صورة وثيقة بنت الشهيد



(672)

346 فاطمة الكبرى (1)
بنت الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمّد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين .
اُمّها : اُم ولد يقال لها سكن النوبية ، وقيل : خيزران المرسيّة ، وقيل : نجمة ، وقيل : صقر ، وقيل : أروى ، وكنيتها اُم البنين . ولما ولدَت الإمام الرضا عليه السلام سمّيت بالطاهرة ، إذاً هي اُخت الإمام الرضا عليه السلام من اُم وأب .
ولدت في المدينة المنورة عام 183هـ حسبما صرّح به المؤرّخون ، ورضعت من ثدي الإمامة والولاية ، ونشأت وترعرعت في أحضان الإيمان والطهارة ، وورثت عن أبيها الإنسانية ، والمثل العليا في العقيدة والعبادة والعلم والحكمة ، والنفسيّة الزاكية ، والعفة والأدب والحسب النقي ، والنسب النبويّ ، والشرف العلويّ ، والطهر الفاطمي ، وتُعرف على ألسنة الفقهاء والعلماء بكريمة أهل البيت ، ولم تكن بين العقيلات مَن تُعرف بهذا الإسم غيرها .
نشأت فاطمة الكبرى تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام ؛ لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام قد سُجن بأمر من الرشيد ، لذلك تكفّل أخوها رعايتها ورعاية أخواتها ، ورعاية كلّ العوائل من العلويين التي كان الإمام الكاظم سلام الله عليه قائم برعايتهم وسدّ حاجياتهم ، حتى وصل عدد العوائل التي كانت تحت تكفّل الإمام عليه السلام إلى خمسمائة عائلة .
إنّ هذه العقيلة هي من الدوحة العلويّة النقيّة الطاهرة المطهّرة ، ومن حفيدات الصديقة
____________
1 ـ انظر ترجمتها في : إعلام الورى 2 : 312 ، أعيان الشيعة 8 : 391 ، الإرشاد للشيخ المفيد : 303 ، الأنوار النعمانية 1 : 380 ، البداية والنهاية 10 : 307 ، الصراط السوي : 390 ، الفصول المهمة : 242 ، الكامل في التأريخ 78 : 26 ، المستجاد من كتاب الإرشاد : 444 ، باب الجنّة في أحاديث فضل قم وفضل زيارة مشهد فاطمة ، تاج الموالد : 124 ، تأريخ الأئمة : 20 ، تأريخ قم : 199 ، تحفة الفاطميين للشيخ محمد حسن القمي ، تحفة العالم 2 : 23 ، تذكرة الخواص : 351 ، رياحين الشريعة 5 : 31 ، ريحانة الأدب 8 : 286 ، عمدة الطالب : 196 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 268 ، فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، كشف الغمة 2 : 236 ، مطالب السؤل 2 : 65 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 326 ، نور الأبصار : 198 .
(673)

الزهراء سلام الله عليها ، وبناتها الطيّبات العالمات المحدّثات المهاجرات ، اللاتي اختصّهن الله تعالى بملكة العقل والرشاد ، والإيمان والثبات ، والعزيمة والفداء والتضحية ، وأودع فيهنّ العفة والطهارة وبواعث القوة والحقّ والغلبة والكمال ، مع تجنّبهن عوامل الذل والخذلان والخوف والاستسلام والإنحراف .
تُعرف هذه العقيلة بالمحدّثة ، والعابدة ، والمقدامة ، وكريمة أهل البيت عليهم السلام .
لقد كانت فاطمة الكبرى على دين قويم صادق ، وانقطاع متواصل إلى الله ، وفي غاية الورع والتقوى والزهد ، كيف لا وأبوها الإمام الكبير القدر ، العظيم الشأن ، المجتهد الجاد في الإجتهاد ، المشهور بالعبادة ، والمواظب على الطاعات ، المشهور بالكرامات ، يبيت الليل ساجداً وقائماً ، ويقضي النهار متصدّقاً وصائماً ، لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً ، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ، ويقابل الجاني بعفوه عنه ، ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح ، ويُعرف بباب الحوائج إلى الله .

