قالت : نعم .
ويوم جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت ميمونة فقال : « يا نسائي اتّقين الله ولا يسفر بكنّ أحد » ، أتذكرين هذا يا عائشة ؟
قالت : نعم ، ما أقبلني لوعظكِ وأسمعني لقلولكِ ، فإن أخرج ففي غير حرج ، وإن أقعد ففي غير بأس .
وخرجت ، فخرج رسولها فنادى في الناس : مَن أراد أن يخرج فليخرج ، فإنّ اُم المؤمنين غير خارجة .
فدخل عليها عبدالله بن الزبير ، فنفث في اُذنها وقلبها في الذروة ، فخرج رسولها فنادى : مَن أراد أن يسير فليسر فإن اُم المؤمنين خارجة ، فلمّا كان من ندمها أنشأت اُم سلمة أبياتها المعروفة ، والتي سنذكرها قريباً .
قال أبوالعباس ثعلب : قوله : يقمؤ في بيتك يعني : يأكل ويشرب .
وقد جمع القرآن بذيلك فلا تبذخيه : البذخ : النفح والرياء والكبر .
سكّني عقيراك : مقامك ، وبذلك سمّي العقار؛ لأنّه أصل ثابت ، وعقر الدار : أصلها ، وعقر المرأة : ثمن بضعها .
فلا تضحّي بها : قال الله عزّ وجل : ( وإنك لا تظمؤ فيها ولا تضحى ) (1) : لا تبرز الشمس ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لرجل محرم : « أضح لمن أحرمت له » أي : اُخرج إلى البزار والموضع الظاهر المنكشف من الأغطية والسقوف .
الفراطة في البلاد : السعي والذهاب .
لا ترأبه النساء : لا تضمّه النساء .
حمادي النساء : ما يحمد منهنّ .
غض بالأطراف : لا يبسطن أطرافهن في الكلام .
____________
1 ـ طه : 119 .
(796)

قصير الوهادة : جمع وهد ووهاد ، والوهاد : الموضع المنخفض .
ناصّة قلوصها : النصّ : السوق بالعنف ، ومن ذلك الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنه إذا كان وجد فجوة نصّ : أي أسرع ، ومن ذلك نصُّ الحديث : أي رفعه إلى أهله بسرعة .
من مَنهل إلى آخر : المَنهَل : الذي يُشرب فيه الماء .
مهواك : الموضع الذي تهوين وتستقرين فيه ، قال الله عز وجلّ : ( والنجم اذا هوى ) (1) أي : نزل .
سدافته : من السدفة وهي شدة الظلمة .
قاعة الستر : قاعة الدار صحنها .
السدّة : الباب (2) .

مع علي بن أبي طالب :
انحرف الناس عن الحقّ بعد موت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، إلاّ القليل الذين بقوا مع علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ومن اُولئك القلّة اُم سلمة رحمها الله ، حيث بقيت مخلصة لسيّدها وولاها أمير المؤمنين سلام الله عليه؛ لِما كانت تسمعه في كلّ نادٍ ومحفل ومنتدى ومجمع من مدح وثناء وإطراء من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الإنسان العظيم ، ونستطيع أن نلمس ذلك جيّداً من خلال أحاديث كثيرة نقلها لنا رواة الخاصة والعامة ، منها :
في بصائر الدرجات : عن عمران بن موسى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبدالله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن اُمّه اُم سلمة قال : قالت :
أقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام في بيتي ، ثم دعا بجلد شاة وكتب فيه حتى ملأ أكراعه ، ثم دفعه إليّ وقال : « من جاءكِ من بعدي بآيه كذا وكذا فادفعيه إليه » .
فأقامت اُم سلمة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولي أبوبكر أمر الناس ، بعثتني اُمي
____________
1 ـ النجم : 1 .
2 ـ الاختصاص : 116 .

