349 فاطمة بنت الناصر
فاطمة بنت الناصر الصغير أبي محمّد الحسن بن أبي الحسين أحمد صاحب جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن عمران بن الإمام علي السجّاد زين العابدين بن الإمام الحسين السبط الشهيد ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام .
والدة السيّدين الشريفين الرضي والمرتضى .
كانت من جليلات النساء وفضلياتهن ، تقيّة ورعه ، لها اليد الطولى في تربية ولديها الرضي والمرتضى ، ودفعهما إلى التعليم ، حيث إنّ زوجها قد صودرت أمواله وحبس في فاس سنة 369هـ ، وبذلك يكون الرضيى والمرتضى قد عاشا سنّ الفتوة مع اُمّهما ، فقامت هذه الاُم البارة بتربيتها حتى اُفرج عن زوجا سنة 376هـ ، وبقيت ترعاهما حتى توفّيت سنة 385هـ .
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : حدّثني فخار بن معد العلوي الموسوي؛ ، قال : رأى المفيد أبو عبدالله محمّد بن النَعمان الفقيه الإمامي في منامه كأنّ فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها الحسن والحسين عليهما السلام صغيرين ، فسلّمتهما إليه وقالت له : علّمهما الفقه ، فانتبه متعجّباً من ذلك .
فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا ، دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها ، وبين يديها ابناها محمّد الرضي وعلي المرتضى صغيرين ، فقام إليها وسلّم عليها ، فقالت له : أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلّمهما الفقه ، فبكى أبو عبدالله وقصّ عليها المنام ، وتولّى تعليمهما الفقه ، وأنعمَ عليهما ، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا ، وهو باقٍ ما بقي الدهر (1) .
وذكر هذه القصة أيضاً السيّد صدرالدين علي خان المدني الشيرازي الحسيني المتوفى سنة 1120هـ في كتابه « الدرجات الرفيعة » (2) .
____________
1 ـ شرح نهج البلاغة 1 : 41 .
2 ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة : 459 .

(687)

إلاّ أن ابن حجر في لسان الميزان في ترجمة السيّد المرتضى قال : إنّ الذي ذهب بالولدين هو أبوأحمد والد الرضي والمرتضى (1) ، وهو خطأ واضح .
وهذه القصة تدلّ دلالة واضحة وقوية على مبلغ حدب هذه المرأة على ولديها ، فهي تذهب بنفسها وحولها جواريها ، وكان يمكن أن يكفيها مؤونة ذلك خادم أو ذو قرابة ، لكن ذهابها بنفسها إلى مدرسة الشيخ المفيد له أعظم الأثر في نفسه للعناية بولديها .
وقد ألّف لها الشيخ المفيد رسالة بعنوان « أحكام النساء » حيث يقول فيها : وبعد ، فإنّني لما عرفت من آثار السيّدة الجليلة أدام الله إعزازها ، جمعتُ الأحكام التي تعمُّ المكلّفين من الناس ، وتخصّ النساء منهم على التمييز لهن والايراد ، ليكون ملخّصاً في كتاب يعتمد للدين ، ويرجع إليه فيما يثمر العلم به واليقين . وأخبرني برغبتها أدام الله توفيقها في ذلك مَن سكنتُ إلى خبره ، وسألني الإيجاز فيما أتيته منه؛ ليخفّ حفظه على متأمله ومعتبره ، واستخرتُ الله تعالى في ذلك ، وأمليتُ ما يحويه هذا الكتاب ممّا تقدّم بذكره الخطاب ، والله الموفق للصواب (2) .
وقال الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة : « أحكام النساء » للشيخ أبي عبدالله محمّد ابن محمّد بن النعمان المفيد الحارثي المولود سنة 338هـ والمتوفى سنة 413هـ ، مرتّب على أبواب ، أوّله : الحمد لله الذي هدى العباد إلى معرفته ، ويسّر لهم سبيل . . . استظهر شيخنا العلاّمة النوري في كلامه في ديباجة الكتاب أنّه كتبه للسيّدة الجليلة اُم الشريفين الرضي والمرتضى فاطمة بنت الحسن بن أحمد بن الحسين الناصر الكبير أبي محمّد الأطروش ، الشهيد بآمل طبرستان في سنة 304هـ ، رأيتُ نسخة عتيقة منه عند العلاّمة الشيخ عبدالحسين الحلّي النجفي (3) .
وتوجد نسختان خطيّتان منه في المكتبة العامة للسيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي
____________
1 ـ لسان الميزان 4 : 223 .
2 ـ أحكام النساء : 3 .
3 ـ الذريعة 1 : 302 رقم 1578 .

