشعر ، منها :
بُني رعـاكَ الله قلبي فـي لظـى * غلـتْ لم تسكنْ حرّها أدمع سجمُ
وأصبُو لريحٍ هبَ من نَحوِ أرضكمْ * وأرصدُ نجماً فوقَ مصركم يسمو
ومنها :
شوقي لقبلةِ عـارضيكَ شديـدُ * والـعيشُ لا يَحْلـو وأنتَ بعيدُ
يـا مَنْ رمى قلبي بأسهم بُعدهِ * رُحمـاك شقّ بـأدمعي أخدودُ
إنْ كنتَ تنكرُ ما بقلبي مِن أسى * فنحولُ جسمي والدموعُ شهودُ
ومنها :
يـا راحلينَ وشخصكم * نصبُ العيون بلا رفيق
قولـوا لـوجدٍ حلّ بي * كـنْ لي بوالدتي رفيق
فـالـقلبُ لازمُ ركـبكمْ * كـي تقبلوه لكم رفيق
قلبٌ بـه شبـهُ الحديـ * ـدِ لغيركم ولكم رقيق
ومنها ما كتبت به إليه حين توجّهه لمدرسة حمص :
لأنتَ من نفسي من الناسِ كلّهـا * وقرةَ عيني بلْ ضياها ونـورها
فيا غائباً عنّي وفي القلب شخصُه * تـرفّق بـأحشاءِ نواك يضيرها



(473)

أتَتْ منكَ يـا مـن جاورَ القلبَ شقة * اُزيلت بتسكـابِ الدمـوع سطورها
ولـي مهجة لا تحمل البُعد والنوى * لـكَ الله هـل مِـن مهجة استعيرها
بُني ألا ليتَ جسماً اُذيب بـجـذوة * مِـن النـارِ لا يُطفى بدمعي سعيرها
هجـرتَ بيـروت العليّـة معهـداً * بـه رحـبت سـاحاتهـا وقصورها
ذهبتَ إلـى حمص وخلّفت مهجتي * تُنـازعهـا أيـدي النـوى وزفيرها
وأيقظتَ عيني والعيـونُ هواجـع * وكم رحتُ ارعى البدرَ وهو سميرها
وأصبح كالنشوان إن عنّ ذكركـم * بـفكـري ولا خمـر ولا مَن يديرها
لكَ الله انّـي كنتُ كاف وكـافـل * يقيك العـدى مهمـا اُثيرت شرورها
ولها في الحكم من موجز الكلم بحسب نقل مراسل العرفان :
( 1 ) الحياة السعيدة لا تكون إلاّ بالأخلاق الحميدة .
( 2 ) إنّك وإن عظم محتدك وكثر سؤددك لا تعيش سعيداً إلاّ بحسن خلقك .
( 3 ) لا خوف إلاّ ممّن لا يخاف ربّه .
( 4 ) المعروف يستعبد الأحرار .
( 5 ) العفاف شمائل الأشراف .
( 6 ) إن حاربت نوائب الدهر فبسلاح الصبر .
وتوفّيت رحمة الله عليها سنة 1331هـ (1) .
261 زينة القزوينيّة
زينة بنت الشيخ محمّد ابن الشيخ محمّد تقي الشهيد الثالث البرغاني القزويني ، المستهشد عام 1263هـ .
ولدت في مدينة النجف الأشرف حدود سنة 1253هـ ، وتوفّيت بقزوين سنة 1333هـ .
____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 134 .
(474)

عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، مجتهدة ، مؤلّفة ، متكلّمة ، خطيبة بارعة ، حافظة للقرآن الكريم ، عالمة بتفسيره وتأويله .
أخذت المقدّمات والعلوم الأوليّة وفنون الأدب على اُمّها قرّة العين ، وتفقّهت على أبيها المتوفى سنة 1296هـ وجدّها لاُمّها الشيخ محمّد صالح البرغاني القزويني المتوفى سنة 1271هـ . ثم لازمت اُمّها في السفر والحضر ، وأخذت عنها الكثير سيّما العلوم العقلية ، ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت أحد أعيان أسرة آل أفشار القزوينية .
وهي من فواضل نساء عصرها ، تتّصف بالعقل الراجح ، والتدبير ، والدين والصلاح . شغلت كرسي التدريس والفتوى والإمامة في الجناح الخاصّ بالنساء في المدرسة الصالحية بقزوين ، وكانت ترتقي المنبر ، ولها مقدرة عالية على الخطابة والوعظ ، وكانت كثيرة الزهد والورع والتقوى .
تركت عدّة مؤلّفات منها : رسائل وحواشي على الكتب الفلسفية والكلاميّة ، وعدّة رسائل فقهية منها رسالة في الحيض ، ورسالة في الحج (1) .