(797)

فقالت : اذهب فانظر ما صنع هذا الرجل ، فجئتُ فجلستُ في الناس حتى خطب أبوبكر ثم نزل فدخل بيته ، فجئت فأخبرتها .
فأقامت حتى إذا ولي عمر بعثتني فصنع مثل ما صنع صاحبه ، فجئت فأخبرتها .
ثم أقامت حتى إذا ولي عثمان فبعثتني ، فصنع مثلما صنع صاحباه فأخبرتها .
ثم أقامت حتى إذا ولي علي عليه السلام ، فأرسلتني فقالت : انظر ماذا يصنع هذا الرجل ، فجئت فجلست في المسجد ، فلمّا خطب علي نزل فرآني في الناس فقال : « اذهب فاستأذن لي على اُمّك » .
قال : فخرجتُ حتى جئتها فأخبرتها وقلت : قال لي : استأذن لي على اُمّك ، وهو خلفي يريدك .
قالت : وأنا والله اُريده ، فاستأذن علي عليه السلام فدخل فقال لها : « أعطني الكتاب الذي دفعه اليك بآية كذا وكذا » ، فكأني انظر إلى اُمي حتى قامت إلى تابوت لها في جوفه تابوت صغير ، فاستخرجت من جوفه كتاباً فدفعته إلى علي عليه السلام ، ثم قالت لي اُمي : يا بُني ألزمه ، فلا والله ما رأيتُ بعد نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم إماماً غيره (1) .
وفيه أيضاً : حدّثنا ابراهيم بن هشام ، عن عبدالرحمان بن حمّاد ، عن جعفر بن عمران الوشا ، عن أبي المقدام ، عن ابن عباس قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً ودفعه إلى اُم سلمة فقال : « اذا قُبضتُ فقام رجل على هذه الأعواد ـ يعني المنبر ـ فأتاك يطلب هذا الكتاب فادفعيه اليه » .
فقام أبوبكر ولم يأتها ، وقام عمر ولم يأتها ، وقام عثمان فلم يأتها ، وقام علي عليه السلام فناداها في الباب فقالت : ما حاجتك ؟
فقال : « الكتاب الذي دفعه إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » .
فقالت : وانّك أنتَ صاحبه ، فقالت : أما والله إن الذي كنتُ لأحبّ أن يحبوك به ، فأخرجته
____________
1 ـ بصائر الدرجات : 183 حديث 4 .
(798)

إليه ففتحه فنظر فيه ثم قال : « إنّ في هذا لعلماً جديداً » (1) .
وفيه أيضاً : حدّثنا الحجّال ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن صباح ، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل ، عن اُم سلمة قالت : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً وقال : « امسكي هذا فإذا رأيتِ أمير المؤمنين صعد منبري فجاء يطلب هذا الكتاب فادفعيه إليه » .
قالت : فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صعد أبوبكر المنبر فانتظرته فلم يسألها ، فلمّا مات صعد عمر فانتظرته فلم يسألها ، فلمّا مات عمر صعد عثمان فانتظرته فلم يسألها ، فلمّا مات عثمان صعد أمير المؤمنين ، فلمّا صعد ونزل جاء فقال : « يا اُم سلمة أريني الكتاب الذي أعطاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » ، فأعطيته فكان عنده .
قال : قلت : أي شيء كان ذلك .
قال : « كل شيء يحتاج إليه ولد آدم » (2) .
وفيه أيضاً : عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عمرو ، عن الأعمش قال : قال الكلبي : يا أعمش أي شيء أشد ما سمعت من مناقب علي عليه السلام ؟
قال : حدّثني موسى بن ظريف ، عن عباية ، قال : سمعتُ علياً عليه السلام وهو يقول :
« أنا قسيم النار ، فمن تبعني فهو مني ، ومن عصاني فهو من أهل النار » .
فقال الكلبي : عندي أعظم ممّا عندك ، أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام كتاباً فيه أسماء أهل الجنة والنار ، وضعه عند اُم سلمة ، فلمّا وليّ أبوبكر طلبه فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي عمر طلبه فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي عثمان طلبه فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي علي عليه السلام دفعته اليه (3) .
وفيه أيضاً : عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن معلّى بن أبي عثمان ، عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إنّ الكتب كانت عند علي عليه السلام ،








____________
1 ـ بصائر الدرجات : 186 حديث 16 .
2 ـ بصائر الدرجات : 188 حديث 23 .
2 ـ بصائر الدرجات : 211 حديث 3 .

(799)

