هذا الطريق؛ لأنه يتطلب أن يقوم الرسول صلّى اللّه عليه و آله بعملية توعية للاُمّة على نظام الشورى وحدوده و تفاصيله، و أن يعطيه طابعاً دينياً مقدساً، و أن يعدّ المجتمع الإسلامي إعداداً فكرياً و روحياً لتقبل هذا النظام.
     و الملاحظ أن النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يمارس عملية التوعية علي نظام الشورى و تفاصيله التشريعية أو مفاهيمه الفكرية، لأن هذه العملية لو كانت قد انجزت ، لا نعكست في الأحاديث المأثورة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و لتجسّدت في ذهنية أصحابه.
     و قد انقسم أصحابه من بعده إلى فئتين:
     الفئة التي انحازت إلى أهل البيت عليهم السلام، و من الواضح أنهم كانوا يؤمنون بالوصاية و الأمامة و يؤكّدون على القرابة، و لم ينعكس منهم الإيمان بفكرة الشورى.
والفئة التي تمثّلها السقيفة و الخلافة التي قامت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و هؤلاء أيضاً لم يكونوا يؤمنون بالشورى، فابو بكر عهد بها إلى عمر، و عمر عهد بها الى ستة أشخاص، فلم يكن أصحاب هذا الاتجاه ممن يبني ممارسته الفعلية علي أساس الشورى، و لم يكن لديه فكرة محددة عن هذا النظام فكيف يمكن أن نتصّور أن النبي صلّى الله عليه وآله مارس عملية توعية على هذا النظام تشريعياً و فكرياً، و أعدّ جيل الصحابة لتسلّم قيادة الاُمّة على أساسه، ثمّ لا نجد تطبيقاً واقعياً له أو مفهوماً محدداً عنه؟! و عليه فإنه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن قدح الشورى كنظام بديل على الاُمّة بعد وفاته.
     3ـ أن يقف النبي صلّى اللّه عليه و آله مستقبل الرسالة بعد وفاته موقفاً إيجابياً، فيختار بأمرٍ من اللّه سبحانه شخصاً معيَّناً، فيعدّه اعداداً رسالياً و قيادياً خاصاً، لتتمثّل فيه المرجعية الفكرية و الزعامة السياسية للتجربة ، ويواصل بعده


(42)
و بمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين و الأنصار قيادة الأمة وبناءها عقائدياً و تقويتها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية.
     و لم يكن هذا الشخص المنصوب لتسليم مستقبل الدعوة و تزعمها فكرياً وسياسياً، إلّا علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أراده لذلك اللّه تعالى، و رسوله الكريم صلّى اللّه عليه و آله، هذا فضلاً عن عمق وجوده في كيان الدعوة ، و انه المسلم الأول و المجاهد الأول في سبيلها عبر كفاحها المرير ضد كلّ أعدائها ، و عمق وجوده في حياة القائد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و انه ربييه الذي فتح عينيه في حجره، و نشأ في كنفه، و هيّأله من فرص التفاعل معه و الاندماج بخطه ما لم يتوفر لأيّ إنسان آخر (1).

(1) مختصر من: بحث حول الولاية/ الشهيد الصدر قدس سره ـ دار التعارف ـ بيروت ـ 1399 هـ.


(43)
الفصل الثاني
وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله في الحديث و الأثر
المبحث الأوّل: الأحاديث الصريحة بالوصية
تمهيد:
     إن الإمامة رئاسة عامة في اُمور الدين و الدنيا نيابةً عن النبي (1)، و وجوبها في كل زمان أمرٌ توافقت عليه كلمة الاُمّة بكلّ فصائلها(2) ، لكنهم اختلفوا في السبيل المؤدّي إليها؛ فذهب أغلب الفرق الى أن الأمر محصور في قريش، وللمسلمين أن يختاروا من قريش ما شاءوا ، وذهب الخوارج الى أن الأمر متروك للمسلمين في أن يختاروا من بينهم مَن يرونه أهلاً للامامة من قريش أو غيرها.
     و تعتقد الإمامية أن الإمامة منصب إلهي لا يُنال إلّا بتعيين من السماء، و بنصّ النبي المرسل، و أن ذلك من صميم واجب النبي صلّى اللّه عليه و آله ؛ لأنه بُعِث رحمةً للعالمين، فلابدّ أن يعهد الى من يأتمنه على دين اللّه و رسالة ربّه ، ليقوم بأمرهم من بعده، و يجمع كلمتهم ، و ينظم أمرهم، و يرفع أسباب الخلاف من بينهم.