262 زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة نقلاً عن ابن عساكر في تأريخ دمش : ولدت قبل النبوّة وتوفّيت بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بستة أشهر ، وصلّى عليها العباس بن عبدالمطلب ، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن العباس (2) .
وقال الطبري في ذيل المذيل : توفّيت في أوّل سنة 8 من الهجرة ، وكان سبب وفاتها أنّها لما خرجت من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدرجها هبار بن الأسود ورجل آخر ، فدفعها أحدهما فيم قيل ، فسقطت على صخرة فأسقطت فاهراقت الدم ، فلم يزل بها وجعها حتى ماتت (3) .
____________
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 174 نقلاً عن الأستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
2 ـ أعيان الشيعة 7 : 141 نقلاً عن ابن عساكر في تأريخ دمشق : 292 .
3 ـ ذيل المذيل : 3 .

(475)

وفي اُسد الغابة : روى الوليد بن عبدالرحمن الجرشي ، عن الحارث بن الحارث الغامدي ، قلتُ لأبي : ما هذه الجماعة ؟
قال : هؤلاء قوم اجتمعوا على صابيء لهم ، فأشرفنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الناس إلى عبادة الله والإيمان ، وهم يؤذونه ، حتى ارتفع النهار وابتعد عنه الناس ، فأقبلت امرأة تحمل قدحاً ومنديلاً قد بدا نحرها تبكي ، فتناول القدح فشرب ثم توضأ ، ثم رفع رأسه إليها فقال : « يا بنيّة خمّري عليك نحركِ ، ولا تخافي على أبي ك غلبةً ولا ذلاً » .
فقلت : مَن هذه ؟
فقالوا : هذه ابنته زينب (1) .
وفي ذيل المذيل : اُمّها خديجة ، وهي أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تزوّجها ابن خالتها أبوالعاص بن الربيع قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، و اُم أبي العاص هالة بنت خويلد بن أسد ، خالة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولدت زينب لأبي العاص عليّاً وأمامة ، فتوفي علي صغيراً ، وبقيت أمامة فتزوّجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة فاطمة .
وأبو العاص أسمه مقسم بن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي ، وكان فيمَن شهد بدراً مع المشركين فاُسر ، فلمّا بعث أهل مكة في فداء اُساراهم قدم في فداء أبي العاص أخوه عمرو بن الربيع ، وبعثت معه زينب في فداء أبي العاص بمال فيه قلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها ، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رقّ لها رقة شديدة وقال : « إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذي لها » ، فأطلقوه وردّوا عليها الذي لها (2) .
وفي كثير من المصادر : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما أطلق أبا العاص شرط عليه أن يبعث إليه زينب ، فبعث بها مع أخيه كنانة بن الربيع ، فأسرع هبار بن الأسود فروّعها وطعن هودجها
____________
1 ـ اُسد الغابة 5 : 467 .
2 ـ ذيل المذيل : 66 .

(476)

برمحه ، وكانت حاملاً فأسقطت ، فحلف كنانة أن لا يدنو منها أحد إلاّ رماه ، وبلغ الخبر أبا سفيان فجاء وقال لكنانة : إنّك خرجت بها جهاراً على أعين الناس ، وأقنعه أن يردّها ويخرج بها ليلاً . وأهدر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دم هبار ، وأرسل من أحضرها من مكة إلى المدينة .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة ، فخرجوا في أثرها فأدركها هبار بن الأسود ، فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها وألقت ما في بطنها واُرهيقت دماً ـ إلى أن قال ـ : فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزيد بن حارثة : « ألا تنطلق تجيئني بزينب » .
قال : بلى يا رسول الله .
قال : « فخذ خاتمي » ، فأعطاه إيّاه ، فانطلق زيد وبرك بعيره ، ولقي راعياً فقال له : لمن ترعى ؟
فقال : لأبي العاص .
فقال : لمن هذه الأغنام ؟
فقال : لزينب بنت محمّد ، فسار معه شيئاً ثم قال له : هل لك أن اُعطيك شيئاً تعطيه إياها ولا تذكر لأحد ؟
قال : نعم ، فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم ، فعرفته ، فقالت : مَن أعطاك هذا ؟
قال : رجل .
قالت : فأين تركته ؟
قال : بمكان كذا وكذا ، فسكنت حتى إذا كان الليل خرجت إليه (1) .
قال الطبري : فلمّا كان قبيل فتح مكة خرج أبوالعاص بتجارة إلى الشام وبأموال لقريش أبضعوها معه ، فلمّا أقبل قافلاً لقيته سريّة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الاُولى سنة 6 من
____________
1 ـ مستدرك الحاكم النيسابوري 2 : 201 .
(477)