فلمّا سار إلى العراق استودع الكتب عند اُم سلمة ، فلمّا مضى علي عليه السلام كانت عند الحسن عليه السلام ، فلمّا مضى الحسن عليه السلام كانت عند الحسين عليه السلام ، فلمّا مضى الحسين عليه السلام كانت عند علي بن الحسين ، ثم كانت عند أبي » (1) .
وفي إعلام الورى : روت اُم سلمة قالت : كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً في بيتي إذ انتبه فزعاً من منامه فقلت : الله جارك .
قال : « صدقتِ الله جاري ، ولكن هذا جبرائيل يخبرني أنّ عليّاً قادم » ، ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا علياً ، وقام المسلمون صفين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا بصر به علي ترجّل من فرسه وأهوى إلى قرب قدميه يقبلهما .
فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « اركب فإنّ الله ورسوله عنك راضيان » ، فبكى علي عليه السلام وانصرف إلى منزله (2) .
وفي قرب الإسناد : عن السندي بن محمّد ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
« كانت امرأة من الأنصار تدعى حسرة تغشى آل محمّد وتحن ، وإن زفر وحبتر لقياها ذات يوم فقالا : أين تذهبين يا حسرة ؟
فقالت : أذهب إلى آل محمّد فأقضي من حقّهم ، واحدث بهم عهداً .
فقالا : ويلكَ إنّه ليس لهم حقّ ، إنّما كان هذاعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فانصرفتْ حسرة ولبثت أياماً ثم جاءت ، فقالت لها اُم سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ما أبطأ بك يا حسرة ؟
فقالت : استقبلني زفر وحبتر فقالا : أين تذهبين يا حسرة ؟
فقلت : أذهب إلى آل محمّد فأقضي من حقّهم الواجب .
فقالا : إنّه ليس لهم حقّ ، إنّما كان هذا على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .























____________
1 ـ بصائر الدرجات 1820 حديث 2 .
2 ـ إعلام الورى : 197 .

(800)

فقالت اُم سلمة : كذبا لعنهما الله ، لا يزال حقّهم واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة » (1) .

وروى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه قال : « بلغ اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ مولى لها ينتقص عليّاً عليه السلام ويتناوله ، فأرسلت إليه ، فلمّا صار إليها قالت له : يا بُني بلغني أنّك تنتقص عليّاً وتتناوله ؟
قال لها : نعم يا أماه .
قالت : اُقعد ثكلتك اُمّك حتى اُحدّثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم اختر لنفسك؛ إنّا كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة ، وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدخل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو متهلّل ، أصابعه في أصابع علي واضعاً يده بيده .
فقال : يا اُم سلمة اُخرجي من البيت وأخليه لنا ، فخرجت وأقبلا يتناجيان أسمع الكلام وما أدري ما يقولان ، حتى إذا قمت فأتيت الباب فقلت : أدخل يا رسول الله ؟
قال : لا .
قالت : فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطه ، أو نزل فيّ شيء من السماء ، ثم لم ألبث أن أتيت الباب الثانية فقلت : أدخل يا رسول الله ؟
فقال : لا ، فكبوت كبوة أشد من الاُولى ، ثم لم ألبث حتى أتيت الباب الثالثة فقلت : أدخل يا رسول الله ؟
فقال : اُدخلي يا اُم سلمة ، فدخلتُ وعلي جاث بين يديه وهو يقول : فداك أبي و اُمي يا رسول الله إذا كان كذا وكذا فما تأمرني ؟
قال : آمرك بالصبر ، ثم أعاد عليه القول الثانية فأمره بالصبر ، فأعاد عليه القول الثالثة فقال له : يا علي يا أخي إذا كان ذاك منهم فسل سيفك وضعه على عاتقك واضرب به قدماً حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم ، ثم التفت إليّ فقال لي : والله ما هذه الكآبة يا
____________
ـ قرب الإسناد : 29 وعنه بحار الأنوار 22 : 223 حديث 3 .
(801)