(688)

النجفي رحمه الله في مدينة قم المقدسة .
الاُولى : تأريخ كتابتها في القرن الحادي عشر ، تحت رقم 78 ، مذكورة في فهرس الكتب الخطيّة للمكتبة ج 1 ص 89 .
الثانية : نسخة قديمة مذكورة في فهرس الكتب الخطيّة للمكتبة ج 1 : 267 .
ولمّا توفّيت هذه المرأة الصالحة رثاها ولدها الشريف الرضي بقصيدة عصماء ، تدلّ على صفاتها الحميدة وأفعالها المجيدة .
هذه القصيدة الباكية الحزينة تدلّ على نفس ملتاعة ، وألم مُمِضّ ، وأسىً فاجع ، وقد عبّر عما ألمّ به من الجوى ، وما أصابه من الجزع ، ووصف كيف قهره الحزن وأخلف الدهر ظنونه ، فقد كان يؤثر أن يكون فداها .
والرضي محقٌّ في جزعه ، فهو لم يفقد اُمّاً ككلّ الاُمهات ، وإنّما هي قانتة خاشعة ، اُم ّ تُغني عن الآباء ، وموقفها في فترة سجن أبيه شاهد على ذلك ، وهي اُم ّ وضعت ميسمها على سنى حياته وخطوات عمره ، فقد كان يتّقي بها النوائب ، ويفزع إليها إذا ضاقت يده ، وكانت وقاءه إذا ألحّت به نكبة ، بل كان دعاؤها الستر له ، والمدافع عنه ، وقد عبّر الرضي عن ذلك بأصدق تعبير في قوله :
أبكيكِ لَـوْ نَقَـعَ الغَليلَ بُكَائـي * وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائي (1)
وَأَعُوذُ بـالصّبْرِ الجَميـلِ تَعَزّياً * لَوْ كـانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائي
طَوْراً تُكاثِرُنـي الدّمُوعُ وَتَـارةً * آويِ إلـى اُكـرُومَتي وَحَيَائي
كَـمْ عَبْرَةً مَـوّهتُها بِـأنَاملـي * وَسَتَرتُها مُـتَجَمّلاً بِـرِدائـي
أبْدي التَّجَلّدَ للعَـدوّ وَلـو دَرى * بتَملْمُلي لَقَـدِ اشتَفَـى أعدائي
ما كُنتُ أذخرُ فـي فِداكِ رَغِيبَةً * لـَوْ كـانَ يَرْجِـعُ مَيّتٌ بفِداءِ
لَـوْ كـانَ يُدْفَعُ ذا الحِمَامُ بقُوّةِ * لتكَدّسَتْ عُصَـبٌ وَرَاءِ لِـوائي

____________
1 ـ نقع الظمأ : أرواه . الصحاح 3 : 1292 « نقع » .
الغليل : حرارة الحزن . الصحاح 5 : 1784 « غلل » .

(689)

بِمُدّرِّبِـينَ عَلـى القِـراعِ تَفَيَّـاؤُا * ظِلَّ الـرّمـاحِ لـكُلِّ يَـومِ لِقَـاءِ
قَـومٌ إذَا مَرِهُوا بـأغبابِ السُّرى * كَحَلُـوا العُيُونَ بـإثمِدِ الظَّلمَاءِ (1)
يَمشُون في حَلَقِ الـدّرُوع كأنّهُـمْ * صُـمّ الجَـلامِدِ فـي غَـدِيرِ الماءِ
ببُـروقِ أدرَاعٍ وَرَعـدِ صَـوَارِمٍ * وَغَمـامِ قَـسطَلَةٍ وَوَبْـلِ دِماءِ (2)
فـارَقْتُ فِـيكِ تَمـاسُكي وَتَجمُّلِـي * وَنَـسيتُ فيـكِ تَعَـزّزي وإبائـي
وَصَنَعتُ مـا ثَلَـمَ الـوَقَار صَنيعُهُ * مِمّا عَـرَانِي مِنْ جَوَى البُرَحاءِ (3)
كَمْ زَفْـرَةٍ ضَعُفَـتْ فصَـارَتْ أنّـةً * تَـمّمتُهـا بِـتَنَفّسِ الصُّعَــداءِ
لهفَانَ أنزو فـي حَبَائِـلِ كُـرْبَـةٍ * مَـلَكَتْ عَلـيّ جَلادَتـي وَغَنَـائي
وَجَـرى الزّمَـانُ على عَوَائِدِ كَيْدِهِ * فِـي قَلْبِ آمــالِي وَعَكْسِ رَجَائي
قَدْ كُنتُ آمُلُ أنْ أكـونَ لـكِ الفِـدا * مِمّـا ألَـمْ فـكُنتِ أنْـتِ فِـدائي
وَتَفَـرُّقُ البُعــداءِ بَعـدَ مَـوَدَّةٍ * صَعْبٌ فَـكَيفَ تَفَـرُّقُ القُّـرَبَـاءِ
وَخَلائِقُ الدُّنْيـا خَـلائِقُ مُـومِسٍ * لِلمَنْــعِ آوِنَــةً ولـلإعْطَـاءِ
طَـوْراً تُبـادِلُكَ الصّفـاءَ وَتَـارَةً * تَلْقَـاكَ تُنْكِـرُهـا مِـنَ البَغْضَاءِ
وَتَــداوُلُ الأيّــامِ يُبْلِينـا كَمَـا * يُبلي الرّشاءَ تَطاوُحُ الأرْجـاءِ (4)
وَكَـأنّ طُولَ العُمْـرِ روحَةُ راكِبٍ * قَـضّى اللُّغُوبَ وَجَدّ في الإسْراءِ
أنْضَيتِ عَــيْشَكِ عِفّـةً وَزَهادَةً * وَطُـرِحْـتِ مُثْقَلَةً مِـنَ الأعْبـاءِ
بِصِيامِ يَـوْمِ القَيظِ تَـلْهَبُ شَمْسُهُ * وَقِيـامِ طُـولِ اللّيلَــةِ اللّيـلاءِ