(1) الإمامة في أهم الكتب الكلامية / الميلاني : 44 و 151.
(2) الفصل في الملل و النحل / ابن حزم 4: 87.



(44)

     و أجمعوا على أن الرسول المصطفى صلّى اللّه عليه و آله قد بلّغ ما اُنزل إليه من ربّه تمام البلاغ، و أنه لم يفارق الاُمّة حتى أرشدهم الى وصيه من بعده، و نصّ على أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام في مناسبات عديدة و مواضع شتى، لتعميق وعي الاُمّة في هذه الاتجاه، و تأصيل هذا المبدأ في حركتها و وجدانها. و لهم في هذا الاتجاه أحاديث و آثار صريحة في هذا المعنى، نذكر منها:
أولاً ـ الأحاديث النبوية
     هناك مزيد من الأحاديث النبوية المصرحة بالوصية، و قد بلغت من الكثرة بحيث أفردها بعض الأعلام بتصنيف خاص.(1)
     و فيما يلي نذكر أهم الأحاديث الصريحة بذكر الوصية لأمير المؤمنين علي عليه السلام و نحرص على أن تكون من مصادر العامة:
     1ـ روى كثير من المحدثين و المؤرخين و أصحاب السير حديث الدار الشريف و هو صريح بالايصاء و الاستخلاف معاً و قصة الحديث: أنه في بدء الدعوة الإسلامية، و بعد نزول قوله تعالى: (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(2)
دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بني عبد المطلب الى دار عمّه أبي طالب مرّتين، و بعد أن أطعمهم و سقاهم توجّه إليهم قائلاً: « يا بني عبدالمطلب، و اللّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم، إني جئتكم بخير الدنيا و الاَخرة ، و قد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي و وصيي وخليفتي فيكم؟ » و في رواية:
« و خليفتي من بعدي» .

(1) راجع الفقرة (خامساً) من هذا المبحث بعنوان (مدوّنات في الوصية).
(2) سورة الشعراء: 26 / 214.



(45)

     فاحجم القوم عنها جميعاً ، فقال علي عليه السلام و كان أحدثهم سناً: « أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه» فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برقبته، ثم قال: « ان هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا» فقام القوم يضحكون، و يقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لا بنك و تطيع (1)!
     2ـ و عن أنس بن مالك، قال: قلنا لسلمان: سل النبي صلّى اللّه عليه و آله عن وصيه، فقال له سلمان: يا رسول اللّه، من وصيك؟ قال: « يا سلمان من كان وصيّ موسى؟»
قال: يوشع بن نون. قال: « فان وصيي و وارثي، يقضي ديني، و ينجز موعدي، علي بن أبي طالب»(2).