اُم سلمة ؟
قلت : للذي كان من ردّك لي يا رسول الله .
فقال لي : والله ما ردّدتكِ من موجدة ، وإنّك لعلى خير من الله ورسوله ، ولكن آتيتيني وجبريل عن يميني وعلي عن يساري ، وجبريل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي ، وأمرني أن اُوصي بذلك عليّاً ، يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب أخي في الدّنيا وأخي في الآخرة .
يا اُ مسلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة .
يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا وحامل لوائي غداً في يوم القيامة .
يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب وصيي وخليفتي من بعدي ، وقاضي عداتي والذائد عن حوضي ، يا اُم سلمة اسمعي واشهدي ، هذا علي بن أبي طالب سيّد المسلمين وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
قلتُ : يا رسول الله مَن الناكثون ؟
قال : الذين يبايعونه بالمدينة وينكثون بالبصرة .
قلتُ : مَن القاسطون ؟
قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام .
قلت : من المارقون ؟
قال : أصحاب النهروان .
قال مولى اُم سلمة : فرّجتِ عنّي فرّج الله عنكِ ، لا سببتُ عليّاً ابداً » (1) .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عمرة بنت عبدالرحمان ، قالت : لمّا سار علي بن أبي طالب إلى البصرة دخل على اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يودّعها ، فقالت : سر في حفظ الله
____________
1 ـ أمالي الطوسي 2 : 83 . أمالي الصدوق : 311 حديث 10 ، وعنه بحار الأنوار 22 : 221 .
(802)

وفي كنفه ، فوالله إنّك لعلى الحقّ والحقّ معك ، ولولا أنّي أكره أن أعصي الله ورسوله ، فإنّه أمرنا أن نقر في بيوتنا ، لسرتُ معك ، ولكن والله لأرسلن معكَ من هو أفضل عندي وأعزّ عليّ من نفسي ، ابني عمر (1) .
وروى أيضاً بسنده عن أبي سعيد التيمي ، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : كنتُ مع علي يوم الجمل ، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس ، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر ، فكنت مع أمير المؤمنين ، فلمّا فرغ ذهبتُ إلى المدينة فأتيتُ اُم سلمة فقلتُ : إنّي والله ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ، ولكني مولى لأبي ذر .
فقالت : مرحباً ، وقصصتُ عليها قصتي .
فقالت : أينَ كنتَ حين طارت القلوب مطائرها ؟
قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس .
قالت : أحسنتَ ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » (2) .
وروى أيضاً بسنده عن أبي عبدالله الجدلي قال : حججتُ وأنا غلام ، فمررتُ بالمدينة ، وإذا الناس عنق واحد ، فاتبعتهم فدخلوا على اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فسمعتها تقول : يا شبيب بن ربعي ، فأجابها رجل جلف : لبيك يا اُم تاه .
قالت : يُسَبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناديكم ؟!
قال : وأنى ذلك ؟!
قالت : فعلي بن أبي طالب ؟
قال : إنّا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا .
قالت : فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
____________
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 119 .
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 120 . ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2 : 294 وعنه في بحار الأنوار 22 : 223 .

(803)

« مَن سبّ عليّاً فقد سبني ، ومن سبّني فقد سبّ الله تعالى » (1) .


وعنه أيضاً قال : دخلتُ على اُم سلمة فقالت لي : أيُسبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم ؟!
قلت : سبحان الله ، أو معاذ الله .
قالت : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « مَن سبَّ عليّاً فقد سبني » (2) ، ورواه أيضاً النسائي في الخصائص (3) .
وعنه أيضاً قال : دخلتُ على اُم سلمة فقالت : يا أبا عبدالله أيُسبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله فيكم ؟
قلت : معاذ الله .
قالت : أليسوا يسبون عليّاً ومن أحبه ؟ قلت : بلى (4) .

مع الحسين عليه السلام :
قال المامقاني في تنقيح المقال : ومن فضائلها تسليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها تربة سيّد الشهداء الحسين عليه السلام . وإخباره إياها بأنّها متى فاضت دماً فاعلمي أنّ الحسين عليه السلام قد قتل ، وكذلك فَعَلَ الحسين عليه السلام (5) .
وروى الكليني رحمه الله عن الإمام الصادق عليه السلام :
« أنّ الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع اُم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصايا ، فلمّا رجع علي بن الحسين عليه السلام دفعتها إليه » (6) .