____________
1 ـ مَرهت العين مرهاً : إذا فسدت لترك الكحل . الصحاح 6 : 2249 « مره » .
الغُبُّ : الغامص من الأرض ، والجمع أغباب وغبون . الصحاح 1 : 191 « غيب » .
2 ـ القسطلة : غبار الحرب . الصحاح 5 : 1801 « قسطل » .
3 ـ البرحاء : الشدّة والأذى . الصحاح 1 : 355 « برح » .
4 ـ الرِشاء : الحبل . الصحاح 6 : 2357 « رشا » .
تطاوح : ترامى . الصحاح 1 : 389 « طوح » .
الرجى ، مقصور : ناحية البئر وحافتاها الصحاح 6 : 2356 « رحا » .

(690)

مَا كانَ يَوماً بالغَبينِ مَنِ اشتَرى * رَغْـدَ الجِنـانِ بِعَيشَـةٍ خَشْناءِ
لَـوْ كَـانَ مِثْلَكِ كُـلُّ اُم ٍّ بَـرّةٍ * غَنِـيَ البَنُـونَ بِهـا عَنِ الآباءِ
كَيفَ السُّلُوّ وَكُلّ مَوْقِعِ لحظـة * أثَـرٌ لـفَضلِكِ خـالِدٌ بـإزَائـي
فَعَلاتُ مَعرُوفٍ تُقِـرّ نَوَاظِـري * فَتَكُـونُ أجْلـَبَ جـالِبٍ لبُكـائي
مَا مَاتَ مَـنْ نَزَعْ البَقَاءَ وَذِكْرُهُ * بـالصّالحاتِ يُعَـدّ فـي الأحْياءِ
فَبـأيِّ كَـفٍّ أستَجِـنّ وأتّقـي * صَـرْفَ النّـوائبِ أمْ بَأيّ دُعاءِ
وَمَنِ الـذي إنْ سَـاوَرَتْني نَكبَةٌ * كـانَ المُـوَقّي لي مِنَ الأسْواءِ
أمْ مَـن يَلِطّ عَلـيّ سِتْرَ دُعائِـهِ * حَرَماً من البأساءِ وَالضّرّاءِ (1)
رُزْآنِ يــَزْدادانِ طُـولَ تَجَـدّدٍ * أبَدَ الزّمـانِ فَنَاؤهـا وَبَقـائي
شَهِـدَ الخـلائِقُ أنّهَـا لَنَـجِيبَةٌ * بدَليلِ مَـنْ وَلَدَتْ مِـنَ النُّجَبَاءِ
فِي كُـلّ مُظْلِمِ أزْمَـةٍ أوْ ضِيقَةٍ * يَبْدُو لهَـا أثَـرُ اليَـدِ البَيْضاءِ
ذَخَرَتْ لَنا الذّكرَ الجَميلَ إذا انقضَى * مَـا يَـذْخَرُ الآبَـاءُ لـلأبْنَاءِ
قَدْ كُنْتُ آمُلُ أنْ يَكُـونَ أمامَهـا * يَوْمي وَتُشفقُ أنْ تَكُونَ وَرَائي
كَـمْ آمِرٍ لـي بالتَّصَبّر هَاجَ لي * داءً وَقَـدَّرَ أنّ ذاكَ دَوَائــي
آوي إلـى بَـرْدِ الظّلالِ كَـأنّني * لِتَحـرّقـي آوي الـرّمضَـاءِ
وَأهُبّ مِنْ طِيبِ المَنَـامِ تَفَزّعـاً * فَزَعَ اللّديغِ نَبَا عَـنِ الإغْفـاءِ
آبَـاؤكِ الغُـرّ الّذيـنَ تَـفَجَّرَتْ * بِهِـم يَنَـابيـعٌ مِـنَ النّعْماءِ
مِنْ نـاصِرٍ للحَقّ أوْ داعٍ إلـى * سُبُلِ الهُـدى أوْ كاشِفِ الغَمّاءِ
نَزَلُوا بعَرْعَرَةِ السَّنَامِ مِنَ العُلى * وَعَلُوا عَلى الأثباجِ والأمْطاءِ (2)

