فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا لهُ أنصار صدق مواليا (1)
     و منهم قيس بن سعد بن عبادة حيث قال:
وعلي إمامنا و إمام يوم قال النبي: من كنت مولا إن ما قاله النبي علي الأُمـّـ لسوانا أتى به التنزيلُ ه فها مولاه، خطب جليلُ ــةِ حتمُ ما فيه قالٌ و قيلُ (2)
     و منهم عمرو بن العاص حيث قال:
و كم قد سمعنا من المصطفى وفي يوم خمّ رقى منبراً و في كفّهُ معلناً ألستُ بكم منكم في النفوس فأنحله إمرة المؤمنين وصايا مخصصة في علي يبلّغ والركبُ لم يرحلِ ينادي بأمر العزيز العلي بأولى فقالوا بلى فافعلِ من اللّه مُستخلف المُنحِلِ(3)
     2ـ و عن عمران بن حصين، قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : « إنّ عليّاً منّي و أنا

(1) الجمل / المفيد : 220 ـ دار المفيد ـ 1414 هـ، الارشاد / المفيد 1: 177 ـ دار المفيد ـ 1414 هـ، الفصول المختارة / السيد المرتضي 209 و 235 ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ 1405 هـ، المناقب / الخوارزمي: 80 ، مقتل الحسين/ الخوارزمي 1: 47، تذكرة الخواص: 39، المناقب / ابن شهر آشوب 3: 37، كنز الفوائد / الكراجكي 1: 268 ـ دار الأضواء ـ بيروت ، كشف الغمة / الاربلي 1: 319 ـ تبريز ـ إيران ، كفاية الطالب: 64، و خرجها الأميني في الغدير 2: 65 من (26) مصنّفاً.
(2) الفصول المختارة: 236، كنز الفوائد 2: 98، تذكرة الخواص: 39، المناقب / ابن شهر آشوب 3: 37، و خرّجها الأميني في الغدير 2: 113 من عدّة مصادر.
(3) الغدير 2: 173 ـ 174 عن عدّة مصادر.



(72)
منه، و هو وليّ كلّ مؤمن بعدي» (1).
     3ـ وعن زيد بن أرقم ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: « من يريد أن يحيا حياتي، و يموت موتي، ويسكن جنّة الخلد التي و عدني ربّي، فليتولّ علي بن أبي طالب، فانه لن يخرجكم من هدى ،و لن يدخلكم في ضلالة» (2).
و هو صريح بأمر التمسّك بولايته.
     4ـ و عن عمار بن ياسر ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : « أُوصي من آمن بي و صدّقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولّاه فقد تولّاني، و من أحبّه فقد أحبّني، و من أحبّني فقد أحبّ اللّه، و من أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه عزّوجلّ» (3).
     و هذا الحديث يدل على أن المراد بالولاية هنا أو لوية التصرّف، لا المحبّة كما قيل، لأنه صلّى اللّه عليه و آله ذكر الولاية أولاً ، ثمّ عطف عليها بذكر المحبة، و ذلك يقتضي المغايرة.
رابعاً: الوراثة
     1ـ عن ابن أبي أوفى ـ في حديث المؤاخاة ـ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: « والذي بعثني بالحق ، ما أخرتك إلّا لنفسي، و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي » قال: « ما أرث منك يا نبي اللّه؟» قال: « ما ورثت الأنبياء من قبلي » قال:

(1) خصائص النسائي: 23 ـ مطبعة التقدّم ـ القاهرة ، مسند أحمد 4: 438، سنن الترمذي 5: 632 / 3712.
(2) مستدرك الحاكم 3: 128 و صححه.
(3) ترجمة عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق / ابن عسار 2: 597 و 598 ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ 1398 هـ، مجمع الزوائد 9: 111، المناقب / لابن المغازلي: 230 / 277/ كنز العمال 11 : 610 / 32953.