(1) تاريخ الطبري 2: 217، تهذيب الآثار (مسند الإمام علي عليه السلام)/ الطبري : 62 ـ 63 القاهرة، الكامل في التاريخ 1 : 586 ـ 587، مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور 17: 310 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1404 هـ، السيرة الحلبية / برهان الدين الحلبي 1: 461 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ 1400 هـ، معالم التنزيل / البغوي 4: 278 تفسيرالخازن 3: 371 ـ 372 ـ دار المعرفة ـ بيروت ، شرح ابن أبي الحديد 13: 210 و 244 و صححه أبو جعفر الإسكافي، شواهد التنزيل 1: 372 ـ 373، كنز العمال 13: 131 / 36419 أخرجه عن ابن اسحاق، و ابن جرير، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و أبي نعيم و البيهقي معاً في (الدلائل). و أخرجه الشيخ الأميني من عدّة مصادر اُخرى في الغدير2: 394 ـ 408 ـ مركز الغدير ـ قم ـ 1416 هـ.
(2) فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل 2: 615/ 1052 ـ مركز البحث العلمي ـ مكة المكرمة ـ 1403 هـ، الرياض النضرة / المحبّ الطبري 3 : 119 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ 1418 هـ، ذخائر العقبي / المحبّ الطبري: 71 فصل ذكر اختصاصه عليه السلام بالوصاية و الإرث ـ دار المعرفة ـ بيروت، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: 48، كفاية الطالب / الكنجي: 292 ـ باب (74) ـ دار إحيا تراث أهل



(46)

     و في رواية : « إن وصيي و موضع سري ، و خير من أترك بعدي، و ينجز عدتي، و يقضي ديني، علي بن أبي طالب»(1).
     3ـ وعن بريدة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: « لكلّ نبي وصيّ ووارث، و إنّ علياً وصيي ووارثي» (2).
     4ـ و عن أبي أيوب الأنصاري، قال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرض مرضةً، فدخلت عليه فاطمة صلّى اللّه عليها تعوده و هو ناقه من مرضه، فلما رأت ما برسول اللّه من الجهد و الضعف خنقتها العبرة حتى خرجت دمعتها، فقال لها:
« يا فاطمة، إن اللّه عزّوجلّ اطلع الى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك ، فبعثه نبياً، ثم اطلع إليها ثانيةً فاختار منها بعلك، فأوحى إليّ فأنكحته و اتخذته و صياً» .
     الى أن قال: « يا فاطمة، إنا أهل بيت اُعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين و لا الاَخرين قبلنا: نبينا أفضل الأنبياء و هو أبوك ، و وصينا خير

البيت عليهم السلام ـ ط 3 ـ طهران ـ 1404 هـ، مجمع الزوائد / الهيثمي 9: 113 ـ مؤسسة المعارف بيروت ـ 1406 هـ.
(1) المعجم الكبير / الطبراني 6: 221 / 6063 ـ دار إحياء التراث العربي ـ 1404 هـ ، جامع المسانيد والسنن / ابن كثير 5 : 383 / 3633 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1415 هـ، مجمع الزوائد 9: 116 ، منتخب كنز العمال بها مش مسند أحمد / المتقي الهندي ه : 32 ـ دار الفكر ـ بيروت.
(2) تاريخ دمشق / ابن عساكر 42: 392 ـ دار الفكر ـ 1415هـ ، الرياض النضرة 3: 119، ذخائر العقبي: 71 ، مناقب علي عليه السلام / ابن المغازلي : 201 / 238 ـ دار الأضواء ـ 1403 هـ ، فتح الباري، 8: 150، الفردوس / الديلمي 3: 336 / 5009 ـ دار الكتاب العربي ـ 1407 هـ، كفاية الطالب: 620، وسيلة المتعبدين / الملّا 5 : 162 ـ القسم الثاني ـ حيدر آباد ـ الهند ـ 1400 هـ.



(47)
الأوصياء و هو بعلك...» (1).
     و روي نحوه عن أمير المؤمنين عليه السلام، و ابن عباس، و أبي سعيد الخدري، و علي بن علي الهلالي عن أبيه ، و غيرهم (2).
     5ـ و عن أنس بن مالك، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : « يا أنس، اسكب لي وضوءاً» ثم قام فصلّى ركعتين. ثم قال: « يا أنس، أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجلين ، و خاتم الوصيين» . قال أنس: قلت : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار ـ و كتمته ـ إذ جاء عليّ. فقال : « من هذا يا أنس؟» فقلت: عليّ. فقام مستبشراً فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، و يمسح عرق علي بوجهه، فقال علي: « يا رسول اللّه ، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل؟» قال صلّى اللّه عليه و آله: « و ما يمنعني و أنت تؤدّي عني، و تسمعهم صوتي، و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟» (3).

(1) المعجم الكبير / الطبراني 4: 171/ 4046 و 4047، المناقب/ ابن المغازلي: 101 / 144، المناقب/ الخوارزمي: 63 ، مجمع الزوائد 8: 253 ، كفاية الطالب: 296 ـ باب (77) ، كنز العمال 11: 604 / 32923 ، منتخب كنز العمال ـ بهامش مسند أحمد 5: 31.
(2) المعجم الكبير / الطبراني 3: 57 / 2675، مجمع الزوائد 8: 253 و 9: 165 ، المناقب/ الخوارزمي : 206 ، مقتل الحسين عليه السلام / الخوارزمي 67 ـ مكتبة المفيد ـ قم ، ذخائر العقبي : 136، المناقب / ابن المغازلي: 151 ، البيان في أخبار صاحب الزمان عليه السلام / الكنجي: 502 ـ باب (90) أخرجه عن الدار قطني ـ مطبوع مع (كفاية الطالب) للمؤلف ـ طهران ـ 1404 هـ.
(3) حلية الأولياء / أبو نعيم 1: 66 ـ 67 ـ دار إحياء التراث العربي ـ 1421 هـ، شرح ابن أبي الحديد 9: 169 ، المناقب / الخوارزمي : 42، كفاية الطالب: 212 ـ



(48)

     6ـ و عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: « كنت أنا و علي نوراً بين يدي اللّه عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعه عشر ألف عام، فلما خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزءين: فجزءٌ أنا و جزء عليّ» (1).
     قال ابن أبي الحديد : رواه أحمد في (المسند) و في كتاب (فضائل علي عليه السلام)، و ذكره صاحب كتاب (الفر دوس ) و زاد فيه : « ثم انتقلنا حتى صرنا في عبدالمطلب، فكان لي النبوة، و لعليّ الوصية» (2).
     و في لفظ آخر : « ففيّ النبوة، و في عليّ الخلافة» (3).
دلالة الأحاديث
     نكتفي بهذا القدر من الأحاديث النبوية المصرحة بذكر الوصية، و نبيّن الآن دلالتها ، و نبدأ باستدلال الفاضل المقداد السيوري علي خلافة على عليه السلام

باب (54) و قال: هذا حديث حسن عال، تاريخ دمشق / ابن عساكر 42: 386 ـ دار الفكر ، فرائد السمطين / الجويني 1 : 145 / 109 مؤسسة المحمودي ـ 1398 هـ، العقد الثمين / الشوكاني: 41، اليقين/ ابن طاوس: 478 ـ باب (188) دار الكتاب ـ قم.
(1) فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل 2: 662 / 1130، الفردوس 3: 332 / 4884، تاريخ دمشق / ابن عساكر 42: 67، المناقب / الخوارزمي : 88، كفاية الطالب : 315ـ باب (87) و قال: هكذا أخرجه محدث الشام في تاريخه، في الجزء (350) قبل نصفه، و لم يطعن في سنده، و لم يتكلّم عليه، و هذا يدل على ثبوته.
(2) شرح ابن أبي الحديد 9: 171، و أخرجه ابن المغازلي في المناقب: 89/ 132 ـ بلفظ: فأخرجني نبياً، و أخرج علياً وصياً.
(3) الفردوس 2: 191 / 2952 ، المناقب/ ابن المغازلي : 87/ 130 ، و في ج 5 من نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار للسيد علي الميلاني بحث وافٍ لسند هذا الحديث و دلالته.