____________
1 ـ لطّ الستر : أي أرخاه . الصحاح 3 : 1156 « لطط » .
2 ـ عرعرة السنام : رأسه . الصحاح 2 : 743 « عرعر » .
الأثباج ، الواحدة ثبج : ما بين الكاهل الى الظهر . الصحاح 1 : 301 « ثبج » .
الأمطاء ، والواحد مطا : وهو الظهر . الصحاح 6 : 2294 « مطا » .

(691)

مِنْ كلّ مُستَبقِ اليَدَينِ إلـى النّدى * وَمُسْـــدِّدِ الأقــوالِ وَالآراءِ
يُرْجَـى عَلى النّظَرِ الحَدِيدِ تَكَرّمـاً * وَيُخـافُ فِي الإطْراقِ وَالإغْضَاءِ
دَرَجُوا عَلى أثَرِ القُـرُونِ وَخَلّفُـوا * طُـرُقاً مُـعَبَّـدَةٌ مِـنَ العَليـاءِ
يا قَبْرُ أمْنَحُـهُ الهَـوَى وأوَدّ لَـوْ * نَـزَفَتْ عَلَيْهِ دُمُوعُ كُـلِّ سَمَـاءِ
لازَالَ مُرتَجِـزُ الرّعُـودِ مُـجَلْجِلٌ * هَـزِجُ البَوارِقِ مُجلِبُ الضَّوضَاءِ
يَرْغُـو رُغَاءَ العَوْدِ جَعجَعَهُ السُّرى * وَيَنُوءُ نَوْءَ المُقرِبِ العُشَرَاءِ (1)
يَقْتَـادُ مُثْقَلَـةَ الغَمَــامِ كـأنّمـا * يَنهَضْنَ بـالعَقَداتِ والأنْقـاءِ (2)
يَهْفُوا بِها جِنحَ الدّجَى وَيَسُـوقُها * سـوقَ البِطـاءِ بِعاصِفٍ هَوْجاءِ
يَرْمِيكَ بـارِقُها بـِأفـلاذِ الحَيَـا * وَيَـغُضّ فِيـكَ لَطائِمَ الأنْداءِ (3)
مُتَحَلّيـاً عَـذْرَاءَ كُـلِّ سَحَـابَةٍ * تَغْـذُو الجَمِيـمَ برَوْضَةٍ عَذْراءِ
لَلَؤمتُ إنْ لَـمْ أسْقِها بمَـدامِعي * وَوَكلْـتُ سُقيَـاهَا إلـى الأنوَاءِ
لهفي على القَوْم الاُولى غَادَرْتُهُمْ * وَعَلَيهِـمُ طَبَـقٌ مِـنَ البَيْـداءِ
مَتَوَّسِّدِينَ عَلـى الخُـدُودِ كَأنّمـا * كَـرَعُوا عَلى ظَمَأٍ مِنَ الصَّهْباءِ
صُوَرٌ ضَنَنْتُ عَلـى العُيُونِ بِلَحظِها * أمْسَيْتُ اُؤقِرُها مِنَ البَوْغَاءِ (4)
وَنَـواظِرٌ كَحَـلَ التّرابُ جُفُونَهـا * قَـدْ كنتُ أحـرُسُها مِنَ الأقذاءِ
قَـرُبَتُ ضَـرَائِحُهُمْ عَلى زُوّارِها * وَنَـأَوْا عَـنِ الطُّلاّبِ أيّ تَنَائِي
وَلَبِئسَ ما تَلْقى بِعُقـرِ دِيـارِهِـمْ * اُذْنُ المُصِيخِ بِها وَعَينُ الـرّائي
مَعـرُوفُكِ السّامِي أنِيسُكِ كلّمـا * وَرَدَ الظَّلامُ بـوَحشَـهِ الغَبـراءِ