وروى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحن : أخبرنا أبوالقاسم الحسين بن
____________
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 121 .
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 121 .
3 ـ خصائص أمير المؤمنين عليه السلام : 99 .
4 ـ أنساب الأشراف 2 : 182 .
5 ـ تنقيح المقال 3 : 72 ، البداية والنهاية 8 : 199 .
6ـ تنقيح المقال 3 : 72 ، البداية والنهاية 8 : 199 .

(804)

محمّد السكوني بالكوفة ، حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي ، حدّثنا أبوكريب ، حدّثنا أبوخالد الأحمر ، حدثنا زريق ، حدّثني سلمان قال : دخلتُ على اُم سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟
قالت : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام يبكي وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلتُ : مالكَ يا رسول الله ؟ قال : « شهدتُ قتل الحسين آنفاً » (1) .
وفي تذكرة الخواص : وذكر ابن سعد عن اُم سلمة لمّا بلغها قتل الحسين عليه السلام قالت : أوقد فعلوها ؟! ملأ الله بيوتهم ناراً ، ثم بكت حتى غشي عليها ، وقالت : لعن الله أهل العراق (2) .

شعرها :
قالت في موكب زفاف الزهراء عليها السلام :
سِرنَ بعـون الله جـاراتي * واشكـرنه في كلّ حـالاتِ
واذكرنَ ما أنعمَ ربّ العلـى * مِـن كشفِ مكروهٍ وآفاتِ
فَقد هدانـا بعدَ كُفـرٍ وقـد * أنعشنــا ربّ السمـاواتِ
وسرنَ معَ خيرِ نساءِ الورى * تُفـدى بـعمّـات وخالات
يا بنتَ مَن فضّله ذو العلى * بالوحي منه والرسالاتِ (3)
وقالت وهي تربّي الحسين عليه السلام :
بـأبـي ابـن علـي * أنـت بـالخيـر ملـي
كن كأسنـان الحلـي * كـن ككبش الحول (4)
وقالت في نهيها لعائشة من الخروج لحرب الإمام عليه السلام :
____________
1 ـ مستدرك الحاكم 4 : 20 .
2 ـ تذكرة الخواص : 240 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد . مجلة تراثنا 10 : 196 .
3 ـ المناقب لابن شهرآشوب 3 : 130 .
4 ـ سفينة البحار 1 : 258 .

(805)

نصحتُ ولكن ليسَ للنصحِ قابل * ولـو قبلتْ ما عنّفتها العواذلُ
كأنّي بها قد ردّت الحرب رحلها * وليسَ لها إلاّ الترجل راحلُ (1)

وقالت في ترك عائشة لنصيحتها وندمها بعد ذلك :
لو أنّ معتصمـاً مـن زلـة أحـد * كانت لعائشة العتبـى علـى الناسِ
كـم سنّـةً لـرسـولِ الله تاركـة * وتتلو آي مـن القـرآن مـدراس
قـد ينـزع الله من نـاس عقولهم * حتى يكون الذي يقضي على الناس
فيـرحم الله ـ اُم المؤمنيـن لقـد * كـانت تبـسدل إيحاشاً بإيناس (2)

ما يدل على مكانتها :
إضافة لما ذكرناه من روايات ووقائع كثيرة دلّت على منزلة رفيعة لاُم المؤمنين اُم سلمة ، فهناك روايات وأحداث اُخرى كثيرة نذكر بعضاً منها :
روى الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين عليهم السلام قال :
« لمّا أجمع الحسن بن علي على صلح معاوية خرج حتى لقيه . . . ـ إلى أن قال سلام الله عليه ـ فلمّا نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأخي و اُمي و أبي فجعلنا ونفسه في كساء لاُم سلمة . . . فقالت اُم سلمة : أدخل معهم يا رسول الله ؟ فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم : يرحمكِ الله أنت على خير وإلى خير ، وما أرضاني عنكِ ولكنّها خاصة لي ولهم » (3) .






وكانت اُم سلمة فقيهة عارفة بغوامض الأحكام الشرعيّة ، حتى أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري الصحابي المعروف كان يستشيرها ويرجع إلى رأيها ، فقد ذكر ابن الأثير في
____________
1 ـ تذكرة الخواص : 72 .
2 ـ الإختصاص : 116 .
3 ـ أمالي الشيخ الطوسي 2 : 174 .