روايتها :
كانت السيّدة فاطمة الكبرى بنت الإمام الكاظم عليه السلام عالمة محدّثة راوية ، حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام ، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث ، وأثبت لها أصحاب السُنن والآثار روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين الخاصة والعامة ، فذكروا أحايثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والإعتماد .
روى الإمام الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري الشافعي المتوفى سنة 813هـ ، بسنده عن بكر بن أحمد القصري ، عن فاطمة بنت علي بن موسى الرضا ، عن فاطمة وزينب و اُم كلثوم بنات موسى بن جعفر ، قلنَ حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق ، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي ، حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين ، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي ، عن اُم كلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عنها قالت :
« أنسيتم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم : مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه ،



(674)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام » (1) .


وبسنده عن بكر بن أحنف قال : حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة وزينب و اُم كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السلام ، قلن : حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليهما السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن علي عليهما السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين عليهما السلام ، قالت : حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي عليهما السلام ، عن اُم كلثوم بنت علي عليه السلام ، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت :
« سمعتُ رسولَ صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لما اُسري بي إلى السماء دخلتُ الجنة ، فإذا أنا بقصر مندرّة بيضاء مجوّفة ، وعليها بابمكلّلبالدر والياقوت ، وعلىالباب ستر ، فرفعتُ رأسي فإذا مكتوب على الباب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، علي وليّ الله ، وإذا مكتوب على الستر : بخٍ بخٍ من مثل شيعة علي .
فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوّف وعليه باب من فضة مكلّل بالزبرجد الأخضر ، وإذا على الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب : محمّد رسول الله ، علي وصي المصطفى ، وإذا على الستر مكتوب : بشّر شيعة علي بطيب المولد .
فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه ، وعليه باب من ياقوت حمراء مكلّلة باللؤلؤ ، وعلى الباب ستر ، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر : شيعة علي هم الفائزون .
فقلت : حبيبي جبرئيل : لمن هذا ؟
فقال : يا محمّد لابن عمّك ووصيّك علي بن أبي طالب عليه السلام ، يحشر الناس كلّهم يوم القيامة حفاة عراة إلاّ شيعة علي ، ويُدعى الناس بأسماء اُمهاتهم ، ما خلا شيعة علي عليه السلام فإنّهم يدعون بأسماء آبائهم .















____________
1 ـ أسنى المطالب : 49 ، الغدير 1 : 196 .
(675)

فقلت : حبيبي جبرئيل : وكيف ذاك ؟
قال : لأنّهم أحبّوا علياً فطاب مولدهم » (1) .



وروى الصدوق في الأمالي عن أحمد بن الحسين المعروف بأبي علي بن عبدربّه ، قال : حدّثنا الحسن بن علي السكري ، قال : حدّثنا محمّد بن زكريا الجوهري ، قال : حدّثنا العباس بن بكار ، قال : حدّثني الحسن بن يزيد ، عن فاطمة بنت موسى ، عن عمر بن علي بن الحسين ، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، عن أسماء بنت أبي بكر ، عن صفية بنت عبدالمطلب ، قالت : لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن اُمّه وكنتُ وليتها قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « يا عمّة هلمّي إلي ابني » .
فقلت يا رسول الله إنّا لم ننظّفه بعده
فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « يا عمّة أنتِ تنظّفيه ؟ ! إنّ الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره » (2) .

وفاتها :
قال الحسن بن محمّد القمي في كتابه تأريخ قم : أخبرنى مشايخ قم عن آبائهم : أنّه لما أخرج المأمونُ الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة 200هـ خرجت فاطمة اُخته تقصده في سنة 201هـ ، ولمّا وصلت إلى ساوة مرضت ، فسألت : كم بينها وبين قم ؟
قالوا : عشرة فراسخ .
فقالت : احملوني إليها ، فحملوها إلى قم ، وأنزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري .
قال : وفي أصح الروايات أنّه لمّا وصل خبرها إلى قم استقبلها أشراف قم وتقدّمهم موسى بن الخزرج ، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله ، وكانت في داره سبعة عشر يوماً ثم توفّيت رضي الله عنها . فأمر موسى بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البواري ، إلى أن بَنت زينب بنت الإمام
____________
1 ـ الفوائد الرضوية : 60 ، بحار الأنوار 68 : 76 ، سفينة البحار 1 : 729 .
2 ـ الأمالي : 82 .