____________
1 ـ المقرب العشراء : أي التي قربت ولادتها ، وقد مضى لحملها عشرة أشهر .
2 ـ العِقد ، بكسر القاف : ما تعقّد من الرمل ، أي تراكم ، والواحد عَقِدَةٌ ، الصحاح 2 : 510 « عقِد » .
الانقاء ، الواحدة نقا مقصورة : وهي الكثيب من الرمل . الصحاح 6 : 2514 « نقا » .
3 ـ اللطائم ، والواحدة اللطيمة : وهي العِير التي تحمل الطيب . الصحاح 5 : 203 « لطم » .
4 ـ البوغاء : التربة الرخوة التي كأنها ذريرة . الصحاح 4 : 317 « بوغ » .
الوقر ، بالكسر : الحملُ . الصحاح 2 : 848 « وقر » .

(692)

وَضِياءُ مـا قَدّمتِهِ مِـنْ صالِحٍ * لكِ في الدّجى بَدَلٌ مِنَ الأضوَاءِ
إنّ الـذي أرضَاهُ فِعلُكِ لا يَـزَلْ * تُـرضِيكِ رَحْمَتُهُ صَبـاحَ مَساءِ
صَلّى عَلَيْكِ وما فَقَـدتِ صَلاتَهُ * قَبـلَ الـرّدى وَجَزاكِ أيّ جَزَاءِ
لَوْ كـانَ يُبلِغُكِ الصَّفيحُ رَسائِلي * أوْ كـانَ يُسمِعُكِ التّـرابُ نِدائي
لَسَمِعْتِ طُولَ تَأوّهـي وَتَفَجُّعي * وَعَلِمْتِ حُسْنَ رِعـايَتِي وَوَفائي
كانَ ارْتِكاضِي فِي حَشاكِ مُسَبَّباً * رَكضَ الغَليلِ عَلَيكِ في أحشائي

350 فاطمة الفرات
فاطمة بنت هارون بن موسى بن الفرات .
مُحدّثة ، روى عنها التلعكبري .
قالت : سمعتُ جدّي موسى بن الفرات يقول : حدّثني محمّد بن أبي عمير بكتاب عبيدالله ابن علي الحلي ، ولم يسمع منها غير هذا الكتاب .
ذكرها الشيخ الطوسي في رجاله في مَن لم يرو عنهم عليهم السلام (1) .

351 فضّة البلاغيّة
فضّة بنت الشيخ محمّد علي بن عباس بن حسن بن عباس بن محمّد بن علي بن محمّد البلاغي النجفي ، كان أبوها حيّاً حدود سنة 1228هـ (2) .
أخوها الشيخ أحمد بن محمّد علي البلاغي النجفي ، المتوفّى حدود سنة 1248هـ (3) .
زوجها الشيخ علي بن حسين بن علي آل محفوظ الوشاحي الأسدي الكاظمي ، نزيل
____________
1 ـ رجال الشيخ : 521 ، مجمع الرجال 7 : 178 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، تنقيح المقال 3 : 82 ، معجم رجال الحديث 23 : 198 ، أعلام النساء 5 : 315 .
2 ـ أعيان الشيعة 9 : 427 .
3 ـ أعيان الشيعة 3 : 135 .

(693)

هرمل ، والمتوفى سنة 1272هـ (1) .
عالمة ، فاضلة ، أديبة ، جليلة ، تُعدُّ من أساتذه الحوزة العلميّة في النجف الأشرف لمرحلتي المقدّمات والسطوح في القرن الثالث عشر ، لها تعليقات على بعض الكتب ، وكانت حسنة الخط .
ولدت في سنة 1189هـ ، وأقرأها أبوها القرآن الكريم في سنّ مبكّر ، وعلّمها القراءة والكتابة ، والنحو والصرف ، والفقه والاُصول . وحضرت عند بعض أقربائها ومحارمها من الأعلام ، تنهل من عذب علومهم ومعارفهم الإسلاميّة ، حتى صارت يُشار لها بالبنان ، واُجيزت من قبل فريق من العلماء ، وبدأت بتدريس الفقه والأصول والحديث ، وحضَر عليها جمع من العلماء .
قال الخاقاني في شعراء الغري : وحدّثنا الشيخ محمّد السماوي أنّه سمع جملة من علماء النجف حضروا عندها « القوانين » في الأصول ، باعتبار كونها مجازة بقراءتها على صاحبها (2) .
وقد برعت هذه العالمة الفاضلة في العلوم العربيّة ، حتى عُرفت بلاغتها وأدبها بين العلماء ، وكان لها محاورات ومراسلات شعراً ونثراً مع زوجها الشيخ علي حسين محفوظ ، جمعها الشيخ محمّد علي آل عزّالدين العاملي المتوفّى سنة 1303هـ في رسالة نفيسة سمّاها « محاورة الشيخ علي ابن الشيخ حسين محفوظ مع عياله فضّه البلاغيّة » (3) .
وقد أطراها ومدحها كلّ مَن ذكرها وترجم لها :
ففي تكملة أمل الآمل قال السيّد حسن الصدر في أثناء ترجمة الشيخ حسن بن عباس ابن ابراهيم البلاغي : الفاضلة الجليلة فضّة ، كانت فاضلة في الأدب والعربيّة وحسن الخط ،
____________
1 ـ أعلام النساء 1 : 140 ، تكملة أمل الآمل : 379 .
2 ـ شعراء الغري 1 : 184 .
3 ـ أعلام النساء 1 : 140 ، تكملة أمل الآمل : 379 ، شعراء الغري 9 : 488 .