(806)

حوادث سنة 40هـ ، انّه لمّا أرسل معاوية بسر بن أرطاة في ثلاثة آلاف حتى قدم إلى المدينة أرسل إلى بني سلمة : والله مالكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبدالله ، فانطلق جابر الى اُم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها : ماذاترين إنّ هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن اُقتل ؟
قالت : أرى أن تبايع (1) .
وقال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة : كانت اُم سلمة من أعقل النساء ، وكانت لها أساليب بديعة في استعطاف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند غضبه ، وأدب بارع في مخاطبته وطلب الحوائج منه ، فمن ذلك لما لقيه ابن عمّه وأخوه من الرضاعة أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وابن عمته ـ عاتكة بنت عبدالمطلب ـ عبدالله بن أبي اُميّة المخزومي أخو اُم سلمة لأبيها وهو في طريقه إلى فتح مكة ، فاستأذنا إليه فأعرض عنهما .
فقالت اُم سلمة : يا رسولَ الله ابن عمّك وابن عمّتك وصهرك .
فقال : « لا حاجة لي بهما ، أمّا ابن عمّي فهتك عرضي ـ وكان يهجوز رسول الله ـ ، وأمّا ابن عمّتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال ، يعني قوله له : والله ما آمنت بكَ حتى تتخذ سلّماً إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر اليك ، ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أنّ الله أرسلك .
فقالت اُم سلمة : لا يكن ابن عمّك وابن عمّتك أشقى الناس بك .
فقال أبوسفيان : والله ليأذن لي أو لآخذنّ بيد ابني هذا ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ، فرّق لهما النبيّ فدخلا عليه وأسلما .
وقالت اُم سلمة : لما أراد علي عليه السلام أن يسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الإذن له في إدخال فاطمة عليه ، فدخلت اُم أيمن على اُم سلمة فأخبرتها وأخبرت سائر نسائه بذلك ، فاجتمعن عنده وقلتُ : فديناك بآبائنا و اُمهاتنا يا رسول الله ، إنّا قد اجتمعنا لأمر لو كانت له خديجة من الأحياء لقرّت عينها .
____________
1 ـ الكامل في التأريخ 3 : 383 .
(807)

قالت اُم سلمة : فلمّا ذكرنا خديجة بكى وقال : « وأين مثل خديجة » ، وأخذ في الثناء عليها .
فقالت اُم سلمة من بينهن : فديناك بآبائنا و اُمهاتنا ، إنّك لم تذكر من خديجة أمراً إلاّ وقد كانت كذلك ، غير أنّها قد مضت إلى ربّها ، فهنّأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته ، يا رسول الله هذا أخوك وابن عمّك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل عليه زوجته .
قال : « حبّاً وكرامة » ، ثم إلتفت إلى النساء بعد ما دخلن البيت فقال مَن هاهنا ؟
فقالت اُم سلمة : أنا وهذه فلانة وفلانة ، فكانت هي المبادرة بالجواب ، فأمرهن أن يصلحن من شأن فاطمة في حجرة اُم سلمة ، وابتدأتهن اُم سلمة بالرجز أمام فاطمة حين زفت (1) .
وهي التي أشارت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مشورتها المعروفة يوم صلح الحديبية (2) .
وغير ذلك من الروايات والوقائع الكثيرة ، فمن أراد مزيد الإطلاع فليراجع المصادر التي ذكرناها في أوّل الترجمة .

وفاتها :
اُختلف في وفاة اُم سلمة شأنها شأن الكثير من الصحابة :
قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبدالله بن نافع ، عن أبيه قال : ماتت اُم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سنة تسع وخمسين وصلّى عليها أبوهريرة .
وقال : أخبرنا محمّد بن عمر ، عن الزبير بن موسى ، عن مصعب بن عبدالله ، عن عمر بن أبي سلمة قال : نزلتُ في قبر اُم سلمة أنا وأخي سلمة وعبدالله بن أبي اُميّة وعبدالله بن وهب بن زمعة الأسدي ، فكان لها يوم ماتت أربع وثمانون سنة (3) .
____________
1 ـ أعيان الشيعة 10 : 272 .
2 ـ أعلام النساء 5 : 223 .
3 ـ الطبقات الكبرى 8 : 68 .