(73)
« و ما ورثت الأنبياء من قبلك؟ » قال: « كتاب ربّهم ، وسنّة نبيهم» الحديث (1).
     2ـ عن أبي إسحاق، قال: سألت قثم بن العباس: كيف ورث علي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقاً ، و أشدّنا به لزوقاً (2).
     و واضح أن السبق الى الإسلام و شدّة القرب من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يقتضيان حجب الأقرب في النسب عن حقّه في الإرث، فلابدّ أنّه يعني به الارث المتعلق بالخلافة النبوية و مقتضياتها من الكتاب و العلم كما في الحديث الأول، و الاعداد النبوي و السابقة كما في هذا الحديث ، و ليس الإرث بالمدلول الفقهي المتعارف.
     و من هنا كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : « ... واللّه إني لأخوه ووليه و ابن عمّه ووارث علمه، فمن أحقّ به منّي؟» (3) أي في خلافته.
خامساً: الوزارة:
     1ـ عن أسماء بنت عميس، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: « اللهمّ إني أقول كما قال أخي موسى: اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي، أخي علياً، اشدد به أزري، و أشركه في أمري، كي نسبّحك كثيراً ، و نذكرك كثيراً ، إنك كنت بنا بصيراً» (4).

(1) ترجمة عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 1: 123 / 148، الرياض النضرة 3: 119، تذكرة الخواص: 31، نظم درر السمطين / الزرندي : 95 ـ مطبعة القضاء ـ النجف ـ ط 1 ـ 1377 هـ.
(2) المستدرك / الحاكم 3: 125، و صححه.
(3) المستدرك / الحاكم 3: 126.
(4) الرياض النضرة 3: 101 ، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل 2: 678 /



(74)
و الأمر في قوله صلّى اللّه عليه و آله : « و أشركه في أمري» يتعلّق بالمهام التبليغية في حركة الرسالة والأداء عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و غير ذلك من مواقع الإمامة و القيادة.
     2ـ و عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: « ألا اُرضيك يا علي؟» قال: « بلى يارسول اللّه » قال: « أنت أخي و وزيري، تقضي ديني، و تنجز موعدي، و تبرئ ذمّتي ...» (1).
     3ـ قال ابن أبي الحديد: و يدلّ على أنه وزير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من نص الكتاب و السنة، قول اللّه تعالى: (وَ اجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ** هَارُونَ أَخِي ** اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ** وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)(2) و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام: « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنه لا نبي بعدي» (3) فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى، فاذن هو وزير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و شادّ أزره، ولو لا أنه خاتم النبيين لكان شريكاً في أمره.(4)
سادساً: الإمرة
     1ـ عن جابر بن عبداللّه ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو آخذ بضبع علي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه و هو يقول: « هذا أمير ـ إمام ـ البَرَرة ، و قاتل الفَجَرة،

1158، شواهد التنزيل 1: 479 ـ 483، تذكرة الخواص: 30 ، ترجمة عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 1: 120 / 147.
(1) المعجم الكبير / الطبراني 12: 321/ 13549، مجمع الزوائد 9: 124.
(2) سورة طه: 20 / 29 ـ 32.
(3) راجع : صحيح البخاري 5: 89 / 202، صحيح مسلم 4: 1870 / 30 ـ 32، مسند أحمد 1: 170 و 177 و 179 ، سنن الترمذي 5: 638 / 3724، سنن ابن ماجة 1: 45/ 121 ـ دار الفكر ـ بيروت.
(4) شرح ابن أبي الحديد 13: 211.



(75)
منصور من نصره، مخذول من خذله>> (1).
     2ـ عن بريدة الأسلمي، قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن نسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين (2). و إمرة المؤمنين لا يمكن تأويلها بغير معنى الخلافة و القيادة.