(676)

محمّد بن علي الجواد عليهم السلام عليها قبة (1) .
قال : وأخبرني الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد : أنّه لمّا توفّيت فاطمة رضي الله عنها ، وغسّلت وكفّنت ، حملوها إلى مقبرة بابلان ووضعوها على سرداب حُفر لها ، فاختلف آل سعد في مَن يُنزّلها إلى السرداب ، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السن يقال له قادر ، فلما بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام ، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها ، ثم نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه ، ثم خرجا ولم يكلّما أحداً وذهبا ، ولم يدرِ أحد مَن هما (2) .

زيارتها :
أفرد الشيخ المفيد رحمه الله لها زيارة خاصة في كتابه المزار ، وعقد العلاّمة المجلسي في البحار باباً في زيارة السيّدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليه السلام : حيث حدّث علي ابن ابراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « يا سعد عندكم لنا قبر » .
قلت : جعلت فداك : قبر فاطمة بنت موسى عليها السلام ؟
قال : « نعم ، مَن زارها عارفاً بحقّها فله الجنة ، فإذا أتيتَ القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة ، ثم قل :
السّلام على آدم صفوة الله ، السّلام على نوح نبي الله ، السّلام على ابراهيم خليل الله ، السّلام على موسى كليم الله ، السّلام على عيسى روح الله ، السّلام عليكَ يا رسول الله ، السّلام عليكَ يا خيرَ خلق الله ، السّلام عليك يا صفيّ اللهآ السّلام عليك يا محمّد بن عبدالله خاتم النبيين ، السّلام عليك يا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله ، السّلام عليكِ يا فاطمة سيّدة





____________
1 ـ تأريخ قم : 213 ، بحار الأنوار 102 : 299 .
2 ـ تأريخ قم : 214 ، بحار الأنوار 48 : 290 .

(677)

نساء العالمين ، السّلام عليكما يا سبطي نبي الرحمة وسيّدي شباب أهل الجنّة ، السّلام عليك يا علي بن الحسين سيّد العابدين وقرّة عين الناظرين ، السّلام عليك يا محمّد بن علي باقر العلم بعد النبيّ ، السّلام عليك يا جعفر بن محمّد الصادق البار الأمين ، السّلام عليك يا موسى بن جعفر الطاهر الطهر ، السّلام عليك يا علي بن موسى الرضا المرتضى ، السّلام عليك يا محمّد بن علي التقي ، السّلام عليك يا علي بن محمّد النقي الناصح الأمين ، السّلام عليك يا حسن بن علي ، السّلام على الوصي من بعده ، اللّهم صلّ على نورك وسراجك وولي وليك ووصي وصيك وحجّتك على خلقك .
السّلام عليكِ يا بنتَ رسول الله ، السّلام عليكِ يا بنتَ فاطمة وخديجة ، السّلام عليكِ يا بنتَ أمير المؤمنين ، السّلام عليكِ يا بنتَ الحسن والحسين ، السّلام عليكِ يا بنتَ ولي الله ، السّلام عليكِ يا اُختَ ولي الله ، السّلام عليكِ يا عمّةَ ولي الله ، السّلام عليكِ يا بنتَ موسى بن جعفر ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليكِ ، عرّف الله بيننا وبينكم في الجنّة ، وحشرنا في زمرتكم ، وأوردنا حوض نبيّكم ، وسقانا بكأس جدّكم من يد علي بن أبي طالب صلوات الله عليكم ، أسأل الله أن يرينا فيكم السرور والفرج ، وأن يجمعنا وإياكم في زمرة جدّكم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن لا يسلبنا معرفتكم إنّه ولي قدير .
أتقرّب إلى الله بحبّكم والبراءة من أعدائكم ، والتسليم إلى الله راضياً به غير منكر ولا مستكبر ، وعلى يقين ما أتى به محمّد وبه راضٍ ، نطلب بذلك وجهك يا سيدي ، اللّهم ورضاك والدار الآخرة ، يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن .
اللَّهمَّ إنّي أسألك أن تختم لي بالسعادة ، فلا تسلب مني ما أنا فيه ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ، اللَّهمَّ استجب لنا وتقبّله بكرمك وعزتك






















(678)

وبرحمتك وعافيتك ، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين ، وسلّم تسليماً يا أرحم الراحمين » .