(49)
بالحديث الأول.
     قال: قوله صلّى اللّه عليه و آله : « أنت أخي ووصيي و خليفتي من بعدي و قاضي ديني » والا ستدلال به من وجهين:
     الأول: « أنت وصيي» و هذا لا ينكره أحد، فأما أن يريد بذلك التصرّف في كل ما كان للنبي صلّى اللّه عليه و آله أن يتصرّف فيه، أو بعضه. و الثاني باطل لاطلاق اللفظ و عدم تقييده و عدم قرينة دالة على التقييد. فلو اُريد لكان تلبيساً ، و هو غير جائز منه صلّى اللّه عليه و آله ، فتعين الأول , و هو المطلوب؛ لأنا لا نريد بالإمامة إلّا ذلك.
     و الثاني: قوله « قاضي ديني» على رواية كسر الدال ، و هو صريح في خلافته عليه السلام(1).
     و في لاأحاديث الستة المتقدمة إضاءات كثيرة تدلنا على بيان متعلق وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله الىأمير المؤمنين عليه السلام يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
     1ـ في الحديث الأول دلالة على أصالة مفهوم الوصية و امتداده التاريخي الى أول البعثة النبوية المباركة، حينما دعا النبي صلّى اللّه عليه و آله عشيرته الأقربين يوم الأنذار ، مما يعبّر عن أهمية هذا المفهوم و خطورته و عمقه في مسيرة الرسالة، و يؤكد ممارسة النبي صلّى اللّه عليه و آله للاعداد الرسالي لشخص الوصي كي يهيئه لزعامة الأمة من بعده بأمر من اللّه ، لما تقدّم من أن الإمامة منصب إلهي ، و يدحض

(1) اللوامع الإلهية / الفاضل المقداد: 281، و نحو ذلك قال العلّامة في كشف المراد: 396 ( منشورات شكوري ـ قم ) في رواية كسر الدال ، و قال الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي (2: 166 ـ دار الكتب الإسلامية ـ قم ) : و في بعض الروايات « و قاضي ديني » بكسر الدال ، و هذه الرواية صريحة بالإمامة؛ لأن القاضي بمعني الحاكم ، و إذ كان حاكماً في جميع الدين ، فهو الإمام.


(50)
حجّة القائلين بأن متعلق الوصية لا يتجاوز رعاية الأولاد و الأهل و قضاء الديون و غيرها من العهود الواردة في الوصايا العامة.
     2ـ و في الحديث الرابع دلالة على أن اختيار الوصي هو اختيار إلهي لا يتدخل فيه أحد، فهو تعالى يختار النبي صلّى اللّه عليه و آله من بين أهل الأرض كافة، ثم يختار الوصي على نسق اختيار النبي، ثم يوحي الى النبي بتعيينه خليفةً من بعده، و ليس ثمة خليفة للنبي غير وصيه.
     و يدلّ عليه أيضاً ما رواه ابن اسحاق في سيرته عن سلمان رضي اللّه عنه أنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إنه ليس من نبي إلّا وله وصيّ و سبطان ، فمن وصيك و سبطاك؟ فلم يجبه صلّى اللّه عليه و آله ... الى أن قال: « سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر، و قد أتاني أن اللّه عزّوجل قد بعث أربعة اَلاف نبي، و كان أربعة آلاف وصي، و ثمانية اَلاف سبط، فو الذي نفسي بيده لأنا خير النبيين ، و إن وصيي لخير الوصيين، و سبطاي خير الأسباط» (1).
     و سنأتي على بيان دليل الاصطفاء الإلهي في شخص أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام في مبحث خاص من هذا الفصل.
     3ـ تشتمل الأحاديث المتقدمة على جملة أدلة جلية على أن المراد بلفظ الوصي هو القائد الرسالي و الخليفة الذي يلي الرسول صلّى اللّه عليه و آله في اُمته.
     منها: اقتران لفظ الوصي الوارد في الأحاديث بألفاظ اُخرى تدلّ على المضمون السياسي والقيادي، كالخليفة والوزير و موضع السرّ و قاضي الدين و منجز الوعد و غيرها.

(1) سيرة ابن إسحاق: 124 ـ 125 ـ دار الفكر ـ بيروت.


(51)