المبحث الثالث: مظاهر الاصطفاء

     ذكرنا في دلالة أحاديث الوصية أن اختيار الوصي هو اختيار إلهي لا يتدخّل فيه أحد، ذلك لأن الوصية امتداد لحركة النبوة و القيام بأعباء استكمال المسيرة النبوية في قيادة الأُمّة و حفظ رسالتها، والوصي خليفة النبي و وارث علمه و حامل أسراره، فلابدّ أن يمتلك مؤهلات و مزايا خاصة ليست في غيره من سائر الناس تؤهّله لتسنّم الخلافة و نيل شرف الوصاية، و تلك المزايا هي مظاهر للاصطفاء الإلهي تتجسّد في شخص الوصيّ دون غيره من أفراد الأُمّة.
     و من يتعمّق في دراسة خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يجد

(1) المستدرك / الحاكم 3: 129، الصواعق المحرقة: 125 باب 9 ـ مكتبة القاهرة ـ ط 2 ـ 1385هـ، ترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 476 / 1004 و 478 / 1005، الجامع الصغير/ السيوطي 2: 177 / 5591 ـ دار الفكر ـ بيروت.
(2) ترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 260 / 784، تلخيص الشافي 2: 45، أمالي الطوسي: 331 / 661، اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليه السلام / ابن طاوُس: 132 ـ باب 3، و 1762 ـ باب 176، و 229 ـ باب 69، و 362 ـ باب 128 ـ دار الكتاب ـ قم ـ 1413 هـ.



(76)
مظاهر الاصطفاء و العناية الإلهية واضحة فيه معدومة في غيره، و كلّها تشهد له بالخلافة و الولاية بعد ابن عمّه المصطفى صلّى اللّه عليه و آله، و فيما يلي نذكر بعضها:
أولاً ـ الولادة في البيت
     فقد تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ـ رضي اللّه عنها ـ ولدت أمير المؤمنين عليه السلام في جوف الكعبة (1). و تلك فضيلة باهرة و منقبة عظيمة اختصّ بها دون سواه، و نال بها شرف الاصطفاء في خصوصية الزمان ، والتفرّد في شرف المكان. أما من حيث تجليات الاصطفاء في زمان الولادة، فقد شاءت الارادة الإلهية أن يطلّ الوصيّ على الدنيا في وقت ارها صات النبوة، و تباشير الرحمة، حيث كان المصطفى صلّى اللّه عليه و آله يسمع الهتاف من السماء، و يسلّم عليه الحجر والشجر، و هو في ربيعه الثلاثين، و كان منقطعاً الى عبادة ربه (ففي خارج البيت العتيق كانت الارادة الإلهية تهيء للناس رسولاً كريماً يتحدّى عالم الأوثان، و في داخل البيت كانت الارادة الإلهية قد هيأت للمصطفى خليلياً أدار ظهره للأصنام منذ

(1) راجع: مستدرك الحاكم 3: 483، مناقب ابن الغازلي: 6/ 3، الفصول المهمة/ ابن الصباغ المالكي: 30 ـ دار الكتب التجارية ـ النجف، تذكرة الخواص: 10، كفاية الطالب: 405 ـ 406، روضة الواعظين / الفتال النيسابوري: 81 ـ منشورات الرضي ـ قم، كشف الغمة 1: 59، العمدة / ابن البطريق: 27 / 8 ـ جماعة المدرسين ـ قم ـ 1407 هـ، أمالي الطوسي 706/ 1511، علل الشرائع / الصدوق: 1 135 / 3ـ المكتبة الحيدرية ـ النجف ـ 1385هـ ، معاني الأخبار / الصدوق: 62 / 10 ـ جماعة المدرسين ـ قم ، أمالي الصدوق 194 / 206، إرشاد القلوب / الديلمي: 211 ـ منشورات الشريف الرضي ـ قم، كشف اليقين/ العلّامة الحلي: 17 ـ وزارة الثقافة و الارشاد ـ إيران ـ 1416 هـ، نهج الحق / العلّامة الحلي: 233 ـ دار الهجرة ـ قم ـ 1407 هـ.