ولها زيارة اُخرى مذكورة في كتب الزيارات وهي :
« السّلام على خاتم النبيين ، السّلام على سيّد المرسلين ، السّلام على حبيب ربّ العالمين ورحمة الله وبركاته ، السّلام على أميرالمؤمنين ، السّلام على سيّد الوصيين ، السّلام على حجّة ربّ العالمين ورحمة الله وبركاته ، السّلام على البتول العذراء ، والإنسية الحوراء ، بنت خيرة الأنبياء ، و اُم ّ الأئمة النجباء ، وحليلة سيّد الأوصياء فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ورحمة الله وبركاته ، السّلام على الإمامين الهمامين النورين النيّرين الطهرين الطاهرين الشهيدين المظلومين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنة ، والتسعة المعصومين من ذريّة الحسين عليهم السلام ورحمة الله وبركاته .
السّلام عليكِ يا فاطمة يا بنت موسى بن جعفر وحجّته وأمينه ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليكِ يا فاطمة يا اُخت الرضا المرتضى المجتبى ورحمة الله وبركاته ، السّلام عليكِ أيتها الطاهرة الحميدة البَرة الرشيدة التقية النقية الرضية المرضية ورحمة الله وبركاته .
أشهد أنّهم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون ، وأنّ الحقّ معهم وفيهم وإليهم ، وأنّ مَن والاهم فقد والى الله ، ومَن عاداهم فقد عادى الله ، أتيتكِ يا سيدتي يا فاطمة زائراً لكِ ، عارفاً بحقّك وبحقّ أخيك وآبائك الأطهار ، طالباً فِكاكَ رقبتي من النار ، وملتمساً منك الشفاعة إذا أمتاز الأخيار من الأشرار ، فاشفعي لي عند ربّك وعند آبائك الأبرار ، فإنّك من أهل بيت لا يخسر مَن تولاهم ولا يخيب من أتاهم .
اللَّهمَّ إنّه قد جاءني الخبر عن الصادق من أهل بيت نبيك عليهم أفضل




















(679)

الصلاة والسّلام : أنّ مَن زار فاطمة بقم فله الجنة ، فها أنا ذا يا إلهي قد جئتها زائراً عارفاً بحقّها ، فصلّ على محمّد وآل محمّد وانفعني بزيارتها ولا تحرمني شفاعتها ، وارزقني الجنّة كما وعدتها ، إنّك على كلّ شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين » (1) .




وقد وردت عدّة أحاديث عن الأئمة الأطهار في فضل زيارة السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام والحثّ عليها نذكر بعضها :
(1) قال ابن قولويه : حدّثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن علي بن ابراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، عن سعد بن سعد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن زيارة فاطمة بنت موسى عليه السلام ، قال : « مَن زارها فله الجنّة » (2) .
(2) وقال أيضاً : حدّثني أبي وأخي والجماعة عن أحمد بن ادريس وغيره ، عن العمركي ابن علي البوفكي ، عمّن ذكره ، عن ابن الرضا عليه السلام ، قال : « مَن زار عمّتي بقم فله الجنة » (3) .
(3) وقال أيضاً : حدّثنا أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قالا : حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن سعد بن سعد قال : سألتُ أباالحسن الرضا عليه السلام عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام ، فقال : « مَن زارها فله الجنّة » (4) .
(4) وقال الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي في تأريخ قم : روى عدّة من أهل الري أنّهم دخولوا على أبي عبدالله عليه السلام ، وقالوا : نحن من أهل الري ، فقال عليه السلام : « مرحباً باخواننا من أهل قم » .
فقالوا : نحن من أهـل الري ، فأعاد عليه السلام الكـلام ، وقالوا ذلك مراراً ، وأجابهم بمثل ما
____________
1 ـ تأريخ قم : 215 ، أنوار المشعشعين 1 : 211 .
2 ـ كامل الزيارات : 324 ، مستدرك الوسائل 3 : 227 ، أنوار المشعشعين 1 : 11 ، بحار الأنوار 102 : 267 ، تأريخ قم : 215 .
3 ـ كامل الزيارات : 324 ، سفينة البحار 2 : 376 .
4 ـ كامل الزيارات : 324 .

(680)

أجاب به .
فقال عليه السلام :
« إنّ لله حرماً وهو مكة ، وإنّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرماً وهو المدينة ، وإنّ لأميرالمؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة ، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم ، وستُدفن فيها امرأة من أولادي تُسمّى فاطمة ، فمنَ زارها وجبت له الجنّة » .