الهجرة ، فأخذوا ما في تلك العير من الأثقال وأسروا اُناساً ، وأعجزهم أبو العاص هرباً ، وأقبل من الليل في طلب ماله حتى دخل على زينب فاستجار بها فأجارته ، فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر وكبّر الناس معه ، صرخت زينب : أيّها الناس إنّي قد آجرت أبا العاص بن الربيع ، فلمّا سلّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ ؟ » .
قالوا : نعم .
قال : « أما والذي نفس محمّد بيده ما علمتُ بشيء حتى سمعتُ ما سمعتم ، انّه يجير على المسلمين أدناهم » .
ثم دخل على زينب فقال : « إي بنيّة أكرمي مثواه ، ولا يخلصنّ إليكِ ، فإنكِ لا تحلّين له » ، وبعث إلى السريّة وقال : « إن هذا الرجل منّا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالاً ، فإن تحسنوا تردّوا عليه الذي له فإنّا نُحب ذلك ، وإن أبي تم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم » .
قالوا : بلى نردّه عليه على جميع ما أخذ منه فحمله إلى مكة ، وأدى إلى كلّ ذي حقّ حقّه ، ثم قال : يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي شيء ؟
قالوا : لا ، وجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيّاً كريماً .
قال : فإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله ، وما منعني من الإسلام عنده إلاّ تخوّف أن تظنوا إنّي إنّما أردت أن آكل أموالكم ، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وروى الطبري بسنده عن ابن عباس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ردّه على زينب بالنكاح الأوّل بعد ستّ سنين ، وروى أيضاً أنّ العاص بن الربيع في بعض أسفاره ذكر امرأته زينب فأنشأ يقول :
ذكرتُ زينب لمّا أدركت ارمـا * فقلت سقياً لشخص يسكن الحـرما
بنت الأمين جزاها الله صالحة * وكـلّ بعـل سيثنـي بالذي علما

وذكر ابن الأثير في تأريخه قصّة اسلام أبي العاص وما سبقتها من أحداث (1) .
____________
1 ـ الكامل في التأريخ 2 : 63 .
(478)

وقال السيّد محسن الأمين في الأعيان : ويحكي ابن أبي الحديد في شرح النهج أنّ بعض شيوخه قال له ما معناه : أترى أنّ زينب كانت أجلّ قدراً أو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة الزهراء ، وأنّ بعلها أبا العاص كان أحب إليه من علي بن أبي طالب ؟
فقال : لا .
فقال : أترى أنّ الشيخين لو قالا للمسلمين : هذه فاطمة بنت نبيّكم تطلب نخيلات في فدك رأيتم أن تدفعوا ذلك لها ، أكانوا يأبون ذلك ؟ ! (1) وقد اختلف بعض المؤرّخين في أنّ زينب ورقيّة هل هما بنتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم بنتا أختٍ لخديجة بنت خويلد ، واختلفوا أيضاً في أنّ زينب ورقيّة هما زوجتا عثمان بن عفان أم اُم كلثوم ورقيّة . فإني رأيت مَن ذكر زينب على أنّها زوجة عثمان بن عفان ، ورأيت بعضهم يذكر اُم كلثوم . وقد فصّلنا ذلك في ترجمة رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2) .

263 زينب بنت محمّد بن يحيى
عدّها البرقي في رجاله من الراويات عن الإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام (3) .
وذكرها الشيخ الطوسي في رجاله أيضاً من الصحابيات للإمام الجواد عليه السلام (4) .
وقال المامقاني : الظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أنّي لم أقف على ما يُدرجها في الحسان (5)
____________
1 ـ أعيان الشيعة 7 : 141 .
2 ـ انظر ترجمتها في : قرب الإسناد : 6 ، الكافي 5 : 555 و 6 : 369 تكملة الرجال 2 : 730 ، الاستغاثة : 75 ، إعلام الورى : 146 ، كشف الغمة 2 : 67 وغيرها من المصادر .
3 ـ رجال البرقي : 62 .
4 ـ رجال الشيخ الطوسي : 409 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 80 . وانظر : مجمع الرجال 2 : 175 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 457 ، أعيان الشيعة 7 : 142 ، رياحين الشريعة 4 : 304 ، معجم رجال الحديث 23 : 191 .