(77)
اللحظة الأولى للولادة)(1).
     أما تجليات الاصطفاء في اختيار الكعبة المشرفة مكاناً لولادة الوصيّ عليه السلام، فلا ريب أن اللّه تعالى قد طهره بأن جعل مولده في أعظم بيوت عبادته ، و معلوم أن ولادته عليه السلام في بيت العبادة بما يكتنفها من ظواهر إعجازية خارجة عن المألوف و عن موارد المصادفة، كانشقاق جدارالبيت ، وخروج الوليد شاخصاً بوجهه الى السماء، مستقبلاً الأرض بكفيه ، ناطقاً باسم اللّه، مديراً ظهره للأصنام، كل ذلك دليل على أن تلك الولادة في مكانها و كيفيتها و زمانها، كانت اصطفاءً تتجلّى فيه المشيئة الإلهية، و أن الوصي كان محل العناية الربانية منذ يوم ولادته (وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(2).
ثانياً ـ التربية النبوية
     و من مظاهر الاصطفاء في شخص على عليه السلام هو حصوله علي شرف التربية النبوية منذ نعومة أظفاره حتى رحيل المصطفى صلّى اللّه عليه و آله الى رحمة ربّه حيث كان آخر الناس عهداً به.
     تربّى عليّ في حجر النبي صلّى اللّه عليه و آله بعيداً عن أباطيل الجاهلية، و دون أن تُلبسه من مدلهمات ثيابها، أو تنجسه بأنجاسها، فقد ولد في الجاهلية مسلماً و أحزر قصب السبق الىالإيمان بالإسلام ، مكرماً وجهه عن الشرك وعبادة الأوثان، و تلقّته يد البنوة لتحنو عليه منذ الصغر، فكان النبي صلّى اللّه عليه و آله يلي تربيتهن و يراعيه في نومه و يقظته و يحمله علي صدره وعاتقه، و يحبوه بألطافه و تحفه،

(1) علي بن أبي طالب سلطة الحق/ عزيز السيد جاسم: 15 ـ مؤسسة سينا للنشر ـ مصر ـ و مؤسسة الانتشار العربي ـ بيروت ـ 1997 م.
(2) سورة البقرة : 2 / 105.



(78)
و يقول: « هذا أخي و ناصري، و صفيي وصيي، و ذخيرتي و كهفي» (1).
     و كان علي عليه السلام يتبعه ابتاع الظلّ ، مقتد ياً بمكارم أخلاق معلّمه العظيم، و عظمة نفسه، و طهره و نقائه، و حسن سيرته، و بذلك تهيّأت له فرص التفاعل مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و الاندماج بخط رسالته ما لم يتهيأ لغيره، قال عليه السلام: « قد علمتم موضعي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالفرابة القريبة و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا وليد، يضمني الى صدره، و يكنفني في فراشه، ويُمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، ... و لقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، و يأمرني بالاقتداء به ...»(2).
     و من مظاهر شرف الاصطفاء، هو انتقال الوصي منذ السادسة من عمره الى بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله، ذكر البلاذري و علي بن الحسين الأصفهاني: أن قريشاً أصابها أزمة و قحط، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعمّيه حمزة و العباس « ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المَحْل؟» فجاءوا إليه ، وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا لي عقيلاً، و خذوا من شئتم، فأخذ العباس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً، و أخذ محمّد صلّى اللّه عليه و آله علياً عليه السلام و قال لهم: « قد أخذت ـ من اختاره اللّه لي عليكم ـ علياً» (3).
     إذن فقد شاءت عناية الربّ أن يعيش الوصيّ عليه السلام في كنف النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أن يمتاز من دون سائر أفراد الأُمّة بعمق وجوده في حياة النبيّ القائد صلّى اللّه عليه و آله، فهو

(1) اثبات الوصية: 121، كنز الفوائد 1: 255.
(2) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح: 300 / خ 192.
(3) شرح ابن أبي الحديد 1: 15.