قال الراوي : وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام (1) .
(5) وعن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال : « يا سعد عندكم لنا قبر » .
قلت له : جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام ؟
قال : « نعم مَن زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة » (2) .
(6) وفي تأريخ قم : وفي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام إنه قال : « إنّ زيارتها تعادل الجنة » (3) .

كراماتها :
للسيّدة فاطمة الكبرى سلام الله عليها كرامات كثيرة مدوّنة في الكتب ، ويتناقلها العلماء والاُدباء في محافلهم ومجالسهم نذكر بعضها :
قال الفقيه المحدّث الميرزا حسين بن الشيخ محمّد تقي النوري الطبرسي المتوفّى سنة 1320هـ : ومن آيات الله العجيبة التي تطهّر القلوب عن رجز الشياطين : أنّه في أيام مجاورتنا في بلدة الكاظمين عليهما السلام كان رجل نصراني ببغداد يسمّى يعقوب ، عرض له مرض الاستسقاء ، فرجع إلى الأطباء فلم ينفعه علاجهم ، واشتد به المرض وصار نحيفاً ضعيفاً إلى
____________
1 ـ مستدرك الوسائل 3 : 227 ، بحار الأنوار 10 : 267 ، سفينة البحار 2 : 446 .
2 ـ بحار الأنوار 102 : 299 ، سفينة البحار 2 : 446 .
3 ـ تأريخ قم : 215 .

(681)

أن عجز عن المشي .
قال : وكنتُ أسأل الله تعالى مكرّراً الشفاء أو الموت ، إلى أن رأيتُ ليلة في المنام ـ وكان ذلك في حدود الثمانين بعد المائتين والألف ، وكنت نائماً على السرير ـ سيّداً جليلاً نورانياً طويلاً حضر عندي فهزّ السرير ، وقال : إن أردتَ الشفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمين عليهما السلام وتزور ، فإنّك تبرأ من هذا المرض ، وانتبهت من النوم وقصصتُ رؤياي على اُمّي ، فقالت : هذا من الشيطان ، وأتت بالصليب والزنار وعلقتهما عليّ .
ونمتُ ثانياً فرأيتُ امرأة منقّبة عليها ازارها فهزّت السرير وقالت : قم فقد طلع الفجر ، ألم يشترط معك أبي أن تزوره فيشفيك ؟
فقلت : ومَن أبوك ؟
قالت : الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام .
فقالت : ومَن أنت ؟
قالت : أنا المعصومة اُخت الرضا عليه السلام .
فانتبهت متحيّراً في أمري ما أصنع ، وأين أذهب ، فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيّد الراضي البغدادي الساكن في محلّة الرواق منه ، فمشيت إليه ، فلمّا دققت الباب نادى مَن أنت ؟
فقلت : افتح الباب ، فلمّا سمع صوتي نادى ابنته افتحي الباب ، فإنّه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام .
فقلت له بعد الدخول : من أين عرفت ذلك ؟
فقال : أخبرني بذلك جدّي عليه السلام في النوم ، فأذهب بي إلى الكاظمين عليهما السلام ، وادخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبدالحسين الطهراني أعلى الله مقامه ، فحكيتُ له القصة ، فأمر أن يذهب بيّ إلى الحرم المطهّر ، فأذهبوا بيّ إليه وأطافوا بيّ حول الشباك ، ولم يظهر لي أثر .
فلمّا خرجتُ منه تأمّلتُ هنيئة وعرض لي عطش فشربت الماء ، فعرض لي اختلاط فوقعت على الأرض ، فكأنّه كان على ظهري جبل فحطّ عني ، وخرج نفخ بدني ، وبُدّل اصفرار وجهي إلى الحمرة ، ولم يبق فيّ أثر من المرض .