(808)

وقال الحاكم النيسابوري : حدّثنا ابن عمر ، وحدثني عبدالله بن نافع ، عن أبيه قال : أوصت اُم سلمة أن لا يصلّي عليها والي المدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فماتت حين دخلت سنة تسع وخمسين وصلّى عليها ابن أخيها عبدالله بن عبدالله بن أبي اُميّة (1) .
وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أحداث سنة 61هـ : وفيها توفَيت هند المعروفة باُم سلمة ، وقيل : توفيّت سنة تسع وخمسين (2) .

405 وحيدة النجفيّة
فاضلة ، أديبة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، راثية لأهل البيت ـ خصوصاً الإمام الحسين ـ عليهم السلام . توفيّت في مدينة النجف الأشرف سنة 1356هـ = 1937م ، ودفنت فيها ، ولازال الناس يذكرون شعرها ومجالسها ، ويتناقلونه خلفاً عن سلف ، ذكرها عدد من الأعلام وأصحاب التراجم والسِير :
قال صاحب الأعيان السيّد محسن الأمين في ترجمة نفسه ، عند ذكر بعض عادات النجفيين : والنساء أيضاً يجلسون للعزاء منفردات عن الرجال ، ولهنّ نوائح صناعتهن النياحة على الأموات وعلى الحسين عليه السلام في أيام عاشوراء وغيرها ، ومنهنّ مَن تنشد الشعر الزجلي ـ العامي ـ ارتجالاً ، ومجالسهن منفردة عن مجالس الرجال .
وكانت رئيستهن نائحة تسمّى « ملا وحيدة » بتشديد الياء ، وكانت تنشد الشعر الزجلي للنياحة ارتجالاً ، ولها مجموعة كبيرة من انشائها في الحسين عليه السلام وفي غيره (3) .
وذكرها في موضعٍ آخر من كتابه أيضاً قائلاً : كانت ممتازة بين أبناء صنعتها ، بارعة في انشاء الرثاء الزجلي باللسان العامي ، تقوله ارتجالاً فيجىء في أعلى الطبقات ، وتصف الشخص بما فيه ، ولها مراثي كثيرة زجليّة في الحسين عليه السلام باللسان العامي مطبوعة ، وكانت لها
____________
1 ـ المستدرك على الصحيحين 4 : 20 .
2 ـ شذرات الذهب 1 : 69 .
3 ـ أعيان الشيعة 10 : 360 .

(809)

عصابة يُضرب بها المثل (1) .
وقال عنها الأديب المؤرّخ الاُستاذ جعفر الخليلي : هي امرأة شاعرة ، عدّادة ، ومن العباقرة (2) .
وذكرها الشاعر العربي الكبير محمّد مهدي الجواهري قائلاً : الشاعرة الفذّة والمبدعة في أعراس ومآتم النجف ، والتي كاد أن ينطبق الاسم على المسمّى ، فهي وحيدة آنذاك ومتفرّدة عن غيرها (3) .
وذكر ديوانها المطبوع گورگيس عوّاد في معجم المؤلّفين العراقيين (4) .
ومدحها وأثنى عليها وأطراها كثيراً الشيخ محمّد هادي الأميني (5) .

406 ونسة الفتلاويّة
ونسة بنت ضاحي ، من عشيرة آل فتلة في منطقة طويريج .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة ، شجّعت زوجها على المشاركة في ثورة العشرين ، وعندما رأته قد جلس في البيت ولم يشارك مع الثوّار ، خاطبته بهذه الابوذيّة :
شتواجـه الـوادم بعد ونسه * او عند العرب هاي الحرب ونسه
خاضها زلـم وأطفال ونسـه * ونـه ازلمتـي اجـويعد بالثنيّه
فأجابها بأنّه لا يملك سلاحاً يقارع به العدوان ، فذهبت إلى الحاج عبدالواحد وطلبت منه بندقيّة ، فأعطاها بعد أن أعلمته بذلك ، وزغردت فرحة مستبشرة (6) .
____________
1 ـ أعيان الشيعة 10 : 273 .
2 ـ هكذاء عرقتهم 1 : 117 .
3 ـ ذكرياتي 1 : 129 .
4 ـ معجم المؤلّفين العراقيين 3 : 453 .
5 ـ معجم رجال الفكر والأدب 23 : 1322 .
6 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 366