(694)

وكانت ترتزق بكتابة الكتب (1) .
وذكرها أيضاً في موضع آخر من كتابه عند ترجمة الشيخ محمّد علي آل عزّالدين العاملي ، حيث ذكر من مصنّفاته « محاورة الشيخ علي بن حسين محفوظ مع عياله البلاغيّة » وعبّر عنها بالعالمة الفاضلة (2) .
وفي أعيان الشيعة قال عنها السيّد محسن الأمين ضمن ترجمة والدها الشيخ محمّد علي البلاغي : وكانت له بنت من أهل الفضل ، وُجد بخطّها كفاية السبزواري (3) .
وذكرها أيضاً في ترجمة أخيها الشيخ أحمد البلاغي (4) .
وفي شعراء الغري ذكرها الخاقاني في ترجمة الشيخ محمّد علي آل عزّالدين العاملي (5) ، وفي ترجمة الشيخ ابراهيم بن صادق المخزومي الذي رثاها بقصيدة شعريّة لطيفة (6) .
وفي أعلام النساء قال عمر رضا كحالة : أديبة ، فاضلة ، بينها وبين زوجها الشيخ علي محفوظ مراسلات أدبيّة (7) .
وفي دار السّلام قال السيّد محمّد الهندي عند ذكر والدها : وكانت له بنت فاضلة عالمة ، حسنة الخط (8) .
وفي ماضي النجف وحاضرها قال الشيخ جعفر محبوبة : وكانت للشيخ أحمد اُخت مصونة محترمة (9) .
____________
1 ـ تكملة أمل الآمل : 150 .
2 ـ تكملة أمل الآمل : 379 .
3 ـ أعيان الشيعة 9 : 427 .
4 ـ أعيان الشيعة 3 : 135 .
5 ـ شعراء الغري 9 : 488 .
6 ـ شعراء الغري 1 : 84 .
7 ـ أعلام النساء 1 : 140 .
8 ـ دار السّلام 1 : 308 .
9ـ ماضي النجف وحاضرها 2 : 60 .

(695)

وفي مستدركات أعيان الشيعة قال عنها السيّد حسن الأمين : عالمة ، فاضلة ، أديبة (1) .
وفي معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف مدحها وأطراها الشيخ محمّد هادي الأميني ، وذكر أنّ وفاتها كانت سنة 1279هـ (2)
وفي باقي المصادر أنّ وفاتها كانت سنة 1280هـ .
رثاها جمع من الشعراء والعلماء ، منهم الشيخ ابراهيم بن صادق المخزومي العاملي الخيّامي الطيّبي ، المولود سنة 1221هـ ، والمتوفّى سنة 1288هـ ، حيث قال :
برغم التقى إن قوّضت اُختَ أحمدٍ * وفـاتَ بـرغم المجد سفرُ التجلّدِ
وعالجها ريبُ المنـونِ ولمْ تَـزل * نوائبُـه العُظمى تـروحُ وتغتدي
وباكرها صـرفُ القضاءِ وكمْ غدا * يجَـور على أهلِ المعالي ويعتدي
أيعلـم قبـر ضمّهـا أيّ دوحـةٍ * ثَوت بحضيضِ مقفرِ الرحبِ أوهدِ
وأيّ فتـاةٍ أقبلـت يـوم بينهـا * كتـائب جيش الهم مـن كلّ فَدفدِ
وصالحةٌ ألـوى الصلاحُ لفقـدِها * وعطّل حتى صار كالصام الصدي
( بلاغيّة ) طابـت نجاراً ومحتداً * فـراحت تسامى بين فخرٍ وسؤددِ
لقد عمّرت في الدهرِ تسعين حجّة * سِـوى الخير فـي آناتها لمْ تزوّدِ
نعاها هجير القيظ صامت هجيـره * وقـد ملئت أطـرافَــهُ بـالتهجّدِ
ودجيـة لـيلات الشتـاء فطالمـا * تقـوم مقـامَ الـراهـبِ المتعبّـدِ
فتبّـاً لـقلبٍ لا يـذوب لـرزئهـا * ولـو أنّـه فـي قلب صماء جلمدِ
وبعداً لنفسٍ لا تفيض مـن الأسى * وطرف على طول المدى لم يسهدِ
ولكنّـه قد هوّن الوجـد والأسـى * وأثلج مـن جمـر الفـؤاد الموقدِ
ترحّلهـا عـن شـرّ دارٍ ومقعـدٍ * إلـى خيـر دارٍ في الجِنان ومقعدِ
تنعم فـي أعلـى القصـور منيفةً * اُعـدّت لهـا مـن لؤلؤٍ وزبرجدِ