(682)

فرجعتُ إلى بغداد لأخذ مؤنتي من مالي ، فاطّلع أهلي وأقاربي فأخذني وأذهبوا بيّ إلى بيت فيه جماعة فيها اُمي ، فقالت لي : سوّد الله وجهك ذهبت وكفرت .
فقلت : ترين ما بقي من مرضي أثر ؟
فقالت : هذا من السحر .
ونظر سفير الدولة الانكليزية إلى عمّي وقال : إاذن لي أن اُؤدبه فإنّه قد كفر اليوم ، وغداً يكفر جميع طائفتنا ، فأمر فجردوني واضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقرباج ، وهو مشتمل لشعب من السيم الموضوعة على رأسه شبه الإبر ، فجرى الدم من أطراف بدني ، ولكن لم يؤثر فيه من جهة الوجع والألم ، إلى أن أوقعت اُختي نفسها عليّ فكفوا عني وقالوا لي : أقبل على شأنك ، فرجعت إلى الكاظمين عليهما السلام ودخلت على الشيخ المعظم ، فلقّنني الشهادتين وأسلمتُ على يديه .
فلمّا كان وقت العصر بعث المتعصعب العنيد والي بغداد نامق باشا رسولاً إلى الشيخ ومعه كتاب فيه : إنّ رجلاً أتى إليكليسلموهو منرعايانا وتبعة الإفرنج ، فلابدّ أنيسلمعند القاضي .
فأجابه بأن الذي ذكرته أتى عندي ثم ذهب لشأنه ، وأخفاني وبعثني إلى كربلاء واختتنت هناك وزرت المشهد الغروي ورجعت ، ثم بعثني رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم ، وكنتُ في القرية المذكورة سنة ، ثم رجعت إلى العتبات .
فلمّا دخلت بلد الكاظم عليه السلام تحرّك فيّ عرق الرحم واشتقت إلى لقائهم ، وذكرتُ ذلك للشيخ الأجل الشيخ محمّد حسن الكاظمي المدعو بـ ( يس ) جعله الله في درعه الحصين ، فمنعني وقال : أخاف أن يلزموك ، فإمّا أن تعذّب ، أو ترجع إلى النصرانيّة ، فرجعت عن قصدي ، ورأيتُ في تلك الليلة في النوم كأني في بريّة واسعة مخضرة من النبات وفيها جماعة من السادة ، وكان رجل واقف فيها فقال لي : لم لا تسلّم على نبيّك ؟ فسلمت عليهم ، فقال لي أحد السيّدين اللذين كانا مقدمين على جميعهم : أتحب أن ترى أباك ؟
فقلت : نعم .
فقال لذلك الرجل : اذهب به إلى أبيه ليراه ، فاذهب بيّ فرأيت جبلاً مظلماً يستقبلني ، فلمّا


(683)

قرب منّي استعر الهواء فصار مثل الصيف وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل ناراً يصيبني شررها ، واسمع من داخله صياح إنسان وكان أبي ، فاستوحشتُ فردّني إلى السادة وكانوا يضحكون عليّ وقالوا : أتريد أباك بعد هذا ؟
فقلت : لا .
ثم أمروا بي أن أغتمس فيحياض كانت هناك وهيسبعة ، فاغتمست بأمرهم في كلّ واحد منها ثلاثمرات ، ثماُتي لي بثياب بيض فلبستها ، وانتبهت منالنوم فرأيت بدني يحك وخرجت من محل جميعه دماميل كبار ، وذكرتُ ذلك للشيخ الأجل فقال : ذلك ممّا في بدنك من لحم الخنزير وأثر الخمر ، يريد الله أن يطهّرك منه لمّا أسلمت ، وكان يخرج منها القروح إلى أسبوع .
وانصرف عن عزمه زيارة أهله ورجع إلى محلّ هجرته وتزوج فيه ، واشتغل بذكر قراءة مصائب أبي عبدالله عليه السلام ، وهو الآن به ، وله أهل وأولاد ، وتشرّف في خلال تأليف الكتاب مع أهله بزياره أئمة العراق عليهم السلام ثانياً ، ثم رجع ، كثّر الله تعالى أمثاله وأصلح باله وأحسن مآله (1) .
وقال المحدّث الشيخ عباس القمي في كتابه الفوائد الرضوية ، عند ترجمته للحكيم المتأله المولى صدر الدين بن محمّد بن ابراهيم المتوفى سنة 1050هـ : واعلم أنّ بعضاً من مشايخي حدّثني : أنّ المرحوم الملا صدرا الشيرازي على أثر حوادث عصيبة وقضايا مريرة انتابته في وقته ممّا اضطرته إلى ترك موطنه شيراز ، وشدّ الرحال إلى ضواحي دار الإيمان قم ، التي تعتبر عشّ آل محمّد وحرم العترة الطاهرة عليهم السلام حسبما جاء في الحديث : « اذا عمّت البلدان الفتن والبلايا فعليكم بقم وحواليها ، فإن البلايا مدفوع عنها » ، فاستوطن احدى قرى قم المسمّاة كهك ، بينها وبين قم أربعة فراسخ ، فكان الشيخ في بعض الأحايين التي تعتريه مسائل علميّة عويصة وقضايا فلسفية مبهمة ، يقصد قبر العقيلة الجليله فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليها ، ويستلم منها حلّ مشاكله العلمية والفلسفية ، ثم يعود إلى مقره (2) .
____________
1 ـ دار السلام 2 : 169 .
2 ـ الفوائد الرضوية : 379 .