(79)
ربيبه، تأدّب علي يديه، و تعلّم خصال نفسه الزكية، و كان من ثمار تلك العناية الإلهية و التربية النبوية إن صارت شخصية الوصي عليه السلام نسخة ناطقة بشمائل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سيرته و عبادته و علمه و شجاعته و كرمه و زهده و صبره و هديه، و أن ينال الذروة العليا من مبادئ الاستقامة و الشرف و العظمة و السيادة، و أن يتحلّى بخصائص فريدة و مناقب فذّة و مزايا عجيبة. قال صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: « أنت مني، و أنا منك»(1) و قال صلّى اللّه عليه و آله: « ما من نبيّ إلّا وله نظير في اُمته، و علي نظيري». (2).
ثالثاً ـ السبق الى الإسلام و التقدّم الى الإيمان
     ليس في حياة علي عليه السلام يوم للشرك أو الوثنية، بل ولد في الإسلام دفعة واحدة و الى الأبد، فكان مثار أُعجوبة و دهشة أبدية، أن يولد علي عليه السلام مسلماً في زمن الجاهلية، و ذلك شرف عظيم لا يدانى، و مظهر من مظاهر الاصطفاء لا يضاهى.
     و حينما بلغ علي عليه السلام العاشرة، كان الوحي قد أمر الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالدعوة، فكان عليّ عليه السلام ربيب الوحي و غرسة النبوة، يرى نور الوحي و الرسالة: و يشمّ عبق النبوة، و يسبق الناس الى الايمان بالواحد الأحد، والتصديق بالنبي الخاتم صلّى اللّه عليه و آله ، و التقدّم الى محراب الصلاة مع ابن عمّه المبعوث رحمةً للعالمين.
     قال أمير المؤمنين عليه السلام: « و لقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه و لا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

(1) صحيح البخاري 4: 22 و 5: 87، سنن الترمذي : 635 / 3716، مصابيح السنة / البغوي 4: 172 / 4765.
(2) الرياض النضرة 3: 103 ، ذخائر العقبي : 64.



(80)
و خديجة، و أنا ثالثهما، أرى نور الوحي و الرسالة، و أشمّ ريح النبوه، و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّى اللّه عليه و آله ، فقلت: يار سول اللّه ، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، و ترى ما أرى، إلّا أنك لست بنبي، و لكنك لوزير، وإنّك لعلى خير ...» (1).
     وقال عليه السلام : « أنا عبداللّه و أخو رسول اللّه ، و أنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كاذب، صلّىت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأُمّة» (2).
رابعاً ـ السبق في العلم
     و من مظاهر الاصطفاء سبق عليّ عليه السلام لكلّ من عاصره من الصحابة و غيرهم في العلم، فلقد أودع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّاً عليه السلام سنَّتَه كاملةً و كان أعلم الناس بها، كما في حديث عائشة(3)، و علّمه ألف بابٍ من العلم ، يُفتح له من كل باب ألف باب (4) ، و كان يخصّه بمفاهيم الرسالة و خصائصها، و يختلي به و يناجيه لساعات طويلة من الليل و النهار، فكان له من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مدخلان: مدخل بالليل و مدخل بالنهار(5) ، ويأتيه كل سحر و كلّ غداة (6)، و كان عليه السلام يقول: « إذا سألت رسول اللّه أبنأني ـ أو أعطاني ـ و إذا سكّت

(1) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح: 301 / خ 192.
(2) المستدرك / الحاكم 3: 111 ـ 112.
(3) الصواعق المحرقة: 127.
(4) ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 485 / 1012.
(5) مسند أحمد 1: 80، سنن ابن ماجة 2: 1222 / 3708.
(6) مسند أحمد 1: 85 وو 107.



(81)