____________
1 ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 164 .
2 ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف 1 : 258 .

(696)

فصبراً أخـاهـا إنّ للصبـر غـايةً * تـبشّر حقّـاً بـالنعيـم المـؤبّـدِ
ورفقاً بنفسٍ مـا المقيم على الأسى * بنـاجٍ فـلا تـهلك أسـىً وتـجلّدِ
فمَن لاذ بالصبرِ اغتدى الأجر حظّـه * وراح جـديـراً بـالثنـاءِ الـمخلّدِ
ومَن صدّ عنه صُدّ عن ربقة الحجى * وظـلّ حليف العـار والنار فـي غدِ
فـمثلك أهـدى أن يبـادر للهـدى * وأجـدر أن يهدى إلى خيـر مقصدِ
ودونـك من محزونة القلب صاغها * مقيم علـى الاخـلاص لـم يتـأوّدِ
يـراك بـعين لـو تـراه بمثلهـا * لأولِيته النعمى علـى اليـوم والغدِ
ودمْ سالماً عمـر الزمـان وراقيـاً * لنيل المعالي فـرقـداً بعـد فـرقدِ
أخا ثقـةٍ عـار مـن العـار والقذى * مدى الدهر ممنـوحاً بحصن التأيدِ
وحيّاً الحيا قبـراً حـوى خير حـرّة * بـواكف منهـل النعيـم المجـدّدِ
وعظم مثواها مـن اللطـف نـاسم * يراوحها فـي كلّ آنٍ ويغتدي (1)

352 فضّة النوبيّة
جارية فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، كانت رحمها الله على درجة عالية من الإيمان والتقوى ، والزهد والورع ، ومحبّتها لأهل البيت عليهم السلام معروفة ومشهوره ، وبلاغتها وحسن منطقها لا يخفى على الكثير .
لم تكن مساعدتها للزهراء سلام الله عليها مقتصرة على العمل اليومي في المنزل ، ولم يكن اسهامها في خدمة البيت فقط ، بل كانت التربية الفاطميّة تنعكس على هذه التلميذة التي كانت ملازمة لمعلّمتها .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
« كان لفاطمة جارية يقال لها فضة ، فصارت من بعدها لعلي عليه السلام ، فزوّجها


____________
1 ـ شعراء الغري 1 : 84 ـ 85 .
(697)

من أبي ثعلبة الحبشي ، فأولدها ابناً ، ثم مات أبوثعلبة وتزوّجها من بعده أبومليك الغطفاني ، ثم توفّي ابنها من أبي ثعلبة ، فامتنعت من أبي مليك أن يقربها ، فاشتكاها إلى عمر وذلك في أيامه .
فقال لها عمر : ما يشتكي منك أبومالك يا فضة ؟
فقالت : أنتَ تحكم في ذلك وما يخفى عليك .
قال عمر : ما أجد لكِ رخصة .
قالت : يا أباحفص ذهب بكَ المذاهب إنّ ابني من غيره مات ، فأردتُ أن أستبرىَ نفسي بحيضة ، فإذا أنا حضتُ علمت أنّ ابني مات ولا أخ له ، وإن كنتُ حاملاً كان الولد في بطني أخوه .
فقال عمر : شعرة من آل أبي طالب أفقه من عدي » .









وعن ورقة بن عبدالله الأزدي قال : خرجتُ حاجّاً إلى بيت الله الحرام ، راجياً لثواب الله ربّ العالمين ، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء مليحة الوجه عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها وهي تقول :
ربّ البيت الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العِظام ، وربّ محمّد خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم البررة الكرام ، أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين وأبنائهم الغرّ المحجلين الميامين ، ألا فاشهدوا يا جماعة الحجّاج والمعتمرين أنّ مواليّ خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، الذين علا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار المرتدين بالفخار .
قال ورقة : فقلتُ : يا جارية انّي لأظنّك من موالي أهل البيت . .
فقالت : أجل .
فقلت لها : ومَن أنتِ من مواليهم ؟
قالت : أنا فضة أمة فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمّد المصطفى صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
فقلت لها : مرحباً بك وأهلاً وسهلاً ، فلقد كنتُ مشتاقاً إلى كلامكِ ومنطقكِ فأريدُ منكِ


(698)

الساعة أن تجيبني عن مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغتِ من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك ، وأنت مثابة مأجورة .
فافترقنا في الطواف ، فلما فرغتُ من الطواف وأردتُ الرجوع إلى منزلي جعلتُ طريقي على سوق الطعام ، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلتُ عليها واعتزلتُ بها وأهديتُ إليها هدية ولم أعتقد أنّها صدقة ، ثم قلت لها : يا فضة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء ، وما الذي رأيتِ منها عند وفاتها بعد موت أبي ها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ؟
قال ورقة : فلمّا سمعتْ كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ، ثم انتحبت باكية وقالت : يا ورقة هيّجت عليّ حزناً ساكناً ، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدتُ منها :
اعلم أنّه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، وقلّ العزاء ، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب ، والأولياء والأحباب ، والغرباء والأنساب ، ولم تلقِ إلاّ كلّ باكٍ وباكيةٍ ونادبٍ ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب والأقرباء والأحباب أشد حزناً وأعظم بكاءً وانتحاباً من مولاتي فاطمة ، وكان حزنها يتجدّد ويزيد وبكاؤها يشتد ، فجلست سبعة أيام لا يهداً لها أنين ولا يسكن منها الحنين ، وكلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل ، فلمّا كان في اليوم الثامن أبدتْ ما كتمتْ من الحزن ، فلم تطق صبراً إذا خرجت وصرخت فكأنّها من فم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنطق . . .
وفي الإصابة : روي عن الصادق عليه السلام عن آبائه ، عن علي عليهم السلام ، قال :
« إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخدم فاطمة ابنته جارية اسمها فضة النوبيّة ، وكانت تشاطرها الخدمة ، فعلّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاء تدعو به ، فقالت لها فاطمة : أتعجنين أو تخبزين ؟
فقالت : بل أعجن يا سيّدتي واحتطب ، فذهبت واحتطبت وبيدها حزمة ، فأرادت حملها فعجزت ، فدعت بالدعاء الذي علّمها صلى الله عليه وآله وسلم وهو : ( يا واحد ليس كمثله أحد ، تميت كلّ أحد وأنتَ على عرشك واحد لا تأخذه سنة ولا نوم ) ، فجاء أعرابي كأنّه من أزد شنوءة ، فحمل الحزمة الى باب











(699)

فاطمة عليها السلام » .


وعن أبي العباس في قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (1) قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما صلى الله عليه وآله وسلم ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أباالحسن لو نذرت نذراً .
فقال علي : « إن برئا ممّا بهما صمتُ لله عزّ وجلّ ثلاثة أيام شكراً » .
وقالت فاطمة كذلك ، وقالت جاريتهما فضة النوبيّة : إن برأ سيّداي صمت لله عزّ وجلّ شكراً .
فلبس الغلامان العافية ، وليس عند آل محمّد قليل ولا كثير ، فانطلق علي إلى شمعون الخيبري فاستقرض منه ثلاثة أصع من شعير ، فجاء بهما فوضعها ، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلّى علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بَين يديه ، إذا أتاهم مسكين فوقف على الباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من أولاد المسلمين أطعموني أطعمكم الله عزّ وجلّ على موائد الجنّة ، فسمعه علي فأمرهم باعطائه الطعام ، ومكثوا يومَهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى الصاع الثاني وخبزته ، وصلّى علي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم يتيم فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد ، يتيم بالباب من أولاد المهاجرين ، استشهد والدي أطعموني ، فأعطوه الطعام فمكثوا يومين ولم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، وصلّى علي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم أهل بيت النبوّة ، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا ، أطعموني فإنّي أسير ، فأعطوه الطعام ، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلاّ الماء .
____________
1 ـ الإنسان : 7 ـ 8 .