(684)

347 فاطمة البرغانيّة القزوينيّة
فاطمة بنت الشيخ محمّد صالح ابن الشيخ الملاّ محمّد الملائكة ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
من ربّات الفصاحة والبلاغة والأدب ، سريعة البديهة ، فصيحة ، بصيرة بالكلام ، عالمة ، فاضلة ، مجتهدة ، مؤلّفة ، مدرّسة للعوم الاسلامية ، حافظة للقرآن الكريم ، عارفة بتفسيره ، نحويّة .
أخذت الصرف والنحو والمنطق والكلام عن اُختها قرّت العين ، وتفقّهت على والدها الشيخ محمّد صالح البرغاني الحائري المتوفى سنة 1271هـ وعمّها الشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ ، وتخرّجت في الفلسفة على الشيخ الملا آغا الحكمي القزويني وأخيها الشيخ الميرزا عبدالوهاب البرغاني القزويني ، وأخذت العرفان والحديث عن عمّها الشيخ الملاّ علي البرغاني .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمها الشيخ عبدالحسين البرغاني القزويني ، فرزُقت منه الشيخ رضا شيخ الإسلام .
تصدرّت كرسي التدريس في قسم النساء من المدرسة الصالحية بقزوين ، وكانت تتباحث مع زوجها وسائر رجال اُسرتها في المسائل الفقهيّة والاُصوليّة والفلسفيّة ، وتستنبط الأحكام الشرعيّة ، وتفتي في المسائل العلمية .
لها عدّة مؤلّفات منها : مجموعة من فتاواها ، وبعض الحواشي على الكتب الفلسفية والفقهية ، ورسالة في الإرث ، ورسالة في الحيض . وكلّ مؤلّفاتها موجودة عند أحفادها بقزوين (1) .
____________
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 6 : 201 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .
(685)

348 فاطمة البرغانيّة القزوينيّة
فاطمة بنت الشيخ محمّد علي ابن الشيخ محمّد ابن الشيخ محمّد تقي ابن الشيخ محمّد جعفر ، ابن الشيخ محمّد كاظم البرغاني القزويني .
عالمة ، فاضلة ، فقيهة ، خطيبة بارعة ، مؤلّفة ، مُحدّثة ، حافظة للقرآن الكريم ، عالة بتفسيره .
أخذت المقدّمات وفنون الأدب على أخيها الشيخ عبدالحسين ، وحضرت في الفسلفة العالية على الآخوند الملاّ اغا الحكمي القزويني ، وأخذت العرفان والفقه والحديث على أبيها المتوفى سنة 1269هـ والشيخ أحمد الأحسائي المتوفى سنة 1241هـ حين أقام في قزوين ، كما حضرت في الفقه والأصول على عمّها الشيخ محمّد صالح البرغاني المتوفى سنة 1271هـ والشهيد الثالث المستشهد سنة 1263هـ .
ولمّا بلغت سنّ الرشد تزوّجت ابن عمها الشيخ حسن ، ورزقت منه العلمين : الشيخ الميرزا علاّمة الحائري ، والشيخ الميرزا علي نقي الحائري . وسكنت مع زوجها مدينة النجف الأشرف ، وبعد وفاته سنة 1281هـ استقرت في كربلاء حتى توفّيت بها حدود سنة 1300هـ .
كانت رحمها الله من فواضل نساء عصرها وربّات العقل والرأي الراجح والدين والصلاح ، كثيرة العبادة والزهد ، ولها مقدرة عظيمة على الخطابة والوعظ ، وكان يراجعها النساء في المسائل الدينية .
لها عدّة مؤلّفات منها : رسائل في الفقه ، وحواشي على عدّة كتب (1) .
____________
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 7 : 205 نقلاً عن الاُستاذ عبدالحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة .